كانت ثيودورا ابنة مدرب وحوش في السيرك بمدينة القسطنطينية الذي مات تحت أقدام الوحوش تاركا زوجته وثلاث بنات.. عرفت الأم الطريق إلى السيرك وعلمت بناتها الرقص، لكنها كانت تعود كل يوم إلى البيت تشكو قلة الطعام وندرة القلوب الرحيمة.
رقصت ثيودورا في الثانية عشرة من عمرها، وأصبحت أشهر راقصة في السادسة عشر، والأجرأ كذلك، تتعرى أمام الناس الذين يلقون عليها بملابسهم وهداياهم، بينما تبحث عينيها بين المتفرجين على رجل غني.
يروي أنيس منصور في "كتاب عن كتب" أنه ذات يوم حبستها أمها وهي تقول:
- سوف تقضين على حياتك بيدك إنك لا تشبعين من الفلوس.
- وأنت أي شيء سشبعك؟
- يجب أن يكون عندك قلب.
- نحن بلا قلوب.
- لا تتركي رجلا من أجل رجل أغنى منه.
- ولأي شيء أتركه.
- لا امتنان لأحد!
- لا أحد يمتن لنا.. إننا كلاب.. قطع من اللحم يمضغها الناس ثم يبصقونها بعد ذلك.. أنت وأنا ونحن جميعا بصقات على الأرض.. إن شكلك غريب جدا وأنت تتحدثين عن الفضيلة!
هربت ثيودورا مع حاكم بنغازي كعشيقة، ولكنها وجدت الحياة في ليبيا مملة، وكان الرجل يحبسها في البيت ليعود إليها في الليل ترقص له ولأصدقائه المخمورين، لكنها عرفت شبان آخرين لتملأ فراغها فطردها الحاكم، فاتجهت إلى الإسكندرية.
قررت ثيودورا أن تعود إلى السيرك فوصلت إلى القسطنطينية، ولكنها لم تضيع وقتا وسكنت في بيت قريب من القصر الإمبراطوري، واتجهت إلى كل أصدقاء الإمبراطور "جستنيان" أعظم أباطرة الرومان، وعرفت أدق أسراره.
ذات يوم قالت لها إحدى صديقاتها سوف أعطيك خطابا للإمبراطور، فاتجهت إلى القصر وقفزت من النافذة، فاندهش الإمبراطور وسألها: من أنت؟
- واحدة تبحث عن صداقتك.
- وكيف دخلت هنا؟
- من النافذة
- ولكنه دخول غير عادي..
- لأنني شخصية غير عادية..
أمسك الخطاب وقرأه وقال:
- تريدين العودة إلى السيرك؟
- نعم..
- ولكنك لن تعودي.. اجلسي
اختارها الإمبراطور زوجة له وتم تتويجها إمبراطورة، لكن الشعب ثار يطالب بسقوط الغانية، لكنها عرفت كيف تسكت الخناجر الصارخة.
ذات يوم سألها الإمبراطور: كيف خطر لك أن تكوني إمبراطورة؟
- لم يخطر على بالي هذا.. وإنما قررت أن أكون في أعلى مكان: قديسة.. إمبراطورة.. معبودة.. وكنت أنت أول من اتجهت إليهم..
- ولو كان الذي اتجهت إليه أحد رجال الدين؟
- كنت أجعل نفسي بابا للكنيسة الرومانية..
- ولو كان سفاحا؟
- لكنت مصاصة لدم البشر جميعا.
- إذن أنا لست إلا واحدا في الطريق.
- ولكن أحسن من في الطريق.. وفي أي طريق..
استطاعت ثيودورا أن تنظم جيشا من الجواسيس ينقل إليها ماذا يقول الناس عنها. وراحت تقطع الألسنة وتضع في السجون وتحكم بالإعدام على كل من يسخر منها.
حاولت الإمبراطورة الجديدة أن تفتح باب التوبة أمام الغانيات فخصصت لهن قصرا ووضعت فيه مئات الغانيات ليعشن في طهارة. ولكن الغانيات كرهن الفضيلة وهربن من القصر، وكن يلقين بأنفسهن من النوافذ في البحر.
في إحدى الليالي التقت ثيودورا بالغانيات وقالت: أريد أن أتفاهم معكن.. ما الذي يضايقكن من هذه الحياة التي ليس فيها رجل يدوس بأقدامه قلوب النساء؟.. تعالت الأصوات لتجيب: ولكن الرجل أفضل من ألف امرأة.. وذل الرجل أفضل من إذلال امرأة لامرأة أخرى.
انسحبت ثيودورا وفتحت الباب على مصراعيه وخرجت في هدوء لتمشي وراءها مئات الغانيات إلى الشارع والحانات والسفن..!
أصيبت ثيودورا بالسرطان وفي يوم كانت تشكو من آلام في صدرها، وسمعت أصواتا تهتف بسقوطها، وسألت فقالوا لها الشعب ساخط يريد الطعام، ولذلك سرقوا التماثيل الذهبية ليشتروا بها خبزا.. فطلبت منهم أن يعينوها وفتحوا لها النافذة وخرجت للناس تسألهم: ماذا تريدون؟
- الخبز يا ملكة.
- سيكون لكم خبز ومرح.. سأفتح لكم مخازن الغلال وأبواب السيرك لكل الناس مجانا.
فتحت للشعب أبوبا المطاعم والحانات وأبواب السيرك، وذهب الناس يحملون الطعام والنبيذ ليتفرجوا مجانا على السيرك.. ذهب الإمبراطور بملابس سوداء وثيودورا بملابس بيضاء.. وقبل نهاية العرض خرجت ومن ورائها زوجها، وتقدمت قوات تطلق السهام على الشعب فقتلت في يوم واحد ثلاثين ألفا، وأصبحت هي التي تحكم..!
كان الناس يقولون أن "ثيودورا" ومعناها "هبة الله" ليست إلا "ديموندورا" ومعناها "هبة الشيطان"، وكانت هي تقول: هذه حكمة عمري كله: أمام الذهب والجنس كل الناس شموع تذوب!
لم تنس ثيودورا يوما أحدا أهانها أو سخر منها، ولم يغب عن بالها رجل واحد رآها عارية أو طردها، كلهم ألقت بهم في السجون. وفي بعض الأحيان كانت تصحو من النوم صارخة: تذكرت فلانا.. وتصدر أوامرها ليأتوا به، فإذا جاءوا به طلبت منه أن يقبل الأرض تحت قدميها، ثم تذكره بما كان منه، وقبل أن يندم على ما فعله يكون السيف أسبق إلى عنقه.. ثم تنام هانئة حتى الصباح وتتلقى التهاني لأنها صفت حسابا قديما.
أدركت ثيودورا أن نهايتها قريبة بعد أن فتك بها المرض، فطلبت أربعة آلاف من جنودها وذهبت إلى إحدى العيون المعدنية ونزلت واستحمت، ثم طلبت من وصيفاتها أن يأتين بماء الورد وأن ينظفوها بكل زهور الغابة ويغنين لها، ثم أشارت إلى جنودها وقالت:
إلى هنا تنتهي مهمة كل الذين حولي.. وتبدأ رحلتي وحدي!!
06-15-2011, 01:52 AM
عندما يكون القبح هو امراة(سيرة وثائقية)
rose 
رد: عندما يكون القبح هو امراة(سيرة وثائقية)
جديد منتدى ملتقى عضوات حوامل
العرض العادي
