
فى قول الله تعالى (بلى من كسب سيئة وأحطت به خطيئته فأولئك أصحب النار هم فيها خلدون * والذين ءامنوا وعملوا الصلحت أولئك أصحب الجنة هم فيها خلدون )
يقول الله تعالى : ليس الأمر كما تمنيتم ولا كما تشتهون , بل الأمر: أنه من عمل سيئة وأحاطت به خطيئة , وهو من وافى يوم القيامة وليس له حسنة , بل جميع عمله سيئات , فهذا من أهل النار , والذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات من العمل الموافق للشريعة , فهم من أهل الجنة...
وقال محمد بن اسحاق عن ابن عباس : (بلى من كسب سيئة)
أى : عمل مثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم به , حتى يحيط به كفره فما له من حسنة...
وقال أبو هريرة : (وأحطت به خطيئته) أى أحاط به شركه...
وعن ابن مسعود , قال , قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
" إياكم ومحقرات الذنوب , فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه"

وقوله تعالى (والذين ءامنوا وعملوا الصلحت أولئك أصحب الجنة هم فيها خلدون)
قال محمد بن اسحاق عن ابن عباس :أى من آمن بما كفرتم به
وعمل بما تركتم من دينه ,فلهم الجنة خالدين فيها ...
أى أن الذين يؤمنون بالله وحده لاشريك له وبرسله وصدقوا بما جاءهم الرسل بالحق وعملوا ما أمرهم الله تعالى به , وانتهوا عما نهاهم الله تعالى عنه فأولئك لهم الجنة خالدين فيها...
وبهذه الأيات يخبرهم الله تعالى : أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله , لا إنقطاع له أبدا...

وفى قول الله تعالى (وإذ أخذنا ميثق بنى إسرءيل لا تعبدون إلا الله وبالولدين إحسانا وذى القربى واليتمى والمسكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون)
يذكر الله تعالى بنى إسرائيل بما أمرهم من الأوامر ,وأخذ ميثاقهم على ذلك , وأنهم تولوا عن ذلك كله , وأعرضوا قصدا وعمدا ,
وهم يعرفونه ويذكرونه,
فأمرهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا , وبهذا أمر جميع خلقه , وهذا هو أعلى الحقوق وأعظمها , حق الله تعالى , أن يعبد وحده
لا شريك له , ثم بعده حق المخلوقين , وأهمهم وأولاهم بذلك حق
الوالدين , ولهذا يقرن الله تعالى بين حقه وحق الوالدين ..
ففى الصحيحين عن ابن مسعود: قلت يارسول الله : أى العمل أفضل ؟ قال : الصلاة على وقتها , قلت ثم أى ؟ قال : بر الوالدين , قلت ثم أى ؟ قال : الجهاد فى سبيل الله ,
ولهذا جاء فى الحديث الصحيح : أن رجلا سأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال يارسول الله من أبر ؟ قال أمك , قال ثم من ؟ قال أمك , قال ثم من ؟ قال ثم اباك.ثم أدناك أدناك...
أى كل من هو يقرب إليك أى الأقارب...
وهذا الحديث فى صحيح البخارى...
(وذى القربى): يعنى الأقارب أى صلة الرحم وأن نصل كل أقاربنا ...
وقال (اليتمى) : وهم الصغار الذين لا كاسب لهم من الأباء, أى من فقد أبيه, والله تعالى أعلى وأعلم...
(المسكين) : الذين لا يجدون ما ينفقون علي أنفسهم وعلى أهليهم ..
وقوله تعالى (وقولوا للناس حسنا) : أى كلموهم طيبا , ولينوا لهم جانبا , ويدخل فى ذلك الأمر بالمعروف , والنهى عن المنكر بالمعروف , والحلم والعفو والصفح , ويقول للناس حسنا كما قال الله تعالى , وهو كل خلق حسن رضيه الله تعالى ...
وقال الإمام أحمد عن أبى ذررضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تحقرن من المعروف شيئا ,وإن لم تجد فألق أخاك بوجه منطلق) وأخرجه مسلم فى صحيحة والترمذى (صصحه)
وناسب أن يأمرهم بأن يقولوا للناس حسنا, بعدما أمرهم بالإحسان إليهم بالفعل , فجمع الله تعالى بين طرفى الإحسان الفعلى والقولى
ثم أكد الأمر بعبادته والإحسان إلى الناس بالمعين من ذلك , وهو
الصلاة والزكاة , فقال (وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة) وأخبر أنهم تولوا عن ذلك كله , أى تركوه وراء ظهورهم , وأعرضوا عنه على عمد بعد العلم به ,إلا القليل منهم , والله تعالى أعلى وأعلم...
