
فى قول الله تعالى (الذين إذا أصبتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه رجعون)
بين تعالى من الصابرون الذين شكرهم , فقال الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا
إنا لله وإنا إليه رجعون , أى تسلوا بقولهم هذا عما أصابهم , وعلموا أنهم
ملك لله يتصرف فى عبيده بما يشاء وعلموا أنه لا يضيع لديه مثقال
ذرة يوم القيامة فأحدث لهم ذلك , بإعترافهم بأنهم عبيده ,
وأنهم إليه راجعون فى الدار الأخرة ...
وفى صحيح مسلم أن أم سلمة قالت : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول : " ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون , اللهم أجرنى فى مصيبتى وأخلف لى خيرا منها , إلا آجره الله فى مصيبته , وأخلف له خيرا منها", قالت : فلما توفى أبا سلمة قلت كما أمرنى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأخلف الله لى خيرا منه , رسول الله (صلى الله عليه وسلم)

وفى قوله تعالى (أولئك عليهم صلوت من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)
ولصبرهم هذا وعلى كل ما فعلوا يخبرهم الله تعالى عما أعطاهم على ذلك فقال تعالى (أولئك عليهم صلوت من ربهم ورحمة)
أى ثناء من الله تعالى عليهم , وقال سعيد بن جبير : أى أمنة من العذاب ,
(وأولئك هم المهتدون) قال أمير المؤمنين عم بن الخطاب " نعم العدلان ونعمت العلاوة " قوله تعالى
(أولئك عليهم صلوت من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)
فهذه العلاوة وهى ما توضع بين العدلين ,
وهى زيادة فى الحمل , فكذلك أُعطوا ثوابهم وزيدوا أيضا ...
فأجرهم عند الله تعالى على صبرهم على المصائب واحتساب الأجر عند الله تعالى ...

وفى قوله تعالى (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم)
قال الإمام أحمد حدثنا سليمان عن عروة عن عائشة قال : قلت أرأيت قول الله تعالى (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما)
قلت فوالله ما على أحد جناح أن لا يتطوف بهما , فقالت عائشة : بئسما قلت يا ابن أختى , إنها لو كانت
على ما أولتها عليه كانت : " فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما "
ولكنها إنما أنزلت لأن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا كانوا يهلَون
لمناة الطاغية , التى كانوا يعبدونها عند المشلل , وكان من أهل
لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة , فسألوا عن ذلك
رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأنزل الله تعالى
( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه
أن يطوف بهما) قالت عائشة :
ثم قد سن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الطواف بهما , فليس لأحد
أن يدع الطواف بهما , أخرجاه فى الصحيحين
فعن موسى بن عبيدة عن صفية بنت شيبة أن امرأة أخبرتها أنها
سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين الصفا والمروة
يقول " كُتب عليكم السعى فاسعوا " أى أن السعى ركن مهم جدا
من أركان الحج والعمرة ...
وقوله تعالى (فمن تطوع خيرا) وقد قال النبى (صلى الله عليه وسلم)
(لتأخذوا عنى مناسككم) فكل ما فعله فى حجته تلك واجب
لابد من فعله فى الحج , إلا ما خرج بدليل والله تعالى أعلى وأعلم
فقد بين الله تعالى أن السعى بين الصفا والمروة من شعائر الله أى
مما شرع الله تعالى لإبراهيم (عليه السلام) فى مناسك الحج
وقد تقدم فى حديث عن ابن عباس : أن أصل ذلك مأخوذ من طواف
هاجر وتردادها بين الصفا والمروة فى طلب الماء لولدها
لمَا نفد ماءؤهما وزادهما حين تركهما سيدنا إبراهيم (عليه السلام)
هنالك وليس عندهما أحد من الناس , فلما خافت على ولدها
الضيعة , قامت تطلب الغوث من الله عز وجل , فلم تظل تتردد
فى هذه البقعة المشرَفة بين الصفا والمروة متذلله خائفة وجله
مضطرة فقيرة إلى الله , حتى كشف الله تعالى كربتها وآنس وحدتها
وغربتها وفرج كربتها وشدتها , وأنبع لها زمزم التى ماؤها
" طعام طعم وشفاء سقم " فالساعى بينهما يجب عليه أن يستحضر
فقره وذله وحاجنه إلى الله فى هداية قلبه وصلاح حاله وغفران ذنوبه ,
وأن يلتجىء إلى الله لتفريج ما هو به من النقائض ,
والعيوب وأن يهديه إلى الصراط المستقيم
(فمن تطوع خيرا) أى من زاد فى طوافه بينهما على قدر الواجب
ثامنه أو تاسعة ونحو ذلك ,
وقيل من تطوع خيرا فى سائر العبادات , والله تعالى أعلى وأعلم...
(فإن الله شاكر عليم) أى يثيب على القليل بالكثير , عليم بقدر الجزاء ,
فلا يبخس أحدا ثوابه , " لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة
يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما "
