
وقفتنا هنا لمناقشة مسئلة الخوف من المستقبل والخوف من الحوادث التي لا يتوقعها ألانسان وهي كثيرة في حياته : سواء في حياته الفردية أو الحوادث في الأمة .. هناك قاعدة فى المقام نحاول ان نتكلم حوله وهى ان الدعاء في ساعة الرخاء دافع للبلاء في ساعة الشدة والضراء .
ان الانسان المؤمن الذي يكثر من الدعاء وهو في حالة الاسترخاء والارتياح كليلة زفافة مثلا ، وفى ساعة لايحس بأن هناك أي مشكلة عنده ، فان هذه الدعوات تتدخر لتثبت عبودية العبد الخالصة .. الملائكة عندما تسمع ، وأنتم تعرفون بأن الله هو السميع ، الملائكة الكاتبة ايضا تسمع وتراقب، والله هو الرقيب من ورائهم ، الملائكة عندما تسمع صوت المؤمن في الشدة ، تقدم تقريرا ، و لعلها تقول فى تقريرها : يارب هذا الانسان كان يدعونا فى الحالات الاعتيادية ، لم يكن دعاء هذا العبد بدعاء عبد مصلحي بحيث لا يدعو الله عزوجل إلا في الشدائد .. فإذا يصبح تقديم مثل الدعاء في ساعة الرخاء من موجبات الاستجابة في ساعة الشدة ، وكذلك الدعاء في أول النهار فان هناك تأكيدا في الشريعة المقدسة على ان يفتتح الانسان نهاره بالالتجاء إلى الله عزوجل .. انتم تعرفون برنامج المؤمن المؤمن المثالي، المؤمن المراقب ، اذ ان برنامجه يبدأ قبل صلاة الفجر ولو بمقدار إحدى عشر ركعة نافلة الليل ولا ينتهي البرنامج إلا مع طلوع الشمس ..
ما رأينا وما عهدنا وليا من أولياء أولياء الله عزوجل ، ينام في هذه الفترة ، فان هذا هو الحد الأدنى من العمل العبادي المستحب.. تصور مؤمنا ليست له مشكلة ولكنه جالس فى مصلاه بين الطلوعين وهو بين النوم واليقضة يترنح يمينا وشمالا ، يغلب عليه النعاس ولكنه جالس في مصلاه بين يدي الله قائلا : ( اصبحت اللهم معتصما بذمامك المنيع الذي لا يطاول ولا يحاول من شر كل طارق وغاشم من سائر من خلقت وما خلقت من خلقك الصامت والناطق ) .. ان الذي يكثرمن الالتجاء يلتزم بهذا التعويد الصباحي ، ومن الطبيعى ان يكون مثل هذا الانسان في درع الله الحصينة التي يجعل فيها من يريد ..
إذا من موجبات دفع البلاء ايضا ( بلاء النهار وبلاء الليل ) هذه الأدعية النهارية .. وحقيقة فان الانسان قد لا يجد متسعا من الوقت اذا اراد ان يقرا جميع ما ورد من التعقيب بعد الفجر , بينما هناك صنف يتعجب فيما يفعله المؤمن بين الطلوعين الذى من الممكن ان يطول ساعة ونصف .. إذا ً ملخص الكلام هو لزوم استقبال البلاء قبل وقوعه بالدعاء ، وافتتاح النهار بذكر الله عز وجل والإستعاذة .. هذان المعجونان إذا تركبا يرجى أن يكون الإنسان في حماية رب العالمين ، اذ لا إله هو فاتخده وكيلا

إن من السنن الكونية وقوع البلاء على المخلوقين اختباراً لهم, وتمحيصاً لذنوبهم , وتمييزاً بين الصادق والكاذب منهم قال الله تعالى ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)
وقال تعالى( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)
و قال تعالى( الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وقال حديث حسن.
وأكمل الناس إيمانا أشدهم إبتلاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً اشتد به بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. أخرجه الإمام أحمد وغيره.
و فوائد الإبتلاء :
• تكفير الذنوب ومحو السيئات .
• رفع الدرجة والمنزلة في الآخرة.
• الشعور بالتفريط في حق الله واتهام النفس ولومها .
• فتح باب التوبة والذل والانكسار بين يدي الله.
• تقوية صلة العبد بربه.
• تذكر أهل الشقاء والمحرومين والإحساس بالآمهم.
• قوة الإيمان بقضاء الله وقدره واليقين بأنه لاينفع ولا يضر الا الله .
• تذكر المآل وإبصار الدنيا على حقيقتها.
والناس حين نزول البلاء ثلاثة أقسام:
الأول: محروم من الخير يقابل البلاء بالتسخط وسوء الظن بالله واتهام القدر.
الثاني : موفق يقابل البلاء بالصبر وحسن الظن بالله.
الثالث: راض يقابل البلاء بالرضا والشكر وهو أمر زائد على الصبر.
والمؤمن كل أمره خير فهو في نعمة وعافية في جميع أحواله قال الرسول صلى الله عليه وسلم " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. رواه مسلم.
واقتضت حكمة الله اختصاص المؤمن غالباً بنزول البلاء تعجيلاً لعقوبته في الدنيا أو رفعاً لمنزلته أما الكافر والمنافق فيعافى ويصرف عنه البلاء. وتؤخر عقوبته في الآخرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد" رواه مسلم.
والبلاء له صور كثيرة: بلاء في الأهل وفى المال وفى الولد, وفى الدين , وأعظمها ما يبتلى به العبد في دينه.
وقد جمع للنبي كثير من أنواع البلاء فابتلى في أهله, وماله, وولده, ودينه فصبر واحتسب وأحسن الظن بربه ورضي بحكمه وامتثل الشرع ولم يتجاوز حدوده فصار بحق قدوة يحتذي به لكل مبتلى .
والواجب على العبد حين وقوع البلاء عدة أمور:
(1) أن يتيقن ان هذا من عند الله فيسلم الأمرله.
(2) أن يلتزم الشرع ولا يخالف أمر الله فلا يتسخط ولا يسب الدهر.
(3) أن يتعاطى الأسباب النافعة لد فع البلاء.
(4) أن يستغفر الله ويتوب إليه مما أحدث من الذنوب.
• ومما يؤسف له أن بعض المسلمين ممن ضعف إيمانه إاذا نزل به البلاء تسخط و سب الدهر , ولام خالقه في أفعاله وغابت عنه حكمة الله في قدره واغتر بحسن فعله فوقع في بلاء شر مما نزل به وارتكب جرماً عظيماً.
• وهناك معاني ولطائف اذا تأمل فيها العبد هان عليه البلاء وصبر وآثر العاقبة الحسنة وأبصر الوعد والثواب الجزيل :
أولاً: أن يعلم أن هذا البلاء مكتوب عليه لامحيد عن وقوعه واللائق به ان يتكيف مع هذا الظرف ويتعامل بما يتناسب معه.
ثانياً: أن يعلم أن كثيراً من الخلق مبتلى بنوع من البلاء كل بحسبه و لايكاد يسلم أحد فالمصيبة عامة , ومن نظر في مصيبة غيره هانت عليه مصيبته.
ثالثاً: أن يذكر مصاب الأمة الإسلامية العظيم بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى انقطع به الوحي وعمت به الفتنه وتفرق بها الأصحاب " كل مصيبة بعدك جلل يا رسول الله "
رابعاً: ان يعلم ما أعد الله لمن صبر في البلاء أول وهلة من الثواب العظيم قال رسول الله " إنما الصبر عند المصيبة الأولى "
خامساً: أنه ربما ابتلاه الله بهذه المصيبة دفعاً لشر وبلاء أعظم مما ابتلاه به , فاختار الله له المصيبة الصغرى وهذا معنى لطيف.
سادساً: أنه فتح له باب عظيم من أبواب العبادة من الصبر والرجاء , وانتظار الفرج فكل ذلك عبادة .
سابعاً:أنه ربما يكون مقصر وليس له كبير عمل فأراد الله أن يرفع منزلته و يكون هذا العمل من أرجى أعماله في دخول الجنة.
ثامناً: قد يكون غافلا معرضاً عن ذكر الله مفرطاً في جنب الله مغتراً بزخرف الدنيا , فأراد الله قصره عن ذلك وإيقاظه من غفلته ورجوعه الى الرشد.
فاذا استشعر العبد هذه المعاني واللطائف انقلب البلاء في حقه الى نعمة وفتح له باب المناجاة ولذة العبادة , وقوة الاتصال بربه والرجاء وحسن الظن بالله وغير ذلك من أعمال القلوب ومقامات العبادة ما تعجز العبارة عن وصفة .
قال وهب بن منبه: لا يكون الرجل فقيها كامل الفقه حتى يعد البلاء نعمة ويعد الرخاء مصيبة، وذلك أن صاحب البلاء ينتظرالرخاء وصاحب الرخاء ينتظر البلاء و قال رسول الله (: يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقارض ) رواه الترمذي
ومن الأمور التي تخفف البلاء على المبتلى وتسكن الحزن وترفع الهم وتربط على القلب :
(1) الدعاء: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الدعاء سبب يدفع البلاء، فإذا كان أقوى منه دفعه، وإذا كان سبب البلاء أقوى لم يدفعه، لكن يخففه ويضعفه، ولهذا أمر عند الكسوف والآيات بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة.
(2) الصلاة: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا حزبه أمر فزع الى الصلاة رواه أحمد.
(3) الصدقة" وفى الأثر "داوو مرضاكم بالصدقة"
(4) تلاوة القرآن: " وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين"ا
(5) الدعاء المأثور: "وبشر الصابرين الذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا اليه راجعون" وما استرجع أحد في مصيبة إلا أخلفه الله خيرا منها.
كيف نواجه البلاء ( منهجية أهل البيت في التعامل مع البلاء )قال الإمام صادق: "أن في الجنة منزلة لا يبلغها عبد إلا بالابتلاء في جسده" وعنه: "انه ليكون للعبد منزلة عندالله فما ينالها إلا بأحدى خصلتين:أما بذهاب ماله أو ببلية في جسده" قال النبي ص : "عجبت للمؤمن وجزعه من السقم ولو علم ما في السقم لاحب أن لا يزال سقيماً حتى يلقى ربه عز وجل" قال الإمام علي: "إذا رأيت ربك يوالي عليك البلاء فاشكره إذا رأيت ربك يتابع عليك النعم أحذره" قال الإمام العسكري: "ما من بلية الا ولله فيها نعمة تحيط بها" قال الإمام باقر: "ما أبالي أصبحت فقيرا أو مريضا أو غنيا لأن آللّـّہ يقول: لا أفعل بالمؤمن إلا ماهو خير له" وعنه: "إنما يبتلي المؤمن في الدنيا على قدر دينه" وعنه: "كلما زاد العبد إيمانا ازداد ضيقا في معيشته" قال الإمام صادق: "إذا أحب آللّـّه عبدا صب عليه البلاء صبا فلا يخرج من غم إلا وقع في غم"قال الإمام صادق: "المؤمن لا يمضي عليه 40 ليلة إلا عرض له أمر يحزنه"قال آلنبي ص : "أن آللّـّه ليغذي المؤمن بالبلاء كما تغذي الوالدة باللبن"حقيقة الحب ..الحبّ ليس كلمات تنمق...

ولا عبارات تزين ولا أحرفاً تكتب. الحب الحقيقي هو أن يحترق القلب ثمّ يحترق حتّى يذوب في هوى محبوبه.الحب لا تسعه الكلمات ولا تحيط به الحروف ولا تستوعبه العبارات، فهو احساس وشعور واحتراق وذبول وسهر الليل وفكر النهار وشخوص البصر بانتظار رؤية الحبيب وذهاب الفكر سعياً لرضاه وخوض المخاطر في سبيل لقياه.الحب هو حزن القلب وابتسامة الثغر، هو أنين الكتوم وصَرخة الموتور, الحب هو تتبع حركات المحبوب وسكناته والأنس بألم الفراق على أمل اللقاء.ما أروع صورة الحب وهي تتجلى في زيارة (آل ياسين) حيث تلتهب عواطف المحب وتجيش لواعج عشقه فيبعث بسلامه ليس إلى شخص الحبيب فحسب بل لكل سكناته ولحظات حياته وخفقات قلبه، فتراه يقول: (السَّلامُ عَلَيْكَ فِي آنَاءِ لَيْلِكَ وَأَطْرَافِ نَهَارِكَ... السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقُومُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقْعُدُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقْرَأُ وَتُبَيِّنُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تُصَلِّي وَتَقْنُتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَرْكَعُ وَتَسْجُدُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تُهَلِّلُ وَتُكَبِّرُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَحْمَدُ وَتَسْتَغْفِرُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تُصْبِحُ وَتُمْسِي، السَّلامُ عَلَيْكَ فِي اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى...).نعم هذا هو كنه الحب ومعدنه وأصله وفرعه ومبدأه ومنتهاه.من هنا يجب أن نبدأ المسير وتتحرك قافلة المنتظرين ونتعلم كيف نحب وكيف نعشق، فنحن بحاجة إلى مناجات الإمام وعطفه ورأفته. نحن بحاجة إلى استشعار حضور الإمام عليه السلام لا مجرد وجوده المقدس. نحن بحاجة إلى التعلم خطوة بعد خطوة ومرحلة تلو أخرى من أجل الوصول إلى الهدف المنشود والعلم المنصوب والأمل المصبوب والغوث والرحمة الواسعة.فكما أن العلم يحصل بالكسب والتعلم فهكذا العاطفة الصادقة والحبّ الصافي والعشق الخالص لا يأتي جزافاً بل لا بدّ له من السير والسلوك والجدّ والاجتهاد والحركة والمثابرة في طريق رسمه لنا أئمّة الهدى وخطه لنا قادة الورى وثابر على سلوكه العلماء وثبت على نهجه العرفاء وولج في بحر أمواجه الأولياء.فلا بدّ للوالج في أعماق الحب، والسابح في غمراته أن يسلك الطريق ويحث الخطى ويديم المسير _كما أسلفنا _ للوصول إلى بركان الحب الحقيقي ومنبع الفيض المهدوي.يابقية الله متى ترانا ونراك ..
