أهلا وسهلا بك إلى منتديات حوامل النسائية. |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا |
|
المنتدى الاسلامي العام ومن يتق الله يجعل له مخرجاً و يرزقه من حيث لا يحتسب منهج أهل السنة والجماعة |
![]() |
المشاركة رقم: 51 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
أسيرة قلم
المنتدى :
المنتدى الاسلامي العام
![]() أحمد ديدات [IMG] ![]() (1 يوليو 1918 - 8 أغسطس 2005) داعية إسلامي أشتهر بمناظراته وكتاباته في المقارنة بين الدين الإسلامي والدين المسيحي. هو الشيخ أحمد حسين ديدات ولد في (تادكهار فار) بإقليم سراط بالهند عام 1918م لأبوين مسلمين هما حسين كاظم ديدات وزوجته فاطمة, وكان يعمل والده بالزراعة وأمه تعاونه ومكثا تسع سنوات ثم انتقل والده إلى جنوب أفريقيا وعاش في ديربان وغير أبيه اتجاه عمله الزراعي وعمل ترزياً ونشئ الشيخ على منهج أهل السنة والجماعة منذ نعومة أظافره فلقد التحق الشيخ أحمد بالدراسة بالمركز الإسلامي في ديربان لتعلم القرآن الكريم وعلومه وأحكام شريعتنا الإسلامية وفي عام 1934م أكمل الشيخ المرحلة السادسة الابتدائية وثم قرر أن يعمل لمساعدة والده فعمل في دكان يبيع الملح, وانتقل للعمل في مصنع للأثاث وأمضى به اثنا عشر عاما وصعد سلم الوظيفة في هذا المصنع من سائق ثم بائع ثم مدير للمصنع وفي أثناء ذلك التحق الشيخ بالكلية الفنية السلطانية كما كانت تسمى في ذلك الوقت فدرس فيها الرياضيات وإدارة الأعمال. إن نقطة التحول الحقيقي كانت في الأربعينات وكان سبب هذا التحول هو زيارة بعثة آدم التنصيرية في دكان الملح الذي كان يعمل به الشيخ وتوجيه أسئلة كثيرة عن دين الإسلام ولم يستطيع وقتها الإجابة عنها. و قرر الشيخ أن يدرس الأناجيل بمختلف طبعاتها الإنجليزية حتى النسخ العربية كان يحاول أن يجد من يقرأها له وقام بعمل دراسة مقارنة في الأناجيل وبعد أن وجد في نفسه القدرة التامة على العمل من أجل الدعوة الإسلامية ومواجهة المبشرين قرر الشيخ بأن يترك كل الأعمال التجارية ويتفرغ لهذا العمل. كان هناك عامل مؤثر آخر لا يقل عن دور بعثة آدم التنصيرية في التأثير على تغير حياة الشيخ ولكن كان هذا العامل الآخر في فترة متأخرة أثناء عمل الشيخ في باكستان, حيث كان من مهام الشيخ في العمل ترتيب المخازن في المصنع وبينما هو يعمل فإذ به يعثر على كتاب (إظهار الحق) للعلامة رحمت الله الهندي. وهذا الكتاب يتناول الهجمة التنصيرية المسيحية على وطن الشيخ الأصلي (الهند) ذلك أن البريطانيين لما هزموا الهند، كانوا يُوقنون أنهم إذا تعرضوا لأية مشاكل في المستقبل فلن تأتي إلا من المسلمين الهنود، لأن السلطة والحكم والسيادة قد انتزعت غصباً من أيديهم، ولأنهم قد عرفوا السلطة وتذوقوها من قبل، فإنهم لا بد وأن يطمحوا فيها مرة أُخرى. ومعروف عن المسلمين أنهم مناضلون أشدَّاء، بعكس الهندوس، فإنهم مستسلمون ولا خوف منهم. وعلى هذا الأساس خطط الإنجليز لتنصير المسلمين ليضمنوا الاستمرار في البقاء في الهند لألف عام، وبدؤوا في استقدام موجات المنصرين المسيحيين إلى الهند، وهدفهم الأساسي هو تنصير المسلمين وكان هذا الكتاب العظيم أحد أسباب فتح آفاق الشيخ ديدات للرد على شبهات النصارى وبداية منهج حواري مع أهل الكتاب وتأصيله تأصيلاً شرعياً يوافق المنهج القرآني في دعوة أهل الكتاب إلى الحوار وطلب البرهان والحجة من كتبهم المحرفة. وأخذ الشيخ يمارس ما تعلمه من هذا الكتاب في التصدي للمنصرين، ثم أخذ يتفق معهم على زيارتهم في بيوتهم كل يوم أحد.. فقد كان يقابلهم بعد أن ينتهوا من الكنيسة, ثم انتقل الشيخ إلى مدينة ديربان وواجه العديد من المبشرين كأكبر مناظر لهم. ثم سافر الشيخ إلى باكستان في عام 1949م من أجل المال فقد وجد أنه لكي يجمع مبلغاً يفيض عن حاجته لينفقه في الدعوة كان عليه أن يسافر وفعلا مكث في باكستان لمدة ثلاث سنوات. تزوج الشيخ أحمد ديدات وأنجب ولدين وبنتاً. عمل خلالها في مصنع للنسيج وبعدها كان لابد من العودة إلى جنوب أفريقيا وإلا فقد تصريح الإقامة بها لأنه ليس من مواليد جنوب أفريقيا وعندما عاد إلى ديربان أصبح مديرًا لنفس المصنع الذي سبق أن تركه قبل سفره ومكث حتى عام 1956م يعد نفسه للدعوة إلى الدين الحق. وفي مدينة (ديربان).. في الخمسينات.. جدّ جديدٌ أخر -كل هذا بفضل الله مسبب الأسباب- كان يحضر الشيخ صباح كل أحد محاضرات دعوية. وكان جمهوره صباح كل أحد ما بين مائتين إلى ثلاثمائة فرد، وكان جمهور المحاضرات في ازديادٍ دائماً. وبعد نهاية هذه التجربة ببضعة شهور، اقترح شخص إنجليزي اعتنق الإسلام واسمه (فيرفاكس).. اقترح على الشيخ أن لديهم الرغبة والاستعداد من بيننا أن يدرس: المقارنة بين الديانات المختلفة، وأطلق على هذه الدراسة اسم: (فصل الكتاب المقدس)Bible Class وكان يقول بأنه سوف يعلم الحضور كيفية استخدام (الكتاب المقدس) في الدعوة للإسلام. ومن بين المائتين أو الثلاثمائة شخص الذين كانوا يحضرون حديث الأحد، اختار السيد (فيرفاكس) خمسة عشر أو عشرين أن يبقوا ليتلقوا المزيد من العلم. استمرت دروس السيد (فيرفاكس) لعدة أسابيع أو حوالي شهرين، ثم تغيب السيد (فيرفاكس)، ولاحظ الشيخ الإحباط وخيبة الأمل على وجوه الشباب. ويوم الأحد من الأُسبوع الثالث من تغيب السيد (فيرفاكس) اقترح عليهم الشيخ أن يملأ الفراغ الذي تركه السيد (فيرفاكس)، وأن يبدأ من حيث انتهى السيد (فيرفاكس)، لأنه كان قد تزود بالمعرفة في هذا المجال، ولكنه كان يحضر دروس السيد (فيرفاكس) لرفع روحه المعنوية، وظل الشيخ لمدة ثلاث سنوات يتحدث إليهم كل أحد، ويصف الشيخ هذه الفترة بقوله: "اكتشفت أن هذه التجربة كانت أفضل وسيلة تعلمت منها، فأفضل أداة لكي تتعلم هي أن تُعَلِّم الآخرين، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: «بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَة».. فعلينا أن نبلغ رسالة الله -عَزَّ وَجَلَّ-، حتى ولو كنا لا نعرف إلاَّ آيةً واحدةً. إن سرّاً عظيماً يكمن وراء ذلك.. فإنك إذا بلَّغت وناقشت وتكلمت، فإن الله يفتح أمامك آفاقاً جديدةً، ولم أدرك قيمة هذه التجربة إلا فيما بعد". عرف الشيخ أحمد ديدات بشجاعته وجرأته في الدفاع عن الإسلام, والرد على الأباطيل والشبهات التي كان يثيرها أعداء الإسلام من نصارى حول النبي محمد صلى الله عليه وسلم, ونتج عن هذا أن أسلم على يديه بضعة آلاف من النصارى من مختلف أنحاء العالم والبعض منهم الآن دعاة إلى الإسلام. وفي عام 1959م توقف الشيخ أحمد ديدات عن مواصلة أعماله حتى يتسنى له التفرغ للمهمة التي نذر لها حياته فيما بعد، وهي الدعوة إلى الإسلام من خلال إقامة المناظرات وعقد الندوات والمحاضرات. وفي سعيه الحثيث لأداء هذا الدور العظيم زار العديد من دول العالم، واشتهر بمناظراته التي عقدها مع كبار رجال الدين المسيحي أمثال: كلارك، جيمي سواجارت، أنيس شروش. أسس معهد السلام لتخريج الدعاة، والمركز الدولي للدعوة الإسلامية بمدينة (ديربان) بجنوب إفريقيا. ألف الشيخ أحمد ديدات ما يزيد عن عشرين كتاباً، وطبع الملايين منها لتوزع بالمجان بخلاف المناظرات التي طبع بعضها، وقام بإلقاء مئات المحاضرات في جميع أنحاء العالم. ولهذه المجهودات الضخمة مُنح الشيخ أحمد ديدات جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1986م وأعطي درجة "أستاذ". وفي عام 1996م بعد عودة الشيخ من أستراليا بعد رحلة دعوية مذهلة أصيب فارس الإسلام بمرضه الذي أقعده طريح الفراش طيلة تسع سنوات, وعن بداية اصابة الشيخ ديدات بالمرض يقول صهره (عصام مدير): "إنه كان قد أصيب بجلطة في الشريان القاعدي في شهر أبريل عام 1996م بسبب عدة عوامل على رأسها أنه مريض بالسكر منذ فترة طويلة، أجهد خلالها نفسه في الدعوة كعادته ! ولكن في ذلك الشهر تحديداً أخذ رحلة مكوكية للدعوة، واجتهد فيها خصوصاً في رحلته الأولى والقوية جدا لأستراليا التي تحدث عنها الإعلام الأسترالي لأنه ذهب لعرض الإسلام عليهم وتحدى عدداً من المنصرين الأستراليين الذين أساءوا للإسلام، وكان لا يناظر ولا يبادر إلا المنصرين الذين يتعدون على الإسلام فيستدعيهم الشيخ للمناظرات ويرد عليهم بالحجة والبرهان. ولذلك ذهب إلى أستراليا وطاف بها محاضراً ومناظراً، وعندما عاد حدث له ما جرى وأصيب بجلطة في الدماغ". و في صباح يوم الاثنين الثامن من أغسطس 2005م الموافق الثالث من رجب 1426هـ فقدت الأمة الإسلامية الداعية الإسلامي الكبير الشيخ المجاهد (أحمد ديدات), فعليه من الله جزيل الرحمات وواسع المغفرة والكرامات. لقد علمنا النبي عليه الصلاة والسلام: «إن أعظم الجزاء مع عظم البلاء, وأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم, فمن رضى فله الرضا, ومن سخط فله السخط» رواه الترمذي وابن ماجه. وإذا تتبعت سير الأنبياء والمرسلين, وسير علماء أمة التوحيد من المستقدمين والمستأخرين وجدت العجب العجاب في هذا الصدد, والحديث في هذه المسألة يطول! فنحسب شيخنا أحمد ديدات مِمَّن أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم، فرحمك الله يا فارس الإسلام, طبت حياً وميتاً, نسأل الله أن يرزقنا نصفك!! بدء العمل الدعوي في السادسة عشرة من عمره بدأ أول عملٍ له كبائعٍ في متجر، ثمَّ عمل في متاجر كثيرة، ثمَّ عمل أحمد ديدات في عام 1936 في متجرٍ يملكه مسلم، وكان بالقرب من معهد تعليمٍ نصرانيٍّ على ساحل ناتال الشمالي، وقد أشعلت الإهانات المستمرَّة ضدَّ الإسلام من قبل المنصِّرين المتمرَّنين بالمعهد في نفسه الرغبة في إبطال ادعاءاتهم الباطلة. وتوافق ذلك مع حصوله على كتاب إظهار الحق لمؤلف هندي جاور المدينة ودفن بها هو رحمة الله الهندي، هذا الكتاب هو الذي فتح آفاق أحمد ديدات للرد على شبهات النصارى وبداية منهج حواري مع أهل الكتاب وتأصيله تأصيلا شرعيا يوافق المنهج القرآني في دعوة أهل الكتاب إلى الحوار وطلب البرهان والحجة من كتبهم المقدسة المحرفة فكان لفكرة إقامة المناظرات أثرٌ عميقٌ عند أحمد ديدات، ليترك لنا هذا المنهج الدعوى المبارك والذي كان نتيجته أن أسلم على يديه آلاف من النصارى من مختلف أنحاء العالم والبعض منهم الآن دعاة إلى الإسلام, بروح الحماس والعمل لإظهار الحقِّ، اشترى أحمد ديدات أوَّل إنجيلٍ له، ودرسه جيِّدا، وبدأ يقيم المناظرات والمناقشات مع المنصِّرين المتمرِّنين بالمعهد القريب، ولم يتوقَّف أحمد ديدات - بعدما كانوا ينسحبون سريعاً من مواجهة براهينه القاطعة - عند ذلك، بل تعدَّاه لدعوة معلِّميهم، وكذلك القساوسة في المناطق المحيطة. في عام 1936 م عمل بائعاً في دكان لبيع المواد الغذائية. ثم بعدها سائقاً في مصنع أثاث. ثم شغل وظيفة (كاتب) في المصنع نفسه. وتدرج في المناصب حتى أصبح مديراً للمصنع بعد ذلك. في أواخر الأربعينات التحق أحمد ديدات بدورات تدريبية للمبتدئين في صيانة الراديو وأُسس الهندسة الكهربائية ومواضيع فنية أخرى. في عام 1949 م بعد أن جمع قدر من المال رحل إلى باكستان وأشتغل على تنظيم معمل للنسيج. بعد فترة كان منكبّاً فيها على تنظيم معمل النسيج تزوج أحمد ديدات وأنجب ولدين وبنتاً اضطر أحمد ديدات إلى العودة مرة أخرى إلى جنوب أفريقيا بعد ثلاث سنوات للحيلولة دون فقدانه لجنسيتها، حيث أنه ليس من مواليد جنوب أفريقيا. فور وصوله إلى جنوب أفريقيا عرض عليه استلام منصب مدير مصنع الأثاث الذي كان يعمل فيه سابقاً. إنتاجه في بداية الخمسينيات أصدر كتيبه الأول : " ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد صلى الله عليه وسلم ؟ "، ثم نشـر بعد ذلك أحد أبـرز كتيباته : " هل الكتاب المقدس كلام الله ؟ ". في عام 1959 م توقف أحمد ديدات عن مواصلة أعماله حتى يتسنى له التفرغ للمهمة التي نذر لها حياته فيما بعد، وهي الدعوة إلى الإسلام من خلال إقامة المناظرات وعقد الندوات والمحاضرات. وفي سعيه الحثيث لأداء هذا الدور العظيم زار العديد من دول العالم، واشتهر بمناظراته التي عقدها مع كبار رجال الدين المسيحي أمثال : كلارك – جيمي سواجارت – أنيس شروش كان أحمد ديدات العضو المؤسِّس الأوَّل للمركز الدوليِّ لنشر الإسلام "معهد السلام لتخريج الدعاة" "IPCI"،بمدينة (ديربن) بجنوب إفريقيا وأصبح رئيساً له.... نشر أحمد ديدات ما يزيد على عشرين كتابا، ووزَّع ملايين النسخ منها مجَّانا، كما ألقى الآلاف من المحاضرات، فضلاً عن نجاحه في المناظرات مع القساوسة حول الإنجيل، والتي كان من أبرز نتائجها إسلام آلاف البشر. مُنح أحمد ديدات جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1986 م وأعطي درجة " أستاذ". يعتبر الداعية أحمد ديدات أحد أكثر المتعمقين في نصوص اللأناجيل المختلفة فهو عالم مسلم في الأنجيل المسيحي. أُطلِقت العديد من الألقاب على أحمد، منها: "قاهر المنصِّرين"، و"الرجل ذو المهمَّة"وفارس الدعوة. كما علَّم ديدات العديد من التلاميذ الذين ساروا على دربه، ومضَوا في طريق الجهاد في سبيل الله ضد المنصِّرين والقساوسة، من أبرزهم الدكتور زاكر نايك، والذي قال عنه ديدات: "ما قمتُ به في أربعين سنة، قام به زاكر في أربع سنوات!". بعد مرض عضال أقعده شليلاً منذ عام 1995 توفى في 8 أغسطس عام 2005وفقد المسلمون بموته داعية ومحاور ومناظر يشار إليه بالبنان. الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ http://www.ahmed-deedat.co.za/ |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() |
![]() |
![]() |
المشاركة رقم: 52 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
أسيرة قلم
المنتدى :
المنتدى الاسلامي العام
![]() أحمد عبد الرحمن البنا الساعاتي [IMG] ![]() هو الشيخ «أحمد عبدالرحمن البنا الساعاتي»، عالم محقق، إمام عصره في علم الحفظ والرواية والحديث والمعرفة بأصول الضبط والتقييد والإجازة، أحد جهابذة الأزهر وشيوخه الأوتاد، والد الإمام الشهيد «حسن البنا». ولد في قرية «شمشيرة»، من أعمال مديرية الغربية، كان والده رجلاً صالحاً، وكانت أمه تقية ورعة، نذرته للقرآن والعلم الشرعي، حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، وأتقن أحكام التجويد على الشيخ «أحمد رفاعي» في كُتَّاب القرية. سافر إلى «الإسكندرية»، والتحق بدروس مسجد الشيخ «إبراهيم باشا»، وأقام بجواره عدّة سنوات، وتعلم بها إصلاح الساعات، وأصبحت بعد ذلك حرفة له وتجارة، ومن هنا جاءت شهرته بـ«الساعاتي». زواجه عاد الشيخ أحمد عبدالرحمن البنا، إلى قريته عالماً، فتزوج منها «أم السعد إبرهيم صقر»، كان والدها يعمل تاجراً للمواشي، وبحكم الوضع القائم آنذاك في ريف مصر لم تنل حظها من التعليم، لكنها اتصفت بالذكاء وحسن التدبير، يقول عنها أصغر أبنائها الأستاذ «جمال البنا»: «كانت والدتي يرحمها الله تتصف بالعناد في الحق، وقوة الشخصية، وكانت على جانب كبير من الذكاء، وإذا انتهت إلى قرار، فمن الصعب التنازل عنه». وتزوجا في 25 من أبريل 1904م، وانتقل الشيخ أحمد عبدالرحمن البنا مع أسرته إلى قرية «المحمودية»، بمحافظة البحيرة (شمال مصر)، وافتتح محلاً لإصلاح الساعات، وأنجب ابنه البكر «حسن» يوم الأحد 25 من شعبان 1324هـ ـ 14/10/1906م، ثم «عبدالرحمن» عام 1908م، ثم «فاطمة» زوجة الأستاذ «عبدالحكيم عابدين»، ثم «محمداً» (توفي عام 1990م)، ثم «عبدالباسط» (كان ضابطاً بالجيش المصري)، ثم استقال، وتوفي ودُفن بالمدينة النبوية، ثم «زينب» (توفيت بعد ولادتها بعام)، ثم «أحمد جمال الدين» (جمال البنا حالياً)، ثم «فوزية»، زوجة الأستاذ عبدالكريم منصور، رفيق الإمام «البنا» وقت اغتياله. معرفتي به كان ذلك حين زارنا الشيخ «أبوالحسن الندوي» بمصر سنة 1950م، حيث رافقته لزيارة أستاذنا الجليل، وجلسنا معه جلسة طويلة في غرفته المتواضعة، وحدثنا بإسهاب عن حياة ابنه الإمام الشهيد، وكان حديثه وكأنه يتكلم عن أستاذ من أساتذته، لا عن ابن من أبنائه، وذلك لما لاحظه عليه من النجابة والذكاء والصلاح والاستقامة والزهد في الحياة والدعوة إلى الله، والاهتمام بشؤون المسلمين. خدمته للسنة النبوية كان الشيخ عظيم الهمّة، يقظاً، ملتزماً أعلى درجات الدقة والصرامة، وإتقان العمل. أصدر شرح وظيفة سيد أحمد زروق، المسمى (الفوائد اللطيفة في شرح ألفاظ الوظيفة) لأحمد السجاعي. ورتب مسند الإمام أحمد بن حنبل، وخرَّج أحاديثه، وشرح ما يحتاج إلى بيان، وسمّاه (الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني 1377هـ / 1957م) في اثنين وعشرين جزءاً كبيراً، وهو من أكبر مدوّنات الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث اشتمل على ثلاثين ألف حديث تقريباً، وقد استغرق إنجازه ثمانية وثلاثين عاماً متواصلة، ومختصره، و«بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني)، وله (منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود 1372هـ / 1952م)، و(بدائع المنن في جمع وترتيب مسند الشافعي والسنن 1369هـ/ 1950م). أحمد عبدالرحمن البنا أدرك الشيخ أحمد الأهمية الإيجابية للاختلافات الفقهية بين أصحاب المذاهب المتعددة، وقد انعكس ذلك في تدبره لتثقيف أبنائه، وتفقههم في الدين؛ إذ جعل كل واحد منهم يدرس ويتمذهب على مذهب من المذاهب الفقهية، فكان المذهب الحنفي من نصيب (حسن)، والمالكي من نصيب (عبدالرحمن)، والحنبلي من نصيب (محمد)، والشافعي من نصيب (جمال)، وكانوا يتلقون دراستهم في المنزل، ولم يمنعه ذلك من أن يدفع بهم إلى المدارس المدنية الحكومية، ليتلقوا تعليمهم وفقاً للمناهج الدراسية الرسمية، وكان يحثّهم على حفظ القرآن، وحفظ المتون في فروع العلوم الشرعية، ويشجعهم على قراءة الكتب واقتنائها، وعلمهم صنعة الساعات وحرفة تجليد الكتب. عمله في كتاب المسند منذ أن وضع الإمام ابن حنبل مسنده في الحديث في القرن الثالث الهجري، حتى القرن الثالث عشر، لم يتوصل أحد من العلماء إلى ترتيبه وشرحه، وقد بدأ الإمام ابن كثير ذلك دون أن يتمه، وقال: (ما زلت أقرأ فيه والسراج يضعف، حتى كف بصري معه)، فظل المسند على ما هو عليه عشرة قرون. ويقول الشيخ أحمد عبدالرحمن البنا: «اشتاقت نفسي إلى قراءة المسند، وذلك في سنة أربعين وثلثمائة وألف من الهجرة، فوجدته بحراً خضماً يزخر بالعلم، ويموج بالفوائد، لا سبيل إلى اصطياد فرائده، واقتناص شوارده، فخطر بالخاطر المخاطر، وناجتني نفسي أن أرتب هذا الكتاب، وأعقل شوارد أحاديثه بالكتب والأبواب، وأقيد كل حديث منه بما يليق به من باب وكتاب، فتحققت بمعونة الله العزيمة، وصدقت النية، وخلصت بتوفيقه، وحقق إخراج ما في النية إلى الفعل هذه الدرة اليتيمة». وتحمّل الشيخ قراءة مسند الإمام أحمد، وقام بتصنيفه، وترتيبه، وشرحه، وخرج هذا العمل في 24 جزءاً على نفقته الخاصة، أما عملية الطباعة، فقد اشترى الشيخ وقتها كمية من الحروف الطباعية الـمُشَكَّلة (أي بالشكل من فتحة وضمة)... إلخ، تكفي لطبع ملزمتين أي (16 صفحة من القطع الكبير)، واستأجر لها مكاناً بجواره، واستخدم عاملاً ماهراً أميناً يقوم بجمع الملزمة، ثم يصححها الشيخ، ثم ترسل لتطبع في مطبعة قريبة، بعد أن يشتري الشيخ بنفسه الورق اللازم لها. وكان الشروع في طبع الجزء الأول، كما كتب الشيخ في دفتره الذي اعتاد أن يدوّن فيه كل الأحداث المهمة في حياته، وحياة العائلة سنة 1934م، وفي سنة 1940م، كتب الشيخ: «انتهينا من طبع الجزء الثالث عشر من الفتح الرباني في ربيع الأول» أي أن الشيخ طبع خلال ست سنوات هذه الأجزاء الثلاثة عشر، أي بواقع جزأين كل سنة. وعندما قامت الحرب العالمية الثانية 1939م ـ 1945م، اشتعلت أسعار الورق، وحقق الشيخ من حجم الأجزاء 11، 12، 13، ثم اضطر للتوقف فترة، ثم أكمل بعد ذلك عمله، وأتمه في 24جزءاً في ظل ظروف عصيبة للغاية، بعد اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا في 1949م. ومن بديع ما فعل البنا في ترتيبه للمسند أنه حذف السند، المقصود هنا أنه حذف الكلام الكثير الذي ذكره الإمام أحمد آنذاك لتوثيق الأمانة العلمية، ومنهم الرواة، فكان في المسند يقول: حدثنا فلان، وحدثنا فلان، وهكذا، فالمؤلف الشيخ البنا حذف هذا كله، لكي لا يمل القارئ من كثرة الكلام، ويترك الفضل الكبير في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ». وقال الشيخ البنا: «حذفت السند، ولم أثبت منه إلا اسم الصحابي الذي روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا في حالات نادرة، يذكر اسم أحد رواته، مما تمس الحاجة إليه، وذكر كيف أن كثرة طول السند يأتي بالسآمة والملل، وقال: «وقد أدرك كثير من كبار المحدثين المتقدمين تفشي هذا الداء، فاختصروا كتبهم بحذف السند، ومنهم الإمام البغوي في كتاب «مصباح السنة»، والحافظ ابن الأثير في كتابه (جامع الأصول)، والزبيدي في كتابه (التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح). وقال الشيخ البنا: «والمقصد الثاني في سبب تكرير الحديث، وهو كما هي الكتب الأخرى، وذلك يعود إلى تعدد الطرق في السند، واختلاف الألفاظ في المتن، ونحو ذلك، فتارة يروي الحديث الواحد عن صحابي واحد من طرق متعددة بألفاظ مختلفة، فلحرصهم على الإحاطة بجميع الروايات وقع التكرار في كتبهم. فبتتبع البنا لأحاديث السند لم يجد حديثاً مكرراً إلا لذلك ونحوه، وهذا يدل على سعة علم المؤلف بكتب الحديث، فقد قرأ الكتب الستة في شبابه، وعرف الأسانيد، والرواة، وكثرة تكرار الأحاديث، وأدرك الغاية من ذلك، فوضع ترتيبه للمسند على طريقة علمية دقيقة. وتحدث المؤلف البنا أيضاً عن كيفية ترتيب الكتاب، وتقسيمه على سبعة أقسام، وهي كما يأتي: القسم الأول: التوحيد وأصول الدين. القسم الثاني: قسم الفقه: 1 ـ العبادات. 2 ـ المعاملات. 3 ـ الأقضية والأحكام. 4 ـ الأحوال الشخصية والعادات. القسم الثالث: تفسير القرآن. القسم الرابع: أحاديث الترغيب. القسم الخامس: أحاديث الترهيب. القسم السادس: قسم التاريخ من أول الخليقة إلى ابتداء ظهور الدولة العباسية. القسم السابع: في أحوال الآخرة، وعن الفتن التي تسبق الآخرة. ومنهج الشيخ أحمد البنا أنه يذكر الأحاديث، ثم يذكر شرحاً بسيطاً لمعاني الكلمات المشكلة، أو بعض الفقه الموجود بها على اختصار، وتوفي رحمه الله قبل إكماله شرح الأجزاء الأخيرة من الكتاب. سماته الشخصية يروي الأستاذ جمال البنا عن صفات أبيه قائلاً: «... وكان الشيخ أحمد البنا أقرب إلى الطول منه إلى القصر، وإلى النحافة منه إلى البدانة، وإلى البياض منه إلى السمرة، وكانت يداه طويلتين، وأصابعه رشيقة، ناتئ الوجنتين، مقرون الحاجبين، واسع الشدقين، أشم الأنف، وكان يلبس الجبة والقفطان، ويضع العمامة على عادة شيوخ مصر...». ويصوّر أدب الشيخ وتواضعه الحقيقي: «... وقد عثرنا بين أوراقه على خطاب من أحد شيوخ مكة، يطلب منه الإجازة، وترجمة حياته الحافلة، فأرسل الشيخ البنا خطاباً جاء فيه: «الأخ الصالح.. وبعد، فقد تسلمت خطابكم من...، وامتثالاً لأمركم، وحسن ظنكم بي كتبت الإجازة بخطي، وسلمتها لحضرته، وتصلكم ـ إن شاء الله...، أما ترجمتي الحافلة فلا تكون في حياتي، ولا من صنع يدي»، وهذا يكشف عن أنه كان يعلم حق العلم قدر نفسه، وقدر العمل الذي يقوم به، ولكنه كان يتقرب إلى الله بهذا، فلا يجد مبرراً لزهو، أو فخر، أو استعلاء. علاقته بابنه أما علاقته بابنه البكر «حسن البنا»، فقد كان دائم التفقد لأحواله، مهتماً بتربيته وتهذيبه، وبذل النصيحة له في مختلف مراحل عمره، وتكشف الرسائل المتبادلة بين الإمام البنا، ووالده الشيخ جانباً من تلك العلاقة، ففي رسالة بعثها الإمام البنا إلى والديه يقول: «... فقد ورد خطابكم الكريم، وإن اليوم الذي أستطيع فيه إرضاءكم هو أسعد أيامي حقاً، وعقيدتي أنني ما خلقت إلا لأرضيكم... والذي أريده فقط أن تغتبطوا بذلك وتعلموه، وأن تخفف سيدتي الوالدة من ألمها، فإن هذه ضرورة لابد منها ستنفرج عما قليل...». وفي رسالة خطها الإمام البنا من الأقصر في 17 من رجب 1358هـ: «سيدي الوالد الأصيل ـ حفظه الله ـ الرحلة ببركة دعواتك موفقة، وصحتي والحمد لله جيدة للغاية، وكل ما يحيط بي هنا مريح، وأجد من دعواتكم المباركة خير معين على عمل شاق، ولكن يسير على من يسره الله له، فلا تحرموني صالح هذه الدعوات.. والسلام عليكم، والتحية للجميع ورحمة الله وبركاته». وتكشف هذه الكتابات والرسائل عن طيب شخصية الإمام البنا، وارتباطه الشديد بأهله، وتوقيره واحترامه الكبيرين لوالده، ومداومته على صلة الرحم، والبر بوالديه، رغم كل الظروف، متغلباً على الإشغالات الكثيرة. مصابه في ولده الشهيد: في فبراير عام 1949م، اغتالت الأيدي الآثمة حسن البنا بعد حياة قصيرة، ولكنها حافلة، وبعد اغتيال الإمام الشهيد كتبت جريدة «الكتلة» تصف الجنازة ووقعها على والده: «القبض على المعزين، ومنع الصلاة على جثمان الفقيد، منع تلاوة القرآن على روحه...»، ثم نشرت الوصف التاريخي الآتي: «نقلت جثة الفقيد إلى بيته في سيارة تحرسها سيارات مملوءة بفريق من رجال البوليس المسلحين، وقد أنساهم هول الجريمة أن الموتى لا يتكلمون ولا ينطقون؟ وفي أحد شوارع الحلمية وقفت القافلة، ونزل الجند، فأحاطوا ببيت الفقيد، ولم يتركوا ثقباً ينفذ إليه إنسان إلا سدوه بجند وسلاح، أما والد الشيخ حسن البنا، ذلك الشيخ الهرم الذي تجاوز الستين عاماً، فلم ينؤ بها، ولم تبد عليه عوامل السنين، كما بدت في هذه الليلة النكباء، فقد عرف بخبر ولده من أحد الضباط ساعة وقوعها، وظل ساهراً تفجعه الأحزان، منتظراً الفجر ليؤدي فريضة الله، ويقول له: سبحانك، عدالتك يا ربي، لقد قتلوا ولدي، وتتابعت على المسكن طرقات كان صداها يطحن قلب الشيخ طحن الرحى. كان الوالد هو وحده الذي يعلم وينتظر، فإن أشقاء الفقيد جميعاً كانوا داخل المعتقلات، وفتحوا الباب، وأدخلوا الجثة، وتشجع الوالد المحطم بالبكاء، فقالوا: لا بكاء ولا عويل، بل ولا مظاهر حداد، ولا أحد يصلي عليه سواك». ويقول الشيخ أحمد عبدالرحمن البنا: «أُبلغت نبأ موته في الساعة الواحدة، وقيل لي: إنهم لن يسلموا الجثة، إلا إذا وعدتهم بأن تدفن في الساعة التاسعة، بلا احتفال، وإلا فإنهم سيضطرون إلى حمل الجثة من مستشفى القصر العيني إلى القبر، واضطررت إزاء هذه الأوامر إلى أن أعدهم بتنفيذ كل ما تطلبه الحكومة، رغبة مني في أن تصل جثة ولدي إلى بيتي، فألقي عليه نظرة أخيرة، وقبيل الفجر حملوا الجثة إلى البيت، متسللين، فلم يشهدها أحد من الجيران، ولم يعلم بوصولها سواي. وظل حصار البوليس مضروباً، لا حول البيت وحده، بل حول الجثة نفسها، ولا يسمحون لإنسان بالاقتراب منها، مهما كانت صلته بالفقيد. وقمت بنفسي بإعداد جثة ولدي للدفن، فإن أحداً من الرجال المختصين بهذا لم يسمحوا له بالدخول. ثم أنزلت الجثة، حين وضعت في النعش، وبقيت مشكلة من يحملها إلى مقرها الأخير، طلبت من رجال البوليس أن يحضروا رجالاً يحملون النعش فرفضوا. قلت لهم: ليس في البيت رجال، فأجابوا: فليحمله النساء، وخرج نعش الفقيد محمولاً على أكتاف النساء، ومشت الجنازة الفريدة في الطريق... وعندما وصلنا إلى جامع «قيسون» للصلاة على جثمان الفقيد، كان المسجد خالياً من الناس، حتى من الخدم، وسبقوا إلى بيت الله، وأمروا من فيه بالانصراف، ريثما تتم الصلاة على جثمان ولدي. ووقفت أمام النعش أصلي، فانهمرت دموعي، لم تكن دموعاً، بل كانت ابتهالات إلى السماء، أن يدرك الله الناس برحمته. ومضى النعش إلى مدافن الإمام الشافعي، فوارينا التراب هذا الأمل الغالي، وعدنا إلى البيت الباكي الحزين...». السنوات الأخيرة من حياته يقول ابنه جمال: وبعد الحادث المروع، استأنف الشيخ عمله، وفي النفس ما فيها، ولعله الآن أصبح سلوته الوحيدة التي يدفن فيها آلامه، وينسى بها أحزانه، فواصل أسلوب حياته وعمله، وكان الشيخ قد استقر بسلاملك مستقل في حوش المنزل رقم (9) بحارة «الرسام»، وهي حارة ضيقة في أحشاء القاهرة «الغورية»، وعلى ناصيتها مسجد «الفكهاني»، وكان البيت كالبيوت القديمة رحباً واسعاً، وكان له حوش أو فناء متسع، وفي مواجهته سلاملك مستقل يرتفع بضع درجات عن مستوى أرض الحوش، وهذا هو الذي اتخذه الشيخ مكتباً ومخزناً للنسخ المطبوعة من «الفتح»، ولم يكن حسن الإضاءة، أو جيد التهوية، ولكن هذه أمور لم تكن لتشغل الشيخ. ومن الصباح الباكر حتى منتصف الليل تقريباً، كان الشيخ يأوي إلى مكتبه، فيجلس القرفصاء ـ كالكاتب المصري القديم ـ على مقعد عريض هو مربع خشبي، ليس له مسند أو ذراعان، طرحت عليه حشية «شلتة»، وكانت أمامه مكتبة وهي «تزجة» صغيرة احتفظ بها من أيام تصليح الساعات، وجعلها مكتباً، وهي «تزجة» لابد أن تثير الخجل في نفوس الذين يحرصون على المكاتب الفخمة ذات المحابر والورقات... إلخ، وينفقون عليها مئات الجنيهات، فعلى هذه «التزجة» المتواضعة كتبت أعظم موسوعة إسلامية تضم الحديث والفقه. وكانت الكتب تحيط بالشيخ من كل جانب، وكان فيها الكثير من مطبوعات الهند، التي كانت من أوائل القرن العشرين قد نشرت العديد من أمهات كتب الحديث بفضل عناية حاكم ولاية «حيدر آباد الدكن»، وكذلك ملك «بهوبال»، وهما من أبرز ملوك الإمارات الإسلامية في «الهند» وقتئذ. وكانت مكتبة الشيخ عامرة بالمجلدات في الحديث والتفسير والفقه وبقية العلوم الإسلامية، وقد وجدت بين أوراقه كتب عليها بخطه هذين البيتين: ألا يا مستعير الكتب دعني فإن إعارتي للكتب عار فمحبوبي من الدنيا كتاب وهل أبصرت محبوباً يُعار؟ وظل الشيخ من عام 1938م إلى عام 1949م يضيء مكتبه بمصباح بترولي، وعلى ضوء هذا المصباح، ظل الشيخ عشر سنوات يعمل في الفتح، على أنه كان أسعد حظاً من «ابن كثير» الذي ظل يعمل في المسند و«السراج ينونص» حتى كف بصره، فإن الشيخ ـ رحمه الله ـ أدخل الكهرباء في المكتب عام 1949م، ولم يكن الشيخ ليبرح مربضه هذا إلا لأداء الصلاة في جامع «الفكهاني» على ناصية الحارة، أو في مكتبه إذا أحس بتعب، وكان بالمكتب أريكة «كنبة» صغيرة يتمدد عليها في بعض الحالات وقت القيلولة، وكان يؤتى له بطعامه من شقته الخاصة بالمنزل في الطابق الثاني، فإذا انتصف الليل، أو كاد أغلق الشيخ مكتبه، وآوى إلى مضجعه في الطابق الأعلى، وبهذه الطريقة تخلص الشيخ من صعوبة «المواصلات» وما تستنفده من جهد ومال ووقت. وفاته وظل الأب في حزن شديد على فراق ولده البكر، حتى توفّاه الله في اليوم الثامن من شهر جمادى الأولى، سنة 1378هـ الموافق 1958م، ودفن بمصر. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() |
![]() |
![]() |
المشاركة رقم: 53 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
أسيرة قلم
المنتدى :
المنتدى الاسلامي العام
![]() الإمام عبد الحميد بن باديس [IMG] ![]() (1307-1358هجرية) الموافقة لـ (1889-1940) من رجالات الإصلاح في الوطن العربي ورائد النهضة الإسلامية في الجزائر، ومؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. نسبه وأسرته عرفت الأسرة الباديسية منذ القدم بإنجابها للعلماء والأمراء والسلاطين، ويكفي أن نشير إلى أنهم ينتمون إلى ما يقول مؤلفا كتاب أعيان المغاربة المستشرقان Marthe et Edmond Gouvion والمنشور بمطبعة فوناتانا في الجزائر 1920م, بأن ابن باديس ينتمي إلى بيت عريق في العلم والسؤدد ينتهي نسبه في سلسلة متّصلة إلى بني باديس الذين جدّهم الأول هو مناد بن مكنس الذي ظهرت علامات شرفه وسيطرته في وسط قبيلته في حدود القرن الرابع الهجري، وأصل هذه القبيلة كما يقول المستشرقان من ملكانة أو تلكانة وهي فرع من أمجاد القبيلة الصنهاجية "البربرية" المشهورة في المغرب العربي. ومن رجالات هذه الأسرة المشهورين في التاريخ الذين كان الشيخ عبد الحميد بن باديس يفتخر بهم: المعز لدين الله بن باديس (حكم: 406-454هـ/1016-1062م) الذي قاوم البدعة ونصر السنة وأعلن مذهب أهل السنة والجماعة مذهبًا للدولة، ثم مؤسس الدولة الصنهاجية وابن الأمير باديس بن منصور والى إفريقيا والمغرب الأوسط (حكم: 373-386 هـ/984-996م) سليل الأمير "بلكين بن زيري بن مناد المكنى بأبي الفتوح والملقب بسيف العزيز بالله الذي تولى الإمارة (361-373 هـ/971-984م) إبان حكم الفاطمين. في العهد العثماني برزت عدة شخصيات من بينها: قاضـي قسنطينة الشهير أبو العباس احميدة بن باديس (توفى سنة 969 هـ/1561م) الذي قال عنه شيخ الإسلام عبد الكريم الفكون : "هو من بيوتات قسنطينة وأشرافها وممن وصلت إليه الريّاسة والقضاء والإمامة بجامع قصبتها، وخَلَفُ سلف صالحين علماء حازوا قصب السبق في الدراية والمعرفة والولاية، وناهيك بهم من دار صلاح وعلم وعمل". أبو زكرياء يحيى بن باديس ابن الفقيه القاضي أبي العباس "كان حييا ذا خلق حسن، كثير التواضع، سالم الصدر من نفاق أهل عصره، كثير القراءة لدلائل الخيرات وذا تلاوة لكتاب الله". الشيخ المفتي بركات بن باديس دفين مسجد سيدي قمّوش بقسنطينة في الفترة نفسها. أبو عبد الله محمد بن باديس الذي قال عنه الشيخ الفكون: "كان يقرأ معنا على الشيخ التواتي (محمد التواتي أصله من المغرب، كانت شهرته بقسنطينة، وبها انتشر علمه. كانت له بالنحو دراية ومعرفة حتى لقب بسيبويه زمانه، وله معرفة تامة بعلم القراءات) آخر أمره، وبعد ارتحاله استقل بالقراءة عليّا وهو من موثّقي البلدة وممن يشار إليه". الشيخ أحمد بن باديس الذي كان إماما بقسنطينة أيام الشيخ عبد الكريم الفكون خلال القرن الحادي عشر الهجري، السابع عشر الميلادي. من أسلاف عبد الحميد المتأخرين، جدّه لأبيه: الشيخ المكي بن باديس الذي كان قاضيا مشهورا بمدينة قسنطينة وعضوا في المجلس العام وفي المجلس البلدي، وقد احتل مقاما محترما لدى السكان بعد المساعدات المالية التي قدمها لهم خاصة أثناء المجاعة التي حلت بالبلاد فيما بين 1862 – 1868م وانتخب إلى الاستشارة في الجزائر العاصمة وباريس، وقد تقلّد وساما من يد نابليون الثالث (كان رئيسا لفرنسا من 1848-1852م ثم إمبراطورا لها من 1852-1870م)، وعمه احميدة بن باديس النائب الشهير عن مدينة قسنطينة أواخر القرن التاسع عشر الميلادي الذي اشترك مع ثلاثة من زملائه النواب في عام 1891م في كتابة عارضة دوّن فيها أنواع المظالم والاضطهادات التي أصبح يعانيها الشعب الجزائري في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي من الإدارة الاستعمارية ومن المستوطنين الأوروبيين الذين استحوذوا على الأراضي الخصبة سلبا من الجزائريين وتركوهم للفقر والجوع، وقاموا بتقديمها إلى أحد أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي الذي حضر إلى الجزائر من أجل البحث وتقصي الأحوال فيها كي يقدمها بدوره إلى الحكومة الفرنسية وأعضاء البرلمان الفرنسي في باريس وذلك بتاريخ 10 أبريل سنة 1891 أي بعد ولادة عبد الحميد بن باديس بحوالي ثلاثة سنوات فقط. هناك قسم من عائلة ابن باديس كانوا قادة كبار مع الأمير عبد القادر الجزائري وأسرتهم المحتلون سنة 1263/1847 وأرسلوهم إلى فرنسا، وأودعتهم بالسجن في باريس وقد تم الإفراج عنهم مع الأمير عبد القادر الجزائري في عام 1852م وتم نفيهم إلى بلاد الشام تحت رعاية الأمير عبد القادر الجزائري في عدة مناطق في لبنان وفلسطين وسوريا والغالبية العظمى متواجدة في الأردن بمنطقة اربد بالأغوار الشمالية مولده ونشأته هو عبد الحميد بن محمد المصطفى بن المكي بن محمد كحّول بن الحاج علي النوري بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن بركات بن عبد الرحمن بن باديس الصنهاجي. ولد بمدينة قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري، يوم الأربعاء 11 ربيع الثاني 1307 هـ الموافق لـ5 ديسمبر 1889م على الساعة الرابعة بعد الظهر، وسجل يوم الخميس 12 ربيع الثاني 1307هـ الموافق لـ 6 ديسمبر 1889م في سجلات الحالة المدنية. كان عبد الحميد الابن الأكبر لوالديه،فأمه هي: السيدة زهيرة بنت محمد بن عبد الجليل بن جلّول من أسرة مشهور بقسنطينة لمدة أربعة قرون على الأقل، وعائلة "ابن جلّول من قبيلة "بني معاف" المشهورة في جبال الأوراس، انتقل أحد أفرادها إلى قسنطينة في عهد الأتراك العثمانيين وهناك تزوج أميرة تركية هي جدة الأسرة (ابن جلول). ولنسب هذه الإمرأة العريق، تزوجها محمد بن مصطفى بن باديس (متوفى 1951) والد عبد الحميد. وكان والده مندوبا ماليا وعضوا في المجلس الأعلى وباش آغا لشرفي الجزائر، ومستشارا بلديا بمدينة قسنطينة ووشحت فرنسا صدره بوسام الشرف قالب:فرنسي، وقد احتل مكانة مرموقة بين جماعة الأشراف وكان من ذوي الفضل والخلق الحميد ومن حفظة القرآن، ويعود إليه الفضل في إنقاذ سكان منطقة واد الزناتي من الإبادة الجماعية سنة 1945 على إثر حوادث 8 ماي المشهورة، وقد اشتغل بالإضافة إلى ذلك بالفلاحة والتجارة، وأثرى فيهما. كان والده بارًا به يحبه ويتوسم فيه النباهة، فقد سهر على تربيته وتوجيهه التوجيه الذي يتلاءم مع فطرته ومع تطلعات عائلته. عبد الحميد بن باديس نفسه يعترف بفضل والده عليه منذ أن بصر النور وفقد قال ذلك في حفل ختم تفسير القرآن سنة 1938 م، أمام حشد كبير من المدعوين ثم نشره في مجلة الشهاب: إن الفضل يرجع أولاً إلى والدي الذي ربّاني تربية صالحة ووجهني وجهة صالحة، ورضي لي العلم طريقة أتبعها ومشرباً أرده، وبراني كالسهم وحماني من المكاره صغيراً وكبيراً، وكفاني كلف الحياة... فالأشكرنه بلساني ولسانكم ما وسعني الشكر.». أما اخوته الستة فهم: الزبير المدعو المولود والعربي وسليم وعبد الملك ومحمود وعبد الحق، وأما أختاه فهما نفيسة والبتول. كان أخوه الزبير محاميا وناشرا صحفيا في الصحيفة الناطقة بالفرنسية "صدى الأهالي" L'Echo Indigène ما بين 1933م – 1934م. كما تتلمذ الأستاذ عبد الحق على يد أخيه الشيخ عبد الحميد بالجامع الأخضر وحصل على الشهادة الأهلية في شهر جوان سنة 1940م على يد الشيخ مبارك الميلي بعد وفاة الشيخ بن باديس بحوالي شهرين. طلبه للعلم ختم عبد الحميد بن باديس حفظ القرآن وهو ابن ثلاث عشرة سنة، ثم تتلمذ على الشيخ حمدان الونيسي، وهو من أوائل الشيوخ الذين كان لهم أثر طيب في اتجاهه الديني، ولا ينسى ابن باديس أبداً وصية هذا الشيخ له: "اقرأ العلم للعلم لا للوظيفة"، بل أخذ عليه عهداً ألا يقرب الوظائف الحكومية عند فرنسا. في المدينة المنورة بعد أداء فريضة الحج مكث الشيخ ابن باديس في المدينة المنورة ثلاثة أشهر، ألقى خلالها دروساً في المسجد النبوي، والتقى بشيخه السابق أبو حمدان الونيسي وتعرف على رفيق دربه ونضاله فيما بعد الشيخ البشير الإبراهيمي. وكان هذا التعارف من أنعم اللقاءات وأبركها، فقد تحادثا طويلاً عن طرق الإصلاح في الجزائر واتفقا على خطة واضحة في ذلك. وفي المدينة اقترح عليه شيخه الونيسي الإقامة والهجرة الدائمة، ولكن الشيخ حسين أحمد الهندي المقيم في المدينة أشار عليه بالرجوع للجزائر لحاجتها إليه. زار ابن باديس بعد مغادرته الحجاز بلاد الشام ومصر واجتمع برجال العلم والأدب وأعلام الدعوة السلفية، وزار الأزهر واتصل بالشيخ بخيت المطيعي حاملاً له رسالة من الشيخ الونيس. العودة إلى الجزائر عاد ابن باديس إلى الجزائر عام 1913 م واستقر في مدينة قسنطينة، وشرع في العمل التربوي الذي صمم عليه، فبدأ بدروس للصغار ثم للكبار، وكان المسجد هو المركز الرئيسي لنشاطه، ثم تبلورت لديه فكرة تأسيس جمعية العلماء المسلمين، واهتماماته كثيرة لا يكتفي أو يقنع بوجهة واحدة، فاتجه إلى الصحافة، وأصدر جريدة المنتقد عام 1925 م وأغلقت بعد العدد الثامن عشر؛ فأصدر جريدة الشهاب الأسبوعية، التي بث فيها آراءه في الإصلاح، واستمرت كجريدة حتى عام 1929 م ثم تحولت إلى مجلة شهرية علمية، وكان شعارها: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها". تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وذلك في سنة 1931 في نادي الترقي بالجزائر العاصمة. أول توقف المجلة في شهر شعبان 1328 هـ (أيلول عام 1939 م) بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، وحتى لا يكتب فيها أي شيء تريده منه الإدارة الفرنسية تأييداً لها، وفي سنة 1936 م دعا إلى مؤتمر إسلامي يضم التنظيمات السياسية كافة من أجل دراسة قضية الجزائر، وقد وجه دعوته من خلال جريدة لاديفانس التي تصدر بالفرنسية، واستجابت أكثر التنظيمات السياسية لدعوته وكذلك بعض الشخصيات المستقلة، وأسفر المؤتمر عن المطالبة ببعض الحقوق للجزائر، وتشكيل وفد سافر إلى فرنسا لعرض هذه المطالب وكان من ضمن هذا الوفد ابن باديس والإبراهيمي والطيب العقبي ممثلين لجمعية العلماء، ولكن فرنسا لم تستجب لأي مطلب وفشلت مهمة الوفد. العوامل المؤثرة في شخصية ابن باديس لا شك أن البيئة الأولى لها أثر كبير في تكوين شخصية الإنسان، وفي بلد كالجزائر عندما يتفتح ذهن المسلم على معاناته من فرنسا، وعن معاناته من الجهل والاستسلام للبدع-فسيكون هذا من أقوى البواعث لأصحاب الهمم وذوي الإحساس المرهف على القلق الذي لا يهدأ حتى يحقق لدينه ولأمته ما يعتبره واجباً عليه، وكان ابن باديس من هذا النوع. وإن بروز شخصية كابن باديس من بيئة ثرية ذات وجاهة لَهو دليل على إحساسه الكبير تجاه الظلم والظالمين، وكان بإمكانه أن يكون موظفاً كبيراً ويعيش هادئاً مرتاح البال ولكنه اختار طريق المصلحين. تأتي البيئة العلمية التي صقلت شخصيته وهذبت مناحيه والفضل الأكبر يعود إلى الفترة الزيتونية ورحلته الثانية إلى الحجاز والشام حيث تعرف على المفكرين والعلماء الذين تأثروا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وما دعا إليه من نقاء العقيدة وصفائها. وكان لمجلة المنار التي يصدرها الشيخ رشيد رضا أثر قوي في النظر لمشكلات المسلمين المعاصرة والحلول المطروحة. مما شجع ابن باديس وأمضى عزيمته وجود هذه العصبة المؤمنة حوله-وقد وصفهم هو بالأسود الكبار-من العلماء والدعاة أمثال الإبراهيمي والتبسي والعقبي والميلي. وقد عملوا معه في انسجام قلّ أن يوجد مثله في الهيئات الأخرى. آثار ابن باديس شخصية ابن باديس شخصية غنية ثرية ومن الصعوبة في حيز ضيق من الكتابة الإلمام بكل أبعادها وآثارها؛ فهو مجدد ومصلح يدعو إلى نهضة المسلمين ويعلم كيف تكون النهضة. يقول«' إنما ينهض المسلمون بمقتضيات إيمانهم بالله ورسوله إذا كانت لهم قوّة، وإذا كانت لهم جماعة منظّمة تفكّر وتدبّر وتتشاور وتتآثر، وتنهض لجلب المصلحة ولدفع المضرّة، متساندة في العمل عن فكر وعزيمة. '» إنما ينهض المسلمون بمقتضيات إيمانهم بالله ورسوله إذا كانت لهم قوّة، وإذا كانت لهم جماعة منظّمة تفكّر وتدبّر وتتشاور وتتآثر، وتنهض لجلب المصلحة ولدفع المضرّة، متساندة في العمل عن فكر وعزيمة. }} الشّيخ عبد الحميد ابن باديس (يسارا) والشّيخ الطيّب العقبي (يمينا)وهو عالم مفسّر، فسّر القرآن الكريم كلّه خلال خمس وعشرين سنة في دروسه اليومية كما شرح موطأ مالك خلال هذه الفترة، وهو سياسي يكتب في المجلات والجرائد التي أصدرها عن واقع المسلمين وخاصة في الجزائر ويهاجم فرنسا وأساليبها الاستعمارية ويشرح أصول السياسة الإسلامية، وقبل كل هذا هو المربي الذي أخذ على عاتقه تربية الأجيال في المدارس والمساجد، فأنشأ المدارس واهتم بها، بل كانت من أهم أعماله، وهو الذي يتولى تسيير شؤون جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ويسهر على إدارة مجلة الشهاب ويتفقد القاعدة الشعبية باتصالاته المستمرة. إن آثار ابن باديس آثار عملية قبل أن تكون نظرية في كتاب أو مؤلَّف، والأجيال التي رباها كانت وقود معركة تحرير الجزائر، وقليل من المصلحين في العصر الحديث من أتيحت لهم فرص التطبيق العملي لمبادئهم كما أتيحت لابن باديس ؛ فرشيد رضا كان يحلم بمدرسة للدعاة، ولكن حلمه لم يتحقق، ونظرية ابن باديس في التربية أنها لا بد أن تبدأ من الفرد، فإصلاح الفرد هو الأساس. طريقته في التربية هي توعية هذا النشء بالفكرة الصحيحة كما ذكر الشّيخ الإبراهيمي عن اتفاقهما في المدينة: "كانت الطريقة التي اتفقنا عليها سنة 1913 في تربية النشء هي ألا نتوسع له في العلم وإنما نربيه على فكرة صحيحة" ينتقد ابن باديس مناهج التعليم التي كانت سائدة حين تلقيه العلم والتي كانت تهتم بالفروع والألفاظ - فيقول: "و اقتصرنا على قراءة الفروع الفقهية، مجردة بلا نظر، جافة بلا حكمة، وراء أسوار من الألفاظ المختصرة، تفني الأعمار قبل الوصول إليها" المصدر السابق ص141. أما إنتاجه العلمي فهو ما جمع بعد من مقالاته في "الشهاب" وغيرها ومن دروسه في التّفسير والحديث لم يصلنا كل ما كتبه أو كل ما ألقاه من دروس في التّفسير والحديث. وقد جُمع ما نشر في (الشهاب) من افتتاحيات تحت عنوان "مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير" بإشراف محمد الصالح رمضان، وتوفيق شاهين. وحاول الدّكتور عمار الطالبي جمع آثاره كلها، ولكن لا يزال هناك أشياء لم تُجمع.الكاتب تاهمي محمد الوسط الثقافي والفكري والدينية الذي تربى فيه ابن باديس أولاً: الحالة الثقافية والفكرية في الجزائر قبل الاحتلال: إن انتشار المدارس والمعاهد والزوايا في مختلف نواحي الجزائر خلال تلك الفترة، دليل على أن الحياة الفكرية والثقافية كانت مزدهرة بها. وقد اشتهرت مدن قسنطينة والجزائر وتلمسان وبلاد ميزاب في الجنوب بكثرة المراكز التعليمية، وكان يقوم عليها أساتذة وعلماء مشهود لهم بعلو المكانة ورسوخ القدم في العلم والمعرفة، مثل الشيخ (الثميني) في الجنوب، والشيخ (الداوودي) في تلسمان، والشيخ (ابن الحفّاف) بالعاصمة، والشيخ (ابن الطبّال) بقسنطينة، والشيخ (محمد القشطولي) في بلاد القبائل، وغيرهم كثير ممن تفرّغوا للتدريس ونشر العلم. وكان من نتائج هذا الانتشار الواسع لمراكز التربية والتعليم، أن أصبحت نسبة المتعلمين في الجزائر تفوق نسبة المتعلمين في فرنسا، (فقد كتب الجنرال فالز سنة 1834م بأن كل العرب (الجزائريين) تقريبًا يعرفون القراءة والكتابة، حيث إن هناك مدرستين في كل قرية... أما الأستاذ ديميري، الذي درس طويلاً الحياة الجزائرية في القرن التاسع عشر، فقد أشار إلى أنه قد كان في قسنطينة وحدها قبل الاحتلال خمسة وثلاثون مسجدًا تستعمل كمراكز للتعليم، كما أن هناك سبع مدارس ابتدائية وثانوية يحضرها بين ستمائة وتسعمائة طالب، ويدرّس فيها أساتذة محترمون لهم أجور عالية). أحصيت المدارس في الجزائر سنة 1830م، بأكثر من ألفي مدرسة ما بين ابتدائية وثانوية وعالية. كتب الرحالة الألماني فيلهلم شيمبرا حين زار الجزائر في شهر ديسمبر 1831م، يقول: (لقد بحثتُ قصدًا عن عربي واحد في الجزائر يجهل القراءة والكتابة، غير أني لم أعثر عليه، في حين أني وجدت ذلك في بلدان جنوب أوروبا، فقلما يصادف المرء هناك من يستطيع القراءة من بين أفراد الشعب). وخير المثال ما شهد به الأعداء. وقد برز في هذه الفترة علماء في كثير من العلوم النقلية والعقلية، زخرت بمؤلفاتهم المكتبات العامة والخاصة في الجزائر، غير أن يد الاستعمار الغاشم عبثت بها سلبًا وحرقًا، في همجية لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلاً. يقول أحد الغربيين واصفًا ذلك: (إن الفرنسيين عندما فتحوا مدينة قسنطينة في شمالي أفريقيا، أحرقوا كل الكتب والمخطوطات التي وقعت في أيديهم، كأنهم من صميم الهمج). يظهر مما ذكرنا أنه كان للجزائر مكانها المرموق بين أقطار المغرب في خدمة علوم العربية والإسلام، كما قدّمت للميدان أعلامًا من رجالها، حملوا الأمانة، وكانت تُشدُّ إليهم الرحال في طلب العلم. ثانيًا: الحالة الثقافية والفكرية والدينية أثناء الاحتلال: يمكن تقسيم الفترة الممتدة من دخول الاستعمار إلى ظهور دعوة الشيخ عبد الحميد بن باديس إلى مرحلتين: المرحلة الأولى (1830-1900م) لم تقتصر اعتداءات الاحتلال الفرنسي للجزائر على الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية فحسب، بل عمد إلى تدمير معالم الثقافة والفكر فيها، وقد ظهر حقده الصليبي في إصراره على تحطيم مقومات الأمة، وفي مقدمتها الدين الإسلامي واللغة العربية، معتمدًا في ذلك على ما يلي: 1 - مصادرة الأوقاف الإسلامية: كان التعليم في الجزائر يعتمد اعتمادًا كبيرًا على مردود الأوقاف الإسلامية في تأدية رسالته، وكانت هذه الأملاك قد وقفها أصحابها للخدمات الخيرية، وخاصة المشاريع التربوية كالمدارس والمساجد والزوايا. وكان الاستعمار يدرك بأن التعليم ليس أداة تجديد خُلقي فحسب، بل هو أداة سلطة وسلطان ووسيلة نفوذ وسيطرة، وأنه لا بقاء له إلا بالسيطرة علىه، فوضع يده على الأوقاف، قاطعًا بذلك شرايين الحياة الثقافية. جاء في تقرير اللجنة الاستطلاعية التي بعث بها ملك فرنسا إلى الجزائر يوم 7/7/1833م ما يلي: (ضممنا إلى أملاك الدولة سائر العقارات التي كانت من أملاك الأوقاف، واستولينا على أملاك طبقة من السكان، كنا تعهدنا برعايتها وحمايتها... لقد انتهكنا حرمات المعاهد الدينية ونبشنا القبور، واقتحمنا المنازل التي لها حُرْمَتها عند المسلمين...). 2- التضييق على التعليم العربي: أدرك المستعمر منذ وطئت أقدامه أرض الجزائر، خطورة الرسالة التي تؤديها المساجد والكتاتيب والزوايا، في المحافظة على شخصية الأمة. فلم تكن هذه المراكز قاصرة على أداء الشعائر التعبدية فحسب، بل كانت أيضًا محاضر للتربية والتعليم وإعداد الرجال الصالحين المصلحين، لذلك صبّت فرنسا غضبها عليها بشدة، فعمدت إلى إخماد جذوة العلوم والمعارف تحت أنقاض المساجد والكتاتيب والزوايا، التي دُمّرت فلم تبق منها سوى جمرات ضئيلة في بعض الكتاتيب، دفعتها العقيدة الدينية، فحافظت على لغة القرآن ومبادئ الدين الحنيف في تعليم بسيط وأساليب بدائية. حطم الفرنسيون في 18/12/1832م جامع كتشاوه، وحوّلوه بعد تشويه شكله وتغيير وضعيته إلى كاتدرائية، أُطلق عليها اسم القديس فيليب (بالفرنسية: Cathedrale Saint Philipe)، والشيء نفسه وقع لمسجد حسن باي بقسنطينة غداة سقوطها بأيديهم(2) سنة 1837م.. هكذا اختفت كثير من الكتاتيب القرآنية ومدارس التعليم الإسلامي، التي كانت مزدهرة قبل الاحتلال الفرنسي. كما طالت يد الحقد الصليبي المكتبات العامة والخاصة، حيث أحرق جنود الجنرال دوق دومـال Dauk Daumale مكتبة الأمير عبد القادر الجزائري بمدينة تاقدامت في ربيع الثاني 1259 هـ، 10 مايو 1843م، وكان فيها من نوادر المخطوطات ونفائس المؤلفات ما لا يقدر بثمن، ونفس المصير واجهته معظم المكتبات الأخرى. إن هذه الحرب الشعواء التي شنها الاستعمار على الدين الإسلامي واللغة العربية، جعلت التعليم في الجزائر يصل إلى أدنى مستوى له، فحتى سنة 1901 -أي بعد حوالي 70 سنة من الاحتلال- كانت نسبة المتعلمين من الأهالي لا تتعدى 3.8%، فكادت الجزائر أن تتجه نحو الفرنسة والتغريب أكثر من اتجاهها نحو العروبة والإسلام. وقد تأثرت الحياة الفكرية والدينية في هذه الفترة ببعض العوامل الأخرى، نذكر منها ما يلي: أ- الطرق الصوفية: من الإنصاف أن نذكر هنا الدور الإيجابي الذي قامت به بعض الطرق الصوفية منذ بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر، فقد ساهمت بعض زواياها في نشر الثقافة العربية الإسلامية، كما قام كثير من رجالاتها بالتصدي للاستعمار والاستبسال في محاربته. فقد كان الأمير عبد القادر الجزائري راسخ القدم في التصوف، وكان الشيخ الحداد -أحد قادة ثورة القبائل الكبرى عام 1871م- قد انتهت إليه مشيخة الطريقة الرحمانية في وقته، إلا أن كثيرًا من الطرق قد انحرفت في ما بعد عن الخط العام الذي رسمه مؤسسوها الأوائل، فكثرت عندها البدع والضلالات والخرافات، وتقديس القبور والطواف حولها، والنذر لها، والذبح عندها، وغير ذلك من أعمال الجاهلية الأولى. كما أنه كانت لبعض رجالاتها مواقف متخاذلة تجاه الاستعمار، حيث سيطرت هذه الطرق على عقول أتباعها ومريديها، ونشرت بينهم التواكل والكسل، وثبّطت هممهم في الاستعداد للكفاح من أجل طرد المحتل الغاصب، بدعوى أن وجود الاحتلال في الجزائر هو من باب القضاء والقدر، الذي ينبغي التسليم به، والصبر عليه، وأن طاعته هي طاعة لولي الأمر. بهذه الروح المتخاذلة والتفكير المنحرف، كانت بعض الطرق سببًا في إطالة ليل الاستعمار المظلم في البلاد من جهة، وتفرق صفوف الأمة وضلالها في الدين والدنيا من جهة أخرى. ب- انتشار الجهل والأمية: لقد أدّت الثورات المتتالية التي خاضها الشعب ضد الاحتلال الفرنسي الغاشم، إلى فقدان الأمة لزهرة علمائها في ميدان الجهاد. كما أن كثيرًا من المستنيرين من حملة الثقافة العربية الإسلامية هاجروا إلى المشرق العربي، وإلى البلاد الإسلامية الأخرى، يتحيّنون الفرص للرجوع إلى الوطن وتطهيره من سيطرة الفرنسيين، كل ذلك ساهم في انتشار الجهل وتفشي الأمية بين أفراد الأمة، مما أثّر سلبًا على الحياة الفكرية في تلك الفترة. ج- المدارس البديلة التي أنشأها الاستعمار: لم تفتح هذه المدارس في حقيقة الأمر من أجل تعليم أبناء الجزائر، ورفع مستواهم الثقافي، بل كان الاستعمار يقصد من وراء ذلك عدة أمور، منها : - تجريد الشعب الجزائري من شخصيته العربية الإسلامية، ومحاولة إدماجه وصهره في البوتقة الفرنسية بإعطائه تعليمًا هزيلاً يجعله أسهل انقيادًا لسياسته. - قتل الروح الوطنية التي أدت إلى اشتعال الثورات المتوالية، وجعل الشعب أكثر خضوعًا للاحتلال. - إيجاد قلة متعلمة للاستفادة منها في بعض الوظائف التي تخدم الاحتلال. فقد أنشأت فرنسا لهذا الغرض عدة مدارس ابتدائية، منها المدارس (الفرنسوية الإسلامية Franco-Musulmane، في الجزائر العاصمة وبعض المدن الأخرى ابتداءً من سنة 1836م. لم تكن هناك مدارس للتعليم الثانوي والعالي إلا بحلول القرن العشرين، حيث فتحت المدرسة الثعالبية في عهد الحاكم الفرنسي (جونار) سنة 1904م، رغم أن مرسوم إنشائها صدر منذ سنة 1850م. د- هجر الأهالي للمدارس الفرنسية: كان الأهالي يتخوّفون كثيرًا من التعليم الرسمي المقصور على تعلّم اللغة الفرنسية وحضارتها، إذ رؤوا فيه وسيلة خطيرة لفرنسة أبنائهم، فكان الإقبال على هذه المدارس ضئيلاً جدًا.. ومع عدم وجود المدارس الحرّة الكفيلة باحتضان أبناء المسلمين، فإن نسبة الأمية ارتفعت إلى درجة مذهلة، كما مر بنا آنفًا. كل هذه العوامل ساهمت بطريقة أو بأخرى في انتشار الجهل والأمية بين أفراد الشعب، مما جعل الحالة الثقافية والفكرية والدينية في تلك الفترة تبعث على الحزن والأسى. المرحلة الثانية (1900-1914م) الأمة الجزائرية هي قطعة من المجموعة الإسلامية العظمى من جهة الدين، وهي ثلة من المجموعة العربية، من حيث اللغة التي هي لسان ذلك الدين. فالأمة الإسلامية بهذا الدين وهذا اللسان وحدة متماسكة الأجزاء، يأبى الله لها أن تتفرق وإن كثرت فيها دواعي الفرقة، ويأبى لها دينها، وهو دين التوحيد، إلا أن تكون موحدة. فعلى الرغم من الحصار الذي فرضته فرنسا على الجزائر لعزلها عن بقية الأقطار الإسلامية، خاصة تلك التي لم تُبْتَل بما ابتليت به من محاولة طمس دينها ولغتها، فإنه مع إطلالة القرن العشرين بدأت الجزائر تعيش حركة فكرية شبه متواصلة مع الأقطار الإسلامية الأخرى، سواء عن طريق الطلبة الذين ابتعثوا للدراسة في جامعة الزيتونة والأزهر والجامعات الإسلامية الأخرى، أو عن طريق الدعوات الإصلاحية التي قامت في البلاد الإسلامية، مثل دعوة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. وهناك عوامل أخرى ساعدت على قيام هذه الحركة الفكرية، كتلك البوادر الإصلاحية الفردية التي قام بها في الجزائر بعض العلماء المتفاعلين مع حركة الإصلاح الإسلامي.. ولعل مما ساعد على قيام هذه النهضة أيضًا، تولي المسيو (شارل جونار) الولاية العامة في الجزائر. وهنا نلقي بعض الضوء على جانب من تلك العوامل التي ساهمت في ظهور وانتعاش النهضة الفكرية في الجزائر: 1- عودة الطلبة الذين درسوا في الخارج: أقصد بهم الطلبة الذين درسوا في جامعة الزيتونة، وجامعة القرويين، والأزهر، وفي الحجاز والشام. ساهم هؤلاء المثقفون بعد عودتهم إلى الوطن بجهود عظيمة في النهوض بالحياة الفكرية والدينية، بما أثاروا من همم وأحيوا من حمية، وبنوا من مدارس في مختلف أنحاء الوطن، وبما أصدروا من صحف، معتمدين في ذلك على القرآن والسنة، فأصلحوا العقائد، وصححوا المفاهيم، ونقّوا الأفكار من رواسب البدع والخرافات التي علقت بها، وأحيوا الشعلة التي أخمدها الاستعمار في نفوس الأمة. ويوم اسوداد المآزم وتلاحم الخطوب، أعادوا ذكرى أسلافهم في الصبر والصمود. ومن هؤلاء الرواد الذين ساهموا في إثراء هذه النهضة الفكرية الإسلامية بالجزائر نذكر: - الشيخ عبد القادر المجاوي [1848-1913م]: تخرج الشيخ المجاوي من جامعة القرويين بمدينة فاس، ويعتبر من العلماء القلائل الذين كانــوا على رأس الحركــة الإصلاحيــة في الجزائــر، فلا تجد واحــدًا من هــؤلاء المصلحين في الربع الأول من القــرن العشرين الميلادي إلا وهو من تلامذته. خرّج أفواجًا كبيرة من المدرسين والأئمة والوعاظ والمترجمين والقضاة، كان من بينهم الشيخ حمدان الونيسي القسنطيني أستاذ الشيخ عبد الحميد بن باديس. وقد ترك الشيخ المجاوي آثارًا علمية كثيرة في اللغة والفلك والعقيدة والتصوف، نذكر منها: كتاب "الدرر النحوية"، و"الفريدة السنيَّة في الأعمال الحبيبية"، و"اللمع في إنكار البدع"، و"نصيحة المريدين"، وغيرها مما يضيق المقام بسردها. ومن بين رواد النهضة الإسلامية في تلك الفترة أيضًا : - الشيخ عبد الحليم بن سماية (1866-1933): يعتبر الشيخ ابن سماية في مقدمة الأفاضل الذين أمدوا هذه النهضة بآثار فضلهم، ومن أوائل المصلحين الجزائريين الداعين لفكرة الإمام محمد عبده الإصلاحية، ومن رفاق الشيخ المجاوي في التدريس، كما يعدّ من أوسع علماء عصره علمًا وثقافة. فقد تخرّج على يديه جيل من المثقفين مزدوجي الثقافة، وخلّف مؤلفات كثيرة منها كتاب "فلسفة الإسلام". ومما تجدر الإشارة إليه هنا، أن أغلب أعضاء البعثات العلمية التي ذكرنا سابقًا، قد ظهر تأثيرهم على الحياة الفكرية والحركة الإصلاحية بشكل ملحوظ، في العقدين الثالث والرابع من هذا القرن خاصة، مثل: الشيخ عبد الحميد بن باديس، والشيخ محمد البشير الإبراهيمي، والشيخ مبارك الميلي، وغيرهم. 2- الحركة الإصلاحية في العالم الإسلامي : كان للدعوة التي قادها الأستاذ جمال الدين الأفغاني أثر كبير في نشر الفكر الإصلاحي السلفي في الجزائر، فرغم الحصار الذي ضربه المستعمر لعزلها عن العالم الإسلامي، زار الشيخ محمد عبده -تلميذ الأستاذ جمال الدين- الجزائر عام 1903م، واجتمع بعدد من علمائها، منهم الشيخ محمد بن الخوجة، والشيخ عبد الحليم بن سماية، كما ألقى في الجزائر تفسير سورة العصر. وقد كان لمجلة العروة الوثقى ومجلة المنار، تأثير كبير على المثقفين من أهل الجزائر، الذين اعتبروا دروس العقيدة التي كانت تنشرها (المنار) للإمام محمد عبده، بمثابة حبل الوريد الذي يربطهم بأمتهم. استمر الاتصال الفكري بين الجزائر وغيرها من البلاد الإسلامية ولم ينقطع، فقد شارك الشيخ عمر بن قدور الجزائري بقلمه في جريدة (الحضارة) بالآستانة، و(اللواء) و(المؤيد) بمصر سنة 1914م، وقد كانت هذه الجرائد والمجلات تدعو إلى نهضة العرب والمسلمين، وكانت رائجة في بلاد المغرب العربي والجزائر خاصة. يعترف الفرنسيون بأن هناك مجرى سريًا، ولكنه غزير ومتواصل، من الصحف والمجلات الشرقية التي أعانت المغاربة في مجهوداتهم الإصلاحية، وجعلتهم مرتبطين أبدًا بالرأي العام العربي. 3- ظهور الصحافة العربية الوطنية في الجزائر: ظهرت في الجزائر خلال تلك الفترة صحافة وطنية عربية، ساهمت مساهمة فعالة في بعث النهضة الفكرية والإصلاحية الحديثة. فقد عالجت في صفحاتها كثيرًا من الموضوعات الحساسة، منها: الدعوة إلى تعليم الأهالي، وفتح المدارس العربية لأبناء المسلمين، والتنديد بسياسة المستعمرين واليهود، ومقاومة الانحطاط الأخلاقي والبدع والخرافات. فهذا الأستاذ عمر راسم يجلجل بآرائه في غير مواربة ولا خوف، فيقول: "أجل، يجب أن نتعلم لكي نشعر بأننا ضعفاء. يجب أن نتعلم لكي نعرف كيف نرفع أصواتنا في وجه الظلم. يجب أن نتعلم لكي ندافع عن الحق، وتأبى نفوسنا الضيم، ولكي نطلب العدل والمساواة بين الناس في الحقوق الطبيعية، وفي النهاية لكي نموت أعزاء شرفاء ولا نعيش أذلاء جبناء". كما ظهر في هذا الميدان كتّاب شاركوا بمقالاتهم وتحليلاتهم في تشخيص الداء الذي ألمّ بالأمة، واقتراح الدواء الناجع لذلك، من هؤلاء الشيخ المولود بن الموهوب، والشيخ عبد الحليم بن سماية، والأستاذ عمر بن قدور وغيرهم. 4- تولي شارل جونار الولاية العامة في الجزائر: على الرغم من أن المسيو جونار فرنسي نصراني، إلا أن وصوله إلى منصب الحاكم العام في الجزائر، كان له أثر كبير على الحياة الفكرية في تلك الفترة. يُذكر أن هذا الأخير شجّع إحياء فن العمارة الإسلامية، وبعْث التراث المكتوب، والتقرّب من طبقة المثقفين التقليديين، وتشجيعهم على القيام بمهمتهم القديمة، كإقامة الدروس في المساجد ونحوها، كما اهتم بالتأليف ونشر الكتب العلمية وكتب التراث، مما كان له أثر هام على الحياة الثقافية في الجزائر. أشرف جونار على فتح المدرسة الثعالبية سنة 1904م، بجوار مقام سيدي عبد الرحمن الثعالبي) في حي القصبة بالعاصمة الجزائرية، وندب اثنين من الشيوخ للتدريس ونشر العلم بها، كما أمر بنشر كتابين هامين، أحدهما كتاب: "تعريف الخلف برجال السلف"، الذي صنّفه الشيخ أبو القاسم الحفناوي وطبعه سنة 1907م، والكتاب الثاني: "البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان"، لابن مريم الشريف التلمساني، الذي تولى إعداده للنشـر الأستاذ محمد ابن أبي شنب، المدرِّس بالمدرسة الثعالبية الدولية، وطبع سنة 1908م برعاية المسيو (جونار). هذه باختصار أهم العوامل التي ساعدت على قيام تلك الحركة الفكرية الإصلاحية بالجزائر، في الفترة التي ظهر فيها الشيـخ عبد الحميد ابن باديس. وبهذا العرض المتواضع، تتضح لنا طبيعة الوسط الثقافي والفكري الذي تربى وترعرع فيه الشيخ ابن باديس، ويبقى أن نتعرف على شخصية الشيخ وأسرته ونشأته، ورحلاته، وشيوخه، ومكانته العلمية. من أشعاره وخطبه شعب الجزائر مسلم شَعْـبُ الجـزائرِ مُـسْـلِـمٌ وَإلىَ العُروبةِ يَـنتَسِبْ مَنْ قَالَ حَادَ عَنْ أصْلِـهِ أَوْ قَالَ مَـاتَ فَقَدْ كَذبْ أَوْ رَامَ إدمَـاجًـا لَـهُ رَامَ المُحَال من الطَّلَبْ يَانَشءُ أَنْـتَ رَجَاؤُنَا وَبِـكَ الصَّباحُ قَدِ اقْتَربْ خُـذْ لِلحَياةِ سِلاَحَها وَخُـضِ الخْـطُـوبَ وَلاَ تَهبْ وَاْرفعْ مَنارَ الْعَدْلِ وَالإ حْـسـ انِ وَاصْـدُمْ مَـن غَصَبْ وَاقلَعْ جُـذورَ الخَائنينَ فَمنْـهُـم كُلُّ الْعَطَـبْ وَأَذِقْ نفُوسَ الظَّالمِـينَ سُـمًّـا يُـمْـزَج بالرَّهَـبْ وَاهْـزُزْ نفوسَ الجَـامِدينَ فَرُبَّـمَا حَيّ الْخَـشَـبْ مَنْ كَان يَبْغي وَدَّنَا فَعَلَى الْكَرَامَةِ وَالـرّحبْ أوْ كَانَ يَبْغي ذُلَّنـَا فَلَهُ المـَهَانَةُ والحَرَبْ هَـذَا نِـظامُ حَيَاتِنَا بالنُّورِ خُطَّ وَبِاللَّهَبْ حتَّى يَعودَ لقَومنَا من مَجِدِهم مَا قَدْ ذَهَبْ هَذا لكُمْ عَهْدِي بِـهِ حَتَّى أوَسَّدَ في التُّرَبْ فَإذَا هَلَكْتُ فَصَيْحتي تَحيـَا الجَزائرُ وَالْعرَبْ إشهدي يا سما اشِهِدي يَا سَمَا وَاكْتُبَنْ ياوُجودْ إنَّنَا للِحـمَـا سَنَكُونُ الجُـنُودْ فنَزيحْ البَـلاَ وَنَـفُـكُّ الْقُيُودْ ونَنيلُ الرِّضـا مِنْ وَفَّى بِالعْهُودِ ونُـذيقُ الـرَّدَى كُـلَّ عـاتٍ كَنُودْ وَيَـرَى جـِيلُنَا خَافقَا تِالبُنودْ ويَـرَى نجْمُنَـا لِلْعُـلاَ في صُعـودْ هَكَـذَا هَـكَـذَا هَـكَذاسَنَعُـودْ فاشْهَدي يَا سَمَا واكتُبْن يا وُجودْ إنَّـنَا للعُـلاَ إنَّنَاللخُلُودْ هذا النشيد ارتجله الشيخ عبد الحميد بن باديس في حفل أقامته مدرسة التربية والتعليم بقسنطينة يوم 27 رمضان 1356 هـ بمناسبة إحياء ليلة القدر. تحيةالمولد الكريم: حييت يا جـمعَ الأدب ورقيت ساميةَ الرتبْ وَوُقِيتَ شرَّ الكائدي ن ذوى الدسائس والشغبْ ومُنِحْـت في العلياء ما تسمو إليه من أربْ أحييت مولد من به حييَ الأنام على الحِـقَبْ أحييت مولوده بما يُبرى النفوسَ مـن الوصبْ بالعلم والآداب والـ أخلاق في نشءٍ عجبْ نشءٌ على الإسلام أسْـ سُّ بنائه السامي انتصبْ نشءٌ بحُـبِ محمدٍ غـذَّاه أشياخٌ نجبُ فيهِ اقتدَى في سيره وإليه بالحق انتسبْ وعلى القلوب الخافقا تِ إليه رأيته نصبْ بالروحِ يَفديهَا وما يُغرى النّفوسَ مـن النشبْ وبخُلقـه يَحمِي حما ها أو ببارقة القُضُـبْ حتى يعودَ لقومه من عِزّهم ما قد ذهبْ ويرى الجزائرَ رجعت حقَّ الحياة المستلَبْ يا نشءُ يا دخرَ الجـزا ئر في الشدائد والكُرَبْ صدحت بلابِلُك الفصا حُ فعمَّ مَجمعَنا الطربْ وادقْتَنَا طُعما من الـ فصحى ألذَّ من الضرَبْ وأريت للأبصار ما قد قرَّرتْه لك الكتُبْ شَعْـبُ الجزائرِ مُـسْلِمٌ وَإلىَ العُروبةِ يَنتَسِبْ مَنْ قَالَ حَادَ عَنْ أصْلِهِ أَوْ قَالَ مَـاتَ فَقَدْ كَذبْ أَوْ رَامَ إدمَاجًا لَهُ رَامَ المُحَال من الطَّلَبْ يَانَشءُ أَنْـتَ رَجَاؤُنَا وَبِـكَ الصَّباحُ قَدِ اقْتَربْ خُـذْ لِلحَياةِ سِلاَحَها وَخُـضِ الخْطُوبَ وَلاَ تَهبْ وَاْرفعْ مَنارَ الْعَدْلِ وَالإ حْسانِ وَاصْـدُمْ مَن غَصَبْ وَأَذِقْ نفُوسَ الظَّالمِينَ سُـمًّا يُـمْزَج بالرَّهَـبْ وَاقلَعْ جُذورَ الخَائنينَ فَمنْهُـم كُلُّ الْـعَطَـبْ وَاهْـزُزْ نفوسَ الجَامِدينَ فَرُبَّمَا حَـيّ الْـخَـشَـبْ يا قومٌ هذا نشؤكم وإلى المعالي قد رثبْ كونوا له يكن لكم وإلى الأمام ابناء وأبْ نحن الأولى عرف الزمانُ قديمنا الجمَّ الحسبْ وقـد انتبهنا للحيا ة آخـذين لها الأهـبْ لنحلَّ مركزنا الذي بين الأنام لنا وجبْ فتزيد في هذا الورى عضـوًا شريفًا منتخَبْ ندعو إلى الحسنى ونولي أهلها منا الرغبْ مَنْ كَان يَبْغي وَدَّنَا فَعَلَى الْكَرَامَةِ وَالرّحبْ أوْ كَانَ يَبْغي ذُلَّنـَا فَلَهُ المـَهَـانَةُ والحَرَبْ هَـذَا نِـظامُ حَيَاتِنَا بالنُّورِ خُـطَّ وَبِاللَّهَبْ هَـذا لكُمْ عَـهْـدِي بِـهِ حَتَّى أوَسَّـدَ في التُّرَبْ فَإذَا هَلَكْتُ فَصَيْـحتي تَحيـَا الجَزائرُ وَالْعرَبْ ألقيت ليلة حفلة جمعية التربية والتعليم الإسلامية بقسنطينة عن ش: ج4، م 13. قسنطينة يوم الاثنين 13 ربيع الأول 1356 هـ / 11 جوان 1937م. القومية والإنسانية الحمد لله ثم المجد للعرب مَن أنجبوا لبَنِي الإنسان خيرَ نبـِي ونشروا ملةً في الناس عادلةً لا ظلمَ فيها على دين ولا نسَـبِ وبذلوا العلم مجانا لطالبه فنال رُغْبَاهُ ذو فقر وذو نشَبِ وحرروا العقلَ من جهل ومن وهَم وحرروا الدينَ من غِشٍّ ومن كذِبِ وحرروا الناسَ من رِق الملوك ومن رق القَداسة باسم الدين والكتب قَومي هم وبنُو الإنسان كلُّهم عشيرتي وهدى الإسلام مطَّلَبِي أدعو إلى الله لا أدعو إلى أحد وفي رضى الله ما نرجو من الرَّغَـبِ (1) ألقيت ليلة احتفال جمعية التربية والتعليم الإسلامية بالمولد الشريف - بقسنطينة 1- ش. ج3 : م14، غرة ربيع الأول 1357 هـ / فيفري 1938 م. السياسة في نظر العلماء هي التفكير والعمل والتضحية أشعبَ الجزائرِ روحِى الفِدى لمَا من عِزةٍ عربيَّهْ بَنَيْتَ على الدينِ أركانَها فكانتْ سلامًا على البشريَّهْ خَلَدتُم بها وبكم خلَـدَتْ بهذى الديارِ على الأبدِيَّـهْ فدُوموا على العهدِ حتَّى الفَنَا وحتى تَنالُوا الحقوقَ السنيَّهْ تَنالُونَها بسواعِـدِكُـم وإيمَانِكم والنفوسِ الأبيَّهْ فضَحُّـو وهَا أنا بَينكُـمُ بِذاتِي ورُوحِي عليكم ضَحيهْ بهذه الأبيات ختم الشيخ عبد الحميد بن باديس خطابه التاريخي في الجلسة الختامية للمؤتمر الثاني لجمعية العلماء في سنة 1937 م. التسامح سينحل جثماني إلى الترب أصله وتلتحق الورقا بعالمها الاسما وذي صورتي تبقى دليلا عليها فإن شئت فهم الكنه فسأنطق الرسما وعن صدق احساس تأمل فإنَّ في ملامح المرء ما يكسب العلما وسامح أخاك إن ظفرت بنقصه وسل رحمة ترحم ولا تكتسب إثما |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() |
![]() |
![]() |
المشاركة رقم: 54 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
أسيرة قلم
المنتدى :
المنتدى الاسلامي العام
![]() عبد الله بن عبد العزيز العقيل |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() |
![]() |
![]() |
المشاركة رقم: 55 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
أسيرة قلم
المنتدى :
المنتدى الاسلامي العام
![]() محمد أحمد عامر |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() |
![]() |
![]() |
المشاركة رقم: 56 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
أسيرة قلم
المنتدى :
المنتدى الاسلامي العام
![]() محمد بن إبراهيم بن أحمد الحمد |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() |
![]() |
![]() |
المشاركة رقم: 57 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
أسيرة قلم
المنتدى :
المنتدى الاسلامي العام
![]() محمد رشيد رضا الحسني |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() |
![]() |
![]() |
المشاركة رقم: 58 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
أسيرة قلم
المنتدى :
المنتدى الاسلامي العام
![]() خالد الراشد |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() |
![]() |
![]() |
المشاركة رقم: 59 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
أسيرة قلم
المنتدى :
المنتدى الاسلامي العام
![]() بدر بن نادر المشاري |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() |
![]() |
![]() |
المشاركة رقم: 60 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
أسيرة قلم
المنتدى :
المنتدى الاسلامي العام
![]() حازم صلاح أبو إسماعيل |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
![]() |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
شرح لطريقة إضافة خلفيه صوتيه على موضوعك | بنووتهـ كيووتــ | المـنـتـدى الـعـام | 8 | 07-18-2010 12:01 AM |
`~*¤!||!¤*~`]تجمع شهر شعبان للموقنات برحمة المنان[`~*¤!||!¤*~` | يكفي عتاب | منتدى علاج العقم و تأخر الحمل | 29 | 07-17-2010 09:07 AM |
الآن خدمة صدى لعملاء ( سوا ) و خدمة الرسائل الصوتية لعمل | الشوق عطري | المـنـتـدى الـعـام | 3 | 03-30-2010 02:09 PM |
المصباح الهلامي إضافة رائعة لديكور المنزل | غلا الشوق | المـنـتـدى الـعـام | 9 | 10-14-2009 02:16 AM |