

فى قول الله تعالى (فجعلنها نكلا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين )
قال بعض المفسرين أن الضمير فى (فجعلنها) تعود على القردة , ومنهم من قال أنها تعود على القرية , ومنهم من قال تعود على الحيتان , ومنهم من قال أنها تعود على العقوبة ..
والصحيح أن الضمير عائد على القرية , أى فجعل الله تعالى هذه القرية والمراد أهلها فى اعتدائهم فى سبتهم ,(نكلا) أى عاقبناهم عقوبة فجعلنها عبرة..
وقوله (لما بين يديها وما خلفها) أى من القرى , وقال ابن عباس : يعنى جعلناها بما أحللنا عليها من عقوبة عبرة لما حولها من القرى ...
وروى عن قتاده (وما خلفها) ماكان قبلها من الماضين فى شأن السبت..
وقال أبو العاليه: تعنى ما بقى من بنى إسرائيل أن يعملوا مثل عملهم ..
ولكن القول الأرجح : هو ما رواه ابن عباس أى ما حولها من القرى والله تعالى أعلى وأعلم..
وفى قوله( موعظة للمتقين ) قال محمد بن اسحاق : يعنى عبرة للذين من بعدهم إلى يوم القيامة ..
وقال السدى تعنى : أمة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)
ولكن فى تفسير ابن كثير قال : المراد بالموعظة هاهنا الزاجر , أى جعلنا ما أحللنا بهم من البأس والنكال فى مقابلة ما راتكبوه من محارم الله , وما تحيلوا من الحيل , فليحذر المتقون لئلا يصيبهم ما أصابهم ...

وفى قول الله تعالى (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة
قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين * قالوا ادع لنا
ربك يبين لنا ما هى قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين
ذلك فافعلوا ما تؤمرون )
يقول الله تعالى : واذكروا يابنى اسرائيل نعمتى عليكم فى خرق العادة لكم
فى شأن البقرة , وبيان القاتل من هو بسببها وإحياء المقتول ...
حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح , عن عبيدة السلمانى , قال : كان رجل
من بنى اسرائيل عقيما لا يولد له , وكان له مال كثير وكان ابن أخيه وارثه
فقتله ثم احتمله ليلا على باب رجل منهم , ثم أصبح يدعيه عليهم حتى
تسلحوا , وركب بعضهم إلى بعض , فقال ذو الرأى منهم والنهى : علام
يقتل بعضكم بعضا وهذا رسول الله فيكم ؟ فأتوا سيدنا موسى عليه السلام
فذكروا ذلك له , فقال (ان الله يأمركم أن تذبحوا ....حتى أخر الأية )
وحسبوا أن سيدنا موسى يهزأ بهم ولكنه تعوذ بالله أن يكون من الجاهلين...
قال فلو لم يعترضوا البقر لأجزأت عنهم أدنى بقرة , ولكنهم شددوا فشدد
عليهم , حتى انتهوا الى البقرة التى أمروا بذبحها , فوجدوها عند رجل ليس
بقر غيرها , فقال : والله لا أنقصها ملء جلدها ذهبا , فأخذوها بملء جلدها
ذهبا فذبحوها فضربوه ببعضها فقام فقالوا من قتلك ؟ فقال هذا لأبن أخيه ,
ثم مال ميتا , فلم يعط من ماله شيئا , فلم يورث قاتل بعد..

وفى قوله تعالى (ادع لنا ربك يبين لنا ما هى )
(لا فارض ) تعنى لا هرمة , (ولا بكر ) تعنى لا ضغيرة , (عوان بين
ذلك)تعنى أى نصف بين البكر والهرمة ...
(ادع لنا ربك يبين لنا ما هى ) أى ما هذه البقرة ؟ وأى شىء صفتها ؟
وهى على هذه الصفات أقوى ما يكون من الدواب والبقر , وهكذا رواه أبو
العالية والضحاك ومجاهد والربيع بن أنس , وهذا كان الأرجح على حسب
قول المفسرون , والله تعالى أعلى وأعلم...
