![]() |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
البارئ و(البراء) مرادف لبرئ ومنه قوله تعالى: وإذا قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون "26" (سورةالزخرف) و(أبرأ) فلانا من حق له عليه أي خلصه منه. و(برئ) المريض أيشفى من مرضه. و(برأ) الله الشيء أي خلقه صالحا ومناسبا للمهمة والغاية التيابتغاها من خلقه، ومنه بريت القلم أي جعلته صالحا للكتابة، وبريت السهم أي جعلتهمناسبا وصالحا للإصابة .. والاسم (بارئ). و(البارئ) اسم من أسماء الله الحسنى،فإذا قلنا خلق الله عز وجل الإنسان فمعنى ذلك أنه استحدثه وأوجده من العدم المطلق،وإذا قلنا برئ الله الإنسان فمعنى ذلك أنه استحدثه وأوجده من العدم المطلق في خلقةتناسب المهمة والغاية التي خلق من أجلها. فالخالق قد يخلق الشيء مناسبا أو غيرمناسب، أما البارئ فلا يخلق الشيء إلا مناسبا للغاية التي أرادها من خلقه ويؤخذ ذلكمن قوله تعالى: لقد خلقنا الإنسان في احسن تقويمٍ "4" ثم رددناه أسفل سافلين "5" (سورة التين) فلو كان فعل الخلق يشيرإلي درجة الخلق من الحسن أو القبح لما أضاف المولى عز وجل عبارة في احسن تقويم، ولوكان اسم الله عز وجل (البارئ) مرادفا مرادفة تامة لاسمه (الخالق) لما قال تباركوتعالى: هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماءالحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم "24" (سورة الحشر) وإذا تأملنا الكون المحيط بنا سنلاحظ أن الله عز وجل قد خلق كل شيء صالحالمهمته مناسبا للغاية من خلقه ومتوائما مع المحيط الذي وضع فيه. فالإنسان خلق ليكونخليفة الله عز وجل على الأرض وليكون عارفا بالله عابدا له متأملا في ملكوته لذلكبرأه في خلقه تناسب جلال الغاية فبرأه أي خلقه في احسن تقويم .. أي احسن خلقه،فجعله احسن المخلوقات من حيث التركيب ومن حيث الشكل، مألوفا من سائر الكائناتالحية، معظم الكائنات في علاقة ود وتراحم مع الإنسان .. الحصان .. الجمل .. الحمار .. الكلب .. القط .. الطيور حتى الجن يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم كما قالالمولى عز وجل: يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كماأخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما سوءتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لاترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون "27" (سورة النساء) فالشياطين يروننا لأننا مقبولون مألوفون لهم شكلا بينما لا نرى نحن الشياطينلأن أشكالهم غير مألوفة ولا مقبولة لدينا. ولقد صرح المولى عز وجل بخلافة الإنسانعلى الأرض فقال سبحانه: وإذا قال ربك للملائكة إنيجاعل في الأرض خليفةً قالوا تجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدكونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون "30" (سورة البقرة) فالإنسان بصريحالآية السابقة خليفة الله عز وجل على الأرض .. خلق ليكون عارفاً بالله عابداً له،لذا برأه مناسبا لهذه الغاية بأن ميزه بالعقل، والعقل كما نعلم هو مستقر ومستودعوسائل الإدراك .. إليه ترجع قدرة الإنسان على السمع والبصر والشم واللمس، وهو الذييحوي الذاكرة مخزن المعلومات، وهو المسئول عن عملية التفكير والتي تميز الإنسان عنغيره من المخلوقات. وليس ذلك فحسب بل جعل الله للإنسان وسيلة للتعبير والبيانعما يجول بخاطره .. فخلق له لسانا مبينا ينطق الحروف بمخارجها، والحرف أساس الكلمة،والكلمة وسيلة التعبير عن المعنى الكامن في عقل الإنسان، والمولى عز وجل قد علم آدمكل الكلمات كما جاء في قوله تعالى: وعلم آدمالأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين "31" (سورة البقرة) وقال سبحانه أيضا: الرحمن "1" علم القرآن "2" خلق الإنسان "3" علمه البيان "4" (سورةالرحمن) وإذا تأملنا سائر الكائنات والتي خلقت مسخرة للإنسان، سنجد أنالمولى عز وجل قد برأ كل كائن ـ أي خلقه مناسبا لمهمته ـ، فالناقة والحمار لديهمامن القوة ما يمكنهما من حمل الإنسان وأثقاله إلي الأماكن المتباعدة. والحصان أوتىقدرا من السرعة ليتمكن به الإنسان من قطع المسافات البعيدة في أزمنة قصيرة. والبقرأوتى لحما كثيرا ليمد الإنسان بالغذاء الذي يحتاج إليه من البروتين وغيره من الموادالغذائية، وأجرى الله من بطونه لبنا نقيا سائغا للشاربين كما قال جل وعلا:وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه منبين فرثٍ ودمٍ لبناً خالصاً سائغاً للشاربين "66" (سورة النحل) حتىالمخلوقات التي يظن البعض أن وجودها يمثل شرا محضا للإنسان .. تجد المناسبة بينهاوبين مهمتها في الكون واضحة جلية، فهي من جهة تملك إيذاء الإنسان، إذ منها ما هومفترس، ومنها ما قد يقتل الإنسان بسمه، وهذا الإيذاء ليس مقصودا بذاته وإنما قصد بهإحاطة الإنسان بقدر من الأعداء لا يملك أن يتصدى لهم إلا بمعونة الله عز وجل .. فيلجأ إليه بالعبادة والدعاء إذا تمكن منه أحد هؤلاء الأعداء. ذلك أن الإنسانيكون أقرب ما يكون من ربه عز وجل في حالات الحاجة كالمرض والشيخوخة والظلمة وغيرذلك من دواعي الحاجة والضيق والخوف وفي ذلك يقول جل وعلا: وإذا مس الإنسان الضر دعا لجنبه أو قاعداً أو قائماً فلما كشفنا عنهضره مر كأن لم يدعنا إلي ضرٍ مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون "12" (سورةيونس) وقوله تعالى: فإذا مس الإنسان ضردعانا ثم خولناه نعمةً منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لايعلمون "49" (سورة الزمر) ومن جهة أخرى فإن الإنسان ينتفع بهذهالمخلوقات .. فمنها ما ينتفع بجلده ومنها ما يفرز سموما تستخدم في صناعة الأدويةوالعقاقير، كما قال شوقي رحمه الله في مدح الرسول عليه افضل السلام وأتم التسليم: الحرب في حق لديك شريعة ومن السموم الناقعات دواء وإذا تأملناالمخترعات التي توصل إليها الإنسان واستطاع أن يخرجها إلي حيز الوجود .. سنجد أنالإنسان لم يخلقها من العدم المطلق بل صنعها من مواد سابقة لها في الوجود، والإنسانلم يعط هذه المواد الخصائص الملازمة لها والتي كانت أساس هذا الاختراع أو ذاك. خذعلى سبيل المثال التلفاز والمذياع تجد أن نظرية عملهما تقوم على تحويل الصوت أوالصورة إلي موجات كهربائية لها تردد أو ذبذبات الصوت .. هذه الموجات تنتقل عبرالهواء أو الأثير، ثم يتم استقبالها بواسطة أجهزة استقبال، ثم يتم تحويل هذهالموجات الكهربائية إلي صوت أو صورة مرة أخرى من خلال التلفاز أو المذياع. وهنانتساءل: هل الإنسان هو الذي جعل الهواء قادرا على نقل الموجات اللاسلكية؟. لاشك أنالله عز وجل هو الذي (برأ) الهواء أي خلقه بما له من خصائص ليناسب المهمة والغايةالتي ابتغاها من خلقه .. فهو الذي جعل في الأوكسجين اللازم لتنفس الإنسان وثانيأكسيد الكربون اللازم لتنفس النبات، وجعل فيه من الخاصية ما يمكنه من نقل الموجاتالكهربائية واللاسلكية، فهو جل وعلا يعلم بعلمه الأزلي وأراد بمشيته أن يمكنالإنسان في يوم من الأيام من اختراع أجهزة لنقل الصوت والصورة .. هذا اليوم الذيسيزداد فيه أهل الأرض وتتباعد بينهم المسافات فيستلزم الأمر وسائل للتعارف وتبادلالعلوم .. فهو جل وعلا القائل: يا أيها الناس إناخلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكمشعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكمإن الله عليم خبير "13" (سورة الحجرات) وهو سبحانه المتكفل بأن يظل هذاالتعارف قائما لا يحول دونه بحار أو محيطات أو جبال أو تلال، وهذا ما حققته الأجهزةالحديثة للاتصالات والتي اخترعت من مواد لها خصائص معينة، هذه الخصائص ـ كما قلنا ـلازمتها منذ أن خلقها الله عز وجل. تأمل أيضا وسائل النقل .. تجد أن الله عز وجل قدخلق المعدن الذي استخدمه الإنسان في تصنيع هذه الوسائل .. وهو سبحانه الذي خلقالبترول بما له من خاصية الاشتعال وتوليد الطاقة، وأودعه في باطن الأرض حين يحينميعاد استخراجه واستخدامه. كل شيء في الكون .. برأه الله عز وجل أي خلقه مناسباوصالحا للمهمة والغاية التي خلق لها، فندعوه جل وعلا كما برأنا أن يبرئنا من العيوبوالخطايا وأن يبعثنا يوم القيامة من الفزع آمنين. |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
المصور (صور) الشيء أي جعل له شكلا معلوما .. ويطلق هذا الفعل على من يقوم بعمل تمثال مجسمللشيء .. أو يرسمه على الورق .. أو يلتقط له صورة بآلة تصوير .. والاسم (مصور).و(المصور) بأل التعريف اسم من أسماء الله الحسنى. و(صور) الله عز وجلالأشياء أي جعل لكل منها شكلا معلوما، وإذا تأملت الكون المحيط بلك تجد أن المولىعز وجل قد جعل لكل نوع من المخلوقات شكلا يميزه عن غيره من الأنواع، فالإنسان يختلفعن الجمل ويختلف عن القرد وهكذا. كما أنه جل وعلا قد جعل لكل فرد داخل النوع الواحدصورة تميزه عن غيره من أفراد نوعه، فإذا نظرت إلي زيد من الناس فإنك تعرفه بمجردالنظر إلي وجهه، وهذه من معجزات التصوير الإلهي، فرغم أن تركيب الوجه لا يختلف منإنسان إلي آخر .. إذ يتكون من العينين والأنف والأذنين والفم، إلا أنه تبارك وتعالىيصور من هذه التركيبة عددا لا نهاية له من الوجوه. ورغم أن يد الإنسان تتكون منخمسة أصابع لها نفس التركيب إلا أن كل إنسان له يد تختلف في الشكل عن أيدي غيره منالبشر، فالحق سبحانه وتعالى يصور من التركيبة الواحدة عددا لا نهائيا من الأشكال. ومن نعم الله عز وجل على الإنسان أنه اختصه بحسن الصورة وجعله اجمل المخلوقات شكلافجعله منتصب القامة سوى الأعضاء حسنها، وفي ذلك يقول جل وعلا: الإنسان على صورةالله ومثاله .. يكون المولى تبارك وتعالى له فم وهنا نتسائل: ما وظيفة هذا الفمبالنسبة لله عز شأنه؟ فإذا قلنا أنه يأكل فقد نسبنا له نقصا لا يتناسب مع كمالهالمطلق لأنه تبارك وتعالى غني عن الطعام والشراب، إذ كيف يأكل ويشرب وهو (القيوم)القائم بنفسه قياما مطلقا والمقيم لغيره من المخلوقات التي خلقها؟ بل كيف يأكلويشرب وقد كان جل وعلا موجودا من قبل ولم يكن هناك كون ولم يكن هناك طعام ولا شراب .. إن الطعام والشراب من مخلوقاته جل وعلا فهل يليق بالخالق أن يحتاج إلي مخلوقاتهلكي يظل ويبقى على قيد الحياة. وإذا قلنا إن الله عز وجل لا يأكل بهذا الفم .. فهليتكون جل شأنه من أعضاء التبول والتبرز وغيرهما من الأعضاء البشرية. ومن جهة أخرىوكما قلنا من قبل لو كان الإنسان على صورة الله ومثاله إذن فهو جل شأنه مركب منأجزاء، والأجزاء مكونة من المادة .. وهنا نسأل: كيف يتكون الله عز وجل من المادةوقد كان تبارك وتعالى منذ الأزل ولم تكن هناك مادة قبل خلق الكون، بل كيف يتكون منالمادة وهي مخلوق من مخلوقاته عز وجل، فهل يليق بالخالق جل شأنه أن يحل في مخلوقوكيف يكون مركبا، والمركب يحتاج إلي من يسبقه في الوجود ويركب له أجزاؤه في حين أنالحق تبارك وتعالى أزلي بلا بداية ولم يسبقه أحد في الوجود. إذن الاعتقاد بأنالله عز وجل قد خلق الإنسان على صورته ومثاله هو اعتقاد فاسد باطل، والنصوص الواردةفي هذا الشأن صريحة ولا يمكن تأويلها لتؤدي معاني أخرى، وهي نصوص باطلة بأي وجه منوجوه التأويل. وصوركم فاحسن صوركم وزقكم منالطيبات (سورة غافر ـ 64) ويقول سبحانه أيضا: ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم (سورةالأعراف ـ 11) والتصوير يبدأ من الرحم كما قال المولى عز وجل: هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيزالحكيم "6" (سورة آل عمران) وقد ورد عنالنبي عليه افضل الصلاة وأتم التسليم أنه قال: (إذا مر النطفة اثنتان وأربعين ليلةبعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها ثم قال: يا ربأذكر أم أنثى فيقضي ربك ما يشاء ويكتب الملك) وفي مجال الحديث عنالتصوير الإلهي أود أن أشير ـ كما أشرت قبلا ـ إلي قضية بالغة الخطورة ألا وهي أنبعض العقائد تزعم أن الله عز وجل قد خلق الإنسان على صورته ومثاله .. أي أن الإنسانقد خلق على صورة الله عز وجل. وهذا اعتقاد فاسد واضح البطلان لأن الإنسان وإنكان مخلوقا على احسن صورة إلا أنه مخلوق، وقد شاءت الإرادة الإلهية أن يكون بهنقائص معينة سوف تزال عنه إن قدر له أن يحظى بالجنة، وهذه النقائص وإن اعتبرهاالبعض أنها ليست نقائص إذا نسبت إلي الإنسان، فإنها لا محالة نقائص إذا نسبت إليالله عز وجل. المولى تبارك وتعالى خلق للإنسان فم لمضغ به الطعام، فإذا قلنا إنوالتفسير؛ لأنه لا تشابه ألبته بين الله عز وجل والإنسان في وجه من الوجوه. حتىالاشتراك بين الله عز وجل والإنسان في بعض الصفات كالسمع والبصر والقدرة هو اشتراكلفظي أو مجازي، لأن الصفة لدى الإنسان ما هي إلا مظهر من مظاهر الصفة لدى الحقتبارك وتعالى .. فعلى سبيل المثال قدرة الإنسان ليست إلا وهبة ومنحة من قدرة اللهجل شأنه. هذا التشابه اللفظي أو المجازي لا يجعل الإنسان يرقى بأي حال من الأحوالإلي أن يكون على صورة الله ومثاله، وذلك أيا كان المعنى المستفاد من نصوص المماثلةبين الله والإنسان. أما عن حديث خلق آدم الذي ورد عنالنبي صلى الله عليه وسلم ـ في صحيح مسلم ـ أنه قال: "خلق الله عز وجل آدم علىصورته، طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر منالملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك به، فإنها تحيتك وتحية ذريتك قال: السلام عليكم،فقال: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه (ورحمة الله) قال: فكل من يدخل الجنة علىصورة آدم وطوله ستون ذراعا، فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن" وهنانبادر فنقول: أن الضمير الوارد في كلمة (صورته) عائد على آدم، وعبارة طوله ستونذراعا جاءت توضيحا لهذه الصورة .. أي صورة آدم .. يضاف إلي ذلك ما عرف عن الشريعةالإسلامية من أنها تميزت عن سائر الشرائع السماوية وغير السماوية بأنها تنزه اللهعز وجل عن أن يكون له شبيه أو نظير أو ند أو مماثل، نذكر من ذلك قول الحق تباركوتعالى: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير "11" سورة الشورى. يضاف إلي ذلك أن حديث خلق آدم قد ورد برواية في صحيحالبخاري بدون عبارة (على صورته) .. أي خلق الله آدم طوله ستون ذراعا إلي آخرالحديث. فتبارك ربنا الملك الحق الذي صورنا على غير مثال سبق وفي احسن تقويم دون أننرقى إلي مماثلته أو مشابهته. |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
الغفار غفر في اللغة أي غطىوستر، وغفر الله لفلان أي ستره وعفا عنه، و(الغفار) اسممن أسماء الله الحسنى، وقدعبر الحق جل وعلا عن صفة المغفرة لديه بالعديد من المشتقات منها الفعل الماضي (غفر)كما في قوله تعالى: قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر ليفغفر له (سورة القصص ـ 16)ومنها المضارع (يغفر) كما في قوله تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفرلكم ذنوبكم (سورة آل عمران ـ 31) ومنها صيغة المبالغة (الغفور) كما فيقوله تعالى: ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاءوالله غفور رحيم "27" (سورة التوبة) ومنها صيغة المبالغة (الغفار) وهواسم من أسماء الله الحسنى كما في قوله تعالى:ربالسماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار "66" (سورة ص) ومنها المضافوالمضاف إليه (غافر الذنب) كما في قوله تعالى: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول "3" (سورة غافر) ومنها أيضا المضاف والمضاف إليه (خير الغافرين) كما في قوله تعالى: فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين (سورةالأعراف ـ 155) ومنها المضاف والمضاف إليه (ذو المغفرة) كما في قولهتعالى: وإن ربك لذو مغفرةٍ للناس على ظلمهم (سورةالرعد ـ 6) ومنها المضاف والمضاف إليه (أهل المغفرة) كما في قوله تعالى: وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهلالمغفرة "56" (سورة المدثر) والحق تبارك وتعالى قد أكد لنا هذه الصفةوطلاقتها بتكرار المشتقات سالفة الذكر، فلو رجعت إلي كتابه العزيز وأردت حصر هذهالمشتقات لشق عليك ذلك. ومن رحمة الحق عز وجل وحكمته أنه يغفر الذنوب، ولو أنه جلشأنه أغلق باب التوبة في وجه المذنب لتمادى في ذنوبه وترتب على ذلك هلاكه وهلاكالمجتمع بأسره دنيا وآخرة. وغفران الذنب للمذنب لا يتعارض مع العدالة الإلهية والتيكما قلنا من قبل تقتضي محاسبة كل إنسان وفقا لعمله. والعلة في ذلك أنه ليس هناكإنسان معصوم من الخطأ وارتكاب المعاصي والذنوب، وهذا يجعل المغفرة رحمة بالبشريةجمعاء لا بطائفة دون أخرى. والحق سبحانه وتعالى قد أوضح لنا أنه لا ذنب يعظم عنمغفرته، وتتجلى هذه القاعدة في قوله تعالى: قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاًإنه هو الغفور الرحيم "53" (سورة الزمر) فكلمة (جميعا) أفادت العموموالشمول، فمهما عظم الذنب .. أي ذنب فإن مغفرة الله عز وجل أعلى وأعظم .. وهذهالقاعدة لا تتعارض مع الآيات التالية: إن الذينكفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيداً "167" إن الذين كفروا وظلموا لم يكنالله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً "168" إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً وكان ذلكعلى الله يسيراً "169" (سورة النساء) وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسولهوالكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلضلالا بعيداً "136" إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لميكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا "137" (سورة النساء) ويتجلى عدمالتعارض بين القاعدة العامة وبين الآيات التي ذكرناها في قوله تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومنيشرك بالله فقد افترى إثما عظيماً "66" (سورة النساء) وقوله تعالى: الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصداقاتوالذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم "79" استغفرلهم أولا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروابالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين "80" (سورة التوبة) فالقاعدة إذن أن الله عز وجل يغفر الذنوب جميعا مادام الإنسان في إطار الإيمانالصحيح به جل وعلا، فإذا كفر بوجود الله عز وجل أو أشرك به فقد خرج عن إطارالإيمان. ومن الثابت أنه ليس بعد الكفر أو الشرك ذنب، فأعمال الكافر والمشرك ليستمحل نظر؛ لأن أعماله الصالحة ليست لوجه الله عز وجل فلا يستحق عنها ثوابا، وأعمالهالطالحة سينال عقابه عنها في إطار العقاب الأعظم على الذنب الأعظم وهو الكفر أوالشرك، وفي ذلك يقول جل وعلا: ولا يزالونيقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافرفأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (سورةالبقرة ـ 217) ولكن ينبغي أن نلاحظ أن حرمان الكافر والمشرك من المغفرةمرتبط باستمرارية كفره وشركه، فإذا رجع عن كفره أو شركه، فالحق سبحانه وتعالى يغفرله، وفي ذلك يقول جل شأنه: قل للذين كفروا إنينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين "38" (سورة الأنفال) فالحق سبحانه وتعالىيقابل الرجوع الصادق عن الكفر والشرك بغفران ما قد سلف، وهذه نعمة ورحمة ومغفرة ليسلها حدود. وفي مجال الحديث عن المغفرة الإلهية نذكر لأحد المستشرقين قوله: إنالمغفرة الإلهية كما يبدو من القرآن الكريم تمنح على غير أساس معلوم، وليس أدل علىذلك من الآية رقم 284 من سورة البقرة والتي جاء فيها قوله تعالى: فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء (سورة البقرة ـ 284) ونقولردا عليه: إن المغفرة والعذاب بيد الله عز وجل ولمن يشاء من عباده، نعم .. ولكن ذلكلا يعني أن المسألة تسير وفقا للهوى .. تعالى ربنا الملك الحق عن الهوى والظلموالتفرقة بين العباد. فالحق تبارك وتعالى إن شاء أن يغفر لأحد فثق أنه جديربالمغفرة وإن شاء أن يعذب أحدا فثق أنه جدير بالعذاب. ونذكر مثالا لذلك قولالنبي عليه افضل الصلاة وأتم التسليم والذي ورد بصحيح البخاري وصحيح مسلم: "كان رجليسرف على نفسه، فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثمذروني في الريح، فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا، فلما مات فعلبه ذلك، فأمر الله تعالى الأرض، فقال: اجمعي ما فيك منه ففعلت، فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب، خشيتك حملتني، فغفر له" فإن دل هذا الحديث علىشيء فإنما يدل على أن الخوف من الله عز وجل والذي يرجع إلي الإيمان الصادق به قديجلب المغفرة، ودل أيضا على أن مغفرة الله عز وجل لا تعطي لعبد دون مبرر أواستحقاق. ونذكر أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلموالذي ورد في صحيح مسلم: "أذنب عبد ذنبا، فقال: اللهم، اغفر لي ذنبي، فقال ـ تباركوتعالى ـ أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ به، ثم عاد فأذنب،فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال ـ تبارك وتعالى ـ عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربايغفر الذنب ويأخذ به، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ به، اعمل ما شئت فقد غفرتلك" إن هذا الحديث يدل أيضا على أن مغفرة الحق عز وجل لا تمنح إلالمستحق، وهذا العبد الذي غفر له الله عز وجل كان دائم الاستغفار، وهذا يرجع إليإيمانه الصادق بالله عز وجل وخشيته منه. وقول الحق: اعمل ما شئت فقد غفرت لك .. لا يعني أنه جل وعلا أطلق له العنان ليبغي في الأرض الفساد .. تعالى المولى عز وجلعن ذلك .. فقد بدا من الحديث أن هذا العبد لم يكن يكرر نفس الذنب الذي يذنبه،والدليل على ذلك قوله جل وعلا: (ثم عاد فأذنب) .. (ثم عاد فأذنب) .. فلو كان العبديعود إلي نفس الذنب لقال جل وعلا (ثم عاد إلي ذنبه)، يضاف إلي ذلك أن هذا العبد قدكشف أنه من ذوي النفس اللوامة، وصاحب هذه النفس دائما يرتقي في المعراج الروحي إليأعلى حتى يصل إلي النفس المطمئنة إن شاء له الله ذلك، ولا يعود إلي الخلف أو يهبطإلي أسفل .. فالمغفرة في هذا الحديث رغم كونها مستقبلية إلا أنها مغفرة مترتبة علىاستحقاق العبد والذي يعلمه الحق عز وجل من علمه بنفس عبده، وعلمه بالغيب .. إذن فهيليست مغفرة عشوائية يعقبها طغيان من العبد وفساد في الأرض. ونذكر أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم والذي ورد في صحيح البخاري: "تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، قالوا: أعملت من الخير شيئا؟ قال: كنت أنظرالموسر وأتجاوز عن المعسر، قال: فتجاوزوا عنه" هذا مثال آخر لعبد استحقالمغفرة الإلهية لرحمته بالعباد وتجاوزه عما له في ذمة المعسرين. ومن رحمة الحق عزوجل أنه علمنا كيف نستجلب مغفرته فقال: يا أيهاالذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذوالفضل العظيم "29" (سورة الأنفال) فالإيمان والتقوى إذن شرطان لابد منتوافرهما لكي يغفر الله عز وجل للمستغفر. فمن يستغفر وهو كافر أو مشرك فلا مغفرةله، ومن يستغفر رياء دون خشية فعلية في قلبه وندم على الذنب فلا مغفرة له .. ولذلككان المصطفى عليه افضل الصلاة وأتم التسليم وكما أخبرنا القرآن الكريم دائم الدعوةلمن حوله قائلا: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونييحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم "31"} (سورة آل عمران) واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم يكون بالإيمان بالله عز وجل وملائكته وكتبهورسله واليوم الآخر .. وليس الإيمان القلبي فحسب بل الإيمان القلبي الذي يصدقهالعمل .. فمن آمن وعمل صالحا، صار في الإمكان أن يغفر له الله عز وجل ما اقترفه منذنوب أن تاب وأناب. والحق سبحانه وتعالى يأمر عباده بدوام الاستغفار حيث يقول: فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك (سورةمحمد ـ 19) وقوله تعالى: فاعف عنهمواستغفر لهم وشاورهم في الأمر (سورة آل عمران ـ 159) وقوله تعالى: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله(سورة البقرة ـ 199) لذلك فإن ملائكة الله عز وجل وأنبياءه ورسله كانوادائمين على الاستغفار. فالملائكة يستغفرون للمؤمنين كما ورد في قوله تعالى: الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهمويؤمنون ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمةً وعلماً فاغفر للذين تابواواتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم "7" (سورة غافر) ورسول الله موسى عليهالسلام بعد أن وكز الرجل الذي من عدوه فقضى عليه. شعر بالندم والأسى على ذلك رغمأنه لم يكن يقصد قتله، فاستغفر ربه كما جاء في قوله تعالى: قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم "16" (سورة القصص) ونوح عليه السلام يطلب المغفرة له ولوالده وللمؤمنين كمافي قوله تعالى: رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتيمؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا "28" (سورة نوح) وسليمان عليه السلام وكما أخبرنا المولى عز وجل: قل رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب"35" (سورة ص) وإبراهيم عليه السلام قال كما حكى القرآن الكريم: فإنهم عدو لي إلا رب العالمين "77" الذي خلقني فهويهدين "78" والذي هو يطعمني ويسقين "79" وإذا مرضت فهو يشفين "80" والذي يميتني ثميحيين "81" والذي اطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين "82" (سورة الشعراء) والمصطفى عليه افضل الصلاة وأتم التسليم والذي غفر له الله عز وجل ما تقدم منذنبه وما تأخر كما أخبرنا الحق عز وجل: ليغفر لكالله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً "2" (سورةالفتح) رغم ذلك كان يداوم على الاستغفار، وقد ورد في صحيح البخاري أنه قال: (رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمريكله، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وهزلي وكل ذلك عندي،اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنتعلى كل شيء قدير) كما ورد في صحيح مسلم أنهقال: (إنه ليغان على قلبي فاستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة) وحين غفر له المولى عز وجل ما تقدم من ذنبه وما تأخر لم يكن يقصد فتح بابالمعصية على مصراعيه أمام النبي .. كلا .. إنها المغفرة المبنية على علم الحق تباركوتعالى بما عليه النبي من إيمان صادق مصدق بالعمل، وكشفه للغيب المستور والذي علمبه أن هذه المغفرةسوف تزيد النبي عليه افضل الصلاة وأتم التسليم طاعة فوق طاعته،وحمدا فوق حمده، والنبي كان يقوم الليل حتى تتورم قدماه، قيل له: غفر الله ما تقدممن ذنبك وما تأخر قال: "أفلا أكون عبدا شكورا"؟ والحق تبارك وتعالى رحمة بأمةالمصطفى عليه افضل الصلاة وأتم التسليم قد منحنا سبلا للخلاص من الخطايا وللمغفرةالشاملة .. منها حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا... فقد ورد عن النبي أنه قال: "من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدتهأمه" وأيضا الصلوات الخمس والجمعة إلي الجمعة... حيث ورد عن النبي أنه قال: (الصلوات الخمس والجمعة إلي الجمعة تكفر مابينهن إذا اجتنبت الكبائر) والصلاة بعد الذنب والاستغفار... كما أخبرنا النبي حين قال: (ما من عبد يذنب ذنبا فيحسن الطهورثم يقوم فيصلي ثم يستغفر الله إلا غفر الله له) وليس ذلك فحسب بل إنالمولى عز وجل قد جعل استغفار الأبناء للآباء بعد وفاة الآباء مسقطا للذنوب. وقد ورد عن النبي أنه قال: (إذا مات ابن آدم انقطععمله إلا من ثلاث، صدقة جارية وعلم ينتفع به، وابن صالح يدعو له) كما قال أيضا: (إن الرجل لترفع درجته في الجنة باستغفارولده) وخير ما نختم به حديثنا دعاء لأحد العارفين قال فيه: (اللهماغفر لي تقصيري في حق نفسي وفي حقك من حيث كونك الآمر الناهي الواجب له الطاعة لامن حيث افتقارك إلي عبادتي). وقول الحق عز وجل: فقلت استغفروا ربك إنه كان غفاراً "10" يرسل السماء عليكم مدراراً "11" ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهاراً "12" (سورةنوح) |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
القهار وعن هذا القهر الإلهي يقول الحق عز وجل: إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إنأمسكهما من أحدٍ من بعده إنه كان حليماً غفوراً "41" (سورة فاطر) ولايتصور أحد أن الإمساك المشار إليه في هذه الآية الكريمة هو إمساك باليد وما إلي ذلكمن التصورات المادية .. بل هو إمساك بالقهر والغلبة .. إمساك الكلمة (كن فيكون) ..وهذا الثبات الكوني لا ينحل إلا بالكلمة أيضا ولذلك يقول جل وعلا: حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وأزينت وظن أهلها أنهم قادرونعليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصلالآيات لقومٍ يتفكرون (سورة يونس ـ 24) والكون بكل ما يحتويه يدل علىصفة القهر لدى الله عز وجل .. فإذا نظرت نظرة عابرة إلي الكون وجدت أن كل مخلوقيسير وفقا للغاية التي أرادها الله من خلقه .. انظر إلي الشمس والقمر .. الليلوالنهار، تجد أنها كما أخبرنا الله عز وجل: والشمستجري لمستقرٍ لها ذلك تقدير العزيز العليم "38" والقمر قدرناه منازل حتى عادكالعرجون القديم "39" لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكلفي فلكٍ يسبحون "40" (سورة يس) فالشمس تجري لمستقر لها في فلك خاص بها .. والقمر في فلكه الخاص .. وليس للشمس أن تقترب من مداره ولا للقمر أن يقترب منمدارها .. كل منهما يسير في الخط المرسوم ولا يخرج عنه، مما يحول دون التصادمبينهما .. وهذا الأمر ينطبق على حركة الأفلاك جميعا وليس الشمس والقمر فحسب .. ولكنالله عز وجل حين يضرب الأمثال يضربها بما هو واضح للعيان، وكذلك الليل والنهاريتعاقبان بانتظام .. فلا يأتي النهار قبل ميعاده أو يحل الظلام قبل أوانه وفي ذلكيقول جل وعلا: إن ربكم الله الذي خلق السماواتوالأرض في ستة أيامٍ ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمسوالقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين "54" (سورة الأعراف) كل شيء مسخر وخاضع للقهر الإلهي المطلق، حتى أعمالالعباد، فمن كفر أو أشرك أو عصى فإنه لم يخرج عن إطار هذا القهر، وفي ذلك يقول جلوعلا:ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعاًأفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين "99" (سورة هود) فالحق سبحانهوتعالى قادر على هدايتنا جميعا، ويستطيع أن يقهرنا على الإيمان، ولكنه لم يشأ ذلكوشاء أن يمنحنا الاختيار. ويخضعنا للاختبار. فالمسلم يختبر في افعل ولا تفعل، وغيرالمسلم يختبر هل سيقدر الله حق قدره فيبحث عن طريق الهداية والحق أم يعرض ويتناسى،وحتى يكون الاختبار حقيقيا فتح الله عز وجل المجال أمام المعاصي ليعصي والكافرليكفر والمشرك ليشرك .. فالكل إذن في ظلال دائرة القهر .. والكل لم يخرج عن الإرادةالإلهية. ومن الآيات القرآنية التي أثارت جدلا في هذه القضية قول الحق عز وجل: والله خلقكم وما تعملون "96" (سورةالصافات) إذ أراد البعض أن يجعلها دليلا على أن الإنسان يسير سيرا مطلقافي ظل القهر الإلهي .. ويكون بذلك مجبرا في كل أفعاله، بزعم أن أعمالنا مخلوقة كماأشارت الآية الكريمة .. والحقيقة أن هذا فهم خاطئ، ونوضح معنى هذه الآية بمثال .. هب أن إنسانا قفز إلي منزل وقتل صاحبه وسرق ما به من مال .. فهل هذا يعني أن اللهعز وجل هو الذي خلق فعل القتل الذي قام به هذا الشخص وفعل السرقة الذي آتاه .. بالقطع كلا .. لأن الذي خلقه الله عز وجل هو إمكانية القيامة بفعل معين وليس فعلامحددا بذاته. إن الله عز وجل الذي أعطاك يدا تبطش بها ورجلا تسير عليها قد جعلفي إمكانك أن تقتل أو تسرق، كما جعل في إمكانك أن تصلي وتتصدق، فإذا قتلت إنسانابيدك وقيل: إن الله هو الذي خلق هذا القتل فإن هذا يعني أنه جلا وعلا قد جعل فيإمكانية يدك أن تقتل، وليس معنى ذلك أنه هو الذي دفعك وقهرك على قتل من قتلت. كذلكإذا صليت فإن الله عز وجل هو الذي خلق فعلك للصلاة بمعنى أنه جعل في إمكان بدنك أنيؤدي الصلاة، وليس معنى ذلك أنه قهرك على أدائها. إن كل عمل يؤديه العبادمخلوق، بمعنى أن الله عز وجل هو الذي أعطى العباد إمكانية القيام به، وفي هذاالمعنى يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتابه القيم (إحياء علوم الدين): (إن انفراد الله سبحانه وتعالى باختراع حركات العباد لا يخرجها عن كونها مقدورةللعباد على سبيل الاكتساب). وعلى هذا النحو يمكن فهم قوله تعالى: وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين "29" (سورةالتكوير) فلولا أن الله عزوجل قد جعل في إمكان الإنسان أن يكفر لما استطاع أن يكفر، ولو لم يجعل في إمكانه أنيعصي لما استطاع أن يعصي كشأن الملائكة. وبهذا المعنى فإن مشيئة الإنسان لم تخرج عنمشيئة الله عز وجل، وعمل الإنسان لم يخر عن القهر الإلهي. ومن الآيات التي أوحتللبعض بأن الإنسان مقهور على أعماله قوله تعالى: ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتابٍ من قبل أننبرأها وإن ذلك على الله يسير "22" (سورة الحديد) فقالوا: إن قوله جلوعلا: (في كتاب من قبل أن نبرأها) يعني من جهة أن هذه المصيبة من خلق الله، كمايعني أنها مكتوبة من قبل أن تقع. ونقول ردا عليهم: إنه فيما يتعلق بكون هذه المصيبةمخلوقة فقد أوضحنا هذا المعنى في شرح قوله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون)، وفيمايتعلق بكونها مكتوبة قبل أن تحدث فهذا صحيح .. ولكن نبادر فنقول: إن هذه الكتابة قدبنيت على علم الغيب الذي ينفرد به الله عز وجل. فالحق تبارك وتعالى عالم بالأحداثقبل أن تقع .. فإذا كتبها وحدثت بعد ذلك فإن هذا لا يعني أننا ننفذ ما كتبه اللهعلينا قهرا. ولتوضيح ذلك، هب أن شخصا قام بتسجيل حلقة علمية أو دينية على شريطفيديو، فهل يمكن أن نقول إن هذا الشخص كان له تأثير على مجريات هذه الحلقة، هذا معالأخذ في الاعتبار الفرق الشاسع بين المثال السابق وحقيقة الكتابة الإلهية؛ لأنالله عز وجل ليس منقطع الصلة بأعمال العباد .. فهو الذي يزيد الذين اهتدوا هدى .. وهو الذي يمد الطغاة في طغيانهم يعمهون، هذا فضلا عن أن هناك أحداثا تقع بالإرادةالمطلقة له عز وجل، بمعنى أنه قدرها وكتبها لتحدث .. أي ليست الكتابة المبنية علىكشفه عز وجل للغيب المستور. ومن هذه الأحداث .. الميلاد والموت .. الصحة والمرض ..الكوارث الطبيعية من زلازل وبراكين وخلافه. ومن الخطأ الجسيم أن يزعم إنسان أنالله عز وجل قد كتب عليه مقدما أنه من أهل النار أو من أهل الجنة، وأنه مهما فعل لنيغير المكتوب؛ لأنه وكما ذكرنا من قبل أن هذه الكتابة لم تفرض علينا أعمالنا .. بلإن الله عز وجل قد كشف الغيب المستور وشاهد الأعمال قبل أن تقع فسجلها بعلمه للغيب،وليس على الإنسان أن يشغل باله بهذه المسألة ويجب أن يضع في ذهنه قول الله عز وجل:يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب "39" (سورة الرعد) وأؤكد على هذه الجزئية لأنني كثيرا ما أسمع شخصا يقول: مافائدة الأعمال الصالحة إذا كان الله عز وجل قد كتب علي من البداية أنني من أهلالنار؟ .. وهذا الكلام محض هراء، ونقول لقائله: ومن الذي أدراك ما الذي كتبه اللهلك؟ .. ولماذا افترضت أنك من المدرجين مع أهل النار وليس مع أهل الجنة؟ إن فكرةالمصير المحتوم مسبقا إلي الجنة أو إلي النار فكرة خاطئة، ومادمت أنك على قيدالحياة فتؤمن أن مصيرك لم يتحدد بعد، ولو كان العلم الإلهي المسبق بالأحداث بهذاالمعنى الخاطئ الذي يفهمه هذا الشخص لما قال المولى عز وجل:وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوالي} (سورة البقرة ـ 186) إذ ما معنى أن يستجيب الله عز وجل للدعاءوالمصير محتوم ومعلوم؟ ولماذا قال أيضا في الحديث القدسي: (يا ابن آدم أنك مادعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنانالسماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثملقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتكبقرابها مغفرة) فما ما معنى أن نستغفر على الذنوبوالمصير محتوم ومعلوم؟ إنه لا تعارض مطلقا بين القهر الإلهي المطلق وبينالاختيار البشري .. وندعو الله عز وجل أن يفتح بصائرنا لنفهم هذه الأمور على وجههاالصحيح. ومن القضايا التي أود أن أتحدث عنها أيضا هي قول البعض بأن الأحداث التيتقع بالإرادة المطلقة لله عز وجل كالميلاد والموت .. الصحة والمرض، قد يكون لهاتأثير على اختيار الإنسان، وضربوا مثلا لذلك بمن يولد على غير الإسلام ومن يموتشابا قبل أن يصل إلي مرحلة الشيخوخة والتي دائما ما يعود فيها الإنسان إلي خالقه. ولهؤلاء نقول: إن العدل الإلهي المطلق لا تفوته أشياء قد استوقفت عدلكم المحدث،فعدلكم نفحة من العدل الإلهي ونقول لهم: إن هذه الأشياء مأخوذة في الاعتبار فيالدنيا والآخرة .. وليس أدل على ذلك من أن الكافر أو المشرك إذا رجع عن كفره أوشركه فإن الله عز وجل يغفر له ما تقدم من ذنبه، وهذه منحة ليست في يد المسلم .. كماأنها مأخوذة في الاعتبار يوم القيامة، والحق سبحانه وتعالى يقول: إن الله لا يظلم مثقال ذرةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجراًعظيماً "40" (سورة النساء) واسم الله (القهار) قد ورد مقترنا باسمه (الواحد) في العديد من الآيات القرآنية منها قوله تعالى: قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار (سورة الرعد ـ 16) وقوله تعالى: قل إنما أنا منذر وما من إله إلاالله الواحد القهار "65" (سورة ص)وهو جل شأنه القهار منذ الأزل إليالأبد .. وسوف ينادي يوم القيامة ويرد على نفسه قائلا:لمن الملك اليوم لله الواحد القهار (سورة غافر ـ 16) |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
الوهاب والحق سبحانه وتعالى لاينال من عطائه للعباد أي مقابل على الإطلاق .. وإن قيل إنه جاء شأنه يبغي من هذاالعطاء أن يعبد مصداقا لقوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فإننانقول: إن هذه العبادة التي تعبدنا بها ليست مقابلا لعطاياه جل وعلا لأنه الغني عماسواه على الإطلاق، ولا حاجة به لغيره في وجوده ولا في بقائه وفي ذلك يقول عز وجل: يا أيها الناس أنتم الفقراء إلي الله والله هوالغني الحميد "15" إن يشأ يذهبكم ويأت بخلقٍ جديدٍ "16" وما ذلك على الله بعزيزٍ "17" (سورة فاطر) ويقول في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمتالظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديتهفاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عباديكلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأناأغفر الذنوب جميعها فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا شري فتضروني ولنتبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقىقلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكموجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أنأولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته مانقص ذلك ما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكمأحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنإلا نفسه). فالعبادة ما هي إلا مجموعة من الالتزامات تدخل في إطار (افعل ولاتفعل) الغرض منها الارتقاء الروحي والبدني بالإنسان الرقي الذي يتناسب مع كونهخليفة الله في أرضه. تأمل عبادة الصلاة في الإسلام سوف تدرك على الفور الحكمة فيفرضها على العباد .. انظر إلي المصلى الذي يواظب على صلاته تجده دائما نظيف البدنوالمظهر مضيء الوجه، دائم الصلة بالله، كثير الذكر قليل الذنب حسن الحديث مأمونالجانب، هادئ الطبع قلما يخرج عن هدوئه ووقاره .. لأن صلاته تفكه من أسر الشيطان،وهذه السمات مجرد أمثلة لا حصر لها. كذلك عبادة الصوم .. شرعها الله عز وجلليتذكر الإنسان نعم الله عليه والتي يفقد الإحساس بها حينما يألفها مع التكرار،وليشعر بما يعانيه الفقير الذي لا يملك قوت يومه، ولترتقي النفس البشرية فوقالغرائز الحيوانية .. فلا يصبح إشباع الغريزة لدى الإنسان غاية كما هو الشأن لدىسائر الحيوانات، وتأخذ الغريزة بذلك موضعها الصحيح .. الطعام ليمد الإنسان بالطاقةاللازمة لاستمراره وبقائه .. والغريزة الجنسية من أجل الإنجاب وإعمار الأرض، وبذلكلا نجد بيننا ذلك الذي يتصور أن الحياة قد جعلت للطعام والشراب ومعاشرة النساء كماهو الحال في الدول التي يزعم أنها متقدمة. إن عبادة الحج قصد بها الله عز وجلأن يلتقي المسلمون من مختلف الشعوب والأجناس حول غاية واحدة، ويتبادلون الرأي حولأمور الدنيا والآخرة. الزكاة شرعت لإعادة توزيع الدخل بانتقال جزء منه من الأغنياءإلي الفقراء لإعانتهم على المعيشة بما يمنع التحاسد والبغضاء، ويمنع انتشار الجرائمفي المجتمع. كذلك الأمر بالفضائل المختلفة كالصدق والحياء والكلمة الطيبة وإماطةالأذى عن الطريق والابتسامة في وجه أخيك وغيرها، والنهي عن الرذائل كالكذب والنفاقوالرياء والحسد والحقد والغيبة والنميمة وغيرها .. الأوامر والنواهي على وجه العمومإنما شرعت لمصلحة الإنسان وليس إذلالا ومنا من الله عز وجل على العباد. والحقسبحانه وتعالى هو الوهاب أزلا وأبدا .. فحين خلقنا عز وجل من العدم كان ذلك هبة منهجل وعلا .. فبدن الإنسان هبة .. وعقله هبة .. وسمعه هبة .. وبصره هبة .. وقلبه هبة. الكون بكل ما يحوي من مخلوقات هبة منه عز وجل للإنسان .. فالهواء الذي نتنفسه هبة .. الماء الذي نشربه هبة .. والطعام الذي تخرجه لنا الأرض هبة .. والدواب التيتحملنا إلي الأماكن المتباعدة هبة .. الشمس التي تمدنا بالدفء والضوء هبة .. القمرالذي نسير على أشعته ليلا هبة منه تبارك وتعالى. الرسالات السماوية التي يرسلهاليهدينا بها إلي سواء السبيل هبة منه جل وعلا .. الهداية والانتقال من الكفر إليالإيمان هبة منه، وفي ذلك يقول جل شأنه: يا أيهاالذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاءوالمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحدٍ أبداً ولكن الله يزكي منيشاء والله سميع عليم "21" (سورة النور) الزوج هبة من الله عز وجللزوجته، والزوجة هبة لزوجها، والأطفال هبة للوالدين وفي ذلك يقول جل وعلا: لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمنيشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور "49" أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاءعقيماً إنه عليم قدير "50" (سورة الشورى) فعطاء الله عز وجل هبة، ومنعههبة، وقد قلنا من قبل إن النعمة قد تكمن في جوف النقمة، والنقمة قد تكمن في جوفالنعمة، ولا يعلم أين الخير من الشر سوى الله عز وجل علام الغيوب. ويجب على الإنسانأن يعتقد اعتقاد جازما بأن كل شيء هبة من الله تبارك وتعالى حتى تلك الأشياء التينظن أننا نكتسبها بالأسباب .. ولو ظن الإنسان أن ما به من نعمة من كسبه وعمله ونسىفضل الله عليه فإنه لا محالة سيفقد هذه النعمة .. وقد رأينا ماذا فعل الله عز وجلبقارون حينما أدعى أن ما به من نعمة قد جاءته بعلمه وعمله. ومن الواضح من القصةأن قارون قد ارتكب عدة معاص اجتمعت معا. فحق عليه العذاب، فهو فضلا عن ادعائه بأنالنعم قد آلت إليه بعلمه وعمله، لم يكن يبتغي فيما أوتي الدار الآخرة، وكان يبغيالفساد في الأرض، وكان يخرج على الناس في زينته المبالغ فيها والتي كانت تسببللفقراء من الناس إيذاء نفسيا وتشعرهم بالإحباط والقنوط والسخط على ما هم فيه منضيق ذات اليد. ورسل الله عليهم جميعا افضل الصلاة وأتم التسليم كانوا يدركون جيداأن كل شيء موهوب من الله، لذلك كانوا في دعائهم يستخدمون الفعل (هب) دون غيره منأفعال الدعاء .. ومن هذه الأدعية التي وردت في القرآن الكريم قوله تعالى: الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق (سورةإبراهيم ـ 39) وقوله سبحانه: هنالك دعازكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذريةً طيبة (سورة آل عمران ـ 38) وقولهالحق: رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين "83" (سورة الشعراء) والإنسان يجب أن يلجأ في كل طلب إلي الله عز وجل لأنهوحده هو الوهاب الذي يعطي بلا مقابل، كما أنه هو وحده الذي يملك خزائن كل شيء، حتىتلك الأشياء التي نظن أنها بيد فلان من الناس .. وقد قلنا من قبل إن الإرادةالإلهية تسخر الأسباب، بينما الأسباب لا تملك أن تغير هذه الإرادة. والمولى عز وجلكما أخبر عن نفسه قال: أم عندهم خزائن رحمة ربكالعزيز الوهاب "9" (سورة ص) |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
ما أروعهم من أسماء
جزاك الله خيرا |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
شكرا لمرروك الذي عطر المكان ونشر بشذاه أركان موضوعي فبارك الله فيك http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwa...943769_563.gif |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
الرزاق ويقول الرسولصلى الله عليه وسلم: "إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق" ورزقالله نعمة منه لا تحصى. أولاً: رزق الخلائق جميعاً بكافرهم ومؤمنهم وكل ما فيالكون حرصاً عليه وما فيه، منه وإليه، يقول الحق سبحانه وتعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها "6" (سورة هود) وهذا عطاء الربوبية؛ لأن الله استدعى الكون إلي الوجود، وإلي ما يحتاج إليه فيالخلود. أما الرزق الثاني: فهو عطاء الألوهية للمختارين من عباده، وليس الرزقهو المال، فحلاوة اللسان رزق، والقبول رزق، وخفة الظل رزق، والستر رزق، والرضابقضاء الله رزق. ومثال القبول نجد نجارين متجاورين مكاناً وزماناً وبضاعة، وتجدقبولاً في أحدهما وإعراضاً عن الآخر، ولا تسأل عن الحكمة في ذلك فهذه أرزاق. ونجدفتاتين إحداهن سوداء، والأخرى بيضاء، ونجد قبولاً في السوداء لأن كلاً منهما لهرزقه، ورزق السوداء مقدم، لأن أمره جاء وقته، أما الأخرى فرزقها بميلاد يولد فيحينه، وهذا تقدير العزيز العليم. يقول الله سبحانه وتعالى: إن الذين قالوا ربنا ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة .. "30" (سورة فصلت) والأرزاق لها غذاء، وغذاء القلوب ذكر الله، وبالذكر يحصلغناها ويزول فقرها، يقول الحق سبحانه وتعالى: ألابذكر الله تطمئن القلوب "28" (سورة الرعد) ورزق النفس بالسكينةوالطمأنينة، يقول الحق سبحانه وتعالى: يا أيتهاالنفس المطمئنة "27" ارجعي إلي ربك راضية مرضية "28" (سورة الفجر) ورزقالسمع البيان والتبيين والتثبت، يقول الحق سبحانه وتعالى: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا .. "6" (سورةالحجرات) ورزق العقل التفكير، يقول الحق: ويتفكرون في خلق السماوات والأرض .. "191" (سورة آل عمران) ورزق الأدب اتباع منهج الله، واتباع سنة رسوله. ورزق اليوم الحلال من الطيبات،بدليل قوله تعالى: ورزقناهم من الطيبات "70" ( سورة الإسراء) ولكي تدوم الأرزاق، وتدوم النعم فاذكر الله كثيراً بقدرما أعطيت من نعم. يقول الحق سبحانه: يا أيها الذينآمنوا اذكروا الله كثيراً "41" وسبحوه بكرة وأصيلاً "42" هو الذي يصلي عليكموملائكته ليخرجكم من الظلمات إلي النور وكان بالمؤمنين رحيماً "43" (سورةالأحزاب) أي: اسألهم يا محمد هذا السؤال، ولا يسأل هذا السؤال إلا منيثق أن الجواب سيكون بما يحقق مراد السائل. لنفرض أن أنباً قال: إن أبي لم يعد يحضرلي ما أريد، وجاء الأب وعلم ما قاله الابن فسأله: م الذي جاءك بهذا الثوب الجديد؟وهذا الحذاء الجديد؟ وهذا القلم الجديد؟ يسأل الأب هنا ليعرف من الذي جاء بهذهالأشياء؟ طبعاً لا. لأن الأب هو الذي جاء بها، فكيف يسأل عمن أحضرها، مع أنه هوالذي جاء بها، وهل يريد فعلاً أن يعرف من أحضرها؟ طبعاً لا!! إنما هو يعرف أن ابنهلن يجد جواباً، إلا أن يقول: أنت الذي أحضرت هذا وهذا. وهذا ما يريده الأب بأن يشهدالابن على نفسه بأنه لم يهمه. كذلك هذه الأسئلة التي ساقها الله سبحانه وتعالى يريدبها اعترافاً، وليس جواباً من المسئول، فيقول تعالى: قل من يرزقكم من السماء والأرض "31" (سورة يونس) والرزقما ينتفع به، والانتفاع الأول هو ضروريات الحياة. والثاني هو كمالياتها. والرزق هوأصل استمرار الحياة، فإن توقف توقفت. الله سبحانه وتعالى طلب من محمد صلى الله عليهوسلم أن يسأل، ولم يطلب منه أن يجيب، بل طلب أن يجيب الكفار. الحق سبحانه وتعالىيقول:يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات مارزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون "172" (سورة البقرة) فالرزقخلقه الله أولاً، وأعطاه لبعض خلقه ثانياً، وجعله ليخدم الذين أعطاهم الله هذاالرزق، ويعطوا منه لمن ضيق عليه فيه. فالله خلق الرزق، وأعطاه لبعض خلقه، وهذاالبعض ينتفع به، ويخرج منه المحتاجين، فالله تعالى خير الرازقين؛ لأنه خلق الرزقوأعطاه لك، فأنت تعطي من رزق الله الذي أعطاه لك. ولذلك كره العلماء أن يسمى إنسانرازقاً، وإن كان ربنا قال عن نفسه: خير الرازقين "114" (سورة المائدة) فلا رازق إلا الله. ولذلك تجد إنساناً يعملبواباً أو فراشاً أو ساعياً عند أحد أصحاب العمارات أو الشركات، فإذا حدث خلافبينهما وفصله صاحب العمل. تجد العامل الضعيف المحتاج يصرخ في وجهه ويقول: ربنا هوالرازق، إياك أن تفتكر نفسك أنك ترزق أحداً، وينصرف وهو يعلم يقيناً أن رزقه علىالله، مع أنه كان يأخذ أجره منه. ولكن هذا العامل نظر إلي الرازق الأول سبحانهوتعالى الذي يرزق من يشاء بغير حساب، ولأن الذين هاجروا في سبيل الله رزقهم حسن،فالله وعدهم أن يدخلهم مدخلاً يرضونه. إن الأرزاق التي أوجدها الله في الكونتنقسم إلي قسمين: رزق يمكن الانتفاع مباشرة به، ورزق هو سبب لما انتفع به مباشرة. فالإنسان، يأكل رغيف الخبز، ويشرب كوب الماء، ويكتسي بالثوب، ويسكن البيت، وينيرالمصباح، كل ذلك رزق مباشر، ولكن المال يأتي بالرزق المباشر، ولا يغني عن الرزقالمباشر، فإذا امتلك إنسان جبلاً من الذهب وهو جائع فماذا يصنع به؟ إن رغيف الخبزفي هذه الحالة أنفع للإنسان من جبل الذهب، إن رغيف العيش رزق مباشر. إن النقودوالذهب يشتري بها الإنسان هذا الشيء وغيره، ولكن النقود لا تغني عن الخبز والماء. وبعد أن وضع الله للإنسان قدرة أن يستغل المال في شراء كل شيء، فإن هناك بعضاً منالأوقات يجعل فيها الله هذا المال لا يشتري أي شيء، ولا يساوي أي شيء، وذلك حتىيعرف البشر أن المال ليس غاية، ولا يصلح أن يكون غاية، بل هو وسيلة، وإن فقد المالوسيلته وأصبح غاية فلابد أن يفسد الكون. إن علة فساد الكون كله في القدر المشترك هوأن المال أصبح غاية ولم يعد وسيلة. عطاءالربوبية إن الحق رحيم بعباده، ولكنه لا يختص برزق المؤمنين، فهو سبحانهالعادل الكامل لا يترك غير المؤمنين دون أن يقيموا أود الحياة، وأن يحافظوا علىحياتهم بأن يأكلوا مما في الأرض حلالاً طيباً. إن الحق سبحانه هو رب كل الناس، وهوالذي خلق كل الناس؛ لذلك فبحب الخالق لصنعته من الخلق يدعوهم إلي أكل الحلالوالطيب؛ ليصون الحق سبحانه صنعتهن وهم الخلق أجمعون. المؤمن منهم والكافر. إنالحق سبحانه رب ومرب، ويجب لصنعته أن تكون في احسن حال، حتى ولو لم يؤمن بعض الناس،إن الدعوة لأكل الحلال والطيب هي صيانة للإنسان من الشيء الضار. وهنا نأتي لموقفيتخذه كثير من الذين أسرفوا على أنفسهم، ويحبون أن يكذبوا قضية الدين، وقضيةالتحريم، لعل ذلك التكذيب ينجيهم من اللوم الفطري الذي توجهه النفس لصاحبها أن يخرجعن منهج الله. ولعل ذلك التكذيب ينجيهم من عذاب تصور الجحيم الذي يعرفون أنهبانتظارهم يوم القيامة. إنهم لم يستطيعوا أن يحملوا أنفسهم على مطلوبات الله؛ لذلكيقولون الكذب ويسألون أسئلة تدل على عدم الفهم. إن الواحد منهم يقول: مادام لحمالخنزير حراماً، فلماذا خلقه الله؟ ومادام هناك شيء تخرجه الأرض فلماذا يحرم الدينبعض المأكولات ولا يحرم البعض الآخر؟ إنهم يعتقدون أن كل مخلوق في الأرض له مهمته. إن الزمن يلفتهم ـ وهم غير مؤمنين ـ إلي أن يمسكوا ـ على سبيل المثال ـالثعابين والحيات ليستخلصوا منها السموم، ويأخذوا من هذه السموم دواءً ليقتلوا بهميكروبات تفتك بالإنسان. وقيل: إن الكافر منهم كان يتساءل بنبرة تعالٍ على الخالققائلاً: لماذا خلق هذا الثعبان في الكون وما فائدته؟ ما لزوم خلق الثعابين؟ إن الحقسبحانه وتعالى يجعل الإنسان محتاجاً إلي الثعابين ليأخذها، ويحتال عليها ليأخذ منهاالسموم لمصلحة من؟ لمصلحة الإنسان. إن الثعبان ليس مخلوقاً من أجل أن نأكله، ولكنهمخلوق لنستخلص منه العلاج، لكن موقف المؤمن بالله يختلف عن موقف المنكر للإيمان، إنالمؤمن إذا رأى شيئاً محرماً فعليه الالتزام بتكليف الإيمان .. إن على المؤمن أنيأخذ بأسباب الله التي خلقها في الكون، ليستكشف مهمة كل مخلوق في الكون. إن كل شيء أو كائنإنما هو مخلوق لمهمة يؤديها في الكون، إن الخالق قد حرم على العباد أن يقتلواأنفسهم بالسموم، ولكن الحق سبحانه أباح استخدام هذه السموم في التخلص من الآفاتوالميكروبات التي قد تفتك بالإنسان. إن على المؤمن أن يعرف أنه يجهل الكثير من قضيةالكون، بدليل أنه يكتشف فيها سراً جديداً كل يوم. ولأضرب لكم مثالاً مر بي، وقد يمربأي واحد منكم، إنني لا أنسى هذا المشهد الذي رأيته في أحد مراكز الأحياء المائية. لقد رأيتهم يحضرون نوعاً من السمك، لا يزيد طوله على عقلة الإصبع، ولا يكبر،ولا يأكله أحد. وله مهمة واحدة هي تنقية الماء من أي عوالق أو شوائب، ويعيش هذاالسمك في الأماكن التي لا ينقي الإنسان فيها الماء، فإذا رمى أحد في هذا الماء أيمخلفات، فهذا النوع من السمك يتجمع على الفور ليأكل هذه المخلفات وينقي الماء منها؛لأن الخالق القيوم قد خلقه لهذه المهمة؛ لذلك لا يكبر هذا النوع من السمك حتى لايطمع فيه أحد ويأكله. إنه ترتيب دقيق من الحي القيوم. ولننظر إلي الذباب ـ علىسبيل المثال ـ إن الذباب لا ينشأ إلا في الأماكن القذرة والخطر من الذباب إنما يأتيمن أنه ينقل الميكروبات من الأماكن القذرة إلي الإنسان؛ لهذا نجد الدين الحنيفيأمرنا بالنظافة لا في البدن فقط، ولكن لابد لنا أن نحتفظ بأماكن حياتنا نظيفة. فإذا أراد إنسان أو مجتمع أن تقل فيه خطورة الذباب فلابد من الامتثال لأمر الإيمانبالنظافة، ونظافة الجسد والملابس والمكان. إذن: فكل خلق في الوجود مرتب ترتيباًدقيقاً، إن ترتيب الخالق الرزاق المربي. ومادام الخالق قد خلق الإنسان ورزقه، لذلكفعلى الإنسان طاعة نداء الحق، إن الحق سبحانه ينادي خلقه مطالباً إياهم أن يفتحواأعينهم ليروا أن كل مخلوق مهما صغر له مهمة في الوجود. إن على الإنسان أن يتسامى فيبحثه، ليدرك بعضاً من مهام غيره من المخلوقات، والذين يختصون الخالق الأكرمبالعبادة هم القدوة لغيرهم من الناس. لذلك يقول الحق سبحانه لهم: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتمإياه تعبدون "172" (سورة البقرة) عطاء الألوهية قال تعالى: رجاللا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماًتتقلب فيه القلوب والأبصار "37" ليجزيهم الله احسن ما عملوا ويزيدهم من فضله واللهيرزق من يشاء بغير حساب "38" (سورة النور) ولنا أن نسأل: ما الرزق؟ الرزق عند القوم هو ما به ينتفعون، فكل شيء ينتفع به الإنسان يسمى رزقاً، لكنلنا أن نفرق بين الرزق الحرام والرزق الحلال؛ لأن الحرام منفعته عاجلة وضرورةحتمية، أما الحلال فقد يكون منفعة قليلة في نظر البعض، ولكنها كثيرة الخير ودائمةالتجدد. والناس قد يقصرون كلمة الرزق على شيء واحد يشغل بالهم دائماً، وهو المال. لهؤلاء نقول: لا، إن الرزق هو ما به يتم الانتفاع، فالعلم رزق، والخلق رزق،والعبادة رزق، ولنا أن نتأمل قول الحق سبحانه: والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم علىما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون "71" (سورة النحل) إن التفاوت في الرزق أمر أراده الله حتى يستطرق الرزق بألوانه المختلفة بينالعباد، فإذا تميز واحد برزق في أمر ما، فإنه يرد بعضاً منه على الناس؛ لذلك فالرزقهو كل ما يتم الانتفاع به. وعندما يقول الحق سبحانه وتعالى: والله يرزق من يشاء بغير حساب "38" (سورة النور) فلنا أننتفهم معنى "بغير حساب" إن الحساب يقتضي محاسباً ومحاسباً عليه، ولأن الحق سبحانههو الوهاب فقد يرزق الإنسان لا على قدر سعيه، ولكن أكثر مما يتخيل الإنسان. إن الحقسبحانه حين يرزق فلا توجد سلطة أعلى منه تقول له: لماذا أعطيت؟ إن الحق سبحانه يعطيبطلاقة قدرته، وقد يعطي الله الكافر حتى يتعجب المؤمن. لكن لماذا لا يحسب المؤمنعطاء الله له من الحسنات المضاعفة، ومن الأمان النفسي، إن الإنسان حين يقرأوالله يرزق من يشاء بغير حساب "38" (سورةالنور) فعليه أن يعرف أن الحساب واقع من الله على الغير لماذا؟ لأن قولالحق سبحانه واضح ومحدد. ويقول الحق سبحانه وتعالى: ما عندكم ينفذ وما عند الله باقٍ ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ماكانوا يعملون "96" من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فنحيينه حياة طيبةًولنجزينهم أجرهم بأحسن مما كانوا يعملون "97" (سورة النحل) إن ما يملكهالإنسان مهما بلغ من الثراء محدود ومعدود، أما ما يملكه الحق الرحمن فهو غير محدودأو معدود، وعندما يعرف الإنسان ذلك فإنه يلزم الآداب، ذلك أن الذين يعبدون لهمأجرهم بأفضل مما عملوا، وليس هذا الأمر في الآخرة فقط، ولكن في الدنيا أيضاً. إنالحياة تكون مباركة بالقناعة والرزق الحلال، ثم يذهب الإنسان في الآخرة إلي حسنالمآب. إذن: فليلزم كل إنسان أدبه، إن رأي غيره قد رزقه الله أكثر منه؛ لأنه لايعلم حكمة الله في ذلك، إن علينا أن نعرف أن الرزق هو امتحان وليس وسيلة تكريم أوإهانة للإنسان، إن الإنسان قد يقف في الذي تحدث عنه القرآن الكريم: فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربيأكرمن "15" وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن "16" (سورةالفجر) لا، إن الكرم ليس في زيادة الرزق، ولكن في اجتياز الإنسانلامتحان هام هو حسن استخدام الرزق، وقلة الرزق ليست إهانة للإنسان، ولكن هي أيضاًاختبار. فالإكرام الإلهي لا يكون إلا إذا وفق الإنسان في أداء حق النعمة، والتقديرفي الرزق لا يكون إهانة إلا إذا لم يوفق الإنسان في أداء حق النعمة. |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
الفتاح هو الذي يفتح خزائن رحمته على عباده، وهو الذي فتح علىالنفوس خزائن رحمته على عباده، وهو الذي فتح على النفوس باب توفيقه، وهو الذي رفعالحجاب على قلوب أوليائه، ويفتح قلوبهم وعيون بصائرهم ليبصروا الحق حتى يصلوا إليعين اليقين. وهو الذي يفتح لهم الأبواب إلي ملكوته سبحانه وتعالى، فيكون معنى الفتحالكشف والتبيين والإلهام مع التجلي. وهو الفتاح ويميز الحق من الباطل ويعلي الحق،ويخزي المبطل. قال الله تعالى: قل يجمع بينناربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم "26" (سورة سبأ) الفاتح: الحاكم. والفتاح من أبنية المبالغة. فالفتاح هو الحكم المحسن الجواد، وفتحه تعالىقسمان: أحدهما: فتحه بحكمه الديني وحكمه الجزائي. والثاني: الفتاح بحكمهالقدري، ففتحه بحكمه الديني، هو ما شرعه على ألسنة رسله جميع ما يحتاجه المكلفون،ويستقيمون به على الصراط المستقيم، وأما فتحه بجزائه فهو فتحة بين أنبيائهومخالفيهم، وبين أوليائه وأعدائه بإكرام الأنبياء وأتباعهم ونجاتهم، وبإهانةأعدائهم وعقوباتهم. وكذلك فتحة يوم القيامة وحكمه بين الخلائق حين يوفي كل عامل ماعمله. أما فتحه القدري فهو ما يقدره على عباده من خير وشر، ونفع وضر، وعطاء ومنع. قال تعالى: ما يفتح الله للناس من رحمة فلاممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم "2" (سورة فاطر) فالرب تعالى هو الفتاح العليم الذي يفتح لعباده الطائعين خزائن جوده وكرمه،ويفتح على أعدائه ضد ذلك، وذلك بفضله وعدله. |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
العليم وقال تعالى: آلم "1" ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين "2" الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون "3" (سورة البقرة) ولابد لنا من تعريف معنى (الغيب) وقلنا: إن الغيب هو ما غاب عن حواس الإنسانالظاهرة، وحواس الإنسان التي لا يدرك الإنسان نفسه حدودها، وأوضحنا أن الحسالإنساني لا يقتصر على الحواس الخمس الظاهرة (التنفس ـ التذوق ـ اللمس ـ السمع ـالرؤية). ذلك أن هناك حواس أخرى لم تكن معروفة، وقدرات إنسانية لم يكن يعرفها البشرأيام بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذه الحواس وتلك القدرات تعرف الإنسانعليها بعد تقدم العلم. ومازال هناك حتى الآن بعض احساسات للإنسان لم تستطع البشريةأن تكشف الأدوات التي يدرك الإنسان بها هذه الأحاسيس. بل لقد تقدم العلم ليعلنالعجز مع استمرار المعادلة في كشف آفاق قدرات الإحساس عند الإنسان .. حاول العلمويعجز في أحيان أخرى، بل إن الدراسات الخاصة بعمل (مخ) الإنسان، مازالت تقف عاجزةأمام بعض أسرار عمل المخ وعلاقته بحواس الإنسان الظاهرة والباطنة. وأوضحنا أن معنىكلمة (الغيب) ليس المقصود بها ما لا يعرفه الإنسان، ولا يدخل التنبؤ بالطقس تحتطائلة معنى (الغيب) على سبيل المثال. إن (الغيب) هو الذي يغيب عن الإنسان وعنالبشرية جمعاء. فإذا علم واحد شيئاً جديداً كان معلوماً عند غيره فلا يقال عن ذلك (علم الغيب)، وإذا علم الإنسان شيئاً كان مطموراً في الكون أو مستوراً كاكتشافالبترول أو الكهرباء. فذلك أيضاً ليس علماً بالغيب، إنما هو اكتشاف إنساني جاء بعدأن أضنى الإنسان فكره وعمله ليصل إلي هذا الاكتشاف أو ذاك، فكل علم من علوم الدنيايبدأ دائما بافتراض مقدمات، هذه المقدمات تؤدي إلي نتائج، وذلك ليس غيباً، ومادامالشيء بذاته محسوساً أو بمقدماته التي تدل على محسوسة، فليس ذلك بغيب. إذن: ماالغيب الذي أراد الله أن نؤمن به؟. إنه الغيب الذي لا يكون مصدره إلا اللهسبحانه وتعالى، ذلك أن الإيمان لا يكون مصدره إلا الله سبحانه وتعالى، ذلك أنالإيمان لا يمكن أن يتعلق بشيء محسوس أبداً. فلا يقال مثلاً (أنا أؤمن بأن الشمسساطعة) ولا يقال أيضاً: أنا أؤمن بأن القمر يكون بدراً في منتصف الشهر العربي. مثلهذه الحقائق يقال عنها: إن الإنسان يؤمن بها لأنها أمور محسوسة، لكن يقال مثلاً: (أنا أعلم أن الشمس ساطعة، وأعرف أن القمر بدر في منتصف الشهر العربي)؛ لأن ذلكإدراك بالحواس، والحواس هي نوافذ العلم والمعرفة، وهي بذلك تختلف عن الغيب. حيثإن الإيمان الحقيقي هو إيمان بالغيب المطلق، إيمان بالله وملائكته ورسله واليومالآخر. وفي رواية عن سيدنا عمر رضي الله عنه قال مامعناه: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديدبياض الثياب، شديد سواد الشعر، ووضع ركبته على ركبتي رسول الله، ووضع يديه على فخذيرسول الله، وسأل السائل رسول الله: ما الإيمان؟ أجاب الله: أن تؤمن بالله (وهوغيب)، وملائكته (وهم غيب)، ورسله (وهم غيب)، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره (وهذا أيضاًغيب)، وأن تؤمن باليوم الآخر (وهو غيب). وأضاف السائل سؤالاً أخيراً لرسول اللهصلى الله عليه وسلم: ومتى تقوم الساعة؟ أجاب الرسول: "ما المسئول بأعلم من السائل" وانصرف الرجل، فقال الرسول: أتعلمون من كان هذا الرجل؟ قلنا: لا نعلم يا رسول الله. أجاب الرسول: "أنه جبريل جاء يعلمكم أمر دينكم" وقد يتساءل أحد: كيفتكون الكتب السماوية والرسل من علم الغيب؟ هنا نقول: إن الكتب السماوية غيب؛ لأنأحداً لم يرد كيف نزلت الكتب على الرسل. أيضاً الرسل غيب؛ لأن الرسول نفسه كان لايعرف أمر اختياره إلا لحظة أن يوحي الله إليه بالرسالة. وكلنا نعرف قصة إبلاغموسى بأنه رسول، وكلنا نعرف قصة إبلاغ محمد رسول الله بأنه رسول الله إلي المسلمين،وكافة الخلق أجمعين أن الكتب والرسل من أمر الغيب علينا أن نصدق ذلك، وأن نسلم به؛لأن الكتب رغم أنها محسوسة، والرسل رغم أن بلاغهم واضح لنا بياناً عن الخير والشر،والمنهج الذي يقود البشرية إلي اتباعه رغم هذا البلاغ الواضح فإنهم جميعاً من أمرالغيب وعلى الرغم من أن القرآن محسوس بالكلمات التي نقرأها ونكتبها، وهو أمر نعرفهجميعاً، ونعرف أنه نزل على الرسول الكريم الذي أخبرنا بذلك. وعلى الرغم من أنالرسول الكريم قد كانت حياته وكلماته ورحلة هدايته لنا أمراً محسوساً، على الرغم منكل ذلك فكل هذه الأحداث مسائل غيبية لم تكن في حساب البشر. قال تعالى: وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة "73" (سورة الأنعام) وهكذا يوم ينفخ في الصور تزاح الأسباب، ونرىالملك لله مباشرة بلا أسباب، والنفخة الأولى يموت فيها كل من له حياة إلا من شاءالله. والنفخة الثانية يبعث الموتى من القبور، وعندما يتم البعث نعرف أن الله يعلمالغيب، أي ما هو خفى عنا، ويعلم الشهادة أي ما هو مشهود. ونتساءل: مادام الله عالمالغيب، هل لا يعرف ما هو مشهود؟ نقول لك: إن هذا تعبير دقيق جداً؛ لأن أصل الحقغيب عنا فيمكن أن يقال: إن الله غيب ويعلم ما في الغيب، كأن يقول إنه يعيش معي فيالبيت فيعرف ما في الغيب. الحق غيب عنه، ولكنه يعلم الغيب ويعلم الشهادة وعلمهيترتب عليه الجزاء، والجزاء هنا يتم عن حكمة، وليس عن تحكم. وفرق بين الحكمةوالتحكم. يقول الحق سبحانه وتعالى آمراً نبيه أن يبلغه للسائلين: ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء .. "188" (سورة الأعراف) أي: أن الرسول صلىالله عليه وسلم يقول إنه لا يعلم الغيب إلا ما شاء الله سبحانه وتعالى أن يطلعهعليه، ولذلك انتصر المسلمون في بدر وانهزموا في أحد، ولو كان رسول الله صلى اللهعليه وسلم يعلم هذه الهزيمة ما حارب في أحد. ولكن الله سبحانه وتعالى أراد للمسلمينأن يمروا بتجربة إيمانية كبرى، فجعلهم ينهزمون؛ لأنهم عصوا رسول الله صلى الله عليهوسلم، وغادر الرماة أماكنهم عند سفح الجبل مخالفين أمر رسول الله صلى الله عليهوسلم الذي طلب منهم ألا يغادروا أماكنهم مهما حدث، ولكنهم طمعوا في الغنائم وعصوارسول الله صلى الله عليه وسلم. فأراد الله أن يلفتهم أن النصر من عند الله وليسبقوتهم، وأنهم إذا خالفوا رسول الله سيصيبهم الذل والهوان في الدنيا حتى يعلموا أنالعزة في تمسكهم بمهج الله، وليس في قوتهم وذاتيتهم. إذن: فلله أقدار عليا تجري بهاالأمور، وحكمة يتم بها كل شيء، ولا يعلم قدر الله إلا هو، أو من شاء أن يطلعه عليه،وذلك حتى يعرف الجميع أن أقدارهم في يد الله وحده، وأن كل شيء من الله، فإن أصابهمالخير شكروا، وإن أصابهم السوء صبروا؛ لأن على هذا ثواباً. وإذا كان رسول الله صلىالله عليه وسلم هو أقرب خلق الله إلي الله، يطلب منه الحق سبحانه وتعالى أن يعلنللناس أنه لا يعد الغيب، فلا يأتي أحد ويدعي أنه يعلم الغيب، وأنه يعرف ما سيحدث،أو أنه يستطيع أن يأتي لنفسه بالخير أو يدفع عنها الضر، فلا يغتر بقوته ولا يتكبر. غيب الإطلاق إن لله غيبالسماوات والأرض، والغيب نسبي ومطلق، فقد يكون غيباً نسبياً، إذا سرق منك أي شيء،فأنت لا تعرف من الذي سرقك، ولكن السارق يعرف، والذين ساعدوه يعرفون فهذا غيب نسبي،قد يكون الوزير قد وقع قراراً بترقيتك، ولكنك لا تعرفه، فهو غيب عنك، وليس غيباً عنغيرك. الله سبحانه وتعالى فرق في كتابه بين الغيب المطلق والغيب النسبي، فالغيبالنسبي له مقومات، إذا استخدمتها وصلت إلي النتائج، أدلة مثلاً توصلك للسارق،نظريات توصلك لاكتشاف قوانين في الكون؛ ولذلك فعندما يتعرض الله لهذه القضية. يقول سبحانه وتعالى: يعلم ما بين أيديهم وماخلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء .. "255" (سورة البقرة) أي: لا تصل أبداً إلي الغيب المطلق الذي هو في علم الله إلا إذا شاء الله سبحانهوتعالى، وكل اكتشاف في الكون له ميلاد. الكهرباء لها ميلاد، وتفتيت الذرة له ميلاد،فإذا صادف ميلاده عالماً يبحث عنه كشفه الله له، وإذا جاء الميلاد ولم يوجد الباحثكشفه الله بطريق الصدفة. فالبنسلين اكتشف صدفة، والجاذبية صدفة وقاعدة أرشميدسصدفة، فالله إذا أذن للشيء أن يولد ـ ولم يوجد فيه بحث ـ كشفه لخلقه، والغيب المطلقليس له مقدمات. والله سبحانه وتعالى يقول: ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله "123" (سورةهود) من الذي يرجع الأمر؟ الله سبحانه وتعالى، فالله بسلطانه في ملكهضبط كل مخلوق، وكل شيء له توقيت ساعة، يأتي توقيته من نفسه، فكل شيء مرتب. والحقسبحانه وتعالى يقول: وإنما أمره إذا أراد شيئاً أنيقول له كن فيكون "82" (سورة يس) والأمر هو ما يتعلق بكل أحداث الكون،والله خلق في الكون أشياء وترك ملكيتها له سبحانه وتعالى أنت تنتفع بها فقط، فالشمستشرق وتعطيك الضوء والحرارة، ولكنها لا تدخل في ملكيتك؛ لأنها من أساسيات الحياة،فلا يعطيها الله لمخلوق مختار كي يعبث بالكون كله. وكذلك قوانينه العليا. والأرضبعناصرها، لا يأتمن الله سبحانه أحداً عليها، فالله سبحانه وتعالى في أساسياتالحياة، وهي: الهواء والشراب والطعام لا يملك الهواء لأحد أبداً لأنه ينهي حياةالإنسان في دقائق، والماء أقل فلا يمكن إلا بقدر. الطعام نستطيع أن نصبر عليهشهراً، ويوجد مخزون منه في الجسم، فإذا جاء وقت الغداء مثلاً ولم نجد طعاماً أخذتالوجبة من المخزون في جسدك. فالله لا يملك لأحد أساسيات الكون والحياة، ولكنه يملكهأشياء أخرى يخلقها له، واقرأ قوله تعالى: أو لميروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون "71" وذللناها لهمفمنها ركوبهم ومنها يأكلون "72" (سورة يس) إياك أن تعتقد أنك ملكتهابقوتك وذللتها بقدرتك، ولكن ملكتها بقدرة الله؛ لذلك تجد الطفل الصغير يقود الجملفيطيعه، بينما الرجل الكبير يأتيه برغوث في الفراش فلا ينام؛ لأن الله ذلل لناالجمل، ولكنه لم يذلل لنا البرغوث. وفي الكون أحوال تستمر لفترات موقوتة، هذا فقيرثم يغنيه الله، وهذا ملك ثم ينزع عنه عرشه، وهذا خادم ثم يصبح سيداً، حتى يفهمالجميع أنه لا يوجد إنسان يحصل على شيء بذاته بل بقدرة الله سبحانه وتعالى، فإذاجاءت الآخرة عاد كل شيء إلي الله. والله سبحانه وتعالى جعل لك إرادة على جوارحكفاللسان إن قلت له: انطق كلمة الإيمان نطق وإن قلت قل كلمة الكفر قال: والقدم تمشيإلي المسجد وتوصلك إلي الخمارة، واليد تقتل أو تساعد عاجزاً على عبور الطريق. فإذاجاء يوم القيامة انتهى تسخير جوارحك لتطيعك، فتشهد عليك قدمك وجلدك ولسانك، واقرأقوله تعالى: يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهموأرجلهم بما كانوا يعملون "24" (سورة النور) والغيب المطلق لله سبحانهوتعالى هو غيب السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، ولابد أن نتنبه إلي قولهتعالى: وما تحت الثرى "6" (سورة طه) لنرى الثروات الهائلة الموجودة تحت الأرض التي يستخرجها الناس اليوم من الكنوزالموجودة في باطن الأرض. وقوله تعالى: وإليه يرجعالأمر كله "123" (سورة هود) لأن الله سبحانه وتعالى أعطى لعبيده منفيوضات صفاته في الدنيا، ثم يعود كل شيء إلي الله سبحانه وتعالى يوم القيامة. علم الأزل علم الله الأزليالغيب لا نرى نحن به الحجة، لذلك لا تقوم الحجة ظاهرة بيننا، ولكن حين يبرز علمالله الى الوجود أمامنا، فإنه علم تقوم به الحجة واضحة على من آمن وعلى من آمن وعلىمن لم يحسن الإيمان، وذلك حتى لا يدعي أحد لنفسه أنه كان سوف يفعل لكن الفرص لمتواته، وهكذا تأتي المواقف الاختيارية ليعلم كل منا نفسه، ونبرز الحجة عليناجميعاً. إذن: ففيه فرق بين علم الله الأزلي للأشياء كما سوف تحدث، ولكن لا تقومبه الحجة علينا، فقد يدعي البعض أنه لو قامت معركة شديدة فإنهم كانوا سوف يصمدون،ولكن عندما تقوم المعركة بالفعل، فنحن نرى من الصامد من هو غير ذلك. (ولله المثلالأعلى) نحن في حياتنا العادية أن عميد إحدى الكليات يأتي إلي المدرس ويقول له: إننا نريد أن نعقد امتحاناً لنتعرف على المتفوقين من الطلاب، ونمنح كلاً منهم جائزةفيرد المدرس: ولماذا الامتحان؟ إنني أستطيع أن أقول لك من هم المتفوقون، وأن أرتبهملك من الأول ومن الثاني وهكذا، ولكن عميد الكلية لا يصدق المدرس، ويطلب عقد امتحانويختار العميد مدرساً آخر ليضع هذا الامتحان وتظهر النتيجة، ويكون توقع المدرس هوالصائب. إن تفوق هؤلاء التلاميذ صار تفوقاً بحجة أن ذلك في المستوى البشري، فمابالنا بعلم الله الأزلي المطلق؟ فالحق بعلمه الأزلي يعلم كل شيء ويحيط بكل شيء،ولكنه لا يقول لنا: أنا لو كنت أعلم أنني سأصنع معركة بينكم وبين أعدائكم، وأنكمكنتم ستتصرفون كذا وكذا، ولكنهم كان يمكن أن يحاولوا ويدعوا لأنفسهم أشياء ليستفيهم. إن الحق سبحانه يضع الاختبار ويدخل المسلمون المعركة، وتكون النتيجة مطابقةلما يعلمه الله، إن التغيير هنا لا يكون في المعلوم لله ليس في العالم، بل فيالمعلوم بحيث نراه حجة علينا. |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
. . جزاكي الله عنا خير الجزاء سلمتي وسلمت اناملكي الطيبة حبيبتي
اختكم غفران |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
ڳّلُ أَلَشِڳَرٌ لٌڳَـ وَلٌهٌذّأَ أٌلَمَرِوَرِ أَلٌجَمَيَلَ أِلُلَهُ يِ۶ـطًيِڳَـ أِلٌعِأِفًيٌهِ يُأِرِبً خًأًلّصَ مًوّدُتِى لُڳًـ وُتًقُبًلُ وُدّى وٌأًحَتُرِأِمُى |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
القابض الباسط ولكن الله سبحانه وتعالى أراد للمسلمينأن يمروا بتجربة إيمانية كبرى، فجعلهم ينهزمون؛ لأنهم عصوا رسول الله صلى الله عليهوسلم، وغادر الرماة أماكنهم عند سفح الجبل مخالفين أمر رسول الله صلى الله عليهوسلم الذي طلب منهم ألا يغادروا أماكنهم مهما حدث، ولكنهم طمعوا في الغنائم وعصوارسول الله صلى الله عليه وسلم. فأراد الله أن يلفتهم أن النصر من عند الله وليسبقوتهم، وأنهم إذا خالفوا رسول الله سيصيبهم الذل والهوان في الدنيا حتى يعلموا أنالعزة في تمسكهم بمهج الله، وليس في قوتهم وذاتيتهم. إذن: فلله أقدار عليا تجري بهاالأمور، وحكمة يتم بها كل شيء، ولا يعلم قدر الله إلا هو، أو من شاء أن يطلعه عليه،وذلك حتى يعرف الجميع أن أقدارهم في يد الله وحده، وأن كل شيء من الله، فإن أصابهمالخير شكروا، وإن أصابهم السوء صبروا؛ لأن على هذا ثواباً. وإذا كان رسول الله صلىالله عليه وسلم هو أقرب خلق الله إلي الله، يطلب منه الحق سبحانه وتعالى أن يعلنللناس أنه لا يعد الغيب، فلا يأتي أحد ويدعي أنه يعلم الغيب، وأنه يعرف ما سيحدث،أو أنه يستطيع أن يأتي لنفسه بالخير أو يدفع عنها الضر، فلا يغتر بقوته ولا يتكبر. غيب الإطلاق إن لله غيبالسماوات والأرض، والغيب نسبي ومطلق، فقد يكون غيباً نسبياً، إذا سرق منك أي شيء،فأنت لا تعرف من الذي سرقك، ولكن السارق يعرف، والذين ساعدوه يعرفون فهذا غيب نسبي،قد يكون الوزير قد وقع قراراً بترقيتك، ولكنك لا تعرفه، فهو غيب عنك، وليس غيباً عنغيرك. الله سبحانه وتعالى فرق في كتابه بين الغيب المطلق والغيب النسبي، فالغيبالنسبي له مقومات، إذا استخدمتها وصلت إلي النتائج، أدلة مثلاً توصلك للسارق،نظريات توصلك لاكتشاف قوانين في الكون؛ ولذلك فعندما يتعرض الله لهذه القضية. يقول سبحانه وتعالى: يعلم ما بين أيديهم وماخلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء .. "255" (سورة البقرة) أي: لا تصل أبداً إلي الغيب المطلق الذي هو في علم الله إلا إذا شاء الله سبحانهوتعالى، وكل اكتشاف في الكون له ميلاد. الكهرباء لها ميلاد، وتفتيت الذرة له ميلاد،فإذا صادف ميلاده عالماً يبحث عنه كشفه الله له، وإذا جاء الميلاد ولم يوجد الباحثكشفه الله بطريق الصدفة. فالبنسلين اكتشف صدفة، والجاذبية صدفة وقاعدة أرشميدسصدفة، فالله إذا أذن للشيء أن يولد ـ ولم يوجد فيه بحث ـ كشفه لخلقه، والغيب المطلقليس له مقدمات. والله سبحانه وتعالى يقول: ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله "123" (سورةهود) من الذي يرجع الأمر؟ الله سبحانه وتعالى، فالله بسلطانه في ملكهضبط كل مخلوق، وكل شيء له توقيت ساعة، يأتي توقيته من نفسه، فكل شيء مرتب. والحقسبحانه وتعالى يقول: وإنما أمره إذا أراد شيئاً أنيقول له كن فيكون "82" (سورة يس) والأمر هو ما يتعلق بكل أحداث الكون،والله خلق في الكون أشياء وترك ملكيتها له سبحانه وتعالى أنت تنتفع بها فقط، فالشمستشرق وتعطيك الضوء والحرارة، ولكنها لا تدخل في ملكيتك؛ لأنها من أساسيات الحياة،فلا يعطيها الله لمخلوق مختار كي يعبث بالكون كله. وكذلك قوانينه العليا. والأرضبعناصرها، لا يأتمن الله سبحانه أحداً عليها، فالله سبحانه وتعالى في أساسياتالحياة، وهي: الهواء والشراب والطعام لا يملك الهواء لأحد أبداً لأنه ينهي حياةالإنسان في دقائق، والماء أقل فلا يمكن إلا بقدر. الطعام نستطيع أن نصبر عليهشهراً، ويوجد مخزون منه في الجسم، فإذا جاء وقت الغداء مثلاً ولم نجد طعاماً أخذتالوجبة من المخزون في جسدك. فالله لا يملك لأحد أساسيات الكون والحياة، ولكنه يملكهأشياء أخرى يخلقها له، واقرأ قوله تعالى: أو لميروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون "71" وذللناها لهمفمنها ركوبهم ومنها يأكلون "72" (سورة يس) إياك أن تعتقد أنك ملكتهابقوتك وذللتها بقدرتك، ولكن ملكتها بقدرة الله؛ لذلك تجد الطفل الصغير يقود الجملفيطيعه، بينما الرجل الكبير يأتيه برغوث في الفراش فلا ينام؛ لأن الله ذلل لناالجمل، ولكنه لم يذلل لنا البرغوث. وفي الكون أحوال تستمر لفترات موقوتة، هذا فقيرثم يغنيه الله، وهذا ملك ثم ينزع عنه عرشه، وهذا خادم ثم يصبح سيداً، حتى يفهمالجميع أنه لا يوجد إنسان يحصل على شيء بذاته بل بقدرة الله سبحانه وتعالى، فإذاجاءت الآخرة عاد كل شيء إلي الله. والله سبحانه وتعالى جعل لك إرادة على جوارحكفاللسان إن قلت له: انطق كلمة الإيمان نطق وإن قلت قل كلمة الكفر قال: والقدم تمشيإلي المسجد وتوصلك إلي الخمارة، واليد تقتل أو تساعد عاجزاً على عبور الطريق. فإذاجاء يوم القيامة انتهى تسخير جوارحك لتطيعك، فتشهد عليك قدمك وجلدك ولسانك، واقرأقوله تعالى: يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهموأرجلهم بما كانوا يعملون "24" (سورة النور) والغيب المطلق لله سبحانهوتعالى هو غيب السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، ولابد أن نتنبه إلي قولهتعالى: وما تحت الثرى "6" (سورة طه) لنرى الثروات الهائلة الموجودة تحت الأرض التي يستخرجها الناس اليوم من الكنوزالموجودة في باطن الأرض. وقوله تعالى: وإليه يرجعالأمر كله .. "123" (سورة هود) لأن الله سبحانه وتعالى أعطى لعبيده منفيوضات صفاته في الدنيا، ثم يعود كل شيء إلي الله سبحانه وتعالى يوم القيامة. علم الأزل علم الله الأزليالغيب لا نرى نحن به الحجة، لذلك لا تقوم الحجة ظاهرة بيننا، ولكن حين يبرز علمالله الى الوجود أمامنا، فإنه علم تقوم به الحجة واضحة على من آمن وعلى من آمن وعلىمن لم يحسن الإيمان، وذلك حتى لا يدعي أحد لنفسه أنه كان سوف يفعل لكن الفرص لمتواته، وهكذا تأتي المواقف الاختيارية ليعلم كل منا نفسه، ونبرز الحجة عليناجميعاً. إذن: ففيه فرق بين علم الله الأزلي للأشياء كما سوف تحدث، ولكن لا تقومبه الحجة علينا، فقد يدعي البعض أنه لو قامت معركة شديدة فإنهم كانوا سوف يصمدون،ولكن عندما تقوم المعركة بالفعل، فنحن نرى من الصامد من هو غير ذلك. (ولله المثلالأعلى) نحن في حياتنا العادية أن عميد إحدى الكليات يأتي إلي المدرس ويقول له: إننا نريد أن نعقد امتحاناً لنتعرف على المتفوقين من الطلاب، ونمنح كلاً منهم جائزةفيرد المدرس: ولماذا الامتحان؟ إنني أستطيع أن أقول لك من هم المتفوقون، وأن أرتبهملك من الأول ومن الثاني وهكذا، ولكن عميد الكلية لا يصدق المدرس، ويطلب عقد امتحانويختار العميد مدرساً آخر ليضع هذا الامتحان وتظهر النتيجة، ويكون توقع المدرس هوالصائب. إن تفوق هؤلاء التلاميذ صار تفوقاً بحجة أن ذلك في المستوى البشري، فمابالنا بعلم الله الأزلي المطلق؟ فالحق بعلمه الأزلي يعلم كل شيء ويحيط بكل شيء،ولكنه لا يقول لنا: أنا لو كنت أعلم أنني سأصنع معركة بينكم وبين أعدائكم، وأنكمكنتم ستتصرفون كذا وكذا، ولكنهم كان يمكن أن يحاولوا ويدعوا لأنفسهم أشياء ليستفيهم. إن الحق سبحانه يضع الاختبار ويدخل المسلمون المعركة، وتكون النتيجة مطابقةلما يعلمه الله، إن التغيير هنا لا يكون في المعلوم لله ليس في العالم، بل فيالمعلوم بحيث نراه حجة علينا. أي: كيف يكون العالمالعاقل فقيراً مضيقاً عليه في الرزق، ويكون الجاهل الأحمق غنياً مبسوطاً؟ فرد عليهواحد يملك الإيمان قلبه بقوله: كم عالم قد بات في عسر وجاهل جاهل قد بات فييسر. تحير الناس في هذا فقلت لهم: هذا الذي أوجب الإيمان بالقدر لكي نعرف أنالعالم ميكانيكياً، لكن انظر إلي البسط فيمن بسط وهو الله، فلا تعزل البسط عمنقدره، وهو الله، ولا تعزل القبض والتقدير عن الله، فالفاعل واحد والناس بالنسبة لهسواء. فلابد أن تعرف أن له حكمة في هذه وحكمة في تلك، فإذا نظرت إلي الغنى المترفالذي يلهو أولاده ويعبثون بالأموال، ويبعثرونها على ملذاتهم وشهواتهم، ويشربون بهاالمحرمات، ويتعاطون المخدرات بأنواعها. وهناك أيضا الرجل الفقير الذي يكد ويكدحلينفق على أولاده من حلال، ورغم دخله الضئيل الذي يعيش منه على الكفاف هو وأولادهتجد أولاد هذا الفقير ينجحون في المدارس ويتفوقون على أولاد الأغنياء المترفين رغمما ينفقونه من أموال على الدروس الخصوصية طوال العام. إذن: لله حكمة في ذلك،فهو يبسط لحكمه ويقدر لحكمه، حتى يعلم الناس أن المسألة ليست ميكانيكا، وأن الرزقليس بالفهلوة أو الشطارة، ولكنه مقسم بقدر الله وإرادته. ولذلك نحن قلنا سابقاً: إنألمانيا فيها مدرستان فلسفيتان، كل واحدة منها تمثل رأياً، وأولها رأيهم في العقيدةوالإيمان. المدرسة الأولى يزعم صاحبها أن العالم ليس له إله لماذا؟. قال: لأنهلو كان للعالم إله يحكم لما خلق إنساناً أعور أو أعمى أو أعرج .. الخ وكان جعل كلالخلق متساوين، فهو أخذ الشذوذ في الكون دليلاً على الإلحاد. والمدرسة الأخرىمقابلة لهذه المدرسة، وصاحبها يدعي أن الكون ميكانيكا، فالناس يخلقون بطريقة واحدةعن طريق الزواج والحمل والوضع .. الخ وكذلك الحيوانات والطيور، والأفلاك في الكون،تسير كلها بنظام رتيب لا يتغير، فلو كان هناك إله لغير هذا النظام، وخلق الناس بطرقمختلفة وأشكال مختلفة، ولكانت له إرادة مطلقة عن هذه الميكانيكا. فهو أخذ ثباتالنظام في الكون دليلاً على الإلحاد، والآخر أخذ شذوذ النظام دليلاً على الإلحاد،فكأن كل واحد منهما يريد أن يلحد، ويأتي بأدلة زائفة يؤيد بها رأيه، حتى لو تناقضمع غيره. ونحن نرد على كل واحد منهما، فالذي يتخذ الشذوذ في الكون دليلاً على عدموجود إله حكيم نقول له: هذا الشذوذ يأتي في الأفراد الذين يعوض بعضهم عن بعض،فمثلاً واحد أعمى، وآخر أعور، وكثيرون مبصرون. فإذا وجد واحد أعمى فلن تفسد الدنيا،والنظام الثابت إذا أردت أن تراه فانظر إلي الكون الأعلى من شمس وقمر ونجوم والهواءوالكواكب والبحار والأنهار، ففي النظام العام ثبات، وفي الأفراد الذين يغني بعضهمعن الآخر يوجد بعض الشذوذ. فهذا الشذوذ يثبت بطلاقة القدرة، وثبات النظام فيالملأ الأعلى يعطينا حكمة القدرة، فيا من تريد ثبات نظام الكون دليلاً على الإيمان،فهو موجود في القوى العليا، ويا من تريد الشذوذ في الخلق دليلاً على الإيمان، فهذاموجود في الأفراد، ولكن إذا كان هذا الشذوذ في الملأ الأعلى تخرب الدنيا. فيا منتريد ثبات النظام دليلاً على الإيمان فهو موجود، ويا من تريد شذوذ النظام دليلاًعلى الإيمان فهو موجود أيضاً. فقوله تعالى: أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر .. "37" (سورة الروم) يعني: ألم ينظروا بأعينهم كيف يوسع الله الرزق لبعض الناس، ويضيق على البعض الآخر، ولأنالله تعالى هو الرزاق فمرة يرزق بالأسباب، ومرة أخرى يقول لك: إياك أن تغتربالأسباب لأنك قد تفعل الأسباب، ولكن الله لم يقدر لك رزقاً فتأتي الأسباب، فقدتزرع الزرع وتتعهده بالرعاية والري والتسميد وقبل أن ينضج المحصول تصيبه جائرة،فيضيع المحصول دون أن تستفيد بشيء منه إذن: ساعة تجدي الأسباب، فهذا يدل علىغرور الإنسان، فلا يتواكل ويأخذ بالأسباب؛ لأن المطلوب منك أن تتحرى إلي الرزقأسبابه، ولا تشغلن بعدها بالك؛ فإنك تجهل عنوانه، ورزقك يعلم عنوانك. |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
الخافض الرافع قال تعالى: والسماء رفعها ووضع الميزان "7" (سورةالرحمن)هو الذي يخفض الكفار بالإشقاء، ويرفع المؤمنين بالإسعاد. وهوالذي يرفع أولياءه بالتقرب، ويخفض أعداءه بالإبعاد. هو رب الواقعة. الخافضةالرافعة، أي: خافضة لقوم إلي النار، ورافعة آخرين إلي الجنة. الخافض لمن تعالى،الرافع لمن تواضع، ومن بيده الميزان يخفض ويرفع. إذا وقعت الواقعة "1" ليس لواقعتها كاذبة "2" خافضة رافعة "3" (سورةالرحمن) |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
المعز المذل
قال تعالى: وتعز من تشاء وتذل من تشاء "26" (سورة آلعمران) لأن ظواهر الكون لا تقتصر على من يملك، وإنما مع من يملك، أناسهم ملوك ظل، ومعنى (ملوك ظل) أي يتمتعون بنفوذ مؤقت، هؤلاء منهم كل الشر، يغترون بالملك ويفعلون ما يشاءون، أو يفعل الآخرون لهم ما يأمرون به. وحين ينزع الملك لاشكأن المغلوب يعزه الله، أما الظالمون أنفسهم فيذلهم الله. إذن: كان لابد أن يجئبعد: تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء "26" (سورة آل عمران) هذا القول الحق: وتعز من تشاء وتذل من تشاء .. "26" (سورة آل عمران) لماذا؟ لأن كل ملك حوله من يتمتع بجاهه ونفوذه. فإذا ما قام سلطان وانتهىظهروا على السطح، وهذا نشاهده كل يوم وكل عصر. وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير "26" (سورة آل عمران) ونلاحظ هنا أن إيتاء الملك في أعراف الناس خير، ونزع الملك في أعراف الناس شر،ولهذا نقول: إن نزع الملك شر على من خلع منه، ولكنه خير لمن؟ لمن أوتي الملك، وقديكون خيراً لمن نزع منه الملك أيضاً. لأن الله حين ينزع منه الملك أو ينزعه منالملك يخفف عليه مئونة ظلمه، فلو كان ذلك الملك المخلوع عاقلاً لتقبل ذلك، وقال: إنالله يريد أن يخلصني لنفسه لعلي أتوب. إذن: فلو نظرت إلي الجزئيات في الأشخاص،ونظرت إلي الكليات في العموم وجدت أن ما يجري في كون الله من إتيان الملك، ومايتبعه من إعزاز. ونزع الملك وما يتبعه من إذلال، كل ذلك ظاهرة خير في الوجود، ولذلكلم يكن الأمر كما قال بعض العلماء لابد أن نقدر أن (بيدك الخير) تتضمن أيضاً أنبيدك الشر، وأن الله لم يأتي بالشر هنا، حتى لا ينسبه إلي يده. لهذا القولنقول: لا لو نظرت إلي مجريات الأمور بدقة، فمادام الله هو الذي يؤتي، ومادام اللههو الذي ينزع، ومادام الله هو الذي يعز، ومادام الله هو الذي يذل فلابد أن يكون كلذلك صور الخير في الوجود. لذلك لابد أن نقول كما قال الله سبحانه وتعالى:بيدك الخير إنك على كل شيء قدير "26" (سورة آلعمران) إن إيتاء الملك عملية تحتاج إلي تحضير بشري، وبأسباب بشرية،وأحياناً يكون الوصول إلي الحكم عن طريق الانقلابات العسكرية أو السياسية. وكذلكنزع الملك يحتاج إلي نفس الجهد، إن الحق سبحانه وتعالى يبين لنا أن هذا ليس بأمرصعب على قدرته اللانهائية، لأنه سبحانه لا يتناول الأفعال بعلاج أو بعمل، إنما يقول "كن" فتنفعل الأشياء لإرادته سبحانه. الحق سبحانه وتعالى طلب منا حين نبدأ في قراءةالقرآن، وفي كل عمل أن نبدأه بسم الله الرحمن الرحيم، باسم الله لأنه هو الذي سخرلنا كل الأشياء ولولا تسخيرها لنا لما استطعنا أن نسخرها لأنفسنا. وإذا كان بعضالناس لا يفطن إلي تسخير الله لما في الكون، فالله سبحانه وتعالى يذكرنا بذلكدائماً، حتى لا ننسى، ولكن لماذا ننسى؟ لأن رتابة الأشياء تجعلنا نحس بأنها حقمكتسب لنا في الحياة، فالشمس تشرق كل صباح ولكن من منا يفكر ساعة شروق الشمس أنالله سبحانه وتعالى قد سخرها لنا سبيلاً من سبل الحياة في الكون. فنحن نرى الشمس كليوم ولا نحس إلا أن ذلك هو من رتابة الكون ونظامه دون أي تفكير، ولو أن الإنسان فكرلحظة واحدة في أن هذه الشمس التي تشرق كل صباح نعمة من نعم الله التي سخرها لعبادهوأنه لا أحد يستطيع أن يسخر الشمس للخلق، تشرق كل يوم بإذن ربها لتذكره بنعمة اللهعليه وتسخيرها له. وكذلك القمر. وكذلك النجوم، وكذلك الأرض، وكل ما تعطي منعطاء البشر، الأرض التي ذللها الله سبحانه وتعالى للإنسان، وكذلك الأنعام التي تدرلنا الألبان، ونستخدمها في أشياء كثيرة ولكن الإنسان ينسى هذا. فإذا ركب الطفلالصغير حصاناً أو جملاً فإننا نقول إن الطفل يقود الجمل. ذلك ما يقال في الدنيامجازاً، ولكن الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى قد ذلل الحصان أو الجمل للإنسانفاستطاع هذا الطفل أن يقوده. ذلك أن هذا الحصان أو هذا الجمل هو أقوى من الطفلعشرات المرات، ويستطيع أن يتغلب عليه ويفتك به، ولكنك تجده مع ذلك طائعاً ذليلاًللإنسان. هذه الطاعة ليست للبشر، وإنما لأمر الله في التسخير للبشر. فهذا الجملأو الحصان لا يخضع للطفل الصغير خوفاً منه، ولا عن عدم قدرة، وإنما يخضع له لأنالله أمره أن يخضع ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى أراد أن يلفتنا إلي هذه النعمة فيالكون، فجاء بعض الحيوانات التي خلقها الله ولم يجعلها مذللة للإنسان، بل تركها غيرمسخرة له. جاء الله في الكون بعدد هائل من الحيوانات، أخضعها للبشر وذللها لهم،وبعدد قليل منها لم يذلله مثل الثعبان والعقرب، والحيوانات المفترسة التي يخشاهاالإنسان ويخافها، لأنها تلحق الضرر به. ورغم مرور مئات الألوف من السنين وربماملايين السنين، فإن هذه الحيوانات ظلت لا تخضع للبشر، ولا يستطيع إنسان أن يستأنسهاويستخدمها. فلا تجد إنساناً مثلاً يستطيع أن يستخدم الأسد في جر المحراث أو حراسةالأرض، أو يستطيع أن يستخدم النمر في إدارة الساقية، رغم أهما اقوى من البقر،لماذا؟ حتى إذا جاء إنسان وجادل وقال: أنا سخرت هذا واستخدمته لنفسي، وذللتهفإننا نقول له: إذا كنت قد فعلت ذلك، فذلل لنا العقرب وابعد عنا سمها وذلل لناالثعبان أو الأسد أو النمر، إلي غير ذلك من الحيوانات غير المذللة للبشر، حينئذسيعجز تماماً. إذن أنت لم تستطع أن تذلل العقرب على ضآلة شأنه والثعبان على صغرحجمه، فكيف تستطيع أن تذلل الجمل أو الحصان على قوتهما وكبر حجمهما، وقدرتهما علىالفتك بك؟ إنك لم تذللهما، ولكن الله سبحانه وتعالى هو الذي سخرهما لك، والدليلقدمناه على أن بعض الناس يثيرون هنا نقطة هامة، فالحيوانات المفترسة يأتون بها إليالسيرك، ويقوم الإنسان بواسطة الكرباج أو التخويف بتدريبها بحيث تطيعه. أفلا يعتبرهذا تذليلاً؟ نقول لهؤلاء: لا؛ لا يعتبر هذا تذليلاً؛ لأن هذه حالة فردية تتوقف علىمهارة المدرب وموهبته وإخضاعه للأسد الذي أمامه فقط، وفي كثير من الأحيان يقومالأسد بافتراس مدربه. ولكن، هل يستطيع مدرب أن ينقل هذا إلي جنس السود عامة؟ وهلاستئناس هذا الأسد ـ إذا كان يصح أن يقال إنه استئناس ـ ينتقل إلي ذريته، بحيث تولدهذه الذرية خاضعة للبشر؟ الجواب: طبعاً لا. إذن: لا هو استئناس للجنس علىإطلاقه، ولا هو استئناس ينطلق إلي ذرية نفس النوع. ولكنها حالة فردية لا يمكنالقياس عليها. وكما قلت في أحيان كثيرة: قد يفترس الأسد مدربه، وبذلك ينهدم القولبالاستئناس. إذن: فكل ما يحدث بالنسبة لاستئناس حيوانات مفترسة هو حالات فردية،تتوقف على مهارة المدرب. فإذا فقد المدرب مهارته أو غفل عنها لحظة أفترسه الأسدأو النمر، ولكن الله سبحانه قد أطلق لنا الحيوانات على إطلاقها. فكل بقرة تولدذلولاً، وكل جمل يأتي إلي هذه الدنيا هو خاضع للبشر مذلل له، وكل حصان يستطيع الطفلالصغير إذا دربته أن يقوده. وهذه ليست حالات فردية، ولكنها عامة تخضع لعمومالتكليف، وتنتقل وراثياً من الأب والأم إلي الجنس كله، وهذا هو التذليل الحقيقي،والتسخير الذي يحمل آية من آيات الله للبشر. ولنعلم أن للعزة مقومات يقول سبحانه: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين .. "8" (سورةالمنافقون) بشرط أن يكون الإنسان صادقاً مع الله ومع الناس ومع النفس. أميناً مع الله، ومع الناس، ومع النفس. محاولاً في تحقيق منهج الله. تقياً يحملقلباً طاهراً. ونفساً زكية، وعقلاً مفكراً، وروحاً تحب الحق والخيروالسلام. |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
السميع وحين نرى تذييل آية بصفتين من صفات الحق، أو باسمينمن أسماء الله الحق سبحانه، فلابد أن تعلم أن بين الصفتين أو الاسمين وبين متعلقالآية علاقة، مثل هذا التذييل: إن الله كان سمعياًبصيراً "58" (سورة النساء) لقد جاء هذا التذييل بعد أمر بأداء الأمانة،وأمر بالحكم بالعدل بين الناس. ولقد شرح الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك حين أمر منيقضي بين الناس أن يسوي بين الخصمين في لحظه ولفظه، فلا ينظر لواحد دون الآخر، وفياللفظ أي: لا يكرم واحداً دون الآخر، وذلك حتى يشعر الطرفان بالمساواة أمام القاضي،فلا ينظر القاضي إلي طرف بحنان وعطف، وينظر إلي الآخر بجفاء؛ لأن النظرة يجب أنتكون متساوية، وكذلك الألفاظ. ولذلك نجد سيدنا الإمام علياً كرم الله وجهه قدرد القاضي لأنه قال له: يا أبا الحسن، فقال علي كرم الله وجهه: أنت لا تقضي بينيوبين خصمي؛ لأنك كنيتني دون أن تكنيه، فالتكنية دليل المودة والتعظيم. إذن: حينيقول رسول الله للقاضي: "سو بينهم في لحظك ولفظك". فاللحظ عمل العين، وذلك بأن يعرفالقاضي أن فوقه بصيراً بالعباد، واللفظ يطلب الإذن، وذلك بأن يعرف القاضي أن فوقهسمعياً للعباد، وقد يقول قائل: لماذا جاء الحق هنا بأنه سميع بصير؟ وقيل: بأن مايسمح به التكريم واضح، لكن النظرة قد تكون عقوبة وغير ملحوظة إلا لمن انتبه بشدة. والحق سبحانه وتعالى لم توجد له صفة السمع بعد أن وجد ما يسمعه، ولم توجد لهصفة البصر بعد أن وجد ما يبصره، إنه سبحانه وجدت له صفة السمع قبل أن يخلق خلقاًيسمع منه، ووجدت له صفة البصر قبل أن يخلق خلقاً ليبصر أفعالهم. إذن: فهناك فرق بينأن يقول (سميع بصير) و(سامع ومبصر) إن كلمة (سميع) معناها أن يكون المدرك على صفةيجب أن تدرك المسموع إن وجد المسموع. ولكن إن لم يوجد المسموع بعد فهو سميع، وإنكان لا يوجد ما يسمعه. فالشاعر قبل أن يقول القصيدة هو موهوب في الشعر، وقالالقصيدة لوجود موهبة الشعر عنده. إذن: فالحق سبحانه وتعالى على سبيل المثال غفارحتى قبل أن يوجد الخلق، أي: أنه سبحانه على صفة يجري عليها الأمر إن وجد، وهوسبحانه غافر إن وجد الأمر عندما يوجد ما يغفره بالفعل، إنه سبحانه وتعالى سميعوبصير، إذ لا قبل أن يخلق الذين ينشأ من وجودهم ما يسمع وما يبصر. يعلمنا الحقسبحانه أن كل شيء إنما هو ممنوح من الله، لذلك فبعد أن أتم إبراهيم وإسماعيل رفعالقواعد قالا: ربنا تقبل منا إنك أنت السميعالعليم "127" (سورة البقرة) إن الحق سبحانه يعلمنا بدعاء إبراهيموإسماعيل عليهما السلام أن يدعو الإنسان بقبول عمله إذا قام به ونيته خالصة لوجهالله. إن دعوة إبراهيم وإسماعيلربنا تقبل منا إنكأنت السميع العليم "127" (سورة البقرة) و(القبول) و(المقابلة) و(الاستقبال) كلها مأخوذة من مادة (المواجهة) أي: يا ربنا لا تعرض عن عملنا، إنهدعاء يريد به إبراهيم وإسماعيل الثواب، إنهما يرفعان الرجاء إلي الله، ويا رب أنتكلفتنا ونحن قمنا بالتكليف، ونرجو أن تثيبنا على عملنا. إن إبراهيم عليه السلاموإسماعيل عليه السلام يعلمان أن الإنسان حين ينجز عملاً مطلوباً لله، فإن علىالإنسان أن يدعو الله وقت العمل أن يتقبله منه، لماذا؟ وذلك ليستحضر الإنساناستخلاص النية في العمل لله الذي أمره بهذه العمل، إن الحق سبحانه لا يكلف إنساناًبعمل ما إلا لينفع الإنسان، وإذا استحضر الإنسان كل نيته، وهو يقوم بالعمل الذيأمره به الله، فإنه يرجو الله أن يقبل العمل. وقال إبراهيم عليه السلام وإسماعيلعليه السلام: إنك أنت السميع العليم "127" (سورةالبقرة) هذا القول هو مخاطبة للحق بأنه السامع لكل دعاء، والعليم بكلنية، ذلك أن أي عمل له (قالب) ينفذه به الإنسان، وللعمل أيضا (نية)، وعندما تتفق (النية) مع (القالب) فإن ذلك هو العمل الذي يتلقى الإنسان عليه الثواب. أما الذي لايستحضر النية في العمل، ويؤدي العمل لمجرد التظاهر، فهذا الأمر قد يعرض الإنسانلفقدان الثواب. ولذلك نجد الرسول محمداً صلى اللهعليه وسلم يقول في الحديث الشريف: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ مانوى، فمن كانت هجرته إلي الله ورسوله، فهجرته إلي الله ورسوله، ومن كانت هجرته إليدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلي ما هاجر إليه" صدق رسول الله صلى اللهعليه وسلم إذن: فكل عمل له (قالب) يحدث عليه، وهذا القالب قد ينهي شكليةالتكليف، وكل عمل له (نية) يقوم بها العمل، ويقصد بها الإنسان القيام بالعمل، وعلىذلك يكون مقدار الثواب على التكليف موقف من يقوم بالعمل الإيماني ليلقي عن كاهلهعين التكليف وموقف من يقوم بالعمل الإيماني وهو مخلص النية في الفعل. ويخرج منالعمل وهو يرجو أن يتقبل الله منه ما قام به، وينوي استقبال أي تكليف إيماني آخر. إن الموقف الثاني هو موقف العشق، والحب لتكاليف الرحمن. |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
البصير أي: أن الله سيعطي لكل إنسان على قدر موقفه من منهج ربه، فمن أطاع ليأخذ جنةالله، فإن الله يعطيه الجنة، ومن أطاع الله لأن ذات الله أهل لأن تطاع فإن اللهيعطيه من ذاته. وفي هذا المقام قالت رابعة العدوية: "اللهم، إن كنت تعلم أنيأعبدك خوفاً من نارك فأدخلني فيها، وإن كنت تعلم أني أعبدك طمعاً في جنتك فاحرمنيمنها، وإنما أعبدك لأنك تستحق أن تعبد". إذن: فالله بصير بالعباد. أي: أنه سيعطي كلعبد على قدر حركته ونيته في الحركة، فالذي أحب ما عند الله من النعمة فليأخذالنعمة، ولن يضن الله عليه، حيث إن النعمة تذكره بالمنعم. إذن: فهناك العبدالذي يحب الله لذاته؛ لأن ذاته سبحانه تستحق أن تعبد، لأن أسماءه الحسنى بها الغنيالكامل لمدركات القيم الفاضلة الناشئة من ظلال عطائها، فهو يعلم مقدار ما يستحق كلعابد لربه، وعلى مقدار حركته ونيته في ربه يكون الجزاء. فمن كان قد عبد الله للنعمةأعطاه الله النعمة المرجوة في الجنة ليأخذها، ومن أطاع الله لأنه أهل لأن يطاع وإنأخذت النعمة فإن الله يعطيه مكاناً في عليين. ولذلك، قيل: إن أشد الناس بلاءاًهم الأنبياء، ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل، لماذا؟ لأن ذلك دليل صدق المحبة،والإنسان عادة يحب من يحسن إليه، ولكن لا يحب الإنسان الذي تأتي منه الإساءة. إلاأن كانت له منزلة عالية جداً ولذلك فالحق سبحانه يقول في آخر سورة الكهف: هكذايوجد فرق بين النعمة وبين المنعم، وإذا كان الحق قد طلب منا أن لا نشرك بعبادة ربناأحداً فلنعلم أن الجنة أحد، إن من يعبد الله للجنة فلسوف يأخذ الجنة، أما الذينيعبدون الله لذاته فلسوف يلقاهم الله، وتلك نعمة النعم. قال تعالى: والله بصير بالعباد "15" (سورة آل عمران) لم يقلالله أنه عليم بالعباد؛ لأن (عليم) تكون للعملية العقدية، لقد قال الحق سبحانه فيوصف ذاته هنا أنه (بصير بالعباد)، والبصر لا يأتي ليدرك حركة، فماذا يرى الله منالعباد؟ إنه يرى العباد المتحركين في الحياة، وهل حركة العبد منهم تطابق في الأفعالالإسلام أم لا، ومتابعة الحركة تحتاج إلي البصر، ولا تحتاج إلي العلم، وكأن الحقسبحانه وتعالى يقول: إن كنتم تعتقدون أني لا أراكم، فالخلل في إيمانكم، وإن كنتمتعتقدون أني أراكم فلم جعلتموني أهون الناظرين إليكم. إذن: فقول الحق سبحانه: والله بصير بالعباد "15" (سورة آل عمران) نفهم منها أن الإسلام سلوك لا اعتقاد فقط؛ لأن الذي يرى هو الفعل لا المعتقداتالداخلية، ومادام الله بصيراً بالعباد، فبصر الحق للعباد له غاية، فكل إنسان عندمايعلم أن الله بصير بكل سكناته وحركاته، فإن الإنسان يستحي أن يراه ربه على غير مايحب. وأضرب هذا المثل الأعلى، وليس كمثله شيء، نحن في حياتنا العادية نجد أن الشابالذي يدخن يستحي أن يظهر أمام كبار عائلته كمدخن فيمتنع عن التدخين، فما بالنابالعبد وهو يعتقد أن الله يراه؟. |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
الحكم هو الشاهد، وهو الحاكم، وهو المنفذ، ولذلك فهو سبحانه: خير الحاكمين "87" (سورة الأعراف) لأنه جل جلاله لا يحتاج لشاهد قد يخطئ أو يقول زوراً، بل سبحانه وتعالى يعلم كلشيء، ولا يعلم جانباً من القضية، وتغيب عنه جوانب أخرى. لذلك فحكمه الحق والعدل،ولا يعطي جل جلاله الحكم لسلطة تنفيذية قد تنفذ أو لا تنفذ، بل هو سبحانه الذي ينفذولا يوجد شيء يعجزه، كأن يهرب المذنب، ويختلف في مكان لا يعرفه أحد، بل لا يوجد شيءفي كونه، إلا وهو سبحانه وتعالى يعلم مكانه، الله سبحانه ليس له هوى، وهو يجير ولايجار عليه. إذن: فالله سبحانه وتعالى خير الحاكمين، وقوله سبحانه وتعالى: خير الحاكمين "87" (سورة الأعراف) دليل على أن هناك من سيحكم في الدنيا من البشر، وهذا أمر نعرفه جميعاً، واللهسبحانه وتعالى خيرهم. ويقول تعالى: والله يحكم لامعقب لحكمه وهو سريع الحساب "41" (سورة الرعد) والحكم معناه الحاكمالذي لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، وقيل في معنى الحكم: هو الذي حكم على القلوببالرضا، وعلى النفوس بالانقياد والطاعة، وقيل في معناه: هو الذي يفصل بين الحقوالباطل، والبار والفاجر، ويبين لكل نفس ما عملت من خير وشر. وسبحانه القائل فيكتابه الكريم: فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهوخير الحاكمين "87" (سورة الأعراف) وقد ذكر الحكم مرة واحدة في الذكرالحكيم: أفغير الله ابتغي حكماً وهو الذي أنزلإليكم الكتاب مفصلاً .. "114" (سورة الأنعام) |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
العدل سبحان الله الحكم العدل، والعدل هو في اللغة مصدرأقيم مقام الاسم للزيادة، أي: البالغ في العدل، أي: الذي لا يظلم أحداً، والعدلمأخوذ من الاعتدال وهو الاستواء، ويقع صفة للحكم والحاكم معاً، فيقال: حاكم عدل،وحكم عدل. وسبحان الكريم العفو ذي العدل. الذي قد ملأ كل شيء عدله. ثم لنتدبر هذهالآية الكريمة من سورة النحل: وضرب الله مثلاًرجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخيرٍ هليستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم "76" (سورةالنحل). |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
اللطيف الخبير ولنعطي مثلاً من حياتنا، فهذه الأمثال ضربت لتقريب الأفهام،وإيضاح المراد للناس، فنحن نعرف أن الكرسي قد تم صنعه من خشب (زان) أو (أرو) أو(موجنة)، وأن المسمار الذي يربط الجزء بالجزء إما أنه مسمار صلب أو غير ذلك، وكذلكيعلم صانع الكرسي أي صنف من الغراء استعمل في لصق أجزاء الكرسي، وكذلك مواد الدهانالتي تم دهن الكرسي بها. إن قول الحق سبحانه: ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير "14" (سورة الملك) هوقول لا يحتاج إلي جدال، ولذلك نجد الصانع النجار الذي يرغب أن تكون صنعته واضحةيقول للمشتري: سوف أصنع لك الكرسي من خشب، وعليك أن تمر يومياً لترى مراحل صنعه. ويبدأ صناعة الكرسي مرحلة مرحلة تحت إشراف الزبون، وكذلك يعرف البدوي كيف يتكونالرحل، وكذلك يعرف العربي كيف يتكون الفسطاط. والحق سبحانه جاء بما يدحض أي جدال،وبدون الدخول في أية مهاترات أو مناقشات لها مقدمات ونتائج. يقول الحق سبحانه: ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير "14" (سورةالملك) إنه أمر سهل للخالق، ولذلك أتعجب كيف أدخل هؤلاء العلماء هذهالمسألة في متاهة فلسفية، ولا يدخل فيها إلا صاحب القلب الكبير، ولذلك نجد أن هؤلاءالذين قالوا إن القرآن ذكر بشر جعلوا في عقولهم كالذي يملك قطعة من فضة يدسهاويدفنها في الرمال يم يدعو الآخرين للبحث معه عن قطعة الفضة. ولذلك نجد العلماءالذين ناقشوا هذه المسألة جزاهم الله، قالوا: لنهـاية إقدام العقـول عقــالوأكثر سعـي العالمين ضلالولم نستفد من بحثنا طوال عمرناسوى أن جمعنافيه قيل وقالوا وأنا أريد أن اعرف: ماذا قدمت الفلسفة النظرية للدنيا من خير؟لقد انفصلت عنها الفلسفة المادية ودخلت المعمل، وأخرجوا لنا الابتكارات التي انتفعبها الخلق، فماذا فعلت الفلسفة النظرية؟ لا شيء. إننا نقول: الإسلام جاء بالعقيدةالفطرية، ومعنى العقيدة الفطرية أن الناس فيها سواء، فالأدلة العقلية تقتضي الوضوحلمن تعلم ولمن لم يتعلم. إن الفلاسفة قالوا بأدلة الغاية، وأدلة العناية، وأدلةالقصد. ولكن البدوي الذي سار في الصحراء وجد أثراً، ووجد الرمل عليه أثر قدم،فقال: إن الأثر يدل على المسير. أفلا يدل كل ذلك على اللطيف الخبير؟ إنه لم يدخل فيفلسفة أو متاهة، إن الفلاسفة يدخلون مع بعضهم في متاهات عقلية. وتأتي للبدوي البسيطفيحلها في جملة واحدة، وعندما يسأل واحد من الناس واحداً من أهل الأشراف: ألا تشتاقإلي الله؟ فيقول هذا الواحد من أهل الأشراف: أنت تشتاق لغائب، ومتى غاب الله حتىيشتاق إليه؟ ونحن مع حسن الظن بهم نجد أن كل واحد منهم يقول: الله خالق كل شيء. فنقول له: أنت صحيح قد تعصبت لصفة القدرة وطلاقتها في الحق، وجاء الثاني وقال ولكنالله عادل، ولا يمكن أن يخلق في الكافر كفره، ثم يعذبه عليه، إنه تعصب لصفة العدل. إن كلاً منهما ذاهب إلي صفة واحدة من صفات الحق، وهما الاثنان يتناسيان أن هذهالصفات إنما تذهب إلي ذات واحدة، لذلك فهو قادر وعادل معاً، فلا هذه تفلت منه ولاتلك. ونقول لمن يقول: إن الله خالق كل شيء، وخالق كل فعل، ما هو الفعل؟ إنالفعل هو توجيه جارحة لإحداث حدث، فالذي يمسح وجهه بيديه قد وجه يده لوجهه حتى يمسحوجهه، هذا الفعل من يفعله؟ لا يفعل ذلك صاحب الفعل. ودليلنا على ذلك عندما نرىالإنسان الآلي نضغط على كذا زر ليتحقق هذا الفعل، إن الإنسان الآلي حتى يتحرك حركةواحدة لابد من ضغط وتحريك عدد آخر من القوى. لكن الإنسان حتى يمسح وجهه بيديه اكتفىبأنه مجرد أن أراد مسح الوجه باليد، وبالنظر إلي جرافات التراب يلفتنا إلي أن سائقجرافة التراب يحرك عدداً من الأذرع الحديدية حتى يحرك الجرافة إلي أسفل، ثم حركةأخرى ليفتح أسنان كباشة التراب، وحركة تقبض أسنان كباشة التراب، وحركة أخرى ترفعالتراب. والواحد منا بمجرد رغبته في أن يمسح وجهه، فهو يمسح الوجه ولا يعرف أيالعضلات تحركت، فمن الذي فعل كل ذلك؟ إنه الله فيا من تتعصب لصفة القدرة أن الله هوالذي فعل، والذي يحدث من العبد هو توجيه الطاقة التي تنفعل بالله إلي غير مرادالله، فيصير العبد عاصياً، أو يوجهها إلي مراد الله فيكون طائعاً، ويكون للعبدالكسب فقط. فالذي يقتل واحداً هو لم يقتل لأنه لم يقل له: كن قتيلاً، فيكون قتيلاً،ولكن القاتل يأتي بسكين أو سيف أو مسدس، ويرتكب فعل القتل، إن أداة القتل هي التيقامت بالفعل، والقاتل إنما أخذ الآلة الصالحة لفعل ما. فيا من تريد العدل، إن اللهإن عذب على معصية، فذلك لأن الإنسان إن استعمل أداة مخلوقة للفعل ولعدمه، فجعلهاتؤدي فعلاً، والله هو الفاعل لكل شيء. قال تعالى: إنه بما يعملون خبير "111" (سورة هود) وهذا دليل علىالعلم الدقيق، فالإنسان حين تأتيه مشكلة يقول: اذهبوا إلي العالم الفلاني، فإنهخبير بها؛ ولذلك فسيعطيكم احسن الحلول، أو تقول: اعرضوها على الخبير، فالعالم قديعلم إجمالاً، أما الخبير فهو المتخصص يعرفها بدقة وبكل تفاصيلها. ولذلك تجد دائماًفي القرآن الكريم قوله تعالى: وهو اللطيف الخبير"14" (سورة الملك) وقوله سبحانه: إنالله لطيف خبير "63" (سورة الحج) لأنك قد تكون خبيراً بواقع الأشياء،فأنت تعرف مثلاً أن المجرم الفلاني مختبئ في الجبل، ولكنك لا تستطيع أن تدخل إليالجبل؛ لأن فيه مسالك دقيقة لا تعرفها. إذن: فالخبرة ليست كافية وإنك تريد لطفاًودقة لكي تنفذ إلي الأماكن التي تضمن لك أن تحقق ما نريد، فأنت تعرف أن هذا الشقيمختبئ في هذا المكان، ولكن كيف تصل إليه، فهذا شيء فيه لطف، وفيه خبرة. إن الحقسبحانه وتعالى حين يشرع لا يشرع عن خلاء، ولكنه خبير بكل ما يصلح النفس الإنسانية،ولا يعتقد أحد أنه خلقنا ثم هدانا إلي الإيمان ليخذلنا في نظام الحياة. إنه خلقناوأعطانا المنهج لنكون نموذجاً ليرى الناس جميعاً أن الذي يحيا في رحاب المنهج تدينله الدنيا: إن الله كان بما تعملون خبيراً "94| (سورة النساء) إنه سبحانه وتعالى خبير بما فعل، وكأن الحق سبحانه يقول: إياك أن تستر بلباقتك شيئاً وتخلع عليه شيئاً غير حقيقي؛ لأن الذي تطلب جزاءه، وهوالرقيب عليك والحسيب، يعلم المسألة من أولها إلي آخرها. |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
الحليم ويقول تعالى: والله غفور حليم "225" (سورةالبقرة) هو صاحب الصفح والأناة، الذي لا يحبس أنعامه وأفضاله عن عبادهلأجل ذنوبهم، ولكنه يرزق العاصي كما يرزق المطيع، ذلك بأنه تعالى هو الصفوح معالقدرة، المتأني الذي لا يعجل بالعقوبة. ويقول الحق سبحانه: كلا نمد هؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً "20" (سورةالإسراء) وقال تعالى: ولو يؤاخذ اللهالناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلي أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولا يستقدمون "61" (سورة النحل) فهناك عطاء الربوبية لكلمخلوق، أما عطاء الألوهية فهو لمن اتقى. وكيف يعجل من لا يخاف الموت، قال تعالى: يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا منأقطار السماوات والأرض فأنفذوا لا تنفذون إلا بسلطان "33" (سورة الرحمن) هذا الدعاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به القربمن الله: "لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحانه، وتبارك الله رب العرش العظيم،والحمد لله رب العالمين" وسبحان الله الحليم الذي يمهل العاصي، فإن تابقبل توبته، وإن أصر أخر العقاب عنه لعلمه تعالى، أنه لا يخرج من ملكه. وهذا دعاء اللجوء: "يا من عصمت المعصومين، ويا من حفظتالمحفوظين، ويا من أصلحت الصالحين، إن عصمتني تجدني معصوماً، وإن أهملتني تجدنيمخذولاً، ناصيتي بيدك، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" وقد ذكرالحليم سبحانه إحدى عشرة مرة في الكتاب العربي الكريم، فهو غفور حليم، وهو حليمغفور، وهو عليم حليم، وهو غني حليم، وهو تعالى شكور حليم. |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
العظيم يريد الله سبحانه وتعالى أنيلفت الكفار إلي أن في ملكوته أشياء كثيرة تدل على عظمته وقدرته، فإذا كان فيالسماء والأرض أشياء كبيرة الحجم تستطيع أن تراها بسهولة، فهناك من خلق الله أشياءدقيقة جداً لا تدرك بالعين، ومع ذلك فيها الحكمة العليا للخلق. وكلما دقت الصنعةكان ذلك محتاجاً إلي صانع ماهر وتكنولوجيا متقدمة، مثلاً ساعة (بج بن) ضخمة جداًعندما صنعت كانت شبه إعجاز، فلما تقدم الزمن وجدنا ساعة في حجم فص الخاتم تؤدي نفسمهمة ساعة بج بن. إذن: فعظمة الخلق ليست في الحجم الكبير فقط، ولكنها فيالأشياء التي تستطيع أن تدركها بعينك، مثلاً الميكروبات والجراثيم غاية في الدقة،ومع ذلك ففي هذا الحيز الصغير الذي يحتله كل مقومات حياتك. الناموسة الصغيرة تأتيوتمتص الدم جاهزاً منك، ولها خرطوم كالشعرة، أو أدق من الشعر، ومع ذلك يخترق الجسمبدقة وكفاءة أكثر من الإبرة الصلبة الكبيرة. والميكروبات الصغيرة تخترق جلدك، وتنفذإلي الدم وتحدث بينها وبين كرات الدم البيضاء معركة يمرض لها الجسم كله، وترتفعدرجة حرارته، ويحس الإنسان بالألم. كيف استطاع هذا الميكروب الذي هو غاية فيالدقة أن يفعل كل هذه الأشياء في هذا الجسم الضخم؟ (جسم الإنسان) فيجعله عاجزاً عنالحركة، وعن التفكير، وعن تناول الطعام وعن أشياء كثيرة؟ الله سبحانه وتعالى يريدأن يلفتنا إلي أن هذا الملك الظاهر ليس هو الدليل الوحيد على قدرة الله وعظمته،ولكن كل شيء خلقه الله فيه عظمة الخلق، وربما فيه آلات استشعارية تعينه على الحياةلا يقوى صاحب العقل عليها. وكم اكتشافات علمية في أشياء لا نراها كالأشعة تحتالحمراء التي تحدد بدقة مكان الشيء اكتشفت من أداة الاستشعار في الحيات والثعابين،تلك الأداة التي لا تعتمد على النظر في تحديد المسافات بينها وبين الفريسة أو بينهاوبين العوائق، ولكنها تعتمد على أشعة كونية غير مرئية. وقد استخدمت هذه الأشعة فيكثير من آلات القتال لتحديد مكان مواقع العدو بدقة، وكذلك أشعة الليزر التي اكتشفتفي رحلات الفضاء أخيراً، لها دقة فائقة في تحديد أشياء دقيقة. بل إن الحيواناتتحس بالزلازل قبل الإنسان، بل إن الحمير التي يصفها الإنسان بالغباء لها أداةاستشعار تجعلها تحس بالزلازل قبل أن تقع وتهرب من منطقة الخطر. والبحث في عالمالفضاء وعالم الحيوان وعالم البحار يعطينا اكتشافات يذهل لها العقل، هذه عظمة الخلقفيما لا نرى ولا نحس ولا نعرف، إلا أن يكشف الله لنا بعض أسرار ملكوت هذا الكون،فنعرف أسراره. إذن: فكل شيء خلقه الله فيه عظمة، وفيه قدرة، وكل ما خلق الله منبداية ما يقال له شيء فيه إعجاز الخلق. الشمس شيء، والقمر شيء، والنجوم شيء، وأنتشيء، والميكروبات شيء. إذن: فقوله تعالى: وما خلقالله من شيء "185" (سورة الأعراف) تي: من بداية ما يقال له شيء. ولقدضربنا مثلاً لذلك عندما تقول ما معي من مال، قد تكون معك قروش قليلة، ولكنها لاتسمى مالاً، ولكنك إذا قلت: ما معي من مال أي من بداية ما يقال له مال أي: ليس معكولو قرشاً واحداً. والله سبحانه وتعالى يريد أن يلفت الكفار إلي الآيات الكونية ممايرونه وما لا يرونه. فلماذا خاطبهم الله بما لا يرونه؟ لأن القرآن أزلي يخاطبالناس إلي يوم القيامة، وسيكشف الله من عمله إلي خلقه جيلاً بعد جيل ما خفي منأسرار الكون، فكلما قرأوا هذه الآية جيلاً بعد جيل أحسوا بعظمة الله وقدرته لا فيالمشاهد من. |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
الغفور كل فعل من الحقسبحانه وتعالى إنما يتجرد من ملابسات الزمان ومن ملابسات المكان، فإن كنا نقرأ علىسبيل المثال: وكان الله غفوراً رحيماً "96" (سورةالنساء)فليس معنى ذلك أن مغفرة الله ورحمته هي فعل ماض، ولكن لنقل كانالله غفوراً رحيماً، ولا يزال غفوراً رحيماً، إنه سبحانه وتعالى غفور رحيم قبل أنيوجد من يغفر له ويرحمه. ومن باب أولى أن يكون غفوراً رحيماً، بعد أن يوجد من يستحقالمغفرة والرحمة. إن الحق سبحانه وتعالى منزه عن أن تعتريه الأحداث فيتغير، إنالزمن مخلوق من الله، فلا تقل متى أو أين لأنهما به وجدا. والحق سبحانه يأتيبالماضي لأنه متحقق الوقوع، وإذا قال الله عن شيء إنه سيحدث فلابد أن يحدث، لأنهكان إذا أسندت إلي الله أفادت الاستمرارية، فهو رب الزمان والمكان والحياة. قالتعالى: ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا "193"(سورة آل عمران) إن أول شيء هو درء المفسدة؛ لأن الصالحين منالناس يتهمون أنفسهم بالتقصير دائماً، لذلك قالوا: ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا .. "193"} (سورة آلعمران) وهنا عندما ننظر إلي معطيات القرآن نجد أن (الذنب شيء) (والسيئة) شيء آخر، إن الذنب يحتاج إلي غفران، والسيئة تحتاج إلي تكفير. وعندما ننظر إليالتكفير فإننا نجد على سبيل المثال (كفارة اليمين) كفارة اليمين تكون واجبة إذا ماأقسم المؤمن يميناً، وحنث فيه، وهذا التكفير مقابل للحنث في اليمين. إن الأشياءالتي تتعلق بالمعصية بين العبد وربه هي الذنب، والسيئة هي الأمر الذي يخالف منهجالله مع عباد الله، لأنك حين تفعل المعصية في أمر بينك وبين الله لم نسئ إلي الله،فمن أنت أيها الإنسان من منزلة الله .. ؟ ولكنك بالمعصية تذنب، والذنب تأتي بعدهالعقوبة، لكن مخالفة منهج الله مع عباد الله تكون سيئة، لأنك بها تكون قد أسأت؛لذلك المؤمنون قالوا: ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفرعنا سيئاتنا .. "193" (سورة آل عمران) من الذي هداهم إلي هذا، وإليمعرفة أن هناك فرقاً بين الذنب والسيئة، لأن الذنب يحتاج إلي غفران، والسيئة تحتاجإلي تكفير، حيث يكون التكفير مقابلاً لأن فيه عطاء أنه الرسول حامل الرسالة منالله. ولذلك جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بينأصحابه، إذ رأوه يضحك، فقال له سيدنا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ما يضحكك يارسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رجلان من أمتي جثيا بين يدي ربالعزة فقال أحدهما: يا رب خذ لي حقي من هذا. فقال: لم يعد عنده حسنة فقال العبد: فاطرح عليه من سيئاتي. فقال: أبشرك "أن ليست لك سيئات" نعم نظر فوجد قصوراً وأشياءينبهر لها العقل فقال العبد: لمن هذه يا رب؟ فقال الحق: لمن يدفع الثمن. فقالالعبد: وما ثمنها؟ قال: يا رب ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه. قال: بماذا؟ قال:بعفوك عن أخيك. قال: يا رب فإني عفوت عنه. قال سبحانه وتعالى: فخذ بيد أخيك فأدخلهإلي الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإنالله تعالى يصلح بين المسلمين. هذا هو معنى التكفير أن تتحمل لذلكنقولفي الدعاء: "اللهم ما كان لك منها فاغفره لي، وما كان لعبادك فتحمله عني." أي: أن العبد يطلب أن يراضي الحق عباده من عنده، وما عنده لا ينفذ أبداً، إن العبادالمؤمنين يقولون: ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عناسيئاتنا .. "193" (سورة آل عمران) أي: اختم لنا سبحانك هذا الختام معالأبرار. قال تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا علىأنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم "53" (سورة الزمر) وفي هذه الآية بلاغ من الله إلي رسوله الكريم أنيبلغ العباد الذين اكثروا على أنفسهم من المعاصي لا ييأسوا من رحمة خالقهم. والخالقالعظيم وحده هو العظيم أيضاً في مغفرته ورحمته، وهكذا كان غفران الحق لكل معصيةيعترف بها الإنسان، لأن الإقرار بالذنب إدراك ووعي بأنه ذنب ولله المغفرة. ويقولالحق سبحانه أيضاً في محكم كتابه:إن الله لا يغفرأن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً "116" (سورة النساء) إن الحق سبحانه يوضح لنا أن الذنوب يغفرها الله، ولكن لايغفر أن يرد أحد الأمر على صاحب الأمر. |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
الشكور ولذلك فمن رحمة الله عليناأنه تحمل عنا صيغة الثناء عليه، حتى لا يوقعنا في حرج، فنحن لا نستطيع أن نحيطبصافات الكمال لله، وحتى لو أحطنا بصفة واحدة لا نستطيع أن نأتي بالعبارات التيتليق بها. وإذا حاولنا فستتفاوت القدرات بين أديب يستطيع أن ينمق العبارات وبينإنسان لم ينل قدراً من التعليم لا يستطيع أن يقول شيئاً. هنا ستتفاوت العبارات حسبتفاوت الناس في قدراتهم، ولكن عدل الله أبى إلا أن يساوي بين عباده جميعاً فيالثناء عليه، فقال جل جلاله إذا أردت أن تثني علي فقل "الحمد لله". وهكذا ساوى اللهبرحمته بين الناس في معرفة صيغة الثناء عليه، وجعلها صيغة من كلمتين فقط "الحمدلله" صيغة سهلة يقدر عليها الجميع، صيغة ميسرة. فالبشر يمدح بشراً في قصائدوصفحات كثيرة، ولكن الله يريد منا أن نقول "الحمد لله". فالحمد له شموله في كل مايريده الله، فالحمد للإيجاد، والحمد للإمداد، والحمد على البقاء الأبدي، أما الشكرفغالباً ما يأتي عن النعم، وفي الاعتراف بالنعم وذكر المنعم. الله سبحانه وتعالىتحمل عن خلقه أن يعلمهم صيغة الحمد له، فلا قدرات هذا الخلق تؤهلهم للوصول إلي كمالصفات الله ولا وجود الصيغة المناسبة لحمد هذا الكمال. ولقد أراحنا الله بذلك منإرهاق وتعب كبير، لأنه لو كان الإنسان سيحاول بأي أسلوب أن يحمد الله فلن يستطيع أنيحمده بالحمد المناسب له. ولقد كان من دعاء الرسولصلى الله عليه وسلم: "سبحانك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك" والرسول مشروع لأمته ولمن سيأتي بعده، ومن هنا فهو يعلمهم من طرق الحمد للهوالثناء على الله ما تستطيعه عقولهم البشرية، فيقول: لا أحصي ثناء عليك، أي: إننيعاجز عن أن أقدم لك الثناء والحمد اللذين تستحقهما ذات الكمال في صفاتك. ومهماحاولت أن أحصي، أو أن أدرك فأنا كبشر عاجز، ولذلك أمام هذا العجز سيأخذ ما أثنيت بهعلى نفسك، أي ما طلب الله سبحانه وتعالى منا أن نحمده به، وهي الحمد لله. فكأن الحقسبحانه قد أعطانا العذر في عدم الثناء عليه كما يجب؛ لأننا عاجزون، وفي نفس الوقتعلمنا أن نحمده أو نثني عليه بكلمتين اثنتين هما "الحمد لله"، فساوى في ذلك بين كلعبيده القادر منهم في العلم وغير القادر، لأنه أعطانا المنهج في هذا الكون الذينستطيع أن نعبده به، والذي يحقق لنا السيادة في الأرض، ويحقق لنا فوق هذا كلهالحياة الطيبة الآمنة في الكون. والله سبحانه وتعالى يقول في سورة الرحمن: الرحمن "1" علم القرآن "2" خلق الإنسان "3" (سورةالرحمن) ولقد ثار جدل كثير حول هذه الآيات، إذ كيف يعلم الله سبحانهوتعالى القرآن قبل أن يخلق الإنسان، ولمن يعلمه؟ خلق الإنسان آية من آيات اللهسبحانه وتعالى، فالإنسان من تراب، وهذه الحفنة من تراب مستها قدرة الله، فصارتبشراً، وهذا البشر صنع كل الحضارات والآيات التي نراها ونشهدها في الكون بقدرة منالله سبحانه وتعالى، ولكن الله وضع المنهج أولاً ثم خلق البشر. وذلك أنه لكييعيش الإنسان في الأرض فيجب أن يكون هناك منهج من الله يهديه، وليبين له الطريقالسليم للحياة في "افعل" و"لا تفعل"، وإلا فكيف سيباشر الإنسان مهمته في الكون دونأن يكون له منهج. وهذه هي سنة الحياة وقوانينها، فأنت قبل أن تنشئ مدرسة مثلاً لابدأن تضع المنهج الذي سيدرسه التلاميذ، ثم بعد ذلك تنشئ المدرسة وتطلب من التلاميذ أنيلتحقوا بها، ولكن تصور معي كيف يمكن أن يكون الحال إذا أنشأ إنسان مدرسة بدونمنهج؟ وماذا سيفعل التلاميذ؟ وماذا سيدرسون؟ وحين تنشئ مدينة جديدة لابد أن تضعالمنهج الذي ستنشئ عليه المدينة أولاً، وهذا المنهج هو الرسومات والتخطيط الذي تضعهللمدينة، ثم بعد ذلك بعد أن يكتمل التخطيط، وتكتمل الصورة عندك تأتي بالمهندسينوتعطيهم هذه الرسومات ليبنوا لك المدينة. وأنت لو جمعت مجموعة من المهندسين، وطلبتمنهم أن ينشئوا مدينة دون تخطيط سابق وانطلقوا، هذا يعمل يميناً، وهذا يعمل يساراًلكانت فوضى ما بعدها فوضى، ولنشأت المدينة غاية في السوء، وربما لم يستطع أحد أنيسكنها. وهكذا كل شيء نريد أن نعمله، لابد أولاً من الخطة للعمل، لابد من تحديدالمنهج الذي سيتم على أساسه العمل، وبدون تحديد لهذا المنهج لا يتم العمل أبداً،ولا يصح، ومن هنا فهمنا أنه لا يتم خلق الإنسان بدون منهج أبداً، وإلا فسيعم الفسادفي الأرض. |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
العلي وهو العلي العظيم "4" (سورة الشورى) وهو العلي الكبير "23" (سورة سبأ) إنه علي حكيم "51" (سورة الشورى) هوالعالي علو الجلال والكمال، قال الحليمي من العارفين بالله في معنى العلى: إنهالذي ليس فوقه فيما يجب له من معالي الجلال أحد، ولا معه من يكون العلو مشتركاًبينه وبينه، ولكنه العلي بإطلاق. عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: ما سمعت رسول اللهصلى الله عليه وسلم يستفتح دعاء قط إلا استفتح "بسبحان الأعلى الوهاب". يتجلى اللهفي علاه في مرئيات الإدراك، وفي خواطر الوجدان، وفي إبداع الصفة، وفي أسرار الغيب،فالأرض تضم أجناساً متعددة، وهي كالآتي: الجماد: هو الساكن ظاهراً كتربة الأرض،أو المعادن، هذا هو الجنس الأول. والجنس الثاني: هو النبات الذي يختلف عنالجماد، بأن الله وضع فيه خاصية النمو والحس. والجنس الثالث: هو الحيوان الذييتميز عن النبات بالحس والحركة. والجنس الرابع: هو الإنسان الذي يتميز عنالحيوان بخاصية جديدة مضافة للنمو والحس والحركة، وهي الاختيار. وكل الأجناسالتي نراها في الكون لا تخرج عن هذه الأجناس: جماد ـ نبات ـ حيوان ـ إنسان، وكلالأجناس منضبطة انضباطاً قسرياً قهرياً، لا رأي لأحد فيه إلا الإنسان، ففيه جزء منالسلوك قسري قهري كسير الدورة الدموية والتنفس وحركة الهضم وغير ذلك من الأمور التيلا دخل لإرادة الإنسان بها، كل الأجناس لها نظام قسري مضبوط على مهمة كل جنس،والسيادة في كل الأجناس للإنسان. يأتي الإنسان بعناصر الجماد فتتفاعل ولا تعصي،ويضع الإنسان البذور في الأرض، فتتحرك البذرة بالخواص التي خلقها الله لتمتص الغذاءالمناسب لها من الأرض سواء كان أملاحاً أو عناصر غذائية مع الماء وينمو النبات حسبنوعه، ويتغذى حسب نوعه واحتياجه، وينمو ليصبح ثماراً للإنسان. ولنا أن نندهش منقدرة الخالق الأعظم الذي خلق في النبات خاصة امتصاص الغذاء الصالح له من الأرضبواسطة الجذور التي يسميها العلماء "خاصية الأنابيب الشعرية". إذا قارنا النبات وهويمتص غذاءه بهذه الخاصية وبين التطبيق التجريبي في معامل العلماء عن "خاصيةالأنابيب الشعرية" فلسوف نجد اختلافاً واضحاً بين تنفيذ النبات لخاصية امتصاصالغذاء بالأنابيب الشعرية وبين خاصية امتصاص الأنابيب الشعرية في المعامل العلمية. إن الخالق الأكرم خص النبات بجذور تملك قدرة امتصاص الغذاء المناسب لكل نباتعلى حدة، بينما أنابيب المعامل العلمية تمتص ما يوضع لها من سوائل أي سوائل. إنالأنابيب الشعرية في المعامل لا تملك ما يسميه العلماء "خاصية الانتخاب الغذائي"التي يملكها النبات، وخاصية الانتخاب الغذائي موجودة في كل نبات، يختار منها الموادالغذائية المناسبة له من التربة. وهكذا نتعرف على أن خاصية الانتخاب الغذائي فيالنبات تقتضي وعياً أن كل نبات يعرف تمييز الغذاء المناسب له تماماً من عناصر تربةالأرض. ولنا أن نسأل: من الذي هدى النبات إلي أن يختار المواد الغذائية التيتناسبه؟ إنه الله الأعز الأكرم، هو الذي "قدر فهدى"، والحق سبحانه وتعالى يقول فيكتابه الكريم: سبح اسم ربك الأعلى "1" الذي خلقفسوى "2" والذي قدر فهدى "3" والذي أخرج المرعى "4" فجعله غثاء أحوى "5" (سورةالأعلى) إن الإنسان عندما يتدبر أمر النبات تتجلى له آيات الله الباهرةالتي جعلت لكل نبات غريزة غذائية يمتص بها الصالح له من مواد الأرض. فالقصب يختارما يناسبه من مواد، والفلفل يختار له ما يناسبه من مواد الأرض، والمانجو تختار مايناسبها، وكذلك التين والتمر. كل نبات يمتلك غريزة خاصة به يحقق بها خاصية "الانتخاب الغذائي" وكل نبات كما هو حال كل كائن قدر له الله السبب الذي يوجد منأجله، ومنحه هداية إمكانات النمو المناسبة له، وهذه أحد أسرار عظمة الخالق الأعزالأكرم. هكذا نرى عظمةالخالق التي تهدي كل كائن إلي القدرة على التفاعل والاختيار المناسب، وكما يحدث ذلكفي النبات نجده يحدث أيضاً بشكل آخر في الحيوان، نجد أن هناك هداية لبعض الحيواناتعندما نتأملها نرى العجب. فالتمساح على سبيل المثال يخاف الإنسان منه ويرهبه، هذاالتمساح يفتح فمه في بعض الأوقات ليسمح لنوع معين من الطيور أن يتغذى على بقاياطعام التمساح، والتمساح يفتح له فمه ويترك للطير فرصة التقاط بقايا الطعام من فمه. وهذا النوع من الطيور هو الذي يقوم بدور الإنذار المبكر لأي خطر يهدد التمساح، فإذارأى الطير عدواً للتمساح فهو الذي يحذر التمساح من الخطر القادم عليه. أماالإنسان فهناك أمور في حياته قسرية، كالتنفس مثلاً كالهضم، كل هذه عمليات قسريةلازمة لحياة الإنسان، فالتنفس لازم لمزج الدم بالأكسجين اللازم له، وأن يطردالإنسان من خلاله الهواء المحمل بثاني أكسيد الكربون، كل ذلك ليصل الدم إلي المخمحملاً بالغذاء الصافي للمخ وهو الأكسجين والجولوكوز. وتحدث تلك العملية "عمليةتنقية الدم بالتنفس" دون وعي من الإنسان لا يلاحظها، ولكنها تتم على الرغم منه،فالإنسان يتنفس نائماً أو مستيقظاً دون تدخل إرادي منه. هكذا تتجلى حكمة الخالقالأكرم في قوله تعالى: سبح اسم ربك الأعلى "1" الذي خلق فسوى "2" والذي قدر فهدى "3" (سورة الأعلى) قدر للجماد مهمةفهداه إليها، قدر للنبات مهمة فهداه إليها، وقدر للحيوان مهمة فهداه إليها، وقدرللطير مهمة فهداه إليها، وقدر للإنسان مهمة في غير مجال الاختيار بين البدائل فهداهإليها. إن كل شيء في الكون موجود بتقدير وهداية من الخالق العزيز الكريم، ولننظرإلي الإنسان أثناء تناول الطعام، إن القصبة الهوائية للإنسان تسدها "اللهاة" أثناءبلعه الطعام، و"اللهاة" تشد القصة الهوائية حتى لا يتسرب إليها جزء من الطعام فتفسدحياة الإنسان. وإذا تسربت قطعة صغيرة من الطعام ولو حبة واحدة من الأرز، فالإنسانيجد نفسه مصاباً بنوبة من السعال حتى تتم عملية طرد حبة الأرز من المكان غير المخصصللطعام،إنما مخصص للتنفس، وهكذا نرى أن الإنسان في غر مجاله الاختياري خاضع لمبدأ: والذي قدر فهدى "3" (سورة الأعلى) أمافي مجال الاختيار الإنساني فنجد من يقبل التكاليف الإيمانية بقبول واقتناع وإيمان،فيكون قد اهتدى بالطريق الذي رسمه الله للهداية، وإذا لم يقبل الإنسان التكاليفالإيمانية فهنا تبدأ رحلة الإفساد في الأرض. ومن فضل الله على الإنسان أن الإنسانلا يفسد شيئاً إلا في مجال الاختيار، وكل أمر لا اختيار لنا فيه لا يستطيع أحد أنيفسده. وهذه رحمة من الله إذ جعل كونه مقهوراً ليعمل مسخراً للإنسان. والحق سبحانهوتعالى يهدينا إلي أن نزن كل أمر من السلوك الإنساني، وليأخذ الإنسان ميزان ذاته منالوجود الذي حوله، الشمس لها نظام للشروق والغروب، والقمر والنجوم والريح والزرع،كل شيء له نظام محكم. فإذا أراد الإنسان أن يعتدل ميزانه الخاص الاختياريفليحكم نفسه بمنهج الله، لتستقيم للإنسان أمور ذاته كما استقامت له السيادة فيالكون المسخر بحكمة الله وبديع صنعه ولنقرأ آيات الرحمن فنعلم منها كيفية أن يرىالإنسان سلوكه:الرحمن "1" علم القرآن "2" خلقالإنسان "3" علمه البيان "4" الشمس والقمر بحسبان "5" والنجم والشجر يسجدان "6" والسماء رفعها ووضع الميزان "7" ألا تطغوا في الميزان "8" وأقيموا الوزن بالقسط ولاتخسروا الميزان "9"(سورة الرحمن) ينبهنا الحق سبحانه وتعالى أنه علمالقرآن وخلق الإنسان هادياً له حياة القيم بالقرآن، وأعطى الإنسان القدرة علىالتعبير عن نفسه مميزاً له بحق الاختيار عن كل مخلوقاته، وعلى الإنسان أن يتأملالكون، ففي الكون نظام دقيق للشمس والقمر. وهذه السورة نزلت منذ أربعة عشر قرناً منالزمان، ولم يتوصل الإنسان إلي المعرفة الشاملة لحركة الشمس والقمر إلا منذثلاثمائة عام فقط، والنجوم في أفلاكها تتحرك بنظام وميزان دقيق، والنبات والشجرخاضعان لمشيئة الله. إن هذا الكون محكوم بميزان دقيق، على الإنسان أن يتأمله ويتعلممنه بأن تستقيم حركة الإنسان الاختيارية في الكون، فلا يطغى، إنما يقيم معاملاتهعلى أساس من الحساب الدقيق للاستقامة في السلوك الإنساني كما استقام الكون من حولالإنسان. إننا عندما نتأمل كلمة "الميزان" نجد أن تكرارها في سورة الرحمن إنماأراد الله به أن يؤكد أن الله علم القرآن للإنسان دستور القيم المعنوية فوق القيمالمادية. كما نجد أن كلمة الميزان تأتي ليعلم الإنسان كيف يقيم الميزان في الحياةلكل عمل من أعماله مستهدياً ومهدياً، وله من آيات الله في الكون دلائل على أن ميزانالسماء لا يخطئ. إن الخالق جل جلاله يكرر كلمة الميزان ليلفت الإنسان إلي أن الكونمن حوله له نظام معتدل وموزون، وله دقة وإحكام، وهذا ما يشجع الإنسان على أن يقيمالوزن بالعدل في سلوكه، ليتفهم أن العبادات طريق إلي إقامة ميزان العدل في الحياة،قبل أن تكون العبادات طريقاً إلي الجنة. هذا النظام الكوني حلو الإنسان يشجعه علىأن يتبع هدى الرحمن. والذي قدر فهدى "3" (سورةالأعلى) وإذا كان الخالق الأكرم "الذي قدر فهدى" هو الذي أنزل القرآنعلى رسوله الكريم ليبشر به الإنسان، فعلى الإنسان المؤمن. أن يتبع هذا المنهج حتىتستقيم له أمور ذاته ونفسه، إن على الإنسان أن يأخذ منهج الله مأخذ الجد والتطبيق،لأنه منهج "الذي قدر فهدى". |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
الكبير هو الكبير الذي لاتهتدي العقول لوصف عظمته، وهو الكبير الذي فاق مدح المادحين، ذلك بأن الله اكبر منمشاهدة الحواس وإدراك العقول.عن عباس رضي الله عنهماأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يعلمهم من الحمى ومن والأوجاع كلها أنيقولوا: "بسم الله الكبير، نعوذ بالله العظيم من شر كل عرق نعار، ومن شر حرالنار" وذكر الكبير تعالى خمس مرات في القرآن العظيم: عالم الغيب والشهادة الكبير المتعالى "9" (سورة الرعد) ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هوالباطل وأن الله هو العلي الكبير "62" (سورة الحج) ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العليالكبير "30" (سورة لقمان) قالوا ماذا قالربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير "23" (سورة سبأ) فالحكم لله العلي الكبير "12" (سورة غافر) هو الكبير فوقكل كبير، والنداء بأنه اكبر فما عداه أصغر، ولا كبير سواه. واسم الكبير له خاصية لايدركها إلا أهل الارتباض من أصحاب المقاصد التوحيدية، فهو كبير في ذاته، كبير فيأفعاله، كبير في صفاته. وبهذا المعنى: ينفرد هذا الاسم لذات الله بخصوصيات، فهوالكبير في ملكه، الكبير في رحمته، الكبير في عطائه، الكبير في غناه، الكبير فيبسطه، الكبير في عزه، الكبير في عفوه. بخلاف هذه الصفة إذا أطلقت على غيره فيقال: فلان كبير ويراد بها كبير السن مثلاً أو كبير المقام المحدود، ولله المثل الأعلى،فإذا كان الاتحاد الحرفي لهذا الاسم فيه ما يوحي بالاشتراك فنقول: لا اشتراك حيث إنكبير القوم كبير في مقدور طاقته، أما الخالق فهو الكبير فوق كل كبير. |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
الحفيظ قال تعالى: إن ربي على كل شيء حفيظ "57" (سورة هود)هو الحفيظ، وهو الحافظ، والحفظ معناه صون الشيء من الزوال، فسبحان الله الذييحفظ السماوات والأرض وما فيهما لتبقى مدة بقائهما فلا تزولان، ولا تختلان. قالالله عز وجل: ولا يئوده حفظهما .. "255" (سورةالبقرة) وقال جل وعلا: وحفظاً من كلشيطان ماردٍ "7" (سورة الصافات) أي: حفظناها حفظاً. وهو الذي يحفظعباده من المهالك، ويقيهم مصارع الشر. قال الله عز وجل: له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله .. "11" (سورةالرعد) أي: بأمره، هو الذي يحفظ على الخلق أعمالهم، ويحصي عليهمأقوالهم، ويعلم نياتهم وما تكن صدورهم، فلا تغيب عنه غائبة، ولا تختفي عليه خافية. وهو الذي يحفظ أولياءه فيعصمهم عن مواقعة الذنوب، ويحرسهم من مكائد الشيطان ليسلموامن شره وفتنته. فالحق سبحانه وتعالى أنزل الكتاب، وصرف فيه من الوعيد، وله الملكالحق، فلابد أن يضمن للخلق أن يصلهم الكتاب كما أنزله دون تحريف أو تغيير، ولذلكقال سبحانه: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "9" (سورة الحجر) فالله الذي نزل القرآن هو الذي سيتولى حفظهه، لأنالبشر جربوا في حفظ مناهج السماء، فلم يكونوا أمناء لأنهم غيروا في الكتب المقدسة،فكتموا بعضها ونسوا بعضها وحرفوا البعض الآخر. ليس ذلك فقط بل جاءوا بأشياء منعندهم وقالوا: هذا من عند الله، فهم ليسوا مأمونين، لآن الحفظ للمنهج كان موكولاًإلي البشر تكليفاً، والتكليف عرضة لأن يطاع أو يعصى. وفي ذلك يقول الحق سبحانهوتعالى: إنا أنزلنا التوراة فيها هدىً ونور يحكمبها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتابالله وكانوا عليه شهداء .. "44" (سورة المائدة) ومعنى استحفظوا ـاستحفظ أي طلبت منه أن يحفظ، وهذا أمر تكليف، والأمر التكليفي كما نعلم عرضة لأنيطاع أو يعصى، وقد عصى هنا نسياناً وكتماناً وتحريفاً وزيادة. ولذلك، فالحق سبحاهبعد أن جرب البشر في حفظ منهجه، ولم يحفظوه أخبرهم أنهم غير مأمونين على حفظ كتابه،وتولى حفظ القرآن بنفسه، لأن القرآن هو الكتاب الشامل والخاتم الذي ليس عليهاستدراك، وهو الذي أخبرنا أن هناك تحريفاً يحدث للكتب السابقة، ولأنه لن يأتي بعدهكتاب آخر فلابد أن يضمن الحق سبحانه وتعالى حفظه وسلامته حتى يظل قائماً على الناسإلي يوم القيامة. والقرآن الكريم كما عرفنا هو الكتاب الوحيد الموثق، فقد كانالنبي صلى الله عليه وسلم يقرأ المصحف على جبريل في شهر رمضان مرة، وفي آخر عام منحياته قرأه مرتين على جبريل، وذلك حتى يأتي الترتيب المصحفي إلينا موثقاً من قبلالرحمن. إن ميزة القرآن الكريم أنه الكتاب السماوي الوحيد الموثق. تقرؤه الآن وأنتمطمئن تمام الاطمئنان، أي أنه كما نزل من عند الله ميزة لا تجدها في أي كتاب آخر: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "9" (سورةالحجر) لقد اختبر الله البشر من قبل في الحفاظ على منهجه، لكنهم لميفعلوا ذلك، لأن الدين الإسلامي قد جاء ديناً عاماً لكل البشرية. لذلك وثقة اللهوحفظه، وكل يوم يعطي الله من العلامات ما يؤكد أن القرآن الكريم مكتمل ومحفوظ كمانزل من عند الله، وهاهو ذا أحد المستشرقين يؤكد في كتاب له أن كل آية من القرآن هيدقيقة في ضبطها، كما تلاها رسول الله محمد. ومثال ذلك أحد الاكتشافات الحاسبالإلكتروني "الكمبيوتر" عندما حاول أحد الباحثين من الشباب المسلمين بالولاياتالمتحدة، أن يحصر عدد حروف القاف في سورة "ق" فوجد أن عدد القافات ينقسم على عددحروف البسملة "حروف بسم الله الرحمن الرحيم" هي تسعة عشر حرفاً، وعدد حروف القاف فيسورة "ق" ينقسم على عدد حروف البسملة. وهكذا نملك الدليل على أن من يحوم حول كتابربه يفيض الله عليه بعض أسراره، وإلا فلماذا ينتبه مثل هذا الشاب المؤمن إلي أنالله عندما تكلم عن "قوم لوط" تكلم عنهم في كل مواضع ذكرهم بالقرآن، فأتى بكلمة "قوم لوط". وهكذا نرى أن أول حرف في هذه الجملة هو "ق" لكن في سورة "ق" والتيتمتلئ بحروف القاف، وعندما تأتي سيرة قوم لوط في هذه السورة فإن القرآن يقول عنهم:وإخوان لوط "13" (سورة ق) كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود "12" وعاد وفرعونإخوان لوط "13" وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد "14" (سورةق) يأتي ذكر قوم لوط في كل القرآن بـ"قوم لوط" إلا في هذه السورة التيتتميز بعدد كثير من حرف القاف، فيأتي ذكر قوم لوط بـ"إخوان لوط"، ويتتبع الشابالمؤمن أنه لو جاءت سيرة لوط وقومه في هذه السورة بـ"قوم لوط" بدلاً من إخوان لوطلما قلبت حروف القاف بهذه السورة أن تنقسم على تسعة عشر، وهو عدد حروف "بسم اللهالرحمن الرحيم". وهكذا يتبين لنا أن القرآن بشكل مادي مضبوط ضبطاً محكماً، ولوتأملنا آيات الربا فسوف نجد أن كل آيات الربا في القرآن مكتوبة كلمة "ربا" كالآتي "ربوا". مكتوبة كلها بحرف الواو إلا في آية واحدة مكتوبة بالألف: وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتممن زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون "39" (سورة الروم) ولوتأملنا كلمة "تبارك" نجدها مرة مكتوبة بالألف، ومرات بدون ألف. إذن: القرآن منزلبوضع يتأكد في كل عصر، بدليل مادي على أنه باق لنا كما أنزل على محمد عليه الصلاةوالسلام من عند الله بنفس ما جاء به من كلمات وحروف وكتابة ورسم، إن المعايير التيتوجد بالقرآن وصلت إلينا كما أرادها الله منطقاً وكتابة، ولا اختلاف في آياته. وهكذا ننظر إلي حروف المباني التوقيفية التي بدأ بها القرآن بعض السور إلا أنهاجاءت من عند الله. هكذا ننطقها كما نطقها الرسول حتى تكون على ألسنتنا دليل إعجاز،كما جاءت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. والذي يدل الإنسان على أن أسماءالحروف شيء مختلف عن مسميات الحروف، وهو ما قاله أحد الشعراء: لقد كنت أرجو أنتكون مواصلىفسقيتني بالبعد فاتحة الرعد وعندما نرى فاتحة سورة الرعد سوفنجدها "ألف ـ لام ـ ميم ـ راء". هكذا ننطقها كأسماء الحروف، أما إذا نطقناهاكمسميات للحروف فسوف نقرؤها "المر" من المرارة، وحين ننظر هذه النظرة في المتشابهمن السور فإننا نعلم أن لله أسراراً في هذه الحروف، والمفسرون والعلماء دائماًعندما يتناولون هذه الحروف بالتحليل أو الشرح فيقولون فيها "الله أعلم بمراده". ذلكأنه يكفي القرآن أنه يبين لنا بالإعجاز أحكام الشريعة واضحة جلية، واستبقى اللهلنفسه في القرآن ما يعجز به خلقه إلي يوم الدين، وذلك في المتشابه من القرآن،والقرآن الكريم يقول في ذلك: والراسخون في العلميقولون آمنا به كل من عند ربنا .. "7" (سورة آل عمران) وللعلماءاجتهادات كثيرة أقربها إلي القبول هو ما أشرنا إليه أنها من تمام التحدي والإعجاز. وهذا الاسم له من الأسرار ما يوحي بالإحاطة والشمول. |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
المقيت قال تعالى: وكان الله على كل شيء مقيتاً "85" (سورةالنساء)هو الذي يعطي الأقوات، وقيل في معنى المقيت: أي خالق الأقواتالبدنية والروحانية، وموصلها إلي الأرواح والأشباح. وصلى الله على سيدنا محمد الذيجعل من القوت ذكر الحي الذي لا يموت. قال عليه الصلاةوالسلام: "أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني" وقال الأزهري أن "المقيت" هوالمقتدر بلغة قريش. فيكون قوله تعالى: وكان اللهعلى كل شيء مقيتاً "85" (سورة النساء) وكان الله على كل شيء مقتدراً "45" (سورة الكهف) أي: مطلقاً قادراً. وفي ذلك تنبيه لكل العباد: إياكم أن يظن أحدكم أن هناك شيئاًمهما صغر سوف يفلت من حساب الله، فلا في الحسنة سيفلت شيء، ولا في السيئة سيضيعشيء. إن كلمة "مقيتاً" أخذت من العلماء أبحاثاً مستفيضة فقال عالم في معناها: إنالحق شهيد. وقال الآخر: إن الحق حسيب. وقال ثالث: إن مقيت معناها مانح القوت. ورابعقال: إنه حفيظ. وخامس قال: إنه رقيب. ونقول لهم جميعاً: لا داعي للخلاف في هذهالمسألة. فهناك فرق بين تفسير اللفظ بلازم من لوازمه، وقد يكون متعدد اللوازم،ويصبح كل ذهاب إلي معنى من اللوازم، فهو صحيح، ولكن المعنى الجامع هو الذي يكون منمادة الكلمة ذاتها. وكان الله على كل شيء مقيتاً"85" (سورة النساء) و "مقيت" من "قاته" أي: أعطاه القوت، و "مقوت" أي: أعطاه القوت. ولماذا يعطيهم القوت؟ ليحافظ على حياتهم، فهل مقيت بمعنى أنه يعطيهمما يحفظ حياتهم، ومعناها أيضاً المحافظ عليهم. فهو الحفيظ. وبما أنه يعطي القوتليظل الإنسان حياً فهو مشاهد له، لا يغيب المخلوق عن خالقه لحظة، وبما أنه يعطيالقوت للإنسان على قدر حاجته، فهو حسيب. وبما أنه يرقب كل سلوك للإنسان فهو يجازيه. إذن: كلها تدخل في مادة واحدة، لذلك لا يجب أن نقول: اختلف العلماء في هذا المعنى،ولكن لنقل: إن كل عالم لاحظ لحظاً في الكلمة، فالذي لاحظ القوت الأصلي: لاحظمراقبته لعباده دائماً فهو شهيد، ولا يعطي واحداً قوتاً إلا إذا كان قائماً وهوحسيب. إنه سبحانه يقيت الإنسان فقط، ولكن يقيت كل خلقه، فهل يقيت الحيوان فيوصيالحيوان أن يأكل صنفاً معيناً من الطعام، ولا يأكل الصنف الآخر. إذن: فإذا رأيناالعلماء ينظرون إلي "مقيت" من زاوية مختلفة، فهم جميعاً على صواب سواء من جعلها منالقوت أو الحفظ أو القدرة أو المشاهدة أو من الحساب، وكل واحد إنما نظر إلي لازم منلوازم كلمة "مقيت". وكان الله على كل شيء مقيتاً "85" (سورة النساء) فهو سبحانه يقيت كل شيء فهو يقيت الإنسان والحيوانوالنبات والجماد، ونحن نجد علماء النبات يشرحون ذلك، فنحن على سبيل المثال نزرعالنبات، فجذور النبات تمتص العناصر الغذائية من الأرض. وقبل أن يصبح للنبات جذورفهو يأخذ غذاءه من فلقتي الحب التي تضم غذاء النبات إلي أن ينبت له جذر، وبعد أنيكبر جذر النبات، فإن الفلقتين تصيران إلي ورقتين، فهو على كل شيء مقيت. ويقولالعلماء من بعد ذلك: إن الغذاء قد امتصه النبات بخاصية الأنابيب الشعرية، ما معنىالأنابيب الشعرية؟. إن النبات يمتص الغذاء من التربة بواسطة الجذور الرفيعة التيتمتص الماء المذاب فيه عناصر الغذاء، وفتحة الأنبوبة في الأنابيب الشعرية لا تسعإلا مقدار الشعرة، وعندما توضع في الإناء فإن السائل يصعد فيها ويرتفع الماء عندمستوى الحوض. وعندما تتوازى ضغوط الهواء على مستويات الماء، فالماء لا يصعد، وعندمايأتي بماء ملون نضعه في الإناء والأنابيب الشعرية، فالسائل الملون يصعد إليالأنابيب الشعرية، ولا توجد أنبوبة تأخذ مادة مختلفة من السائل، بل كل الأنابيبتأخذ المادة نفسها، لكن شعيرات النبات تأخذ من الأرض الشيء الصالح لها، وتترك الشيءغير الصالح. ويقول عنه العلماء: إن ذلك هو الانتخاب الطبيعي، ومعنى الانتخاب هوالاختيار. والاختيار يقتضي عقلاً يفكر ويرجح. والنبات لا عقل له، لذلك كان يجب أنيقولوا إنه الانتخاب الإلهي. فالطبيعة لا عقل لها، ولكن يديرها حكيم له مطلق العلموالحكمة والقيومية، والحق سبحانه يقول عن ذلك: يسقي بماءٍ واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوميعقلون "4" (سورة الرعد) فالفلفل يأخذ المادة المناسبة الحريفية،والقصب يأخذ المادة التي تصنع حلاوته، والرمان يأخذ المادة الحمضية، فهذا هوالانتخاب الإلهي: وكان الله على كل شيء مقيتاً "85" (سورة النساء) وساعة تسمع "كان الله" فإياك أن تسمع لـ"كان" ملحظاً في الزمن، فعندما نقول بالنسبة للبشر: "كان زيد غنياً" فزيد من الأغنياء، قديكون ثراؤه قد ذهب. لكن عندما نقول "كان الله". فإننا نقول "كان الله ومازال" لأنالذي كان ويتغير هو من تدركه الأغيار، ولكن الحق سبحانه هو الذي يغير ولا يتغير،فهو موجود منذ الأزل وإلي الأزل، إنه سبحانه قال لنا عن الشفاعة، وأمرنا أن يعددالواحد منا مواهبه على الغير حتى تتساند قدرات المجتمع، إنه سبحانه مربب الفائدةللعبد المؤمن ويرببها للجميع. |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
الحسيب قالتعالى: وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل "173"} (سورة آل عمران)الحسب من الحسب الذي هو الاكتفاء، فيكون معناه الكافيسبحانه ولنتدبر الآيتين:وإن يريدوا أن يخدعوك فإنحسبك الله .. "62" (سورة الأنفال) ومنيتوكل على الله فهو حسبه .. "3" (سورة الطلاق) ويكون الحسيب من الحساب،فيكون معناه المحاسب، ولنتعلم هذه الآيات: وإن كانمثقال حبةٍ من خردل أتينا لها وكفى بنا حاسبين "47" (سورة الأنبياء) ثم ردوا إلي الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهوأسرع الحاسبين "62" (سورة الأنعام) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا". ويطلق الحسبان على النظام والتدبير والحكمة فيالكون وعوالمه، ويقول الحق سبحانه:الرحمن "1" علمالقرآن "2" خلق الإنسان "3" علمه البيان "4" الشمس والقمر بحسبان "5" (سورةالرحمن) ويطلق الحسب أيضاً على النسب. وقال تعالى: وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيءحسيباً "86" (سورة النساء) إن المسألة هنا تخرج من دائرة حساب البشربعضهم البعض، إن الواحد منهم من المسلمين عندما يحيا بتحية، فالحق سبحانه قد طلب منكل مسلم أن يرد التحية، ولا تنتهي المسألة عند ذلك، ولكن لابد أن يكون لها حساب عندالله. فالحق سبحانه وتعالى عندما يرى خلقه المؤمنين به يتكارمون، فهو يضعها فيالحساب، فالحساب لا ينتهي عند أن يرد المؤمن التحية أن يؤدي خيراً منها، ولكن هناكجزاء آخر في الجزاء الأعلى عند مليك مقتدر. إن المؤمن له أن يفتخر بعمله، وأنيخشع في ذات الوقت، ويشكر الله الذي وفقه إلي أداء هذا العمل، لذلك فلا يجب أن يكونالإنسان المؤمن عظامياً، أي: يستمد الفخر مما صنعه الأجداد من مجد غابر بينماالحاضر خرب. والشاعر العربي يقول: لا ينفع الحسب الموروث من قدم إلاذوي همه غاروا على الحسبالعود من مثمرٍ إن لم يلد ثمراعوده مهما سماأصلاً من الحطبإن الحق سبحانه يريد أن ينبه المؤمن إلي ضرورة أداء العمل الذييمكن أن يفخر به. وينسب الفضل لله، إن المؤمن عليه أن يعرف أن مجد آبائه انتهى به،ولذلك يجب على المؤمن أن يكون عمله فخراً للآباء بأنهم أنجبوه. والتاريخ يحفظ لنافي هذا المجال ما رواه الرواة عن أبي الصقر الشيباني، وقال في نفسه هذا الشعر: قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم كلا لعمري ولكن منه شيبان وكم أبٍ قدعلا بابـن ذي شـرف كما علت برسول الله عدنان إن المؤمن عليه أن يعمل العملالذي يفخر به، وأن ينسبه إلي الخالق الأكرم الذي يعطي المدد ليكون الإنسان ذا أثرفي الوجود، لقد أراد الإسلام أن يضع نهاية للفخر بالآباء أو بأداء الأعمال التييثيب عليها الحق، كإطعام الطعام أو حمل البقايا من الأماكن المقدسة، أو أداء الديةعن الفقير الذي دفعته الظروف أن يكون قاتلاً، وحتى لا تستمر التارات وسفك الدماء. وهذا هو المعنى الذي يصل إلينا من قول الحق سبحانه: فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً .. "200" (سورةالبقرة) إن ذكر الله هو الذي يعطي المدد والمعونة ليكون المؤمنون أهلاًلقيادة حركة الحياة في الأرض، يوطنون فيها الأمن والسلام والرحمةوالعدل. |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
الجليل والجليل اسم من الجلال والعظمة، ومعناه منصرف إلي جلال القدروعظم الشأن، ومعناه المستحق للأمر والنهي، ومن حق البارئ جل ثناؤه على من أبدعه أنيكون أمره عليه نافذاً، وطاعته له لازمة، وهو الذي يصغر دونه كل جليل، ويتضع معه كلرفيع. وفي اللغة: ج ل ل، وجلال الله عظمته. ويقال فعلته من جلالك أي من أجلك. وجل "يجل" بالكسر "جلاله" أي عظم قدره، فهو جليل و"أجله" في المرتبة. فسبحان الجامعلجميع صفات الجلال، ذو الجلال والإكرام، وسبحان الذي جل قدره في قلوب العارفينالمخلصين. وأمام جلال الله تخشع القلوب، وتسجد الجباه، وتسكن النفوس، وتستقرالحياة، فهو صاحب الجلال المقرون بالكرم. ومن هذا المنطلق تسير الحياة وفق كرمهوجلاله. فيقول الحق سبحانه: ولقد كرمنا بني آدموحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلاً"70" (سورة الإسراء). |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
الكريم قال تعالى: فإن ربي غني كريم "40" (سورة النمل)قال أهل اللغة في معنى الكريم: إنه النفاح، نسأله تعالى أن ينفحنا نفحة خير،إنه على كل شيء قدير. ويقال: أكرمه الله، وكرمه الله، وأكرم نفسه بالتقوى، وأكرمهاعن المعاصي، وهو يتكرم عن الشوائن، وإن أجل المكارم اجتناب المحارم. ويقال: هوكريمة قومه، وفي الحديث: "إن أتاكم كريم قوم فأكرموه". وقد يتحمل المسلم بهذه الصفةوبالسخاء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاتقولوا لشجرة العنب الكرم، فإن الكرم هو الرجل المسلم" وقال عليه الصلاة والسلام: "السخي قريب من الله، قريب من الناس، قريب منالجنة، بعيد عن النار، والبخيل بعيد عن الله، بعيد عن الناس، بعيد عن الجنة، قريبمن النار" قال الغني الكريم: من جاءبالحسنة فله عشر أمثالها .. "160" (سورة الأنعام) وإليكم هذا الوعدالكريم من الله: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيلالله كمثل حبةٍ أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبةٍ .. "261" (سورةالبقرة) تلك هي الحدود الدنيا من الأجور الكريمة، ولكن باب الله مفتوح،ومع الإخلاص لله سبحانه تضاعف الأجور أضعافاً كثيرة. والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم "261" (سورة البقرة) وقد تصل الزيادة، وهذا الأجر الكبير إلي أن يكون بغير حساب. إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب "10" (سورة الزمر) من عمل سيئة فلا يجزي إلا مثلها ومن عمل صالحاً منذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب "40" (سورةغافر) فأي حساب هذا!! وأي أجر عظيم!! إلا أن يكون من لدن الكريم الحق. بل إنا لنطمع من "كريم العفو" ما هو أكثر من ذلك، والحمد لله كثيراً على هذا الوعدالكريم، وعد الله: إلا من تاب وآمن وعمل عملاًصالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسناتٍ وكان الله غفوراً رحيماً "70" (سورةالفرقان) وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلمفي الأخبار عن كرم عفو الله تعالى ما هو أبلغ من ذلك .. قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم: " إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولاً الجنة، وآخر أهل النار خروجاًمنها، رجل يؤتي فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، وارفعوا عنه كبارها، فيعرض عليهصغار ذنوبه، فيقال: عملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا، أو عملت يوم كذا وكذا، فيقول: نعم، لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه. قال: فيقال: فإن لكمكان كل سيئة حسنة. قال فيقول: رب قد عملت أشياء ما أراها هاهنا. قال: فلقد رأيترسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه". رواه مسلم في صحيحه وقد ذكر الكريم المطلق الذي لا يضيع من لاذ به والتجأ إليه .. مرتين في القرآنالكريم:ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربيغني كريم "40" (سورة النمل) يا أيهاالإنسان ما غرك بربك الكريم "6" (سورة الانفطار) وأي شيء خدعك وجرأكعلى عصيانه، سبحانه. قال رسول الله صلى الله عليهوسلم: "غره جهله" وقيل "غره حمقه" وقيل "غره شيطانه" ونقول: غرتنا ستوركالمرخاة، وإنا نغتر في كرم الكريم، وعفو الرحيم، ونعوذ بالله السميع العليم منالشيطان الرجيم. وسبحان الله الكريم الأكرم، كريم العفو، وهو أكرمالأكرمين. |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
الرقيب وهو الرقيب القريب، الذي لا يخفى عليهشيء، من أفعال العباد. قال تعالى: فلماتوفيتني كنت أنت الرقيب عليهم .. "117" (سورة المائدة) وكان الله على كل شيء رقيباً "52" (سورة الأحزاب) ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليهمن حبل الوريد "16" (سورة ق) إننا نعرف معنى كلمة "اتقوا" تعني أن يجعلالإنسان بينه وبين غضب ربه وقاية، بإنفاذ أوامر الطاعة، أما قول الحق سبحانه: إن الله كان عليكم رقيباً "1" (سورةالنساء) فنحن نسمع كلمة "مرقب" أي مكان يحتاج إلي حراسة، فنجد أن بهأكثر من مبنى عال في كشك، يعلو فوق سور، ويجلس فيه الحارس، أي: أن الحارس في مرقبهيكون أعلى من أي إنسان في المبنى الذي يحتاج للحراسة. إذن: فقوله الحق: إن الله كان عليكم رقيباً "1" (سورةالنساء) أي: أنه يرقب كل شيء، فالإنسان العادي قد ينظر من غير قصد، لكنالرقيب أعلى من كل خلقه، وهو رقيب أي هو ناظر عن قصد أن ينظر وفي المستوى البشري. ولله المثل الأعلى نقول: فلان يراقب فلاناً، أي يراه ويتعقبه عن قصد، أي: أين يذهبوالإنسان يراقبه أحد يراه الناس في جيئته، لكن المكلف بالمراقبة ينظر ويتتبع عنقصد، فكأن حركات العبد مرصودة من قبل الخالق جل وعلا. إن الله ليس بصيراً فقط ولكنهرقيب أيضاً. وتختلف دائرة العبد المحدودة عن قدرة الله اللامحدودة، فالإنسان قديبصر ما لا غاية له في إبصاره، فهو يمر على كثير من الأشياء فيبصرها، ولكن الإنسانقد يرقب ما في باله أن يرقبه، والحق سبحانه بطلاقة قدرته رقيب علينا. وعن ذلك يقولالحق سبحانه في موقع آخر بالقرآن:إن ربكلبالمرصاد "14" (سورة الفجر) |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
المجيب قال تعالى: إن ربي قريب مجيب "61" (سورة هود)هوالقريب المجيب، الذي يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، ونسأله تعالى أن نستجيب له بطاعته،سبحانه، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم .. "24"(سورة الأنفال) وقال تعالى: ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله .. "61" (سورةالشورى) للذين استجابوا لربهم الحسنى"18"(سورة الرعد) هو أنشأكم من الأرضواستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب "61" (سورة هود) ثم لنقرأ خمس كلمات من النور: ولقد نادانا نوحفلنعم المجيبون "75" (سورة الصافات) الله سبحانه وتعالى حين تتجه إليهفبمجرد أن ترفع يدك إلي السماء وتصيح يا رب يعلم ماذا تطلب، ويجيبك دون أن تسأل،لماذا؟ لأنه يعلم، وقد قيل: إن إبراهيم عليه السلام حين ألقى في النار. جاء جبريلوسأله: هل تريد شيئاً؟ فقال: منك أنت فلا، أما من الله .. فالله يعلم بحالي ولذلكهو غني عن السؤال. هذه هي عزة الاتجاه إلي الله، فنبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـحين جاءه جبريل، وهو من أقرب الملائكة إلي الله، إن لم يكن أقربهم جميعاً. جاءجبريل لإبراهيم .. وإبراهيم ملقى في النار، والنار تشتعل حوله، والناس واقفونينتظرون إحراق إبراهيم. وفي هذه اللحظة الحاسمة التي تدخل الخوف والهلع إليأقوى القلوب .. لم يشعر إبراهيم عليه السلام أنه في حاجة إلا إلي الله سبحانهوتعالى، ولم يطلب من جبريل عليه السلام أن يبلغ الله شيئاً. لماذا؟ لأن الله سبحانهوتعالى ليس محتاجاً إلي سؤال، بل هو يعلم بما في داخل النفس، وما يخفيه الإنسان ولايبوح به لأحد. ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى: فإنه يعلم السر وأخفى "7" (سورة طه) وتتعجب أنت من هذهالآية الكريمة، أيوجد ما هو أخفى من السر؟ نقول لك: نعم، لماذا؟ لأن السر يكون بيناثنين: أحدهما يسره للآخر أي: يلقيه إليه أو يحدثه عنه، أو يكلمه فيه، ولا ثالثبينهما. هذا هو السر، ولكن الذي هو أخفى من السر هو ما في داخل النفس لا تبوح بهلأحد، فهناك أشياء تعرفها أنت ويعرفها أقرب الناس إليك، هذا هو السر، سرك بينك وبينزوجتك، أو بينك وبين أخلص أصدقائك. إما ما هو أخفى من السر فهو ما تخفيه عنزوجتك أو بينك وبين أخلص أصدقائك ويبقى في صدرك حبيساً لا يعرفه أحد، فكأن اللهسبحانه وتعالى يريد أن يقول لنا: إن علمه لا يصل إلي السر فقط الذي بين اثنين لايعرفه ثالث، ولكن علم الله يصل إلي ما تخفيه الصدور ولا يبوح به. ولذلك فإن اللهسبحانه وتعالى غني عن السؤال، وإذا لم يقل العبد ولم يبح له، ولكنه نزع إلي السماءقائلاً: يا رب فالله يعلم، والله يجيب. فسؤال الله يقيك الذلة، وهذا يستوجبالحمد، وسؤال الله يعطيك ما تطلب وزيادة، لأنك إذا سألت شخصاً ما مثلاً قد لا يعطيكالمال كله، حتى ولو كان يملكه ويملك أضعافه، فإنه قد يشح عليك ويحس أنك تقتطع منماله. أما الله سبحانه وتعالى فإنه يعطيك كل ما تطلب ويزيد، لأنه يملك خزائن الأرض،وأنه مهما أعطاك ووهبك فإنك لن تنقص من ملكه شيئاً، وهذه نعمة أخرى تستوجب الشكر،فالبشر يعطي بحساب، والله يعطي بلا حساب. وأنت إذا سألت بشراً فقد يعطيك أويمنعك، ولكنه إن أعطاك أو منعك هو في هذه الحالة متضرر متأفف قد تذهب مرة لتسألهفيعطيك، ثم تذهب مرة أخرى فيهرب منك، أو يطلب من خادمه أو أهل بيته أن يقولوا لك: إنه غير موجود. ولكن الله سبحانه وتعالى لا يضجر منك أبداً مهما سألت، فإنه يطلبمنك أن تسأله ويقول لك "ادعوني" ويقول لك إنني قريب منك أسمع دعاءك، ويقول اللهسبحانه وتعالى:ادعوني أستجب لكم .. "60" (سورةغافر) فأنت حين تسأل الله، تسأل من لا ينهرك إذا سألته، ولا يهرب منكإذا دعوته، ولا يصيبه السأم أو الضجر مهما دعوت ومهما سألت، فهو دائماً المجيب، ومنكمال الله وصفاته سبحانه وتعالى أنه مجيب للدعاء، وهذا يستوجب الحمد وأن تقول:الحمد لله. والإجابة تحتاج إلي الاستجابة، يقول الحق سبحانه وتعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعانفليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون "186" (سورة البقرة) والإجابةتعطي للداعي جهراً وسراً وصمتاً وخاطراً فهو عالم السر وأخفى. ويقول الحق جل وعلاه: واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر منالقول بالغدو والآصال .. "205" (سورة الأعراف) وقال تعالى: أمن يجيب المضطر إذا دعاه .. "62" (سورة النمل) ومعنى المضطر، أي الذي استنفذ كل أسباب الدنيا، فهو حينئذ يفزع إلي الله سبحانهوتعالى أن يمده بمدد من عنده بعد أن استنفد الأسباب، وهذه النقطة يجب أن نقف عندها،لأن بعض الناس يسألون: لماذا لا يجيب الله دعاءهم؟ ويقولون: إن الله سبحانه وتعالىقال: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوةالداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون "186"} (سورةالبقرة) ثم يضيف القائل: لقد دعوت الله فلم يستجب لي. نقول له: إن اللهسبحانه وتعالى يأمرك أولاً أن تأخذ بالأسباب، ولكنك حين تتخلى عن أسباب تحركك فيالحياة، ثم تطلب من الله فإنه لا يجيبك، لأنك لم تأخذ بأسباب الحياة أولاً. لذلكفأنت لست مضطراً، أي: أنك لم تستنفذ الأسباب. فإذا كنت جالساً في حجرة مثلاً، وفيالحجرة القريبة منك مائدة طعام، ثم تقول: أبي إنني جائع فأمدني بالطعام، فإن اللهسبحانه وتعالى لا يجيبك. لماذا؟. لأنك لو سرت قليلاً واستعملت قدميك اللتينأعطاهما الله لك لوصلت إلي الطعام، أي: أنك لو أخذت بأسباب الدنيا لوصلت إلي ماتريد. وأنت لو جلست في منزلك ولم تخرج إلي عملك وتقول: يا رب أعطني مالاً ما أعطاك،لماذا؟ لأنك لم تأخذ بالأسباب ولم تذهب إلي السوق لتتاجر مثلاً أو إلي عمل لتعمله،تجد فيه رزقك. فأنت في هذه الحالة لست مضطراً حتى يمدك الله سبحانه وتعالىبالعون، ولكنك تتكاسل لا تريد أن تبذل جهداً لذلك، قال عمر بن الخطاب: "لا يقعدنأحدكم عن طلب الرزق ثم يقول: اللهم ارزقني. فإن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة". وكأن قول عمر بن الخطاب معناه أنه لابد من الأخذ بالأسباب، وأنه لو كان سبحانهوتعالى قد ألزم نفسه بإجابة الدعاء لما قال: أمنيجيب المضطر إذا دعاه .. "62" (سورة النمل) أي: أننا يجب أن نأخذبالأسباب أولاً، فإذا عجزت الأسباب اتجه إلي السماء، وقد دعا رسول الله صلى اللهعليه وسلم إلي العمل وإلي السعي في سبيل الرزق، وإلي أن يكسب الإنسان رزقه من عرقهوجعل السعي في سبيل الرزق جهاداً في سبيل الله، وأنت أمامك الأسباب، يد الله ممدودةلك بالأسباب، ثم تطلب من الذات أن تعينك. |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
الواسع قال تعالى: ربنا وسعت كل شيءٍ رحمة وعلماً .. "7" (سورةغافر)هو الواسع الرحمة، قال تعالى: ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين همبآياتنا يؤمنون "156" (سورة الأعراف) وهو الواسع العلم، المحيط علمهبكل شيء. وقد ذكر الواسع العليم سبع مرات في الكتاب العظيم: فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم "115" (سورةالبقرة) والله يؤتي ملكه من يشاء واللهواسع عليم "247" (سورة البقرة) واللهيضاعف لمن يشاء والله واسع عليم "261" (سورة البقرة) والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم "268" (سورةالبقرة) قل إن الفضل بيد الله يؤتيه منيشاء والله واسع عليم "73" (سورة آل عمران) ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم "54" (سورةالمائدة) إن يكونوا فقراء يغنهم الله منفضله والله واسع عليم "32" (سورة النور) وسبحان الواسع المغفرة، قالتعالى: الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلااللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطونأمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى "32" (سورة النجم) وسبحانالواسع الحكيم، قال تعالى: وإن يتفرقا يغن اللهكلا من سعته وكان الله واسعاً حكيماً "130" (سورة النساء) وقد ذكرالواسع، سبحانه وتعالى، تسع مرات في الكتاب الحكيم. هذا الاسم: هو الفرج والإفراج،له ظلال على كل الحياة، لأن رحمته وسعت كل شيء، ومادامت الرحمة وسعت كل شيء فلا نجدمظلوماً ولا محروماً ولا مغبوناً، وإنما نجد أملاً وباباً مفتوحاً وتفريجاًوانشراحاً للصدر، واستقراراً للفؤاد وسكينة للنفس. فالمذنب يجد عنده المغفرة. والكافر يجد في رحابه الرزق. والمؤمن يرى من العطاءات والإشراقات ما لا عين رأت،ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. والمريض يجد من رحمته الشفاء. والفقير يجد منكرمه الأرزاق. والكل على الباب والباب مفتوح لا يغلق، لأنه القائل: وسعت كل شيءٍ رحمة وعلماً .. "7" (سورةغافر). |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
الحكيم قال تعالى: يؤتي الحكمة من يشاء .. "269" (سورةالبقرة)هو ذو الحكمة البالغة، وكمال العلم، وإحسان العمل، وقيل: إنالحكمة هي العلم مع العمل والعدل، وقيل: إن الحكمة مجموعة معانٍ من العدل والتنظيموالتقويم والعلم. "والحكيم" صيغة تعظيم لذي الحكمة، فيكون معنى الحكيم العظيم فيحكمته، وأن الحكمة تطلق في الأصل على قطعة الحديد التي توضع في فم الحصان لتلجمهحتى يتحكم فيه راكبه، ذلك أن الحصان حيوان مدلل شارد، يحتاج إلي ترويض وقطعة الحديدالتي توضع في فمه تعلمه كيف يكون محكوماً من صاحبه. وكان الحصان معروفاً منالجزيرة العربية، وكان رمزاً للسرعة والخفة، وكأن إطلاق صفة "الحكيم" على الخالقإنما ليحكم المخلوقات، ويلجمها من السفه، والسفه كما نعرف هو أن نضع الشيء دوندراية، وهكذا تكون الحكمة أن يوضح مجالاً لكل حركة لتنسجم مع غيرها، فيصير الكونمحكوماً بالحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وهكذا يكون الحقتبارك وتعالى هو الحكيم العليم الذي يضع لكل كائن إطاره وحدوده، ومن ذلك ولدتالحكمة في عموم حركة الحياة، فالحكمة في النمو أن نضع الكلمة في مكانها وبإعرابها،والحكمة في الفقه أن نستنبط الحكم الصحيح، والحكمة في الشعر أن نزن الكلمات علىالتفاعيل، والحكمة في الطب أن نعرف تشخيص المرض والدواء المناسب له. والحكمة فيالهندسة أن نصمم المستشفى لاحتياج المريض والطبيب وأجهزة العلاج، وأماكن إجراءالجراحة، و توزيع الإضاءة، وضبط درجات الحرارة، ومعرفة وضع المصعد ومخازن الأدوية،وأماكن إعداد الطعام، ثم أماكن النقاهة، ثم أماكن العلاج الخارجي، وهذا التصميمللمستشفى يختلف بحكمة عن تصميم منزل للسكنى وتنظيم بناء عمارة للسكنى يستوجب حكمةفي توزيع الشقق وراحة السكان جميعاً. وحكمة بناء منزل يختلف عن حكمة بناء قصر أومكان عمل، والحكمة ضد التلفيق، فإعداد مكان لعمل ولوظيفة محددة يختلف عن أخذ مكانللسكن على سبيل المثال، وتلحق فيه ديواناً حكومياً، هنا يفتقد المبنى حكمته، ويصبحتلفيقاً ممسوخاً. هكذا نعرف أن الكون كله مخلوق من قبل عليم حكيم، ووصف الخالقبأنه "حكيم" يدلنا أيضاً على أنه علم آدم الأسماء ولم يعلم الملائكة، أن الخالقأعطى لكل خلق من العلم على قدر حاجة الخالق، فليس من طبيعة الملائكة أن يعرفوا، فهملم يستخلفهم الله في الأرض، ولكنهم موجودون من أجل مهمة أخرى، أما الإنسان فقد علمهالله الأسماء، ومنح الإنسان الطاقة ليعمل بالعقل والجهد ليستكشف في آيات الكون علىقدر حاجته، ولكنا نسمع قول الرحمن في سورة الأعلى: سبح اسم ربك الأعلى "1" الذي خلق فسوى "2" والذي قدر فهدى "3" (سورةالأعلى) وقال تعالى: والله عليم حكيم "15" (سورة التوبة) وعليم أي: يعلم كل متطلبات الأحكام، وحكيم أي: لكلأمر عنده حكمة، فحكم القتال له حكمة، وحكم التوبة له حكمة، القتال حتى لا يتجبرالكفار على المؤمنين، والتوبة لمنع طغيان الكفار في الشر، لأن مشروعية التوبة هيرحمة من الحق سبحانه وتعالى بخلقه. ولو أن الله لم يشرع التوبة لكان الذي يرتكبالمعصية يقول: إنه مادامت لا توجد توبة، ومادام مصيري إلي النار فلآخذ من الدنيا ماأستطيع، وبذلك ينطلق في الظلم والفساد والإفساد، لأن مصيره واحد، عمل صالحاً أوأفسد، مادامت لا توجد توبة. ولكن تشريع التوبة يجعل الظالم لا يمضي في الظلم،بل يضع في نفسه الأمل في أن الله يتوب عليه، ويغفر له، فيتجه إلي العمل الصالح علهيكفر عما ارتكبه من المعاصي، وفي هذا حماية للمؤمنين من شره. وحماية للناس منانتشار الظلم والفساد. والحق سبحانه وتعالى حين يعاقب يعاقب عن حكمة، وحين يقبلالتوبة يقبل عن حكمة. قال تعالى: هو الذييصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم "6" (سورة آلعمران) والتصوير في الرحم هو إيجاد للمادة التي سيوجد منها الإنسان علىهيئة خاصة، هذه الهيئة تختلف من إنسان لإنسان آخر، إنها تختلف في النوعية ذكورة أوأنوثة، وتختلف في كل من الذكورة والأنوثة، وتختلف في الألوان من الأبيض إلي الأسمر،من الطول إلي القصر، إن الأشكال التي يوجد عليها الخلق تختلف. قال تعالى: ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكموألوانكم إن في ذلك لآيات للعاملين "22" (سورة الروم) إن الاختلاف فيالألسنة والألوان وفي كل هذه الأشكال المتعددة تدل على أن المسألة ليست مصنعاً يصنعقالباً، ويقوم المصنع بصب القوالب، إلا أن لكل مخلوق قدرة ذاتية، إن المصمم منالبشر قد يصنع نموذجاً لكوب، ويصنع له قالباً، وينتج المصنع نماذج متكررة من هذاالكوب، وهذا دليل عجز في إيجاد قالب لكل كوب. أما الحق سبحانه وتعالى فهو يخلق كلإنسان بقالبه، وكل إنسان بشكل ولون، وهذه هي آيات الله التي تدل على طلاقة قدرته. إن قدرة الله لا تحتاج إلي علاج، أي: أنها لا تحتاج إلي صناعة قالب أولى ليصب فيهمادته؛ لأنه الحق الذي يقول: بديع السماوات والأرضوإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون "117" (سورة البقرة) إن الأبوالأم قد يتحدان في اللون، ولكن الابن ينشأ بلون مختلف، ويخلق الله معظم الناسخلقاً سوياً، ويخلق قلة من الناس خلقاً غير سوي، فقد يولد طفل أعمى أو مصاب بعاهةما، أو بإصبع زائدة أو إصبعين. وهذا الشذوذ أراده الله في الخلق ليلفتنا الحق إليحسن وجمال خلقه، لأن من يرى ـ وهو الإنسان السليم ـ إنساناً آخر معوقاً عن الحركةفإنه يحمد الله على كمال خلقه، وحينما يرى إنسان له في كل يد خمس أصابع إنساناً آخرله إصبع زائد تعوق حركة يده، فهذا الإنسان يعرف حكمة وجود الأصابع الخمس، فعندماجاءت إصبع زائدة لم تنفع، بل إنها أضرب بحركة باقي أصابعه. فلا يثبت الجمال إلاوجود القبح، فالإنسان الذي له سبع أصابع في يد واحدة يضع الطب أمام مهمة يجند لهانفسه، حتى يستطيع الطب أن يستأصل الزائدة عن حاجة الإنسان الطبيعي. ولو خلق اللهالإنسان بثلاث أصابع لما استطاع ذلك الإنسان أن يتحكم في استعمال الأشياء الدقيقة. إن الإنسان العادي في حركته اليومية لا يدرك جمال استواء خلقه إلا إذا رأى فرداً منأفراد الشذوذ، وكما قلنا سابقاً: إن الحق سبحانه يلفت الناس الساهين عن نعم اللهعليهم لرتابتها فيهم بفقدها في غيرهم، فساعة أن يرى مبصر مكفوفاً يسير بعكاز فيفطنإلي نعمة البصر، التي وهبها الله له، وقد يلمس الإنسان عيوبه تحدثاً بنعمة الله. إن الشذوذ في الخلق هو نماذج إيضاحية تلفت الناس إلي نعم الله التي أنعم اللهعليهم بها. والحق جل وعلا لا يغفل عن صاحب العاهة أو العجز فيعوضه سواء بالعبقريةأو غيرها، فإن كان أعمى جعل الله له من العبقرية ما يهزم الإنسان السليم، فتيمورلنكالأعرج صار قائداً يهزم البلاد الكثيرة، لقد أعطاه الله من الموهبة، ما يعوض بهالعرج، وحين نجد العبقريات فإننا نجد بعضها من الشواذ، لماذا؟ لأن الله يهب صاحبالعاهة همه يحاول بها أن يعوض شيئاً فقده في مجال آخر. إذن: فالحق سبحانه حينيبلغنا: هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء .. "6" (سورة آل عمران) وكل تصوير له حكمة؛ لذلك فلا تأخذ كل خلق مفصولاًعن حكمته، ولكن خذ كل خلق الله مع حكمته؛ لأن الذي يجعلك تحكم بقبح أمر ما، هو أنكتفصل الخلق عن حكمته، فالتلميذ الذي يرسب لا يجب أن يظن أن هذا الرسوب مفصول عنحكمة الرسوب. إن الرسوب معناه لفت الانتباه إلي ضرورة احترام الدرس، لأن التلميذ إننجح مع اللعب، فكل تلميذ سوف يلعب وسيقال فلان لعب ونجح، ولن يلتفت أحد إلي قيمةتحصيل العلم. إذن: فنحن يجب أن نأخذ كل أمر ومعه حكمة الله فيه، وكذلك لا نأخذأمر عقوبة ما وهي منفصلة عن الجريمة، إن كل عقوبة إنما ترتبط بجريمتها. فساعة أننرى إنساناً محكوماً عليه بالإعدام فلا تأخذك الرأفة به؛ لأن العقوبة إنما جاءت علىجريمة قتل سابقة. إن استحضار الجريمة في الذهن هو الذي يجعل العقوبة تساوي الجريمة.فالمقتول قد قتل ظلماً والمجرم يتم إعدامه قصاصاً وعدالة. ويقول الحق سبحانه بعدالحديث عن التصوير في الأرحام كيف يشاء: لا إلهإلا هو .. "6" (سورة آل عمران) ومعناها هنا أنه الحق الذي سيصور وهوضامن أن ما يصوره يكون على الصورة التي يريدها، وهو الخالق الأكرم فلا إله قادر علىأن يستدرك على ما خلق، ويعيد تصوير المخلوق في الرحم، إنه الحق سبحانه وتعالى: العزيز الحكيم "6" (سورة آل عمران) أنه إله واحد لا يغلبه أحد على أمره، وما يريده يكون، وما يريده الله يكوندائما بحكمة أنه عزيز لا يغلب على أمره، وكل أمره إنما يكون لحكمة ما، إنه تنبيهللخلق، ألا يفصلوا الحدث عن حكمته، فإذا أخذ العبد الحدث بحكمته فهذا عين الجمال. إن الله الذي يصور في الأرحام كيف يشاء لا يترك المادة المخلوقة وحدها، إنما يخلقلها القيم، وذلك حتى تنسجم حركة الوجود مع بعضها. |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
الودود الودود هو الود وهو الحب، وسبحان المحب للمؤمنين،وهو المحبوب لهم ومحبة الله لعباده، ورحمته إياهم، ومحبة المؤمنين لله تعالى: طاعته، وطاعة الله رحمة من الله، والله نور السماوات والأرض، فمن أصابه من ذلكالنور فقد سبق له من الله الهدى، وما أحب المؤمن لله، وما أحبه لله!! وقيل في معنى "الودود": إن عباده الصالحين يودونه ويحبونه، لما عرفوا من كماله في ذاته وصفاتهوغفرانه تعالى. وكلتا الصفتين مدح، لأنه جل ذكره، إذا أحب عباده المطيعين فهوفضل منه، وإذا أحبه عباده العارفون فلما تقرر عندهم من كريم إحسانه. وهنا مكان هذاالدعاء الجميل : يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا مبدئ يا معيد، يا فعال لمايريد، أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك، وبقدرتك التي قدرت بها على جميع خلقك،وبرحمتك التي وسعت كل شيء، لا إله إلا أنت، يا مغيث أغثني". وقد ذكر الودود سبحانه،مرتين في القرآن الكريم: واستغفروا ربكم ثم توبواإليه إن ربي رحيم ودود "90" (سورة هود) وهو الغفور الودود "14" (سورة البروج). |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
المجيد قال تعالى: إنه حميد مجيد "73" (سورة هود)المجيد هو ذو الشرف التام الكامل، المفيض على العباد بالمجد والعطايا، والمجدهو الشرف العظيم الرفيع القدر، والمجيد في اللغة هو الذي عظم كرمه. وقيل في معنى"المجيد" سبحانه: هو الشريف ذاته، الجميل أفعاله، الجزيل عطاؤه. وقيل: البالغالمنتهي في الكرم. وقد ذكر "المجيد" تعالى مرة واحدة في القرآن المجيد في قولهتعالى: رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنهحميد مجيد "73"(سورة هود) فهو المجيد في إيجاده، والمجيد في امتداده،والمجيد على الصالحين من عباده، فمجد الإيجاد أنه أوجد الكون واستخلفك فيه، ومجدالإمداد، أنه أمد الكل لعطاء الكل، فأعطى للكافر من مدده كما أعطى المؤمن منفضله. |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
الباعث قال تعالى: لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً منأنفسهم "164" (سورة آل عمران)هو الله باعث النبيين مبشرين ومنذرين،والحمد لله الذي بعث في الأميين رسولاً منهم، يتلو عليهم آياته، محمد رسول الله خيرمبعوث. وهو باعث الموتى، قال تعالى: وإن الساعةآتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور "7" (سورة الحج) ومنمعاني الباعث: مثير الساكن، باعث الهمم، وباعث ما في عالم الغيب. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلي فراشه، وضع يده اليمنىتحت خده الأيمن ثم قال: "اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند الاستيقاظ: "الحمد لله الذيأحيانا بعد أن أماتنا وإليه النشور" وهذا الاسم العظيم "الباعث" غيروارد بصيغة الاسم في القرآن الكريم، ثم لنقرأ هذه الآية الكريمة: ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً "79" (سورة الإسراء) وقال تعالى: كيف تكفرونبالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون "28" (سورةالبقرة) تجئ تلك الآية الكريمة بعد أن أوضح الحق سبحانه لنا أن أي خروجعن المهمة التي أرادها الله للإنسان هو خسران للحياة، وعندما نتأمل قول الحق: كيف تكفرون بالله .. "28" (سورة البقرة) فإننا نرى أن "كيف" تستعمل لمعرفة الحال، كأن يقول واحد "كيف حال محمد؟" فيقولآخر: إنه مسافر، وهكذا تعرف أن "كيف" تستخدم هنا للاستفهام عن حال الإنسان بعد أنيعرف أن الله هو خالق الكون، وأن العهد موثق بين العبد والرب على الإيمان، وأن اللهضرب لنا الأمثال ليزيد إيمان المؤمنين، ويضل من امتلأ قلبه بالضلال، وكأن الحقسبحانه حين يطرح على العباد هذا التساؤل فإنها تحمل التعجب واللوم لمن يكفر بالله. لقد طرح لنا الحق سبحانه من قبل كيف أخذ العهد الموثق من ذرية آدم على الإيمانبه، وأن الحياة صفقة يربحها المؤمن ويخسرها الكافر أو المنافق، هذه الآية تتضمنأدلة على وجود الله السابقة لذلك، فإن الخالق الأكرم يأتي بهذه الآية ليوضح الدليلالقاطع الحاسم على وجوده، فيقول الحق سبحانه دليلاً على عظمته وبديع صنعه: كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكمثم يحييكم ثم إليه ترجعون "28" (سورة البقرة) وكأن الله بذلك يصعدالجدل في القرآن بين الآيات الحقة، والبراهين القاطعة، وبين بهت إدعاء الكافرينوالمنافقين. إن أحداً لا يستطيع أن يجادل في أنه مخلوق من تراب، إن أحداً لا يستطيعأن يجادل في أن هناك خالقاً، ذلك أن أحداً لم يدع أنه الخالق. وعندما يخبرنا اللهالبراهين أنه "الخالق"، فلنا أن نتأمل تلك البراهين، فإننا نعرف أن الدليل المؤكدأن إخبار الرسول لنا بأن الله هو الخالق، وهو الذي خلق الإنسان من تراب، وكان قبلذلك مجرد عدم، وأن الخالق الأكرم وهبنا الحياة. لكن الكافرين قد يثيرون الجدل،لذلك جاء الأمر المشهدي وهو "الموت" الذي لا يعرف الإنسان ميعاداً له، ولا أين يحدثذلك، فإن أي ملحد أو مدع أن لتفكيره قدرة مطلقة على إدارة حركة الحياة. أي إنسان منهذا النوع عليه أن يستمع لهذه الآية، ويرى تطبيقها في الوجود قضية الموت، وقبل أنيدخل أي إنسان في حركة الحياة والإفساد فيها، عليه أن يرقب قضية الموت. فإذا كانالميلاد قوساً تبدأ بعدها حركة الوجود في الحياة، فإن القوس الأخيرة في حياةالإنسان هو الموت. فما بال بعضنا يريد أن يتدخل في حركة الحياة، فينسبها إليضلال الإنكار، ولذلك فإن للإنسان أن يتعجب من فعل الإنسان، عندما توصل الإنسان إليالتدخل لإسعاد بعض البشر الذين لا ينجبون، بأن وضعوا العلم في خدمة إنجاب الأطفالعن طريق الأنابيب. فلنا أن نعرف أن عملية التلقيح عن طريق الأنابيب لم تكن لتصلح،لولا أن خضع الإنسان لإرادة الله، فوضع البويضة المأخوذة من المرأة بواسطة الحيوانالمنوي للرجل، فإن الخضوع للإنسان هو بإعادة البويضة خلال عدد محدود من الساعات فيرحم المرأة المأخوذ منها البويضة. وذلك لأن الإنسان لا يستطيع أن يخلق رحماً أو "وسطاً" صالحاً لحماية الجنين أثناء مراحل نموه كالرحم، قد يكون في ذلك انتصار علميفي حدود إلغاء فشل المرأة في الإنجاب لانسداد قناة التوصيل للبويضة أو للحيوانالمنوي. لكن هذا الانتصار ظل معلقاً على ضرورة أن يكون الرحم واحداً؛ لأنالانسجام والوظيفة التي خلقها الله للرحم تظل فوق طاقة البشر. وعندما يجئ القرآنالكريم ليؤكد أن الإنسان مخلوق من تراب، فقد ثبت في العصر الحديث أن مكونات الجسمالبشري هي نفس عناصر الأرض. ويقول الحق تبارك وتعالى ليذكر البشرية والعقل البشريالذي قد تنتابه الشكوك في البعث مرة أخرى بعد الموت:يا أيها الناس إن كنتم في ريبٍ من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم مننطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاءإلي أجل مسمى ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إليأرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علمٍ شيئاً وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماءاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيجٍ "5" (سورة الحج) إن الحق تباركوتعالى بالآية الكريمة ما ينفي الشك عن العقل الإنساني، هذا الشك الذي قد يصيب بعضالعقول من أن البعث آت لا ريب فيه، فيقول الحق إن الإنسان مخلوق من تراب وهذا أصله،ثم جعل الله للإنسان قدرة على التزاوج فيأتي من صلب الرجل حيوان منوي يتزاوج معبويضة، ثم تصير البويضة والحيوان المنوي مضغة من دم متجمدة، ثم تتحول إلي قطعة مناللحم التي تحمل ملامح الإنسان. وقد تنزف المرأة الجنين قبل تمام نموه، وقد يتمالجنين ويخرج إلي الحياة، هذا أمر معلق بإرادة الله، وبعد ذلك يصل الإنسان إليالحياة طفلاً، ويبلغ برعاية الأم ولبنها إلي درجة من النضج، وينتج له الترابطالأسري درجة من النمو في المجتمع ويبلغ الطفل الرشد. وخلال رحلة العمر قد يموتالإنسان طفلاً أو شاباً أو يبلغ الكبر حتى ينسى كل ما فعله في الحياة، ولنا أن نعرفأن العلم قد أثبت أن الذاكرة لا تضمحل إلا في قليل نادر من حالات المرض العقلي، أوفي الشيخوخة الشديدة، فإن الإنسان ينسى في هذه الشيخوخة الشديدة كل ما عرف. وهذهقدرة الحق تبارك وتعالى، تلك القدرة التي تتجلى في أن البعث أمر في مشيئة الله، تلكالمشيئة التي تتجلى في نزول الماء على الأرض القاحلة فتدب فيها الحياة، وينتفعطينها بالماء، وتخرج أصناف النباتات، تلك النباتات التي تمتلك أيضاً قدرة التزاوجلتعطي الثمار التي يبتهج بها الإنسان. وعن مرحلة الإنسان كسلالة من طين نجد الآياتالواضحة التي تصف لنا هذا الغيب الذي لم نشهده، ولكنا نحس بصدقه في حياتنا، ويتأكدلنا عند رؤيتنا للموت. ويقول الحق تبارك وتعالى: ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين "12" ثم جعلناه نطفة في قرارٍمكين "13" ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسوناالعظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين "14" ثم إنكم بعد ذلكلميتون "15" ثم إنكم يوم القيامة تبعثون "16" (سورة المؤمنون) إنالدعوة موجهة من قبل الحق تبارك وتعالى لعباده ليتأملوا كيفية الخلق أن عناصرالإنسان هي نفس عناصر الطين الذي خلق منه آدم، ومن سلالته كان البشر، كل إنسان أصلهنطفة من حيوان منوي، وبويضة يتحدان معاً في الرحم، هذا المكان الحصين الأمين الذيخلقه من عظام حوض المرأة، ليكون مكاناً صالحاً لحمل الإنسان تسعة أشهر. ويحدث هذاالخلق على مراحل، فمن نطفة إلي علقة أي بويضة مخصبة بالحيوان المنوي إلي مضغة مندم، ومن هذه المضغة يتم خلق العظام، ومن ذلك يتم خلق اللحم البشري بالنمو داخلالرحم، ثم ينفخ فيه الله الروح، ثم يخرج إلي الحياة إنساناً جميل الطلعة حسنالاستقبال، وبعد الحياة هناك الموت، ثم البعث للحساب في يوم القيامة. |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
الشهيد قال تعالى: قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم .. "43" (سورةالرعد)هو الشهيد العليم بظواهر الأشياء، وهو الخبير العليم ببواطنالأشياء، وقيل:الشهيد مبالغة في الشاهد، والشهادة ترجع إلي العلم مع الحضور. وهوالذي كرم الإنسان بنعمة المشاهدة، فرأي من آيات الله ما أفعم القلوب بالشهادة،شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالتعالى: قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بينيوبينكم وأوحى إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهةأخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني برئ مما تشركون "19" (سورةالأنعام) وقد ذكر "الشهيد" سبحانه تسع عشرة مرة في القرآن العظيم. واللهشهيد على ما تعملون، والله على كل شيء شهيد، ثم الله شهيد على ما يفعلون، وأن اللهعلى كل شيء شهيد، وأنه على كل شيء شهيد، وكفى بالله شهيداً. قال تعالى: لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمهوالملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً "166" (سورة النساء) فإذا كان أهلالكتاب لا يشهدون بما أنزل الله إلي رسوله صلى الله عليه وسلم ويذكرون ما في كتبهممن البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم كرسول خاتم، فإن الله يشهد وكفى بالله شهيداً. إن الحق سبحانه وتعالى قد أنزل القرآن بعلمه، وهو الذي لا تخفي عليه خافية، وهوسبحانه الذي خلق كل الخلق، وهو الذي يعلم جيداً ما يصلح للبشر من قوانين. وقد قلنا: إننا في أعرافنا البشرية أن الذي يصنع الصنعة، هو الذي يضع قانون صيانتها لتؤديمهمتها كما ينبغي، كذلك الله هو الذي خلق ذلك الإنسان، وهو الذي يضع قانون صيانةبـ"افعل" ولا "تفعل". ولذلك يقول الحق سبحانه: ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير "14" (سورة الملك) إنالواحد منا يذهب بساعته إلي عامل إصلاح الساعات فيكشف عليها، ويقرر ما فيها منفساد، فما بالنا بخالق الإنسان؟ إن العبث الذي يوجد في هذا العالم أن الناس قداستقبلوا خلق الله لهم، ولم يدع أحد أنه خلق نفسه أو خلق غيره، ومع ذلك يحاول البشرأن يقننوا قوانين صيانة للإنسان خارجة عن منهج الله. نقول لهؤلاء: دعوا خالقالإنسان يضع لكم قانون صيانة الإنسان بـ"افعل" و"لا تفعل"، وإن أردتم أن تشرعوافلتشرعوا في ضوء منهج الله، وإن حدث أي عطب في الإنسان فترده إلي قانون صيانةالصانع الأول، وهو القرآن. إن الذي يسبب المتاعب للبشرية إنما ينبع من أنالإنسان يتناسى في بعض الأحيان أنه من صنعة الله، ويحاول أن يضع لنفسه قانون صيانة،بعيداً عن منهج الله، والذي يزيل متاعب الإنسانية هو أن تعود إلي قانون صيانتها،الذي وضعه لها الحق تبارك وتعالى، فذكر في كتابه الكريم: لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفىبالله شهيداً "166" (سورة النساء) إن الملائكة تشهد لأنها نالت شرف أنيكون المبلغ لرسول الله منهم وهو جبريل عليه السلام، وهم أيضاً الذين يحسبون حساباتالعمل الصالح أو الفاسد للإنسان، وهم ثالثاً الذين حملوا اللوح المحفوظ، وهم يعرفونالكثير: وكفى بالله شهيداً "166"} (سورةالنساء) لماذا لم يقل الله هنا: وكفى بالله وبالملائكة شهوداً؟ إن الحقسبحانه وتعالى لا يأخذ شهادة الملائكة تعزيزاً لشهادة الناس، صحيح أن الملائكةتشهد، ولكن الله لا يأخذ شهادة الملائكة تعزيزاً للشهادة. ونحن لا نأخذ شهادةالملائكة تعزيزاً لشهادة الله، وإلا لكانت الملائكة أوثق عندنا من الله، إن الحقيؤرخ شهادة الناس وشهادة الملائكة لكنك يا رسول الله نكفيك بشهادة الله. ويقولالحق سبحانه وتعالى: شهد الله أنه لا إله إلا هو "18" (سورة آل عمران) هذه قضية أطلقها الحق سبحانه، وهي شهادة منالحق سبحانه وتعالى لنفسه شهد الله أنه لا إله إلا هو، وكفى بالله شهيداً. لماذا؟لأنها شهادة الذات العلية للذات العلية. شهد اللهأنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيزالحكيم "18" (سورة آل عمران) لقد شاهدت الملائكة المشهد، وشهد أولوالعلم بأنه لا إله إلا هو، لأنهم يأخذون من الأدلة ما يثبت صدق الملائكة، ويؤكد صدقالله، فإذا ما نظرنا نظرة أخرى نجد أنها كلمة أطلقها الله على نفسه،وقال "لا إلهإلا الله"، وجعلها كلمة التوحيد. والأمر غاية في اليسر والسهولة والبساطة، إن اللهلم يشأ أن يجعل دليل الإيمان بالقوة العليا دليلاً فلسفياً لا يستطيع أن يصل إليهإلا أهل الثقافات العالية، لأن الإيمان مطلوب من الجميع، ويراعي في ذلك راعي الشاة. كالفيلسوف يتساوى فيه كناس الشارع مع الطبيب مع الأستاذ الكبير. لذلك جعل اللهقضية الإيمان في مستوى العقول البشرية جميعها. إن الأدلة في منتهى البساطة. قالالله: أنا شهدت أنه لا إله إلا أنا. وهو ما نقوله نحن المؤمنون. فإما والعياذ باللهغير صدق. فلو كان الأمر غير صادق، فإن هو الإله الذي سمع ذلك التحدي، وأخذ الله منهذلك الكون، وقال: "أنا وحدي خالق الكون"؟ إننا لم نسمع رداً على الله ولا معارضاًله إن كان هناك من درى بذلك أو لم يجرؤ على الرد فهو لا يصلح أن يكون إلهاً. إذن: فالقضية لله؛ لأن أحداً لا يجرؤ على أن يدعي على غير ذلك، فلم يظهر مدعينشر دعوى أخرى، إذن: فلا إله إلا الله هو قضية حق. وعندما ينظر إلي هذه القضيةبالعقل والمنطق فإننا لا نجد إلهاً إلا هو؛ لأنه لو كان هناك إله آخر لأبلغنا عننفسه، فإن لم يكن فأين هو الذي يدعي ذلك؟ وقد قلنا من قبل: إن الدعوى حين تدعي، ولايوجد معارض فإنها تثبت لصاحبها إلي أن يوجد المعارض، وأضرب هذا المثل، ولله المثلالأعلى وننزهه سبحانه وتعالى عن المثل. أقول: لنفترض أننا عشرة من الناس قداجتمعنا في غرفة ثم انصرفنا، ووجد صاحب البيت حافظة نقود، وجاء واحد من الذين كانواحضوراً وبه لهفة التساؤل عن حافظة نقوده التي ضاعت منه، وجئ ببقية العشرة الذينكانوا حضوراً، ولم يدع أحد أن حافظة النقود التي عثر عليها صاحب البيت تخصه، وهنايثبت للجميع أن حافظة النقود هي لصاحبها الذي قال فقدها. |
رد: سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى ( الله)
الحق قال تعالى: ويعلمون أن الله هو الحق المبين "25" (سورةالنور)هو الموجود باليقين الثابت، والله سبحانه هو الحق .. ومنه الحق،وإليه يرجع كل حق. وصفات الله سبحانه حق، والعدل حق، والصدق حق. ويقول تعالى: ويحق الله الحق بكلماته .. "82" (سورةيونس) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصدق كلمة قالها شاعر لبيد "ألا كل شيء ما خلال الله باطل" وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا تهجد من الليل يدعو: "اللهم لك الحمد، أنت رب السماوات والأرض وما فيهن، ولك الحمد، أنت قيومالسماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، وقولك الحق، ووعدك حق، ولقاؤك حق، والجنة حق،والنار حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبكخاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت إلهي لاإله إلا أنت" وإن كلمة الحق قد ذكرت مئات المرات في القرآن المجيد (227مرة) ثم نقرأ الآية: فذلكم الله ربكم الحق فماذابعد الحق إلا الضلال فأني تصرفون "32" (سورة يونس) هدانا الله إليالحق، ونسأل الله أن نتبع الحق لوجه الحق وحده. وقال تعالى: إنا أرسلناك بالحق .. "119" (سورة البقرة) حين يقولالرحمن جل وعلا: إنا أرسلناك بالحق .. "119" (سورة البقرة) فقد يسأل سائل: ما معنى الحق؟ إن الحق هو الأمر الثابتالذي لا يتغير ولا يتناقض. فالله جل علاه حق ـ والقرآن بالحق أنزلناه، وبالحق نزل. وخلق الكون بالحق. يقول جل علاه: خلق السماواتوالأرض بالحق تعالى عما يشركون "3" (سورة النحل) والحق هو الأمر الثابتالذي تعتدل به موازين حركة الحياة، ومعنى ثبوت الحق أنه ينافي الكذب والنفاقوالبهتان والظلم. وكل ما يحدث به الخلل في المنظومة الكونية، لأن الحق يدخل فيمقومات القيم الفاضلة. فالعدل من الحق، والصدق من الحق، والأمانة من الحق، والفطانةمن الحق، والجدود هي حق، والاعتصام بالحق يعطي عقيدة الصدق، وعبادة الحب، وأخلاقالتفاؤل الاجتماعي. إن الحق سبحانه جبار، ونحن نتقي النار التي يودع فيهاالمضلين الكافرين، إن المؤمن هو من يتقي متعلقات صفات الجلال من الله، ونحن قدعرفنا أن للحق صفات جمال وصفات جلال، وعندما نجعل بيننا وبين صفات الجلال وقاية،فذلك لأن أحداً لا يتحمل غضب الله، ولا قهر الله، ولا بطش الله، ولا النار التي هيمن آثار صفات الجلال. لا أحد يستطيع أن يغلب الله، فقوة الله قاهرة فوق كل العباد،والحق بجلاله غالب على أمره، ولا في قصة سيدنا يوسف عليه السلام مثال واضح على قدرةالحق سبحانه المطلقة، لقد أخذه أخوته وألقوه في الجب وأنقذه أناس من السيارة،واشتراه واحد من مصر، فماذا يقول في هذا الأمر الذي ينطبق على كل أمر يريده الله: وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسىأن ينفعنا أو نتخذه ولداً وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديثوالله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون "21" (سورة يوسف) إنالله غالب على أمره إنه الحق، إن أراد شيئاً فإنما يقول له: كن فيكون، ولذلك أوضحنامن قبل أنه لا توجد معركة أبداً بين حقين، ذلك أنه لا يوجد إلا حق واحد، ولأن مصدرالحق إله واحد، ولهذا لا توجد المعارك إلا بين حق وباطل أو بين باطلين. والمعركةبين الحق والباطل لا تطول؛ لأن الباطل بطبيعته زهوق، ولكن المعارك التي تطول زمناًطويلاً هي معركة بين باطلين، أو بين حق تكاسل أصحابه عن الأخذ بأسباب الله، فصاروابتكاسلهم من أتباع الباطل، لأنهم يخذلون الحق الذي يدافعون عنه، ولذلك تطول معاركهممع أهل الباطل الآخر. وفي حياتنا المعاصرة، نرى معاركنا المعاصرة لا تنتهي،ونحن قد نتساءل: لماذا لا تنتهي هذه المعارك؟ ولابد لنا أن نعرف الإجابة، إنهامعارك بين باطل وباطل، وليس لباطل أن يكون الله بجانبه. أما إذا استيقظنا إلي اللهفي شيء من أشياء حياتنا فإن الله يعطينا النصر على قدر الاستيقاظ إلي حق الله،هؤلاء هم الذين يعطيهم الله العمق في النصر. أما الذين يستيقظون استيقاظاً سطحياً،فهؤلاء يعطيهم الله نصراً سطحياً على قدر استيقاظهم. إذن: فهذه المعارك التي ترهقالدنيا هي المعارك بين الباطل والباطل، وبالنظرة البسيطة إلي الدنيا منذ الحربالعالمية الثانية سنجد أن العالم لم يهدأ أبداً منذ هذه الحرب، هي حرب ساخنة مرة،وباردة مرة أخرى، هي حرب تحرير لشعوب من الاستعمار، هي هزيمة داخلية لهذه الشعوببعد أن تحررت من الاستعمار لأنها لم تأخذ بمنهج الله. تكاد الدنيا كلها تكون فيحروب، وهي حروب تدور بين أهواء، الهوى الشرقي يقاتل الهوى الغربي، لكن لم نجد بعدهؤلاء الذين يخلصون النية لمنهج الله الحق الذي يمكن أن يهدي البشرية إلي السلام. ولذلك ينبهنا الحق إلي دقة منهجه في الكون: الحقمن ربك فلا تكونن من الممترين "147" (سورة البقرة) هكذا نعرف أن الحقهو من الله؛ لذلك لا يجب أن يضل عنه أهل الإيمان، فيتبعوا بالهوى إلي فئة أخرى، إنالحق الإلهي لابد أن يتيقن منه المؤمنون، فلا يكونوا من أهل الشك والتردد، فإذا كانالحق هو منهج الله فهذا الحق لا يطلب لانتصاره إلا أناساً مؤمنين به. وصدق قولالشاعر العربي: السيف لا يزهو بجوهرهوليس يعمل إلا في يد بطل إن السيفليس هو الذي يحقق النصر، لكن المقاتل بالسيف يصل إلي النصر إذا كان مؤمناً بالحق،إذن: فالذين يضيعون الحق ليس لهم أن يسألوا: لماذا ضاع الحق؟ إنما عليهم بتطبيقمنهج الله في الوصول إلي الحق؛ عندئذ لا نكون ضائعين بأنفسنا عن الحق. فالحق سيظلمن الله ولن ينطمس، أما الممتري، أي: الذي يشك في الحق، فهو الذي يظن أنه يحكم بيننسبتين متساويتين. إن ذلك الممتري الذي يشك في أمر الحق عليه أن يعلم أن الحقالإلهي لا تقابله نسبة أخرى، فهو لا يعرف شكاً ولا ريباً. |
الساعة الآن 05:42 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
Search Engine Optimization by vBSEO 3.6.0 (Unregistered)
لا يتحمّل موقع منتديات حوامل النسائية أيّة مسؤوليّة عن المواد الّتي يتم عرضها أو نشرها في موقعنا، ويتحمل المستخدمون بالتالي كامل المسؤولية عن كتاباتهم وإدراجاتهم التي تخالف القوانين أو تنتهك حقوق الملكيّة أو حقوق الآخرين أو أي طرف آخر .