النقطة الثانية أيها الإخوة في هذه الآية، أن الله عزَّ وجل ما قال: لا تأكلوا أموال إخوانكم، ما قال: لا تأكلوا أموال المسلمين، ما قال: لا تأكلوا أموال المؤمنين، ما قال: لا تأكلوا أموال الآخرين، بل قال:
﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ﴾
( سورة البقرة: من آية " 188 " )
يعني أنا ماذا فعلت لو أنني أخذت مائة ليرة من هذه الجيبة ووضعتها في هذه الجيبة ؟!! ما فعلت شيئاً، ليس هذا هو المقصود، المعنى هو أن مالك هو مال أخيك، وأن مال أخيك هو مالك، مال أخيك مالك من زاويةٍ رائعة، أي من زاويةٍ واحدة أن تحافظ عليه وكأنه مالك، إذا قلت: إن مال أخيك هو مالك، من زاوية الحفاظ عليه، كما لو أنك أعرت مركبة لإنسان يعز عليك وخفت أن يسيء استخدامها، فقلت له: اعتبرها سيارتك، إذا قلنا: مال أخيك هو مالك. بمعنى أن تجتهد في الحفاظ عليه وكأنه مالك، فلأن تمتنع عن أكله بالحرام من باب أولى.
الآن، مالك مال أخيك، كيف ؟ أي أن هذا المال الذي وهبك الله إياه ينبغي أن يُنْفَق في وجوهٍ تنفع المسلمين، أنت ما لك حر، أنا درست وجدت أن أربح شيء أعمل ملهى، هذا خطأ كبير، وقد تكون أرباحه طائلة، ولكن هذا الملهى لا ينفع المسلمين، بل يفسد أخلاق شباب المسلمين، يصرف المسلمين عن الجنة والآخرة، ويحببهم في الدنيا، يشجعهم على الحرام، وأكل المال الحرام، وشرب الخمر، فمالك مال الناس من زاويةٍ ثانية، ينبغي أن تنفقه في مصالح المسلمين، وليس لك حريةٌ أن تنفقه كما تشاء. مال أخيك مالك من زاوية أن تحافظ عليه، ومالك مال أخيك من زاوية أن تنفقه في مصالح المسلمين العامة.
يعني بشكل أو بآخر، لو معك أموال، ووجدت أن استثمارها في بلاد الغرب أعود عليك بالفائدة، أنت ماذا فعلت ؟ قوَّيت أعداء المسلمين وأضعفت المسلمين.
إذاً مالك مال أخيك من زاوية أنه ينبغي أن تنفقه ليتقوى به المسلمون، ولينتفع به المسلمون، وليعود على المسلمين بالنفع والخير، تقول لي: أنا حر، لا ليس بحر، وهذا عبَّر عنه الفقهاء بكلمة: السلوك التعسفي، أنا اشتريت مادة غذائية أساسية، ومنعت بيعها كي يرتفع ثمنها، فأنا محتكر، لو قال المحتكر: أخي هذه بضاعتي أفعل بها ما أشاء، أريد ألا أبيعها، لا، أنت بهذا تحاسب، هذا سوء استخدام هذه الحرية..
﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾
أحياناً بشكلٍ أو بآخر قد يكون القانون إلى جانبك، أكثر شيء واضح في هذا الإيجار، القانون يحمي المستأجر الذي عقده قبل عام السبعين، لكن إذا القانون يحميك، والقاضي يحكم بالقانون، فهل من الممكن تسكن في بيت ثمنه اثنا عشر مليون وبمائة ليرة في الشهر ؟ ممكن وأنت مرتاح، فهنا لو أدليت بهذه القضية إلى الحكام، وانتزعت منهم حكماً لصالحك، لا تنجو من عذاب الله، حُكم القضاة لا يغيِّر الحق، أكثر الناس يقول لك: أنا معي حكم، هذا الحكم لا ينفعك في القبر، قد ينفعك في الدنيا أما في القبر لا ينفعك ، فلو أن الحق مع خصمك، وانتزعته أنت منه بحكم قاضٍ، حكم القاضي لا يغيِّر الحق، ولا يجعل الحق باطلاً، الحق قديم، والحق مستمر، وأحكام القضاء لا تُلغي الحق، لذلك:
﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ﴾