الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن التسبيح باليد أفضل من التسبيح بالمسبحة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعقد التسبيح بيده، فعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح -قال ابن قدامة-: بيمينه) رواه أبو داود وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: " يا نساء المؤمنات: عليكن بالتهليل، والتسبيح، والتقديس، ولا تغفلن فتنسين الرحمة، واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات مستنطقات" رواه أحمد وأبو داود والترمذي، والحاكم، وحسن إسناده النووي في الأذكار، وجود العراقي إسناده في تخريج الإحياء. قال الشوكاني: (مسؤولات مستنطقات) يعني: أنهن يشهدن بذلك، فكان عقدهن بالتسبيح من هذه الحيثية أولى من السبحة والحصى). إذاً فهذه الأنامل ستشهد لصاحبها يوم القيامة بهذا التسبيح وغيره من خير أو شر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وعد التسبيح بالأصابع سنة… وأما عده بالنوى والحصى ونحو ذلك فحسن، وكان من الصحابة رضي الله عنهم من يفعل ذلك، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين تسبح بالحصى، وأقرها على ذلك. وروي أن أبا هريرة كان يسبح به. وأما التسبيح بما يجعل في نظام الخرز ونحوه، فمن الناس من كرهه، ومنهم من لم يكرهه، وإذا أحسنت فيه النية فهو حسن غير مكروه، وأما اتخاذه من غير حاجة، أو إظهاره للناس مثل: تعليقه في العنق، أو جعله كالسوار في اليد، أو نحو ذلك، فهذا إما رياء للناس، أو مظنة المراءاة ومشابهة المرائين من غير حاجة، والأول محرم، والثاني أقل أحواله الكراهة…) مجموع الفتوى ( 22/506) .
ومن العلماء من ألحق السبحة بالنوى والحصى، قال الشوكاني: ( والحديثان الآخران يدلان على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى، وكذا بالسبحة لعدم الفارق لتقريره صلى الله عليه وسلم للمرأتين على ذلك، وعدم إنكاره، والإرشاد إلى ما هو أفضل لا ينافي الجواز) ثم ذكر آثاراً عن الصحابة في التسبيح بالحصى والنوى… انظر نيل الأوطار (2/602).
أما الحديثان اللذان استدل بهما الشوكاني فهما: عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به، فقال: " أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل: سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض…" رواه أبو داود والترمذي. وحديث صفية قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بها، فقال: " لقد سبحت بهذا! ألا أعلمك بأكثر مما سبحت به؟ فقالت: علمني. فقال :" قولي سبحان الله عدد خلقه" رواه الترمذي.
لكن اعترض البعض بما ذكر الشاطبي في الاعتصام عن ابن مسعود فيما حكاه ابن وضاح عن الأعمش عن بعض أصحابه قال: مر عبد الله برجل يقص في المسجد على أصحابه وهو يقول: سبحوا عشراً، وهللوا عشراً، فقال عبد الله إنكم لأهدى من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أو أضل؟ بل هذه بدعة (يعني أضل) وذكر له أن ناساً بالكوفة يسبحون بالحصى في المسجد، فأتاهم وقد كوم كل رجل منهم بين يديه كوماً من حصى - قال - فلم يزل يحصبهم بالحصى حتى أخرجهم من المسجد، ويقول: لقد أحدثتم بدعة وظلماً، وقد فضلتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علماً؟! فهذه أمور قد أخرجت الذكر عن المشروع، كالذي تقدم من النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة…)
والراجح - والله أعلم - جواز التسبيح بالمسبحة لمن كان محتاجاً إليها لما تقدم من الأحاديث، حيث أقر النبي صلى الله عليه وسلم التسبيح بالحصى، فتحمل المسبحة على ذلك. وأما ما روي عن ابن مسعود فلا تصح معارضته للأحاديث، لتطرق الاحتمال إليه لأنه ربما أنكر عليهم لاجتماعهم، أو لصدور الأمر بذلك من بعضهم بقوله (سبحوا كبروا) ثم إن هذا قول صحابي على فرض صحته لا يجوز أن يعارض ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن التسبيح باليد أفضل كما تقرر.
والله أعلم.
وهذي فتوى الالباني
قد قال الإمام الفهامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- في السلسلة الضعيفة (1/110) عند تخريجه لحديث " نعم المذكّر السبحة" :
" ثم إن الحديث من حيث معناه باطل عندي لأمور : الأول : أن السبحة بدعة لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما حدثت بعده صلى الله عليه وسلم فكيف يعقل أن يحض صلى الله عليه وسلم أصحابه على أمر لا يعرفونه ؟ والدليل على ما ذكرت ما روى ابن وضاح في " البدع والنهي عنها" عن الصلت بن بهرام قال : مر ابن مسعود بامرأة معها تسبيح تسبح به فقطعه وألقاه ، ثم مر برجل يسبح بحصا فضربه برجله ثم قال : لقد سَبقتم ، ركبتم بدعة ظلما ، ولقد غلبتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علما ، وسنده صحيح إلى الصلت ، وهو ثقة من اتباع التابعين . الثاني : أنه مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم قال عبد الله بن عمرو: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه. وقال أيضا (1/117) : ولو لم يكن في السبحة إلا سيئة واحدة وهي أنها قضت على سنة العد بالأصابع أو كادت مع اتفاقهم على أنها أفضل لكفى فإني قلما أرى شيخا يعقد التسبيح بالأنامل ! ثم إن الناس قد تفننوا في الابتداع بهذه البدعة ، فترى بعض المنتمين لإحدى الطرق يطوق عنقه بالسبحة ! وبعضهم يعدُّ بها وهو يحدثك أو يستمع لحديثك ! وآخِر ما وقعت عيني عليه من ذلك منذ أيام أنني رأيت رجلا على دراجة عادية يسير بها في بعض الطرق المزدحمة بالناس وفي إحدى يديه سبحة ! يتظاهرون للناس بأنهم لا يغفلون عن ذكر الله طرفة عين وكثيرا ما تكون هذه البدعة سببا لإضاعة ما هو واجب فقد اتفق لي مرارا - وكذا لغيري - أنني سلمت على أحدهم فرد عليّ السلام بالتلويح دون أن يتلفظ بالسلام ومفاسد هذه البدعة لا تحصى فما أحسن ما قال الشاعر:
وكل خير في اتباع من سلف********وكل شر في ابتداع من خلف
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلم تسليما.
__________________