صبايا مرة مهم ومريح أقروهـ ياحبيايبي وهو للأمانة منقول
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أنا متزوجة منذ سنتين، وقد حلمت بالإنجاب منذ فترة المراهقة، حتى أني اخترت أسماء أولادي، ولكن حدثت الصدمة وعلمت أني لا أستطيع الإنجاب، وقد تأكد الأمر، وأصبحت أفكر في الموضوع ليلاً ونهاراً وأظل أبكي وأحزن.
وقد حاولت مراراً وتكراراً الخروج من هذه الأزمة ولكنني فشلت، وقد هددني زوجي بالانفصال إن لم أكف عن ذكر الموضوع، وهو قد اقتنع بما قسمه الله له، ولكني أخاف أن يأتي يوم ويتركني ليتزوج بأخرى وينساني، فكيف أخرج من هذه الحالة النفسية والاكتئاب المتكرر؟ وكيف أتحصل على القناعة بما لدي؟!
ولكم جزيل الشكر.
_________________________________
سم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ احلام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فها هنا وقفات لا بد من الوقوف عليها، إن هذه الوقفات تجمع لك أمرين اثنين: تجمع لك مصلحة دينك وتجمع لك مصلحة دنياك كذلك، فهما مصلحتان عاجلة وآجلة، وهذا الوقفات أيضاً تحتاج منك إلى الإرادة القوية للعمل بما تدل عليه من الخطوات الضرورية التي لا بد لك من القيام بها.
فأول تلك الوقفات هي أن تنظري في أمر الإنجاب، فأنت تعلمين يقيناً أن الأمر مرده إلى الله جل وعلا وأنه هو الذي يقسم هذا الأمر لمن يشاء؛ كما قال تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}، فقد بيّن جل وعلا أنه هو الذي يقسم هذا الأمر لمن شاء وكيف ما شاء، ولكن أيضاً بميزان العلم والحكمة والرحمة، ولذلك ختم الآية بقوله: {إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} فهو عليم بمصالح عباده، فكم من إنسانٍ قد رزق الذرية وكانت هذه الذرية وبالاً عليه، كانت سبباً لشقائه إما بالعقوق وظهور الأخلاق السيئة التي قد تدمر الأسرة وتنغص الحياة برمتها، وإما بأن يكون الإنسان لديه الذرية ولكن هذه الذرية مثلاً معاقة مشوهة سواء كانت هذه الإعاقة إعاقة عقلية أو إعاقة بدنية مما قد يسبب الشقاء والحزن والألم للوالدين، وإما أن يكون الإنسان لا يصلح له أن يُرزق بهذه الذرية ليفسد دينه بعد ذلك كما ذكر الله جل وعلا في سورة الكهف عندما قتل الخضر عليه السلام الولد الصغير فذبحه بيده فقال الله جل وعلا حاكياً هذا الأمر: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً} يقول: كيف تقتل ولداً صغيراً زكيًّاً طاهراً ليس له ذنب؟ فماذا كانت الحكمة؟ كانت الحكمة أن الله جل وعلا قد أوحى إلى عبده الصالح الخضر عليه السلام أن هذا الولد لو كبر سيكون كافراً عنيداً ولو كبر على ذلك فسيضل أبويه وسيكفرا بالله العظيم لأجله فيخسرا دينهما ودنياهما ولذلك قال الله جل وعلا حاكياً عن الخضر مبيِّناً هذا المعنى: {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً}، أي فخشينا أن يحملهما حبهما له على الكفر بالله عز وجل، ولذلك قال بعض الأئمة الصالحين رضوان الله عليهم أجمعين: لما مات هذا الولد حزنا عليه ولو بقي لكان فيه هلاكهما، فليتق الله امرؤ وليرض بما قسم الله له، وهذه هي الوقفة الثانية.
وهي أن ترضى بما قسم الله جل وعلا، فإن رضاك بما قسم الله جل وعلا هو الذي سيريح من عناء الهم والغم، من عناء التفكير، من عناء الشعور باللوعة، من عناء الشعور بأنك قد تفقدين أسرتك وقد تفقدين زوجك، إن رضاك بما قسم الله جل وعلا هو الذي سيريحك من كل هذا العناء، إنه التسليم لله ثم الرضى عن الله، فهما أمران عظيمان: التسليم لحكم الله ثم بعد ذلك الرضى بما قسم الله جل وعلا، وهذا هو الذي سيريحك من كل هذا العناء. فإن قلت: وكيف ذلك وأنا أجد صعوبة فيه فإنني أشعر بفطرتي كأنثى التي تريد تصيح بي لأكون أمًّا تحضن طفلها؟ فالجواب: إنه تلمح العواقب، تلمح الأجر العظيم عند الله جل وعلا؛ كما قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}. فتذكري أجرك عند الله جل وعلا وتذكري كذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء من عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط) رواه الترمذي في سننه. وتذكري الحال الذي ينبغي أن تكوني عليه وهو حال الصابر الشاكر؛ كما قال صلوات الله وسلامه عليه: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) رواه مسلم في صحيحه.
فبهذا تخف عليك الوطأة ويخف عليك هذا الشأن، وتأملي كم من امرأة وكم من رجل قد أصيب بما أصبت به وحرم الذرية، وها هو صابر محتسب وهم يعيشان بحمد الله عز وجل حياتهما سعيدين، ولكن بالنظر إلى البدائل الأخرى التي تعينهما على ذلك كما ستأتي الإشارة إليه بإذن الله عز وجل.
والوقفة الثالثة: في مصلحتك الدنيوية العاجلة، فأنت الآن قد بينت أن زوجك الكريم حفظه الله تعالى قد رضي بما قسم الله جل وعلا وقد وقف إلى جانبك، فما معنى أن تنغصي على نفسك وأن تنغصي على زوجك بدوام تكرار هذا الكلام أمامه حتى إنه قد هددك بالفراق إذا بقيت تكررين هذا الكلام، بل إنك بهذا الأمر تهيجين أحزانه وتهيجين أشواقه إلى هذا الشيء، فلا بد إذن من الحكمة في التعامل مع زوجك.
الوقفة الرابعة: أن تعوضي زوجك عن هذا الأمر بحسن معاملتك، كوني له الزوجة الصالحة التي تنتظره على الباب إذا قدم، فتفتح الباب لتعانقه وتقبله وتجلسه إلى جانبها وتطعمه بيدها وتبتسم في وجهه ابتسامة مشرقة، فآخر ما يحفظ عنك عند خروجه من البيت هو ابتسامتك ووقفتك عند الباب وأنت تودعينه مقبِّلة إياه مسلِّمة عليه، وأول ما يستقبله عند دخوله البيت هو الزوجة التي قد تهيأت له وأعدت نفسها له وهيأت له الطعام الذي يحب والجو المناسب الذي يرتاح إليه، فهذا هو الذي يرغب زوجك أكثر فيك بل ويعينه على أن يتصبر على هذا الأمر حتى يتناساه ويتلاشى إن شاء الله جل وعلا من ذهنه، فهذا هو الذي يحقق لك مصلحتك العاجلة والآجلة، مع ما في ذلك لك من الأجر العظيم.
مضافاً إلى ذلك أننا نود أن ترسلي بالتقارير الطبية ونتائج التحاليل والفحوصات التي قمت بها إلى الشبكة الإسلامية للنظر فيها وفي تقييمها، فإن هناك بحمد الله عز وجل الأطباء المختصون الذين يستطيعون أن يقدموا لك المساعدة والإرشاد في هذا الباب، ولا مانع من المحاولة، فإن خزائن الله جل وعلا ملأ ورحمته وسعت كل شيء، فلا مانع أن يكون هنالك مخرج طبي يعين على تحصيل ما ترغبين فيه من علاج نفسك في هذا الشأن، فعليك بإرسال هذه الفحوصات في القريب العاجل إلى القسم الطبي المختص في الشبكة الإسلامية لتقديم الإرشاد لك في هذا الجانب.
وأيضاً فهناك الوقفة الخامسة: أن تشغلي نفسك بالحق لئلا تشتغل بالباطل، فلا بد أن تبذلي وسعك في أن تكوني منتجة مثمرة، فهنالك حفظ كتاب الله جل وعلا، وهنالك تعلم العلوم الشرعية، وهنالك المشاركة في المراكز الإسلامية الصالحة النافعة التي تحصلي منها العلوم الشرعية وتحصلين منها كذلك الدعوة إلى الله جل وعلا، كوني أنت المرأة المسلمة المؤمنة التي ترضى بما قسم الله لها وتبذل وسعها في الإنتاج والثمرة حتى تشغل نفسها عن التفكير في مثل هذا الأمر وتتسلط عليها الأحزان والهموم، واحرصي على ا لدعاء فإن باب الله جل وعلا مفتوح لعباده الذين يرجونه ويضطرون إليه؛ قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}، وعليك بأن تلهجي بهذا الدعاء العظيم (رب إني مسني الضر وأنت أرحم الرحمين)، (رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء)، ومما يشرع لك أن تصلي صلاة الحاجة ثم بعد السلام تحمدين الله تعالى وتصلين على نبيه صلوات الله وسلامه عليه وتسألين الله حاجتك كأن تدعي بما تقدم من الدعاء وكأن تقولي: اللهم ارزقني ذرية طيبة، اللهم أصلحني وأصلح زوجي، اللهم أقر أعيننا بالذرية الصالحة، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً، فالدعاء سلاحك وسلاح كل مؤمن، وقد قال صلوات الله وسلامه عليه في ماء زمزم: (إنه طعام طعم وشفاء سقم).
فعليك بتحصيل الأسباب الشرعية والأسباب المادية الطبية كذلك، ومن ذلك الرقية المشروعة، فعليك باستعمال الرقية الشرعية، ومن خيرها قراءة الفاتحة والمعوذتين والإخلاص وسورة الشرح، فاستعملي الرقية المشروعة فإن فيها خيراً عظيماً؛ قال الله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} فقوله {شفاء} يتناول شفاء الأبدان وشفاء الأرواح.
الوقفة السادسة وهي: أن تستعملي الترفيه عن نفسك الترفيه المباح، فهنالك الرياضة اللطيفة كرياضة المشي التي ترافقين فيها زوجك في وقت لطيف تتمشيان مع بعضكما البعض تتبادلان الأحاديث اللطيفة، وهناك كذلك تناول الطيبات التي تشتهيها نفسك باقتصاد واعتدال، وهنالك تعديل منظر البيت وشكله وأثاثه، فكل هذا يعين على التجديد ويعين عن الترويح عن نفسك، فاعملي بهذه الوصايا وخذي بها فإنها بإذن الله عز وجل تجمع لك خيري الدنيا والآخرة.
ونسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء أن يرزقك الصبر وأن يرزقك الذرية الصالحة وأن يمنَّ عليك من فضله إنه سميع الدعاء وهو أرحم الرحمين وهو القائل في كتابه: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ}.
وبالله التوفيق.