.
.
أسى الهجران/ الجزء التاسع والتسعون
واشنطن
صباحا
بيت يوسف
كانت ليلة قاسية على باكينام.. لم تستطع النوم إلا بعد صلاة الفجر
كانت تعاني من أرق مزعج سبّب لها صداعا أشد إزعاجا
وتناولت الكثير من المسكنات وبشكل مبالغ فيه وبدون فائدة
حلمت بعشرات الأحلام وكان نومها متقطعا حينا وعميقا حينا آخر
هاهي تفتح عينيها وتغلقها و تشعر بالدوار المختلط بالهلوسات حتى وهي متمددة
عيناها تعاودان الانغلاق وهي تشعر بالنعاس مرة أخرى
كانت تحلم بيوسف
كم اشتاقت له.. باتت تحلم به كثيرا مؤخرا.. بل تكاد لا تحلم بشيء سواه
وهاهي تحلم أنه معها في الغرفة..
تحلم أنها تتمدد على السرير
وتراه يفتح الدواليب وكأنه يبحث عن شيء معين بهدوء خافت وكأنه لا يريد إزعاجها
تهمس له برقة دافئة: يوسف
فينتفض بخفة وهو يهمس لها: صحيتك؟؟
تمد يدها له وهي تهمس برقة مصفاة: لا.. أنا نايمة ماصحيتش
ابتسم لها: حلوة دي
عاودت مد يدها وهي تهمس بخفوت: تعالى حبيبي.. اديني ايدك
انتفض حينها بعنف شديد كما لو كان لسعه تيار كهربائي بالغ القوة وهو يهمس بصدمة موجعة كاسحة: حبيبي؟؟ (نطقها وهو يشدد على كل حرف بوجع)
ابتسمت باكينام بشفافية: آه حبيبي.. تعالى جنبي
يقترب بتوتر بالغ ويجلس جوارها ويعطيها يده.. تأخذ كفه وتضعها تحت خدها ثم تهمس بعذوبة: وحشتني حبيبي.. أهون عليك تسبيني كل ده
يوسف بصدمة حقيقية وعيناه تتسعان: باكينام أنا يوسف
باكينام تبتسم بذات الشفافية: حد يتوه عن ئلبه.. عارفة إنك يوسف.. دي الدنيا كلها مافيهاش رجالة غير يوسف جوزي وحبيبي
يوسف تزداد عيناه اتساعا: باكينام أنتي ماكله إيه؟؟
باكينام برقة: ماكلتش حاجة.. أنا باحلم بس.. باحلم بيك كل ليلة
بس النهاردة الحلم حلو آوي.. خليك جنبي شوية يائلبي
وحشتني خالص..
قالتها وهي تستخرج يده من تحت خدها وترفعها لشفتيها وهي تقبل كل إصبع من أصابعه بعمق واشتياق وهلوساتها تزداد غرابة
حينها بدأت يد يوسف بالارتعاش.. كان عاجزا عن التصديق ومشاعره بدأت تخونه
فباكينام العتيدة ذات الكبرياء العتيد المتأصل لم تكن تحلم.. وهذا الجالس إلى جوارها ليس طيف يوسف.. بل هو يوسف فعلا
يوسف كان في حاجة إلى طقم لباس رسمي يحضر به اجتماعا للجنة المناقشة
لذا حضر في وقت مبكر ليختار له طقما لأنه لم يأخذ معه سوى ملابس قليلة
دخل بحذر
وجد باكينام ماتزال نائمة تغلفها عذوبتها التي لطالما آسرته.. وهو يتذكر أنه كان يقضي معظم الليالي التي قضاها معها في تأملها وهي نائمة
دون أن يشعر بتحفزها أو عنادها.. ويراها سحرا خالصا يستغرق في نوم سماوي
وهاهو يمارس عادته التي اشتاق لها
قضى عدة دقائق وهو يتأملها وألم اشتياقه لها يعتصر شرايين قلبه بقوة
ولكنه انتزع نفسه من أفكاره وهو يحاول نفض تأثره العميق بها
ليبحث بين أطقمه عن طقم مناسب ليخرج بسرعة
ولكنه ما أن بدأ بالبحث حتى سمع صوتها الناعم يناديه بعذوبة
انتفض بخفة.. لم يكن يريد أن يوقظها ليبدآن نهارهما بمعركة هو في غنى عنها اليوم بالذات
بدت له آسرة وموجعة وهي تفتح عينيها بخفة وتنادي اسمه بأرق طريقة سمعها في حياته..
لم يتخيل أن اسمه بهذه الجمال حتى سمعه بنبرتها التي كانت موغلة في الدفء والعذوبة
ثم أصابته بصدمة أكثر وجعا وبعدا عن التصديق وهي تهمس له بـ "حبيبي"
اعتقد أنها تهلوس.. وتمنى بكل الألم ألا تكون..
كان لكلمة "حبيبي" من بين شفتيها سحرا لم يتخيله موجودا في كل هذا العالم
( أ حقا قالت لي: حبيبي؟!!
وحقا هل أكون يوما حبيبها؟!!
يا لروعة الكلمة من بين شفتيها
أتمنى سماعها بعد.. مرة أخرى بعد
حتى وإن كانت تهلوس
لا تحرمني يا آلهي استمتاعي بهلوساتها)
ولكنه لم يسمعها مرة أخرى فقط بل سمع ماهو أكثر عجبا.. غزلا دافئا رائقا
كلمات حب لم يتخيل أنها في قاموس هذه المغرورة المتكبرة
أما مالم يحتمله مطلقا فهو ملمس يديها ثم قبلاتها تعانق أنامله
بدأ يرتعش غصبا عنها
هو بكل قوته وجَلَده لم يحتمل رقة كلماتها ثم رقة شفتيها على خشونة يديه
حينها أمسك بيدها هو ورفعها لشفتيه ليغمرها بالكثير من قبلاته
وهو يهمس لها بين كل قبلة والأخرى "بحبك"
باكينام كانت تنظر له بشجن ووله عميق وهذا الحلم المشحون بالهلوسات بدا لها أكثر من رائع
ولكن يديه الدافئتين اللتين تحتضنان يدها ثم شفتيه المرتعشتين على بشرة يدها
ثم دفء همساته العميقة الموجعة
بدت أكثر دفئا وصدقا من أن تكون حلما
حينها ارتفع الادرنالين عند باكينام لحده الأقصى لتزول كل أشباح الهلوسات بشكل كامل وصادم لها بشكل مرعب
(أنا كنت بأهبب إيه؟!!)
انتفضت وهي تجلس وتنتزع يدها من بين يديه وتهمس بغضب وهي تريد قلب الطاولة عليه: انته بتعمل إيه؟؟
يوسف يرفع حاجبا وينزل حاجبا: أنا وإلا أنتي؟؟
باكينام بحرج وتوتر: أنا كنت نايمة ومش فاكرة حاجة
يوسف يبتسم نصف ابتسامة: والله؟؟ نايمة؟؟
طيب مش هأعطلك.. ارجعي نامي
أنا جاي أخد لي بدلة عشان اجتماع لجنة المنائشة.. وهامشي
نامي ياحبيبي نامي (قالها وهو يرص على كلمة حبيبي)
باكينام لم تستطع أن ترد عليه بكلمة وهي تبتلع لسانها حرجا موجعا
كانت تعبث بطرف المفرش وهي تتمنى لو تنشق الأرض لتبتلعها
وهي تراه ينتقي الطقم
ثم يلقي عليها التحية ويغادر
وابتسامة شاسعة.. شاسعة جدا ترتسم على وجهه
ابتسامة نصر حقيقي
(لم ترد!!
لم ترد!!
صمتت
أيعقل؟؟
أيعقل؟؟)
***************************
الدوحة
بيت محمد بن مشعل
مجلس الحريم
الساعة العاشرة مساء
البنات ارتدين عباءاتهن وتغطين عدا مشاعل لأنها أساسا شديدة الخجل فهي توجهت للبقاء مع المدعوات المتواجدات في الحديقة خلف البيت
بينما من بقي مع مريم هن لطيفة وموضي والعنود وأم مشعل بن محمد وأم فارس
وبعضا من قريباتهن اللاتي كن قادمات للسلام على مريم
وحين جاءت الزفة التففن بعباءاتهن وجلسن في الزواية
العنود كانت ملاصقة لمريم ودموعها بدأت بالانسكاب وهي تمسك بكف مريم
ومريم عرفت أنها تبكي من صوت النشيج الخافت وهي تحاول التماسك...
فهمست لها بحنو: أنا عارفة إنه المفروض أنا أبكي وأنتي تهديني مهوب العكس
العنود احتضنت كف مريم قريبا من قلبها وهي تهمس من بين شهقاتها: مايهون علي فراقش
مريم بحنان: بس يا الهبلة.. أنا بهاجر يعني.. لطيفة تقول لي بيت سعد ورا بيتنا بشارعين بس
مازالت العنود تحتضن كف مريم.. فسمعا صوت أعيرة نارية تُطلق في الهواء من مكان قريب يبدو كما لو كان من باحة البيت الأمامية
حينها تصلبت أصابع مريم على كف العنود.. فهمست العنود بابتسامة دامعة: لا خلاص فكيني..
مريم أفلتت يد العنود وهي تقرأ آيات من القرآن الكريم والكثير من الأذكار
العنود ابتعدت وجلست جوار موضي
بينما لطيفة اقتربت بسرعة من مريم وهي توقفها ثم تتأكد من شكلها وتهمس في أذنها و تعود بذات السرعة لتجلس بجوار موضي من الناحية الثانية
ليدخل في ذات الوقت سعد يتوسط محمد وعبدالله ومشعل وناصر
ويقتربون بخطوات ثابتة حتى وصلوا لمريم يحيط بهم جميعا ألق رجولي خاص
سعد حينما دخل كان يلفه توتر ما.. ليس شابا صغيرا.. وليست المرة الأولى التي يتزوج فيها ليشعر بكل هذا التوتر
ولكن الاختلاف كان في العروس.. كيف هي عروسه الضريرة؟!!
قِيل له أنه جميلة.. وهو فعلا لا يهمه الجمال مطلقا
ولكن يهمه روحها التي آسرته..أسرته حتى النخاع
الأسر الذي أثار تخوفه فيما بعد
هل تهور في خطبتها؟؟ هل استعجل؟؟ هل هي من تصلح له ولظروفه؟!!
هاهي عيناه تقتنصان البهاء الأبيض
ليتنهد بعمق وترتعش أعماقه.. وهو يتيقن أن أسره هو أسر أبدي سرمدي
تقدم ناحيتها وهي تقف بثبات خجول متوتر
عيناه تطوفان بها
(هل هذه مخلوقة حقيقية أم حورية سماوية؟!!
هل توجد امرأة بهذا الجمال الرقيق
تبدو كما لو كانت تشع.. تشع بكل معنى الكلمة
كما لو كانت محاطة بهالة من نور
تبدو كما لو كنت سأرى ماخلفها لشدة صفائها
وكأنها مخلوق زجاجي كرستالي شفاف موجع في شفافيته وروعته)
كانت مريم تحاول الوقوف بثقة وهي تشتم رائحة خليط من عطور رجالية عرفت أربعة منها.. وخامس مجهول
كانت تقف في فستانها الحريري الأبيض الناصع البياض كأنها حمامة بيضاء تستعد للطيران
كان الحرير مزموما عند صدرها برشات من الكريستال
ليتسع بنعومة في الأسفل
ويبدو على قامة مريم الطويلة شيئا خياليا في أناقته
الكمان مزمومان بطريقة مبتكرة مختلفة الأطوال ونقوش الحناء تزين الظاهر من يديها
لم ترتدِ طرحة ولكن شعرها المتوسط الطول في لفاته اللولبية كان مزينا بمشابك كرستالية موزعة بطريقة أنيقة
كان سعد يتمعن في كل تفاصيلها وهو يحاول جاهدا ألا يعاود النظر لوجهها
لأنه شعر أنه على وشك أن يسكر فعلا من ملامحها المسكرة في رقتها
استدارة وجهها.. عنقها الطويل
أنفها الناعم.. شفتاها الذائبتان فتنة أجبرته على الارتعاش
حتى عينيها الخاليتين من الحياة بدت له مشبعة بالسحر وهما تتسربلان بروح حياة مختلفة
امتدت اختلافها من روح مريم المختلفة التي أضفت على كل شيء ألقا مختلفا ومبهرا
شعر بروحها تناجي روحه فعلا وهو يقترب منها بخطوات هادئة
ليصلها ويطبع على جبينها قبلة دافئة
حينها انتفضت مريم بعنف وهي تتعرف على شفتين مختلفتين ورائحة مختلفة
همس لها بعمق: مبروك
لم تستطع الرد
حينها اقترب منها والدها واحتضنها بحنو وهمس لها بحنان مصفى: مبروك يأبيش
ثم التفت لسعد وهمس له بتأثر: ما أوصيك فيها يابوفيصل ترا مريم غالية غالية..
ابتسم سعد رد عليه بنخوة: في عيوني مايحتاج توصيني
مريم شعرت بالاختناق وهي تشعر بعبراتها تخنقها وهي تعاود الارتماء في حضن والدها.. أعاد والدها احتضانها وأطال
حتى همس لها عبدالله بابتسامة: وخر يامحمد خلني أسلم على بنتي
سلم عليها عمها بحنان شاسع.. وهو يعرف تماما شعورها وشعور محمد فهو زوج ثلاثا من بناته
ويعرف تماما قيمة مريم عند والدها وعندهم جميعا
همس لها عبدالله بحنان: مبروك يا بنتي.. وترا سعد رجّال مافيه مثله
وإن شاء الله إنش ما تضامين في بيته
كانت ترد عليهم بعبارات خجولة هادئة
جاء دور مشعل.. شقيقها الأقرب لها في السن والروح
احتضنها بخفة وحنان عميق ثم همس في أذنها: حسيتي بملمس المجند؟؟
اليوم لبست المجند (قالها وهو يتناول كفها ليجعلها تتحسس الحزام)
مثل ماقلت لش يوم كنا بزران.. إني ما ألبس المجند إلا في عرسش أنتي وبس
حينها أسندت رأسها لكتف مشعل وبكت بخفوت فتأثرها بلغ أقصاه
حينها شد ناصر مشعلا وهمس بمرح: لا تخربين المكياج ما بعد شافش سعد عدل
بيبكي علينا الحين
قالها وهو يقبل جبينها ثم همس لها: مبروك يا شيخة آل مشعل.. مبروك
موضي تهمس للطيفة في أذنها: وش عنده رجالش على المجند؟؟طالع شكله غيييييييير.. المجند الأسود مع بياض غترته وثوبه ورزته شيء خيال
ماتشوفين النسوان بياكلونه بعيونهم.. جعل عيونهم البط.. الله وأكبر عليهم
لطيفة بهدوء: من جدش شايفته غير؟؟
موضي باستغراب: ليه أنتي ماعندش عيون؟؟
لطيفة بذات الهدوء: عيوني تشوفه عادي
موضي تبتسم لها وتهمس: أنتي دايما تقولين إني أم عيون.. لا تخافين ماني بناظلته.. تبين توخرين العيون عنه تقولين عادي.. لا مهوب عادي.. موتي حرة
يجنن ويطير العقل بعد
لطيفة صمتت.. لا تريد أن تُشعر موضي بشيء
لأنها كانت ترى مشعلا بدون أي مشاعر خاصة
مثله مثل أي شخص آخر
بلا إحساس خاص
أو شعور خاص
أو أي شيء
إطـــــلاقــــا!!!
"أحقا يا لطيفة ترينه كما ترين الآخرين؟!!
أحقا؟!!"
أم فارس اقتربت من سعد وسلمت عليه بسعادة غامرة.. ولكن يشوبها شيء غامض من الحزن
سعيدة وهي ترى الفرحة في عيني سعد بعروسه الجميلة
نعم هي لم تخبر سعد بمقدار جمالها ولكنها أخبرته أنها جميلة بدون تفصيل لأنها لا تريده أن يتولع بها
لأنها كانت تتمنى في داخلها وحتى اللحظة الأخيرة أن سعد قد يتراجع عن فكرة الزواج
(فما فائدة الجمال لضريرة؟؟ هل سيقوم مقام عينيها؟!!)
وأم فارس مثلت شريحة من تفكير كثير ممكن كانوا يرون مريم.. وإذا كانت أم فارس لا تصرح بهذا الرأي
فغيرها صرّح ووصل رأيه لمريم حتى
(ماذا ستفعل هذه الضريرة بكل هذا الجمال؟؟
مادامت لا تراه
ويستحيل أن تتزوج
وإن تزوجت ستتزوج ضريرا مثلها
فما ستسفيد بهذا الجمال الضائع هباء؟؟ أ ليس غيرها أولى به؟؟)
لم يراعوا مطلقا مشاعرها.. وكأنهم استكثروا عليها أن يمن الله عليها بالجمال بعد أن اختبرها الله بأخذه نور العينين
رغم أن مريم وفقا لمقياس الجمال الموضوعي لم تكن بذلك الجمال المبهر..
ومع ذلك هناك من استكثر عليها جمالها الطبيعي..
استكثر عليها أن يعوضها الله بجمال لا تراه لأنها لا حاجة لها به من وجهة نظرهم..
وكأنهم كما يقول المثل الشعبي "يحسدون الفقير على موتة يوم الجمعة!!"
وكأن من ابتلاه ربنا بإعاقة لا بد أن يُحرم من كل شيء!!
ألا يعلمون أن الله أرحم بعباده منهم على أنفسهم.. وأنه ما أخذ من عبده شيئا إلا عوضه خيرا منه.. في الدنيا أو يدخرها له في الآخرة.
والصفة التي كانت تتميز بها مريم فعلا هو صفاء بشرتها وشفافيتها وكأن صفاء روحها انعكس على شكلها
سعد همس لأم فارس أن تلبس مريم عباءتها ليذهب بها لبيته
ولطيفة كانت قد جهزت لها كل شيء
لذا تناولت أم فارس العباءة وساعدت مريم على لبسها بدون أن تفسد شعرها أو مكياجها
وخصوصا أن المسافة قريبة جدا
السيارة تنتظر عند باب الصالة الرئيسية مباشرة ثم ستنزل في باحة بيت سعد
سعد تناول كف مريم.. شعر كما لو أن يدها ستذوب في يده من شدة نعومتها..
مازال يذكر المرة الوحيدة التي رآها فيها.. لم ير شيئا سوى يدها التي انبهر بصفائها ونعومتها من بعيد
فكيف وهي تسكن يده الآن.. ويده تحتوي نعومتها المصفاة
شعر بيدها ترتعش بعنف بين أنامله.. همس لها بحنان رجولي عميق: لا تخافين
همست مريم بوجع: تكفى لا تطيحني
شعر سعد بألم عميق.. أن تكون الجملة الأولى التي تقولها له خوفا من السقوط وهي تجسد مأساة عماها بوضوح أمامه
كان مشعل هو من سيأخذ سعد ومريم بسيارته
وأم فارس ستتبعهم مع سائقها الذي ينتظرها في الخارج لتتأكد من وضع مريم قبل أن تعود لبيت محمد بن مشعل مرة أخرى
خرج سعد وهو يقود مريم بحذر بينما توجه الآخرين للمجلس
والعنود حينها توجهت لأم فارس وهمست باحترام: يمه بتروحين مع مريم؟؟
أم فارس بمودة: إيه يأمش
العنود بحذر: من اللي بيوديش
أم فارس بعفوية: سواقي واقف برا
تنهدت العنود براحة: زين بأروح معش.. ممكن؟؟
أم فارس بود: أكيد يأمش.. يالله
الجميع خرجوا
سعد مازال لا يعرف كيف يقودها بالطريقة الصحيحة
كان يمشي بها ببطء حتى وصلا لسيارة مشعل وفتح لها الباب
دخلت للسيارة بصورة طبيعية
وحين تأكد سعد من جلوسها أغلق الباب وتوجه للباب الآخر وجلس جوارها
همس مشعل بمرح: أنت يأخ أنت تعال اقعد جنبي تراني ماني بسواقكم
سعد بمرح مشابه: مهوب حولي.. مكاني جنب المدام.. ماتبي تسوق فينا؟؟
حول وخل سواق بيت فارس يودينا.. هذا هو واقف عقب ماطرده فارس من السيارة
مشعل يبتسم: خلاص بأعديها لك عشان خاطر مريم.. أنا سواق مريم.. لكن أنت تخسى
أم فارس توجهت لسيارتها بشكل مباشر والعنود تتبعها
أم فارس تلبس نقابها لذا ترى بوضوح.. ولكن العنود كانت تغطي وجهها بطبقتين من الشيلة حتى لا تفسد مكياجها وشعرها
لذا كانت لا ترى سوى خيالات وهي تتبع أم فارس
ركبتا كلتاهما
فور ركوبها سمعت آخر صوت تتمنى سماعه وأكثر صوت تتمنى سماعه
كان يستعد للتحرك وهو يهمس بحزم بصوته الخشن العميق: يمه أشلون تبين تروحين مع السواق بروحش مامعش حد من الخدامات
أنا كنت جاي مع خالي سعد باوصله للباب وبارجع
ويوم شفت السواق ينتظرش وهو مامعه حد... قلت له ينزل
أم فارس صُدمت وهي ترى فارس من يقود السيارة.. لم تعرف ماذا تقول
ولكن غيرها تجاوز الصدمة للتصرف
العنود فتحت الباب رغم أن السيارة كانت على وشك التحرك
حينها انتبه فارس للمخلوق الآخر الجالس جوار أمه وخلفه مباشره.. وعرفه... تصاعدت دقات قلبه بشكل هستيري وهو يراها قريبة منه هكذا
أوقف السيارة بشكل حاد.. كانا مازالا في باحة بيت محمد
نزل فارس وهو يرجع لناحية باب العنود التي كانت فتحت الباب وعلى وشك النزول والهرب
همس لها بغضب ناري وهو يفتح الباب على اتساعه ويقف في مدى انفتاحه: أنتي مجنونة؟؟ تبين تنزلين والسيارة تمشي؟؟
العنود لم ترد عليه وهي تنزل لم تكن تريد الانتظار أو البقاء معه في ذات المكان لدقيقة إضافية بعد
فهي منذ المرة الأخيرة التي رأته فيها وهي تخشى أن تنهار في حضرته
ولكنه كان يسد الباب بجسده الضخم
لم تهتم وهي تنزل فعليا ليلتصق صدرها بجسده وهي تهمس بصوت مبهور الأنفاس: وخر خلني أروح
لم يتحرك..
عاجز عن التحرك.. كأنه مقيد للجسد اللين الغض الملتصق به
رأسها تحت ذقنه ورائحة عطر شعرها تسللت لأنفه لتثير مشاعره المنهكة بعنف
العنود باتت عاجزة عن التنفس وهي تشعر أنه سيغمى عليها فعليا
وآخر ما تريده أن يغمى عليها بين يدي فارس
وضعت كفيها في منتصف صدره ودفعته.. شعرت كما لو كانت تدفع حائطا لا يتزحزح
همست بجزع: تكفى فارس وخر.. وخر.. طالبتك وخر.. وخر
فارس استجاب آليا لها وهو يتنحى جانبا.. لتركض هاربة وهي تتعثر في خطواتها عائدة للداخل
فارس عاد لمكان السائق وهو يعتصم بالصمت وشعور حزن عميق يتسلل لروحه ويُضاف لأحزانه
لهذه الدرجة لا تريد رؤيته ولا تريد قربه!!
تهرب منه كما لو كانت تهرب من وباء معدٍ
أي تعقيدات باتت تتشابك بينهما؟!!
كل يوم يحلم أنها هذه الليلة ستنام في حضنه
ليجد في اليوم التالي أن الحلم أصبح أبعد وأبعد
****************************