قسم راكان
وقت متأخر من الليل
موضي عادت منذ بعض الوقت
ولكنها تعلم أن راكان سيبات في المجلس
تشعر بضيق غريب لغيابه.. وشعور أشبه باشتياق موجع
ولكنها تخجل أن تتصل وتخبره أنها عادت
ماذا سيقول؟؟ تتعمد إزعاجه.. وقد يكون نام أصلا
ولكنها في ذات الوقت لا تشعر بأي رغبة للنوم
لذا قررت أن تقلب البيت وتقوم بتنظيفه
وتتلهى عن غياب راكان وفي ذات الوقت تستغل غيابه في التنظيف مادام لن يحضر الليلة
ارتدت بيجامة من القطن.. خليط أنيق من اللونين الأحمر والأسود ببنطلون قصير و(بروتيل) (توب) بحمالتين بعد أن أغلقت باب البيت وسحبت المفتاح
حتى لو أراد راكان المجي صباحا لتغيير ملابسه يفتح بمفتاحه
ولولا أنها كانت تعلم يقينا أن راكان لن يأتي الآن
أو كان من المستحيل أن تلبس مثل هذا اللبس الذي يكشف عن إصابة كتفها كاملة
فهي رغم تبسطها في اللبس أمام راكان نوعا ما.. ولكنها أقصى ما لبست بلوزة بدون أكمام
وكانت حريصة تماما ألا تكشف أي جزء من نحرها أو كتفها
كانت تعتقد أن راكان لم يلاحظ ولكنه كان قد لاحظ..
لاحظ تماما أنها تتجنب أن يرى إصابة كتفها
كانت موضي مستغرقة تماما في التنظيف وشعرها مرفوع بفوضى للأعلى
لم تنتبه مطلقا أن هناك عينين تلتهمان مفاتنها بوجع منذ بعض الوقت
كان يقف مبهورا تماما
بل الانبهار وصف أقل بكثير من حالة الذهول اللذيذ التي صابته
(كيف من لمن كان لها كل هذا الحسن أن تخجل به؟؟ وترى في ذاتها نقصا؟
أين هذا النقص؟؟
هل هناك مخلوقة مكتملة كهذه؟؟
وموجعة كهذه؟؟
وفاتنة كهذه؟!!)
راكان يشعر بضيق ما من نفسه
فهو يرى أنها تحرك فيه الرجل بكل الوجع والعنفوان
ولكن أين العاشق؟؟
ولكن أ حقا لم يتحرك العاشق النائم في أبراجه العاجية؟!!
إن كانت لم تحرك فيه إلا الرجل.. مجرد رجل!!.. فلماذا لم يتحرك هذا الرجل أمام مئات النساء بل الآلاف اللاتي عبرن أمام عينيه؟!!
لِـمَ هي فقط من تحركه وتثيره وتذيبه؟!!
راكان شعر بالحرج وهو يتأملها.. شعر كمن يسرق شيئا هو له
لا يعلم كيف يستوي هذا الشعور
ولكن هذا هو ما شعر به
هي حق له.. ولكنه يعلم أنها لا ترضى أن يراها بهذه الصورة
فكأنه يسترق شيئا هو له!!
تنحنح راكان.. وأخيرا
موضي فُجعت وهي تسمع صوت نحنحته الفخمة
كانت تنحني على الرخام تدعكه
ألقت بالاسفنجة من يدها وهي تجذب طرف (التوب) الأمامي لتغطي به صدرها وكتفها المصابة
ولكنها كانت محاولة فاشلة وموجعة لأنها كشفت أكثر ما سترت
لذا قفزت وهي تعود أدراجها للغرفة
كان بود راكان أن يوقفها.. أن يرى إصابتها عن قرب
فمازال حتى الآن لم يستطع رؤيتها بوضوح
يشعر أنه هذه الإصابة تقف بينهما كوحش خبيث مرعب
ولكنه لم يتقدم ولم يوقفها.. خشي أن تعتقد أنه يحاول إعادة ماحدث في دبي
لذا تركها تعود للغرفة
وهو بقي جالسا في الصالة
موضي أغلقت على نفسها باب الغرفة
وبكت بكاء موجعا.. لم يكن عويلا ولا نشيجا
لكنه بكاء روح.. ويا لا قسوة بكاء الروح!!
كان بكاء موغلا في الشفافية والوجع
لأنها اكتشفت أنها كلما حاولت خداع نفسها والتناسي
صفعتها ألامها المتجذرة بصفعة جديدة وكأنها تستكثر عليها هذا الأمان والسعادة بجوار راكان
ستبقى تشعر بالنقص جواره.. ليس تشويه الجسد فقط
ولكنه تشويه أقسى للروح
لم تعلم كم مضى عليها وهي تبكي
حتى سمعت طرقات راكان على الباب وصوته الحازم يصلها: موضي بطلي الباب
همست بصوت حاولت جعله طبيعيا: الحين راكان.. دقيقة بس
استبدلت ملابسها على عجل
وهي تغسل وجهها بماء بارد في محاولة لإخفاء أثار البكاء
ثم فتحت الباب وهي تحاول ألا تنظر ناحيته وتبتسم باصطناع:
آسفة.. طولت عليك
راكان همس بحزم: تعالي موضي أنا انتظرش في الصالة
راكان حين أطالت عليه الغياب علم يقينا أنها تبكي.. ولم يحتمل مطلقا أن تبقى تعاني وحدها.. ولم يحتمل فكرة أنها تبكي
آلمته الفكرة لأبعد حد.. أبعد أبعد حد
يريدها سعيدة كما جعلته سعيدا.. حتى لوكانت سعادته مبتورة وغامضة
فهو الآن سعيد كما لم يكن طوال حياته
قربها بعث فيه روح جديدة مرفرفة.. فلماذا يعود هذا الأثر اللعين ليطل برأسه عليهما ليفسد هشاشة سعادتهما؟!!
موضي تقدمت بخطوات متوترة وجلست قريبا منه
همس بحزم: لا .. جنبي
نهضت بتوتر أكبر وهي تجلس بجواره
همس بحزم حنون: ممكن أعرف ليش البكاء؟؟
موضي تحاول أن تبتسم: من قال لك بكيت؟؟ وليش أبكي أساسا؟؟
راكان مد يده إلى وجهها ليرفعه برقة وهو ينظر لخديها المحمرين كخدي طفلة لفحتها حرارة الصيف وعينيها المحمرتين بوجع
همس بألم مثقل بالرجولة: كل هذا وما بكيتي؟!!
حرام عليش موضي تسوين كذا في نفسش
موضي بشجن: تكفى راكان لا تشغل بالك فيني
راكان بعبق رجولته الخاص: إذا ماشغلت بالي فيش.. من اللي يستحق يشغل بالي؟؟
موضي بحزن: حد يستحق يشغل بالك
ثم أردفت بحزن أشد: راكان أنا ما خدعتك.. قلت لك إن تجربة زواجي الأولى خلتني بقايا امرأة.. ماعاد فيني ثقة في نفسي
راكان باستنكار حقيقي: أنتي بقايا مرة.. موضي أنتي ما تشوفين روحش في المراية
أنتي أكثر من مرة بكثير.. وفيش من الأنوثة والجاذبية والجمال اللي لو قسموه على كل نسوان العالم كفاهم وزاد
موضي بألم: راكان بس تنفخ فيني على الفاضي
راكان بحزم صارم: أنتي وعدتيني تحاولين تنسين كل اللي سواه اللي ما ينذكر
موضي بحزن: هذا أنا أحاول
راكان بذات النبرة الحازمة: والله ماشفتش تحاولين
شايفش مستسلمة لسلبيتش
موضي صمتت.. وراكان بدأ يحس بالغضب لذا تنهد ووقف ليذهب للحمام ليستحم لأنه كان قادما أساسا ليستحم
وهاهو يحتاج للاستحمام فعلا ليبرد أعصابه الثائرة على موضي ومن أجلها
*************************
بيت مشعل بن محمد
غرفة الضيوف في الطابق السفلي التي أعدتها موضي قبل مغادرتها لاستخدام لطيفة
وأحضرت بعض أغراض لطيفة وملابسها من غرفتها.. ورتبتها في الغرفة والحمام
وموضي لم تغادر البيت حتى تأكدت من نوم أبناء شقيقتها في غرفهم
ألمها كثيرا إحساس محمد ومريم المبكر بالقلق
فالاثنان بالذات لم يكونا يريدان مغادرة والدتهما
وهما لا يفتأن يسألانها: يمه أنتي بخير؟؟ أنتي طيبة؟؟ (طيبة= بخير وليست الطيبة المقابلة للشر)
ولا تعلم موضي لِـمَ بدت لها لطيفة مثقلة بالوجع وهي تحتضنهما وتهمس: دامكم طيبين أنا طيبة
والأطفال الأربعة لم يغادروا لطيفة إلا بعد محايلة طويلة من موضي ومعها العنود لأخذهم لغرفهم لتذهب موضي مع البنات والعنود مع الأولاد
بدت المهمة للاثنتان متعبة نوعا ما.. واستغربتا
كيف تستطيع لطيفة أن تحكم سيطرتها على الأربعة في وقت واحد وفي غرفتين مختلفتين؟؟!!
وهاهي لطيفة تتمدد على السرير وتستعد للنوم ولإرخاء جسدها المنهك
وكانت الخادمة التي ستبيت معها تفرش فراشها على الأرض لتنام بقرب لطيفة
لولا أن مشعلا طرق الباب ودخل عليهما
فطوت الخادمة الفراش وخرجت حتى تعود لاحقا حين يخرج سيدها
مشعل اقترب.. ولطيفة اعتدلت جالسة حين رأته دخل
همس مشعل: لا والله ما تقومين خلش مرتاحة
مشعل يشعر بقلق عميق وتوجس متوحش
فمنذ البارحة وهو مع لطيفة في المستشفى وحتى اليوم صباحا
وهي مطلقا لم تعاتبه على ضربه لها الذي أدى إلى فقدانها جنينها
مطلقا لم تذكر الموضوع حتى
كان يتمنى أن تصرخ به تعاتبه.. حتى يتصارحان ويتصافيان.. ولكن هذا لم يحدث
وهذا الشيء بعث توترا موجعا في روحه
همس وهو يجلس جوارها وهي تتمدد نصف تمدد: أشلونش اليوم؟؟
همست بنبرة باردة.. مشبعة ببرودة طبيعية: الحمدلله على كل حال.. ودوام الحال من المحال
همس لها بحنان: مرتاحة؟؟ تبين أجيب لش شي؟؟
ذات النبرة الباردة وهي لا تنظر له مطلقا: سلامتك
همس مشعل بمصارحة أليمة: أدري صعب تسامحيني.. بس حاولي يا قلبي حاولي
لو مهوب عشاني.. عشان عيالنا
لطيفة بنبرة مشبعة بجليد متوحش: مازعلت عشان أرضى.. ولافيه شيء أسامحك عليه
تنهد مشعل بعمق وجرح ما.. جرح جديد يتعمق في قلبه
يستحيل أن تكون هذه لطيفة.. يستحيل
لطيفة شعلة متدفقة من دفء وحنان
هذه ليست أكثر من شبح جليدي
ولكنه يحاول وسيحاول
مد يده يمسح بها على ذراعها العاري الساكن جوارها
لم تكف ذراعها أو تجذبها.. ولكنه شعر كما لو كان يلمس جثة هامدة
برودة لاسعة أرعبته.. ويدها ساكنة تحت كفه بلا ارتعاش بلا اضطراب
حتى في أيام غضبها الأول منه.. وهي تدعي البرود ببراعة هائلة
كان ما أن يقترب منها حتى تبدأ بالارتعاش غصبا عنها
صدّق تمثليتها لفترة.. لكنه اكتشف ثغراتها بعد عدة أيام
وهاهو الآن يحاول إيجاد ثغرة دفء ينفذ منها لروحها
ليعاود العزف على مشاعرها كما اعتاد وبرع
ولكن.. لا ثغرة..
لا ثــــغــــرة!!
لا ثــــــغـــــــــرة!!
#أنفاس_قطر#
.