
فى قوله تعالى (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا فى الأرض مفسدين )
يقول الله تعالى :أذكروا نعمتى عليكم فى إجابتى لنبيكم موسى عليه السلام ,حين استسقانى لكم , واخراجى لكم الماء من حجر معكم ,وتفجيرى لكم الماء منه من اثنتى عشرة عينا ,لكل سبط من أسباطكم عين قد عرفوها ,فكلوا من المن والسلوى واشربوا من هذا الماء ,الذى أنبعته لكم من غير سعى منكم ولا كد ,واعبدوا الذى سخر لكم ذلك..
(ولا تعثوا فى الأرض مفسدين) أى ولا تقابلوا النعم بالعصيان فتلبسوها ,وقد بسطه المفسرون فى كلامهم كما قال ابن عباس : وجعل بين ظهرانيهم حجر مربع ,وأمر سيدنا موسى عليه السلام فضربه بعصاه فانفجر منه اثنتى عشرة عينا ,من كل ناحية منه ثلاث عيون ,وأعلم كل سبط عينهم ,يشربون منها لا يرتحلون من منقله الا وجدوا ذلك معهم بالمكان الذى كان منهم بالمنزل الأول..

وفى قوله تعالى (وإذ قلتم يموسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءو بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بأيت الله ويقتلون النبين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون )
يقول الله تعالى : أذكروا نعمتى عليكم فى إنزالى عليكم المن والسلوى طعاما نافعا هنيئا , واخراجى لكم الماء ,واذكروا ضجركم مما رزقناكم وسؤالكم موسى عليه السلام استبدال ذلك بالأطعمه الدنيه من البقول ونحوها..
ويقول الحسن البصرى انهم بطروا على هذه النعم وعلى المن والسلوى انه طعام واحد لا يتغير ,وسألوا موسى عليه السلام ان يسال ربه يخرج لهم من نبات الأرض من البقول والقثاء والعدس والبصل , وفسر الكثير من المفسرين أن الفوم هو الثوم , وفسر غيرهم أنه الحنطة اى البر الذى يعمل منه الخبز والله تعالى أعلى وأعلم..
(قال أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير) وفى هذه الأية توبيخ لهم على ما سألوا من الأطعمه الدنيه ,مع ما هم فيه من العيش الرغيد, والطعام الهنىء الطيب النافع..
وقوله (اهبطوا مصرا) هكذا هو منون مصروف مكتوب بالألف فى مصاحف الأئمة العثمانية,وهو قراءة الجمهور بالصرف..
وقال بن جرير : لا أستجيز القراءة بغير ذلك , لإجماع المصاحف على ذلك..
وقال ابن عباس : مصرا من الأمصار , وهذا مثلما قال الكثير من المفسرين
وقال ابن جرير : أن مصرا من غير صرف تكون بمعنى (مصر فرعون)
ولكن كان قول ابن عباس الأرجح على حسب قول المفسرين , والله تعالى أعلى وأعلم..
والمعنى على ذلك أنه سيدنا موسى عليه السلام قال لهم : هذا الذى سألتم ليس بأمر عزيز , بل هو فى كل بلد دخلتموه وجدتموه ,فليس يساوى مع دناءته وكثرته فى الأمصار أن أسأل الله تعالى فيه..
(ما سألتم ) أى ما طلبتم..
وفى قوله تعالى (وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءو بغضب من الله )
يقول الله تعالى : أى وضعت عليهم الذلة والزموا بها ,ولا يزالون مستذلين ..
وقال عبد الرزاق عن قتاده قال : أى يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون .
و(باءو بغضب من الله) قال الضحاك : استحقوا الغضب من الله تعالى ,فحدث عليهم غضب من الله تعالى...
وقال سعيد بن جبير :يعنى هذا أنهم رجعوا وانصرفوا متحملين غضب الله تعالى ,ووجب عليهم من الله تعالى سخط..
وقوله تعالى (ذلك بأنهم كانوا يكفرون بأيت الله ويقتلون النبين بغير الحق )
يقول الله تعالى هذا الذى جازيناهم به من الذلة والمسكنة وإحلال الغضب بهم ,بسبب استكبارهم عن اتباع الحق ,وكفرهم بأيات الله تعالى ,وإهانتهم حملة الدين وهم الأنبياء وأتباعهم ,فانتقضوهم إلى أن أفضى بهم الحال إلى قتلهم ,فلا ذنب ولا كبر أعظم من هذا...
ولهذا جاء فى الحديث المتفق على صحته , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الكبر بطر الحق , وغمط الناس "
وهذا يعنى رد الحق وانتقاص الناس ,والإزدراء بهم والتعاظم عليهم..
وقوله (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) وهذا علة أخرى فيما جوزوا به ,أنهم كانوا يعصون ويعتدون , فالعصيان فعل المناهى ,والإعتداء هو المجاوزة فى حد المأذون به والمأمور به , والله تعالى أعلى وأعلم...

وفى قوله تعالى (إن الذين ءامنوا والذين هادوا والنصارى والصبئين من ءامن بالله واليوم الأخر لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) قال مجاهد : الصابئون هم بين المجوس والنصارى واليهود , ليس لهم دين , وهكذا رواه ابن نجيح وغيره..
وقال أبو العاليه : الصابئون هم فرقه من أهل الكتاب يقرؤون الزبور ..
فلما بعث الله تعالى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ,خاتما للنبين ورسولا إلى بنى آدم على الإطلاق ,وجب عليهم تصديقه فيما أخبر ,وطاعته فيما
أمر , والإمتناع عن ما نهى عنه , هؤلاء هم المؤمنون حقا
وأظهر الأقوال هو قول مجاهد , ومتابعيه أن الصابئين قوم ليسوا من اليهود والنصارى ولا المجوس ولا المشركين , وإنما هم قوم باقون على فطرتهم , ولا دين مقرر لهم يتبعونه ,
وقال عبد الله بن وهب , قال عبد الرحمن بن زيد : أن الصابئون أهل دين من الأديان كانوا بجزيرة الموصل , ويقولون لا إله إلا الله , وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبى ولقد إختلف الكثير من المفسرين فى الصابئون من هم ولكن الله تعالى أعلى وأعلم...
وفى هذه الأية الكريمة : يبلغنا الله تعالى , بأن الذين ءامنوا واليهود والنصارى والصابئين من آمن منهم بالله واليوم الأخر واتبع أوامر الله تعالى ورسله وكتبه وابتعد عن نواهى الله تعالى , وآمن بيوم البعث وهو يوم القيامة وآمن بالحساب , لهم عند الله أجر عظيم لا مثيل له , ولا يخافون ولا يحزنون فى الدنيا والأخرة , وهذا وعد من الله تعالى لهم على ايمانهم به ..
