أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات،
بالضغط هنا.
كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا
بسم الله الرحمن الرحيم
(وأنفقوا فى سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله
يحب المحسنين * وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر
من الهدى ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن كان منكم
مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم
فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام
ثلـــثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن
لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب *
الحج أشهر معلومـــت فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يأولى الألبــب)
فى قول الله تعالى (وأنفقوا فى سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين )
قال البخارى عن حذيفة أن هذه الأية نزلت فى النفقة ,
وقال الليث عن أسلم أبى عمران قال : حمل رجل من المهاجرين بالقسطنطينية على صف العدو حتى خرقه ومعنا أبو أيورب الأنصارى فقال ناس : ألقى بيده إلى التهلكة , فقال أبو أيوب : نحن أعلم بهذه الأية إنما نزلت فينا : صحبنا رسو الله (صلى الله عليه وسلم) وشهدنا معه المشاهد ونصرناه فلما فشا الإسلام وظهر اجتمعنا معشر الأنصار تحببا فقلنا قد أكرمنا الله بصحبة نبيه (صلى الله عليه وسلم) ونصره حتى فشا الإسلام وكثر أهله وكنا قد آثرناه على الأهلين والأموال والأولاد وقد وضعت الحرب أوزارها فنرجع إلى أهلينا وأولادنا فنقيم فيهما فنزل فينا (وأنفقوا فى سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) فكانت التهلكة فى الإقامة فى الأهل والمال وترك الجهاد , رواه أبو داود والترمذى والنسائى ...
وقال أبو بكر بن عياش عن أبى إسحاق السبيعى قال : قال رجل للبراء بن عازب إن حملت على العدو وحدى فقتلونى أكنت ألقيت بيدى إلى التهلكة ؟ قال : لا , قال الله لرسوله (فقاتل فى سبيل الله لا تكلف إلا نفسك) إنما هذه فى النفقة رواه ابن مردوية , والله أعلى وأعلم , وأما التهلكة أن يذنب الرجل الذنب فيلقى بيده إلى التهلكة ولا يتوب ...
وعن ابن عباس : قال هذه الأية ليست فى القتال إنما هى فى النفقة أن تُمسك بيدك عن النفقة فى سبيل الله ولا تُلق بيدك إلى التهلكة , والله تعالى أعلى وأعلم...
وقال حماد بن سلمة عن الضحاك بن ابى جبير قال : كانت الأنصار يتصدقون وينفقون من أموالهم فأصابتهم سنة فأمسكوا عن النفقة فى سبيل الله فنزلت هذه الأية (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)
ومضمون الأية الأمر بالإنفاق فى سبيل الله فى سائر وجوه القربات ووجوه الطاعات وخاصة صرف الأموال فى قتال الأعداء وبذلها فيما يقوى به المسلمون على عدوهم والإخبار عن ترك فعل ذلك بأنه هلاك ودمار لمن لزمه واعتاده ثم عطف بالأمر بالإحسان وهو أعلى مقامات الطاعة فقال تعالى (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) والله تعالى أعلى وأعلم ...
وفى قوله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن كان منكم
مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلـــثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب )
لما ذكر تعالى أحكام الصيام وعطف بذكر النفقة والجهاد شرع فى بيان المناسك فأمر بإتمام الحج والعمرة وظاهر السياق أفعالهما بعد الشروع فيهما ..
ولهذا قال بعدها فإن أحصرتم أى صددتم عن الوصول إلى البيت ومُنعتم من إتمامها
وقال شعبة عن عبد الله بن سلمة عن على فى هذه الأية (وأتموا الحج والعمرة لله)قال : ان تحرم من دويرة أهلك ,ولا تريد إلا الحج والعمرة , وتُهل من الميقات ليس أن تخرج لتجارة ولا لحاجة حتى إذا كنت قريبا من مكة , وأن يتموا الحج والعمرة بكل أركانها أتماما كاملا ,
وقال مجاهد وغيره كثيرون : أن الإحصار من عدو أو مرض أو كسر وقال الثورى : الإحصار من كل شىء آذاه ,
وقوله تعالى (فما استيسر من الهدى ) عن على بن أبى طالب أنها شاة , وقال ابن عباس الهدى من الأزواج الثمانية من الإبل والبقر والمعز والضأن,
وكما ثبت فى الصحيح عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت : أهدى النبى (صلى الله عليه وسلم) مرة غنما ...
وقوله تعالى (ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله) معطوف على قوله (وأتموا الحج والعمرة لله) وليس معطوفا على قوله (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى) لأن النبى (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه عام الحديبية لما حصرهم كفار قريش عن الدخول إلى الحرم حلقوا وذبحوا هديهم خارج الحرم فأما فى حال الأمن والوصول إلى الحرم فلا يجوز الحلق (حتى يبلغ الهدى محله) ويفرغ الناسك من أفعال الحج والعمرة إن كان قارنا أو من فعل أحدهما إن كان مفردا أو متمتعا , والله تعالى أعلى وأعلم ..
وقوله تعالى (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك)
قال ابن كثير وعلى مذهب الأئمة الأربعة وعامة العلماء أنه يخير فى هذا المقام إن شاء صام وإن شاء تصدق بفرق وهو ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع وهو مدان وإن شاء ذبح شاة وتصدق بها على الفقراء أى ذلك فعل أجزأه , ولما كان لفظ القرأن فى بيان الرخصة بالأسهل فالأسهل (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) ولما أمر النبى (صلى الله عليه وسلم)كعب بن عجرة لما كان فيه هوام فى رأسه تؤلمه , أرشده بذلك إلا الأفضل فالأفضل فقال : أن يحلق شعر رأسه , ثم انسك شاة أو أطعم ستة مساكين أو صم ثلاثة أيام , فكل حسن فى مقامه ..
وقوله تعالى (فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى )
أى فإذا تمكنتم من أداء المناسك فمن كان منكم متمتعا بالعمرة إلى الحج وهو يشمل من أحرم بهما أو أحرم بالعمرة أولا فلما فرغ منها أحرم بالحج وهذا هو التمتع الخاص وهو المعروف فى كلام الفقهاء , (فما استيسر من الهدى) أى فليذبح ما قدر عليه من الهدى وأقله شاة وله أن يذبح البقر , وقوله تعالى (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة) يقول تعالى : فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام فى الحج أى من أيام المناسك , وقال العلماء , والأولى أن يصومها قبل يوم عرفة فى العشر , وسبعة إذا رجع إلى أهله ,ومنهم من قال أنه ممكن صيام السبعة فى الطريق , والله أعلى وأعلم...
وقوله تعالى (تلك عشرة كاملة)تأكيد , وقوله تعالى (ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام) وبعد إجماع المفسرين على أن أهل الحرم معنيون به وأنه لا متعة لهم فقال بعضهم عنى بذلك أهل الحرم خاصة دون غيرهم , والله أعلى وأعلم ...
وقوله تعالى (واتقوا الله) أى فيما أمركم ونهاكم (واعلموا أن الله شديد العقاب) أى لمن خالف أمره وارتكب ما عنه زجره ...
وفى قوله تعالى ( الحج أشهر معلومـــت فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يأولى الألبــب)
اختلف أهل العربية فى قوله (الحج أشهر معلومـــت) ولكن الظاهر حسب تفسير ابن كثير , أن وقت الحج اشهر معلومات فخصصه بها من بين سائر شهور السنة فدل على أنه لا يصح قبلها كميقات الصلاة , والله أعلى وأعلم...
وعن عبد الله بن دينار عن ابن عمر (الحج أشهر معلومـــت) قال شوال وذو القعدة وذو الحجة , إسناد صحيح ..
وفى قوله تعالى (فمن فرض فيهن الحج) أى أوجب بإحرامه بالحج والمضى فيه ,
(فلا رفث) أى من أحرم بالحج أو العمرة فليجتنب الرفث وهو الجماع , وكذلك يحرم تعاطى دواعيه من المباشرة والتقبيل ونحو ذلك وكذلك التكلم به بحضرة النساء ,
وقوله (ولا فسوق) قال مقسم وغير واحد عن ابن عباس هى المعاصى ,
كما ثبت فى الصحيحين من حديث أبى حازم عن أبى هريرة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه "
وقوله تعالى (ولا جدال فى الحج) فيه قولان أحدهما : ولا مجادلة فى وقت الحج فى مناسكه ,
وقال عبد الله بن وهب قال مالك : قال الله تعالى (ولا جدال فى الحج) والله أعلم أن قريشا كانت تقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة وكانت العرب وغيرهم يقفون بعرفة وكانوا يتجادلون يقول هؤلاء نحن أصوب ويقول هؤلاء نحن أصوب , فهذا نرى والله أعلم ,
والقول الثانى : أن الجدال هاهنا المخاصمة , أى أن تمارى صاحبك حتى تغضبه ,
كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " من قضى نسكه وسلم المسلمون من لسانه ويده غُفر له ما تقدم من ذنبه "
وقوله تعالى (وما تفعلوا من خير يعلمه الله) لما نهاهم عن اتيان القبيح قولا وفعلا حثهم على فعل الجميل وأخبرهم أنه عالم به وسيجزيهم عليه أوفر الجزاء يوم القيامة ,
وقوله (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) قال العوفى عن ابن عباس : كان أناس يخرجون من أهليهم ليست معهم أزودة يقولون نحج بيت الله ولا يطعمنا ؟ فقال الله تزودوا ما يكف وجوهكم عن الناس , وقوله تعالى (فإن خير الزاد التقوى) لما أرشدهم بالزاد للسفر فى الدنيا أرشدهم إلى زاد الأخرة وهو استصحاب التقوى إليهما , ويعنى زاد الأخرة ,
وقوله (واتقون يأولى الألبـــب) يقول : واتقوا عقابى ونكالى وعذابى لمن خالفنى ولم يأتمر بأمرى يا ذوى العقول والأفهام ...
بسم الله الرحمن الرحيم
(ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفـــت فاذكروا الله عند المشعر الحرام وأذكروه كما هدـــكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين * ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم *
فإذا قضيتم منـــسككم فأذكروا الله كذكركم ءاباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا ءاتنا فى الدنيا وما له فى الأخرة من خلـــق)
فى قول الله تعالى (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفـــت فاذكروا الله عند المشعر الحرام وأذكروه كما هدـــكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين )
قال البخارى عن ابن عباس قال : كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا فى الجاهلية فتأثموا أن يتجروا فى الموسم فنزلت (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) فى مواسم الحج ..
وقال على بن أبى طلحة عن ابن عباس فى هذه الأية : أى لا حرج عليكم فى الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده ,
قال ابن أبى حاتم عن أبى أمامة التيمى قال : قلت لبن عمر : إنا أناس نكرى فى هذا الوجه إلى مكة وإن أناسا يزعمون أنه لا حج لنا فهل ترى لنا حجا ؟ قال ألستم تحرمون وتطوفون بالبيت وتقضون المناسك ؟ قال : قلت بلى قال : فأنتم حجاج , ثم قال : جاء رجل إلى النبى (صلى الله عليه وسلم) فسأله عن الذى سألت فلم يدر ما يعود عليه أو قال : فلم يرد عليه شيئا حتى نزلت (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) فدعا الرجل فتلاها عليه وقال" أنتم حجاج "
وقوله تعالى (فإذا أفضتم من عرفـــت فاذكروا الله عند المشعر الحرام) إنما صرف عرفات وإن كان علما على مؤنث لأنه فى الأصل جمع كمسلمات ومؤمنات , وعرفة موقع الوقوف فى الحج وهى عمدة أفعال الحج ,
ولهذا جاء فى الصحيح أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال " الحج عرفات , ثلاثا , فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك وأيام منى ثلاثة فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه "
وقال ابن أبى حاتم عن سفيان بن عيينة قوله تعالى (فإذا أفضتم من عرفـــت فاذكروا الله عند المشعر الحرام) وهى الصلاتين جميعا ,
وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهرى عن سالم قال : قال ابن عمر , المشعر الحرام المزدلفة كلها , وقال ابن كثير , والمشاعر هى المعالم الظاهرة وإنما سميت المزدلفة المشعر الحرام لأنها داخل الحرم , والله تعالى أعلى وأعلم ..
وقوله تعالى (وأذكروه كما هدـــكم) تنبيه لهم على ما أنعم الله به عليهم من الهداية والبيان والإرشاد إلى مشاعر الحج على ما كان عليه من الهداية إبراهيم الخليل عليه السلام ,
ولهذا قال تعالى (وإن كنتم من قبله لمن الضالين) قيل من قبل الهدى وقيل القرآن , وقيل الرسول , والكل متقارب ومتلازم وصحيح , والله تعالى أعلى وأعلم ...
وفى قوله تعالى ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم )
ثم هاهنا لعطف خبر على خبر وترتيبه عليه كأنه تعالى أمر الواقف بعرفات أن يدفع إلى المزدلفة ليذكر الله عند المشعر الحرام وأمره أن يكون وقوفه مع جمهور الناس بعرفات كما كان جمهور الناس يصنعون يقفون بها إلا قريشا فإنهم لم يكونوا يخرجون من الحرم فيقفون فى طرف الحرم عند أدنى الحل ويقولون نحن أهل الله فى بلدته وقطان بيته ,
وقال البخارى عن عائشة قالت : كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة وكانوا يسمون الحمس وسائر العرب يقفون بعرفات فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه (صلى الله عليه وسلم) أن يأتى عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها فذلك قوله (من حيث أفاض الناس)
وقيل المراد بالناس ابراهيم عليه السلام , وقيل الإمام , والله أعلى وأعلم ...
وقوله تعالى (واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) كثيرا ما يأمر الله بذكره بعد قضاء العبادات ,
كما ثبت فى صحيح مسلم أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا فرغ من الصلاة يستغفر الله ثلاثا ,
ولهذا جاء فى الحديث الذى رواه البخارى عن شداد بن أوس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " سيد الإستغفار أن يقول العبد اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت خلقتنى وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبى فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت , من قالها فى ليلة فمات فى ليلته دخل الجنة ومن قالها فى نومه فمات دخل الجنة "
وفى قوله تعالى ( فإذا قضيتم منـــسككم فأذكروا الله كذكركم ءاباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا ءاتنا فى الدنيا وما له فى الأخرة من خلـــق)
يأمر تعالى بذكره والإكثار منه بعد قضاء المناسك وفراغها وقوله تعالى (كذكركم ءاباءكم )
اختلفوا فى معناه , فقال ابن جريج عن عطاء هو كقول الصبى أبه أمهيعنى كما يلهج الصبى يذكر أبيه وأمه فكذلك أنتم فالهجوا بذكر الله بعد قضاء النسك ,
وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : كان أهل الجاهلية يقفون فى الموسم فيقول الرجل منهم :
كان أبى يطعم ويحمل الحمالات ويحمل الديات , ليس لهم ذكر غير أفعال آبائهم , فأنزل الله على محمد (صلى الله عليه وسلم) (فاذكروا الله كذكركم ءاباءكم أو أشد ذكرا)
والمقصود منه الحث على كثرة الذكر لله عز وجل ولهذا كان انتصاب قوله أو أشد ذكرا على التمييز وتقديره كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا وأو هاهنا لتحقيق المماثلة فى الخبر ,
ثم إنه تعالى أرشد إلى دعائه بعد كثرة ذكره فإنه مظنة الإجابة وذم من لا يسأله إلا فى أمر دنياه وهو معرض عن أخراه فقال (فمن الناس من يقول ربنا ءاتنا فى الدنيا وما له فى الأخرة من خلـــق) أى من نصيب ولا حظ , قال بن جبير عن ابن عباس : كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون اللهم اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولد حسن لا يذكرون من أمر الأخرة شيئا فأنزل الله فيهم (فمن الناس من يقول ربنا ءاتنا فى الدنيا وما له فى الأخرة من خلـــق) وكان يجىء بعدهم آخرون من المؤمنين فيقولون (ربنا ءاتنا فى الدنيا حسنة وفى الأخرة حسنة وقنا عذاب النار) فأنزل الله (أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب)
ولهذا مدح من يسأله الدنيا والأخرة ..
بسم الله الرحمن الرحيم
(ومنهم من يقول ربنا ءاتنا فى الدنيا حسنة وفى الأخرة حسنة وقنا عذاب النار *
أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب *
وأذكروا الله فى أيام معدودت فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم
عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون)
فى قول الله تعالى (ومنهم من يقول ربنا ءاتنا فى الدنيا حسنة وفى الأخرة حسنة وقنا عذاب النار)
فجمعت هذه الدعوة كل خير فى الدنيا وصرفت كل شر , فإن الحسنة فى الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوى من عافية ودار
رحبه وزوجه حسنة ورزق واسع وعلم نافع وعمل صالح ومركب هيَن وثناء جميل إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عبارات المفسرين ولا منافاة بينها فإنها كلها مندرجة فى الحسنة فى الدنيا ...
وأما الحسنة فى الأخرة فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر فى العرصات وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الأخرة الصالحة ..
وأما النجاة من النار فهو يقتضى تيسير أسبابه فى الدنيا من اجتناب المحارم والآثام وترك الشبهات والحرام ..
وقال القاسم أبو عبد الرحمن : من أعطى قلبا شاكرا ولسانا ذكرا وجسدا صابرا فقد أوتى فى الدنيا حسنة وفى الأخرة حسنة ووقى عذاب النار , ولهذا وردت السنة بالترغيب فى هذا الدعاء ...
وعن ابن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال :
" ما مررت على الركن إلا رأيت عليه ملكا يقول آمين فإذا مررت عليه فقولوا " ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الأخرة حسنة وقنا عذاب النار "
وفى قوله تعالى ( أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب )
قال الحاكم فى مستدركه عن سعيد بن جبير قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : إنى أجرت نفسى من قوم على أن يحملونى ووضعت لهم من أجرتى على أن يدعونى أحج معهم أفيجزى ذلك ؟ فقال أنت من الذين قال الله (أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب) ثم قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ...
وفى قوله تعالى ( وأذكروا الله فى أيام معدودت فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون)
قال ابن عباس الأيام المعدودات أيام العشر , وقال عكرمة (وأذكروا الله فى أيام معدودت) يعنى
التكبير فى أيام التشريق بعد الصلوات المكتوبات : الله أكبر الله أكبر..
وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع حدثنا موسى بن على عن أبيه قال : سمعت عقبة بن عامر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهى أيام أكل وشرب "
وقال مقسم عن ابن عباس : الأيام المعدودات أيام التشريق أربعة أيام يوم النحر وثلاثة بعده .
فقوله تعالى (فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه) فدل على ثلاثة بعد النحر ويتعلق بقوله تعالى (وأذكروا الله فى أيام معدودت) ذكر الله على الأضاحى و يتعلق به أيضا الذكر المؤقت خلف الصلوات والمطلق فى سائر الأحوال ويتعلق بذلك أيضا التكبير وذكر الله عند رمى الجمرات كل أيام التشريق , والله تعالى أعلى وأعلم...
ولما ذكر الله تعالى النفر الأول والثانى وهو تفرق الناس من موسم الحج إلى سائر الأقاليم والآفاق بعد اجتماعهم فى المشاعر والمواقف قال تعالى (واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون) كما قال (وهو الذى ذرأكم فى الأرض وإليه تحشرون)
بسم الله الرحمن الرحيم
(ومن الناس من يعجبك قوله ويُشهد الله على ما فى قلبه وهو ألد الخصام *
وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد *
وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد)
فى قول الله تعالى (ومن الناس من يعجبك قوله ويُشهد الله على ما فى قلبه وهو ألد الخصام )
قال السدى : نزلت فى الأخنس بن شريق الثقفى جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأظهر الإسلام وفى باطنه خلاف ذلك
وعن ابن عباس : نزلت فى نفر من المنافقين تكلموا فى خبيب وأصحابه الذين قُتلوا بالرجيع وعابوهم فأنزل الله فى ذم المنافقين ومدح خُبيب وأصحابه (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله )
وقيل بل نزل ذلك عام فى المنافقين كلهم وفى المؤمنين كلهم وهذا قول قتادة وغيره كثيرين وهو صحيح
وقال ابن جرير : عن القرظى عن نوف وهو البكالى وكان ممن يقرأ الكتب قال إنى لأجد صفة ناس من هذه الأمة فى كتاب الله المنزل قوم يحتالون على الدنيا بالدين ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر يلبسون للناس مسوك الضأن وقلوبهم قلوب الذئاب يقول الله تعالى : فعلىَ يجترئون وبى يغترون حلفت بنفسى لأبعثن عليهم فتنة يترك الحليم فيها حيران قال القرظى تدبرتها فى القرآن فإذا هم المنافقون فوجدتها (ومن الناس من يعجبك قوله ويشهد الله على ما فى قلبه)
وقوله تعالى (ويُشهد الناس على ما فى قلبه) وقراءة الجمهور بضم الياء ونصب الجلالة ومعناه أنه يُظهر للناس الإسلام ويبارز الله بما فى قلبه من الكفر والنفاق كقوله تعالى
(يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله)
وقيل معناه أنه إذا أظهر للناس الإسلام حلف وأشهد الله لهم أن الذى فى قلبه موافق للسانه وهذا المعنى صحيح , والله تعالى اعلى وأعلم...
وقوله (وهو ألد الخصام) والألد فى اللغة الأعوج , وهكذا المنافق فى حال خصومته يكذب ويزور عن الحق ولا يستقيم معه بل يفترى ويفجر كما ثبت فى الصحيح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال " آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر "
وعن ابن جريج عن ابن مليكة عن عائشة عن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال"إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم"
وفى قوله تعالى ( وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد )
أى هو أعوج المقال سيىء الفعال فذلك قوله وهذا فعله كلامه كذب واعتقاده فاسد وأفعاله قبيحة والسعى هاهنا هو القصد ,
فهذا هو المنافق ليس له همَة إلا الفساد فى الأرض وإهلاك الحرث وهو محل نماء الزروع والثمار والنسل وهو نتاج الحيوانات الذين لا قوام للناس إلا بهما ..
وقال مجاهد إذا سعى فى الأرض فسادا منع الله القطر فهلك الحرث والنسل (والله لا يحب الفساد) أى لا يحب من هذه صفته ولا من يصدر منه ذلك...
وفى قوله تعالى ( وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد)
قوله تعالى (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم) أى إذا وُعظ هذا الفاجر فى مقاله وفعاله وقيل له اتق الله وانزع عن قولك وفعلك وارجع إلى الحق امتنع وأبى وأخذته الحمية والغضب بالإثم أى بسبب ما اشتمل عليه من الآثام
وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى (وإذا تتلى عليهم ءايتنا بينـــت تعرف فى وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم ءايـــتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير )
ولهذا قال تعالى فى هذه الآية (فحسبه جهنم ولبئس المهاد) أى هى كافيته عقوبة فى ذلك ...
بسم الله الرحمن الرحيم
(ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد *
يأيها الذين ءامنوا أدخلوا فى السلم كافة ولا تتبعوا خطوت الشيطـــن إنه لكم عدو مبين *
فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينـــت فاعلموا أن الله عزيز حكيم)
فى قول الله تعالى (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد )
لما أخبر عن المنافقين بصفاتهم الذميمة ذكر صفات المؤمنين الحميدة فقال (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله)
قال ابن عباس وغيره أنها نزلت فى صهيب بن سنان الرومى وذلك أنه لما أسلم بمكة وأراد الهجرة منعه الناس أن يهاجر بماله وإن أحب أن يتجرد منه وتهاجر فعل فتخلص منهم وأعطاهم ماله فأنزل الله فيه هذه الأية , فتلقاه عمر بن الخطاب وجماعة إلى طرف الحرة فقالوا له ربح البيع فقال
وأنتم فلا أخسر الله تجارتكم وما ذاك فأخبروه أن الله أنزل هذه الأية ,وروى أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال " ربح صُهيب ربح صُهيب " مرتين , والله تعالى أعلى وأعلم ...
وقال الأكثرون أن هذه الأية نزلت فى كل مجاهد فى سبيل الله كما قال تعالى (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويُقتلون وعدا عليه حقا فى التوراة والإنجيل والقرأن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم)
ولما حُمل هشام بن عامر بين الصفين أنكر عليه بعض الناس فرد عليهم عمر بن الخطاب وأبو هريرة وغيرهما وتلوا هذه الأية (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد)
وفى قوله تعالى ( يأيها الذين ءامنوا أدخلوا فى السلم كافة ولا تتبعوا خطوت الشيطـــن إنه لكم عدو مبين )
يقول الله تعالى آمرا عباده المؤمنين به المصدقين برسوله أن يأخذوا بجميع عُرى الإسلام وشرائعه والعمل بجميع أوامره وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك ..
قال العوفى عن ابن عباس وغيره من المفسرين فى قوله تعالى (أدخلوا فى السلم كافة) يعنى الإسلام..
وقال أخرون يعنى الطاعة , وقال قتادة أيضا الموادعة ,
وقوله تعالى (كافة) أى اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البر..
ومعناه هو أنهم أُمروا كلهم أن يعملوا بجميع شُعب الإيمان وشرائع الإسلام وهى كثيرة جدا ما استطاعوا منها ,
وقال ابن أبى حاتم عن عكرمة عن ابن عباس : فى قوله تعالى (يأيها الذين ءامنوا أدخلوا فى السلم كافة) كذا قرأها بالنصب يعنى مؤمنى أهل الكتاب فإنهم كانوا مع الإيمان مستمسكين ببعض أمور التوراة والشرائع التى أُنزلت فيهم فقال الله تعالى (أدخلوا فى السلم كافة) يقول أدخلوا فى شرائع دين محمد (صلى الله عليه وسلم) ولا تدعوا منها شيئا وحسبكم الإيمان بالتوراة وما فيها , والله تعالى أعلى وأعلم...
وقوله تعالى (ولا تتبعوا خطوت الشيطـــن) أى اعملوا بالطاعات واجتنبوا ما يأمركم به الشيطان ف(إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) و (إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) ولهذا قال تعالى (إنه لكم عدو مبين) قال مُطرّف : أغشّ عباد الله لعبيد الله الشيطان
وفى قوله تعالى ( فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينـــت فاعلموا أن الله عزيز حكيم)
وقوله تعالى (فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينـــت ) أى عدلتم عن الحق بعدما قامت عليكم الحجج فاعلموا أن الله عزيز أى فى انتقامه لا يفوته هارب ولا يغلبه غالب , حكيم فى أحكامه ونقضه وإبرامه ولهذا قال أبو العالية وقتادة والربيع بن انس : عزيز فى نقمته حكيم فى أمره ,
وقال محمد بن اسحاق : العزيز فى نصره ممن كفر به إذا شاء الحكيم فى عذره وحجته إلى عباده , والله أعلى وأعلم..