قصص كفاح لا تنتهي...أمهات سعوديات وحيدات

[بحــ العيون ــــــــر]

السعوديات وصلن للنجاح ووصلن للعالميَّة، ومهما تحدثنا عنهنَّ؛ فلن نفيهنَّ حقهنَّ بأنَّهنَّ فعلاً خير قدوة وخير مثال، وعلى الرغم من تقاليد مجتمعهن والتزامهنَّ بدينهنَّ، استطعن التوفيق بين الاثنين، والوصول للنجاح وطرق أبوابه. «سيدتي» تسلط الضوء على من هنَّ أعظم من هذا كله، ألا وهنَّ الأمهات السعوديات الناجحات والعازبات اللاتي استطعن تخطي الحدود بنجاحهنَّ، ولعبن دور الأم والأب لأولادهنَّ، وهنا لا نقصد بالعازبات فقط المطلقات والأرامل؛ بل حتى من تغيَّب عنها زوجها لظروف عمله، أو من عانت من الانفصال المعنوي كاستمرار الزواج شكلياً فقط؛ فما هي قصصهنَّ، وكيف استطعن تجاوز المحنة، وما الذي يقدمنه من نصائح؟ بدايةً، نبدأ بقصة الدكتورة والمرأة التي كانت مضرباً للمثل كأشجع امرأة في العالم، سامية العمودي، وما عانته في حياتها، وتقول: النجاح يحدث في مجالات عديدة، لكن يظل النجاح في تربية الأبناء أصعبها وأجملها مذاقاً، خاصة عندما تكون المرأة مضطرة للقيام بدور الأب والأم معاً، وهذا هو التحدي الأكبر الذي واجهني في حياتي؛ خاصة في ظل ظروفي الصحيَّة، وكنت وقتها منفصلة عن زوجي؛ فلما أصبت، كان عمر ابني نحو اثنتي عشرة سنة، وابنتي تسعة أعوام، وكان قلقي الأكبر أن أرحل عنهما وأتركهما بلا أب ولا أم، ولربما كان هذا سر قوتي وأداتي في حربي على السرطان، وفي تمسكي بالحياة ونضالي من أجلهما؛ فشعوري بالخوف عليهما ساعدني؛ فكثفت قدراتي واستعنت بالله وواصلت واجبي تجاههما ورعايتي لهما، وأصبحا محور حياتي؛ بل وتحولت العلاقة إلى نوع من الحبِّ أجمل من السابق، وصرت أشعر بطعم قبلاتي لهما، وأغدق من حناني وأستمتع بالحبِّ هذا، واستمررت في العمل، وكنت أذهب لعيادتي وأمارس أعمالي وأنا أخضع للعلاج الكيماوي، وتأثر وضعي الاقتصادي، لكن الله منحني القوة، وكنت أستثمر هذه الأحداث كلها لبناء شخصيتيهما ليزدادا صلابة، وليعرفا نعم الله وفن مواجهة الأزمات، واليوم وبعد عقد من الكفاح، أنظر إلى عبدالله الطفل الذي أصبح شاباً طالباً في السنة الرابعة في كليَّة الطب، وإسراء الطفلة تصبح طالبة في سنتها الأولى التحضيريَّة بالجامعة؛ فلا أملك غير السجود لله حمداً لكرمه ومنه عليَّ بقصة النجاح الحقيقيَّة هذه في حياتي. قدوتي الكبيرة غادة غزاوي من أنجح وأشهر سيدات الأعمال في المجتمع السعودي، تقول: والدتي نجديَّة الحجيلان، أول صوت نسائي سعودي عملت في البرامج السعوديَّة، وبعدها تزوَّجت من والدي الذي كان يعمل سفيراً، وربت ولدين وبنتين ناجحين فعلاً في مجالاتهما وأنا واحدة منهم، ووالدي كان وزير الإذاعة والتليفزيون، وبعدها انتقل للخارجيَّة سفيراً في دول عديدة، وبحكم عمله، كانت المسؤوليَّة على أمي، ولها الدور الكبير في تربيتنا؛ خاصة بسبب التنقلات من بلد إلى آخر، خاصة البلدان النائية والغريبة، مع اختلاف الثقافات واللغات، وهي كانت خير مثال لتدارك هذه الأمور، وقد ربت فينا هذا الحرص الذي تعلمناه منها لنربي أولادنا، وهي قدوتي الكبيرة فيما تحملته وعانته قبل وبعد وفاة والدي، وبالنسبة إليَّ، أحاول أن أكون خير أُم لأبنائي؛ خاصة أنَّهم قريبون من عمري، وأنا أحاول أن أكون صديقتهم دائماً إلا إذا احتاج الأمر للشدة، وأنا أنصح كل أم بأن تكون صديقة لأولادها. دور الأم والأب الدكتورة والإعلاميَّة، منى أبوسليمان: شيء جداً صعب مررت به؛ خاصة إذا لم يكن معك إنسان يساعدك في الأشياء التي لا تستطيعين فعلها، والتربية من المفروض أن تكون شراكة، لكن أهلي ساعدوني في ذلك، كما كنت أقرأ كثيراً في كتب التربية وكتب المشاكل العصريَّة التي قد تظهر من بعد الطلاق بالنسبة لبناتي، لكن استطعت بسبب علاقتي الجيِّدة بزوجي السابق، العمل عليها ربما ليس بالشكل المثالي، لكن كثيرات ليس لديهن من يساعدهنَّ وليست علاقتهن جيدة بالأب؛ فلا يقوم الأب بلعب دوره الصحيح، وأنا لعبت دور الأم والأب بصعوبة، ولم أمارس عملي الخاص إلا بعد أن دخلت ابنتي الأخرى المرحلة الابتدائيَّة؛ لذا أنصح كل أم، سواء كانت سعيدة في زواجها أم لا، بأن تقرأ في الكتب التي تساعدها على تربية أبنائها؛ لأنَّه ليس كل أم تستطيع أن تتدارك كل ما يدور حولها من أمور تربية قد تجهلها أو لا تكون ملمة بها. أمر صعب «أمل.ن» تعمل في مجال الإعلام، وهي أم عزباء لابنة عمرها 12 عاماً، تقول عن ابنتها: العيش كأم عازبة أمر صعب جداً؛ لأنك تلعبين ثلاثة أدوار، إذا كنت عاملة دور الأم والأب ودور المرأة العاملة؛ خاصة في مجالنا الذي لا نستطيع التغيب عنه، كما أنَّ الجيل الذي ينضج الآن ينضج على تفتح وبرامج غير محميَّة قد تكبر أفكارهم فيها قبل وقتها؛ ففي يوم تعرضت لموقف محرج مع ابنتي، تمنيت أن يكون زوجي على قيد الحياة؛ لكي يستطيع أن يتدارك هذا الموقف معي؛ فقد كانت ابنتي محملة لإحدى البرامج الاجتماعية وغير المحمية، وتعرضت لإساءة تحرش من شخص مجهول، وعندما حضرت إليَّ وأخبرتني، لم أستطع أن أفهمها أي شيء أو التحدث عنها في هذا الأمر، وشعرت بأنَّ دور أبيها الذي كنت ألعبه أصبح سراباً بالنسبة إليَّ، وفي مرة أخرى قدمت وأخبرتني بأن صديقتها معجبة وتحب ابن أختي ولد خالتها، وصعقت من جرأتها ومن تحدثها، ولم أعرف بماذا أجيبها سوى أنت صغيرة يا ماما على هذا الكلام، وكثير من المواقف التي لا أعرف، أبكي أم أضحك عليها. ميلا سيدو قصة طريفة ذكرتها لنا إحدى الأمهات العازبات في السعوديَّة، نجلاء زيد، التي انفصلت عن زوجها وابنتاها لم تبلغا السنتين؛ فقالت: في يوم من الأيام، عندما كانت ابنتي الكبرى في مراحلها الدراسية الأولى، أحضرت لي ورقة لورشة عمل مكتوباً عليها في خانة الاسم «ميلا سيدو» فسألتها عما هو مكتوب؛ فقالت لي: المعلمة كتبته ولم أفهم، واتصلت بالمعلمة فوراً واستفسرت منها، وقالت لي عندما سألت ابنتي عن اسمها، أخبرتني ميلا، وعندما سألتها عن اسم والدها، قالت «سيدو»، سيدو هي كناية عن الاسم الجد لدى بعض العوائل في السعوديَّة، وأضافت المعلمة، توقعت بأن يكون اسم سيدو هو اسم العائلة؛ فأوضحت لها الموضوع. المصطلح يختلف من مجتمع إلى آخر أوضحت الدكتورة نادية نصير، المستشارة النفسيَّة الأسرية والتربويَّة، أنَّ مصطلح الأمهات العازبات يختلف من مجتمع لآخر، وحسب ثقافة المجتمع؛ ففي الدول الغربية يعني هذا المصطلح أنَّها الأم التي أنجبت أطفالاً من دون زواج رسمي، أو التي طلقها زوجها أو توفي وترك لها مسؤوليَّة الأبناء، أما بالنسبة للبلاد العربيَّة والإسلاميَّة على وجه الخصوص؛ فيعني هذا المصطلح أنَّها الأم المطلقة أو الأرملة التي ترك لها الزوج مسؤوليَّة الأبناء. وإذا ما بحثنا عن أسباب الطلاق؛ فهي كثيرة وعديدة، والنسب في تزايد مستمر، والأبناء الذين هم المشكلة الكبرى التي تبدأ ما بعد الطلاق، وأسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات، وما هي الترتيبات التي سوف تتخذ بشأن الأبناء، ومع من يقف القانون في مسألة الحضانة؟ وحسب قوانين كل مجتمع، معظم الدِّراسات تشير إلى أنَّ الأم هي المسؤول الأول في إكمال مشوار التربية من جميع النواحي المادية والمعنوية، وتصبح الأمور المادية دائماً هي الأصعب على جميع الأمهات العازبات؛ خصوصاً إذا كانت الأم لا تعمل. والغالبية العظمى من الأمهات العازبات تنجح في مشوار تربيتها لأبنائها؛ لأنَّها إنسانة علمتها الحياة أن تكون قويَّة الشخصيَّة، قادرة على بناء نفسها من جديد، وقادرة على التكيف مع ظروف الحياة والمجتمع، لكن في الحقيقة هؤلاء النساء اللاتي لا يضيعن الوقت فيما لا يفيد، هنَّ المربيات الفاضلات العازبات، تجد لديهن القرارات السليمة في تصريف شؤون الحياة وتعديل وتبديل المسيرة لفائدة الأبناء.