
فى قول الله تعالى (فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم )
أى فإن تركوا القتال فى الحرم وأنابوا إلى الإسلام والتوبة فإن الله يغفر ذنوبهم ولو كانوا قد قتلوا المسلمين فى حرم الله فإنه تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب منه إليه ...

وفى قوله تعالى ( وقـــتلوهم حتى لا تكون فتنة
ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدون إلا على الظـــلمين)
ثم أمر تعالى بقتال الكفار (حتى لا تكون فتنة) أى شرك قاله ابن عباس وغيره , (ويكون الدين لله )
أى يكون دين الله هو الظاهر العالى على سائر الأديان كما ثبت فى الصحيحين عن أبى موسى الأشعرى قال : سُئل النبى (صلى الله عليه وسلم) عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أى ذلك فى سبيل الله ؟, فقال " من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله"
وقوله تعالى (فإن انتهوا فلا عدون إلا على الظـــلمين )
يقول تعالى فإن انتهوا عما هم فيه من الشرك وقتال المؤمنين فكفوا عنهم فإن من قاتلهم بعد ذلك فهو ظالم ولا عدوان إلا على الظالمين ,
وهذا معنى قول مجاهد أن لا يقاتل إلا من قاتل أو يكون تقديره فإن انتهوا فقد تخلصوا من الظلم وهو الشرك فلا عدوان عليهم بعد ذلك ,
والمراد بالعدوان هاهنا المعاقبة والمقاتلة , كقوله تعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)
وقوله تعالى (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به )
ولهذا قال عكرمة الظالم الذى أبى أن يقول لا إله إلا الله
وقال البخارى فى قوله تعالى " وقـــتلوهم حتى لاتكون فتنة "
حدثنا محمد بن بشار عن نافع عن ابن عمر قال أتاه رجلان فى فتنة ابن الزبير فقالا : إن الناس ضيعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبى " صلى الله عليه وسلم"فمايمنعك أن تخرج ؟
فقال : يمنعنى أن الله حرم دم أخى , قالا : ألم يقل الله
" وقـــتلوهم حتى لا تكون فتنة " ؟ فقال : قاتلنا حتى لم تكن فتنة وحتى يكون الدين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة وحتى يكون الدين لغير الله ,
وكذلك قال عثمان بن عفان عندما حاوروه فى القتال فأجابهم وقال : فعلنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وكان الإسلام قليلا فكان الرجل يُفتن فى دينه إما قتلوه أو عذبوه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة ..

وفى قوله تعالى (الشهر الحرام بالشهر الحرام فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين)
قال عكرمة عن ابن عباس لما سار رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
معتمرا فى سنة ست من الهجرة وحبسه المشركون عن الدخول والوصول إلى البيت وصدوه بمن معه من المسلمين فى ذى القعدة وهو شهر حرام حتى قاضاهم على الدخول من قابل فدخلها فى السنة الأتية هو ومن كان من المسلمين أقصه الله منهم فنزلت فى ذلك هذه الأية (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمـــت قصاص)
وعن أبى الزبير عن جابر بن عبد الله قال : لم يكن رسول الله " صلى الله عليه وسلم " يغزو فى الشهر الحرام إلا أن يُغزى أو يُغزوا إذا حضره أقام حتى ينسلخ , وهذا اسناد صحيح
وفى قوله تعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) أمر بالعدل حتى فى المشركين ,
وقال ابن عباس , أن هذه الأية نزلت بمكة حيث لا شوكة ولا جهاد ثم نسخ بآية القتال بالمدينة ,
وقد رد هذا القول ابن جرير وقال : بل الأية مدنية بعد عمرة القضية وعزا ذلك إلى مجاهد رحمه الله , والله تعالى أعلى وأعلم ..
ولهذا لما بلغ النبى (صلى الله عليه وسلم) وهو مخيم بالحديبية أن عثمان قُتل وكان قد بعثه فى رسالة إلى المشركين بايع أصحابه وكانوا ألفا وأربعمائة تحت الشجرة على قتال المشركين فلما بلغه أن عثمان لم يُقتل كف عن ذلك وجنح إلى المسالمة والمصالحة فكان ما كان ..
وقوله تعالى (واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين) أمر لهم بطاعة الله وتقواه وإخبار بأنه تعالى مع الذين اتقوا بالنصر والتأييد فى الدنيا والأخرة ..
