في بداية القرن الحالي فجر عالم اللاهوت الكاثوليكي السويسري "هانز كونج" فكرة الأخلاق العولمية كرد فعل لنظرية صدام الحضارات التي رأى أنها تضع الحضارات في شكل كتل متراصة بجوار بعضها البعض مع تجاهل شبه تام للتداخلات الحضارية المعقدة بينها وما أسماه المشترك الإنساني بين الأديان؛ حيث قال في إحدى محاضراته([4]): "لن يكون هناك سلام بين الدول بدون سلام بين الأديان، ولن يكون هناك سلام بين الأديان بدون حوار بين الأديان، ولن يكون هناك حوار جاد بين الأديان بدون معايير أخلاقية مشتركة".
وقوام طرح كونج أن ثمة مبادئ أخلاقية مشتركة بين جميع ديانات العالم يمكن أن تتخذ قاعدة للحوار بين معتنقي الأديان تأتي على رأسها "القاعدة الذهبية" التي تقول: "لا تفعل بالآخرين ما لا تريد أن يفعلوه بك" والتي يجدها كونج متأصلة في التقاليد الصينية التي ترجع إلى خمسمائة عام قبل ميلاد المسيح، كما أنها موجودة أيضا في التراث اليهودي قبل ميلاد المسيح بعشرين عاما في تعاليم الحاخام هيليل. وهذه القاعدة يجدها كونج في الحديث النبوي: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، كما أن هنالك توجيهات أربعة يجدها مشتركة بين جميع الأديان هي: لا تقتل، لا تسرق، لا تكذب، لا تعتدي جنسيا. وبهذا يدعو كونج إلى نظام عالمي جديد تحكم فيه المشتركات الإنسانية بين الأديان السياسات الاقتصادية والتوجهات السياسية؛ حيث ينتقد في هذا السياق ميثاق الاتحاد الأوروبي لخلوه من الإشارة إلى اسم الله.
وعن ربط الإسلام بالعنف يرى كونج أن العنف مورس باسم الهلال كما مورس أيضا باسم الصليب من قبل صليبي العصور الوسطى والمعاصرين؛ حيث قامت كلتا الديانتين-المسيحية والإسلام- تاريخيا بتوسيع دائرة نفوذهما بالعنف، وقامت كل منهما في مجالها الخاص بنشر أيديولوجية خاصة بها لا تدعو للسلام.
وهكذا نجد أنه برغم نبل مقاصد هذا التوجه الإنساني فإنه يؤدي إلى صهر الأديان كلها في بوتقة واحدة بأسلوب "ما لكل دين وما عليه" وهذا الأسلوب برغم موضوعيته الظاهرية إلا أنه يحمل مضامين خطيرة بالنسبة للإسلام بسبب استخدام معايير واحدة لتفسير الظاهرة المشتركة ظاهريا بين الأديان؛ مما يؤدي إلى ضياع الخصوصية التي يتميز بها كل دين وصهرها في فكرة الأخلاقيات العولمية، واختزال التاريخ في مجموعة من المبادئ الأخلاقية العامة.
وهكذا يتساوى الجهاد الإسلامي التاريخي من أجل الدفاع عن العقيدة وتحرير الشعوب المقهورة من ظلم الشرك والطغيان مع الحروب الصليبية التي كرست الدين لنهب خيرات الشعوب باسم الدفاع عن المقدسات؛ فكلاهما حروب دينية ترفضها الأخلاق العولمية.
بالإضافة إلى ذلك فإن فكرة المشترك الإنساني بين الأديان تغفل الجذور الثقافية المعقدة للقيم المشتركة –أو التي يعتقد أنها مشتركة –في الثقافة التي نشأ فيها كل دين على حدة.
إن هذا المشترك الإنساني له في الواقع جذور عميقة في الثقافة التي نشأ فيها كل دين تجعله في التقييم النهائي يخرج عن دائرة هذا المشترك إذا ما تم إغفال جذوره المتأصلة في كل ثقافة على حدة.
وحينما يتناول هانز كونج الحديث عن إصلاح الإسلام نجده يقول: "إن الإسلام لم يشهد أي إصلاح ديني؛ ولهذا فإنه حتى يومنا هذا يواجه بعض المشكلات الخاصة أيضا فيما يتعلق بتعامله مع الحداثة وعناصرها الجوهرية"، وهنا نلاحظ التأثر بالمدرسة الثقافية التي يهاجمها كونج؛ حيث يقيس الإصلاح الإسلامي على نموذج الإصلاح المسيحي والمشروع الحداثي الأوروبي، وهو قياس خاطئ؛ لأن الإصلاح في الإسلام يختلف عن النموذج اللوثري الذي أدى إلى تغييرات جذرية في العقيدة المسيحية وظهور المذهب البروتستانتي كنقيض للمذهب الكاثوليكي.