بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من البدع التي أحدثها الناس في شهر رجب ما يلي :
أولا : صلاة الرغائب : وهي اثنتا عشرة ركعة بعد المغرب في أول جمعة بست تسليمات؛ يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة سورة القدر، ثلاثاً، والإخلاص اثنتي عشرة مرة، وبعد الانتهاء من الصلاة يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- سبعين مرة، ويدعو بما شاء . وهي بلا شك بدعة منكرة، وحديثها من الاحاديث الموضوعة. ( أنظر: الموضوعات، لابن الجوزي :2/124) .
قال النووي -رحمه الله –: " واحتج به العلماء على كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب، قاتل الله واضعها، ومخترعها، فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة، جهالة، وفيها منكرات ظاهرة، وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها، وتضليل مصليها، ومبتدعها، ودلائل قبحها وبطلانها، وتضلل فاعلها أكثر من أن تحصر ". أ.هـ ( أنظر: شرح صحيح مسلم: 8/20 ، ونيل الأوطار، للشوكاني: 4/337 ) .
ثانيا : صلاة النصف من رجب :
وهو أن يخصص الشخص صلاة في النصف من شهر رجب؛ وتعتمد هذه البدعة على حديث من الأحاديث الموضوعة . ( أنظر: الموضوعات، لابن الجوزي: 2/126) .
ثالثا : صلاة ليلة المعراج :
وهي صلاة تصلى ليلة السابع والعشرين من رجب وتسمى: صلاة ليلة المعراج: وهي من الصلوات المبتدعة التي لا أصل لها صحيح لا من كتاب، ولا سنة. ( أنظر : خاتمة سفر السعادة، للفيروز أبادي، ص150 ) .
ودعوى أن المعراج كان في رجب لا يعضده دليل؛ قال أبو شامة -رحمه الله –: " ذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب ". أ.هـ ( أنظر: الباعث الحثيث: /232، ومواهب الجليل: 2/408 ) .
وقال أبو إسحاق إبراهيم الحربي -رحمه الله - : " أُسري برسول الله "صلى الله عليه وسلم" ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الأول " .أ.هـ ( أنظر: شرح صحيح مسلم، للنووي 2/209 ).
ومن يصليها يحتج بما رُوي عن النبي "صلى الله عليه وسلم" أنه قال: " في رجب ليلة كُتب للعامل فيها حسنات مائة سنة، وذلك لثلاث بقين من رجب "؛ ( رواه البيهقي في الشعب: 3/374 ).
رابعاً: دعاء دخول رجب :
وصيغته هو ما روي عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول إذا دخل رجب: " اللهم بارك لنا في رجب، وشعبان، وبلغنا رمضان " . رواه أحمد 1/259 ، والبيهقي في الشعب ( 3815) وهو من رواية زائدة بن أبي الرقاد عن زياد النميري. ( شعب الإيمان:3 /375 ) .
خامساً: ذبح العتيرة - الذبيحة - في رجب ( الرجبية ) :
استحب بعض العلماء ذبح ذبيحة " عتيرة " في شهر رجب، مستدلين بحديث مخنف بن سليم "رضي الله عنه" أنه قال: كنا وقوفاً مع النبي "صلى الله عليه وسلم" بعرفات، فسمعته يقول : " يا أيها الناس على كل أهل بيت في كل عام أضحية، وعتيرة هل تدرون ما العتيرة ؟ هي التي تسمونها الرجبية ". ( رواه أحمد: 5/76 وأبو داود: ( 2788)، والنسائي: (4224)، والترمذي: (1518) ؛ وقال الترمذي: " هذا حديث حسن غريب ولا نعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه من حديث بن عون" ) .
والجمهور: على أنها منسوخة بما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسل-" قال: " لا فَرَعَ، ولا عَتِيرَة ". ( رواه البخاري: ( 5474)، ومسلم: (1976)؛ وأنظر –أيضاً-: المغني، لابن قدامة: 9/67 ، وفتح الباري، لابن حجر: 9/512) .
قال أبو داود : " قال بعضهم : الفرع أول ما تنتج الإبل، كانوا يذبحونه لطواغيتهم، ثم يأكلونه، ويلقى جلده على الشجر، والعتيرة في العشر الأول من رجب" . ( السنن: 3/ 104) .
سادساً: العمرة في رجب :
بعض الناس يخصص شهر رجب للعمرة، ظناً منه ان في هذا الشهر مزية، وفضيلة، وردة في الشرع المطهر ، وهذا كله من البدع المحدثة في الدين .
سابعاً: صيام رجب :
رجب كغيره من الأشهر لم يرد في الترغيب في صيامه حديث صحيح، بل يُشرع أن يصام منه الاثنين، والخميس، والأيام البيض، لمن عادته الصيام، كغيره من الأشهر، أما إفراده بذلك فهذه من البدع المحدثة.
أما ما يذكره الوعاظ، والقصاصون في الترغيب في صيام شهر رجب، فهو من الأمور المحدثة في الدين؛ ويستدلون في ذلك على الأحاديث الضعيفة، والموضوعة، ومن هذه الاحاديث:
أ. حديث: " إن في رجب نهرا يقال له رجب ماؤه أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل من صام يوما من رجب شرب منه ".
( حديث موضوع رواه ابن الجوزي في الواهيات، ص12 ؛ وقال الذهبي عنه – أيضاً-: " باطل ". ميزان الاعتدال: 6/524 ) .
ب. وحديث: " رجب شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات فمن صام يوما من رجب فكأنما صام سنة ومن صام منه سبعة أيام غلقت عنه سبعة أبواب جهنم ومن صام منه ثمانية أيام فتح له ثمانية أبواب الجنة ومن صام منه عشر أيام لم يسأل الله إلا أعطاه ومن صام منه خمسة عشر يوما نادى مناد في السماء قد غفر لك ما مضى فاستأنف العمل ومن زاد زاده الله " .
رواه البيهقي في الشعب: (3801 )، والطبراني في الكبير: (5538)، وعده الحافظ ابن حجر من الأحاديث الباطلة ( أنظر: مواهب الجليل: 2/408 ) .
وفي نهاية المطاف نختم بما ذكره الحافظان ابن القيم، وابن حجر- رحمهما الله تعالى- تلخيصاً لما ذكرناه:
أ. قال ابن القيم: " كل حديث في ذكر صوم رجب، وصلاة بعض الليالي فيه، فهو كذب مفترى " أ.هـ ( أنظر:المنار المنيف، لابن القيم: /96 ) .
ب. وقال الحافظ ابن حجر: " لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا صيام شيء منه معيَّن، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة " .أ.هـ ( أنظر: لطائف المعارف، ص228 ) .
نسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يوفقنا لإتباع السنة، واجتناب البدعة، إنه جواد كريم، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين .
للاطلاع على خطبة سماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ ومعالي الشيخ الفوزان حول هذا الموضوع : أضغط هنا و أضغط هنا
********************************
ينتشر هذه الأيام رواية حديث عَنْ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: كُنَّا وُقُوفًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةٌ وَعَتِيرَةٌ هَلْ تَدْرُونَ مَا الْعَتِيرَةُ، هِيَ الَّتِي تُسَمُّونَهَا الرَّجَبِيَّةَ". أخرجه البيهقي (9/260 ، رقم 18789) . وأخرجه أيضًا : أحمد (4/215 ، رقم 17920) ، وأبو داود (3/93 ، رقم 2788) والترمذي (4/99 ، رقم 1518) والنسائي (7/167 ، رقم 4224) وابن ماجه (2/1045 ، رقم 3125). وصححه الألباني (صحيح سنن الترمذي ، رقم 1518). قال فضيلة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان حفظه الله معلقاً على هذا الحديث:..و العتيرة: الذبيحة في رجب, و هذه الذبيحة قال أهل العلم منسوخة و الرّاجح أنّ نسخ الوجوب فقط و ليس نسخ الأصل, فمن السّنة أنّ كلّ أهل بيت يذبحون ذبيحة في رجب, و هذه سُنّة مهجورة. من السّنة ذبْح ذبيحة في رجب....في المجموعات البريدية عن العَتِيرَة: وهي ذبيحة كانت العرب في الجاهلية تذبح ذبيحة في رجب يتقربون بها لأوثانهم.
العتيرة وحكمها
ما هي العتيرة ؟ وما حكمها ؟.
الحمد لله
العتيرة هي ذبيحة كان يذبحها أهل الجاهلية في شهر رجب , وجعلوا ذلك سنة فيما بينهم كذبح الأضحية في عيد الأضحى .
وأما حكمها , فقد اختلف العلماء في حكمها , وسبب اختلافهم : اختلاف الأحاديث الواردة فيها , فمنها ما أمر بها ورخص فيها , ومنها ما نهى عنها .
والصحيح من أقوالهم - كما سيأتي – أن أحاديث الأمر بها والترخيص في فعلها كانت في أول الأمر , ثم نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد اختلف العلماء في حكمها على عدة أقوال :
القول الأول : أنها سنة مستحبة , وهذا قول الإمام الشافعي رحمه الله , واستدل على ذلك بعدة أدلة , منها :
1- ما رواه الإمام أحمد (6674) والنسائي (4225) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن َالْعَتِيرَةُ فقَالَ : ( الْعَتِيرَةُ حَقٌّ ) حسنه الألباني في صحيح الجامع (4122) .
2- ما رواه الإمام أحمد وأبو داود (2788) والترمذي (1518)عن مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ : كُنَّا وُقُوفًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةٌ وَعَتِيرَةٌ . هَلْ تَدْرُونَ مَا الْعَتِيرَةُ ؟ هِيَ الَّتِي تُسَمُّونَهَا الرَّجَبِيَّةَ ) حسنه الألباني في صحيح أبي داود .
3- ما رواه النسائي (4226) عن الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلاً مِنْ النَّاسِ قال : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الْعَتَائِرُ ؟ قَالَ : ( مَنْ شَاءَ عَتَرَ ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَعْتِرْ ) ضعفه الألباني في ضعيف النسائي .
انظر : "المجموع" (8/446,445) .
القول الثاني :
أنها لا تستحب ولا تكره , وقال بهذا القول بعض الشافعية , كما حكاه النووى عنهم في "المجموع" (8/445) .
القول الثالث :
أنها مكروهة ، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها , وقال بعضهم : هي حرام باطلة .
وقالوا : أحاديث الترخيص فيها والأمر بها كانت في أول الأمر , ثم نسخت بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها .
نقل النووي في "شرح مسلم" (13/137) عن القاضي عياض قوله : " إن الأمر بالعتيرة منسوخ عند جماهير العلماء " .
واستدلوا على تحرمها بـ :
1- ما واه البخاري (5474) ومسلم (1976) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لا فَرَعَ وَلا عَتِيرَةَ ) .
والفرع هو أول ولدٍ للناقة كانوا يذبحونه لأصنامهم .
2- أن العتيرة من شأن أهل الجاهلية , ولا يجوز التشبه بهم في عباداتهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) رواه أبو داود (4031) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1269) .
وقال ابن القيم رحمه الله بعد أن ذكر بعض الأحاديث الدالة على مشروعية العتيرة :
" وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر – بعد أن ذكر بعض الأحاديث في العتيرة – قال : وَقَدْ كَانَتْ الْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّة ، وَفَعَلَهُ بَعْض أَهْل الإِسْلام , فَأَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمَا ثُمَّ نَهَى عَنْهُمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : ( لا فَرَع وَلا عَتِيرَة ) فَانْتَهَى النَّاس عَنْهُمَا لِنَهْيِهِ إِيَّاهُمْ عَنْهُمَا , وَمَعْلُوم أَنَّ النَّهْي لا يَكُون إِلا عَنْ شَيْء قَدْ كَانَ يُفْعَل , وَلا نَعْلَم أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْل الْعِلْم يَقُول : إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَهَاهُمْ عَنْهُمَا ثُمَّ أَذِنَ فِيهِمَا , وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّ الْفِعْل كَانَ قَبْل النَّهْي قَوْله فِي حَدِيث نُبَيْشَة : ( إِنَّا كُنَّا نَعْتِر عَتِيرَة فِي الْجَاهِلِيَّة , وَإِنَّا كُنَّا نُفْرِع فَرَعًا فِي الْجَاهِلِيَّة ) وَفِي إِجْمَاع عَوَامّ عُلَمَاء الأَمْصَار عَلَى عَدَم اِسْتِعْمَالهمْ ذَلِكَ وُقُوف عَنْ الأَمْر بِهِمَا , مَعَ ثُبُوت النَّهْي عَنْ ذَلِكَ بَيَان لِمَا قُلْنَا " انتهى .
وجزم الشيخ محمد ابن إبراهيم رحمه الله في "فتاويه" (6/165) بتحريم العتيرة ، وقال :
" قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا فرع ولا عتيرة ) فيما أفهم الآن أنه أقرب إلى التحريم .
والنفي يفيد البطلان كقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا عدوى ولا طيرة ) ، أفلا يكون : ( لا فرع ولا عتيرة ) إبطال لذلك ؟!
هذا مع دلالة : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) فمنع من مشابهة الجاهلية .
ثم هذا من باب العبادات ، والعبادات توقيفية ، فلو لم ينفها صلى الله عليه وسلم كانت منتفية ، فإن أمور الجاهلية كلها منتفية لا يحتاج إلى أن ينصص على كل واحد منها .
وقد صرح بعض العلماء بالكراهة . والذي نفهم أنه حرام . وهذا بالنسبة إلى تخصيصهم ذبح أول ولد تلده الناقة ، والذبح في العشر الأول من رجب . أما إن كان ما يفعله الجاهلية لآلهتهم فهو شرك " انتهى بتصرف .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (7/325) :
" قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( لا فَرَعَ ولا عتيرة ) ، وفي رواية : ( لا فَرَعَ ولا عتيرة في الإسلام ) ، تخصيص ذلك في الإسلام يوحي بأنها من خصال الجاهلية ، ولهذا كره بعض العلماء العتيرة ، بخلاف الفرعة لورود السنة بها ، وأما العتيرة فجديرة بأن تكون مكروهة - يعني الذبيحة في أول رجب - لاسيما وأنه إذا ذبحت في أول رجب ، وقيل للناس إن هذا لا بأس به ، فإن النفوس ميالة إلى مثل هذه الأفعال ، فربما يكون شهر رجب كشهر الأضحية ، ذي الحجة ، ويتكاثر الناس على ذلك ، ويبقى مظهراً ومشعراً من مشاعر المناسك ، وهذا لا شك أنه محظور .
فالذي يترجح عندي : أن الفرعة لا بأس بها ، لورود السنة بها ، وأما العتيرة فإن أقل أحوالها الكراهية " انتهى .