رحلة الموت 5
للألم رائحة نتنه .. تشبه تماما الجثث المعلقه .. رائحة
كالتي نشمها بين الحين و الاخر , و ذاكره بصراخ عنيف و صور رماديهه , و باذان كالتي
نسمعها في مكان قديم و ارجوحه قديمه قد اهلكها الصدا و لكنها ما زالت تتارجح لتصدر
صوتا بغيضا .. ذاك هو الالم .. و تللك المتمدده بين احضانه هي انـــــا
الساعه الثانيه ظهرا
31 مارس يوم الاحد
فتحت عيناي ببطء شديد , و انا اسمع 1 2 3 و كانهم يتحظرون لنقلي من سرير لاخر , بعدها اختفى كل شي , لم اعد اشعر باي شخص حولي , ربما غادروا المكان , و بقيت انا لا اقوى على الحراك , كنت اشعر بثقل و اعياء , و لكن لماذا ؟؟
في خلال ثانيه مر شريط ثلاثة ايام امام عيني بالوان رمادية , تذكرت كل شي , حينها اغمضت عيني لكي لا ارى و لكن ما زال المنظر مستمر .
حين يصفعك الألم بكفه الخشنة على
وجهك الرحب
وحين تمتد يده الباردة لتعبث في مشاعرك فتغير ترتيب حياتك
وتغادرك
ركاما من لا شئ..
وحين تجد أنه مهما أوصدت نوافذك إلا
انه يجد طريقه للوصول إليك مهما
كنت وأين اختبئت
حينها لا بد ان تدرك
كمّ ضعفك!!..
ويستقر في جوفك طعم مرٌّ...لاذع
يسرق من عينيك النوم
الهانئ
ويحيل عينيك ينبوعا لشلالات متدفقة تسكب أحزانك
فتحت عيني لااجد احد افراد عائلتي .. تنفست الصعداء .. و ارتاحت مخيلتي قليلا .. مسكت يداه و في داخلي رجاء ان لا يتركني وحيده .. فالخوف يتدفق مني .
ثلاثة ايام في قسم التنويم .. كانت نقله من حياة الى حياه اخرى .. الممرضات , المنظر المطل من النافذه , رائحة الصباح و كوب الحليب الساخن , ارتشافات البرد هناك , الممشى حيث هناك ياتون المرضى للمشي , الصباح وقت تغيير و تنظيف الجروح , كلها لمسات لن انساها , كانت ممتعه بعكس كل شي رايته .
يوم الثلاثاء ..
هممت بالخروج من المستشفى بعد ان رتبت اغراضي و اكملت بيانات الخروج .. اتت الموظفه بالعربية لحملي لخارج المستشفى , تنفست بعمق و ابتسامة نصر ترتسم على شفتي .. بينما انا في طريقي الى الخارج كنت ارى المستشفى و قد زين بالرسومات و الانارة الفاخره .. حولي كثيرون من المراجعين و المرضى .. طاطات راسي وقد تذكرت مليا ما حدث .. عندها ايقنت ان الجروح ذات الكروت الحمراء و بقايا عطر حبيب خائن و دموع مزيفه .. تلك ليست جروح .. ايقنت الان تماما ماهي الجروح الحقيقيه .. جروح العالم الاخر , نحن من وجدنا الهموم لانفسنا فلم نعد نرى الا هي .. علقنا سعادتنا بالناس فلم نعد نسعد ابدا , نحن اهدينا لليالينا الاسى و الحرق , نحن ساقينا مآقينا كؤوس الارق , نحن وجدناه على دربنا ذات صباح مطير , و نحن اعطيناه من حبنا , لم يعد يتركنا او يبعد عن دربنا .. نحن سقيناه دمعا الى ان كبر و تشبث بنا , تلك ليست الالام التي نحس بها بين الحين و الاخر و السبب حبيب خائن او قريب غائب .. عندما ترون الجزء المظلم من الحياه .. و الجانب المتمدد اقصى الالم , حينها فقط ترون الحياة كما رايتها انا في 31 مارس ..
**
أمسِ اصْطحبناهُ إلى لُجج المياهْ
وهناكَ كسّرناه بدّدْناهُ في موج البُحَيرهْ
لم نُبْقِ منه آهةً لم نُبْقِ عَبْرهْ
ولقد حَسِبْنا أنّنا عُدْنا بمنجًى من أذَاهْ
ما عاد يُلْقي الحُزْنَ في بَسَماتنا
أو يخْبئ الغُصَصَ المريرةَ خلف أغنيَّاتِنا
**
ثم استلمنا وردةً حمراءَ دافئةَ العبيرْ
أحبابُنا بعثوا بها عبْرَ البحارْ
ماذا توقّعناهُ فيها? غبطةٌ ورِضًا قريرْ
لكنّها انتفضَتْ وسالتْ أدمعًا عطْشى حِرَارْ
وسَقَتْ أصابعَنا الحزيناتِ النَّغَمْ
إنّا نحبّك يا ألمْ
**
من أينَ يأتينا الألم?
من أين يأتينا?
آخى رؤانا من قِدَمْ
ورَعَى قوافينا
إنّا له عَطَشٌ وفَمْ
يحيا ويَسْقينا
3
أليسَ في إمكاننا أن نَغْلِبَ الألمْ?
نُرْجِئْهُ إلى صباحٍ قادمٍ? أو أمْسِيهْ
نشغُلُهُ? نُقْنعهُ بلعبةٍ? بأغنيهْ?
بقصّةٍ قديمةٍ منسيّةِ النَّغَمْ?
**
ومَن عَسَاهُ أن يكون ذلك الألمْ?
طفلٌ صغيرٌ ناعمٌ مُستْفهِم العيونْ
تسْكته تهويدةٌ ورَبْتَةٌ حَنونْ
وإن تبسّمنا وغنّينا له يَنَمْ
**
رفعت راسي من جديد .. و كنت عند البوابة الخارجية للمستشفى .. كان اخرخط موصل بين المستشفى و العالم الخارجي .. رائت فتاه مثلي تدخل المستشفى بنفس خطواتي سابقا .. تقاطعنا .. فهي دخلت لتتالم من البداية و انا خرجت لاكتب النهاية .
النهآيه