منتديات حوامل النسائية

منتديات حوامل النسائية (https://naqatube.com/index.php)
-   المنتدى الاسلامي العام (https://naqatube.com/forumdisplay.php?f=71)
-   -   سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى (https://naqatube.com/showthread.php?t=297784)

ام وليد2005 06-28-2014 07:26 PM

سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى
 
كلمة "إلاه" تعني: معبود .. وهي اسم مشتق من الفعل (أله) بالفتح .. فكل ما اتخذه الناس معبوداً منذالقدم يصح أن يطلق عليه اسم (إلاه)فمن الناس من اتخذ الشمس إلهاً .. أي: معبوداً، ومنهم من اتخذ النار إلهاً، ومنهم من اتخذ القمر إلهاً، ومنهم من اتخذالبقر إلهاً. وكلمة (إلاه) قد تطلق ويراد بها معناها فقط .. أي: (معبود) كما فيقوله تعالى: فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم منإله غيره .. "59" (سورة الأعراف)
وقوله تعالى: الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت .. "158"سورة الأعراف)
وقوله تعالى: لا إلهإلا هو سبحانه عما يشركون "31" (سورة التوبة)فالحق سبحانه وتعالى يؤكدفي هذه الآيات أنه لا معبود إلا هو تبارك وتعالى. وقد تطلق كلمة (إلاه) ويراد بها: الحق عز وجل، كما في قوله تعالى: اجعل الآلهةإلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب "5" (سورة ص)فكلمة (إلاه) في هذه الآيةتعني: "معبوداً"، وفي نفس الوقت يراد بها: الحق عز وجل. فإذا انتقلنا إلي لفظالجلالة (الله) .. هل هو لفظ مشتق من الفعل (أله) أم غير مشتق؟قيل: إنه اسممشتق من نفس الفعل (أله)، وأنه هو نفسه الاسم المشتق (إلاه) ودخلت عليه الألفواللام وحذفت الهمزة للتخفيف، وقيل: إنه غير مشتق، وإنما أطلقه الله عز وجل للدلالةعلى ذاته العلية. ولكننا نقول: إن لفظ الجلالة (الله) سواء أكان مشتقاً أم غيرمشتق، فإنه علم على واجب الوجود .. أي: على الحق تبارك وتعالى بذاته وأسمائه وصفاتهدون سواه من المعبودات الباطلة. إن العلم إذا أطلق وأريد به مسمى معيناً .. فإنه (أي: العلم) ينحل عن معناه الأصلي ويصبح علماً على مسماه .. كما إذا أطلقت علىزنجية اسم (قمر) .. فالقمر بالنسبة لهذه الزنجية قد انحل عن معناه الأصلي، وصارعلماً عليها. فلفظ الجلالة (الله) ورد في القرآن الكريم حوالي ألفين وسبعمائةمرة لم يرد خلالها هذا اللفظ إلا للدلالة على ذات الحق جل وعلا، ولم يستخدم للدلالةعلى أي معبود آخر من المعبودات الباطلة مثل: الشمس أو القمر أو النار أو البقر أوعيسى بن مريم. كما أن الله تبارك وتعالى لم يستخدم لفظ الجلالة كوصف من الأوصاف مثلسائر الأسماء، وإنما استخدمه ليدل عليه بذاته وأسمائه الأخرى وصفاته دلالة علمية. فإذا أراد أن يصف نفسه بوصف معين، أو ينسب إلي نفسه فعلاً معيناً، أتى بلفظالجلالة (الله) كعلم عليه، ثم ألحقه بالوصف أو الفعل الذي يريد .. كما تقول أنت ـ (احمد وقور مهذب).
يقول الحق جل وعلا: والله محيط بالكافرين "19" (سورة البقرة)ويقول جل وعلا:والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم "105"} سورة البقرة)
ويقول عز وجل: فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم "137" (سورة البقرة)فلفظ الجلالةصار علماً على الذات الإلهية العلية .. علماً على الحق ـ جل وعلا ـ ليدل عليه بذاتهوأسمائه وصفاته دلالة علمية، ولا يستخدم للدلالة على غيره من المعبودات الباطلة،وهو الاسم الأعظم الذي حوى جميع كمالات صفاته، والذي ليس له فيه سمى أي: شريك فينفس الاسم. والحق جل وعلا حين أنزل القرآن، أنزله مقروناً باسم الله سبحانهوتعالى .. وهي أن تكون البداية باسم الله. إن أول الكلمات التي نطق بها الوحي لمحمدصلى الله عليه وسلم كانت: اقرأ باسم ربك الذي خلق "1"} سورة العلق)وهكذا كانت بداية نزول القرآن الكريم ليمارس مهمته فيالكون هي باسم الله .. ونحن الآن نقرأ القرآن بادئين نفس البداية. ولكن هل نحنمطالبون أن نبدأ فقط تلاوة القرآن باسم الله؟ .. كلا .. إننا مطالبون أن نبدأ كلعمل باسم الله؛ لأننا لابد أن نحترم عطاء الله في كونه. إنك حين تبدأ كل شيء بسمالله الرحمن الرحيم .. فإنك تجعل الله في جانبك يعينك. ومن رحمته تبارك وتعالى أنهعلمنا أن نبدأ كل شيء باسمه تعالى؛ لأن "الله" ـ كما قلنا ـ هو الاسم الجامع لكلصفات الكمال والفعل عادة يحتاج إلي صفات متعددة..

فأنت حين تبدأ عملا تحتاجإلي قدرة الله وإلي قوته وإلي عونه وإلي رحمته .. فلو أن الله سبحانه وتعالى لميخبرنا بالاسم الجامع لكل الصفات لكان علينا أن نحدد الصفات التي نحتاج إليها، كأننقول باسم الله القوي، وباسم الله الرزاق، وباسم الله المجيب، وباسم الله القادر،وباسم الله النافع .. إلي غير ذلك من الأسماء والصفات التي نريد أن نستعين بها .. ولكن الله تبارك وتعالى يجعلنا نقول: "بسم الله الرحمن الرحيم" .. الاسم الجامع لكلهذه الصفات. على أننا لابد أن نقف هنا عند الذين لا يبدأون أعمالهم باسم الله .. وإنما يريدون الجزاء المادي وحده.إنسان غير مؤمن لا يبدأ عمله بسم الله .. وإنسان مؤمن يبدأ كل عمل وفيباله الله .. كلاهما يأخذ من الدنيا لأن الله رب للجميع .. له عطاء ربوبية لكل خلقهالذين استدعاهم للحياة .. ولكن الدنيا ليست هي الحياة الحقيقية للإنسان .. بلالحياة الحقيقية هي الآخرة .. الذي في باله الدنيا وحدها يأخذ بقدر عطاء البربوبية .. بقدر عطاء الله في الدنيا .. والذي في باله الله يأخذ بقده عطاء الله في الدنياوالآخرة .. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى: الحمدلله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير "1"} سورة سبأ)لأن المؤمن يحمد الله على نعمه في الدنيا .. ثم يحمدهعندما ينجيه من النار والعذاب ويدخله الجنة في الآخرة .. فلله الحمد في الدنياوالآخرة.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل أمرذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع"ومعنى أقطع أي مقطوعالذنب أو الذيل .. أي عمل ناقص فيه شيء ضائع .. لأنك حين لا تبدأ العمل بسم الله قديصادفك الغرور والطغيان بأنك أنت الذي سخرت ما في الكون ليخدمك وينفعل لك .. وحينلا تبدأ العمل ببسم الله .. فليس لك عليه جزاء في الآخرة فتكون قد أخذت عطاءه فيالدنيا .. وبترت أو قطعت عطاءه في الآخرة .. فإذا كنت تريد عطاء الدنيا والآخرة. أقبل على كل عمل بسم الله .. قبل أن تأكل قل بسم الله لأنه هو الذي خلق لك هذاالطعام ورزقك به .. عندما تدخل الامتحان قل بسم الله فيعينك على النجاح .. عندماتدخل إلي بيتك قل بسم الله لأنه هو الذي يسر لك هذا البيت .. عندما تتزوج قل بسمالله لأنه هو الذي خلق هذه الزوجة وأباحها لك .. في كل عمل تفعله ابدأه بسم الله .. لأنها تمنعك من أي عمل يغضب الله سبحانه وتعالى .. فأنت لا تستطيع أن تبدأ عملايغضب الله ببسم الله.
وكما ينبغي على المسلم المؤمن أن يجعل لسانه رطباً ببسمالله .. ينبغي عليه أيضاً بحمد الله عز وجل؛ لأنه تبارك وتعالى محمود لذاته ومحمودلصفاته، ومحمود لنعمه، ومحمود لرحمته، ومحمود لمنهجه، ومحمود لقضائه، الله محمودقبل أن يخلق من يحمده. ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه جعل الشكر له في كلمتيناثنتين هما الحمد لله.
والعجيب أنك حين تشكر بشرا على جميل فعله تظل ساعاتوساعات .. تعد كلمات الشكر والثناء، وتحذف وتضيف وتأخذ رأي الناس. حتى تصل إليقصيدة أو خطاب ملئ بالثناء والشكر. ولكن الله سبحانه وتعالى جلت قدرته وعظمته نعمهلا تعد ولا تحصى، علمنا أن نشكره في كلمتين اثنتين هما: الحمد لله ..
ولعلنانفهم أن المبالغة في الشكر للبشر مكروهة لأنها تصيب الإنسان بالغرور والنفاق وتزيدالعاصي في معاصيه .. فلنقلل من الشكر والثناء للبشر .. لأننا نشكر الله لعظيم نعمهعلينا بكلمتين هما: الحمد لله، ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه علمنا صيغة الحمد. فلو أنه تركها دون أن يحددها بكلمتين .. لكان من الصعب على البشر أن يجدوا الصيغةالمناسبة ليحمدوا الله على هذا الكمال الإلهي .. فمهما أوتي الناس من بلاغة وقدرةعلى التعبير. فهم عاجزون على أن يصلوا إلي صيغة الحمد التي تليق بجلال المنعم .. فكيف نحمد الله والعقل عاجز أن يدرك قدرته أو يحصي نعمه أو يحيط برحمته؟
ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعطانا صورة العجز البشري عن حمدكمال الألوهية لله، فقال: "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"
وكلمتا الحمد لله، ساوى الله بهما بين البشر جميعا، فلو أنه ترك الحمد بلاتحديد، لتفاوتت درجات الحمد بين الناس بتفاوت قدراتهم على التعبير. فهذا أمي لايقرأ ولا يكتب لا يستطيع أن يجد الكلمات التي يحمد بها الله. وهذا عالم له قدرة علىالتعبير يستطيع أن يأتي بصيغة الحمد بما أوتي من علم وبلاغة. وهكذا تتفاوت درجاتالبشر في الحمد .. طبقا لقدرتهم في منازل الدنيا.
ولكن الحق تبارك وتعالى شاءعدله أن يسوي بين عباده جميعا في صيغة الحمد له .. فيعلمنا في أول كلماته في القرآنالكريم .. أن نقول "الحمد لله" ليعطي الفرصة المتساوية لكل عبيده بحيث يستويالمتعلم وغير المتعلم في عطاء الحمد ومن أوتي البلاغة ومن لا يحسن الكلام.
ولذلكفإننا نحمد الله سبحانه وتعالى على أنه علمنا كيف نحمده وليظل العبد دائما حامدا.
فالله سبحانه وتعالى قبل أن يخلقنا خلق لنا موجبات الحمد من النعم، فخلق لناالسماوات والأرض وأجد لنا الماء والهواء. ووضع في الأرض أقواتها إلي يوم القيامة ..وهذه نعمة يستحق الحمد عليها لأنه جل جلاله جعل النعمة تسبق الوجود الإنساني،فعندما خلق الإنسان كانت النعمة موجودة تستقبله. بل أن الله جل جلاله قبل أن يخلقآدم أبا البشر جميعا سبقته الجنة التي عاش فيها لا يتعب ولا يشقى. فقد خلق فوجد مايأكله وما يشربه وما يقيم حياته وما يتمتع به موجودا وجاهزا ومعدا قبل الخلق..وحينما نزل آدم وحواء إلي الأرض كانت النعمة قد سبقتهما. فوجدا ما يأكلانه ومايشربانه، وما يقيم حياتهما .. ولو أن النعمة لم تسبق الوجود الإنساني وخلقت بعدهلهلك الإنسان وهو ينتظر مجيء النعمة.
بل أن العطاء الإلهي للإنسان يعطيه النعمةبمجرد أن يخلق في رحم أمه فيجد رحما مستعدا لاستقباله وغذاء يكفيه طول مدة الحمل. فإذا خرج إلي الدنيا يضع الله في صدر أمه لبنا ينزل وقت أن يجوع ويمتنع وقت أنيشبع. وينتهي تماما عندما تتوقف فترة الرضاعة. ويجد أبا وأما يوفران له مقوماتحياته حتى يستطيع أن يعول نفسه .. وكل هذا يحدث قبل أن يصل الإنسان إلي مرحةالتكليف وقبل أن يستطيع أن ينطق: "الحمد لله".
وهكذا نرى أن النعمة تسبق المنعمعليه دائما .. فالإنسان حيث يقول "الحمد لله" فلأن موجبات الحمد ـ وهي النعمة ـموجودة في الكون قبل الوجود الإنساني.
والله سبحانه وتعالى خلق لنا في هذاالكون أشياء تعطي الإنسان بغير قدرة منه ودون خضوع له، والإنسان عاجز عن أن يقدملنفسه هذه النعم التي يقدمها الحق تبارك وتعالى له بلا جهد.
فالشمس تعطي الدفءوالحياة للأرض بلا مقابل وبلا فعل من البشر، والمطر ينزل من السماء دون أن يكون لكجهد فيه أو قدرة على إنزاله. والهواء موجود حولك في كل مكان تتنفس منه دون جهد منكولا قدرة. والأرض تعطيك الثمر بمجرد أن تبذر فيها الحب وتسقيه .. فالزرع ينبت بقدرةالله.
والليل والنهار يتعاقبان حتى تستطيع أن تنام لترتاح، وأن تسعى لحياتك .. لا أنت أتيت بضوء النهار، ولا أنت الذي صنعت ظلمة الليل، ولكنك تأخذ الراحة فيالليل والعمل في النهار بقدرة الله دون أن تفعل شيئاً.
كل هذه الأشياء لميخلقها الإنسان، ولكنه وجدها في الكون تعطيه بلا مقابل ولا جهد منه!
ألا تستحقهذه النعم أن نقول: الحمد لله على نعمة تسخير الكون لخدمة الإنسان؟
وآيات اللهسبحانه وتعالى في كونه تستوجب الحمد .. فالحياة التي وهبها الله لنا، والآيات التيأودعها في كونه تدلنا على أن لهذا الكون خالقاً عظيماً .. فالكون بشمسه وقمرهونجومه وأرضه وكل ما فيه مما يفوق قدرة الإنسان، ولا يستطيع أحد أن يدعيه لنفسه،فلا أحد مهما بلغ علمه يستطيع أن يدعي أنه خلق الشمس، أو أوجد النجوم، أو وضعالأرض، أو وضع قوانين الكون، أو أعطى غلافها الجوي، أو خلق نفسه، أو خلقغيره.
هذه الآيات كلهاأعطتنا الدليل على وجود قوة عظمى، وهي التي أوجدت وهي التي خلقت .. وهذه الآياتليست ساكنة، لتجعلنا في سكونها ننساها، بل هي متحركة لتلفتنا إلي خالق هذا الكونالعظيم.
فالشمس تشرق في الصباح فتذكرنا بإعجاز الخالق، وتغيب في المساء لتذكرنابعظمة الخالق .. وتعاقب الليل والنهار يحدث أمامنا كل يوم علمنا نلتفت ونفيق .. والمطر ينزل من السماء ليذكرنا بألوهية من أنزله .. والزرع يخرج من الأرض يسقي بماءواحد، ومع ذلك فإن كل نوع له لون وله شكل وله مذاق وله رائحة، وله تكوين يختلف عنالآخر، ويأتي الحصاد فيختفي الثمر والزرع .. ويأتي موسم الزراعة فيعود من جديد.
كل شيء في هذا الكون متحرك ليذكرنا إذا نسينا، ويعلمنا أن هناك خالقاً مبدعاً ..وأنه لا أحد يستطيع أن يدعي أنه خلق الكون أو خلق شيئا مما فيه .. فالقضيةمحسومة لله.
(والحمد لله) لأنه وضع في نفوسنا الإيمان الفطري، ثم أيده بإيمانعقلي بآياته في كونه.
كل شيء في هذا الكون يقتضي الحمد، ومع ذلك فإن الإنسانيمتدح الموجود وينسى الموجد .. فأنت حين ترى زهرة جميلة مثلاً، أو زهرة غاية فيالإبداع .. أو أي خلق من خلق الله، يشيع في نفسك الجمال تمتدح هذا الخلق .. فتقول: ما أجمل هذه الزهرة، أو هذه الجوهرة، أو هذا المخلوق!!
ولكن المخلوق الذيامتدحته، لم يعط صفة الجمال لنفسه .. فالزهرة لا دخل لها أن تكون جميلة أو غيرجميلة، والجوهرة لا دخل لها في عظمة خلقها .. وكل شيء في هذا الكون لم يضع الجماللنفسه، وإنما الذي وضع الجمال فيه هو الله سبحانه وتعالى، فلا نخلط ونمدح المخلوقوننسى الخالق .. بل قل: الحمد لله الذي أوجد في الكوم ما يذكرنا بعظمة الخالق ودقةالخلق.
ومنهج الله سبحانه وتعالى يقتضي منا الحمد، فهو تبارك وتعالى أنزل منهجهليرينا طريق الخير، ويبعدنا عن طريق الشر.
فمنهج الله عز وجل الذي أنزله علىرسله قد عرفنا أن الله تبارك وتعالى هو الذي خلق لنا هذا الكون وخلقنا .. فدقةالخلق وعظمته تدلنا على عظمة خالقه، ولكنها لا تستطيع أن تقول لنا من هو، ولا ماذايريد منا، ولذلك أرسل الله رسله، ليقول لنا: إن الذي خلق هذا الكون وخلقنا هو اللهتبارك وتعالى، وهذا يستوجب الحمد.
ومنهج الله يبين لنا ماذا يريد الحق منا،وكيف نعبده .. وهذا يستوجب الحمد، ومنهج الله جل جلاله أعطانا الطريق وشرع لناأسلوب حياتنا تشريعاً حقاً .. فالله تبارك وتعالى لا يفرق بين أحد منا .. ولا يفضلأحداً على أحد إلا بالتقوى، فكلنا خلق متساوون أمام عدله المطلق. إذن: فشريعة الحق،وقول الحق، وقضاء الحق هو من الله، أما تشريعات الناس فلها هوى، تميز بعضاً عن بعض .. وتأخذ حقوق بعض لتعطيها للآخرين، ولذلك نجد في كل منهج بشرى ظلماً بشرياً.
ولكن الله سبحانه وتعالى يعطينا ولا يأخذ منا، عنده خزائن كل شيء مصداقا لقولهجل جلاله:وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزلهإلا بقدر معلوم "21" (سورة الحجر)
فالله سبحانه وتعالى دائم العطاءلخلقه، والخلق يأخذون دائماً من نعم الله، فالعبودية لله تعطيك ولا تأخذ منك شيئاً،وهذا يستوجب الحمد..
والله سبحانه وتعالى في عطائه يجب أن يطلب منه الإنسان،وأن يدعوه، وأن يستعين به، وهذا يستوجب الحمد؛ لأنه يقينا الذل في الدنيا. فأنت إنطلبت شيئاً من صاحب نفوذ، فلابد أن يحدد لك موعداً أو وقت الحديث ومدة المقابلة،وقد يضيق بك فيقف لينهي اللقاء .. ولكن الله سبحانه وتعالى بابه مفتوح دائماً .. فأنت بين يديه عندما تريد، وترفع يديك إلي السماء وتدعو وقتما تحب، وتسأل الله ماتشاء، فيعطيك ما تريده إن كان خيراً لك .. ويمنع عنك ما تريده إن كان شراً لك.
والله سبحانه وتعالى يستوجب الحمد حينما يطلب منك أن تدعوه، وأن تسأله فيقول:وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عنعبادتي سيدخلون جهنم داخرين "60" (سورة غافر)
ويقول سبحانه وتعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعيإذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون "186" (سورة البقرة)
والله سبحانه وتعالى يعف ما في نفسك، ولذلك فإنه يعطيك دون تسأل، واقرأ الحديثالقدسي:
يقول رب العزة: "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطيالسائلين".
والله سبحانه وتعالى عطاؤه لا ينفذ، وخزائنه لا تفرغ، فكلما سألتهجل جلاله كان لديه المزيد، ومهما سألته فإنه لا شيء عزيز على الله سبحانه وتعالى،إذا أراد أن يحققه لك .. واقرأ قول الشاعر:
حسب نفسي عزا بأني عبد هو فـيقدســه الأعـــز ولكــن
يحتفي بي بلا مواعيد رب أنا ألقي متى وأين أحب
إذن: عطاء الله سبحانه وتعالى يستوجب الحمد .. ومنعه العطاء يستوجب الحمد.
ووجود الله سبحانه وتعالى الواجب الوجود يستوجب الحمد .. فالله سبحانه يستحقالحمد لذاته، ولولا عدل الله لبغى الناس في الأرض وظلموا، ولكن يد الله تباركوتعالى حين تبطش بالظالم تجعله عبرة .. فيخاف الناس الظلم .. وكل من أفلت من عقابالدنيا على معاصيه وظلمه واستبداده سيلقى الله في الآخرة ليوفيه حسابه .. وهذا يوجبالحمد .. أن يعرف المظلوم أنه سينال جزاءه فتهدأ نفسه ويطمئن قلبه أن هناك يوماسيرى فيه ظالمه وهو يعذب في النار .. فلا تصيبه الحسرة، ويخف إحساسه بمرارة الظلمحين يعرف أن الله قائم على كونه لن يفلت من عدله أحد. وعندما نقول: (الحمد لله)فنحن نعبر عن انفعالات متعددة .. وهي في مجموعها تحمل العبودية والثناء والشكروالعرفان .. وكثير من الانفعالات التي تملأ النفس عندما تقول: (الحمد لله) كلهاتحمل الثناء العاجز عن الشكر لكمال الله وعطائه .. هذه الانفعالات تأتي وتستقر فيالقلب .. ثم تفيض من الجوارح على الكون كله.

فالحمد ليس ألفاظاً تردد باللسان،ولكنها تمر أولاً على العقل الذي يعي معنى النعم .. ثم بعد ذلك تستقر في القلبفينفعل بها .. وتنتقل إلي الجوارح فأقوم وأصلي لله شاكراً ويهتز جسدي كله، وتفيضالدمعة من عيني، وينتقل هذا الانفعال كله إلي من حولي.
ونحاول توضيح ذلك..
هب أنني في أزمة أو كرب أو موقف سيؤدي إلي فضيحة .. وجاءني من يفرج كربيفيعطيني مالاً أو يفتح لي طريقاً .. أول شيء أنني سأعقل هذا الجميل، فأقول: إنهيستحق الشكر .. ثم ينزل هذا المعنى إلي قلبي فيهتز القلب إلي صانع هذا الجميل .. ثمتنفعل جوارحي لأترجم هذه العاطفة إلي عمل جميل يرضيه، ثم أحدث الناس عن جميله وكرمهفيسارعون إلي الالتجاء إليه، فتتسع دائرة الحمد وتنزل النعم على الناس .. فيمرونبنفس ما حدث لي فتتسع دائرة الشكر والحمد..
والحمد لله تعطينا المزيد من النعممصداقاً لقوله تبارك وتعالى: وإذ تأذن ربكم لئنشكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد "7" (سورة إبراهيم)
وهكذانعرف أن الشكر على النعمة يعطينا مزيداً من النعمة .. فنشكر عليها فتعطينا المزيد،وهكذا يظل الحمد دائماً والنعمة دائمة.
إننا لو استعرضنا حياتنا كلها .. نجد أنكل حركة فيها تقتضي الحمد، عندما ننام ويأخذ الله سبحانه وتعالى أرواحنا، ثم يردهاإلينا عندما نستيقظ، فإن هذا يوجب الحمد، فالله سبحانه وتعالى يقول: الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسكالتي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلي أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون "42" } سورة الزمر)
وهكذا فإن مجرد أن نستيقظ من النوم، ليرد الله عليناأرواحنا يستوجب الحمد، فإذا قمنا من الفراش فالله سبحانه وتعالى هو الذي أعطاناالقدرة على الحركة والنهوض، ولولا عطاؤه ما استطعنا أن نقوم .. وهذا يستوجب الحمد..
فإذا تناولنا إفطارنا، فالله هو الذي هيأ لنا من فضله هذا الطعام، فإذا نزلناإلي الطريق يسر الله لنا ما ينقلنا إلي مقر أعمالنا، وإذا تحدثنا مع الناس فاللهسبحانه وتعالى هو الذي أعطى ألسنتنا القدرة على النطق بما وهبه الله لنا من قدرةعلى التعبير والبيان، وهذا يستوجب الحمد.
وإذا عدنا إلي بيوتنا، فالله سخر لنازوجاتنا ورزقنا بأولادنا، وهذا يستوجب الحمد.
إذن: فكل حركة في حياة في الدنيامن الإنسان تستوجب الحمد، ولهذا لابد أن يكون الإنسان حامداً دائماً، بل إن الإنسانيجب أن يحمد الله على أي مكروه أصابه؛ لأن الشيء الذي يعتبره شراً يكون عين الخير،فالله تعالى يقول: فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعلالله فيه خيراً كثيراً "19" (سورة النساء)

إن من البشر من إذا تحدثتعنه قدر ما استطعت لن توفيه حقه وتعرف له قدره كأنبياء الله ورسله عليهم الصلاةوالسلام، فماذا إذا كان الحديث عن الله جل وعلا؟
سوف يتحدث المتحدثون عن الحقتبارك وتعالى حتى تقوم الساعة، ومع ذلك فسوق يظلون في إطار قوله تعالى: ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز "74" (سورةالحج)

وقوله تعالى: وما قدروا الله حققدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما
يشركون "67" (سورة الزمر)


http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwa...975102_871.jpg

ريحانة الجنة 06-28-2014 07:41 PM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
 
بارك الله فيك
متابعينك ان شا الله

υм вtℓαα 06-28-2014 07:55 PM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
 
بارك الله فيكي

قلب الاميري 06-29-2014 08:27 AM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
 
http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwa...019622_264.gif

ام وليد2005 06-29-2014 02:40 PM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريحانة الجنة (المشاركة 3802185)
بارك الله فيك
متابعينك ان شا الله

http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwa...042000_498.jpg

ام وليد2005 06-29-2014 02:41 PM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام بتلاء (المشاركة 3802208)
بارك الله فيكي

http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwa...042068_530.jpg

ام وليد2005 06-29-2014 02:42 PM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قلب الاميري (المشاركة 3802605)




http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwa...042138_506.jpg

ام ارجواااااان 06-29-2014 08:59 PM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
 
الله يسعد قلبك يارب
بالتووووووووووووووووفيق


http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwa...064772_853.jpg

بحــ العيون ــــــــر 06-29-2014 10:59 PM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
 
جزاكي الله خيرررررررر

ام وليد2005 06-30-2014 04:19 AM

سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الرحمن الرحيم )
 
الرحمن الرحيم
(الرحمن) اسم مشتقمن الفعل (رحم)، والرحمة في اللغة هي الرقة والتعطف والشفقة، وتراحم القوم أي رحمبعضهم بعضا والرحم القرابة.
الرحمن اسم من أسماء الله الحسنى، وهو مشتق منالرحمن وهو اسم مختص بالله تعالى لا يجوز أن يسمى به غيره، فقد قال عز وجل: (قلادعو الله أو أدعو الرحمن) معادلا بذلك اسمه الرحمن بلفظ الجلالة الذي لا يشاركهفيه أحد، ورحمن على وزن فعلان وهي صيغة مبالغة تدل على الكثرة والزيادة في الصفة.
و(الرحيم) .. اسم مشتق أيضا من الفعل رحم .. والرحمن الرحيم من صيغ المبالغة ..يقال راحم ورحمن ورحيم .. فإذا قيل راحم فهذا يعني أن فيه صفة الرحمة .. وإذا قيلرحمن تكون مبالغة في الصفة، وإذا قيل رحيم فهي أيضا مبالغة في الصفة، والله سبحانهوتعالى رحمن الدنيا ورحيم الآخرة.
ولا يظن أحد أن صفات الله سبحانه وتعالىتتأرجح بين القوة والضعف، وإياك أن تفهم أن الله تأتيه الصفة مرة قليلة ومرة كثيرة،بل هي صفات الكمال المطلق .. ولكن الذي يتغير هو متعلقات هذه الصفات. اقر قول الحقتبارك وتعالى: إن الله لا يظلم مثقال ذرةٍ (سورةالنساء ـ40)
هذه الآية الكريمة .. نفت الظلم عن الله سبحانه وتعالى ثمتأتي الآية ونلاحظ هنا استخدام صيغة المبالغة (ظلام) .. أي شديد الظلم. ويظن البعضأن قول الحق سبحانه وتعالى: (ليس بظلام) لا تنفي الظلم ولكنها تنفي المبالغة فيالظلم. نقول لهؤلاء: أنكم لم تفهموا المعنى الصحيح؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يظلمأحدا. فالآية الأولى نفت الظلم عن الحق تبارك وتعالى ولو مثقال ذرة بالنسبة للعبد.
والآية الثانية لم تقل للعبد ولكنها قالت للعبيد .. والعبيد هم كل خلق الله .. فلو أصاب كل واحد منهم أقل من ذرة من الظلم مع هذه الأعداد الهائلة، فإن الظلم يكونكثيرا جدا، ولو أنه قليل في كميته؛ لأن عدد من سيصاب به هائل. ولذلك فإن الآيةالأولى نفت الظلم عن الله سبحانه وتعالى، والآية الثانية نفت عنه الظلم أيضا .. ولكن صيغة المبالغة استخدمت لكثرة عدد الذين تنطبق عليهم الآية الكريمة.
نأتيبعد ذلك إلي (رحمن ورحيم).
رحمن في الدنيا لكثرة عدد الذين تشملهم رحمته فيها،فرحمة الله في الدنيا تشمل المؤمن والعاصي والكافر .. يعطيهم الله مقومات حياتهمولا يؤاخذهم بذنوبهم، يرزق من آمن به ومن لم يؤمن به، ويعفو عن كثير. إذن عدد الذينتشملهم رحمة الله في الدنيا هم كل خلق الله بصر النظر عن إيمانهم أو عدم إيمانهم،ولكن في الآخرة الأمر مختلف، فالله رحيم بالمؤمنين فقط .. فالكفار والمشركونمطرودون من رحمة الله. إذن الذين تشملهم رحمة الله في الآخرة أقل عددا من الذينتشملهم رحمته في الدنيا .. فمن أين تأتي المبالغة؟
تأتي المبالغة في العطاء وفيالخلود في العطاء .. فنعم الله في الآخرة اكبر كثيرا منها في الدنيا .. المبالغةهنا بكثرة النعم وخلودها .. فكأن المبالغة في الدنيا بعمومية العطاء، والمبالغة فيالآخرة بخصوصية العطاء وكثرة النعم والخلود فيها. والرحمة الإلهية تشمل ثناياهاالعديد من الصفات، فمن رحمة الله تبارك وتعالى أنه الغفار .. الوهاب .. الرزاق .. الشكور .. الكريم .. الواجد .. التواب .. العفو .. الهادي. ورحمة الحق جل وعلا تغمرالمخلوقات جميعا منذ أن خلقها وإلي أن نقف بين يديه، فيدخلها جنته أو يذيقها عذابه. وإذا تأملنا الكون المحيط بنا تجلت لنا رحمة الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة....
فالحق تبارك وتعالى كان رحيما بنا حين خلقنا من العدم المطلق، ودون أن يكون لناسابقة وجود، ودون أن نطلب منه ذلك، وكيف نطلب ولم نكن ساعتئذ شيئا مذكورا كما قالجل وعلا: هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكنشيئاً مذكوراً (سورة الإنسان)
وكان رحيما بنا حين أعد لنا هذاالكون الفسيح، موفرا لنا كل مقومات الحياة من قبل أن نظر في مرآة الوجود. فالشمستحافظ على بعد ثابت من الأرض، وهذا البعد الثابت يضمن لنا قدرا ثابتا من الحرارة .. لا يزيد فتقتلنا الحرارة، ولا ينقص فتقتلنا البرودة، والهواء يحيط بنا ويحويالأوكسجين اللازم لعملية التنفس وأكسدة المواد الغذائية كي تنطلق الطاقة التي تكفلللجسم القيام بوظائفه، والماء الذي يمثل معظم مساحة الكرة الأرضية بما له من وظائفغير محصورة في جسم الإنسان، هذا فضلا عن استخدامه في الطهارة التي تقي الإنسان شرالأمراض والآفات.
ومن رحمته عز وجل أنه جعل في الهواء من الخاصية ما يمكنه منحمل الطيور الطبيعية والصناعية وهي الطائرات التي ابتكرها الإنسان في العصر الحديث! وجعل في الماء من الخاصية ما يمكنه من حمل السفن العملاقة التي تحمل الناس بأمتعتهممئات بل آلافا من الأميال إلي أماكن لم يكونوا بالغيها إلا بشق الأنفس أو غيربالغيها أبدا. فالحق جل وعلا كان يعلم أزلا أن الأرض سوف تعمر بنسل آدم وسيصبح منالضروري أن تستجد وسائل مواصلات أكثر قوة وسرعة تسهل عليه التنقل عبر المسافاتالمتباعدة، فلولا الطائرات والسفن ما كان الإنسان ليصل إلي الأمريكتين أو إلي قارةأستراليا مثلا .. وما كان التعامل بين دول العالم ليصل إلي ما وصل إليه.
إن مرحلة إعدادالكون لم تكن مصورة فقط على توفير مقومات الحياة البدائية التي عاشها الإنسان فيبدء الخليقة .. بل إن الحق جل وعلا قد وضع في الكون عناصر ومواد، وهو يعلم أناستخدامها سيحين بعد آلاف أو ملايين من السنين حينما يزحف العمران على سطح الكرةالأرضية. خذ على سبيل المثال عنصر البترول الذي يمثل أهم مصادر الطاقة والذيتستخدمه الطائرات والسيارات والماكينات المختلفة في دورتها الحركية.
انظر إليسائر العناصر التي استخدمها الإنسان في صناعة المبتكرات الحديثة .. هل وجدت هذهالعناصر في باطن الأرض بمحض الصدفة .. إنه الجهل بعينه أن نتصور كما تصور الشيوعيونأنها موجودة بالصدفة المحضة .. لأن الحقيقة التي قررها القرآن الكريم ويقبلها العقلوتطمئن لها الفطرة السليمة .. هي أن الله تبارك وتعالى هو الذي خلق هذه العناصر،فقد قال جل وعلا: الله خلق كل شيء وهو على كل شيءوكيل "62" (سورة الزمر)
وبعد أن خلقها ادخرها في باطن الأرض حتى يمكنالإنسان من الاستفادة بها في وقت الحاجة إليها .. وحتى يستطيع بنو آدم التواؤم معالظروف الجديدة والمتمثلة في زيادة أعدادهم وانتشارهم عبر جميع بقاع الكرة الأرضية. وإذا تساءلنا: هل كان الإنسان ليستطيع أن ينتقل بين أماكن بينها آلاف الأميال لولاوسائل المواصلات الحديثة؟ وهل كان يستطيع الاتصال بأبناء جنسه المقيمين بالأقطارالمختلفة لولا أجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية؟
بالطبع ما كان الإنسانليستطيع ذلك لولا وسائل المواصلات وأجهزة الاتصال .. وما كان أيضا ليستطيع أن يتوصلإلي هذه الاختراعات المبتكرة لولا وجود هذه العناصر التي تدخل في تكوينها .. والتيأعدها الله جل وعلا برحمته سلفا وادخرها في باطن الأرض حتى يحين وقت استخدامها. وبعد أن أعد لنا عز وجل هذا الكون، أعد لنا في بطون أمهاتنا رحما رحيما بنا يأتينافيه الرزق .. بلا حول ولا قوة .. رزقا منه تبارك وتعالى بلا تعب ولا مقابل .. ويقولعز وجل في الحديث القدسي:
(أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمنوصلها وصلته، ومن قطعها قطعته).
ومن رحمته جل وعلا أنه ينبت لنا من الأرضالجدباء طعاما نأكله وفي ذلك يقول تبارك وتعالى: فانظر إلي أثار رحمت الله كيف يحيى الأرض بعد موتها (سورة الروم ـ50)
ومن رحمته أنه جعل لنا الليل سكنا لنجد فيه الراحة والسكينة بعدعناء العمل، وجعل لنا النهار للسعي والعمل واكتساب القوت فقال عز وجل: ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبغوا منفضله} (سورة القصص ـ 73)
ومن رحمته أنه أرسل الرسل بالرسالات السماويةإلي الناس كافة ليخرجهم من الظلمات إلي النور، وأرسل رسوله محمدا عليه افضل الصلاةوأتم التسليم خاتم الأنبياء والمرسلين بالهدى ودين الحق ليكون رحمة للعالمين، فيقولتعالى: وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوالعلكم ترحمون "155" (سورة الأنعام)
ويقول سبحانه: أوعجبتم أن جاءكم من ربكم على رجلٍ منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكمترحمون "63" (سورة الأعراف)
ويقول عز وجل: وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون "204"} (سورةالأعراف)فالقرآن الكريم الذي أنزل على خاتم النبيين والمرسلين هوالرحمة العظمى التي جاد بها الله عز وجل على بني آدم، فمنهم من قبلها ومنهم منأعرض. القرآن الكريم هو الذي أخرج المؤمنين من ظلمات الجهل إلي نور الإيمان، ونقلهممن العقائد الواهية التي بنيت على الوهم والظن إلي عقيدة قويمة بنيت على اليقينالذي لا يقبل الشك. فمن آمن بالقرآن الكريم واتبع أوامره وانتهى عن نواهيه كان لهنورا وشفاء ورحمة، وفي ذلك يقول تبارك وتعالى:ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين(سورة النحل ـ 89)
ويقول سبحانه: وننزلمن القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين (سورة الإسراء ـ 82)
ويقول تباركوتعالى: ولقد جئناهم بكتاب فضلناه على علمٍ هدىًورحمةً لقومٍ يؤمنون "52"} (سورة الأعراف)
ويقول الحق سبحانه: تلك آيات الكتاب الحكيم "2" هدىً ورحمةً للمحسنين "3" (سورةلقمان)
ويقول جل جلاله: فقد جاءكم بينةمن ربكم وهدىً ورحمةً (سورة الأنعام ـ 157)
ومن رحمته جل وعلا أنه بينلنا موجبات رحمته، وعرفنا السبيل إلي استجلابها، فقال تعالى:إن رحمت الله قريب من المحسنين (سورة الأعراف ـ 56)

فأوضح بذلك أن رحمته تبارك وتعالى تكون قريبا من عباده المؤمنين به، الطائعينله .. فهؤلاء يتغمدهم برحمته .. فينجيهم من كروب الدنيا ويبعثهم يوم القيامة .. يومالفزع الأكبر .. آمنين. ألم ينج الله عز وجل هودا عليه السلام من قوم عاد بعد أنكفروا بما جاءهم من عقيدة التوحيد واتهموه بالسفاهة وكادوا يفتكون به وبمن اتبعه منالمؤمنين؟ وفي ذلك يقول عز وجل: فأنجيناه والذينمعه برحمةٍ منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين "72" (سورةالأعراف)
وصالح عيه السلام حين أمر قومه ألا يقربوا الناقة وأن يذروهاتأكل في أرض الله ولا يمسوها بسوء فعقروها فأصابتهم الصيحة ونجى الله صالحا ومن آمنمعه، وفي ذلك يقول جل وعلا: فلما جاء أمرنا نجيناصالحاً والذين آمنوا معه برحمةٍ منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز "66" (سورة هود)
كما قال عز وجل عن شعيب عليه السلام: ولما جاء أمرنا نجينا شعيباً والذين آمنوا معه برحمةٍ منا وأخذتالذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين "94" (سورة هود)
ولعلنالا ننسى في هذا المدار أهل الكهف وكيف أن الله تبارك وتعالى قد جعلهم عبرة ودليلاعلى أن الإيمان القويم المصحوب بالصدق في القول والعمل يستجلب رحمة الله لتغمرالمؤمن به الملتزم بطاعته ولتجعل له الصعب سهلا. إن قصة أهل الكهف .. هي قصة كل قوميفرون من الطغاة الذين يحاولون حملهم قسراً على الكفر بالله .. فيفروا بدينهم .. لقد اختبأ الفتية في كهف. إن الله سبحانه وتعالى يصفهم في كتابه الكريم بقوله: إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدىً (سورة الكهفـ من الآية 13)
وبهذه الصفة علمناأن أهل الكهف .. لم يكونوا من الشيوخ الضعفاء أو مجموعة من النساء .. إنما هم فتية .. أي فيهم شباب وفتوة، وأنهم آمنوا بربهم .. أي أنهم فتية مؤمنون بالله .. وأنالله سبحانه وتعالى ـ لما آمنوا به ـ زادهم إيمانا وهدى من عنده .. فالله جل جلالهيزيد المؤمن إيمانا .. ويعينه على الطريق مادام إيمانه صحيحا وقويا .. مصداقا لقولالحق سبحانه وتعالى: والذين اهتدوا زادهم هدىًوآتاهم تقواهم "17" (سورة محمد)
إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتناإلي أنه يعين المؤمن على طريق الإيمان فيزيده من فضله. هؤلاء الفتية خافوا علىدينهم وخافوا على عقيدتهم من أن يجبرهم حكامهم على عبادة غير الله .. ففروا بدينهمإلي كهف في الجبل .. يختبئون فيه من الطغاة الكفرة .. والكهف مكان ضيق .. لا يستطيعالإنسان أن يمضي فيها إلا وقتا قصيرا .. واقرأ قول الحق جل وعلا:وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلي الكهف ينشر لكم ربكممن رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً "16" (سورة الكهف)
الحق سبحانهوتعالى يريد منا أن نعلم .. أن هذا الكهف الضيق الذي ـ بكفرنا البشري وتفكيرناالمادي ـ نظن أنه سيضيق عليهم مكانا بمساحته الصغيرة .. وزمانا بأنه لا أحداث فيه .. هذا الكهف إن ضاق عليهم مساحة، فلن يضيق عليهم أنعاما .. فرحمة الله سبحانهوتعالى ستجعل هذا المكان الضيق يبدو رحبا واسعا .. فلا يحسون بضيق المكان والزمنيتوقف فيه فلا يحسون بضيق الزمان .. بل تأتي رحمة الله لتحيط بهم.
إن هذايلفتنا إلي أن كل من يفر بدينه .. إلي مكان غير الذي يقيم فيها، ومهما كان هذاالمكان ضيقا فإن الله برحمته يجعله واسعا رحبا. فإن كان هذا المكان فيه ضيق فيالرزق .. فتح الله للمستمسك بدينه من أبواب الرزق ما يجعله أغنى الأغنياء. وإذا كانهذا المكان يضيق بالغرباء .. أي لا يرحب فيه بغريب .. وضع الله من رحمته في قلوبسكان هذا المكان ما يجعلهم أشد الناس ترحيبا به. وإن كان هذا المكان ضيقا بمن فيهأي مزدحما أوجد الله له مكانا متسعا يعيش فيه.
لقد غمر الله أهل الكهف برحمتهمكافأة لهم على الفرار بدينهم .. فلم يجعلهم يفكرون في أنهم مضطهدون حتى لا يعيشوافي قلق ورعب من أن يلحق بهم الطغاة الكفرة، أو يكتشفوا مخبأهم، كما أزال من حياتهمهم البحث عن الطعام والشراب؛ لأن عملية البحث كانت ستعرضهم لظروف قاسية كل يوم .. هي أن يخرج أحدهم من الكهف ليأتي لهم بطعام وشراب، وهو يتلفت حوله خوفا من أن يراهأحد أعوان الطغاة، فيرشدهم إلي الكهف .. أو أن يتتبعه أحد فيكشف سرهم .. لذلك ألقىعليهم (أمنه نعاسا) أي ألقى عليهم النوم في الكهف .. فلا يشعر بهم أحد، ولا يشعرونبالوقت .. ولا يحتاجون إلي طعام وشراب.
وهكذا نجاهم الله برحمته من كل ضيقدنيوي .. فلا هم أحسوا بضيق المكان، ولا أحسوا بملل الزمان، ولا أحسوا بقلق توقعالخطر، ولا أحسوا بضيق حياتهم .. بل الله تبارك وتعالى برحمته المطلقة اذهب الضيقتماما .. وكانت هناك آيات بقدرة الله تولتهم بعنايته ورحمته. ونبي الله أيوب عليهالسلام حين اشتد عليه البلاء فالتزم الصبر ولم يخرج عن حدود الإيمان القويم فغمرهالله برحمته ورفع عنه البلاء وأعاده إلي حال أحسن من حاله قبل البلاء.

وفي ذلكيقول تبارك وتعالى: وأيوب إذ نادى ربه أني مسنيالضر وأنت أرحم الراحمين "83" فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضرٍ وآتيناه أهله ومثلهممعهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين "84" (سورة الأنبياء)
ويقول جل وعلاعن إدريس وإسماعيل وذا الكفل عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة وأتم التسليم: وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين "85" وأدخلناهم فيرحمتنا إنهم من الصالحين "86" (سورة الأنبياء)
ورحمة الله لا تقتصر علىالمؤمنين الطائعين فقط بل تمتد لتشمل ذريتهم من بعدهم تكريما لهم وسكينة لأنفسهم .. وقد رأينا ذلك في قصة العبد الصالح والجدار والتي قال عنها المولى عز وجل: وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكانتحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمةًمن ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً "82" (سورةالكهف)
إن الآيات القرآنية الكريمة التي جعلت الإيمان بالله تباركوتعالى وطاعته سببا لاستجلاب رحمته عديدة .. فقد قال جل وعلا: وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون "132" (سورة آل عمران)
وقال جل شأنه: يقولون ربنا آمنا فاغفر لناوارحمنا وأنت خير الراحمين "109" (سورة المؤمنون)
وقال سبحانه وتعالى: فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون(سورة الحجرات ـ 10)
ولعل في سيرة المصطفى عليه افضل الصلاة وأتمالتسليم خير دليل على العلاقة الوطيدة بين إيمان العبد ودخوله في رحمة الله. فنبيناعليه الصلاة والسلام لا يضاهي في كمال إيمانه وشدة طاعته والتزامه. ولذلك كان صلىالله عليه وسلم مشمولا برعاية الله ورحمته في كل لمحة ونفس منذ أن شرف الوجودبمولده وإلي أن لقى ربه عز وجل .. ألم تشمله الرحمة الإلهية في الغار إذ أوشك أنيعثر عليه كفار قريش؟ وفي ذلك يقول تبارك وتعالى: إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما فيالغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنودٍ لمتروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم "40(سورة التوبة)
ألم تشمله الرحمة حين التف الكفار حول داره يريدون قتلهوالخلاص من رسالته .. فأعمى الله عيونهم عنه وخرج آمنا مطمئنا إلي حيث غايته، وفيذلك يقول الحق جل وعلا: وجعلنا من بين أيديهم سداًومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون "9"} (سورة يس)
كم من المعاركالضارية خاضها المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو على رأس أصحابه، وكم من محاولة غادرةماكرة حاكها الكفار والمشركون للخلاص منه ومن رسالته .. ولكن هيهات .. هيهات أنيتحقق ما ينشدون. فالحق سبحانه وتعالى رحمة بالبشرية جمعاء شمل نبيه بعنايته ورحمتهوشمل الرسالة برعايته وحمايته، حتى يخرج الناس من الظلمات إلي النور وقد قال جلوعلا: ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كرهالكافرون (سورة التوبة ـ9)
وقال سبحانه: والله متم نوره ولو كره الكافرون (سورة الصف ـ8)
ولم يكنرسول الله صلى الله عليه وسلم مشمولا برحمة الله فحسب .. بل كان هو نفسه رحمة تمشيعلى الأرض .. ومن يتتبع رسالته وما أحدثته في تاريخ العالم من تغيير سيدرك علىالفور أنه رحمة من الله للناس كافة وهذه الرحمة قد غمرت من آمن به ومن لم يؤمن وأناختلفت في القدر والكيف. وقد قال تعالى:وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين "107" (سورة الأنبياء)
ومن رحمة المولىتبارك وتعالى أنه كتب على نفسه الرحمة كما ذكر في قوله تعالى:كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلي يوم القيامة لا ريب فيه (سورةالأنعام ـ12)
وكما قال سبحانه: فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة (سورةالأنعام ـ 54)
وهذه الكتابة لا تنفي أن الرحمة صفة أصلية له .. متعلقةبذاته .. ولكي نفهم ذلك ينبغي أن ندرك أن صفات الله عز وجل لا ترغمه على أن يتصرفوفقا لها .. بمعنى أنه عز وجل رحيم، والرحمة صفة أصليه له، متعلقة بذاته .. ولكننانرى أحيانا أنه ـ سبحانه ـ يعامل بعض مخلوقاته بلا رحمة؛ لأنه إن شاء ذلك فعل .. فهو سبحانه وتعالى لا يحكم على نفسه معاملة خلقه بمنتهى الرحمة .. فكان الفرض منهوعليه، ورحمة الله قد وسعت كل شيء، فشملت المؤمن والكافر، المطيع والعاصي، الحيوانوالنبات، بل وشملت الجماد أيضا .. وقد قال جل وعلا: قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعك كل شيء (سورة الأعراف ـ 156))

وقال تعالى: ربنا وسعت كل شيءرحمته وعلماً (سورة غافر ـ 7)
ولعلك تشعر بالرحمة الفياضة إذا تأملتقطة ترضع صغيرتها. أو أسدا يداعب شبله في معركة لا يلحق الصغير منها أذى .. إنهارحمة الله التي لم تترك صغيرة ولا كبيرة في الكون إلا غمرتها. وقد قلنا مرارا إنالله عز وجل رحمن الدنيا ورحيم الآخرة .. فرحمانيته في الدنيا شملت جميع خلقه .. المؤمن والكافر والطائع والعاصي .. بينما يختلف الأمر في الآخرة، إذ أن رحمته ستشملالمؤمن فقط .. فكما شملتهم في الدنيا باسمه (الرحمن) فإنه سوف يشملهم في الآخرةباسمه (الرحيم) فيغفر لهم خطاياهم ويرحمهم ويدخلهم جنته برحمته، وفي ذلك يقول جلوعلا: أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم(سورة التوبة ـ 71)
ويقول سبحانه: فأماالذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه (سورة النساء ـ 175)

ويقول وقوله الحق: سيدخلهم الله في رحمته إنالله غفور رحيم (سورة التوبة ـ 99)
وإذا تتبعنا اسمه عز وجل (الرحمن)في الآيات القرآنية التي ورد فيها وكذلك إذا تتبعنا اسمه (الرحيم) لتأكد لدينا أنهرحمن الدنيا ورحيم الآخرة. خذ على سبيل المثال قوله تعالى: يا أبت لا تبعد الشيطان أن الشيطان كان للرحمن عصياً "44" يا أبت إنيأخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً "45" (سورة مريم)

لقدورد اسم (الرحمن) في الآيتين السابقتين ولم يرد اسم الرحيم .. وذلك لأن رحمانيةالله في الدنيا شملت جميع خلقه. ولو لم تشملهم جميعا لما أمهل الله عز وجل الشيطانإلي يوم القيامة، ولما أمهل آزر رغم أنه متمسك بشركه وكفره .. وتأمل أيضا قولهتعالى: لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرونبالرحمن (سورة الرعد ـ 30)
فعلى الرغم من كفر الكافرين، وضلال الضالين .. تجد أن الحق جل وعلا يشملهم برحمانيته فيمهلهم ويمد لهم في الوقت لعلهم يذكرونأو يخشون. وبينما تدل الآيات التي ورد فيها اسم الرحمن على شمول الرحمانية لجميعالمخلوقات في الدنيا، نجد أن اسم (الرحيم) لا يرد في الغالب إلا مع المؤمنينالطائعين أو التائبين النادمين ويتجلى ذلك في قوله تعالى:فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم (سورة البقرة ـ 160)
وقوله سبحانه: أولئك يرجون رحمت الله واللهغفور رحيم (سورة البقرة ـ 218)
وقوله تعالى: فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم "192" (سورة البقرة)
ومنكمال رحمته جل وعلا أنه لا يأخذ الكافر والمشرك والعاصي بذنوبهم على الفور .. بليمد لهم ويمهلهم لعلهم يرجعون. وفي ذلك يقول تبارك وتعالى: ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكنيؤخرهم إلي أجل مسمىً فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيراً "45" (سورةفاطر)
يأخذ الجميع ثم يتغمد عباده برحمته .. فيقيهم عذاب ناره، ويسكنهمفسيح جناته. وإن كانت رحمة الله عز وجل عامة شاملة في الدنيا كما أوضحنا .. فهذا لاينفي أن المؤمن يختص منها بنصيب متميز. فالرحمن بالكفار والعصاة تتجلى في إبقاءالله لهم وإمهالهم إلي أن يحين أجلهم .. ويتجلى أيضا في أن الله تبارك وتعالى لايرحمهم من نعمه. أما رحمة الله بالمؤمن .. فهي الحياة الكريمة الهادئة المستقرة فيالدنيا والآخرة .. إنها الحياة التي ينعم المؤمن فيها برضاه عن نفسه وعن خالقه وعنحياته .. وحتى ولو ابتلى أشد البلاء .. في صحته أو ماله أو أهله ..
وماذا يبغيالإنسان منا أكثر من ذلك؟
وانطلاقا من هذه الحقيقة اختص تبارك وتعالى أمةالتوحيد الصحيح الكامل .. أمة المصطفى عليه افضل الصلاة وأتم التسليم برحمات لاتحصى منها بل من أهمها القرآن الكريم .. الرحمة العظمى .. تلك الرحمة العامة التيقبلوها دون غيرهم من أمم الكفر والشرك .. فغمرتهم دون سواهم .. هذه الرحمة التيتتجلى في القلوب فلا يشعر بها إلا من قبلها .. ويعمي عنها من رفضها وردها فلا يلمسلها أثرا في نفسه ولا في غيره.
ومن هذه الرحمات أيضا أن الحق تبارك وتعالى جعللأمة محمد في قلب نبيهم رأفة ورحمة بهم .. ولقد كان لرحمته صلى الله عليه وسلمبصحابته والتابعين ما لها من الآثار والنعم .. تلك النعم التي لم تنقطع منا بعثتهوإلي وقتنا هذا. فحسبه عليه افضل الصلاة وأتم التسليم أنه على المسلمين أن من لايرحم لا يرحم .. وأن مثلهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرالجسد بالسهر والحمى .. وقد قال جل وعلا: لقدجاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم "128" (سورة التوبة)
ومن هذه الرحمات أيضا أنه عز وجل جعل في قلوبهم رأفةورحمة فيما بينهم مما أشاع الود والترابط بينهم .. وفي ذلك يقول تبارك وتعالى: وجعلنا في قلوب الذين أتبعوه رأفةً ورحمةً (سورةالحديد ـ 27)
ويقول سبحانه أيضا: محمدرسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم (سورة الفتح ـ 29)
ومن هذه الرحمات أنه جل وعلا يسر عليهم الحساب حتى يجتازوا الاختبار ويؤدواالأمانة التي حملوها باختيارهم .. فينتهوا إلي النعيم الأبدي الذي لا يعتريه شقاءولا كرب ولا ملل .. فمن جاء منهم بالحسنة ضاعفها له إلي عشرة أمثالها .. وإليسبعمائة ضعف .. ويضاعف فوق ذلك لمن يشاء .. ومن أتى بالسيئة فلا يجزي إلا بها، وفيذلك يقول تبارك وتعالى: من جاء بالحسنة فله عشرأمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي إلا مثلها وهم لا يظلمون "160" (سورةالأنعام)
كما قال سبحانه: من جاءبالحسنة فله خير منها وهم من فزعٍ يومئذٍ آمنون "89" (سورة النمل)
ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً إن اللهغفور شكور "23" (سورة الشورى)
وقال تبارك وتعالى: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبةٍ أنبتت سبع سنابل فيكل سنبلةٍ مائة حبةٍ والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم "261" (سورةالبقرة)

وقد جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب الحسناتوالسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له حسنة كاملة، فإن هوهم بحسنة فعملها، كتبها الله له عشر حسنات، إلي سبعمائة ضعف، إلي أضعاف كثيرة، ومنهم بسيئة فلم يعملها، كتبها الله له حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها، كتبها اللهسيئة واحدة.
وفضلا عن ذلك فإنه تبارك وتعالى قد فتح أمامهم باب التوبةوالمغفرة على مصراعيه .. حتى إذا ما أذنبوا فندموا فاستغفروا فرجعوا إليه غفر لهمذنوبهم وتغمدهم برحمته وفي ذلك يقول جل وعلا: قليا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوبجميعاً إنه هو الغفور الرحيم "53" (سورة الزمر)
ويقول سبحانه وتعالى: فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم "192" (سورةالبقرة)
ويقول جل وعلا: إلا الذينتابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم "89" (سورة آل عمران)
ويقول سبحانه: أنه من عمل منكم سوءا بجهلةٍ ثمتاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم (سورة الأنعام ـ 54)
ومن رحمته بهمأيضا أنه فتح أمامهم أبواب الخيرات .. لترجح كفة حسناتهم فينتهوا إلي حيث النعيمالأبدي .. إلي حيث صفاء النفوس المؤمنة صفاء لا يعكره كدر .. ونعيم لا يشوبه انقطاعأو يقطعه ملل. لقد نوع المولى عز وجل لهذه الأمة مصادر الحسنات .. ما بين صلاةوصيام وحج .. وفرض على نفسه أن يكافئ المحسن ولو على ذرة من الخير عملها في وقت منالأوقات، وفي ذلك يقول جل وعلا: فمن يعمل مثقالذرةٍ خيراً يره "7" (سورة الزلزلة)
فالابتسامة في وجه أخيك صدقة .. وإماطة الأذى عن الطريق صدقة .. الكلمة الطيبة صدقة .. اللقمة يضعها المرء في فمامرأته له بها صدقة. أي رحمة بعد ذلك وأي تخفيف؟. إنه سبحانه وتعالى يتلمس لناأسباب النجاة والفوز بالجنة، ويهيئ لنا من أبواب الخير ما يحول بيننا وبين جهنموالعياذ بالله .. فما علينا إلا أن نسلك الطريق وأن نغتنم هذه التيسيرات فنتقيالنار ولو بشق تمرة.
إن كل شيء في الكون رحمة من الله سبحانه وتعالى بخلقه حتىلو تبدي للناظرين أنه عناء وشقاء .. الشياطين .. الحيوانات المفترسة .. الثعابين .. العقارب .. الفجائع التي تصيب الإنسان في الأهل والأحباب .. في الصحة والمال .. كلهذا من رحمة الله بخلقه. فمن حكمته تبارك وتعالى ورحمته أنه أوجد للإنسان أعداءمتعددين يلاحقونه دوما .. حتى إذا ما ضاق بهم ذرعا .. وعجز عن مقاومتهم .. لجأ إليخالقه .. ليكون له طوق النجاة .. ولو أنه عز وجل لم يفعل ذلك لما ذكر الإنسان ربهإلا قليلا.
وهكذا يتجلى لنا أن الرحمة قد تكمن في جوف النقمة .. ولاشك أن كل مايقرب الإنسان من خالقه هو الخير بعينه والرحمة بعينها وأن تجلي للسطحيين أنه نقمةليس لوجودها مبرر. والمؤمن يجب أن يدعو الله دائما أن يتغمده برحمته في الدنياوالآخرة .. فالدعاء لاستجلاب الرحمة من خصال المؤمنين الصادقين المتقين الذين يخشونالله عز وجل ويخشون عذابه لأنهم على يقين أن الله حق وأن الجنة حق وأن النار حق .. ولنقرأ قوله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعهالها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسين أو أخطأنا ربنا ولا تحملعلينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعفعنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين "286" (سورةالبقرة)
وقوله تعالى: قال يا نوح إنهليس من أهلك إنه عمل غير صالحٍ فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون منالجاهلين "46" قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمنياكن من الخاسرين "47" (سورة هود)

وقوله تعالى: أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم (سورة البقرة ـ 218)
وقوله تعالى: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذهديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً (سورة آل عمران ـ 8)

وقوله تعالى: ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين(سورة المؤمنون ـ 109)
ولا يظن المؤمن أنه آمن بمحض مشيئته .. ولا يظنالطائع أنه أطاع بخالص قدرته وإرادته؛ لأن الانتقال من الكفر إلي الإيمان، ومنالمعصية إلي الطاعة يكون برحمة الله وتوفيقه واتل قوله تعالى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحدٍ أبداً (سورة النورـ 21)
ورحمة الله عز وجل مطلقة كسائر صفاته، ولقد أشار الحق تباركوتعالى إلي ذلك في العديد من الآيات القرآنية .. فقال جل وعلا: قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء} (سورة الأعراف 156)وقال سبحانه: قال لا تثريب عليكماليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين "92" (سورة يوسف)
إنه عز وجلارحم الراحمين وخير الراحمين، ورحمته وسعت كل شيء .. فهي الرحمة المطلقة التي غمرتكل المخلوقات وغمرت كل البشرية بما فيها من عناصر الكفر بالله والشرك به والمعصيةله والجحود بأنعمه. ومن العجيب أن هذه العناصر الكافرة والمشركة والمعصية تحاولهباء أن تشكك في طلاقة الرحمة .. فيقولون: كيف تكون رحمة الله مطلقة رغم أنه سيدخلبعضا من خلقه جهنم ويذيقهم أشد العذاب؟. محاولين بذلك أن يتلمسوا لأنفسهم مخرجا إذما اكتشفوا بعد الموت أن الله عز وجل حق، وإذا ما اكتشفوا زيف عقائدهم التي أصرواعليها في الدنيا.
وقد بينا في غير موضع سذاجة فكرهم وسطحية عقولهم، وجهلهمبمفهوم الكمال الإلهي .. ونكرر ما ذكرنا من قبل في هذه الجزئية الهامة حتى يعلم منلم يعلم، ويتثبت من علم. لقد قلنا ردا عليهم: أن هذا فهم قاصر .. إذ أن رحمة اللهقد شملت جميع مخلوقاته منذ أن خلقهم من العدم المطلق وتكفل بتوفير مقومات الحياةلهم من هواء وماء وطعام إلي غير ذلك مما لا نستطيع حصره، وفي مقابل ذلك طلب منهمعبادته وطاعته بما هو ميسور لهم من العبادات، وهذه العبادة ليست إلا القيام ببعضالأعمال وامتناع عن بعض .. علما بأن الالتزام بالفعل والامتناع يكفل لهم حياة كريمةهادئة ويحقق لهم الأمن والأمان وسعادة الدنيا والآخرة، فإذا أطاعوا الله فيما أمربه ونهى عنه فستشملهم رحمته في الآخرة كما شملتهم في الدنيا.
وأما من عصى ولميعبد الله بما يتناسب مع نعمه عليه فقد أسقط عن نفسه موجبات الرحمة في الآخرة،واستحق أن يعامله الحق عز وجل بمقتضى عدله المطلق الذي يقتضي معاملة كل إنسان وفقالعمله في الدنيا. ولو ساوى الله بين عباده في الحساب وأدخل الجميع فسيح جناته لأصبحظالما لعباده الصالحين الطائعين .. فعدله عز وجل يقتضي أن يكون رحمن الدنيا فتشملرحمته في الدنيا جميع خلقه، وأن يكون رحيم الآخرة فتشمل رحمته في الآخرة عبادهالصالحين الطائعين، بل إن تعذيب النفوس الشريرة التي دأبت على المعصية قد يكون رحمةمن الله سبحانه وتعالى لتطهير هذه النفوس من شرها وعنادها، فإذا أدخلها الجنة بعدذلك دخلت طاهرة بما يتناسب مع قداسة الجنة وقداسة أهلها.
إن الله تبارك وتعالىواحد أحد متعدد الصفات، ولكل صفة مجال للعمل، فصفة الرحمة لها موجبات، وصفةالانتقام لها موجبات، فإذا تحققت موجبات الرحمة حلت الرحمة حيث تحققت موجباتها .. وإذا تحققت موجبات الانتقام الإلهي .. حل الانتقام حيث تحققت موجباته .. ولا تعارضبين هذا وذاك.
وأنه لمن الجهل المتعمد بالكمال الإلهي أن ينتقي الإنسان منالصفات الإلهية ما يوافق هواه فيتشبث بها، بينما يغفل ويتناسى سائر الصفات وكأنهاليست من صفات الله عز وجل.
وقد قال النبي صلى اللهعليه وسلم: "إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه: "إن رحمتي سبقت غضبي"
وفي رواية "تغلب غضبي" أي غلبت بكثرة آثارها .. بدليل أن قسط الخلق من الرحمناكبر من قسطهم من العذاب، لنيلهم إياها بلا استحقاق، فقلم التكليف مرفوع عنهم إليالبلوغ، وعقوبة العصيان غير معجلة، وحتى مع العصيان فإن الله يرزقهم ويقبل توبتهم. إن الحق جلا وعلا رحمن رحيم في نفس الوقت الذي هو فيه شديد الانتقام وشديد العذاب،ولا تعارض البتة لمن يفهم المسألة على وجهها الصحيح. فسبحان الله وبحمده وسبحانالله العظيم .. الرحيم الذي ينزل إلي السماء الدنيا حين يمضي ثلث الليل الأولفيقول:
أنا الملك.
من ذا الذي يدعوني فاستجب له؟.
من ذا الذي يسألنيفأعطيه؟.
من ذا الذي يستغفرني فاغفر له؟.
فلا يزال كذلك حتى يضئ الفجر. .
فتبارك ربنا الملك الحق .. الرحمن الرحيم.


ام وليد2005 06-30-2014 04:26 AM

سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الملك )
 
الملك
ملك الشيء أي حازهوانفرد باستعماله والانتفاع به أو التصرف فيه. والاسم مالك .. وأملكه الشيء أو ملكهالشيء أي جعله ملكا له .. وتملك الشيء أي امتلكه.
(والملك) بفتح الميم واللام هوواحد الملائكة، وهو جنس من خلق الله تعالى نوراني لطيف كجبريل وعزرائيل. أما (الملك) بفتح الميم وكسر اللام فهو اسم من أسماء الله الحسنى .. وهو يعني ذو الملكوصاحب التصرف فيما يملك بجميع الوجوه ما علمناه منها وما لم نعلم. حين يملك الإنسانشيئا يقال له مالك .. ولكن ملكه محدود بحدود ما ملكه من أشياء. وقد يستخدم الاسم (ملك) مع الإنسان .. ولكن يلاحظ أنه يأتي دائما مضافا .. كأن نقول ملك بلجيكا أيولي السلطة ببلجيكا.
هذا عن ملك الإنسان .. أما عن ملك الحق جل وعلا فإن الأمريختلف، لأنه سبحانه وتعالى ليس مالكا فحسب .. بل هو الملك .... الذي يملك الأشياءويملك من ملكها. إذا امتلك إنسان قطعة أرض فإنه يصير مالكا .... أما الحق جل وعلا فهوالملك لأنه الملك هذا الإنسان ويملك قطعة الأرض ما بحكم كونه الخالق لهما وللكونبأكمله.... إن من يشتري شيئا يصير مالكا له .. فمن باب أولى أن ملكية الخالق لما خلقأجلى وأوضح.
وملك الله تبارك وتعالى لكونه يتضمن مفهوم الملكية البسيطةوالمستقى من ملكية الناس لبعض متاع الدنيا ويزيد عليه بوجوه أخرى .. فملكية الإنسانملكية رمزية، أما ملكية الله جل وعلا فهي ملكية حقيقية. إن لحق تبارك وتعالى يملكمخلوقاته ولا يشاركه في هذه الملكية أحد وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض ،سورة البقرة ـ(107)
ويقول عز وجل: ولله ملك السماواتوالأرض والله على كل شيء قدير (سورة آل عمران ـ (189)
ويقول تباركوتعالى: ولله ملك السماوات والأرض وما بينهماوإليه المصير (سورة المائدة ـ 18).
ويقول سبحانه: ولله ملك السماوات والأرض وما فيهن (سورة المائدة ـ 120)
ولقد كلف الله رسله عليهم افضل الصلاة والتسليم بإخبار الناس بهذه الملكية .. وبالفعل كان الرسل جميعا يدعون الناس إلي الإيمان بملكية الحق تبارك وتعالى لكونه،كما يدعونهم إلي الإيمان بعقيدة التوحيد الخالص، ولقد كلف الله نبينا عليه افضلالصلاة وأتم التسليم بأن يخبر الناس بأنه جل وعلا هو الملك الذي له ملك السماواتوالأرض .. فقال جل وعلا: قل يا أيها الناس إنيرسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيى ويميتفآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون(158سورة الأعراف)
ومن آثار ملكه عز وجل لكونه أنه يملك استبدال هذاالكون أو بعض منه بخلق جديد .. وفي ذلك يقول جل وعلا: يا أيها الناس أنتم الفقراء إلي الله والله هو الغني الحميد "15" إنيشأ يذهبكم ويأت بخلقٍ جديدٍ "16" وما ذلك على الله بعزيزٍ "17" (سورةفاطر)

كما يملك أيضا أن يضيف إلي كونه ما ليس فيه كما قال جل وعلا: الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكةرسلاً أولى أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير "1"(سورة فاطر)
ومن هذه الآثار أيضا أنه تبارك وتعالى يحيي ويميت منيشاء حين يشاء ولا يشاركه في ذلك أحد .. وقد رأينا ذلك الذي حاج إبراهيم في ربه .. هذا الرجل الذي آتاه الله ملكا، فتخيل بجهله أنه يملك الأحياء والإماتة فظن أنه إذاحكم على إنسان بالموت ثم عفا عنه فقد أحياه .. وإذا نفذ فيه الحم فقد أماته.
كان يملك سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يقول له: إن عفوك عن هذا الإنسان بعد أنحكمت عليه بالموت ليس إحياء، لأن الإحياء يكون من العدم أو يكون من الموت، وأنت لمتفعل هذا ولا ذاك، وإن افترضنا جدلا أنك عفوت عنه بعد أن حكمت عليه بالموت، فإنكبذلك لا تكون قد أحييته .. وإنما أبقيت على حياته والتي كانت له قبل أن تحكم عليهأو تعفو عنه .. أما عن ادعائك بأنك نفذت الحكم فإنك تكون بذلك قد أمته، فإن ذلك فهممغلوط؛ لأنك في حقيقة الأمر نفذت إرادة الله بموته، ولم تمته بإرادتك وقدرتك.
ولكن سيدنا إبراهيم لم يلجأ إلي كل هذا الجدل، لأن حجج قهر الكافرين المجادلينبالباطل لا تحصى، لكنه اختار حجة يسيرة لم يملك هذا الرجل لها دفعا ولا ردا .. وفيذلك يقول جل وعلا: ألم تر إلي الذي حاج إبراهيم فيربه أن آتاه الله الملك إذا قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحي وأميت قالإبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لايهدي القوم الظالمين "258" (سورة البقرة)
ومنها أنه سبحانه وتعالى يعلمعن كونه كل شيء .. يعلم كل صغيرة وكبيرة وفي ذلك يقول جل وعلا: وسع ربي كل شيء علماً أفلا تتذكرون (سورة الأنعام ـ 80)
ويقول سبحانه: وما تحمل من أنثى ولا تضع إلابعلمه} (سورة فاطر ـ 11)
ويقول عز وجل: ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض (سورةالمائدة ـ 97)
ويقول الحق تبارك وتعالى: قال ربي يعلم القول في السماء والأرض (سورة الأنبياء ـ 4)
ويقول عز من قائل: قل أنزله الذي يعلم السر فيالسماوات والأرض (سورة الفرقان ـ 6)
ومنآثار ملكه أيضا أن كل ما يستجد في الكون، وهو الغيب بالنسبة لنا يستجد بإرادتهوبعلمه .. وفي ذلك يقول سبحانه: قل اللهم فاطرالسماوات والأرض عالم الغيب والشهادة (سورة الزمر ـ 46)
ويقول سبحانهوتعالى: ثم تردون إلي عالم الغيب والشهادة فينبئكمبما كنتم تعملون (سورة الجمعة ـ 8)
ولم يقف علمه عند هذه الدرجة فحسب،بل أنه يعلم ما يجول بخواطر البشر، وما تنطوي عليه صدورهم، وفي ذلك يقول جل وعلا: ويعلم ما تخفون وما تعلنون} (سورة النمل ـ25)
ويقول سبحانه: وربك يعلم ما تكنصدورهم وما يعلنون "69" (سورة غافر ـ 16)
ومن هذه الآثار أيضا أن مآلكل شيء إليه .. فكما كانت البداية منه فإن النهاية تكون لديه .. كما قال عز وجل: له ملك السماوات والأرض وإلي الله ترجع الأمور "5" سورة الحديد)
وأنه مالك يوم الدين .. كما قال سبحانه وتعالى: الحمد لله رب العالمين "2" الرحمن الرحيم "3" مالكيوم الدين "4" (سورة الفاتحة)
وكما قال عز وجل: لمن الملك اليوم لله الواحد القهار (سورة غافر ـ 16)
وأنه سبحانه وتعالى منفرد بالملك، بلا شريك ينازعه في ملكه وربوبيته وألوهيتهفي الدنيا والآخرة .. كما قال جل وعلا: وقل الحمدلله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك (سورة الإسراء ـ 111)
وإذا كان الحق تبارك وتعالى هو الملك في الدنيا والآخرة، فهو ـ إذن ـ وحده وبلاشريك الذي يملك النفع والضر، وفي ذلك يقول عز وجل: قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً} (سورةالمائدة ـ 76)
ويقول سبحانه: قل منيرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار (سورة يونس ـ 31)
ويقول المولى تبارك وتعالى: ويعبدون من دونالله ما لا يملك لهم رزقاً (سورة النحل ـ 73)
ويقول الحق سبحانه: قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً (سورة الفتح ـ 11)
ويقول ربنا تبارك وتعالى: فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً (سورة الإسراء ـ 56)
ويقول وقوله الحق: ولا يملكون لأنفسهم ضراًولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً (سورة الفرقان ـ 3)
وإذا فهمنا ذلك فإنه ينبغي علينا أن ننصرف إليه وحده بالدعاء في كل صغيرةوكبيرة، لأن الدعاء لغيره دعاء لمن لا يملك شرا ولا نفعا .. بل إن جميع السبل التييلجأ إليها الإنسان لتحقيق أغراضه ومصالحه كالرشوة والوساطة وغيرها كلها أسباب بيدالله. وينبغي أن نفهم جيدا أن الأسباب لا تحقق ما لا يريد الله تحقيقه، وإذا صادفأن تحققت مصلحة بأحد هذه السبل، فإنها تكون قد تحققت لأن إرادة الله قد شاءت لها أنتتحقق فالإرادة الإلهية تحرك الأسباب، بينما لا تملك الأسباب أن تؤثر في الإرادة أوتحقق ما يخالفها. والحق تبارك وتعالى يحثنا على أن نتوجه إليه سبحانه بالدعاء ودونأن نشرك معه غيره مع الثقة أن كل شيء منه .. فيقول جل شأنه: قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعزمن تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير "26" (سورة آل عمران)
ولقد أدرك نبي الله سليمان عليه السلام هذه الحقيقة .. فدعا الله وحده أن يهبهملكا لا ينبغي لأحد من بعده .. فاستجاب الحق تبارك وتعالى لدعوته وسخر له كل عناصرالكون .. وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: قل رب اغفرلي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب "35" فسخرنا له الريح تجريبأمره رخاء حيث أصاب "36" والشياطين كل بناءٍ وغواصٍ "37" وآخرين مقرنين في الأصفاد "38" هذا عطاؤنا فأمنن أو أمسك بغير حسابٍ "39" وإن له عندنا لزلفى وحسن مآبٍ "40" (سورة ص)
إنه سبحانه وتعالى الملك .. الآمر الناهي في ملكه .. المعزالمذل .. الذي يقلب شئون عباده ويصرفها كيف يشاء .. والإقرار له جل وعلا بالملك فيالدنيا والآخرة والانفراد بهذا الملك فرض على المسلم. وقد التزم المصطفى صلى اللهعليه وسلم بهذا الفرض .. فكأن عليه افضل الصلاة وأتم التسليم يقول دوما صباحاومساء: "أمسينا وأمسى الملك لله. وفي الصباح يقول أصبحنا وأصبح الملك لله".
وكان يقول: "الحمد لله ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمدوهو على كل شيء قدير، اللهم إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما فيها، وأعوذ بك منشرها ومن شر ما فيها، اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهم وسوء الكبر وفتنة الدنياوعذاب القبر". والملك من الناس هو الذي يستغنى عن كل شيء سوى الله، وتلك رتبةالأنبياء عليهم السلام، وقد قال أحد المريدين لشيخه: أوصني .. فقال له: كن ملكا فيالدنيا وملكا في الآخرة.
فقال: وكيف؟
قال الشيخ: اقطع طمعك وشهوتك عنالدنيا تكن ملكا في الدنيا والآخرة، فإن الملك في الحريةوالاستغناء.

ام وليد2005 06-30-2014 04:29 AM

سلسة تفسير اسماء الله الحسنى ( القدوس )
 
القدوس
تقدس في اللغة يعنيتطهر .. ومنها (التقديس) أي التطهير .. والقدس بسكون الدال وضمها تعني الطهر ومنهاسميت الجنة حظيرة القدس .. وسمى جبريل روح القدس. والقداسة تعني الطهر والبركة .. وقدس الرجل لله أي طهر نفسه بعبادته وطاعته، وعظمه وكبره ومنها قوله تعالى: وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفةقالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلمما لا تعلمون "30" (سورة البقرة)
و(القدوس) بالضم والشد اسم من أسماءالله الحسنى وهو يعني المطهر. ولكن نبادر فنقول: إن مفهوم الطهارة الإلهية يختلف عنمفهوم الطهارة البشرية .. الطهارة البشرية لها أكثر من معنى .. منها الطهارة منالدنس .. ومن كل ما يكون سببا للإصابة بالآفات والأمراض كما في قوله تعالى: وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به (سورةالأنفال ـ 11)
وقوله سبحانه وتعالى: وثيابك فطهر "4" والرجز فاهجر "5" (سورة المدثر)
وقولهجل وعلا: فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهنحتى يطهرن (سورة البقرة ـ 222)
ومنها أيضا الطهارة من الآفات القلبيةوالنفسية كالحقد والحسد والبغض والبخل .. كما في قوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} (سورة التوبة ـ 102)
وكما في قوله: أولئك الذين لم يرد الله أنيطهر قلوبهم (سورة المائدة ـ 41)
ومنها أيضا التخلص من كل عبادة غيرعبادة الحق جل وعلا .. والتخلص من معصيته. كما في قوله تعالى على لسان قوم لوط: أخرجوا آل لوطٍ من قريتكم إنهم أناس يتطهرون(سورة النمل ـ 56)
أي يتطهرون من المعاصي. وقوله تعالى: إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا (سورة آلعمران ـ 55)
ومن الطهارة البشرية أيضا .. الطهارة من الجنابة .. كما فيقوله تعالى: وإن كنتم جنباً فاطهروا (سورةالمائدة ـ 6)
هذا عن الطهارة البشرية .. فماذا عن مفهوم القداسةالإلهية؟ هل يمكن أن تكون بمعنى الطهارة من الدنس أو الجنابة أو المعصية أو غير ذلكمن الوجوه المبطلة للطهارة البشرية؟ بالقطع لا يمكن أن تكون القداسة أو الطهارةالإلهية بهذا المعنى، بل أنها تختلف اختلافا مطلقا عن الطهارة البشرية. ولكي نفهمهذا الاختلاف ينبغي أن ندرك أن النجاسة ـ خاصة المادية ـ كالبول والبراز وخلافهمرتبطة بالبنية المادية للإنسان، فلولا الجسد لما كان هناك بول أو براز أو عرق أودم الحيض.
ونظرا لأن الإنسان يتكون من روح وجسد فإنه لم يخل من كافة وجوه الدنسالمرتبطة بتركيبه المادي. أما الحق جل وعلا فهو مبرأ من المادة .. أي أن المادة لاتدخل في تركيبه، وكيف تدخل المادة في تركيبه وهي مخلوق من مخلوقاته عز وجل .. ولقدكان الحق تبارك وتعالى ولم يكن معه شيء على الإطلاق .. كان الله ولم تكن هناك مادة. وكونه سبحانه وتعالى مبرأ من المادة يجعله مبرأ تبعا لذلك من جميع وجوه النجاسةوالدنس التي تصيب البشر بسبب بنيتهم المادية. وإذا انتقلنا إلي النجاسة أو الدنسالمعنوي كالكفر والشرك والمعصية نجد أنها منتفية في حق الله عز وجل لأنه غير خاضعلتكليف حتى يوصف بهذه الأوصاف.
وبالنسبة للآفات القلبية فهي أيضا منتفية في حقهتعالى، لأنه واحد أحد فرد صمد وليس له شبيه أو مثيل حتى ينظر إليه نظرة الحاسد أوالحاقد. فإذا كانت الطهارة الإلهية تختلف هذا الاختلاف الجذري عن مفهوم الطهارةالبشرية .. فماذا تعني القداسة أو الطهارة الإلهية إذن؟ نجيب على هذا السؤال فنقول: أن القداسة الإلهية تعني أن الحق جل وعلا مبرأ من كل عيب أو نقص يتعارض مع كمالهالمطلق. ولكن ما هي العيوب أو النقائص التي تتعارض مع الكمال الإلهي؟ قلنا من قبل:إن الكمال المطلق للحق تبارك وتعالى يقتضي كمال صفاته العلية، وهذا يعني أن جميعصفات الله عز وجل مطلقة وليست نسبية.
خذ على سبيل المثال صفة القدرة .. هذهالصفة نسبية لدى الإنسان بمعنى أنه يقدر على أشياء ولا يقدر على أخرى .. بينما نجدصفة القدرة لدى الحق جل وعلا مطلقة .. بمعنى أنه سبحانه قادر على كل شيء .. فلايعجزه شيء .. ولا يقف ضد إرادته حائل. والقدوس في هذا الصدد تعني أنه تبارك وتعالىمطهر عن النقص والعجز في الصفات .. فجميع صفاته مطلقة .. أي تبلغ منتهى الكمال فيالوصف، فرحمته مطلقة وعلمه مطلق، وحكمته مطلقة وسمعه مطلق، وعزته مطلقة وعدله مطلق،وهكذا شأن جميع صفاته تبارك وتعالى.
وقلنا أيضا: إن صفات الحق جل وعلا تنقسمإلي قسمين .. قسم مقابل .. وهو الأسماء الحسنى التي يكون عملها في مخلوقات الله عزوجل .. ومنها المعز المذل .. النافع الضار .. فالحق سبحانه وتعالى يعز من خلقه منيشاء ويذل من يشاء .. وينفع من يشاء ويضر من يشاء وقسم لا يقبل العكس أي أسماء ليسلها مقابل .. وهذه الأسماء هي أسماء للذات الإلهية العلية .. فمن أسمائه عز وجل (الحي) بينما ليس من أسمائه (الميت) .. لأن اسمه (الحي) من أسماء ذاته .. وأسماءالذات لا تقبل العكس. ومثل ذلك أيضا (العزيز) لا يصح أن نقول إن من أسماء الذليل. والقدوس في هذا الصدد تعني المطهر عما يناقض أسماء ذاته العلية .. فهو سبحانهوتعالى (الحي) المطهر عن الموت .. (العزيز) المطهر عن الذل .. (القادر) المطهر عنالعجز ..(الكريم) المطهر عن البخل .. (العليم) المطهر عن الجهل .. وهكذا شأن سائرأسماء ذاته الإلهية العلية.
وهو سبحانه وتعالى مطهر عن أن يكون له مثيل أوشبيه. ونؤكد على هذه الحقيقة نظرا لأن هناك عقائد عبر التاريخ يعتقد معتنقوها أنالحق جل وعلا خلق الإنسان على صورته ومثاله. فتقول لهم أن هذا الاعتقاد باطل منجميع الوجوه، لأنه إذا قيل إن المماثلة في القالب المادي .. قلنا لهم أن الحق عزوجل ليس بمادة .. أي لا تدخل المادة في تكوينه على الإطلاق .. فالمادة مخلوق منمخلوقاته عز وجل .. فكيف يدخل المخلوق في تكوين الخالق تبارك وتعالى عما يصفون علواكبيرا. إذن المماثلة الشكلية يرفضها العقل متفقا مع ما قرره القرآن الكريم. وإذاقيل أن المقصود المماثلة في الصفات .. قلنا لهم: إن هذه أيضا يرفضها العقل .. ولتوضيح ذلك ينبغي أن نعلم أن صفات الحق تبارك وتعالى قسمين:
قسم خاص به .. وهومجموعة الصفات الخاصة به والتي لا توجد في أي من مخلوقاته بأي درجة من الدرجات .. ومن هذه الصفات الوحدانية والخلق من العدم والإحياء والإماتة والبعث والأزليةوالأبدية والقيومية. وأنه سبحانه وتعالى لا تأخذه سنة ولا نوم، وأنه سبحانه فعاللما يريد، وكونه سبحانه الأول والآخر.
كل هذه الصفات خاصة بالحق جل وعلا ولا توجدلدى مخلوقاته مطلقا .. وهذه الصفات لا يمكن أن نتصور فيها المماثلة بين الله عز وجلوالإنسان لأنها غير موجودة لدى الإنسان.
أما القسم الثاني فهو الصفات الموجودةلدى الله والإنسان كالسمع والبصر والكلام والقدرة وغيرها من الصفات المشتركة. ونقوللأنصار المماثلة: أنه حتى بالنسبة لهذه الصفات أيضا لا يمكن تصور المماثلة بين اللهعز وجل والإنسان .. لأن الاشتراك هنا اشتراك لفظي أو مجازي فقط وليس اشتراكا أومماثلة حقيقية. خذ على سبيل المثال صفة القدرة لدى الإنسان .. تجد أن جميع ما توصلإليه الإنسان من مبتكرات قد توصل إليه بقدرته العقلية أو البدنية أو الاثنين معا .. فإذا تساءلنا من خلق الإنسان وخلق له قدرته العقلية والبدنية؟ فسنجد أن الله سبحانهتعالى هو الذي خلق الإنسان ومنحه القدرة العقلية والبدنية.
إذن انتفت لديناقدرة الإنسان وصارت مظهرا من مظاهر قدرة الله عز وجل .. وانتفت المماثلة تماما. وشتان بين أن نقول: إن الصفة لدى الإنسان تمثل مظهرا من مظاهر الصفة لدى الله عزوجل وبين أن تقول إن الصفة لدى الإنسان مماثلة للصفة لدى الله تبارك وتعالى. فالحقسبحانه وتعالى ولو كره الكافرون (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) .. وهو جل وعلامنزه ومطهر عن المثيل والشبيه والند والسمي والكفؤ والمضاد، فتباركت ربنا وتعاليت .. لا نتقول عليك شيئا فنتبوأ مقعدنا من النار، ولا نصفك إلا بما وصفت به نفسك فيكتابك أو على لسان نبيك .. وقد وصفت نفسك فقلت وقولك الحق: هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمنالعزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون "23"} (سورة الحشر).

ام ارجواااااان 06-30-2014 06:37 AM

رد: سلسة تفسير اسماء الله الحسنى ( القدوس )
 
http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwa...099459_420.jpg

ام ارجواااااان 06-30-2014 06:52 AM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الملك )
 
http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwa...100339_821.jpg

قلب الاميري 06-30-2014 09:02 AM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الملك )
 
http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwa...108138_527.gif

قلب الاميري 06-30-2014 09:02 AM

رد: سلسة تفسير اسماء الله الحسنى ( القدوس )
 
http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwa...108164_410.gif

قلب الاميري 06-30-2014 09:03 AM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الرحمن الرحيم )
 
http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwa...108183_663.gif

ام وليد2005 06-30-2014 06:31 PM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام ارجواااااان (المشاركة 3802904)
الله يسعد قلبك يارب
بالتووووووووووووووووفيق



http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwa...064772_853.jpg





http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwa...042000_498.jpg

ام وليد2005 06-30-2014 06:32 PM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بحــ العيون ــــــــر (المشاركة 3802995)
جزاكي الله خيرررررررر

http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwa...042000_498.jpg

ريحانة الجنة 07-01-2014 11:17 AM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الرحمن الرحيم )
 
يارحمن يارحيييييييييييم



بوركتي

ريحانة الجنة 07-01-2014 11:17 AM

رد: سلسة تفسير اسماء الله الحسنى ( القدوس )
 
يااااااقدوووس


بارك الله بجهدك ِ

ريحانة الجنة 07-01-2014 11:18 AM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الملك )
 
ياملك السماوات والارض ♥

بارك الله بطرحك وجهدك ونفع به

jojo 123456 07-01-2014 12:31 PM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الملك )
 
بارك الله فيك طرح مميز

jojo 123456 07-01-2014 12:36 PM

رد: سلسة تفسير اسماء الله الحسنى ( القدوس )
 
بارك الله فيك طرح مميز

jojo 123456 07-01-2014 12:44 PM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الرحمن الرحيم )
 
بارك الله فيك طرح مميز

ASMA layal 07-01-2014 02:53 PM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الرحمن الرحيم )
 
بارك الله فيك

ام ارجواااااان 07-01-2014 08:48 PM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
 
http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwa...236910_796.jpg

ام وليد2005 07-02-2014 04:13 PM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
 
http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwa...306801_432.jpg

غفران شكران 07-02-2014 04:15 PM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
 
جزاكي الله عناخير الجزاء سلمتي وسلمت اناملكي تقبلي شكري
hwaml13hwaml13hwaml13hwaml13hwaml13

اختكم غفران

ام وليد2005 07-02-2014 04:20 PM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى
 
السلام
(سلم) من الآفاتونحوها أي برئ .. و(أسلم) أي انقاد، وتطلق أيضا على من يعتنق الإسلام .. وأسلم أمرهلله أي فوضه فيه، وسالم زيد أي صالحه .. وسلم بالأمر أي رضي به .. وسلم على القومأي حياهم بتحية الإسلام.
و(الإسلام) هو الخضوع والرضا بالمسلم به.
وتطلقأيضا على الدين الذي نزله الله عز وجل على نبيه محمد عليه افضل الصلاة وأتمالتسليم. و(السم) أي الصلح وقد يراد بها الإسلام. و(السلام) اسم من أسماء اللهالحسنى، وهو يعني في اللغة البراءة من العيوب والنقائص .. ويشمل في ثناياه معانيمتعددة كالسكينة والأمان والاستقرار والهدوء. وابن القيم ـ رحمه الله ـ لله حول هذاالاسم من الأسماء الحسنى قول مأثور جاء فيه ما يأتي:
الله جل وعلا أحق بهذاالاسم من كل مسمى به، لسلامته سبحانه من كل عيب ونقص من كل وجه". "فهو السلام الحقبكل اعتبار، والمخلوق (أي المخلوق له) سلام بالإضافة، فهو سبحانه سلام في ذاته عنكل عيب ونقص يتخيله وهم، وسلام في صفاته من كل عيب ونقص، وسلام من أفعاله من كل عيبونقص وشر وظلم وفعل واقع على غير وجه الحكمة، بل هو السلام الحق من كل وجه وبكلاعتبار، فعلم أن استحقاقه تعالى لهذا الاسم اكمل من استحقاق كل ما يطلق عليه، وهذاهو حقيقة التنزيه الذي نزه به نفسه، ونزهه به رسوله.
فهو السلام من الصاحبةوالولد، والسلام من النظير والكفء والسمى والمماثلة، والسلام من الشريك". "ولذلكإذا نظرت إلي أفراد صفات كماله وجدت كل صفة سلاما مما يضاد كمالها، فحياته سلام منالموت ومن السنة والنوم، وكذلك قيوميته وقدرته سلام من التعب واللغوب، وعلمه سلاممن عزوب شيء عنه أو عروض نسيان أو حاجة إلي تذكر وتفكر، وإرادته سلام من خروجها عنالحكمة والمصلحة، وكلماته سلام من الكذب والظلم بل تمت كلماته صدقا وعدلا، وغناهسلام من الحاجة إلي غيره بوجه ما، بل كل ما سواه محتاج إليه وهو غني من كل ما سواه،وملكه سلام من مشارك له فيها، بل هو الله الذي لا إله إلا هو، وحلمه وعفوه وصفحهومغفرته وتجاوزه سلام من أن تكون عن حاجة منه أو ذل أو مصانعة كما يكون من غيره، بلهو محض جوده وإحسانه وكرمه. وكذلك عذابه وانتقامه وشدة بطشه وسرعة عقابه سلام من أنيكون ظلما، أو تشفيا، أو غلظة، أو قسوة، بل هو محض حكمته وعدله ووضعه الأشياءمواضعها، وهو ما يستحق عليه الحمد والثناء كما يستحق على إحسانه، وثوابه، ونعمه، بللو وضع الثواب موضع العقوبة لكان مناقضا لحكمته ولعزته، فوضعه العقوبة موضعها هو منعدله، وحكمته، وعزته، فهو سلام مما يتوهم أعداؤه الجاهلون به من خلاف حكمته.
وقضاؤه وقدره سلام من العبث والجور والظلم، ومن توهم وقوعه على خلاف الحكمةالبالغة". "وشرعه ودينه سلام من التناقص والاختلاف والاضطراب وخلاف مصلحة العبادورحمتهم والإحسان إليهم وخلاف حكمته ـ أي شرعه ودينه مطابق لحكمته عز وجل ـ بل شرعهكله حكمه، وحرمة، ومصلحة، وعدل، وكذلك عطاؤه سلام من كونه معارضة أو لحاجة إليالمعطي، ومنعه سلام من البخل وخوف الإملاق، بل عطاؤه إحسان محض لا لمعارضة ولالحاجة، ومنعه عدل محض وحكمة لا يشوبه بخل ولا عجز.
واستواؤه وعلوه على عرشسلام من أن يكون محتاجا إلي ما يحمله أو يستوي عليه، بل العرش محتاج إليه وحملتهمحتاجون إليه، فهو الغني عن العرش وعن حملته وعن كل ما سواه، فهو استواء وعلو لايشوبه حصر ولا حاجة إلي عرش ولا غيره ولا إحاطة شيء به سبحانه وتعالى، بل كانسبحانه ولا عرش ولم يكن به حاجة إليه وهو الغني الحميد، بل استواؤه على عرشهواستيلاؤه على خلقه من موجبات ملكه وقهره من غير حاجة إلي عرش ولا غيره بوجه ما.

ونزوله كل ليلة إلي سماء الدنيا سلام مما يضاد علوه، وسلام مما يضاد غناه.وكماله سلام من كل ما يتوهم معطل أو مشبه، وسلام من أن يصير تحت شيء أو محصورا فيشيء، تعالى الله ربنا عن كل ما يضاد كماله". "وغناه وسمعه وبصره سلام من كل مايتخيله مشبه أو يتقوله معطل وموالاته لأوليائه سلام من أن تكون عن ذل كما يواليالمخلوق المخلوق، بل هي موالاة رحمة، وخير، وإحسان، وبر كما قال عز وجل:
وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملكولم يكن له ولي من الذل (سورة الإسراء ـ 111)

فلم ينف أن يكون له وليمطلقا بل نفى أن يكون له ولي من الذل.
وكذلك محبته لمحبته وأوليائه سلام منعوارض محبة المخلوق للمخلوق من كونها محبة حاجة إليه أو تملق له أو انتفاع بقربه،وسلام مما يتقوله المعطلون فيها.
وكذلك ما أضافه إلي نفسه من اليد والوجه فإنهسلام عما يتخيله مشبه أو يتقوله معطل.
فتأمل كيف تضمن اسم السلام كل ما نزهعنه تبارك وتعالى. وكم ممن حفظ هذا الاسم لا يدري ما تضمنه من هذه الأسرار والمعانيوالله المستعان.
هذا ما جاء في حديث ابن القيم عن اسم الحق جل وعلا (السلام).ولقد ذكرنا مرارا أن المتأمل لكون الله عز وجل لابد أن يلمس لكل صفة من صفات الحقتبارك وتعالى أثارا لا تحصى. والسلام اسم من الأسماء الحسنى التي تمثل صفة من صفاتهعز وجل، فإذا تأملت الكون ستجد أن السلام كامن في كل بقعة من بقاعه، فالكون يسيروفقا لنظام محكم وثابت لا يعتريه خلل ولا عطب .. الأرض التي نعيش عليها تدور بسرعةكبيرة حول نفسها .. وتدور في نفس الوقت حول الشمس بما يترتب على ذلك من تعاقب الليلوالنهار وتعاقب فصول السنة.
ورغم هاتين الحركتين تجد أن الكون سلام من الأعطابوسلام من الاضطرابات .. الشمس تحافظ على بعد ثابت من الأرض لا تتجاوزه بالنقص أوبالزيادة .. فلو اقتربت الشمس من الأرض لاحترقت كل الكائنات الحية .. ولو بعدتلتجمدت كل الكائنات من البرودة. الكواكب التي تدور في فلكها حول الشمس منها ما يمثلأضعاف أضعاف الكرة الأرضية من حيث الحجم والوزن .. فماذا لو خرجت إحدى هذه الكواكبعن مدارها فصدم الكرة الأرضية؟. لا شك أنه سيصيب الأرض بدمار شامل .. وهب أن الأرضفقدت جاذبيتها للأجسام التي تعلوها؟
ألن تتطاير تلك الأجسام إلي الفضاء الخارجيبلا ضابط ولا رابط وماذا لو ضعفت القشرة الأرضية أو تفككت؟ ألن تسقط الكائنات الحيةضحايا للزلازل والبراكين؟. إن الموجودات الكونية جميعها تؤدي عملها بلا توقف وبلاأعطال أو خلل، فالكون كله في سلام وأمان وسكينة واستقرار، وان كان الحق جل وعلايصيبنا ببعض الكوارث الطبيعة بين الحين والآخر، فإنها إصابة مقصودة ولحكمة إلهية.فقد قلنا من قبل أن الحق تبارك وتعالى يريد بهذه الكوارث أن يجعلنا نذكره ونلجأإليه لنطلب منه العون والنجاة.
ويلاحظ أن هذه الكوارث تأتي في الغالب حين يكونهناك إعراض من الغالبية العظمى من الناس .. فتأتي الكارثة ليفيق الجميع من الغفوة،ويتذكر بعد النسيان. وقد تكون هذه الكوارث غضبا من الله عز وجل على من حلت بهملتجعلهم عبرة للمؤمنين. وقد تكون تذكرة لنا بنعمة السلام الدائم الذي نعيش فيه ليلنهار دون أن نلتفت إليها فنقدم من الحمد والشكر لله ما يكافئها. وقد غمرت صفةالسلام الكون بعد بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقبل الرسالة المحمدية كانالناس يعيشون في الجاهلية الأولى، وكانوا جميعا يفتقدون الأمن والسلام بسببأعمالهم. لقد كانوا يرتكبون كل المعاصي والجرائم بلا وزاع من دين أو ضمير: شربالخمر .. السرقة .. الزنا .. خيانة الأمانة .. الكذب .. النميمة .. الغيبة .. الرباوغيرها من المعاصي التي تجلب معها التناحر والحروب.
وحتى الأديانالسابقة لم تقض على حالة الفوضى التي عاشتها البشرية قبل الإسلام .. فالدولةالرومانية كانت تعتنق المسيحية ورغم ذلك لم تختلف طبيعة الحياة فيها عنها لدىالقبائل الوثنية. وقد قرأنا عن الحروب الطاحنة التي كانت تشنها هذه الإمبراطوريةلكي تغزو سائر الدول وتضمها تحت رايتها .. فلما جاء الإسلام بعقيدته القويمةوعباداته ومعاملاته حل السلام الحقيقي بين الناس وانحدرت نسبة الجرائم لتوشك علىالانعدام في بعض الدول الإسلامية. وقد انتقلت الحضارة الإسلامية إلي دول أوربالتنقلها من ظلمات الجهل إلي نور العلم .. وهذه حقائق يرصدها التاريخ الأوروبي نفسهوليست مجرد افتراء بدافع الإحساس بالنقص كما يدعي البعض.
بمجيء الإسلام اجتمعالسلام الكوني مع السلام بين الناس فصار الكون كله سلاما في سلام .. ولا ينقض هذهالحقيقة وجود بعض الخلافات والحروب بين بعض الدول، فالنزاعات والحرب سنن كونية ..وإنما الفيصل في الأمر هو حجم هذه الخلافات والحروب وما ينجم عنها من إخلال بالسلامالكوني. والإسلام سمي بهذا الاسم لما فيه من إسلام الوجه لله سبحانه وتعالى والخضوعله وطاعته .. ولما فيه من نشر السلام بين الناس. إن العبادات في الإسلام بما فيهامن تذكرة دائمة للإنسان بخالقه ولما فيها من تدريب على ضبط النفس وقمع الأهواء وبمايتخللها من إرشادات ونصائح كخطبة الجمعة وكالاستماع إلي تلاوة القرآن الكريم فيالصلاة وخارج الصلاة .. كل هذه المعاني الكامنة في العبادات الإسلامية تهذب النفسالبشرية وتجعل الإنسان في سلام داخلي مع نفسه ومع خالقه ومع الكون المحيط به وتجعلهفي سلام مع غيره من الناس.
والإسلام قد نظم أيضا القواعد التي تحكم المعاملاتبين الناس .. هذه القواعد تغطي جميع صور التعاملات .. وبها من القواعد العامة مايكفي لاستنباط قواعد تفصيلية لكل ما يستجد من وجوه التعامل. ونذكر من هذه التعاملاتالبيوع، السلم، الشفعة، الإجارة، الكفالة، الوكالة، الحرث والمزارعة، الاستقراضوأداء الديون، الرهن، العتق، الهبة، الوصية وغير ذلك كثير.
وتتسم هذه القواعدبتحقيق العدل بين الناس والتوازن بين مصالحهم المتعارضة، مما يؤدي إلي القضاء علىأسباب المشاكل بين الناس على مستوى الأفراد والدول .. فيقيهم شر الحروب الطاحنةوينشر بينهم السلام والود والأمان.
وفضلا عن ذلك. وضع الإسلام عقوبات معينة لكلمن يرتكب جريمة من الجرائم كالقتل والزنا والسرقة وشرب الخمر وغيرها من الجرائمالمخلة بالأمن والسلام بين الناس ..
فمن يرتكب أيا من هذه الجرائم يعاقب بالعقوبةالمحددة لها فتكون رادعة له ولكل من تسول له نفسه ارتكاب هذه الجريمة. إنه نظاممحكم شيده الإسلام والسلام إلا من سلم المسلمون من لسانه ويده، وكيف يوصف به من لميسلم هو من نفسه؟
ويقول سفيان بن عيينة رضي الله عنه: أوحش ما تكون الخلق،ثلاثة مواطن: يوم يولد فيرى نفسه خارجا مما كان فيه، أو يوم يموت فيرى قوما لم يكونعاينهم، ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم. قال: فأكرم الله فيها يحيى فخص بالسلامفقال: وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعثحياً "15" (سورة مريم ـ 15)
كأنه أشار إلي أن الله عز وجل سلم يحيىعليه السلام من شر هذه المواطن الثلاثة وآمنه من خوفها. فعلى هذا إذا سلم المسلمعلى المسلم فقال: "السلام عليكم" فكأنه يعلمه بالسلامة من ناحيته ويؤمنه من شرهوغائلته، كأنه يقول له: أنا مسلم لك غير حرب، وولي غير عدو. وقد أراد الحق سبحانهأن يكون الإسلام خاتما للأديان السابقة فقال:وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}
وقالسبحانه:فمن يريد الله أن يهديه يشرح صدرهللإسلام (سورة الأنعام ـ 125)
والسلام نعمة من الله يكافئ بها رسلهوعباده الصالحين .. كما قال جل وعلا:ولقد جاءترسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاماً قال سلام فما لبث أن جاء بعجلٍ حنيذٍ "69"(سورة هود)
وكما قال عز وجل:وسلامعليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً "15" (سورة مريم)وكما قالسبحانه:وتركنا عليه في الآخرين "78" سلام على نوحفي العالمين "79" (سورة الصافات)

وكما قال قوله الحق:وتركنا عليه في الآخرين "108" سلام على إبراهيم "109" (سورةالصافات)
وكما قال ربنا تبارك وتعالى:وتركنا عليهما في الآخرين "119" سلام على موسى وهارون "120" (سورةالصافات)

وكما قال سبحانه:وتركنا عليهفي الآخرين "129" سلام على آل ياسين "130" (سورة الصافات)
وكما قالسبحانه:وسلام على المرسلين "181" والحمد لله ربالعالمين "182" (سورة الصافات)
وكما قال عز وجل:قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم "69" (سورةالأنبياء)

ولقد شاءت إرادة الحق جل وعلا ألا تكون الدنيا في سلام كامل؛لأنه لم يرد للدنيا أن تكون دار قرار .. ولكن الأمر يختلف في الآخرة حين يكافئ اللهعز وجل عباده المؤمنين الطائعين بالجنة .. فقد شاء تبارك وتعالى أن تكون الجنة دارالقرار .. دار النعيم الأبدي الذي لا يقطعه مثقال ذرة من شقاء .. دار السلامالكامل. فإذا كنا قد عانينا في الدنيا من الأمراض المختلفة فإننا سننعم في دارالسلام ـ إن شاء لنا المولى بالنجاة من النار ـ بصحة دائمة لا يقطعها مرض حيث لاحكمة ولا مسوغ له حينئذ .. وإذا كنا قد تناحرنا وتحاربنا في الدنيا على متاع منمتاعها فإننا سننعم في دار السلام بود لا يقطعه حسد أو حقد أو غل أو ضغينة .. ومنأين تأتينا هذه الآفات القلبية وليس في الجنة إنسان ينقصه شيء .. إن أقل أهل الجنةدرجات سيكون لهم فيها ما تشتهي الأنفس وهم فيها خالدون.
حين يلقي المؤمنون ربهمسيحييهم بتحية السلام .. كما قال عز وجل:تحيتهميوم يلقونه سلام وأعد لهم أجراً كريماً "44" (سورة الأحزاب)
وسوفتحييهم الملائكة بتحية السلام .. كما قال سبحانه:جنات عدنٍ يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلكيجزي الله المتقين "31" الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلواالجنة بما كنتم تعملون"32" (سورة النحل)
وكما قال عز وجل:وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين (سورةالزمر ـ 73)
وكما قال ربنا:وأزلفتالجنة للمتقين غير بعيدٍ "31" هذا ما توعدون لكل أوابٍ حفيظٍ "32" من خشى الرحمنبالغيب وجاء بقلب منيب "33" ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود "34" لهم ما يشاءون فيهاولدينا مزيد "35" (سورة ق)

وبعد أن يدخلوا الجنة سيكون السلام تحيتهمالدائمة من الحق جل وعلا في ذلك يقول عز وجل: خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام (سورة إبراهيم ـ 23)
اللهم أخرجنا من الدنيا بسلام .. وابعثنا يوم القيامة آمنين في سلام واجعلنا منالخالدين في دارك .. دار السلام.

ام وليد2005 07-02-2014 04:30 PM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
 
المؤمن
آمن به أي وثق بهوصدقه، والمضارع يؤمن، والمصدر إيمان. وآمن بشيء أي اعتقده حقيقة .. والإيمانالتصديق .. وأمن بكسر الميم أي اطمأن ولم يخف.
والإيمان وصف يوصف به الإنسان .. يقال آمن فلان أو فلان مؤمن .. والإيمان بمعناه الشرعي يعني أن يؤمن الإنسان بكل مادعانا الله عز وجل للإيمان به.
وآمن بالله أي اعتقده حقيقة .. فآمن بوجوده وبصفاتهالتي وصف بها نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه عليه افضل الصلاة وأتم التسليم. وقددعانا الله إلي الإيمان بملائكته .. أي بوجودهم وبصفاتهم التي بينها لنا .. ودعاناإلي الإيمان بالكتب السماوية التي أنزلها .. والإيمان بالرسل الذين أرسلهم بكتبه عزوجل .. وفي ذلك يقول جل وعلا: آمن الرسول بما أنزلإليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسلهوقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير "285" (سورة البقرة)
إنالآية السابقة أوضحت أن حصر ما ينبغي أن يؤمن به الإنسان ليس بالأمر اليسير .. ذلكلأن الإنسان مكلف أن يؤمن بكل ما أنزله الله عز وجل على رسوله محمد عليه افضلالصلاة وأتم التسليم .. أي مطالب أن يؤمن بالقرآن الكريم كلا وتفصيلا .. فيؤمن بأنهكتاب من عند الله عز وجل ويؤمن بصحة ما جاء فيه.
وأن يؤمن بما جاء في السنة النبويةالشريفة هذا عن معنى الإيمان حين يتعلق بالإنسان.
فما المقصود (بالمؤمن) حينيكون اسما ووصفا للحق تبارك وتعالى؟
المؤمن كوصف من أوصاف الله عز وجل له معانمتعددة .. منها أنه تبارك وتعالى مؤمن بكل ما دعانا إلي الإيمان به .. فهو مؤمن أنهموجود .. ومؤمن بأنه موصوف بصفات الكمال المطلق، ومؤمن بأنه واحد أحد، ومؤمن أنه لاإله سواه، حيث قال جل وعلا: شهد الله أنه لا إلهإلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم "18" (سورة آل عمران)

وسمى أيضا بهذا الاسم لأنه يؤمن عباده من كل خوف .. كماقال سبحانه:لإيلاف قريش "1" إلفهم رحلة الشتاءوالصيف "2" فليعبدوا رب هذا البيت "3" الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف "4" (سورة قريش)
وقال سبحانه أيضا: وعدالله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين منقبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لايشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون "55" (سورة النور)
وقال عز وجل: وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذاالبلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام "35" (سورة إبراهيم)
فاستجابالله عز وجل لدعوة أبي الأنبياء كما أخبرنا في كتابه العزيز فقال: إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدىً للعالمين "96" فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاعإليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين "97" (سورة آل عمران)
وهو لا يؤمن عباده من مخاوف الدنيا فحسب، بل يؤمنهم من عذاب جهنم، ويبعثهم يومالقيامة من الفزع آمنين، وذلك بدعوته عز وجل لهم للإيمان به والالتزام بطاعته .. ولقد كرر سبحانه الدعوة إلي الإيمان في كتابه العزيز فقال جل وعلا:ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيثمن الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوابالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم "179" (سورة آل عمران)
وقال عز من قائل: يا أيها الناس قد جاءكمالرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيراً لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرضوكان الله عليماً حكيماً "170" (سورة النساء)
وقال سبحانه: قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملكالسماوات والأرض لا إله إلا هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي يؤمنبالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون "158" (سورة الأعراف)
وإذا استجابالإنسان لهذه الدعوة إلي الإيمان والدعوة إلي النجاة يكون جزاؤه الأمن يوم الفزعالأكبر .. كما قال عز وجل: من جاء بالحسنة فله خيرمنها وهم من فزعٍ يؤمئذ آمنون "89" (سورة النمل)
وقال سبحانه: وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم باللهما لم ينزل به عليكم سلطاناً فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون "81" الذينآمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون "82" (سورةالأنعام)
وينعم عليهم بنعمة الأمن الدائم في جنات الخلد .. كما قالتعالى:
يدعون فيها بكل فاكهةٍ آمنين "55" لايذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم "56" (سورةالدخان)
ويقول الإمام الغزالي: إن حظ العبد من هذا الوصف أن يؤمن الخلقكلهم جانبه، بل يرجو كل خائف الاعتضاد به في رفع الهلاك عن نفسه في دينه ودنياه،
كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمنبالله واليوم الآخر فليأمن جاره بوائقه.

وأحق العباد باسم المؤمن من كانسببا لأمن الناس من عذاب الله بالهداية إلي طريق الله والإرشاد إلي سبيل النجاة. فندعوه سبحانه وتعالى أن يهبنا إيمانا صادقا كإيمانه عز وجل بوجوده وبوحدانيتهوكمال صفاته .. وندعوه أن يهبنا الأمن في الدنيا، ويبعثنا يوم القيامة من الفزعآمنين فهو عز وجل كما وصف نفسه قائلا:هو اللهالذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبرسبحان الله عما يشركون "23" (سورة الحشر)



ام وليد2005 07-02-2014 04:32 PM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
 
المهيمن
هيمن على شيء أيسيطر عليه .. و(المهيمن( أي المسيطر، وهو اسم من أسماء الله الحسنى. فالحق سبحانهوتعالى مهيمن على كونه منذ لحظة خلقه .. وهيمنته مستمرة إلي أن تقوم الساعة، فينالكل عامل جزاء عمله. وهذه الهيمنة الإلهية لها صور وآثار لا تحصى .. منها أن كل شيءيحدث في الكون يحدث بأمره عز وجل .. الخلق كان بأمره كما جاء في الحديث القدسي: "كنت كنزا مخفيا فأردت أن اعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني" وبعد الخلق .. كل شيء يحدثفي الكون يحدث بأمره عز وجل ومشيئته، وأمر الله عز وجل لا يقف دونه حائل، وهذا منمقتضيات الهيمنة كما قال عز وجل: إنما أمره إذاأراد شيئاً أن يقول له كن فيكون "82" (سورة يس(
وكما قال: والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون (سورة يوسفـ 21(
جميع المخلوقات الكونية تؤدي عملها بأمره عز وجل .. السفنالعملاقة التي تجري في البحر، تجري بأمره .. فإذا قيل أنها تسير وفقا لقانون الطفوكقول أدعياء العلم!! نقول لهم إن أمر الله هو الذي أوجد هذا القانون .. فهو الذيشاء للأجسام الأقل كثافة من الماء أن تطفو على السطح، والأكبر كثافة أن تغوص .. ولوشاء أن تغوص كل الأجسام في الماء لغاصت .. ولرصد العلماء هذه الظاهرة وصار القانونأن جميع الأجسام تغوص في الماء، لذلك يقول سبحانه وتعالى:وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون "41" وخلقنا لهم من مثلهما يركبون "42" وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون "43" إلا رحمةً مناومتاعاً إلي حينٍ "44" (سورة يس(
ويقول أيضا: وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره (سورة إبراهيم ـ 32)
الشمس والقمر وسائر الكواكب والنجوم كلها تدور في فلكها بأمره عز وجل .. وهذهالمسألة أعيت الشيوعيين الملحدين والذين يفسرون نشأة الكون تفسيرا ماديا حيث جاءواعندها وتساءلوا: إذا كنا قد فسرنا نشأة الكون على أنها حاصل وتراكمات للعديد منالتفاعلات الكيميائية عبر ملايين السنين .. فكيف نفسر هذا النظام المحكم الدقيقلحركة الأفلاك؟ ولكن القرآن الكريم يجيب على هذا التساؤل إجابة شافية فيقول: إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستةأيامٍ ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوممسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين "54" (سورةالأعراف(
فإليه ترجع عاقبة الأمور .. هو الذي يفصل فيها بإرادته .. وإرادته نافذة، ومشيئته متحققة .. وفي ذلك يقول جل وعلا: ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلي الله ترجع الأمور "109" (سورة البقرة(
ويقول سبحانه: ليقضيالله أمراً كان مفعولاً وإلي الله ترجع الأمور (سورة الأنفال ـ 44(
والله عز وجل لا يهيمن على الظواهر الكونية فحسب .. بل تمتد هيمنته لتشملالأحداث البشرية .. كلها تحدث بأمره، وفي ذلك يقول جل وعلا: ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أننبرأها إن ذلك على الله يسير "22" لكلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكموالله لا يحب كل مختالٍ فخورٍ "23" (سورة الحديد(
ومن مظاهر هذهالهيمنة الإلهية أيضا أنه سبحانه وتعالى يعلم كل صغيرة وكبيرة في كونه .. وهذا أمربديهي لأنه الخالق؛ ولأن كل ما يقع في الكون يقع بأمره .. وقد أكد عز وجل هذهالحقيقة فقال: وعنده مفاتح الغيب لا يعلهما إلا هوويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها ولا حبةٍ في ظلمات الأرض ولارطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبينٍ "59" (سورة الأنعام(
ويقول سبحانه: وما تكون في شأنٍ وما تتلوا منه من قرآن ولاتعلمون من عملٍ إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرةٍفي الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتابٍ مبين "61" (سورةيونس(
ومن هيمنته سبحانه وتعالى أنه يتولى كونه بالرعاية والحفظ .. حتىيظل هذا الكون على ما هو عليه من ثبات ومن نظام محكم دقيق .. ولو كان تبارك وتعالىممن تأخذهم سنة أو نوم لاختل النظام الكوني وانتهى إلي الفناء والعدم، ويخبرنا الحقجل وعلا عن هذا الثبات الكوني والذي هو حادث بهيمنته عز وجل فيقول:والشمس تجري لمستقرٍ لها ذلك تقدير العزيز العليم "38" والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم "39" لا الشمس ينبغي لها أن تدركالقمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلكٍ يسبحون "40" (سورة يس(
المخلوقات الكونية جميعها تلتزم مداراتها الخاصة، فلا يخرج كوكب عن مداره ليصدمكوكبا آخر .. كل مخلوق يعرف مكانه ويعرف عمله فلا يخرج عن هذا ولا ذاك. وقد ذكرنامن قبل أن من الصفات الخاصة للحق جل وعلا القيومية والتي تعني قيامه بنفسه قيامامطلقا .. أي لا يحتاج إلي غيره في شيء .. فهو جل وعلا موجود غير مخلوق .. فلا خالقله حتى يشعر بالافتقار إلي خالقه وهو سبحانه لا يجوع فيحتاج إلي طعام .. أو يعطشفيحتاج إلي شربة ماء .. ولا يتعب فيلتمس الراحة في استرخاء أو نوم أو حتى سنة منالنوم .. ولا يشعر بوحشة فيحتاج إلي مؤنس أو صاحبة أو ولد.
وكما أنه تباركوتعالى قائم بذاته فإنه مقيم لغيره .. فمخلوقاته قائمة به منذ أن خلقها ووفر لهامقومات حياتها .. وهو الذي تكفل برعايتها وحفظها حتى تؤدي غاية الله من خلقها. وحفظالمخلوقات من أظهر الآثار على هيمنة الحق جل وعلا على كونه، فلو أنه لم يتول هذهالمخلوقات بالرعاية والحفظ لما دامت على ما هي عليه، ويخبرنا عز وجل عن هذا الحفظفيقول: الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذهسنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلمما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيءٍ من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماواتوالأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم "255" (سورة البقرة(
وهذهالآية الكريمة تشير إلي حفظ الحق جل وعلا لملكه سواء أريد بهذا الحفظ .. الحفظ منالخلل والأعطاب والفناء، أو أريد به الحفظ من حيث العدد والصفات وما إلي ذلك،فالحفظ بمعنييه متحقق بالنسبة لله عز وجل. ويجب أن نأخذ قول الحق (وسع كرسيه( فيإطار ليس كمثله شيء، والكرسي في اللغة من الكرس، والكرسي هو التجميع، ومنه الكراسةوهي عدة أوراق مجمعة.
وكلمة "كرسي" استعملت في اللغة بمعنى الأساس الذي يبنيعليه الشيء، فمادة (الكرس( الكاف والراء والسين تدل على التجميع، وتدل على الأساسالذي تثبت عليه الأشياء، فنقول: اصنع لهذا الجدار كرسيا، أي ضع لهذا الجدار أساسايقول عليه. وتطلق على القوم العلماء الذين يقوم بهم الأمر فيما يشكل من الأحداث،والشاعر العربي قال: "كراسي في الأحداث حين تنوب" أي يعتمد عليهم في الأمورالجسيمة. وحين ينسب شيء من ذلك للحق سبحانه وتعالى، فإن للسلف هنا كلاما، وللخلفكذلك.
يقول السلف: كما قال الله نأخذها ولكن نضع كيفيتها وتصورها في إطار (ليسكمثله شيء( وبعضهم قال: نؤولها بما يثبت له صفة من الصفات، كما يثبتون قدرة الحقبقوله الحكيم: يد الله فوق أيديهم (من الآية 10سورة الفتح)
أي أن قدرة الله فوققدرتهم، وكما قال سبحانه عن قدرته في الخلق: والسماء بنيناها بأييدٍ وإنا لموسعون "47" (سورة الذاريات)
إن كمال قدرة الله أحكم خلق السماء، والحق سبحانه مقدس ومنزه عن أن يتصورالمخلوق كلمة (يد( بالنسبة له. ونحن نقول: الله قال ذلك فيجب أن نأخذها كما قال،لأنه سبحانه أعلم بذاته ونفسه، ونحيلها إلي كونه تعالى ليس له شبيه أو نظير.
والعلماء قالوا عن الكرسي: أنه ما يعتمد عليه، فهل المقصود علمه؟ نعم. وهل المقصودسلطانه وقدرته؟ نعم، لأن كلمة (كرسي( توحي بالجلوس فوقه، والإنسان لا يجلس إلا إذااستتب له الأمر ولذلك يسمونه (كرسي الملك( لأن الأمر الذي يحتاج إلي قيام وحركة لايجعلك تجلس على الكرسي، فعندما تقعد على الكرسي، فمعنى ذلك أن الأمر قد استتب، إذنفهو بالنسبة لله السلطان، والغلبة والقهر، والقدرة.
أو نقول: مادام قال: (وسعكرسيه السماوات والأرض( فالقصد دخول السماوات والأرض في وسعه واحتماله .. ونحن نعلمأن السماوات والأرض وما فيهن كائنات كبيرة بالنسبة لنا .. فعندما يقول الحق عز وجل: أن الكرسي قد وسعها .. نفهم من ذلك أن الكرسي أعظم من السماوات والأرض أي دخل فيوسعه السماوات والأرض.

ولذلك يقول أبو ذر الغفاري رضيالله عنه وأرضاه سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الكرسي فقال: يا أبا ذر: ماالسماوات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة. وان فضلالعرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة.
والبشرية بكل ما وصلت لهمن إنجازات علمية قد وصلت إلي القمر فقط وهو مجرد ضاحية من ضواحي الأرض، ومفصول عنابمسافة تقاس بالثواني الضوئية. ولقد تعودنا في حياتنا أن نستخدم وحدات الميلوالكيلومتر لقياس الأطوال والأبعاد الكبيرة، لكننا اكتشفنا أن هذه الوحدات ليست ذاتنفع في قياس أبعاد النجوم، فالشمس مثلا تبعد عن الأرض ثلاثة وتسعين مليون منالأميال، لذلك وضع علماء الفلك وحدة ملائمة لقياس أبعاد النجوم وهي ما نسميهبالنسبة الضوئية .. ونحن نذهل عندما نعرف أن بعض النجوم يصل ضوؤها إلينا في خمسينسنة ضوئية، كل ذلك ونحن لم نصل بعد إلي السماء الدنيا، فما بالنا ببقية السماوات؟
إذن فحدود ملك الله فوق تصورنا .. لذلك نتساءل أي عظمة هي عظمة كرسي ذي الجلالوالإكرام؟ الحق عز وجل يقول: (وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما( ومعنىأده الشيء .. أي أثقله. وحتى نفهم ذلك هب أن إنسانا يستطيع أن يحمل عشرة كيلوجرامات، فإن زدنا هذا الحمل إلي عشرين من الكيلو جرامات فإن الحمل يثقل عليه، ويجعلعموده الفقري معوجا حتى يستطيع أن يقاوم الثقل، فإن زدنا الحمل أكثر فقد يقع الرجلعلى الأرض من فرط زيادة الوزن!

إذن فمعنى (ولا يؤوده حفظهما( أي أنه لا يثقلعلى الله حفظ السماوات والأرض .. إن السماء والأرض وهما فوق اتساع رؤية البشر، قدوسعهما الكرسي الرباني. وقال بعض المفسرين: إذا كان الكرسي لا يثقل عليه حفظالسماوات والأرض فما بالنا بصاحب الكرسي؟ هاهو ذا الحق سبحانه وتعالى يطمئننافيقول:إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولاولئن زالتا إن أمسكهما من أحدٍ من بعده إنه كان حليماً غفوراً "41" (سورةفاطر(
إنه الحق وحده تبارك وتعالى الذي يحفظ السماوات والأرض في توازنعجيب ومذهل، ولئن قدر لهما أن تزولا .. فلن يحفظهما أحد بعد الله، أي لا يستطيع أحدإمساكهما، فهما قائمتان بقدرة الواحد القهار، وإذا أراد الله أن تزولا فلا يستطيعأحد أن يمسكهما ويمنعهما من الزوال. وقد بدأ الحق جل وعلا آية الكرسي بإثبات بعضالصفات له وهي الحي .. القيوم .. وكونه تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم .. ويستلزمقيوميته أو قيامه سبحانه وتعالى بذاته وإقامته لغيره .. ويستلزم أن يكون له الملكحتى يتصرف في ملكه كيف يشاء. ويحدثنا تبارك وتعالى عن هذا الحفظ وهذه الرعايةالدائمة فيقول: ولقد جعلنا في السماء بروجاًوزيناها للناظرين "16" كل شيطانٍ رجيمٍ "17" إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين"18"(سورة الحجر)
ويحدثنا عز وجل عن حفظه لبني آدم فيقول: وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظةً حتى إذا جاء أحدكمالموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون "61" ثم ردوا إلي الله مولاهم الحق ألا له الحكموهو أسرع الحاسبين "62" قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفيةًلئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين "63" قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتمتشركون "64" (سورة الأنعام(
ومن مظاهر هيمنة الحق عز وجل على ملكه أنهيملك أن يزيد فيه أو ينقص منه ما يشاء ويعطينا عز وجل مثال على ذلك في قوله تعالى: الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكةرسلاً أولى أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير "1" (سورة فاطر)
والكون ليس أزليا أبديا كما يعتقد بعض الملحدين .. فلاجدال في كونه مخلوق له بداية لم يكن موجودا قبلها، واستمراريته على هذا النحو منالثبات والانتظام ترجع إلي رعاية وحفظ الله له، وحين تشاء إرادته عز وجل لهذاالعالم أن ينتهي .. سينتهي وسيختل النظام، وهذا ما سيحدث يوم القيامة، كما صورهالحق في العديد من الآيات القرآنية فقال سبحانه: إذا زلزلت الأرض زلزالها "1" وأخرجت الأرض أثقالها "2" وقال الإنسانما لها "3" يومئذٍ تحدث أخبارها "4" بأن ربك أوحى لها "5" يومئذ يصدر الناس أشتاتاًليروا أعمالهم "6" فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره "7" ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره "8" (سورة الزلزلة)
وقال عز وجل: إذاالسماء انشقت "1" وأذنت لربها وحقت "2" وإذا الأرض مدت "3" وألقت ما فيها وتخلت "4" وأذنت لربها وحقت "5" يا أيها الإنسان إنك كادح إلي ربك كدحاً فملاقيه "6" (سورةالانشقاق(
وكما قال سبحانه: القارعة "1" ما القارعة "2" وما أدراك ما القارعة "3" يوم يكون الناس كالفراش المبثوث "4" وتكون الجبال كالعهن المنفوش "5" فأما من ثقلت موازينه "6" فهو في عيشة راضيةٍ "7" وأما من خفت موازينه "8" فأمه هاوية "9" وما أدراك ما هيه "10" نار حامية "11"(سورة القارعة(
جميع الآيات السابقة تصف لنا هول القيامة، ونفهم منها أنهذا الثبات وهذا النظام الدقيق المحكم الذي ظن الملحدون أنه أزلي أبدي سوف يتحطموينقلب رأسا على عقب، وساعتها سيدرك الجميع أن الكون كان يسير بأمر الله ورعايتهوحفظه، وأنه حين شاء له النهاية .. كانت النهاية. وينبغي ألا ننسى أن هيمنة الحق جلوعلا تمتد لتشمل قلوب عباده، ويوم القيامة خير دليل على ذلك .. فالناس في هذا اليومقسمان:
قسم تبلغ قلوبهم الحناجر من شدة الخوف والرعب .. وقسم من الفزع يومئذآمنون .. فالقلوب بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. وليس أدل على ذلك من أن الموقفيوم القيامة موحد على الجميع ولكن المشاعر شتى .. فندعوه سبحانه وتعالى أن يهيمنعلى قلوبنا يوم الفزع الأكبر ويهبنا الثبات والسكينة والطمأنينة .. فهو عز وجل كماوصف نفسه: هو الله الذي لا إله إلا هو الملكالقدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون "23"(سورة الحشر(.

ام وليد2005 07-04-2014 07:46 PM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
 
العزيز
عز أي قوي وسلم منالذل .. وعز فلان على فلان أي كرم عليه، وعز على كذا أي شق على .. وعز فلانا أيغلبه وقهره .. وأعزه أي جعله قويا عزيزا. والعزيز اسم من أسماء الله الحسنى ويعنيالغالب الذي لا يهزم، وهو اسم يضم ثناياه العديد من الصفات: كالقوة والغلبة والقدرةعلى كل شيء والقيومية. وهذه العزة تتجلى في العديد من الآيات القرآنية الكريمة منهاقوله تعالى:الذين أخرجوا من ديارهم بغير حقٍ إلاأن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع صلواتومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز "40"(سورة الحج)
فالحق تبارك وتعالى بعزه قوته يحول دون تهدم المساجدوالصوامع والبيع .. وبعزة قوته ينصر من يشاء من عباده، ولا يعوقه عن هذا النصرعائق؛ لأنه سبحانه العزيز بقوته التي لا تدانيها قوة. ومن هذه الآيات أيضا قولهتعالى:يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إنالذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاًلا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب "73" ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز"74" (سورة الحج)
فبعد أن لفتنا الحق جل وعلا إلي عجز وضعف الآلهةالباطلة والتي لا تستطيع مجتمعة أن تخلق ذبابة .. بل أنهم لا يستطيعون استرداد ماسلبه الذباب منهم، ويلفتنا في نفس الوقت إلي قوته وعزته، فهو سبحانه وتعالى قادرعلى ما يعجز عنه غيره. ويلاحظ من التقابل في هذه الآية الكريمة أن الضعف قرينالمذلة والقوة قرينة العز. فضعف هذه الآلهة الزائفة بما يترتب عليه من عجز وذلوانكسار يلفتنا إلي استحالة كونها آلهة.
في حين نجد العكس بالنسبة لله عز وجل،فقوته وقدرته على إنفاذ إرادته بما يترتب على ذلك من عزته تبارك وتعالى يلفتنا إليحقيقة ألوهيته، والحق تبارك وتعالى ختم الآية السابقة بقوله تعالى: )وما قدروا اللهحق قدره إن الله لقوي عزيز) .. فإذا عجز من في الأرض جميعا على خلق ذبابة ولواجتمعوا لذلك، فهذا يلفتنا إلي قوة الله عز وجل وقدرته اللامحدودة. إنه تباركوتعالى قد خلق هذا الذباب الذي عجزنا عن خلقه رغم ضآلته، وخلقه بكلمة )كن) دون عناءأو إعياء، وإذا كنا لا نستطيع أن نستنقذ ما سلبه الذباب منا فهو جل وعلا قادر علىذلك. فالقوة الإلهية اللانهائية والقدرة اللانهائية تستوجب العزة للذات الإلهية،فالحق جل وعلا لا يضعف فينكسر ولا يذل لقوي يعينه أو يعجز فينكسر، أو يذل إلي قادرينجز له ما عجز عنه. ولقد قرن الحق تبارك وتعالى صفة القوة بصفة العزة في آيات أخرىمتعددة، منها قوله تعالى:لقد أرسلنا بالبيناتوأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديدومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز "25" (سورةالحديد)
وقوله تعالى:كتب الله لأغلبنأنا ورسلي إن الله قوي عزيز "21"(سورة المجادلة)
إنه تبارك وتعالىعزيز بقوته فلا يهزم ولا يغلب، بل هو الغالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون،وهو عزيز بقدرته فلا يعجزه شيء، وكيف يعجز والعجز ذلة وانكسار وهو سبحانه العزيز؟وإذا كانت العزة تعني القوة والغلبة .. فإن ذلك لا يعني أن عزة قوته تبارك وتعالىمبنية على الظلم، أو أن عزة غلبته مبنية على القهر؛ لأنه جل وعلا منزه عن الظلمومنزه عن القهر .. ولذلك أشار عز وجل إلي أن عزته موصوفة بالعلم فقال:إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم "78" (سورةالنحل)

وقال جل شأنه:والشمس تجريلمستقر لها ذلك تقدير العلم "38"(سورة يس)
ووصفها تبارك وتعالىبالحكمة حتى لا يظن أحد أنها عزة بطش أو ظلم أو قهر أو استكبار فقال تعالى:ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم "220" (سورة البقرة)
وقال جل وعلا:وما النصرإلا من عند الله العزيز الحكيم (سورة آل عمران ـ 126)
وقال سبحانه:ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم "63"(سورةالأنفال)

وموصوفة بالرحمة كما في قوله تعالى:وتوكل على العزيز الرحيم "217" الذي يراك حين تقوم "218" (سورةالشعراء)
كما قال سبحانه:إلا من رحمالله إنه هو العزيز الرحيم "42"(سورة الدخان)
وموصوفة بالمغفرة كما فيقوله تعالى:رب السماوات والأرض وما بينهما العزيزالغفار "66"( سورة ص)
وكما قال سبحانه:كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار (سورة الزمر ـ 5)
فتبارك ربنا الملك الحق العزيز بقوته، العزيز بقدرته، العزيز بقيوميته وغناهعمن سواه .. فندعوه جل وعلا أن يهبنا من عزته عزا في الدنيا والآخرة .. وندعوه كماعلمنا في قوله تعالى:واغفر لنا ربنا إنك أنتالعزيز الحكيم (سورة الممتحنة ـ 5)

ام وليد2005 07-04-2014 07:47 PM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
 
الجبّار
جبرفلان فلانا أي أغناه من فقر أو أصلح عظمه من كسر، وجبر الله فلانا أي سد حاجته.. وأجبره على الأمر أي أكرهه عليه. وكلمة (جبار) بدون ألف ولام والتعريف تستخدم كصفةمن صفات الأفراد، وفي هذه الحالة تكون بمعنى القهر والطغيان .. فهي في حق الإنسانصفة ذميمة، ويتجلى في العديد من الآيات القرآنية منها قوله تعالى: وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبارٍ عنيدٍ"59" (سورة هود)
وقوله تعالى: واستفتحوا وخاب كلجبارٍ عنيدٍ "15" (سورة إبراهيم)
وقوله تعالى: كذلك يطبع الله على كل قلب متكبرٍ جبارٍ (سورة غافر ـ 35)
ولذلك ينفي الحق جل وعلا عن نبيه يحيى عليه السلام هذه الصفة فيقول: يا يحيى خذ الكتاب بقوةٍ وآتيناه الحكم صبياً "12" وحناناًمن لدنا وزكاة وكان تقياً "13" وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصياً "14" وسلام عليهيوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً "15" (سورة مريم)

كنا نفاها أيضا عننبيه عيسى عليه السلام فقال على لسانه: قال إنيعبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً "30" وجعلني مباركاً أين ما كنت وأوصانيبالصلاة والزكاة مادمت حياً "31" وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً "32" (سورة مريم)ونفى الجبر هنا هو نفي للطغيان وللقهر والتحكم في مخلوقاتالله عز وجل لمنافع وأهواء شخصية. أما (الجبار) بألف ولام التعريف فهو اسم من أسماءالله الحسنى .. وإن كانت صفة الجبر كوصف للمخلوق صفة ذميمة، فهي في حق الله عز وجلمن الصفات الواجبة لكماله المطلق؛ لأنها تعني أن الحق جل وعلا يجب ركسر عباده، فهوتبارك وتعالى الذي جبر الفقير حين شرع الزكاة والصدقات وجعل الحسنة بعشر أمثالهاوبسبعمائة ضعف قابلة للزيادة. وعلمنا أن الصدقة توضع في يده قبل أن توضع في يدالفقير. وهو الذي جبر المريض حين جعل له أجرا إذا تقبل البلاء بالصبر والرضا بقضاءالله عز وجل، وجعل زيارته زيارة له عز وجل.
وهو الذي يجبر عباده الطائعين لهبأن يتولاهم برعايته وحفظه فيشعرون أنه عز وجل معهم في كل وقت وحين كمثل الضريرالفقير الذي يعبد الله حق عبادته ويتوكل عليه حق التوكل .. كان إذا وضع يده في جيبهيبحث عن مبلغ من المال ليقضي به حاجة في نفسه .. إما أن يجد مبلغا من المال لا يذكرمن أين أتاه، أو يأتيه من يرد عليه السلام فيعطيه من المال ما يغطي حاجته. ومنمعاني الجبار أيضا أنه سبحانه وتعالى قاهر يدين له كل شيء ويخضع له من سواه. والجبربهذا المعنى ليس وصفا ذميما في حق الله عز وجل؛ لأنه تبارك وتعالى منزه عن كل مايناقض كماله المطلق .. فالجبروت البغيض المذموم هو أن تقهر إنسانا على ما لا يريد،والحق تبارك وتعالى لا يفعل ذلك .. وإذا قهر جل وعلا مخلوقا على شيء فثق أن في هذاالقهر مصلحة حتى وإن عجزت عن إدراكها.
خذ على سبيل المثال: جسم الإنسان والذييتكون من عدة أجهزة كالجهاز الهضمي والتنفسي والعصبي وخلافه .. تجد أن هذه الأجهزةمقهورة قهرا إلهيا على العمل بالنحو الذي تعمل به. فالقلب مثلا يعمل بلا أدنى تدخلمن الإنسان، كما أن الإنسان لا يستطيع أن يوقف قلبه عن العمل، وهكذا شأن سائرالأجهزة .. كلها تعمل بنظام ثابت ومحكم بلا تدخل من الإنسان لأنها مقهورة على أنتقوم بهذا العمل أو ذاك، فالقهر هنا نعمة من نعم الله عز وجل على الإنسان .. وينبغيأن نحمده على جبروته الذي أخضع له هذه الأجهزة.
وإذا تأملت أيضا النظام الكوني،وعلى وجه الخصوص المجموعة الشمسية تجد أن الشمس تدور حول نفسها بسرعة معينة .. كذلكالأرض وسائر الكواكب الأخرى تدور حول نفسها بما يترتب على ذلك من تعاقب الليلوالنهار وتدور أيضا حول الشمس بما يترتب على ذلك من تعاقب فصول السنة. وهذه الدوراتتتم في تناسق معجز يكفل انتظام تعاقب الليل والنهار وانتظام تعاقب فصول السنة .. ماالذي يجعل هذه الكواكب ـ والتي هي أجسام جامدة ـ تسير كأنها كائنات عاقلة حكيمة .. إنه الجبروت الإلهي .. الذي أخضع هذه الأجسام للإرادة الإلهية .. وهذا أيضا يستلزممنا الحمد لله عز وجل؛ لأنه لو يقهر الكون على هذا العمل المحكم المنظم لما دامتلنا حياة على الأرض.
فالجبار كاسم ووصف من أوصاف الحق عز وجل يمثل صفة منالصفات الواجبة لكماله المطلق عز وجل. وإذا كان الجبر يرادف القهر في أحد معانيه .. فإنه قهر يحقق النفع والمصلحة للإنسان ويدفع عنه الضرر. ومن معاني الجبروت أيضا أنالحق جل وعلا يمهل الظالم ويمد له مدا لعله يتذكر أو يخشى، فإذا أصر على ظلمهوتمادي في عناده أخذه تبارك وتعالى أخذ عزيز مقتدر .. وقد رأينا ذلك في قصة قارونوالتي أخبرنا الحق عز وجل عنها فقال: إن قارون كانمن قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوأ بالعصبة أولى القوةإذا قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين "76" وابتغ فيما آتاك الله الدارالآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا واحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن اللهلا يحب المفسدين "77" قال إنما أوتيته على علمٍ عندي أو لم يعلم أن الله قد أهلك منقبله من القرون من هو أشد منه واكثر جمعاً ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون "78" فخرجعلى قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارونإنه لذو حظٍ عظيمٍ "79" وقال الذين أتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعملصالحاً ولا يلقاها إلا الصابرين "80" فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئةينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين "81" واصبح الذين تمنوا مكانه بالأمسيقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسفبنا ويكأنه لا يفلح الكافرون "82" (سورة القصص)
وكذلك أخذ الله عز وجلبجبروته قوم لوط حين أصروا على الفاحشة، فكانوا يأتون الرجال ويقطعون السبيلويفعلون المنكر، وأخبرنا المولى عنهم فقال:ولوطاًإذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحدٍ من العالمين "28" أنكملتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أنقالوا آتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين "29" قال رب انصرني على القوم المفسدين "30" ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلهاكانوا ظالمين "31" قال إن فيها لوطاً قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجيه وأهله إلاامرأته كانت من الغابرين "32" ولما أن جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاًوقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين "33" إنامنزلون على أهل هذه القرية رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون "34" ولقد تركنا منهاآية بينةً لقومٍ يعقلون "35" (سورة العنكبوت)

ورأينا كيف أخذ الله عزوجل فرعون وقومه بجبروته حين أصروا على العناد والكفر وفي ذلك يقول جل وعلا: ولقد أوحينا إلي موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهمطريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى "77" فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم مناليم ما غشيهم "78" وأضل فرعون قومه وما هدى "79" (سورة طه)
إن الجبرالإلهي بكل معانيه صفة من صفات الكمال الإلهي المطلق ولا يستعمل الحق جل وعلاجبروته في موضع إلا تحقيقا لخير أو دفعا لشر .. وهو سبحانه مستحق للحمد على جبروتهكما هو مستحق الحمد على رحمته ومغفرته وكرمه.فهو كما أخبر عن نفسه: هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمنالمهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون "23" (سورةالحشر).

ام وليد2005 07-04-2014 07:48 PM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
 
المتكبر
(كبر) بفتح الكافوكسر الباء أي أسن أو تقدم في العمر. و(كبر) بفتح الكاف وضم الباء أي عظم وتعالى. والكبر أو الكبرياء تعني العظمة أو العلو والرفعة. والمتكبر كوصف للعبد صفة ذميمة،ولكنها صفة من صفات المدح الواجبة للكمال الإلهي المطلق. فالعبد الذي يتكبر أييتعاظم إنما يتكبر ويتعاظم على غيره من العباد، وهذا تكبر بلا مقتضى وبلا سند،فالناس سواسية كأسنان المشط مهما اختلفت درجاتهم، فاختلاف الدرجات والرتب لا يخرجأحدا عن كونه إنسانا، وكلنا في هذا الوصف سواء، وهو اختلاف لا يجعل أحدنا أعظم منأخيه، لأنه اختلاف لا فضل لنا فيه، إذ مرجعه إلي إرادة الله عز وجل وحكمته التيذكرها في قوله تعالى: أهم يقسمون رحمت ربك نحنقسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجاتٍ ليتخذ بعضهمبعضاً سخرياً ورحمت ربك خير مما يجمعون "32" (سورة الزخرف)
إن الآيةالكريمة صريحة في أن الله عز وجل رفع بعضنا فوق بعض درجات، فلا فضل لنا إذن في ذلك،وإن قال أحد: إنما أوتيته على علم عندي أو عمل قمت به فإننا نقول له إن علمك وعملكأيضا هبة من الله عز وجل، وقد أراد سبحانه بهذا التفاوت أن يجعل كلا منا مسخراللآخر.
ولا يظن أحد أن هذا التفاوت يتنافى مع العدل الإلهي، ومن يظن ذلك فإننانقول له: إنك فهمت الآية فهما خاطئا؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يقسم عباده قسمين .. قسم مسخر، وقسم مسخر، بل جعل كلا منا مسخر ومسخر في آن واحد، فالذي يعمل فيتسليك المجاري ودورات المياه مسخر للطبيب والمهندس وغيرهما، وفي نفس الوقت فإنالطبيب والمهندس وغيرهما مسخرون لخدمة عامل المجاري .. بل إن ما يبذله عامل المجاريفي عمله وما يلاقيه من عناء لا يمثل مثقال ذرة مما عاناه الطبيب أو المهندس من الكدوالعناء طوال سنوات الدراسة وتحصيل العلم الذي يمكنه من أداء الخدمة التي يؤديهالهذا العامل. فالكل إذن مسخر ومسخر وفقا لمعنى الآية السابق، ومن أسباب التفضيلأيضا قوله تعالى: هو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفعبعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم"165" (سورة الأنعام)
وهذه حكمة أخرى لتفاوت الدرجات ألا وهي الابتلاء،فالغني مثلا يبتلى فيما أوتي من سعة الرزق .. هل سيخرج زكاة ماله ويؤتي الصدقات أميكنز الأموال؟ والفقير يبتلى هل سيصبر على ضيق ذات اليد .. أم يعترض ويسخط؟ وهكذاالشأن في سائر النعم والنقم!! فإذا كان التفاوت بين العباد حادثا بإرادة الله عزوجل ولحكمته، وليس لنا فيه فضل، فإنه لا يصح أن يتصور أحدنا أنه أعظم أو اكبر منأخيه، ومن يتصور ذلك فهو متكبر، والتكبر في حقه صفة ذميمة، لأنه أراد أن يصف نفسهبما ليس لها، فمهما أوتي الإنسان من زينة الدنيا فهو إنسان وهو عبد الله عز وجل،ولن تخرجه ممتلكاته عن هذا الوصف، وقد أوضح لنا الحق جل وعلا موقفه من المستكبرينمن خلقه وأوضح لنا جزاءهم يوم القيامة فقال سبحانه: إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين "60" (سورةغافر)
وقال عز وجل:والذين كذبوابآيتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "36" (سورةالأعراف)
وقال الحق سبحانه: إن الذينكذبوا بآيتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلجالجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين "40"}(سورة الأعراف)
وقد مدحالله عز وجل عباده الذين لا يستكبرون عن عبادته في العديد من الآيات القرآنية منهاقوله تعالى: إنما يؤمن بآيتنا الذين إذا ذكروا بهاخروا سجداً وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون "15" (سورة السجدة)
أما(المتكبر) كاسم من أسماء الله عز وجل وصفة من صفاته، فإنه من مقتضيات الكمال الإلهيالمطلق، وهو لا يعني أن الحق تبارك وتعالى يتكبر على عباده كما يفهم السطحيون،وإنما يعني أنه جل وعلا عظيم بذاته ومتعالي فوق عباده بحكم كونه الخالق الموصوفبصفات الكمال المطلق وبحكم كونهم المخلوقين من العدم والقائمين به عز وجل ولا قياملهم بدونه.
والحديث عن الصفات الإلهية دون فهم معناها يوقع في الخطأ الجسيموالضلال المبين، وقد سمعنا من قبل مقولة أحد المستشرقين: أنه في الوقت الذي تصف فيهعقيدتنا السمحاء الخالق بالتواضع المطلق فإن الإسلام يصفه بالكبرياء المطلق، وهذاالقول إن دل على شيء فإنما يدل على جهله بمفهوم الصفات الإلهية في الإسلام، فمفهومهللتكبر والتواضع بالنسبة لله عز وجل كمفهومه للتواضع والتكبر بين الناس، وشتان بينهذا وذاك.
إن العلاقة بيننا وبين الله عز وجل فيما يتعلق بالتكبر والتواضع هيأن الحق تبارك وتعالى هو (المتكبر) أي العظيم بذاته والمتعالي بذاته ونحن (المتواضعون) له، فإذا أردنا أن نتكبر على بعضنا البعض أو عليه عز وجل فقد خرجناعلى مقتضى التواضع الذي هو صفة لصيقة بنا وهذا محرم شرعا، وقد قال جل وعلا فيالحديث القدسي: (العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما ألقيته فيالنار)
بينما التواضع في حق الله عز وجل خروج على مقتضى العظمة الذاتية والعلوالذاتي له جل وعلا، وهو تكلف غير جائز على الله تبارك وتعالى، وإذا قال زيد منالناس أنه يعامل الناس بتواضع فإنه في حقيقة الأمر متكبر؛ لأنه يشعر في دخيلة نفسهأنه افضل منهم وأعظم منهم ومع ذلك فهو يعاملهم بتواضع، وإن جاز أن يوصف إنسان بأنهمتواضع فإنه لا يجوز أن يوصف الله عز وجل بهذا الوصف لأن التواضع في اللغة من الضعةوهي الدنو، والدنو يليق بالمخلوق ولكنه لا يليق بالخالق عز وجل المتصف بصفات الكمالالمطلق.

والكبرياء الإلهي عصمة من الانقياد لأحد، إذا كيف ينقاد الحق عز وجللغيره وهو المتكبر المتعالي عن صفات الخلق ولا يعلوه متكبر. فسبحان المتكبربربويته، المتكبر على الطغاة من خلقه الذي تذل له المخلوقات ولا يذل سبحانه لأحد،والكبر لا يليق بأحد من المخلوقين، وإنما سمة العبيد الخشوع والتذلل. وسبحان الذيجعل التواضع سمة من سمات خلقه، بينما الكبرياء صفة من صفات كماله، لصيقة بذاته،قديمة قدمه، وسبحان الذي قال عن نفسه وقوله الحق: (هو الله الذي لا إله إلا هوالملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبارالمتكبر سبحان الله عما يشركون)

أسيرة زوجي 07-04-2014 09:19 PM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
 
بارك الله فيك

طرح في قمة الروووعة

متابعة ...

ام ارجواااااان 07-05-2014 06:34 AM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
 
http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwa...531292_179.jpg

ام وليد2005 07-05-2014 08:52 PM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أسيرة زوجي (المشاركة 3807110)
بارك الله فيك

طرح في قمة الروووعة

متابعة ...

http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwa...582739_522.jpg

ام وليد2005 07-05-2014 08:56 PM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام ارجواااااان (المشاركة 3807475)

http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwa...582992_870.jpg

ام وليد2005 07-06-2014 03:22 AM

رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
 
الخًـــالـــق


خلق الله العالم أيأوجده من العدم، والخالق بالألف واللام لا تطلق إلا على الحق عز وجل، فيجوز أن يطلقعلى الإنسان وصف (خالق) ولا حرج، بينما لا يجوز أن يوصف أن يسمى (الخالق) ويؤخذ ذلكمن قوله تعالى: ولقد خلقنا الإنسان من سلالة منطينٍ "12" ثم جعلناه نطفةً في قرار مكين "13" ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقةمضغة فخلقنا المضغة عظماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك اللهاحسن الخالقين "14" (سورة المؤمنون)
فدل قوله تعالى (فتبارك الله احسنالخالقين) على أنه عز وجل أطلق على الإنسان وصف خالق وذلك مع الأخذ في الاعتبار أنخلق الإنسان هو خلق معدوم من موجود، بينما خلق الله هو خلق موجود من معدوم. خذ علىسبيل المثال: السيارة تجد أن الإنسان يخلقها من مواد موجودة في الكون كالمعدنوخلافه، ولو لم تكن هذه المواد موجودة لما استطاع الإنسان أن يخلق أو يصنع سيارة.
أما بالنسبة للحق جل وعلا فإن الأمر مختلف .. إذ أنه يخلق الشيء من العدمالمطلق .. والعدم المطلق هو اللا شيئية .. فهو تبارك وتعالى يخلق الشيء دون أن يكونله سابقة وجود على الإطلاق، ولقد أكد عز وجل على مسألة الخلق من العدم المطلق فيالعديد من الآيات القرآنية منها قوله تعالى: قالكذلك قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً "9" (سورة مريم)
وقوله تعالى: هل أتى على الإنسان حين من الدهرلم يكن شيئاً مذكوراً "1" (سورة الإنسان)
أي أن الإنسان لم يكن له وجودقبل أن يخلقه الله عز وجل. وقوله تعالى: إنه يبدأالخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط (سورة يونس ـ 4)

وقوله تعالى: قل هل من شركائكم من يبدأ الخلقثم يعيده} (سورة يونس ـ 34)
وقوله تعالى: كما بدأنا أول خلقٍ نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين "104" (سورةالأنبياء)
والحق سبحانه وتعالى لم يؤكد حقيقة الخلق من العدم فحسب،وإنما أكد حقيقة أخرى ألا وهي أن كل شيء عدا الله عز وجل مخلوق له خاضع لأمره، ولا استثناء في هذه القاعدة، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: وخلق كل شيء فقدره تقديراً "2" (سورة الفرقان)

وقولهتعالى: قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار "16" (سورة الرعد)
وقوله تعالى: اللهخالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل "62" (سورة الزمر)
وقوله جل وعلا: ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيءفاعبدوه (سورة غافر ـ 62)
وقوله عز وجل: ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو (سورة الأنعام ـ 102))
فالمولى عز وجل نظرا لخطورة هذه المسألة أراد أن يغلق الباب في وجهالمبتدعين .. فلم يكتف بالإجمال الوارد في الآيات السابقة .. وإنما فصل هذه الآيةبآيات أخرى ليؤكد أن كل شيء مخلوق ويؤكد أنه خالق كل شيء من هذه الآيات قوله تعالى: هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً} (سورة البقرةـ 49)
وقوله تعالى: الحمد لله الذي خلقالسماوات والأرض وجعل الظلمات والنور(سورة الأنعام ـ 1)
وقوله سبحانه: وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر} (سورةالأنبياء ـ 33)
وقوله عز وجل: الذي خلقالسماوات والأرض وما بينهما في ستة أيامٍ (سورة الفرقان ـ 59)

وقولالحق: الرحمن "1" علم القرآن "2" خلق الإنسان "3" علمه البيان "4" (سورة الرحمن)
وقوله سبحانه: وخلق الجان من مارج من نارٍ "15" (سورة الرحمن)

وصفةالخلق من العدم لدى الله عز وجل ليست معجزة واحدة فحسب بل معجزات متعددة متداخلةولا يمكن لاجتهاد العقل أن يحصرها، فإحداث الشيء من اللا شيء إعجاز يعجز العقل عنتصوره، وخلق كائن حي يدرك ذاته ويدرك الكون المحيط به ويدرك خالقه إعجاز آخر، وقدلفتنا جل وعلا إلي إعجاز استحداث الكائنات الروحية ولفتنا أيضا إلي أنه وحده القادرعلى هذه الكائنات فقال جل وعلا: يا أيها الناس ضربمثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإنيسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب "73" (سورةالحج)
لقد خلق الإنسانالسيارة والقطار الطائرة والصاروخ والقمر الصناعي والتلفاز والمذياع وغير ذلك كثير،ولكن البشرية جمعاء لن تستطيع خلق ذبابة ولو اجتمعت في صعيد واحد، والسبب هو أنالذبابة كائن روحي تدب فيه الحياة بنفخة من الله عز وجل لا يملكها سواه .. إنها سرمن أسراره جل وعلا: ومن معجزات الخلق أيضا أنه بين الكاف والنون، فالحق سبحانهوتعالى إذا أراد أن يخلق شيئا فإنما يقول له كن فيكون دون أدنى جهد أو إعياء، وفيذلك يقول تبارك وتعالى:إن مثل عيسى عند الله كمثلآدم خلقه من ترابٍ ثم قال له كن فيكون "59" (سورة آل عمران)
حينما أدعىاليهود أن الله استراح بعد أن خلق الخليقة رد عليهم الحق عز وجل يقول:ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيامٍ ومامسنا من لغوبٍ "38" (سورة ق)
أي إعجاز هذا؟ كلمة واحدة من الله عز وجلكفيلة باستحداث المخلوق دون جهد ودون عناء. كيف للإنسان أن يتصور الحجم الحقيقيلهذه القدرة وهذا الإعجاز؟ ومن معجزات الخلق أيضا أن الحق تبارك وتعالى يخلق مايشاء، فإذا أراد أن يخلق شيئا لن يحول دون هذا الخلق حائل. وقد أكد جل وعلا هذهالحقيقة بقول تعالى: قال كذلك الله يخلق ما يشاء(سورة آل عمران ـ 47)
وقوله تعالى: يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير "17" (سورة المائدة)
والخلق الإلهي ليس خلقا عشوائيا .. بل هو خلق محكم مبني على علم إلهي مطلق،فإذا تأملت الكون وما به من تكامل وتناسق بين المخلوقات علمت مدى القدرة الإلهيةعلى الخلق والإبداع. انظر إلي أي مخلوق من مخلوقات الله عز وجل على حدة .. يهيأ لكأنه كائن مستقل بذاته منفصل عما حوله، ولكن دقق النظر تجد أن هذا المخلوق ليسمستقلا عن الكون بل هو جزء من كل. فالإنسان مثلا لا يمكن أن يتصور وجوده بدونالهواء الذين يحيط به في كل مكان على سطح الكرة الأرضية، أو الماء الذي وفره لهالله عز وجل، أو الطعام الذي تنبته له الأرض بإذنه.
وبهذه النظرة يبدو الإنسانوكأنه ترس في ساعة الكون لا انفصال ولا وجود لأحدهما بدون الآخر، فالحق سبحانهوتعالى خلق المخلوقات الحية وخلق لها مقومات الحياة في إبداع، وعلم لا يدانيه علم،وحسن لا يدانيه حسن، وفي ذلك يقول تبارك وتعالى:الذين احسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طينٍ "7" (سورةالسجدة)
فإذا كان الحق سبحانه وتعالى قد خلق الكون بهذا الإبداع وهذاالإحكام فهل يمكن أن نتصور أنه خلق بلا غاية وبلا هدف، وأن المسألة أرحام تدفعوقبور تبلع كما قال الدهريون: وقالوا ما هي إلاحياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر (سورة الجاثية ـ 24)
وكما قالوا: وقالوا إذا ضللنا في الأرض آنالفي خلقٍ جديد (سورة السجدة ـ 10)فيرد الحق تبارك وتعالى على هؤلاءالدهريين قائلا: وما خلقنا السماوات والأرض ومابينهما إلا بالحق} (سورة الحجر ـ 85)
وكما قال سبحانه: وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين "16" (سورةالأنبياء)
وكما قال عز وجل: أفحسبتمإنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون "115" (سورة المؤمنون)

فالخلق إذن ليس عبثا وليس زوالا وفناء، وإنما لحكمة أرادها سبحانه وتعالى، وفيذلك يقول جل وعلا في الحديث القدسي: كنت كنزا مخفيا فأردت أن اعرف فخلقت الخلقفبي عرفوني).
ويقول في محكم التنزيل: وما خلقتالجن والإنس إلا ليعبدون "56" (سورة الذاريات)
فقد شاءت حكمة المولى أنيخلق الكون ويخلق الإنسان، ويجعل الحياة الدنيا دارا للاختبار والآخرة دار للجزاءوالقرار .. هل سيشكر الإنسان على هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى أم سيكفر ويشركويجحد؟ فالخلق إذن لغاية والبعث حقيقة لا مراء فيها، وفي ذلك يقول جل شأنه: يا أيها الناس إن كنتم في ريبٍ من البعث فإناخلقناكم من ترابٍ ثم من نطفةٍ ثم من علقةٍ ثم من مضغةٍ مخلقةٍ لنبين لكم ونقر فيالأرحام ما نشاء إلي أجل مسمى ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفىومنكم من يرد إلي أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علمٍ شيئاً وترى الأرض هامدةً فإذاأنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج "5" (سورة الحج)
والمسألة لا تقف عند حد قدرته سبحانه وتعالى على البعث، بل هو قادر على تغييرالجنس البشري بأكمله بمخلوقات أخرى، وما ذلك عليه بعزيز وفي ذلك يقول جل وعلا:يا أيها الناس أنتم الفقراء إلي الله والله هوالغني الحميد "15" إن يشاء يذهبكم ويأت بخلقٍ جديدٍ "16" وما ذلك على الله بعزيزٍ "17"} (سورة فاطر)
فإذا كان الحق جل وعلا هو الخالق المحدث المبدع .. فإنه إذن وحده المستحق للعبادة والمستحق للشكر، وعبادة غيره ظلم للنفس وحياد عنالحق، وفي ذلك يقول جل شأنه:والذين يدعون من دونالله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون "20" (سورة النحل)

ويقول سبحانه: واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون(سورة الفرقان ـ 3)
والمولى تبارك وتعالى يحثنا على التأمل في مخلوقاته .. لما في ذلك من حث على الإيمان بوجوده والإيمان بكمال صفاته ورسله وكتبه واليومالآخر، وفي ذلك يقول جل شأنه: إن في خلق السماواتوالأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزلالله من السماء من ماءٍ فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابةٍ وتصريفالرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقومٍ يعقلون "164" (سورةالبقرة)
يقول سبحانه: إن في خلقالسماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب "190" الذين يذكرونالله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذابطلاً سبحانك فقنا عذاب النار "191" (سورة آل عمران)
والأسماء الحسنىبما تعطيه من أوصاف قديمة قدم الله عز وجل .. فهو جل شأنه (الخالق) قبل أن يخلقالخلق، ولو لم يكن المولى عز وجل موصوفا بهذا الوصف منذ الأزل لما استطاع أن يخلق،أنه تبارك وتعالى يخلق ما يشاء في الوقت الذي يشاء وفي ذلك يقول جل وعلا: الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولىأجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع يزيد الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير "1" (سورةفاطر)
مهما تحدث المتحدثون عن هذا الاسم وغيره من الأسماء الحسنى ومنخلال ما كشف الله لهم في كتابه وسنة نبيه فإنهم لن يستكشفوا جلال أسمائه عز وجلوأسرار صفاته، فإذا كنا نعجز عن الإلمام بما كشفه لنا الله تبارك وتعالى فماذا عنالمحجوب الذي لم نتهيأ بعد لاستقباله والذي احتفظ به جل وعلا في علمه؟ إن الخالق هوالمبدع للخلق، والمخترع له على غير مثال .. ندعوه عز وجل أن يعلمنا من علمه الفياض: ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين "54" (سورة الأعراف).


الساعة الآن 02:51 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Search Engine Optimization by vBSEO 3.6.0 (Unregistered)

Privacy Policy - copyright

لا يتحمّل موقع منتديات حوامل النسائية أيّة مسؤوليّة عن المواد الّتي يتم عرضها أو نشرها في موقعنا، ويتحمل المستخدمون بالتالي كامل المسؤولية عن كتاباتهم وإدراجاتهم التي تخالف القوانين أو تنتهك حقوق الملكيّة أو حقوق الآخرين أو أي طرف آخر .