
فى قول الله تعالى (قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغفل عما يعملون )
قال على بن أبى طلحة عن ابن عباس : أن أول ما نسخ من القرأن القبلة
وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لما هاجر الى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود , أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها رسول
الله (صلى الله عليه وسلم) بضعة عشر شهرا , وكان يحب قبلة سيدنا ابراهيم فكان يدعو الى الله وينظر الى السماء فأنزل الله تعالى قوله
(قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضها فول وجهك شطر
المسجد الحرام )
فقد أمر الله تعالى باستقبال الكعبة من جميع جهات الأرض شرقا وغربا وشمالا وجنوبا , ولا يستثنى من هذا شىء سوى النافلة , فى حال السفر
فإنه يصليها حيثما توجه قالبه وقلبه نحو الكعبة ,
وإن الذين أوتوا الكتاب يعلمون أنه هذا هو الحق , والله لا يغفل عما يعملون

فى قول الله تعالى ( ولئن أتيت الذين أوتوا الكتب بكل ءاية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظلمين )
يخبر الله تعالى عن كفر اليهود وعنادهم ومخالفتهم ما يعرفونه من شأن
رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأنه لو أقام عليهم كل دليل على صحة
ما جاءهم به لما اتبعوه وتركوا أهواءهم , ولهذا قال تعالى هاهنا
(ولئن أتيت الذين أوتوا الكتب بكل ءاية ما تبعوا قبلتك)
وقوله تعالى (وما أنت بتابع قبلتهم) إخبار عن شدة متابعة الرسول (صلى الله عليه وسلم) لما أمره الله تعالى به وأنه كما هم مستمسكون بآرائهم
وأهوائهم فهو أيضا مستمسك بأمر الله , وطاعته واتباع مرضاته ,
وأنه لا يتبع أهواءهم فى جميع أحواله , ولا كونه متوجها إلى بيت المقدس
لكونها قبلة اليهود , وإنما ذلك عن أمر الله تعالى , ثم حذر تعالى عن
مخالفة الحق الذى يعلمه العالم , ولهذا قال تعالى مخاطبا الرسول وانما المراد الأمة قوله تعالى (ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظلمين)
وفى قوله تعالى ( الذين ءاتينهم الكتب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون)
يخبر الله تعالى أن العلماء من أهل الكتاب يعرفون صحة ما جاءهم به
الرسول (صلى الله عليه وسلم) كما يعرف أحدهم ولده
والعرب كانت تضرب المثل فى صحة الشىء بهذا كما جاء فى الحديث
أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لرجل معه صغير " ابنك هذا ,
قال نعم يا رسول الله أشهد به قال " أما انه لا يخفى عليك ولا تخفى عليه "
والمراد أنهم يعرفون هذا الدين كما يعرفون أبناءهم من بين الناس , لا يشك أحد ,
ثم أخبر تعالى أنهم مع هذا التحقق والاتقان ,
(ليكتمون الحق) أى ليكتمون الناس ما فى كتبهم من صفة النبى
(صلى الله عليه وسلم) وهم يعلمون ...
