ليله القرنقعوه ... القرقعان ... الكرنكعوه ![](http://www.gulfson.com/vb/img/up/32/67fc8d3ab111d86eea1fdb51603f92ad.gif)
كرنكعوه كركاعوه.. عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم.. يا مكة يا المعمورة.. يا أمّ السلاسل والذهب يا نورة.."..الكلمات التي انطلقت من أفواه أطفالها في جميع أحياء البلاد؛ احتفالاً بليلة الكرنكعوه، وهي ليلة النصف من رمضان، التي يحتفل بها أهالي الخليج منذ القدم، حيث يخرج الأطفال في جماعات يطوفون في "الفرجان" أي الأحياء، ويطرقون أبواب الجيران منشدين الأغنية بأعلى صوتهم، يحملون في أيديهم أكياساً فارغة من القماش ليعودوا إلى منازلهم محملين بكافة أنواع المكسرات والحلوى.
والكرنكعوه هي عادة متعارف عليها في جميع مدن الخليج، وإن اختلفت التسمية من منطقة إلى أخرى، ففي الإمارات يطلق عليها "حق الليلة" أو "حق الله"، وفي عمان يطلق عليها "الطَلْبة"، وهي ليلة "الكركعان" في السعودية والكويت، أما في البحرين وقطر فتُعرف بليلة "الكرنكعوه".
وترى في هذه الليلة الأطفال وهم في أبهى حللهم، يرتدون الملابس التقليدية الزاهية، فالفتيات يرتدين "الثوب الزري" وهو عبارة عن ثوب زاهي اللون مطرز بخيوط ذهبية، ترتديه الفتيات فوق الملابس، ويضعن "البخنق" وهو أيضاً قطعة من القماش تغطي رؤوسهن وتزينها خيوط ذهبية على الأطراف، وعادة يكون لونه أسود، بالإضافة إلى التقلد بالحلي التقليدية، أما الأولاد فيرتدون عادة الأثواب الجديدة ويضعون على رؤوسهم "القحفية" وهي عبارة عن طاقية مطرزة يلبسها الأولاد في الخليج، وقد يرتدون كذلك "السديري" المطرز.
أما النشيد الذي يردده الأطفال فله معان جميلة، حيث يدعو الأطفال فيه لأهل البيت بأن يزيدهم الله في هذا الشهر المبارك من رزقه ويطيل عمر أبنائه، فيقولون:
كرنكعوه.. كركاعوه
عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم
يا مكة يا المعمورة.. يا أم السلاسل والذهب يا نورة
عطونا من مال الله.. يسلم لكم عبد الله
عطونا دحبة ميزان.. يسلم لكم عزيزان
يا بنية يا الحبابة.. أبوج مشرع بابه
باب الكرم ما صكه.. ولا حط له بوابة
ويجتمع الأهالي في المنازل يترقبون حضور أفواج الأطفال ليملئوا أكياسهم بأصناف المكسرات والحلوى، فقد اعتاد الأهالي في هذه الليلة أن يتزاوروا ويتبادلوا التهاني والأكلات الشعبية، فلهذه الليلة مكانة خاصة بين الأطفال والكبار على حد سواء، حيث تمتد من بعد صلاة المغرب حتى ساعات متأخرة من الليل تعيشها البلد كلها في بهجة خاصة.
وحول أصل الكلمة.. يقول محمد المسلماني –الباحث القطري في التراث الشعبي-: إن لها جذورًا تمتد إلى العصر العباسي، وهي تحريف لعادة كانت تُمارس في ذلك العصر وهي الطلب في منتصف الشهر.
وبالرغم من البهجة التي تبعثها ليلة الكرنكعوه في نفوس أهل المنطقة، إلا أن بعض الحوادث تتكرر أحياناً إذا لم يتوخ الجميع الحذر في هذه الليلة بالذات، والتي يخرج فيها الأطفال مترجلين يطوفون الأحياء في جماعات، ففي السنوات الأخيرة بدأ حرص الأهالي يزداد؛ فنرى الآن الأطفال غالباً ما ترافقهم الخادمات، وفي بعض الأحيان يفضل الأهالي أن يتنقل أطفالهم عبر السيارات لكي يضمنوا لهم السلامة، فالأحياء الآن لم تعد ببساطة تلك الأحياء القديمة.
وقد تردد في وسائل الإعلام مؤخراً أن هذه العادة التي يمارسها أهل الخليج هي بدعة ابتدعوها ولا يجوز الاحتفال بها، إلا أن غالبية المشايخ نفوا ذلك، ومنهم الشيخ إسماعيل غريب الكيلاني -أحد علماء الدين- الذي قال بأنها ليست بدعة، بل هي عادة خليجية جميلة تدخل السرور على الأطفال ولا تؤثر في الدين، معرفاً البدعة بأنها "الإحداث في الدين" أي أنها حدثت بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها الرسول أو يقرها ولم يأمر بها "أي الزيادة والنقص في العبادة".
ولم يقتصر الاحتفال على الأطفال "الفرجان"، بل أقامت لليلة بعض أندية الدوحة احتفالات خاصة، كنادي الأهلي الذي خصص ليلة ترفيهية وزعوا فيها أكياس الكرنكعوه، وأقاموا الألعاب الشعبية والمسابقات، وقدموا الأكلات الشعبية، بهدف الحفاظ على هذا التراث الشعبي، كما احتفلت بعض المدارس بهذه المناسبة وقدمت بعض الأنشطة في الصباح.
ومن الملاحظ أن أهل الخليج عادة حريصون على إحياء تراثهم الشعبي والمحافظة عليه، سواء كان ذلك بممارسته أو بالإشارة إليه في وسائلهم الإعلامية، "فالكرنكعوه" هي واحدة من العديد من العادات الشعبية التي يحييها أهل الخليج ويحتفلون بها سنوياً، وغيرها كثير، مثال على ذلك "الحِيَّه بِيَّه" التي يحتفل بها الأطفال كذلك قرب حلول عيد الأضحى، حيث يقومون بزرع نبتة صغيره في وعاء يرعونها ويسقونها حتى تكبر، ثم يلقون بها في البحر مرددين بعض الأهازيج والأدعية.
فبإحياء هذا التراث يهدف أهل المنطقة إلى استمرار التواصل بين الماضي والحاضر، وهم بذلك لا يريدون لثقافتهم أن تندثر ولا يريدون أن تنسيهم تكنولوجيا العصر تراث الأجداد.