سيدتي
ألتمس الأعذار لمن يرى الظلم ويعاني منه, وتغيب أو تتأخر عدالة الله سبحانه وتعالى ـ لحكمة يعرفها ـ عن أنظار العباد.. ولكن عندما يأتي عقاب الله وإنتقامه من الظالم أمام عيني المظلوم وفي حياته, أتساءل كيف لهذا المظلوم أن ينقلب إلى ظالم غافلا عن عدالة الخالق العظيم الذي يمهل ولا يهمل.
سيدتي.. من يقرأ الجزء الأكبر من رسالتك, لابد أن يغضب ويتألم ويطالب بالقصاص من مثل هذا الأب, ومن يقرأ الجزء الأخير, لابد أن يتمهل ويعيد النظر إلى الصورة مكتملة قبل أن يصدر حكمه بدون قسوة أو اندفاع عاطفي.
أعتقد أنك لست في حاجة الآن للتعبير عن الرفض الكامل لسلوكيات والدك قبل فقدانه لذاكرته..فمهما كانت الكلمات فلن تعبر عن الألم والمهانة التي تعرضتم لها جميعا من سلوكيات هذا الأب, والذي لولا نهايته, لكان الكلام فيها لا ينتهي, فما فعله بعيد عن الإنسانية كل البعد, وليس فقط بعيدا عن الأبوة.
ستقولين إنه الماضي الذي يعيش فيكن حتى الآن, ولكن الآن ليس أمامك إلا التعامل مع الحاضر من أجل المستقبل, فالعيش في الماضي لن يزيدكن إلا ألما.
فعندما تصلني رسالة غاضبة من ابن لسوء سلوك أو رعاية أحد والديه, تطل أمام عيني الآية الكريمة : (وإن جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم, فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا..) الخالق, الجابر, المنتقم, عندما يصل الأمر إلى الدعوة للشرك به من أحد الأبوين, يأمرنا بعدم طاعتهما في هذا فقط, بينما يطالبنا سبحانه وتعالي بمصاحبتهما في الدنيا معروفا, هذا في حقه, فما بالنا لو الأمر يتعلق بنا نحن الأبناء البشر, ألا ترين أن في هذه المصاحبة والتكريم أمرا إلهيا يجب الامتثال إليه, فإذا سلمنا بذلك, واستندنا إلى أمر الإحسان ـ المتكرر في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ـ إلى الوالدين, وقررنا أن يكون القرار ابتغاء لمرضاة الله, فإن قراركن سيكون واحدا ومحددا.
سيدتي.. إن لذة الانتقام لا تدوم سوى لحظة, أما الرضا الذي يوفره العفو فيدوم إلى الأبد, واستمعي إلى قوله سبحانه وتعالي (وليعفوا وليصفحوا, ألا تحبون أن يغفر الله لكم ).... ألا تحبون أن يغفر لكم الله, كم هو مقابل زهيد, مهما تكن قسوة الأيام, فالتسامح يا عزيزتي جزء من العدالة.
لا أريد أن أدخل معكم في فرضيات, لأن إذا قلت أنكن لو عالجتوه وأحسنتم إليه قد يعود إلى سيرته الأولى, سأقول لكم ومن أدراكن أن الله قد يعيد إليه ذاكرته الآن ويزداد انتقامه منكن لأنكن تركتموه.
إن ما أنتن فيه من حقه, إنه ماله حتى ولو كان ظالما .. لكن عودته وهو فاقد الذاكرة ـ على قدر ما أعرفه ـ لا يعطيه الحق القانوني في التصرف فيما يملك لأنه ليس أهلا لذلك, ولكن نصيحتي لك ولشقيقاتك أن تكون قبلة قراركن خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى, وأن تذهبن إليه فورا وتعدنه إلى بيته وتحرصن على علاجه, وثقي بأن الهناء والاستقرار والسعادة لن يعرفوا طريقهم إليكن إذا ظل أبوكن ملقى في الطريق. إن المنتقم يرتكب نفس الخطيئة التي ينتقم لأجلها, فلا تواصلن حياتكن وأنتن ترتكبن نفس الخطيئة, والأولى أن يبكي الابن من أن يبكي الأب, كما قال المفكر بترارك.
وخذي وعد الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (عفا الله عما سلف, ومن عاد فينتقم الله منه, والله عزيز ذو انتقام) .. وإلى لقاء بإذن الله.
بريد الجمعة يكتبه - خيري رمضان (لله درك)
************ ********* ********* ********* ********* ********* *****
وهذا رد الفتاة على رسالة المستشار ولاحظ ماذا حدث من جديد
يتبع