
فى قول الله تعالى (ولقد ءاتينا موسى الكتب وقفينا من بعده بالرسل وءاتينا عيسى بن مريم البينت وأيدنه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون)
ينعت تبارك وتعالى : بنى اسرائيل بالعتو والعناد والمخالفة , والإستكبار على الأنبياء , وإنهم إنما يتبعون أهواءهم ,
فذكر تعالى أنه آتى سيدنا موسى الكتاب وهو التوراة , فحرفوها وبدلوها وخالفوا أوامرها وأولوها , وأرسل الرسل والنبيين من بعده الذين يحكمون بشريعته , (وقفينا من بعده بالرسل) أى أتبعنا به الرسل من بعده , حتى ختم أنبياء بنى اسرائيل بسيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام ,
فجاء بمخالفة التوراة فى بعض الأحكام , ولهذا أعطاه الله تعالى من البينات وهى المعجزات , قال ابن عباس : من إحياء الموتى , وخلقه من الطين كهيئة الطير فينخ فيها فتكون طيرا بإذن الله تعالى , وإخباره بالغيوب بإذن الله تعالى , وتأييده بروح القدس , وهو جبريل عليه السلام , ما يدلهم فى صدقه فيما جاءهم به ...
فاشتد تكذيب بنى اسرائيل به ومخالفتهم له , وحسدهم وعنادهم ومخالفة التوراة فى بعض الأحكام , وكانت بنو اسرائيل تعامل الأنبياء أسوأ معاملة , ففريقا يكذبونه وفريقا يقتلونه , وما ذاك إلا لأنهم كانوا يأتونهم بالأمور المخالفة لأهوائهم , وآرائهم وبإلزامهم بأحكام التوراة التى قد تصرفوا فى مخالفتها , فلهذا كان يشق عليهم فيكذبونهم , وربما قتلوا بعضهم , ولهذا قال تعالى (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون)
ومن المفسرين من قال أن روح القدس : تعنى ما كان يحيى به سيدنا عيسى عليه السلام
ومنهم من قال : ان روح القدس هى الروح المقدسة , ولكن الأرجح هو سيدنا جبريل عليه السلام...

وفى قوله تعالى (وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون)
قال محمد بن اسحاق عن ابن عباس : (قلوبنا غلف) : تعنى فى أكنة..
أى لا تفقه , وهى القلوب المطبوع عليها ,
وقال مجاهد تعنى : أن عليها غشاوة
وتعنى أن قلوبنا فى أكنة مما تدعوننا إليه , وقال الضحاك عن ابن عباس : (وقالوا قلوبنا غلف) : قال قالوا قلوبنا مملوءه علما لا تحتاج إلى علم محمد ولا غيره , والله تعالى أعلى وأعلم...
فى قوله (بل لعنهم الله بكفرهم) أى ليس الأمر كما ادعوا بل قلوبهم ملعونة مطبوع عليها , وفى قوله (فقليلا ما يؤمنون) قال بعض المفسرين : فقليلا من يؤمن منهم , وقيل : فقليل إيمانهم , بمعنى أنهم أمنوا بما جاءهم به سيدنا موسى عليه السلام , من أمر المعاد والثواب والعقاب , ولكنه إيمان لا ينفعهم , لأنه مغمور بما كفروا به من الذى جاءهم به سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) وقال بعضهم , وهم بالجميع كافرون , والله تعالى أعلى وأعلم ...

وفى قوله تعالى (ولما جاءهم كتب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكفرين)
يقول الله تعالى : (ولما جاءهم ) يعنى اليهود (كتب من عند الله ) وهو القرآن الذى أنزل على سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) (مصدق لما معهم) يعنى من التوراة , (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا) أى وقد كانوا من قبل مجىء هذا الرسول بهذا الكتاب , يستنصرون بمجيئه على أعدائهم , من المشركين إذا قاتلوهم , يقولون : أنه سيبعث نبى فى أخر الزمان , نقتلكم معه قتل عاد وإرم...
فلما بعث الله تعالى سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)من قريش كفروا به
وقال محمد بن اسحاق عن ابن عباس : أن اليهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله (صلى الله عليه وسلم) قبل مبعثه , فلما بعثه الله تعالى من العرب كفروا به , وجحدوا ما كانوا يقولون فيه , فقال لهم معاذ بن جبل , وبشر بن البراء : يا معشر يهود , اتقوا الله تعالى وأسلموا , فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد (صلى الله عليه وسلم) ونحن أهل شرك , وتخبروننا بأنه مبعوث , وتصفونه لنا بصفته, فقال سلام بن مشكم أخو بنى النضير : ما جاءنا بشىء نعرفه , وما هو بالذى كنا نذكر لكم فأنزل الله تعالى قوله (ولما جاءهم كتب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكفرين)
