. بينما كان الطفل «سعيد» ذو العشرة أعوام يتجول مع والده في أحد المجمعات التجارية لفت الانتباه بحديثه الذي ربما يكون غريبا نوعا ما؛ كان يسأل والده عن سبب عدم شرائه قطعة حلوى مغلفة ذات ألوان جاذبة للأطفال، كان يسأل والده «هل عليها الإي؟».. الأب قال بما معناه إنها مضرة وقد تجذب الأمراض.. رضخ الطفل لتحذيرات الأب الصارمة.. وإن بدا غير مقتنع؛ فكل ممنوع مرغوب عند الأطفال.
الدوحة - عباس محمد إبراهيم
الفضول دفعنا للمزيد من المتابعة لذلك الوالد الذي يدقق في أنواع الحلوى قبل أن يشتريها لأبنائه.. استوقفنا الأب وهو يقلب في يده قطعة حلوى مغلفة بألوان جذابة تسرق إعجاب كل طفل، وقد يسيل لها لعاب الكبار ممن لم تسعفهم السنوات ومرت طفولتهم مثلنا في وقت كان فيه العصير المعمول في البيوت نوعا من الترف.. سألت الأب مستفسرا عن سبب ثورة هذا الشبل أخبرني بأن «سعيد» يقصد الملونات الغذائية التي تدخل في الكثير من الحلويات والمشروبات والمأكولات ويرمز لها بحرف (e) وتضم رقما معينا.. وأردف: نحن لا نستخدم أي نوع من المعلبات غير الطبيعية، وعقدنا اتفاقا أنا وابني وزوجتي، لذا كان هذا المنع عن تلك الحلوى، هذه المصادفة التي صنعها سؤال الطفل «سعيد» وضعتنا أمام عدد من الأسئلة حملتها «العرب» بدورها إلى مختصين ومواطنين ومقيمين لاستطلاع رأيهم بمجموعة من الأسئلة: هل نحن في أمان من هذه المواد التي تملأ الأسواق؟ وما هي معرفة المستهلكين بمخاطر الملونات والمواد الحافظة؟ كيف نعرفها؟ كيف نحمي أطفالنا وأسرنا من مخاطرها؟ ولا تنتهي بهل كل ما يقال عن ضررها صحيح؟
حالة قلق مسيطرة
ربما لا أحد من المواطنين والمقيمين يملك إجابات قاطعة لكل هذه الأسئلة وهو الأمر الذي يفسر حالة القلق التي تسيطر على الكثيرين، فأغلب الأسر تعيش في دائرة من الخوف بسبب الملونات الغذائية التي يكثر الحديث عن أضرارها، ولعبها دورا أساسيا في التسبب بالكثير من الأمراض، منبع الخوف هو ما تعج به المواقع الإلكترونية من تحذيرات عن وجود هذه العناصر القاتلة، ودخولها في تصنيع الكثير من الحلويات والعصائر والمأكولات التي تمثل جزءا أساسيا من حياتنا اليوم، ولا يمر يوم دون أن تقتحم هاتفك الجوال رسالة من صديق أو قريب تخبرك بما توصلت له إحدى الدراسات حول وجود مادة مسرطنة يحتوي عليها واحد من المشروبات، ورغم المخاوف والهواجس لا أحد يستطيع أن يمنع نفسه بشكل كامل عنها بسبب التحولات التي حدثت في الحياة، وباتت مهمة الحصول على غذاء صحي ليست سهلة في أيامنا هذه، وبشكل خاص مع النمط الغذائي الذي بات يحاصر الجميع من حيث استهلاك الوجبات السريعة والحلويات والمعلبات والعصائر المستوردة وخلافه. وتبقى الطامة الكبرى هي أن الضحية الأكثر تعرضاً للخطر هم الأطفال من حيث عدم وعيهم من جهة وإهمال الأهل من جهة أخرى. حتى أصبح تناول الحلوى الملونة والمشروبات الغازية بمثابة أمر روتيني يومي لدى معظم الأطفال، وفي المقابل هناك تراجع أو قلة في تناول المأكولات الطبيعية المفيدة مثل الخضراوات والفواكه الطازجة، إذن الحذر واجب وكل المخاوف في مكانها لأن الملونات الصناعية تعد من أكثر الإضافات الغذائية خطورة عوضا على أن آثارها السلبية تظهر على المدى البعيد.
توعية أطفالنا ضرورة
حسنا دعونا نعودة مرة أخرى لنستمع إلى ما يقوله والد الطفل «سعيد» المقيم العربي الفاتح سعيد حواية الله الذي عزا مقاطعته لكل المواد المصنعة التي تحتوي على مواد غير طبيعية إلى الحيرة التي يعيشها المستهلكون بسبب كثرة الحديث عن بعض المواد الغذائية المنتشرة وتسببها في انتشار الأمراض، وأضاف الفاتح من الطبيعي، بل من المهم جداً أن يهتم الفرد بقراءة محتويات المواد الغذائية التي تباع في الأسواق، ويتجنب شراء أي طعام مكتوب عليه كلمات غير مفهومة بالنسبة له فهذا أول الطريق نحو الابتعاد عن هذه السموم، وأشار إلى أن قراره بسبب رسالة تحذيرية استقبلها عبر الواتس آب وقام بالبحث عن محتواها التحذيري ويقول الفاتح قبل هذه الرسالة: فإن معرفتي البسيطة كان تدفعني للابتعاد عن أي مواد تسبب الترسبات في الكلى أو أضرار بالجهاز الهضمي؛ لذا لدي طريقة انتقائية في التسوق، وتابع محدثنا: ابني يجيد القراءة الأمر الذي ساعدني في التحدث معه عن المخاطر بعيدا عن الأمر والنهي، لكن بطريقة مبنية على المعرفة بعيدا عن عقلية الخطوط الحمراء حتى يقدر على التقاط رسالتك، وزاد الآن هو يعرف ما ينفعه ويضره من المواد بل يقوم بنقل معرفته هذه إلى أصدقائه في المدرسة، واعتبر الفاتح أن الحلول هي اللجوء إلى استخدام الخضراوات الطبيعية، وفي حالة الضرورة يجب اختيار المعلبات بعناية بعيدا عن المواد المثبتة التي تدخل في تصنيعها، وأشار إلى أهمية لعب الإعلام بمختلف ضروبه دورا توعويا وتعريفيا عن هذه المخاطر والعاتق الأكبر يقع على حماية المستهلك للبحث عن خلفيات هذه المواد التي تباع في كل مكان.
رقابة وتوعية
ما بين الاهتمام الأسري ومتابعة الأطفال وتوعيتهم من المخاطر تلعب الإعلانات الأشكال التي تقوم بتصميمها الشركات دورا آخر معاكسا تماماً لجذبهم ورفع مبيعات منتجاتهم، وتقول أم ريل لـ «العرب»: أولادي يتناولون المواد المضاف إليها الملونات، بسبب الإعلانات التي تعرض بشكل مستمر في الفضائيات، أنا لم أكن أعي مخاطرها إلا حين أصيب أحدهم بتسمم غذائي جراء تناوله لمشروب ملون، ونقلناه إلى المستشفى، فأخبرني الدكتور أن السبب يعود لتناوله من مواد ضارة ومن ذلك اليوم حرصت على عدم شرائهم لمثل تلك المنتجات. أما في جانب آخر فتقول أم سلمان وهي ربة منزل: أصابني الإرهاق والتعب بسبب متابعة أطفالي ومطالبتهم بعدم شراء المنتجات المحتوية على الملونات والمضافات، ومنذ فترة أتبع طريقة معينة وهي تجهيز الحلويات والسندويتشات في المنزل، ولكن رغم ذلك يتجهون لتلك المواد عند خروجهم للمدرسة أو الأسواق والأمر بسبب الإعلانات الدعائية، وتضيف أتمنى أن يتم عمل رقابة على المحلات التي تجاور المدارس وتوعية الأطفال بالمخاطر داخل قاعات الدرس.
مخاطر صحية
عند الحديث إلى المختصين خرجنا بأمرين مهمين أن المخاوف التي تعتري الكثيرين في مكانها، الأمر الآخر هو أن العلاج من هذه السموم في متناول أيدي الجميع، لكن قبل أن نفصل ذلك لنستمع إلى ما ذهبت إليه اختصاصية التغذية في مستشفى العمادي الدكتورة عائشة صقر عندما طرحنا عليها أسئلتنا حول المخاطر التي يتحدث عنها الناس؟ وما الطرق التي يجب اتباعها للمحافظة على أطفالنا وأنفسنا؟ أولاً اعتبرت أن الغرض من استخدام المواد الصناعية والأصباغ المضافة للغذاء هو تحسين النكهة وحفظ الغذاء وزيادة المبيعات، لكنها تشدد على أن كلما كان الشخص أقل عرضة للمواد المصنعة والمواد الحافظة كان أكثر أمانا؛ لذلك نقول وننصح دائما بالاعتماد على الأكل المصنع منزليا حتى نبتعد عن المواد التي تسبب السرطانات والاختلالات المتعلقة بالجهاز الهضمي، وتضيف صقر بعض الدراسات أشارت إلى أن هناك أنواعا معينة من الأصباغ لها تأثير على الجهاز العصبي والنفسي لدى الأطفال، وتردف لاحظ الأطباء والاختصاصيون أن المادة الحافظة (e330) والمتواجدة بكثرة في رقائق البطاطس (الشيبس) تسبب حالات اضطراب السلوك للأطفال وفرض الحركة لديهم وتشتيت الانتباه وصعوبة التعلم وهذا على سبيل المثال لا الحصر على حد قولها.
وعددت دكتورة عائشة الكثير من المواد التي طالبت بالابتعاد عنها قدر الإمكان بسبب الأضرار التي تسببها للكبار والصغار، مشيرة إلى أن المصنعين يقومون بإضافة المواد الصناعية مثل اللون الأصفر اللامع للكريم كرمل ودريم ويب بهدف تحسين النكهة واللون وكسب عدد أكبر من المستهلكين، وحذرت من استخدام المعلبات واللحوم الباردة والتي يكثر استخدامنا لها بسبب احتوائها على مادة (النيتريت) والتي تصنف عالميا بأنها غير آمنة للاستخدام وقد تسبب السرطانات؛ لذا ننصح دائما بالتقليل منها.
مسرطنات
وعن المواد الأكثر ضررا أشارت صقر إلى (e110.e102) باعتبارها حسب الدراسات أكثر سمية وتعتبر مواد مسرطنة، وهناك مواد أخرى تستخدم بإفراط في تصنيع العصائر هي مواد e100 و199 e وe110 وهذه مواد حافظة مصنفه أنها مواد سامة جدا.
وطالبت محدثتنا الأمهات بالانتباه دائما لرقائق البطاطس (الشيبس) والتأكد من أنه خالٍ من وجود مادة حافظة تعرف باسم (e330).
وأضافت بشكل عام يوجد العديد من المواد الغذائية التي تحتوي على مادة (bht) و (bha)، بجانب البنزويك أسيد والتي تعتبر أيضاً من المواد الصناعية غير الآمنة للاستخدام، وقد أشارت الدراسات إلى أن العديد من الاختلالات الصحية يرجع لتناول الغذاء الصناعي ومنها ارتفاع الكولسترول، اضطرابات الغدد الدرغية والكلى والجهاز العصبي والعديد من الأمراض؛ لذلك نقول إنه يفضل تجنب المواد الغذائية التي تحتوي على مواد حافظة يحتوي رمزها على e من 100 إلى 200 وعدم تناولها.
وتعود صقر وتضيف حتى لا نتسبب في الذعر للمستهلك من الممكن أن نربط الدين بالعمل ونقول: (اتبع السيئة الحسنة تمحها) ففي حال تناول أي مادة غذائية مصنعة ننصح أطفالنا وأنفسنا بتناول مادة طبيعية تحتوي كمية عالية من مضادات الأكسدة مثلا بعض رقائق البطاطس (الشيبس) لا مانع من تناولها بكمية قليلة وغير متكررة شرط إتباعها بمادة طبيعة مفيدة كالفواكه والتي كلما كانت ذات ألوان داكنة (الأخضر البرتقالي الأحمر) تكون أكثر فائدة وأسرع للتخلص من الأصباغ والمواد الحافظة، لكن الأفضل أيضاً هو تصنيع الغذاء في المنزل واستبدال الهابيرقر المصنع بمنزلي والشيبس برقائق البطاطس الطبيعية العصائر بعصائر طبيعية، مطالبة في الوقت نفسه أن تزيد الجهات الرقابية من جهودها الملموسة وتنقيح القوائم وتحديثها حتى تشمل أسماء المواد المحظورة وشديدة السمية، ولا يفوتنا أن نوجه لهم رسالة شكر لما ظلوا يقدمونه ونشد على أيديهم بضرورة التركيز على جميع الأغذية.
غذاء الأطفال واجب مجتمعي
يبقى الأمر المتفق عليه هو أن الملونات التي تضاف إلى الأغذية وبشكل خاص أغذية الأطفال تحمل خطورة كبيرة وبشكل خاص إذا ما استهلكت هذه الأغذية بشكل مبالغ فيه؛ حيث تستعمل بكثرة في إعطاء اللون للحلويات وسكاكر الأطفال، وأهم المشكلات الصحية لهذه الملونات وأخطرها تظهر على المستوى البعيد، إذن نحن لسنا في أمان وبحاجة إلى عمل من أجل تقليل استخدامها فهل من سبيل لذلك؟
الاستشاري الأسري والباحث الاجتماعي ناصر المالكي يعتبر أن الأمر ممكن لكنه لا يخلو من صعوبة، ويضيف في حديثه لـ «العرب»: تغذية الأطفال مسؤولية اجتماعية لا تقتصر على الأسرة فقط؛ لأنه يقضي وقتا كبيرا بالخارج، ومع انتشار المواد المختلفة حاليا والمصنعة هناك ضرورة للوقوف والعمل على التقليل من استهلالكها وهذا العمل حسب رأي محدثنا تشاركي يقوم به كل أفراد المجتمع، بيد أن المالكي يشدد على أمر آخر وهو تربية الطفل وتعليمه عن طريق الابتعاد عن هذه المواد عبر امتناع الكبار في المنزل من تناولها، وفتح حوارات ومناقشات عن المخاطر التي تحتويها واتباع طريق العلاج وليس العقاب، والتركيز على متابعة البرامج التثقيفية، وطالب المجلس الأعلى للصحة بتنظيم حملات توعوية بالمدارس تعرض خلالها تجارب حية عن المخاطر ورفع شعار «صحتنا تبدأ من مدرستنا» يشارك فيها الطلاب والمدرسون، ويضيف في ذات السياق المشرف الإداري محمد البلوشي أن التوعية على مستوى المدارس معمول بها بشكل مستمر وبمتابعة لصيقة من قبل المجلس الأعلى للتعليم، وأضاف أنهم يقومون بمحاضرات مستمرة عن أهمية الغذاء الصحي ومخاطر الأغذية الجاهزة والمصنعة، وطالب أولياء الأمور بالمساهمة في هذا المشروع عبر توفير العصائر الطبيعية والحليب وإبعاد أبنائهم عن الغذاء المعلب، وتسأل البلوشي عن كيفية دخول مثل هذه المواد التي يكثر الحديث عن مخاطرها يوميا ولا يوجد رأي رسمي يكذب ما يقوله الناس أو يؤكد ما ذهبوا إليه، وناشد الجهات بضرورة الإعلان عما هو خطير والبحث في المواد التي يقال إنها مسببة للأمراض، لكنها متوافرة وفي أيدي الجميع. منقول