
فى قول الله تعالى (كان الناس أمة وحدة فبعث الله النبين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتـــب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينـــت بغيا بينهم فهدى الله الذين ءامنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم )
قال ابن جرير : عن ابن عباس قال : كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين قال : وكذلك هى فى قراءة عبد الله (وكان الناس أمة وحدة فاختلفوا)
وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة فى قول الله تعالى (كان الناس أمة وحدة ) قال : كانوا على الهدى جميعا (فاختلفوا فبعث الله النبين) فكان أول من بُعث نوحا , وقول ابن عباس صحيح لأن الناس كانوا على ملة آدم حتى عبدوا الأصنام فبعث الله إليهم نوحا عليه السلام فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض , ولهذا قال تعالى (وأنزل معهم الكتـــب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينـــت بغيا بينهم) أى من بعد ما قامت الحجج عليهم وما حملهم على ذلك البغى من بعضهم على بعض (فهدى الله الذين ءامنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم)
وقال عبد الرزاق عن أبى هريرة فى قوله تعالى (فهدى الله الذين ءامنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه) قال : قال النبى (صلى الله عليه وسلم) " نحن الآخرون والأولون يوم القيامة نحن أول الناس دخولا الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه فهذا اليوم الذى اختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه فغدا لليهود وبعد غد للنصارى "
ومن المفسرين من قال أنهم اختلفوا فى يوم الجمعة فاتخذ اليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد فهدى الله أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) ليوم الجمعة , واختلفوا فى القبلة فاستقبلت النصارى المشرق واليهود بيت المقدس فهدى الله أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) للقبلة , واختلفوا فى الصلاة واختلفوا فى الصيام , واختلفوا فى ابراهيم عليه السلام فقالت اليهود : كان يهوديا , وقالت النصارى : كان نصرانيا , وجعله الله حنيفا مسلما فهدى الله أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) للحق من ذلك , ومعنى ذلك أن الله تعالى هدى أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) للحق من كل ما اختلف فيه الناس , كما قال أبو العالية يقول فى هذه الأية المخرج من الشبهات والضلالات والفتن , وقوله تعالى (بإذنه) أى بعلمه بهم وبما هداهم له (والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم)
أى من خلقه أى وله الحكمة والحجة البالغة ...
وفى صحيح البخارى ومسلم عن عائشة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدنى لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم "

وفى قوله تعالى ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزُلزلوا حتى يقول الرسول والذين ءامنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب )
يقول الله تعالى : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة قبل أن تُبتلوا وتُختبروا وتُمتحنوا كما فعل بالذين من قبلكم من الأمم ولهذا قال (ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء) وهى الأمراض والأسقام والألام والمصائب والنوائب .
وقال المفسرون : " البأساء " الفقر , و" الضراء " السقم , و" زُلزلوا " خوّفوا من الأعداء زلزالا شديدا وامتحنوا امتحانا عظيما ,وقوله تعالى (مثل الذين من قبلكم) أى سنتهم ,
وقوله تعالى (وزُلزلوا حتى يقول الرسول والذين ءامنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) أى يستفتحون على أعدائهم ويدعون بقرب الفرج والمخرج عن ضيق الحال والشدة قال الله تعالى (ألا إن نصر الله قريب) كما قال تعالى
(فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) وكما تكون الشدة ينزل من النصر مثلها ولهذا قال تعالى (ألا إن نصر الله قريب)
وفى حديث أبى رزين " عجب ربك من قنوط عباده وقرب غيثه فينظر إليهم قانطين فيظل يضحك يعلم أن فرجه قريب " الحديث ...

وفى قوله تعالى ( يسئلونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللولدين والأقربين واليتــمى والمســكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم )
قال مقاتل بن حيان : هذه الأية فى نفقة التطوع , وقال السدى : نسختها الزكاة وفيه نظر , ومعنى الأية : يسألونك كيف يُنفقون ؟ قاله ابن عباس ومجاهد , فبين لهم تعالى ذلك فقال : (قل ما أنفقتم من خير فللولدين والأقربين واليتــمى والمســـكين وابن السبيل) أى اصرفوها فى هذه الوجوه ...
كما جاء فى الحديث " أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك "
ثم قال تعالى (وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم) أى مهما صدر منكم من فعل معروف فإن الله يعلمه وسيجزيكم على ذلك أوفر الجزاء فإنه لا يظلم أحدا مثقال ذرة ...
