*اعلم يا رعاك الله بأن استخدام اﻷذان في العﻼج واﻻستشفاء يعتبر من الرقية والطرد في آن واحد ، وقد ذكرت ذلك في كتابي الموسوم ( منهج الشرع في عﻼج المس والصرع ) وإليك تفصيل ذلك :
بالنسبة لهذه المسألة لم يرد فيها الدليل والنص الشرعي الصريح الذي يؤكد ذلك 0*
يقول علي بن حسن عبد الحميد : ( تخصيص اﻷذان في اﻷذن ﻻ أعلم عليه دليﻼ ) ( برهان الشرع في إثبات المس واﻻصرع – ص 93 ) 0*
وبعض الكتاب استشهد بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في استخدام اﻷذان في الرقية والعﻼج 0*
قال صاحبا الكتاب المنظوم " فتح الحق المبين " : ( وقبل الشروع في القراءة يؤذن في أذن المريض ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا نودي للصﻼة أدبر الشيطان وله ضراط حتى ﻻ يسمع التأذين 000 ) " متفق عليه " ) ( فتح الحق المبين في عﻼج الصرع والسحر والعين 0 ص 122 ) 0*
والبعض اﻵخر من الكتاب أو المعالِجين استشهد في استخدام هذا اﻷسلوب بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - حيث قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إذا تغولت لكم الغيﻼن فنادوا باﻷذان ، فإن الشيطان إذا سمع النداء أدبر وله حصاص )
( قال اﻷلباني حديث ضعيف ، أنظر ضعيف الجامع 436 ، السلسلة الضعيفة 1140 – ثم قال : قلت : وهذا إسناد ضعيف ، ورجاله ثقات ، وإنما علّته اﻻنقطاع بين الحسن – وهو البصري – وجابر ، كما قاله أبو حاتم والبزّار - أنظر السلسلة الصحيحة - 2 / 301 - قال ابن حجر في الفتح : أخرجه ابن أبي شيبة باسناد صحيح - فتح الباري - 6 / 344 )
ومن أجل دراسة هذه المسألة العلمية دراسة موضوعية مستفيضة ، أستعرض أقوال علماء اﻷمة اﻷجﻼء فيها عموماً لمعرفة مدى شرعية اتباع هذه الطريقة من عدمه ، وأبدأ باﻷثر الذي ورد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - :*
عن الثوري عن الشّيباني عن أُسَير بن عمرو قال :
( ذكر عند عمر الغيﻼن ، فقال : إنه ﻻ يتحول شيء عن خلقه الذي خلق له ، ولكن فيهم سحرة من سحرتكم ، فإذا رأيتم من ذلك شيئاً فأذنوا )
( قال ابن حجر : أخرجه ابن أبي شيبة باسناد صحيح - 6 / 344 - أنظر لسان العرب - 11 / 508 ، وأخرجه عبدالرزاق الصنعاني في " مصنفه " – 5 / 162 – برقم ( 9249 ) – وقال الشيخ مشهور حسن سلمان : والشّيباني ، هو : سليمان بن أبي سليمان ، واسمه : فيروز ، وقيل : خاقان ، وقيل : عمرو ، أبو اسحاق الشيباني موﻻهم 0 قال الجوزجاني : رأيت أحمد يعجبه حديث الشيباني ، وقال : هو أهل أن ﻻ ندع له شيئاً 0 وقال ابن أبي مريم عن ابن معين : ثقة حجة 0 وقال أبو حاتم : ثقة ، صدوق ، صالح الحديث 0 ووثقه العجلي والنسائي 0 وقال ابن عبدالبر : هو ثقة حجة عند جميعهم 0 انظر : " التهذيب " : ( 4 / 172 – 173 ) و " تاريخ الثّقات " للعجلي : رقم ( 612 ) ، وسير أعﻼم النبﻼء " : ( 6 / 193 – 195 ) ، و " الجرح والتعديل": (4 / 122) ، و"ثقات ابن حبان" : (3 / 90) ، و " تذكرة الحفاظ : ( 1 / 153 ) ، و " التاريخ الصغير " : ( 2 / 57 ) 0 وأسير بن عمرو هو أسير بن جابر ، وفرق بعضهم بينهما ، والصحيح أنهما واحد 0 وأهل الكوفة يقولون : يسير ، بالياء ، وهو ثقة ، وتصحفت في مطبوع " مصنف ابن أبي شيبة " وفي " الفصل " إلى : " بشير " 0 أنظر اﻷوهام التي في مدخل الحاكم " : رقم ( 13 ) وتعليقنا عليه 0 فهذا اﻷثر : إسناده صحيح ، ثم قال – حفظه الله - : وأخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " : ( 10 / 397 ) عن ابن فضيل عن الشيباني به ، وقال الحافظ ابن حجر في " الفتح " : ( 6 / 344 ) : " وإسناده صحيح " ، وأخرجه ابن حزم في " الفصل في الملل واﻷهواء والنحل " : (5 / 5) من طريق محمد بن سعيد بن بيان حدثنا أحمد بن عبد البصير قال : حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن عبدالسﻼم الخشني حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبدالرحمن بن المهدي حدثنا سفيان الثوري به – الغول بين الحديث النبوي والموروث الشعبي – 86 – 87 )
قال عبدالرزاق : عن ابن جريج قال : حدثت عن سعد بن أبي وقاص قال : سمعت رسول الله**يقول :
( إذا تغولت لكم الغيﻼن فأذنوا )
( أخرجه عبدالرزاق في مصنفه – 5 / 163 – برقم ( 9252 ) ، وابن المديني في " جامع التحصيل " – ص 280 ، وقال : سنده منقطع ، ﻻ يعرف ﻻبن جريج سماع من سعد ، ولم يلق أحداً من الصحابة ، وأخرجه البزار في " كشف اﻷستار – 4 / 34 – برقم ( 3129 ) من طريق محمد بن الليث الهدادي حدثنا أبو غسان حدثنا عبدالسﻼم عن يونس عن الحسن عن سعد به 0 ومن طريق أحمد بن يونس عن أبي شهاب عن يونس عن الحسن عن سعد به 0 وقال عقبة : " ﻻ نعلمه يروي عن سعد إﻻ من هذا الوجه ( !! ) وﻻ نعلم سمع الحسن من سعد شيئاً ، وأخرجه الهيثمي في " مجمع الزوائد " – 10 / 134 – وقال : ورجاله ثقات إﻻ أن الحسن البصري لم يسمع من سعد فيما أحسب ، وأخرجه ابن عدي في " الكامل في الضعفاء " – 5 / 1760 - من طريق سفيان وعبد الوارث عن عمرو بن عبيد عن الحسن عن سعد رفعه 0 وعمرو بن عبيد ، قال فيه النسائي : متروك 0 وقال ابن معين : ﻻ يكتب حديثه 0 وقال الدارقطني وغيره : ضعيف 0 وذكر هذا الحديث الذهبي في " ميزان اﻻعتدال " – 3 / 276 في ترجمته ، وقال : وساق ابن عدي في ترجمة عمرو أحاديث غالبها محفوظ المتن – أنظر الغول بين الحديث النبوي والموروث الشعبي - للشيخ مشهور حسن سلمان – ص 124 – 126 )
أخرج أو عبيد في " غريب الحديث " من طريق حجاج ، عن حماد بن سلمة ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبي صالح ، به 0 وقال : ( قال حماد لعاصم : ما الحصاص ؟ فقـال : أما رأيت الحمار إذا صرَّ بأذنيه ومصع بِذَنَبِه وعدا ؟ فذلك حصاصه 0 وقال اﻷصمعي : الحصاص : شدة العدوّ وسرعته 0 ويقال : هو الضراط في قول بعضهم 0 وقول عاصم أعجب إلي ، وهو قول اﻷصمعي أو نحوه ) ( غريب الحديث – 4 / 180 ) 0*
قال شيخ اﻹسﻼم ابن تيمية - رحمه الله - : ( وعن زيد بن أسلم أنه ولى ( معادن ) فذكروا كثرة الجن بها ، فأمرهم أن يؤذنوا كل وقت ويكثروا من ذلك ، فلم يكونوا يرون بعد ذلك شيئا ) ( الكلم الطيب – تحقيق شعيب اﻷرناؤوط – ص 53 ) 0*
وبنحو ذلك أخرج اﻹمام الذهبي – رحمه الله - في " السير " عن ابن وهب وابن القاسم ؛ قاﻻ : قال مالك : ( استعمل زيد بن أسلم على معدن بني سليم ، وكان معذراً ﻻ يزال يصاب فيه الناس من قِبل الجن ، فلما وليهم شكوا إليه ذلك ، فأمرهم باﻷذان أن يؤذنوا ويرفعوا أصواتهم 0 ففعلوا ، فارتفع عنهم ذلك حتى اليوم 0 قال مالك : أعجبني ذلك من مشورة زيد بن أسلم ) ( سير أعﻼم النبﻼء – 5 / 317 ، وذكر ذلك محمد بن مفلح في " مصائب اﻹنسان " ) 0*
وقال – رحمه الله – معقباً على ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – " إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان 000 " : ( فإذا كان التأذين يطرد الشيطان ) ( اﻻستقامة – باختصار يسير - 2 / 18 ) 0*
وقال عقبة : ( قال أبو عوانة : هذا دليل على أن الرجل إذا أحس بالغول ، أو أشرف على المصروع ، ثم أذن ؛ ذهب عنه ما يجد من ذلك ) ( مسند أبي عوانة – 1 / 334 ، 335 ) 0*
قال ابن حجر في الفتح : ( قال ابن الجوزي : على اﻷذان هيبة ، يشتد انزعاج الشيطان بسببها ؛ ﻷنه ﻻ يكاد يقع في اﻷذان رياء وﻻ غفلة عند النطق به ، بخﻼف الصﻼة ؛ فإن النفس تحضر فيها ، فيفتح لها الشيطان أبواب الوسوسة ) ( فتح الباري – 2 / 87 ) 0*
جاء في حاشية " ابن عابدين " عند حديثه عن المواضع التي يندب لها اﻷذان في غير الصﻼة : ( وعند تغول الغيﻼن : أي عند تمرد الجن ، لخبر صحيح فيه ، كذا قال الرملي الشافعي في " حاشية البحر " – وعلق عليه ابن عابدين الحنفي فقال : " وﻻ بعد فيه عندنا " ) ( حاشية ابن عابدين - 1 / 385 ) 0*
وقد ترجم أبو عوانة في مسنده : ( الدليل على أن المؤذن في أذانه وإقامته إلى أن يفرغ منفيٌّ عنه الوسوسة والرياء لتباعد الشيطان منه ) ( مسند أبي عوانة – 1 / 332 ، 333 ) 0*
قال البقاعي : ( 000 وإلى نظر اﻷذان تختمه بالتوحيد من غير تكرير وﻻ تأكيد إلى الجﻼل والعظمة والقهر لكل شيء والعلو والكمال ، ينظر إدبار الشيطان عند سماعه وله ضراط حتى ﻻ يسمعه للخوف من أن تغتاله بارقة سطوة أو صاعقة عظمة ، ولذلك عبَّر عنه في الحديث بالحصاص – بالضم - ، وأن معناه أن يكون له في تلك الحالة ضراط شديد بالغ ظاهر جداً لكل من له أهلية اﻻطﻼع عليه مزعج الحركة مستمكن ، يرمى من شدته بالعذرة ، وعدوه في إدباره هو مع شدته من أجل استرخائه لما له من الرعب كمشي المقيد ) ( اﻹيذان بفتح أسرار التشهد واﻷذان – ص 62 ) 0*
قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( فَهِمَ بعض السلف من اﻷذان في هذا الحديث اﻹتيان بصورة اﻷذان ؛ وإن لم توجد فيه شرائط اﻷذان من وقوعه في الوقت وغير ذلك ) ( فتح الباري 2 / 87 ) 0*
قال الشيخ مشهور حسن سلمان تحت عنوان " إرشادات في دفع الغول وصرفه " : ( لم يترك أمراً يقرّبنا من الخير ، ويباعدنا من الشر ، إﻻ ذكره لنا ، ومصداق ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه – برقم ( 1844 ) بسنده إلى عبدالله بن عمرو بن العاص رفعه : " إنه لم يكن نبي قبلي إﻻ كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينذرهم شر ما يعلمه لهم " ومن اﻷمور التي أرشدنا إليها النبي صلى الله عليه وسلم وسلفنا الصالح في دفع شر الغول : التسمية ، وقراءة آية الكرسي ، وقراءة خاتمة البقرة ، ورفع الخوف النفسي من الغول ، والهدأة بعد سكون الناس وعدم مشيهم واختﻼفهم في الطرق ، وقراءة سورة ( ﻻيﻼفِ قُرَيْشٍ 000 ) والدعاء بعدها 000 ، واﻷذان ) ( الغول بين الحديث النبوي والموروث الشعبي – باختصار - ص 111- 119 ) 0*
ذكره السبكي في " طبقات الشافعية الكبرى " : ( 3 / 303 – ط بيروت ) ونقله السخاوي في " اﻻبتهاج بأذكار المسافر والحاج " : ( ص 17 – 18 ) عن النووي ، لكنه قال : " ولم أقف على حديث في ذلك " 0
قلت : ﻻ يرى بأس بقراءة هذه السورة كما أفاد بذلك بعض أهل العلم اﻷجﻼء ، وهي سورة من سور القرآن العظيم يجوز أن يرقى بها كما يجوز أن يرقى بغيرها من السور ، ولكن دون تخصيصها عن غيرها أو اﻻعتقاد بها ، واﻷولى أن يرقى بالثابت المأثور عن الرسول والله تعالى أعلم 0*
قالت الباحثة حياة با أخضر : ( والصحابة - رضوان الله عليهم - وضحوا لنا أثر اﻷذان في دفع الشياطين ، فقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : ( إذا تغولت الغيﻼن فليؤذن ، فإن ذلك ﻻ يضره ) " أخرجه اﻹمام أحمد في مسنده – 3 / 305 ، 382 ، والنسائي في " الكبرى " - 6 / 236- كتاب عمل اليوم والليلة ( 226 ) - برقم ( 10791 ) ، والطبراني في اﻷوسط ، والهيثمي في" مجمع الزوائد " - 10 / 134 ، والحلبي في "ميزان اﻻعتدال" - برقم ( 6404 ) ، وعبدالرزاق في مصنفه - برقم ( 9352 ) ، والهندي في " كنز العمال " - برقم ( 17497 ) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " - برقم ( 517 ) ، وقال اﻷلباني حديث ضعيف ، أنظر ضعيف الجامع 436 ، السلسلة الضعيفة 1140 -أنظر السلسلة الصحيحة - 2 / 301 - قال ابن حجر في الفتح : أخرجه ابن أبي شيبة باسناد صحيح - فتح الباري - 6 / 344 " ) وبما أن السحر ذا التأثير الحقيقي يتم بمعاونة الشياطين ، فإن ما يذهب الشياطين يذهب أثر السحر ، لذا فﻼ بأس باستخدام اﻷذان ، عند من يعتقد ذلك ) ( موقف اﻹسﻼم من السحر – 2 / 701 ) 0
قال اﻷستاذ ولي زار بن شاهز الدين معقبا على حديث إذا كان جنح الليل 000 : ( ومثلما يتكاثر الجن ويتواجدون في هذه اﻷوقات فإنه يمنع انتشارهم في أوقات أخرى معلومة وربما يقيدون فيها عن الحركة فمن ذلك أنهم يهربون من اﻷذان وﻻ يطيقون سماعه ) ( الجن في القرآن والسنة – ص 93 ) 0*
وقال أيضا : ومما يدل أيضا على أن اﻷذان يطرد الشيطان ، ما ورد عن أبي رافع – رضي الله عنه – قال : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته أمه فاطمة – رضي الله عنها – أذان الصﻼة ) ( اﻹرواء 1173 ) رواه الترمذي وقال عنه : حديث حسن صحيح 0*
ولعل ذلك ﻷن الشيطان يحضر عند وﻻدة كل طفل وينخسه كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد غير عيسى ابن مريم ، ذهب يطعن فطعن الحجاب ) " أخرجه اﻹمام البخاري في صحيحه " ) ( الجن في القرآن والسنة – ص 316 ) 0*
قلت : بالنسبة للحديث اﻷول يﻼحظ أن النص قد اقتصر على أذان الصﻼة فقط لطرد الشيطان ، وقد وقفت على كﻼم لﻺمام النووي - رحمه الله- يقول فيه :
( وعن سهيل بن أبي صالح قال : أرسلني أبي إلى بني حارثة قال : ومعي غﻼم لنا أو صاحب لنا ، فناداه مناد من حائط – أي بستان - باسمه قال : وأشرف الذي معي على الحائط فلم ير شيئا فذكرت ذلك ﻷبي 0 فقال : لو شعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك ، ولكن إذا سمعت صوتا فناد بالصﻼة فإني سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن الشيطان إذا نودي بالصﻼة ولى وله حصاص0 رواه مسلم ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 4 ، 5 ، 6 / 70 ) 0*
وهذا يعني أن العلماء قد أطلقوا النص ولم يقيدوه بناء على فهمهم لمجموع هذه اﻷحاديث ، بمعنى أن اﻷذان يؤثر بشكل عام على الجن والشياطين فيتأذون منه ويفرون ويهربون ، وقد أشار إلى هذا المفهوم صراحة العﻼمة ابن حجر كما مر معنا آنفا والله تعالى أعلم 0*
وما يؤكد هذا الفهم أيضاً الحديث الذي رواه اﻹمام مسلم في صحيحه : عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن الشيطان إذا سمع النداء بالصﻼة أحال له ضراط حتى ﻻ يسمع صوته فإذا سكت رجع فوسوس فإذا سمع اﻹقامة ذهب حتى ﻻ يسمع صوته فإذا سكت رجع فوسوس )
( أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الصﻼة ( 16 ) - باب فضل اﻷذان وهرب الشيطان عند سماعه - برقم 389 )
والمﻼحظ من سياق الحديث آنف الذكر أن هروب الشيطان لم يعزى ﻷذان الصﻼة فحسب بل تعدى ذلك إلى اﻷذان بشكل عام حيث أن الشيطان ولى هاربا عند سماعه اﻹقامة ، ومن هنا فإن اللفظ يؤخذ بشكل عام دون تقييد ، وقد أشار إلى هذا المفهوم شيخ اﻹسﻼم ابن تيمية بقوله ( فإذا كان التأذين يطرد الشيطان ) كما ورد ذلك آنفاً ، وهذا يعني أن الشيطان يفر عند سماع اﻷذان والله تعالى أعلم 0*
وإن كان اﻷمر كذلك فمن باب أولى أن يعالج المصروع بهذه الوسيلة التي ثبت نفعها العظيم بإذن الله تعالى ، والتي ﻻ تخالف في مضمونها الشروط والقواعد واﻷسس الرئيسة للرقية الشرعية ، وعليه يمكن اﻻستناد إليها في مسائل الرقية والعﻼج واستخدام ذلك في عﻼج الحاﻻت المرضية التي تعاني من صرع اﻷرواح الخبيثة ، مع إيضاح بعض النقاط الهامة التالية :
أ )- إن اﻷذان ﻻ يتعارض بأي حال من اﻷحوال مع شروط الرقية الشرعية ومع الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اعرضوا علي رقاكم 000 ) 0*
ب)- لقد ثبت للمعالِجين من أهل الدراية والخبرة واﻻختصاص أن لﻸذان وقع وتأثير قوي بإذن الله تعالى ، وقد يكون سبب ذلك ما يتضمنه من دعوة للتوحيد وإخﻼص العبودية لله سبحانه وتعالى ، وقد أشار لذلك المفهوم البقاعي – رحمه الله تعالى 0*
ج )- وثبوت ذلك الفعل ونفعه لدى أهل الدراية والخبرة واﻻختصاص ، يؤكد ارتقاءه لكي يصبح سببا حسيا للعﻼج واﻻستشفاء بإذن الله تعالى ، والله أعلم 0*
د )- أما بالنسبة للحديث الثاني : ( إذا تغولت 000 ) ومع ضعفه إﻻ أن بعضا من أهل العلم قد حسنه ، وقد يستأنس في ذلك بما ورد عن شيخ اﻹسﻼم آنفا ، وكذلك صحة اﻷثر الوارد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كما ذكر ابن حجر في الفتح حيث قال :
( إن الغيﻼن ذكروا عند عمر فقال : إن أحدا ﻻ يستطيع أن يتحول عن صورته التي خلقه الله عليها ، ولكن لهم سحرة كسحرتكم ، فإذا رأيتم ذلك فأذنوا ) ( قال ابن حجر : أخرجه ابن أبي شيبة باسناد صحيح - 6 / 344 - أنظر لسان العرب - 11 / 508 ) 0
ومجموع تلك اﻷحاديث واﻵثار تؤكد أن الشياطين تكره اﻷذان وتفر منه ، وهي طبيعة وجبلة أهل الشر فهم يكرهون وينفرون من كل ما هو خير أو دعوة للحق ، وأي شيء أعظم من اﻷذان وكلماته التي تصدح خفاقة بكلمة التوحيد واﻹخﻼص لله سبحانه وتعالى ، خاصة أنه يعتبر من الرقية التي ﻻ تتعارض مع الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اعرضوا علي رقاكم 000 ) كما أشرت آنفا 0*
سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن جواز استخدام اﻷذان في الرقية والعﻼج ؟؟؟
فأجاب – حفظه الله - : ( قد ورد في الحديث الصحيح أن الشيطان يهرب عند سماع اﻷذان أو اﻹقامة واستحب كثير من السلف عند سماع أصوات الجن أو غشيان أماكن مجهولة ، فأرى من جملة العﻼج النافع سواء رفع به الراقي صوته أو خفضه ، كما أن شياطين الجن ومردتهم يهربون من ذكر الله وقراءة كﻼمه ، فكذلك استعمال اﻷذان في الرقية وعﻼج المرضى والله أعلم ) ( منهج الشرع في عﻼج المس والصرع ) 0*
مع اﻹشارة إلى أمر هام جدا وهو عدم تقييد اﻷذان بزمان أو مكان ، فﻼ يحدد قبل القراءة دوما ، أو أن يحدد بعد القراءة وهكذا ، ﻷن هذا التخصيص ﻻ يستند على أساس شرعي ، وقد يفضي إلى ما هو شر منه ، ويزرع اﻻعتقاد عند الناس بهذه الكيفيات ، كما يجب أن يوضح للمريض أن استخدام هذا اﻷسلوب يعتبر من اﻷسباب الحسية الداعية للشفاء بإذن الله تعالى 0
ومن هنا يتضح أن اﻵذان رقية واستشفاء كما أنه نافع بإذن الله عز وجل في طرد الجن والشياطين حتى لو كانوا متلبسين باﻹنس ، وهذا متواتر معروف عند أثبات المعالجين ، بارك الله فيكم أخي الحبيب ( سنرهب عدو الله ) وحياكم الله وبياكم مرة ثانية في منتداكم ( منتدى الرقية الشرعية ) 0
زادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسﻼمة والعافية :
*