
فى قول الله تعالى (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم ءايتك ويعلمهم الكتب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم)
يقول الله تعالى : عن تمام دعوة سيدنا ابراهيم عليه السلام لأهل الحرم ,
أن يبعث فيهم رسولا منهم أى من ذرية ابراهيم (عليه السلام)
وقد وافقت هذه الدعوة المستجابة قدر الله السابق فى تعيين سيدنا محمد
(صلى الله عليه وسلم) رسولا فى الأميين إليهم , إلى سائر الأعجمين
من الإنس والجن , كما قال الإمام أحمد حدثنا أبو النصر حدثنا الفرج
حدثنا لقمان بن عامر : سمعت أبو أمامة قال : قلت يارسول الله :
ما كان أول بدء أمرك ؟ قال " دعوة أبى ابراهيم , وبشرى عيسى بى
ورأت أمى أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام "
والمراد أنه أول من نوه بذكره وشهره فى الناس هو سيدنا ابراهيم (عليه السلام) ولم يزل ذكره فى الناس مذكورا مشهورا سائرا , حتى أفصح
بإسمه خاتم أنبياء بنى إسرائيل نسبا وهو سيدنا عيسى بن مريم
(عليه السلام) حيث قام فى بنى اسرائيل خطيبا وقال
(إنى رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدى من التوراة ومبشرا برسول يأتى من بعدى إسمه أحمد ) (الصف : 6) وكان ذلك معنى بشرى عيسى عليه السلام التى ذكرها النبى (صلى الله عليه وسلم) فى حديثة , وأن أمه
رأت مناما حينما حملت فيه وقصته على قومها فشاع فيهم واشتهر بينهم
وكان ذلك توطئه , وتخصيص الشام بظهور نوره اشارة إلى إستقرار دينه
وثبوته ببلاد الشام...
وفى قوله تعالى (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم) قال أبو جعفر الرازى عن الربيع بن أنس عن أبى العالية : يعنى أمة محمد (صلى الله عليه وسلم)
فقيل له قد أستجيبت لك , وهو كائن فى آخر الزمان , وكذا قال السدى وقتادة...
وقوله تعالى (ويعلمهم الكتب والحكمة) والكتاب يعنى القرأن والحكمة تعنى
السنة , (ويزكيهم) قال على بن أبى طلحة عن ابن عباس يعنى : طاعة
الله والإخلاص ,
وقال محمد بن اسحاق فى قوله تعالى (ويعلمهم الكتب والحكمة) أى :
يعلمهم الخير فيفعلوه , والشر فيتقوه , ويخبرهم برضاه عنهم إذا أطاعوه
واستكثروا من طاعته وتجنبوا ما سخط من معصيته...
وقوله تعالى (إنك أنت العزيز الحكيم) أى : العزيز الذى لا يعجزه شىء
وهو قادر على كل شىء الحكيم فى أقواله وأفعاله , فيضع الأشياء فى
محالها , وحكمته وعدله...

فى قول الله تعالى (ومن يرغب عن ملة إبرهيم إلا من سفه نفسه ولقد
اصطفينه فى الدنيا وإنه فى الأخرة لمن الصلحين * إذ قال له ربه
أسلم قال أسلمت لرب العلمين)
يقول الله تبارك وتعالى ردا على الكفار , فيما ابتدعوه وأحدثوه من الشرك
بالله , المخالف لملة سيدنا ابراهيم (عليه السلام) إمام الحنفاء , فإنه جرد توحيد ربه تبارك وتعالى , فلم يدع معه غيره , ولا أشرك
به طرفة عين , وتبرأ من كل معبود سواه , وخالف فى ذلك سائر قومه , حتى تبرأ من أبيه , كما قال تعالى (وإذ قال إبرهيم
لأبيه وقومه إننى براء مما تعبدون * إلا الذى فطرنى فإنه
سيهدين ) (الزخرف : 27,26)
وفى قوله تعالى (ومن يرغب عن ملة إبرهيم) أى : عن طريقته
ومنهجه فيخالفها , ويرغب عنها , (إلا من سفه نفسه) أى :
ظلم نفسه بسفهه وسوء تدبيره , بترك الحق إلى الضلال , حيث
خالف طريق من اصطفى فى الدنيا للهداية والرشاد , من حداثة
سنه حتى إتخذه الله تعالى خليلا وهو فى الأخرة من الصالحين.
كما قال الله تعالى (إن الشرك لظلم عظيم) فأى سفه أكبر من الشرك بالله وعدم اتباع رسله..
وقوله تعالى (إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العلمين)
أى : أمره الله تعالى بالإخلاص له والإستسلام والإنقياد , فأجاب
إلى ذلك شرعا وقدرا ,(قال أسلمت لرب العلمين)
