تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة تفسير اسماء الله الحسنى


ام وليد2005
06-28-2014, 07:26 PM
http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1403975102_417.jpg
الله


كلمة "إلاه" تعني: معبود .. وهي اسم مشتق من الفعل (أله) بالفتح .. فكل ما اتخذه الناس معبوداً منذالقدم يصح أن يطلق عليه اسم (إلاه)فمن الناس من اتخذ الشمس إلهاً .. أي: معبوداً، ومنهم من اتخذ النار إلهاً، ومنهم من اتخذ القمر إلهاً، ومنهم من اتخذالبقر إلهاً. وكلمة (إلاه) قد تطلق ويراد بها معناها فقط .. أي: (معبود) كما فيقوله تعالى: فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم منإله غيره .. "59" (سورة الأعراف)
وقوله تعالى: الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت .. "158"سورة الأعراف)
وقوله تعالى: لا إلهإلا هو سبحانه عما يشركون "31" (سورة التوبة)فالحق سبحانه وتعالى يؤكدفي هذه الآيات أنه لا معبود إلا هو تبارك وتعالى. وقد تطلق كلمة (إلاه) ويراد بها: الحق عز وجل، كما في قوله تعالى: اجعل الآلهةإلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب "5" (سورة ص)فكلمة (إلاه) في هذه الآيةتعني: "معبوداً"، وفي نفس الوقت يراد بها: الحق عز وجل. فإذا انتقلنا إلي لفظالجلالة (الله) .. هل هو لفظ مشتق من الفعل (أله) أم غير مشتق؟قيل: إنه اسممشتق من نفس الفعل (أله)، وأنه هو نفسه الاسم المشتق (إلاه) ودخلت عليه الألفواللام وحذفت الهمزة للتخفيف، وقيل: إنه غير مشتق، وإنما أطلقه الله عز وجل للدلالةعلى ذاته العلية. ولكننا نقول: إن لفظ الجلالة (الله) سواء أكان مشتقاً أم غيرمشتق، فإنه علم على واجب الوجود .. أي: على الحق تبارك وتعالى بذاته وأسمائه وصفاتهدون سواه من المعبودات الباطلة. إن العلم إذا أطلق وأريد به مسمى معيناً .. فإنه (أي: العلم) ينحل عن معناه الأصلي ويصبح علماً على مسماه .. كما إذا أطلقت علىزنجية اسم (قمر) .. فالقمر بالنسبة لهذه الزنجية قد انحل عن معناه الأصلي، وصارعلماً عليها. فلفظ الجلالة (الله) ورد في القرآن الكريم حوالي ألفين وسبعمائةمرة لم يرد خلالها هذا اللفظ إلا للدلالة على ذات الحق جل وعلا، ولم يستخدم للدلالةعلى أي معبود آخر من المعبودات الباطلة مثل: الشمس أو القمر أو النار أو البقر أوعيسى بن مريم. كما أن الله تبارك وتعالى لم يستخدم لفظ الجلالة كوصف من الأوصاف مثلسائر الأسماء، وإنما استخدمه ليدل عليه بذاته وأسمائه الأخرى وصفاته دلالة علمية. فإذا أراد أن يصف نفسه بوصف معين، أو ينسب إلي نفسه فعلاً معيناً، أتى بلفظالجلالة (الله) كعلم عليه، ثم ألحقه بالوصف أو الفعل الذي يريد .. كما تقول أنت ـ (احمد وقور مهذب).
يقول الحق جل وعلا: والله محيط بالكافرين "19" (سورة البقرة)ويقول جل وعلا:والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم "105"} سورة البقرة)
ويقول عز وجل: فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم "137" (سورة البقرة)فلفظ الجلالةصار علماً على الذات الإلهية العلية .. علماً على الحق ـ جل وعلا ـ ليدل عليه بذاتهوأسمائه وصفاته دلالة علمية، ولا يستخدم للدلالة على غيره من المعبودات الباطلة،وهو الاسم الأعظم الذي حوى جميع كمالات صفاته، والذي ليس له فيه سمى أي: شريك فينفس الاسم. والحق جل وعلا حين أنزل القرآن، أنزله مقروناً باسم الله سبحانهوتعالى .. وهي أن تكون البداية باسم الله. إن أول الكلمات التي نطق بها الوحي لمحمدصلى الله عليه وسلم كانت: اقرأ باسم ربك الذي خلق "1"} سورة العلق)وهكذا كانت بداية نزول القرآن الكريم ليمارس مهمته فيالكون هي باسم الله .. ونحن الآن نقرأ القرآن بادئين نفس البداية. ولكن هل نحنمطالبون أن نبدأ فقط تلاوة القرآن باسم الله؟ .. كلا .. إننا مطالبون أن نبدأ كلعمل باسم الله؛ لأننا لابد أن نحترم عطاء الله في كونه. إنك حين تبدأ كل شيء بسمالله الرحمن الرحيم .. فإنك تجعل الله في جانبك يعينك. ومن رحمته تبارك وتعالى أنهعلمنا أن نبدأ كل شيء باسمه تعالى؛ لأن "الله" ـ كما قلنا ـ هو الاسم الجامع لكلصفات الكمال والفعل عادة يحتاج إلي صفات متعددة..
فأنت حين تبدأ عملا تحتاجإلي قدرة الله وإلي قوته وإلي عونه وإلي رحمته .. فلو أن الله سبحانه وتعالى لميخبرنا بالاسم الجامع لكل الصفات لكان علينا أن نحدد الصفات التي نحتاج إليها، كأننقول باسم الله القوي، وباسم الله الرزاق، وباسم الله المجيب، وباسم الله القادر،وباسم الله النافع .. إلي غير ذلك من الأسماء والصفات التي نريد أن نستعين بها .. ولكن الله تبارك وتعالى يجعلنا نقول: "بسم الله الرحمن الرحيم" .. الاسم الجامع لكلهذه الصفات. على أننا لابد أن نقف هنا عند الذين لا يبدأون أعمالهم باسم الله .. وإنما يريدون الجزاء المادي وحده.إنسان غير مؤمن لا يبدأ عمله بسم الله .. وإنسان مؤمن يبدأ كل عمل وفيباله الله .. كلاهما يأخذ من الدنيا لأن الله رب للجميع .. له عطاء ربوبية لكل خلقهالذين استدعاهم للحياة .. ولكن الدنيا ليست هي الحياة الحقيقية للإنسان .. بلالحياة الحقيقية هي الآخرة .. الذي في باله الدنيا وحدها يأخذ بقدر عطاء البربوبية .. بقدر عطاء الله في الدنيا .. والذي في باله الله يأخذ بقده عطاء الله في الدنياوالآخرة .. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى: الحمدلله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير "1"} سورة سبأ)لأن المؤمن يحمد الله على نعمه في الدنيا .. ثم يحمدهعندما ينجيه من النار والعذاب ويدخله الجنة في الآخرة .. فلله الحمد في الدنياوالآخرة.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل أمرذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع"ومعنى أقطع أي مقطوعالذنب أو الذيل .. أي عمل ناقص فيه شيء ضائع .. لأنك حين لا تبدأ العمل بسم الله قديصادفك الغرور والطغيان بأنك أنت الذي سخرت ما في الكون ليخدمك وينفعل لك .. وحينلا تبدأ العمل ببسم الله .. فليس لك عليه جزاء في الآخرة فتكون قد أخذت عطاءه فيالدنيا .. وبترت أو قطعت عطاءه في الآخرة .. فإذا كنت تريد عطاء الدنيا والآخرة. أقبل على كل عمل بسم الله .. قبل أن تأكل قل بسم الله لأنه هو الذي خلق لك هذاالطعام ورزقك به .. عندما تدخل الامتحان قل بسم الله فيعينك على النجاح .. عندماتدخل إلي بيتك قل بسم الله لأنه هو الذي يسر لك هذا البيت .. عندما تتزوج قل بسمالله لأنه هو الذي خلق هذه الزوجة وأباحها لك .. في كل عمل تفعله ابدأه بسم الله .. لأنها تمنعك من أي عمل يغضب الله سبحانه وتعالى .. فأنت لا تستطيع أن تبدأ عملايغضب الله ببسم الله.
وكما ينبغي على المسلم المؤمن أن يجعل لسانه رطباً ببسمالله .. ينبغي عليه أيضاً بحمد الله عز وجل؛ لأنه تبارك وتعالى محمود لذاته ومحمودلصفاته، ومحمود لنعمه، ومحمود لرحمته، ومحمود لمنهجه، ومحمود لقضائه، الله محمودقبل أن يخلق من يحمده. ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه جعل الشكر له في كلمتيناثنتين هما الحمد لله.
والعجيب أنك حين تشكر بشرا على جميل فعله تظل ساعاتوساعات .. تعد كلمات الشكر والثناء، وتحذف وتضيف وتأخذ رأي الناس. حتى تصل إليقصيدة أو خطاب ملئ بالثناء والشكر. ولكن الله سبحانه وتعالى جلت قدرته وعظمته نعمهلا تعد ولا تحصى، علمنا أن نشكره في كلمتين اثنتين هما: الحمد لله ..
ولعلنانفهم أن المبالغة في الشكر للبشر مكروهة لأنها تصيب الإنسان بالغرور والنفاق وتزيدالعاصي في معاصيه .. فلنقلل من الشكر والثناء للبشر .. لأننا نشكر الله لعظيم نعمهعلينا بكلمتين هما: الحمد لله، ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه علمنا صيغة الحمد. فلو أنه تركها دون أن يحددها بكلمتين .. لكان من الصعب على البشر أن يجدوا الصيغةالمناسبة ليحمدوا الله على هذا الكمال الإلهي .. فمهما أوتي الناس من بلاغة وقدرةعلى التعبير. فهم عاجزون على أن يصلوا إلي صيغة الحمد التي تليق بجلال المنعم .. فكيف نحمد الله والعقل عاجز أن يدرك قدرته أو يحصي نعمه أو يحيط برحمته؟
ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعطانا صورة العجز البشري عن حمدكمال الألوهية لله، فقال: "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"
وكلمتا الحمد لله، ساوى الله بهما بين البشر جميعا، فلو أنه ترك الحمد بلاتحديد، لتفاوتت درجات الحمد بين الناس بتفاوت قدراتهم على التعبير. فهذا أمي لايقرأ ولا يكتب لا يستطيع أن يجد الكلمات التي يحمد بها الله. وهذا عالم له قدرة علىالتعبير يستطيع أن يأتي بصيغة الحمد بما أوتي من علم وبلاغة. وهكذا تتفاوت درجاتالبشر في الحمد .. طبقا لقدرتهم في منازل الدنيا.
ولكن الحق تبارك وتعالى شاءعدله أن يسوي بين عباده جميعا في صيغة الحمد له .. فيعلمنا في أول كلماته في القرآنالكريم .. أن نقول "الحمد لله" ليعطي الفرصة المتساوية لكل عبيده بحيث يستويالمتعلم وغير المتعلم في عطاء الحمد ومن أوتي البلاغة ومن لا يحسن الكلام.
ولذلكفإننا نحمد الله سبحانه وتعالى على أنه علمنا كيف نحمده وليظل العبد دائما حامدا.
فالله سبحانه وتعالى قبل أن يخلقنا خلق لنا موجبات الحمد من النعم، فخلق لناالسماوات والأرض وأجد لنا الماء والهواء. ووضع في الأرض أقواتها إلي يوم القيامة ..وهذه نعمة يستحق الحمد عليها لأنه جل جلاله جعل النعمة تسبق الوجود الإنساني،فعندما خلق الإنسان كانت النعمة موجودة تستقبله. بل أن الله جل جلاله قبل أن يخلقآدم أبا البشر جميعا سبقته الجنة التي عاش فيها لا يتعب ولا يشقى. فقد خلق فوجد مايأكله وما يشربه وما يقيم حياته وما يتمتع به موجودا وجاهزا ومعدا قبل الخلق..وحينما نزل آدم وحواء إلي الأرض كانت النعمة قد سبقتهما. فوجدا ما يأكلانه ومايشربانه، وما يقيم حياتهما .. ولو أن النعمة لم تسبق الوجود الإنساني وخلقت بعدهلهلك الإنسان وهو ينتظر مجيء النعمة.
بل أن العطاء الإلهي للإنسان يعطيه النعمةبمجرد أن يخلق في رحم أمه فيجد رحما مستعدا لاستقباله وغذاء يكفيه طول مدة الحمل. فإذا خرج إلي الدنيا يضع الله في صدر أمه لبنا ينزل وقت أن يجوع ويمتنع وقت أنيشبع. وينتهي تماما عندما تتوقف فترة الرضاعة. ويجد أبا وأما يوفران له مقوماتحياته حتى يستطيع أن يعول نفسه .. وكل هذا يحدث قبل أن يصل الإنسان إلي مرحةالتكليف وقبل أن يستطيع أن ينطق: "الحمد لله".
وهكذا نرى أن النعمة تسبق المنعمعليه دائما .. فالإنسان حيث يقول "الحمد لله" فلأن موجبات الحمد ـ وهي النعمة ـموجودة في الكون قبل الوجود الإنساني.
والله سبحانه وتعالى خلق لنا في هذاالكون أشياء تعطي الإنسان بغير قدرة منه ودون خضوع له، والإنسان عاجز عن أن يقدملنفسه هذه النعم التي يقدمها الحق تبارك وتعالى له بلا جهد.
فالشمس تعطي الدفءوالحياة للأرض بلا مقابل وبلا فعل من البشر، والمطر ينزل من السماء دون أن يكون لكجهد فيه أو قدرة على إنزاله. والهواء موجود حولك في كل مكان تتنفس منه دون جهد منكولا قدرة. والأرض تعطيك الثمر بمجرد أن تبذر فيها الحب وتسقيه .. فالزرع ينبت بقدرةالله.
والليل والنهار يتعاقبان حتى تستطيع أن تنام لترتاح، وأن تسعى لحياتك .. لا أنت أتيت بضوء النهار، ولا أنت الذي صنعت ظلمة الليل، ولكنك تأخذ الراحة فيالليل والعمل في النهار بقدرة الله دون أن تفعل شيئاً.
كل هذه الأشياء لميخلقها الإنسان، ولكنه وجدها في الكون تعطيه بلا مقابل ولا جهد منه!
ألا تستحقهذه النعم أن نقول: الحمد لله على نعمة تسخير الكون لخدمة الإنسان؟
وآيات اللهسبحانه وتعالى في كونه تستوجب الحمد .. فالحياة التي وهبها الله لنا، والآيات التيأودعها في كونه تدلنا على أن لهذا الكون خالقاً عظيماً .. فالكون بشمسه وقمرهونجومه وأرضه وكل ما فيه مما يفوق قدرة الإنسان، ولا يستطيع أحد أن يدعيه لنفسه،فلا أحد مهما بلغ علمه يستطيع أن يدعي أنه خلق الشمس، أو أوجد النجوم، أو وضعالأرض، أو وضع قوانين الكون، أو أعطى غلافها الجوي، أو خلق نفسه، أو خلقغيره.
هذه الآيات كلهاأعطتنا الدليل على وجود قوة عظمى، وهي التي أوجدت وهي التي خلقت .. وهذه الآياتليست ساكنة، لتجعلنا في سكونها ننساها، بل هي متحركة لتلفتنا إلي خالق هذا الكونالعظيم.
فالشمس تشرق في الصباح فتذكرنا بإعجاز الخالق، وتغيب في المساء لتذكرنابعظمة الخالق .. وتعاقب الليل والنهار يحدث أمامنا كل يوم علمنا نلتفت ونفيق .. والمطر ينزل من السماء ليذكرنا بألوهية من أنزله .. والزرع يخرج من الأرض يسقي بماءواحد، ومع ذلك فإن كل نوع له لون وله شكل وله مذاق وله رائحة، وله تكوين يختلف عنالآخر، ويأتي الحصاد فيختفي الثمر والزرع .. ويأتي موسم الزراعة فيعود من جديد.
كل شيء في هذا الكون متحرك ليذكرنا إذا نسينا، ويعلمنا أن هناك خالقاً مبدعاً ..وأنه لا أحد يستطيع أن يدعي أنه خلق الكون أو خلق شيئا مما فيه .. فالقضيةمحسومة لله.
(والحمد لله) لأنه وضع في نفوسنا الإيمان الفطري، ثم أيده بإيمانعقلي بآياته في كونه.
كل شيء في هذا الكون يقتضي الحمد، ومع ذلك فإن الإنسانيمتدح الموجود وينسى الموجد .. فأنت حين ترى زهرة جميلة مثلاً، أو زهرة غاية فيالإبداع .. أو أي خلق من خلق الله، يشيع في نفسك الجمال تمتدح هذا الخلق .. فتقول: ما أجمل هذه الزهرة، أو هذه الجوهرة، أو هذا المخلوق!!
ولكن المخلوق الذيامتدحته، لم يعط صفة الجمال لنفسه .. فالزهرة لا دخل لها أن تكون جميلة أو غيرجميلة، والجوهرة لا دخل لها في عظمة خلقها .. وكل شيء في هذا الكون لم يضع الجماللنفسه، وإنما الذي وضع الجمال فيه هو الله سبحانه وتعالى، فلا نخلط ونمدح المخلوقوننسى الخالق .. بل قل: الحمد لله الذي أوجد في الكوم ما يذكرنا بعظمة الخالق ودقةالخلق.
ومنهج الله سبحانه وتعالى يقتضي منا الحمد، فهو تبارك وتعالى أنزل منهجهليرينا طريق الخير، ويبعدنا عن طريق الشر.
فمنهج الله عز وجل الذي أنزله علىرسله قد عرفنا أن الله تبارك وتعالى هو الذي خلق لنا هذا الكون وخلقنا .. فدقةالخلق وعظمته تدلنا على عظمة خالقه، ولكنها لا تستطيع أن تقول لنا من هو، ولا ماذايريد منا، ولذلك أرسل الله رسله، ليقول لنا: إن الذي خلق هذا الكون وخلقنا هو اللهتبارك وتعالى، وهذا يستوجب الحمد.
ومنهج الله يبين لنا ماذا يريد الحق منا،وكيف نعبده .. وهذا يستوجب الحمد، ومنهج الله جل جلاله أعطانا الطريق وشرع لناأسلوب حياتنا تشريعاً حقاً .. فالله تبارك وتعالى لا يفرق بين أحد منا .. ولا يفضلأحداً على أحد إلا بالتقوى، فكلنا خلق متساوون أمام عدله المطلق. إذن: فشريعة الحق،وقول الحق، وقضاء الحق هو من الله، أما تشريعات الناس فلها هوى، تميز بعضاً عن بعض .. وتأخذ حقوق بعض لتعطيها للآخرين، ولذلك نجد في كل منهج بشرى ظلماً بشرياً.
ولكن الله سبحانه وتعالى يعطينا ولا يأخذ منا، عنده خزائن كل شيء مصداقا لقولهجل جلاله:وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزلهإلا بقدر معلوم "21" (سورة الحجر)
فالله سبحانه وتعالى دائم العطاءلخلقه، والخلق يأخذون دائماً من نعم الله، فالعبودية لله تعطيك ولا تأخذ منك شيئاً،وهذا يستوجب الحمد..
والله سبحانه وتعالى في عطائه يجب أن يطلب منه الإنسان،وأن يدعوه، وأن يستعين به، وهذا يستوجب الحمد؛ لأنه يقينا الذل في الدنيا. فأنت إنطلبت شيئاً من صاحب نفوذ، فلابد أن يحدد لك موعداً أو وقت الحديث ومدة المقابلة،وقد يضيق بك فيقف لينهي اللقاء .. ولكن الله سبحانه وتعالى بابه مفتوح دائماً .. فأنت بين يديه عندما تريد، وترفع يديك إلي السماء وتدعو وقتما تحب، وتسأل الله ماتشاء، فيعطيك ما تريده إن كان خيراً لك .. ويمنع عنك ما تريده إن كان شراً لك.
والله سبحانه وتعالى يستوجب الحمد حينما يطلب منك أن تدعوه، وأن تسأله فيقول:وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عنعبادتي سيدخلون جهنم داخرين "60" (سورة غافر)
ويقول سبحانه وتعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعيإذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون "186" (سورة البقرة)
والله سبحانه وتعالى يعف ما في نفسك، ولذلك فإنه يعطيك دون تسأل، واقرأ الحديثالقدسي:
يقول رب العزة: "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطيالسائلين".
والله سبحانه وتعالى عطاؤه لا ينفذ، وخزائنه لا تفرغ، فكلما سألتهجل جلاله كان لديه المزيد، ومهما سألته فإنه لا شيء عزيز على الله سبحانه وتعالى،إذا أراد أن يحققه لك .. واقرأ قول الشاعر:
حسب نفسي عزا بأني عبد هو فـيقدســه الأعـــز ولكــن
يحتفي بي بلا مواعيد رب أنا ألقي متى وأين أحب
إذن: عطاء الله سبحانه وتعالى يستوجب الحمد .. ومنعه العطاء يستوجب الحمد.
ووجود الله سبحانه وتعالى الواجب الوجود يستوجب الحمد .. فالله سبحانه يستحقالحمد لذاته، ولولا عدل الله لبغى الناس في الأرض وظلموا، ولكن يد الله تباركوتعالى حين تبطش بالظالم تجعله عبرة .. فيخاف الناس الظلم .. وكل من أفلت من عقابالدنيا على معاصيه وظلمه واستبداده سيلقى الله في الآخرة ليوفيه حسابه .. وهذا يوجبالحمد .. أن يعرف المظلوم أنه سينال جزاءه فتهدأ نفسه ويطمئن قلبه أن هناك يوماسيرى فيه ظالمه وهو يعذب في النار .. فلا تصيبه الحسرة، ويخف إحساسه بمرارة الظلمحين يعرف أن الله قائم على كونه لن يفلت من عدله أحد. وعندما نقول: (الحمد لله)فنحن نعبر عن انفعالات متعددة .. وهي في مجموعها تحمل العبودية والثناء والشكروالعرفان .. وكثير من الانفعالات التي تملأ النفس عندما تقول: (الحمد لله) كلهاتحمل الثناء العاجز عن الشكر لكمال الله وعطائه .. هذه الانفعالات تأتي وتستقر فيالقلب .. ثم تفيض من الجوارح على الكون كله.
فالحمد ليس ألفاظاً تردد باللسان،ولكنها تمر أولاً على العقل الذي يعي معنى النعم .. ثم بعد ذلك تستقر في القلبفينفعل بها .. وتنتقل إلي الجوارح فأقوم وأصلي لله شاكراً ويهتز جسدي كله، وتفيضالدمعة من عيني، وينتقل هذا الانفعال كله إلي من حولي.
ونحاول توضيح ذلك..
هب أنني في أزمة أو كرب أو موقف سيؤدي إلي فضيحة .. وجاءني من يفرج كربيفيعطيني مالاً أو يفتح لي طريقاً .. أول شيء أنني سأعقل هذا الجميل، فأقول: إنهيستحق الشكر .. ثم ينزل هذا المعنى إلي قلبي فيهتز القلب إلي صانع هذا الجميل .. ثمتنفعل جوارحي لأترجم هذه العاطفة إلي عمل جميل يرضيه، ثم أحدث الناس عن جميله وكرمهفيسارعون إلي الالتجاء إليه، فتتسع دائرة الحمد وتنزل النعم على الناس .. فيمرونبنفس ما حدث لي فتتسع دائرة الشكر والحمد..
والحمد لله تعطينا المزيد من النعممصداقاً لقوله تبارك وتعالى: وإذ تأذن ربكم لئنشكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد "7" (سورة إبراهيم)
وهكذانعرف أن الشكر على النعمة يعطينا مزيداً من النعمة .. فنشكر عليها فتعطينا المزيد،وهكذا يظل الحمد دائماً والنعمة دائمة.
إننا لو استعرضنا حياتنا كلها .. نجد أنكل حركة فيها تقتضي الحمد، عندما ننام ويأخذ الله سبحانه وتعالى أرواحنا، ثم يردهاإلينا عندما نستيقظ، فإن هذا يوجب الحمد، فالله سبحانه وتعالى يقول: الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسكالتي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلي أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون "42" } سورة الزمر)
وهكذا فإن مجرد أن نستيقظ من النوم، ليرد الله عليناأرواحنا يستوجب الحمد، فإذا قمنا من الفراش فالله سبحانه وتعالى هو الذي أعطاناالقدرة على الحركة والنهوض، ولولا عطاؤه ما استطعنا أن نقوم .. وهذا يستوجب الحمد..
فإذا تناولنا إفطارنا، فالله هو الذي هيأ لنا من فضله هذا الطعام، فإذا نزلناإلي الطريق يسر الله لنا ما ينقلنا إلي مقر أعمالنا، وإذا تحدثنا مع الناس فاللهسبحانه وتعالى هو الذي أعطى ألسنتنا القدرة على النطق بما وهبه الله لنا من قدرةعلى التعبير والبيان، وهذا يستوجب الحمد.
وإذا عدنا إلي بيوتنا، فالله سخر لنازوجاتنا ورزقنا بأولادنا، وهذا يستوجب الحمد.
إذن: فكل حركة في حياة في الدنيامن الإنسان تستوجب الحمد، ولهذا لابد أن يكون الإنسان حامداً دائماً، بل إن الإنسانيجب أن يحمد الله على أي مكروه أصابه؛ لأن الشيء الذي يعتبره شراً يكون عين الخير،فالله تعالى يقول: فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعلالله فيه خيراً كثيراً "19" (سورة النساء)
إن من البشر من إذا تحدثتعنه قدر ما استطعت لن توفيه حقه وتعرف له قدره كأنبياء الله ورسله عليهم الصلاةوالسلام، فماذا إذا كان الحديث عن الله جل وعلا؟
سوف يتحدث المتحدثون عن الحقتبارك وتعالى حتى تقوم الساعة، ومع ذلك فسوق يظلون في إطار قوله تعالى: ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز "74" (سورةالحج)
وقوله تعالى: وما قدروا الله حققدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عمايشركون "67" (سورة الزمر)


http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1403975102_871.jpg

ريحانة الجنة
06-28-2014, 07:41 PM
بارك الله فيك
متابعينك ان شا الله

υм вtℓαα
06-28-2014, 07:55 PM
بارك الله فيكي

قلب الاميري
06-29-2014, 08:27 AM
http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1404019622_264.gif

ام وليد2005
06-29-2014, 02:40 PM
بارك الله فيك
متابعينك ان شا الله

http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1404042000_498.jpg

ام وليد2005
06-29-2014, 02:41 PM
بارك الله فيكي

http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1404042068_530.jpg

ام وليد2005
06-29-2014, 02:42 PM
http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1404019622_264.gif




http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1404042138_506.jpg

ام ارجواااااان
06-29-2014, 08:59 PM
الله يسعد قلبك يارب
بالتووووووووووووووووفيق


http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1404064772_853.jpg

بحــ العيون ــــــــر
06-29-2014, 10:59 PM
جزاكي الله خيرررررررر

ام وليد2005
06-30-2014, 04:19 AM
الرحمن الرحيم

(الرحمن) اسم مشتقمن الفعل (رحم)، والرحمة في اللغة هي الرقة والتعطف والشفقة، وتراحم القوم أي رحمبعضهم بعضا والرحم القرابة.
الرحمن اسم من أسماء الله الحسنى، وهو مشتق منالرحمن وهو اسم مختص بالله تعالى لا يجوز أن يسمى به غيره، فقد قال عز وجل: (قلادعو الله أو أدعو الرحمن) معادلا بذلك اسمه الرحمن بلفظ الجلالة الذي لا يشاركهفيه أحد، ورحمن على وزن فعلان وهي صيغة مبالغة تدل على الكثرة والزيادة في الصفة.
و(الرحيم) .. اسم مشتق أيضا من الفعل رحم .. والرحمن الرحيم من صيغ المبالغة ..يقال راحم ورحمن ورحيم .. فإذا قيل راحم فهذا يعني أن فيه صفة الرحمة .. وإذا قيلرحمن تكون مبالغة في الصفة، وإذا قيل رحيم فهي أيضا مبالغة في الصفة، والله سبحانهوتعالى رحمن الدنيا ورحيم الآخرة.
ولا يظن أحد أن صفات الله سبحانه وتعالىتتأرجح بين القوة والضعف، وإياك أن تفهم أن الله تأتيه الصفة مرة قليلة ومرة كثيرة،بل هي صفات الكمال المطلق .. ولكن الذي يتغير هو متعلقات هذه الصفات. اقر قول الحقتبارك وتعالى: إن الله لا يظلم مثقال ذرةٍ (سورةالنساء ـ40)
هذه الآية الكريمة .. نفت الظلم عن الله سبحانه وتعالى ثمتأتي الآية ونلاحظ هنا استخدام صيغة المبالغة (ظلام) .. أي شديد الظلم. ويظن البعضأن قول الحق سبحانه وتعالى: (ليس بظلام) لا تنفي الظلم ولكنها تنفي المبالغة فيالظلم. نقول لهؤلاء: أنكم لم تفهموا المعنى الصحيح؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يظلمأحدا. فالآية الأولى نفت الظلم عن الحق تبارك وتعالى ولو مثقال ذرة بالنسبة للعبد.
والآية الثانية لم تقل للعبد ولكنها قالت للعبيد .. والعبيد هم كل خلق الله .. فلو أصاب كل واحد منهم أقل من ذرة من الظلم مع هذه الأعداد الهائلة، فإن الظلم يكونكثيرا جدا، ولو أنه قليل في كميته؛ لأن عدد من سيصاب به هائل. ولذلك فإن الآيةالأولى نفت الظلم عن الله سبحانه وتعالى، والآية الثانية نفت عنه الظلم أيضا .. ولكن صيغة المبالغة استخدمت لكثرة عدد الذين تنطبق عليهم الآية الكريمة.
نأتيبعد ذلك إلي (رحمن ورحيم).
رحمن في الدنيا لكثرة عدد الذين تشملهم رحمته فيها،فرحمة الله في الدنيا تشمل المؤمن والعاصي والكافر .. يعطيهم الله مقومات حياتهمولا يؤاخذهم بذنوبهم، يرزق من آمن به ومن لم يؤمن به، ويعفو عن كثير. إذن عدد الذينتشملهم رحمة الله في الدنيا هم كل خلق الله بصر النظر عن إيمانهم أو عدم إيمانهم،ولكن في الآخرة الأمر مختلف، فالله رحيم بالمؤمنين فقط .. فالكفار والمشركونمطرودون من رحمة الله. إذن الذين تشملهم رحمة الله في الآخرة أقل عددا من الذينتشملهم رحمته في الدنيا .. فمن أين تأتي المبالغة؟
تأتي المبالغة في العطاء وفيالخلود في العطاء .. فنعم الله في الآخرة اكبر كثيرا منها في الدنيا .. المبالغةهنا بكثرة النعم وخلودها .. فكأن المبالغة في الدنيا بعمومية العطاء، والمبالغة فيالآخرة بخصوصية العطاء وكثرة النعم والخلود فيها. والرحمة الإلهية تشمل ثناياهاالعديد من الصفات، فمن رحمة الله تبارك وتعالى أنه الغفار .. الوهاب .. الرزاق .. الشكور .. الكريم .. الواجد .. التواب .. العفو .. الهادي. ورحمة الحق جل وعلا تغمرالمخلوقات جميعا منذ أن خلقها وإلي أن نقف بين يديه، فيدخلها جنته أو يذيقها عذابه. وإذا تأملنا الكون المحيط بنا تجلت لنا رحمة الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة....
فالحق تبارك وتعالى كان رحيما بنا حين خلقنا من العدم المطلق، ودون أن يكون لناسابقة وجود، ودون أن نطلب منه ذلك، وكيف نطلب ولم نكن ساعتئذ شيئا مذكورا كما قالجل وعلا: هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكنشيئاً مذكوراً (سورة الإنسان)
وكان رحيما بنا حين أعد لنا هذاالكون الفسيح، موفرا لنا كل مقومات الحياة من قبل أن نظر في مرآة الوجود. فالشمستحافظ على بعد ثابت من الأرض، وهذا البعد الثابت يضمن لنا قدرا ثابتا من الحرارة .. لا يزيد فتقتلنا الحرارة، ولا ينقص فتقتلنا البرودة، والهواء يحيط بنا ويحويالأوكسجين اللازم لعملية التنفس وأكسدة المواد الغذائية كي تنطلق الطاقة التي تكفلللجسم القيام بوظائفه، والماء الذي يمثل معظم مساحة الكرة الأرضية بما له من وظائفغير محصورة في جسم الإنسان، هذا فضلا عن استخدامه في الطهارة التي تقي الإنسان شرالأمراض والآفات.
ومن رحمته عز وجل أنه جعل في الهواء من الخاصية ما يمكنه منحمل الطيور الطبيعية والصناعية وهي الطائرات التي ابتكرها الإنسان في العصر الحديث! وجعل في الماء من الخاصية ما يمكنه من حمل السفن العملاقة التي تحمل الناس بأمتعتهممئات بل آلافا من الأميال إلي أماكن لم يكونوا بالغيها إلا بشق الأنفس أو غيربالغيها أبدا. فالحق جل وعلا كان يعلم أزلا أن الأرض سوف تعمر بنسل آدم وسيصبح منالضروري أن تستجد وسائل مواصلات أكثر قوة وسرعة تسهل عليه التنقل عبر المسافاتالمتباعدة، فلولا الطائرات والسفن ما كان الإنسان ليصل إلي الأمريكتين أو إلي قارةأستراليا مثلا .. وما كان التعامل بين دول العالم ليصل إلي ما وصل إليه.
إن مرحلة إعدادالكون لم تكن مصورة فقط على توفير مقومات الحياة البدائية التي عاشها الإنسان فيبدء الخليقة .. بل إن الحق جل وعلا قد وضع في الكون عناصر ومواد، وهو يعلم أناستخدامها سيحين بعد آلاف أو ملايين من السنين حينما يزحف العمران على سطح الكرةالأرضية. خذ على سبيل المثال عنصر البترول الذي يمثل أهم مصادر الطاقة والذيتستخدمه الطائرات والسيارات والماكينات المختلفة في دورتها الحركية.
انظر إليسائر العناصر التي استخدمها الإنسان في صناعة المبتكرات الحديثة .. هل وجدت هذهالعناصر في باطن الأرض بمحض الصدفة .. إنه الجهل بعينه أن نتصور كما تصور الشيوعيونأنها موجودة بالصدفة المحضة .. لأن الحقيقة التي قررها القرآن الكريم ويقبلها العقلوتطمئن لها الفطرة السليمة .. هي أن الله تبارك وتعالى هو الذي خلق هذه العناصر،فقد قال جل وعلا: الله خلق كل شيء وهو على كل شيءوكيل "62" (سورة الزمر)
وبعد أن خلقها ادخرها في باطن الأرض حتى يمكنالإنسان من الاستفادة بها في وقت الحاجة إليها .. وحتى يستطيع بنو آدم التواؤم معالظروف الجديدة والمتمثلة في زيادة أعدادهم وانتشارهم عبر جميع بقاع الكرة الأرضية. وإذا تساءلنا: هل كان الإنسان ليستطيع أن ينتقل بين أماكن بينها آلاف الأميال لولاوسائل المواصلات الحديثة؟ وهل كان يستطيع الاتصال بأبناء جنسه المقيمين بالأقطارالمختلفة لولا أجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية؟
بالطبع ما كان الإنسانليستطيع ذلك لولا وسائل المواصلات وأجهزة الاتصال .. وما كان أيضا ليستطيع أن يتوصلإلي هذه الاختراعات المبتكرة لولا وجود هذه العناصر التي تدخل في تكوينها .. والتيأعدها الله جل وعلا برحمته سلفا وادخرها في باطن الأرض حتى يحين وقت استخدامها. وبعد أن أعد لنا عز وجل هذا الكون، أعد لنا في بطون أمهاتنا رحما رحيما بنا يأتينافيه الرزق .. بلا حول ولا قوة .. رزقا منه تبارك وتعالى بلا تعب ولا مقابل .. ويقولعز وجل في الحديث القدسي:
(أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمنوصلها وصلته، ومن قطعها قطعته).
ومن رحمته جل وعلا أنه ينبت لنا من الأرضالجدباء طعاما نأكله وفي ذلك يقول تبارك وتعالى: فانظر إلي أثار رحمت الله كيف يحيى الأرض بعد موتها (سورة الروم ـ50)
ومن رحمته أنه جعل لنا الليل سكنا لنجد فيه الراحة والسكينة بعدعناء العمل، وجعل لنا النهار للسعي والعمل واكتساب القوت فقال عز وجل: ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبغوا منفضله} (سورة القصص ـ 73)
ومن رحمته أنه أرسل الرسل بالرسالات السماويةإلي الناس كافة ليخرجهم من الظلمات إلي النور، وأرسل رسوله محمدا عليه افضل الصلاةوأتم التسليم خاتم الأنبياء والمرسلين بالهدى ودين الحق ليكون رحمة للعالمين، فيقولتعالى: وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوالعلكم ترحمون "155" (سورة الأنعام)
ويقول سبحانه: أوعجبتم أن جاءكم من ربكم على رجلٍ منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكمترحمون "63" (سورة الأعراف)
ويقول عز وجل: وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون "204"} (سورةالأعراف)فالقرآن الكريم الذي أنزل على خاتم النبيين والمرسلين هوالرحمة العظمى التي جاد بها الله عز وجل على بني آدم، فمنهم من قبلها ومنهم منأعرض. القرآن الكريم هو الذي أخرج المؤمنين من ظلمات الجهل إلي نور الإيمان، ونقلهممن العقائد الواهية التي بنيت على الوهم والظن إلي عقيدة قويمة بنيت على اليقينالذي لا يقبل الشك. فمن آمن بالقرآن الكريم واتبع أوامره وانتهى عن نواهيه كان لهنورا وشفاء ورحمة، وفي ذلك يقول تبارك وتعالى:ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين(سورة النحل ـ 89)
ويقول سبحانه: وننزلمن القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين (سورة الإسراء ـ 82)
ويقول تباركوتعالى: ولقد جئناهم بكتاب فضلناه على علمٍ هدىًورحمةً لقومٍ يؤمنون "52"} (سورة الأعراف)
ويقول الحق سبحانه: تلك آيات الكتاب الحكيم "2" هدىً ورحمةً للمحسنين "3" (سورةلقمان)
ويقول جل جلاله: فقد جاءكم بينةمن ربكم وهدىً ورحمةً (سورة الأنعام ـ 157)
ومن رحمته جل وعلا أنه بينلنا موجبات رحمته، وعرفنا السبيل إلي استجلابها، فقال تعالى:إن رحمت الله قريب من المحسنين (سورة الأعراف ـ 56)
فأوضح بذلك أن رحمته تبارك وتعالى تكون قريبا من عباده المؤمنين به، الطائعينله .. فهؤلاء يتغمدهم برحمته .. فينجيهم من كروب الدنيا ويبعثهم يوم القيامة .. يومالفزع الأكبر .. آمنين. ألم ينج الله عز وجل هودا عليه السلام من قوم عاد بعد أنكفروا بما جاءهم من عقيدة التوحيد واتهموه بالسفاهة وكادوا يفتكون به وبمن اتبعه منالمؤمنين؟ وفي ذلك يقول عز وجل: فأنجيناه والذينمعه برحمةٍ منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين "72" (سورةالأعراف)
وصالح عيه السلام حين أمر قومه ألا يقربوا الناقة وأن يذروهاتأكل في أرض الله ولا يمسوها بسوء فعقروها فأصابتهم الصيحة ونجى الله صالحا ومن آمنمعه، وفي ذلك يقول جل وعلا: فلما جاء أمرنا نجيناصالحاً والذين آمنوا معه برحمةٍ منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز "66" (سورة هود)
كما قال عز وجل عن شعيب عليه السلام: ولما جاء أمرنا نجينا شعيباً والذين آمنوا معه برحمةٍ منا وأخذتالذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين "94" (سورة هود)
ولعلنالا ننسى في هذا المدار أهل الكهف وكيف أن الله تبارك وتعالى قد جعلهم عبرة ودليلاعلى أن الإيمان القويم المصحوب بالصدق في القول والعمل يستجلب رحمة الله لتغمرالمؤمن به الملتزم بطاعته ولتجعل له الصعب سهلا. إن قصة أهل الكهف .. هي قصة كل قوميفرون من الطغاة الذين يحاولون حملهم قسراً على الكفر بالله .. فيفروا بدينهم .. لقد اختبأ الفتية في كهف. إن الله سبحانه وتعالى يصفهم في كتابه الكريم بقوله: إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدىً (سورة الكهفـ من الآية 13)
وبهذه الصفة علمناأن أهل الكهف .. لم يكونوا من الشيوخ الضعفاء أو مجموعة من النساء .. إنما هم فتية .. أي فيهم شباب وفتوة، وأنهم آمنوا بربهم .. أي أنهم فتية مؤمنون بالله .. وأنالله سبحانه وتعالى ـ لما آمنوا به ـ زادهم إيمانا وهدى من عنده .. فالله جل جلالهيزيد المؤمن إيمانا .. ويعينه على الطريق مادام إيمانه صحيحا وقويا .. مصداقا لقولالحق سبحانه وتعالى: والذين اهتدوا زادهم هدىًوآتاهم تقواهم "17" (سورة محمد)
إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتناإلي أنه يعين المؤمن على طريق الإيمان فيزيده من فضله. هؤلاء الفتية خافوا علىدينهم وخافوا على عقيدتهم من أن يجبرهم حكامهم على عبادة غير الله .. ففروا بدينهمإلي كهف في الجبل .. يختبئون فيه من الطغاة الكفرة .. والكهف مكان ضيق .. لا يستطيعالإنسان أن يمضي فيها إلا وقتا قصيرا .. واقرأ قول الحق جل وعلا:وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلي الكهف ينشر لكم ربكممن رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً "16" (سورة الكهف)
الحق سبحانهوتعالى يريد منا أن نعلم .. أن هذا الكهف الضيق الذي ـ بكفرنا البشري وتفكيرناالمادي ـ نظن أنه سيضيق عليهم مكانا بمساحته الصغيرة .. وزمانا بأنه لا أحداث فيه .. هذا الكهف إن ضاق عليهم مساحة، فلن يضيق عليهم أنعاما .. فرحمة الله سبحانهوتعالى ستجعل هذا المكان الضيق يبدو رحبا واسعا .. فلا يحسون بضيق المكان والزمنيتوقف فيه فلا يحسون بضيق الزمان .. بل تأتي رحمة الله لتحيط بهم.
إن هذايلفتنا إلي أن كل من يفر بدينه .. إلي مكان غير الذي يقيم فيها، ومهما كان هذاالمكان ضيقا فإن الله برحمته يجعله واسعا رحبا. فإن كان هذا المكان فيه ضيق فيالرزق .. فتح الله للمستمسك بدينه من أبواب الرزق ما يجعله أغنى الأغنياء. وإذا كانهذا المكان يضيق بالغرباء .. أي لا يرحب فيه بغريب .. وضع الله من رحمته في قلوبسكان هذا المكان ما يجعلهم أشد الناس ترحيبا به. وإن كان هذا المكان ضيقا بمن فيهأي مزدحما أوجد الله له مكانا متسعا يعيش فيه.
لقد غمر الله أهل الكهف برحمتهمكافأة لهم على الفرار بدينهم .. فلم يجعلهم يفكرون في أنهم مضطهدون حتى لا يعيشوافي قلق ورعب من أن يلحق بهم الطغاة الكفرة، أو يكتشفوا مخبأهم، كما أزال من حياتهمهم البحث عن الطعام والشراب؛ لأن عملية البحث كانت ستعرضهم لظروف قاسية كل يوم .. هي أن يخرج أحدهم من الكهف ليأتي لهم بطعام وشراب، وهو يتلفت حوله خوفا من أن يراهأحد أعوان الطغاة، فيرشدهم إلي الكهف .. أو أن يتتبعه أحد فيكشف سرهم .. لذلك ألقىعليهم (أمنه نعاسا) أي ألقى عليهم النوم في الكهف .. فلا يشعر بهم أحد، ولا يشعرونبالوقت .. ولا يحتاجون إلي طعام وشراب.
وهكذا نجاهم الله برحمته من كل ضيقدنيوي .. فلا هم أحسوا بضيق المكان، ولا أحسوا بملل الزمان، ولا أحسوا بقلق توقعالخطر، ولا أحسوا بضيق حياتهم .. بل الله تبارك وتعالى برحمته المطلقة اذهب الضيقتماما .. وكانت هناك آيات بقدرة الله تولتهم بعنايته ورحمته. ونبي الله أيوب عليهالسلام حين اشتد عليه البلاء فالتزم الصبر ولم يخرج عن حدود الإيمان القويم فغمرهالله برحمته ورفع عنه البلاء وأعاده إلي حال أحسن من حاله قبل البلاء.
وفي ذلكيقول تبارك وتعالى: وأيوب إذ نادى ربه أني مسنيالضر وأنت أرحم الراحمين "83" فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضرٍ وآتيناه أهله ومثلهممعهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين "84" (سورة الأنبياء)
ويقول جل وعلاعن إدريس وإسماعيل وذا الكفل عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة وأتم التسليم: وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين "85" وأدخلناهم فيرحمتنا إنهم من الصالحين "86" (سورة الأنبياء)
ورحمة الله لا تقتصر علىالمؤمنين الطائعين فقط بل تمتد لتشمل ذريتهم من بعدهم تكريما لهم وسكينة لأنفسهم .. وقد رأينا ذلك في قصة العبد الصالح والجدار والتي قال عنها المولى عز وجل: وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكانتحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمةًمن ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً "82" (سورةالكهف)
إن الآيات القرآنية الكريمة التي جعلت الإيمان بالله تباركوتعالى وطاعته سببا لاستجلاب رحمته عديدة .. فقد قال جل وعلا: وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون "132" (سورة آل عمران)
وقال جل شأنه: يقولون ربنا آمنا فاغفر لناوارحمنا وأنت خير الراحمين "109" (سورة المؤمنون)
وقال سبحانه وتعالى: فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون(سورة الحجرات ـ 10)
ولعل في سيرة المصطفى عليه افضل الصلاة وأتمالتسليم خير دليل على العلاقة الوطيدة بين إيمان العبد ودخوله في رحمة الله. فنبيناعليه الصلاة والسلام لا يضاهي في كمال إيمانه وشدة طاعته والتزامه. ولذلك كان صلىالله عليه وسلم مشمولا برعاية الله ورحمته في كل لمحة ونفس منذ أن شرف الوجودبمولده وإلي أن لقى ربه عز وجل .. ألم تشمله الرحمة الإلهية في الغار إذ أوشك أنيعثر عليه كفار قريش؟ وفي ذلك يقول تبارك وتعالى: إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما فيالغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنودٍ لمتروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم "40(سورة التوبة)
ألم تشمله الرحمة حين التف الكفار حول داره يريدون قتلهوالخلاص من رسالته .. فأعمى الله عيونهم عنه وخرج آمنا مطمئنا إلي حيث غايته، وفيذلك يقول الحق جل وعلا: وجعلنا من بين أيديهم سداًومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون "9"} (سورة يس)
كم من المعاركالضارية خاضها المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو على رأس أصحابه، وكم من محاولة غادرةماكرة حاكها الكفار والمشركون للخلاص منه ومن رسالته .. ولكن هيهات .. هيهات أنيتحقق ما ينشدون. فالحق سبحانه وتعالى رحمة بالبشرية جمعاء شمل نبيه بعنايته ورحمتهوشمل الرسالة برعايته وحمايته، حتى يخرج الناس من الظلمات إلي النور وقد قال جلوعلا: ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كرهالكافرون (سورة التوبة ـ9)
وقال سبحانه: والله متم نوره ولو كره الكافرون (سورة الصف ـ8)
ولم يكنرسول الله صلى الله عليه وسلم مشمولا برحمة الله فحسب .. بل كان هو نفسه رحمة تمشيعلى الأرض .. ومن يتتبع رسالته وما أحدثته في تاريخ العالم من تغيير سيدرك علىالفور أنه رحمة من الله للناس كافة وهذه الرحمة قد غمرت من آمن به ومن لم يؤمن وأناختلفت في القدر والكيف. وقد قال تعالى:وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين "107" (سورة الأنبياء)
ومن رحمة المولىتبارك وتعالى أنه كتب على نفسه الرحمة كما ذكر في قوله تعالى:كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلي يوم القيامة لا ريب فيه (سورةالأنعام ـ12)
وكما قال سبحانه: فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة (سورةالأنعام ـ 54)
وهذه الكتابة لا تنفي أن الرحمة صفة أصلية له .. متعلقةبذاته .. ولكي نفهم ذلك ينبغي أن ندرك أن صفات الله عز وجل لا ترغمه على أن يتصرفوفقا لها .. بمعنى أنه عز وجل رحيم، والرحمة صفة أصليه له، متعلقة بذاته .. ولكننانرى أحيانا أنه ـ سبحانه ـ يعامل بعض مخلوقاته بلا رحمة؛ لأنه إن شاء ذلك فعل .. فهو سبحانه وتعالى لا يحكم على نفسه معاملة خلقه بمنتهى الرحمة .. فكان الفرض منهوعليه، ورحمة الله قد وسعت كل شيء، فشملت المؤمن والكافر، المطيع والعاصي، الحيوانوالنبات، بل وشملت الجماد أيضا .. وقد قال جل وعلا: قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعك كل شيء (سورة الأعراف ـ 156))
وقال تعالى: ربنا وسعت كل شيءرحمته وعلماً (سورة غافر ـ 7)
ولعلك تشعر بالرحمة الفياضة إذا تأملتقطة ترضع صغيرتها. أو أسدا يداعب شبله في معركة لا يلحق الصغير منها أذى .. إنهارحمة الله التي لم تترك صغيرة ولا كبيرة في الكون إلا غمرتها. وقد قلنا مرارا إنالله عز وجل رحمن الدنيا ورحيم الآخرة .. فرحمانيته في الدنيا شملت جميع خلقه .. المؤمن والكافر والطائع والعاصي .. بينما يختلف الأمر في الآخرة، إذ أن رحمته ستشملالمؤمن فقط .. فكما شملتهم في الدنيا باسمه (الرحمن) فإنه سوف يشملهم في الآخرةباسمه (الرحيم) فيغفر لهم خطاياهم ويرحمهم ويدخلهم جنته برحمته، وفي ذلك يقول جلوعلا: أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم(سورة التوبة ـ 71)
ويقول سبحانه: فأماالذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه (سورة النساء ـ 175)
ويقول وقوله الحق: سيدخلهم الله في رحمته إنالله غفور رحيم (سورة التوبة ـ 99)
وإذا تتبعنا اسمه عز وجل (الرحمن)في الآيات القرآنية التي ورد فيها وكذلك إذا تتبعنا اسمه (الرحيم) لتأكد لدينا أنهرحمن الدنيا ورحيم الآخرة. خذ على سبيل المثال قوله تعالى: يا أبت لا تبعد الشيطان أن الشيطان كان للرحمن عصياً "44" يا أبت إنيأخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً "45" (سورة مريم)
لقدورد اسم (الرحمن) في الآيتين السابقتين ولم يرد اسم الرحيم .. وذلك لأن رحمانيةالله في الدنيا شملت جميع خلقه. ولو لم تشملهم جميعا لما أمهل الله عز وجل الشيطانإلي يوم القيامة، ولما أمهل آزر رغم أنه متمسك بشركه وكفره .. وتأمل أيضا قولهتعالى: لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرونبالرحمن (سورة الرعد ـ 30)
فعلى الرغم من كفر الكافرين، وضلال الضالين .. تجد أن الحق جل وعلا يشملهم برحمانيته فيمهلهم ويمد لهم في الوقت لعلهم يذكرونأو يخشون. وبينما تدل الآيات التي ورد فيها اسم الرحمن على شمول الرحمانية لجميعالمخلوقات في الدنيا، نجد أن اسم (الرحيم) لا يرد في الغالب إلا مع المؤمنينالطائعين أو التائبين النادمين ويتجلى ذلك في قوله تعالى:فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم (سورة البقرة ـ 160)
وقوله سبحانه: أولئك يرجون رحمت الله واللهغفور رحيم (سورة البقرة ـ 218)
وقوله تعالى: فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم "192" (سورة البقرة)
ومنكمال رحمته جل وعلا أنه لا يأخذ الكافر والمشرك والعاصي بذنوبهم على الفور .. بليمد لهم ويمهلهم لعلهم يرجعون. وفي ذلك يقول تبارك وتعالى: ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكنيؤخرهم إلي أجل مسمىً فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيراً "45" (سورةفاطر)
يأخذ الجميع ثم يتغمد عباده برحمته .. فيقيهم عذاب ناره، ويسكنهمفسيح جناته. وإن كانت رحمة الله عز وجل عامة شاملة في الدنيا كما أوضحنا .. فهذا لاينفي أن المؤمن يختص منها بنصيب متميز. فالرحمن بالكفار والعصاة تتجلى في إبقاءالله لهم وإمهالهم إلي أن يحين أجلهم .. ويتجلى أيضا في أن الله تبارك وتعالى لايرحمهم من نعمه. أما رحمة الله بالمؤمن .. فهي الحياة الكريمة الهادئة المستقرة فيالدنيا والآخرة .. إنها الحياة التي ينعم المؤمن فيها برضاه عن نفسه وعن خالقه وعنحياته .. وحتى ولو ابتلى أشد البلاء .. في صحته أو ماله أو أهله ..
وماذا يبغيالإنسان منا أكثر من ذلك؟
وانطلاقا من هذه الحقيقة اختص تبارك وتعالى أمةالتوحيد الصحيح الكامل .. أمة المصطفى عليه افضل الصلاة وأتم التسليم برحمات لاتحصى منها بل من أهمها القرآن الكريم .. الرحمة العظمى .. تلك الرحمة العامة التيقبلوها دون غيرهم من أمم الكفر والشرك .. فغمرتهم دون سواهم .. هذه الرحمة التيتتجلى في القلوب فلا يشعر بها إلا من قبلها .. ويعمي عنها من رفضها وردها فلا يلمسلها أثرا في نفسه ولا في غيره.
ومن هذه الرحمات أيضا أن الحق تبارك وتعالى جعللأمة محمد في قلب نبيهم رأفة ورحمة بهم .. ولقد كان لرحمته صلى الله عليه وسلمبصحابته والتابعين ما لها من الآثار والنعم .. تلك النعم التي لم تنقطع منا بعثتهوإلي وقتنا هذا. فحسبه عليه افضل الصلاة وأتم التسليم أنه على المسلمين أن من لايرحم لا يرحم .. وأن مثلهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرالجسد بالسهر والحمى .. وقد قال جل وعلا: لقدجاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم "128" (سورة التوبة)
ومن هذه الرحمات أيضا أنه عز وجل جعل في قلوبهم رأفةورحمة فيما بينهم مما أشاع الود والترابط بينهم .. وفي ذلك يقول تبارك وتعالى: وجعلنا في قلوب الذين أتبعوه رأفةً ورحمةً (سورةالحديد ـ 27)
ويقول سبحانه أيضا: محمدرسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم (سورة الفتح ـ 29)
ومن هذه الرحمات أنه جل وعلا يسر عليهم الحساب حتى يجتازوا الاختبار ويؤدواالأمانة التي حملوها باختيارهم .. فينتهوا إلي النعيم الأبدي الذي لا يعتريه شقاءولا كرب ولا ملل .. فمن جاء منهم بالحسنة ضاعفها له إلي عشرة أمثالها .. وإليسبعمائة ضعف .. ويضاعف فوق ذلك لمن يشاء .. ومن أتى بالسيئة فلا يجزي إلا بها، وفيذلك يقول تبارك وتعالى: من جاء بالحسنة فله عشرأمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي إلا مثلها وهم لا يظلمون "160" (سورةالأنعام)
كما قال سبحانه: من جاءبالحسنة فله خير منها وهم من فزعٍ يومئذٍ آمنون "89" (سورة النمل)
ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً إن اللهغفور شكور "23" (سورة الشورى)
وقال تبارك وتعالى: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبةٍ أنبتت سبع سنابل فيكل سنبلةٍ مائة حبةٍ والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم "261" (سورةالبقرة)
وقد جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب الحسناتوالسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له حسنة كاملة، فإن هوهم بحسنة فعملها، كتبها الله له عشر حسنات، إلي سبعمائة ضعف، إلي أضعاف كثيرة، ومنهم بسيئة فلم يعملها، كتبها الله له حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها، كتبها اللهسيئة واحدة.
وفضلا عن ذلك فإنه تبارك وتعالى قد فتح أمامهم باب التوبةوالمغفرة على مصراعيه .. حتى إذا ما أذنبوا فندموا فاستغفروا فرجعوا إليه غفر لهمذنوبهم وتغمدهم برحمته وفي ذلك يقول جل وعلا: قليا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوبجميعاً إنه هو الغفور الرحيم "53" (سورة الزمر)
ويقول سبحانه وتعالى: فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم "192" (سورةالبقرة)
ويقول جل وعلا: إلا الذينتابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم "89" (سورة آل عمران)
ويقول سبحانه: أنه من عمل منكم سوءا بجهلةٍ ثمتاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم (سورة الأنعام ـ 54)
ومن رحمته بهمأيضا أنه فتح أمامهم أبواب الخيرات .. لترجح كفة حسناتهم فينتهوا إلي حيث النعيمالأبدي .. إلي حيث صفاء النفوس المؤمنة صفاء لا يعكره كدر .. ونعيم لا يشوبه انقطاعأو يقطعه ملل. لقد نوع المولى عز وجل لهذه الأمة مصادر الحسنات .. ما بين صلاةوصيام وحج .. وفرض على نفسه أن يكافئ المحسن ولو على ذرة من الخير عملها في وقت منالأوقات، وفي ذلك يقول جل وعلا: فمن يعمل مثقالذرةٍ خيراً يره "7" (سورة الزلزلة)
فالابتسامة في وجه أخيك صدقة .. وإماطة الأذى عن الطريق صدقة .. الكلمة الطيبة صدقة .. اللقمة يضعها المرء في فمامرأته له بها صدقة. أي رحمة بعد ذلك وأي تخفيف؟. إنه سبحانه وتعالى يتلمس لناأسباب النجاة والفوز بالجنة، ويهيئ لنا من أبواب الخير ما يحول بيننا وبين جهنموالعياذ بالله .. فما علينا إلا أن نسلك الطريق وأن نغتنم هذه التيسيرات فنتقيالنار ولو بشق تمرة.
إن كل شيء في الكون رحمة من الله سبحانه وتعالى بخلقه حتىلو تبدي للناظرين أنه عناء وشقاء .. الشياطين .. الحيوانات المفترسة .. الثعابين .. العقارب .. الفجائع التي تصيب الإنسان في الأهل والأحباب .. في الصحة والمال .. كلهذا من رحمة الله بخلقه. فمن حكمته تبارك وتعالى ورحمته أنه أوجد للإنسان أعداءمتعددين يلاحقونه دوما .. حتى إذا ما ضاق بهم ذرعا .. وعجز عن مقاومتهم .. لجأ إليخالقه .. ليكون له طوق النجاة .. ولو أنه عز وجل لم يفعل ذلك لما ذكر الإنسان ربهإلا قليلا.
وهكذا يتجلى لنا أن الرحمة قد تكمن في جوف النقمة .. ولاشك أن كل مايقرب الإنسان من خالقه هو الخير بعينه والرحمة بعينها وأن تجلي للسطحيين أنه نقمةليس لوجودها مبرر. والمؤمن يجب أن يدعو الله دائما أن يتغمده برحمته في الدنياوالآخرة .. فالدعاء لاستجلاب الرحمة من خصال المؤمنين الصادقين المتقين الذين يخشونالله عز وجل ويخشون عذابه لأنهم على يقين أن الله حق وأن الجنة حق وأن النار حق .. ولنقرأ قوله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعهالها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسين أو أخطأنا ربنا ولا تحملعلينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعفعنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين "286" (سورةالبقرة)
وقوله تعالى: قال يا نوح إنهليس من أهلك إنه عمل غير صالحٍ فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون منالجاهلين "46" قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمنياكن من الخاسرين "47" (سورة هود)
وقوله تعالى: أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم (سورة البقرة ـ 218)
وقوله تعالى: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذهديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً (سورة آل عمران ـ 8)
وقوله تعالى: ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين(سورة المؤمنون ـ 109)
ولا يظن المؤمن أنه آمن بمحض مشيئته .. ولا يظنالطائع أنه أطاع بخالص قدرته وإرادته؛ لأن الانتقال من الكفر إلي الإيمان، ومنالمعصية إلي الطاعة يكون برحمة الله وتوفيقه واتل قوله تعالى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحدٍ أبداً (سورة النورـ 21)
ورحمة الله عز وجل مطلقة كسائر صفاته، ولقد أشار الحق تباركوتعالى إلي ذلك في العديد من الآيات القرآنية .. فقال جل وعلا: قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء} (سورة الأعراف 156)وقال سبحانه: قال لا تثريب عليكماليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين "92" (سورة يوسف)
إنه عز وجلارحم الراحمين وخير الراحمين، ورحمته وسعت كل شيء .. فهي الرحمة المطلقة التي غمرتكل المخلوقات وغمرت كل البشرية بما فيها من عناصر الكفر بالله والشرك به والمعصيةله والجحود بأنعمه. ومن العجيب أن هذه العناصر الكافرة والمشركة والمعصية تحاولهباء أن تشكك في طلاقة الرحمة .. فيقولون: كيف تكون رحمة الله مطلقة رغم أنه سيدخلبعضا من خلقه جهنم ويذيقهم أشد العذاب؟. محاولين بذلك أن يتلمسوا لأنفسهم مخرجا إذما اكتشفوا بعد الموت أن الله عز وجل حق، وإذا ما اكتشفوا زيف عقائدهم التي أصرواعليها في الدنيا.
وقد بينا في غير موضع سذاجة فكرهم وسطحية عقولهم، وجهلهمبمفهوم الكمال الإلهي .. ونكرر ما ذكرنا من قبل في هذه الجزئية الهامة حتى يعلم منلم يعلم، ويتثبت من علم. لقد قلنا ردا عليهم: أن هذا فهم قاصر .. إذ أن رحمة اللهقد شملت جميع مخلوقاته منذ أن خلقهم من العدم المطلق وتكفل بتوفير مقومات الحياةلهم من هواء وماء وطعام إلي غير ذلك مما لا نستطيع حصره، وفي مقابل ذلك طلب منهمعبادته وطاعته بما هو ميسور لهم من العبادات، وهذه العبادة ليست إلا القيام ببعضالأعمال وامتناع عن بعض .. علما بأن الالتزام بالفعل والامتناع يكفل لهم حياة كريمةهادئة ويحقق لهم الأمن والأمان وسعادة الدنيا والآخرة، فإذا أطاعوا الله فيما أمربه ونهى عنه فستشملهم رحمته في الآخرة كما شملتهم في الدنيا.
وأما من عصى ولميعبد الله بما يتناسب مع نعمه عليه فقد أسقط عن نفسه موجبات الرحمة في الآخرة،واستحق أن يعامله الحق عز وجل بمقتضى عدله المطلق الذي يقتضي معاملة كل إنسان وفقالعمله في الدنيا. ولو ساوى الله بين عباده في الحساب وأدخل الجميع فسيح جناته لأصبحظالما لعباده الصالحين الطائعين .. فعدله عز وجل يقتضي أن يكون رحمن الدنيا فتشملرحمته في الدنيا جميع خلقه، وأن يكون رحيم الآخرة فتشمل رحمته في الآخرة عبادهالصالحين الطائعين، بل إن تعذيب النفوس الشريرة التي دأبت على المعصية قد يكون رحمةمن الله سبحانه وتعالى لتطهير هذه النفوس من شرها وعنادها، فإذا أدخلها الجنة بعدذلك دخلت طاهرة بما يتناسب مع قداسة الجنة وقداسة أهلها.
إن الله تبارك وتعالىواحد أحد متعدد الصفات، ولكل صفة مجال للعمل، فصفة الرحمة لها موجبات، وصفةالانتقام لها موجبات، فإذا تحققت موجبات الرحمة حلت الرحمة حيث تحققت موجباتها .. وإذا تحققت موجبات الانتقام الإلهي .. حل الانتقام حيث تحققت موجباته .. ولا تعارضبين هذا وذاك.
وأنه لمن الجهل المتعمد بالكمال الإلهي أن ينتقي الإنسان منالصفات الإلهية ما يوافق هواه فيتشبث بها، بينما يغفل ويتناسى سائر الصفات وكأنهاليست من صفات الله عز وجل.
وقد قال النبي صلى اللهعليه وسلم: "إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه: "إن رحمتي سبقت غضبي"
وفي رواية "تغلب غضبي" أي غلبت بكثرة آثارها .. بدليل أن قسط الخلق من الرحمناكبر من قسطهم من العذاب، لنيلهم إياها بلا استحقاق، فقلم التكليف مرفوع عنهم إليالبلوغ، وعقوبة العصيان غير معجلة، وحتى مع العصيان فإن الله يرزقهم ويقبل توبتهم. إن الحق جلا وعلا رحمن رحيم في نفس الوقت الذي هو فيه شديد الانتقام وشديد العذاب،ولا تعارض البتة لمن يفهم المسألة على وجهها الصحيح. فسبحان الله وبحمده وسبحانالله العظيم .. الرحيم الذي ينزل إلي السماء الدنيا حين يمضي ثلث الليل الأولفيقول:
أنا الملك.
من ذا الذي يدعوني فاستجب له؟.
من ذا الذي يسألنيفأعطيه؟.
من ذا الذي يستغفرني فاغفر له؟.
فلا يزال كذلك حتى يضئ الفجر. .
فتبارك ربنا الملك الحق .. الرحمن الرحيم.

ام وليد2005
06-30-2014, 04:26 AM
الملك
ملك الشيء أي حازهوانفرد باستعماله والانتفاع به أو التصرف فيه. والاسم مالك .. وأملكه الشيء أو ملكهالشيء أي جعله ملكا له .. وتملك الشيء أي امتلكه.
(والملك) بفتح الميم واللام هوواحد الملائكة، وهو جنس من خلق الله تعالى نوراني لطيف كجبريل وعزرائيل. أما (الملك) بفتح الميم وكسر اللام فهو اسم من أسماء الله الحسنى .. وهو يعني ذو الملكوصاحب التصرف فيما يملك بجميع الوجوه ما علمناه منها وما لم نعلم. حين يملك الإنسانشيئا يقال له مالك .. ولكن ملكه محدود بحدود ما ملكه من أشياء. وقد يستخدم الاسم (ملك) مع الإنسان .. ولكن يلاحظ أنه يأتي دائما مضافا .. كأن نقول ملك بلجيكا أيولي السلطة ببلجيكا.
هذا عن ملك الإنسان .. أما عن ملك الحق جل وعلا فإن الأمريختلف، لأنه سبحانه وتعالى ليس مالكا فحسب .. بل هو الملك .... الذي يملك الأشياءويملك من ملكها. إذا امتلك إنسان قطعة أرض فإنه يصير مالكا .... أما الحق جل وعلا فهوالملك لأنه الملك هذا الإنسان ويملك قطعة الأرض ما بحكم كونه الخالق لهما وللكونبأكمله.... إن من يشتري شيئا يصير مالكا له .. فمن باب أولى أن ملكية الخالق لما خلقأجلى وأوضح.
وملك الله تبارك وتعالى لكونه يتضمن مفهوم الملكية البسيطةوالمستقى من ملكية الناس لبعض متاع الدنيا ويزيد عليه بوجوه أخرى .. فملكية الإنسانملكية رمزية، أما ملكية الله جل وعلا فهي ملكية حقيقية. إن لحق تبارك وتعالى يملكمخلوقاته ولا يشاركه في هذه الملكية أحد وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض ،سورة البقرة ـ(107)
ويقول عز وجل: ولله ملك السماواتوالأرض والله على كل شيء قدير (سورة آل عمران ـ (189)
ويقول تباركوتعالى: ولله ملك السماوات والأرض وما بينهماوإليه المصير (سورة المائدة ـ 18).
ويقول سبحانه: ولله ملك السماوات والأرض وما فيهن (سورة المائدة ـ 120)
ولقد كلف الله رسله عليهم افضل الصلاة والتسليم بإخبار الناس بهذه الملكية .. وبالفعل كان الرسل جميعا يدعون الناس إلي الإيمان بملكية الحق تبارك وتعالى لكونه،كما يدعونهم إلي الإيمان بعقيدة التوحيد الخالص، ولقد كلف الله نبينا عليه افضلالصلاة وأتم التسليم بأن يخبر الناس بأنه جل وعلا هو الملك الذي له ملك السماواتوالأرض .. فقال جل وعلا: قل يا أيها الناس إنيرسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيى ويميتفآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون(158سورة الأعراف)
ومن آثار ملكه عز وجل لكونه أنه يملك استبدال هذاالكون أو بعض منه بخلق جديد .. وفي ذلك يقول جل وعلا: يا أيها الناس أنتم الفقراء إلي الله والله هو الغني الحميد "15" إنيشأ يذهبكم ويأت بخلقٍ جديدٍ "16" وما ذلك على الله بعزيزٍ "17" (سورةفاطر)
كما يملك أيضا أن يضيف إلي كونه ما ليس فيه كما قال جل وعلا: الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكةرسلاً أولى أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير "1"(سورة فاطر)
ومن هذه الآثار أيضا أنه تبارك وتعالى يحيي ويميت منيشاء حين يشاء ولا يشاركه في ذلك أحد .. وقد رأينا ذلك الذي حاج إبراهيم في ربه .. هذا الرجل الذي آتاه الله ملكا، فتخيل بجهله أنه يملك الأحياء والإماتة فظن أنه إذاحكم على إنسان بالموت ثم عفا عنه فقد أحياه .. وإذا نفذ فيه الحم فقد أماته.
كان يملك سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يقول له: إن عفوك عن هذا الإنسان بعد أنحكمت عليه بالموت ليس إحياء، لأن الإحياء يكون من العدم أو يكون من الموت، وأنت لمتفعل هذا ولا ذاك، وإن افترضنا جدلا أنك عفوت عنه بعد أن حكمت عليه بالموت، فإنكبذلك لا تكون قد أحييته .. وإنما أبقيت على حياته والتي كانت له قبل أن تحكم عليهأو تعفو عنه .. أما عن ادعائك بأنك نفذت الحكم فإنك تكون بذلك قد أمته، فإن ذلك فهممغلوط؛ لأنك في حقيقة الأمر نفذت إرادة الله بموته، ولم تمته بإرادتك وقدرتك.
ولكن سيدنا إبراهيم لم يلجأ إلي كل هذا الجدل، لأن حجج قهر الكافرين المجادلينبالباطل لا تحصى، لكنه اختار حجة يسيرة لم يملك هذا الرجل لها دفعا ولا ردا .. وفيذلك يقول جل وعلا: ألم تر إلي الذي حاج إبراهيم فيربه أن آتاه الله الملك إذا قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحي وأميت قالإبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لايهدي القوم الظالمين "258" (سورة البقرة)
ومنها أنه سبحانه وتعالى يعلمعن كونه كل شيء .. يعلم كل صغيرة وكبيرة وفي ذلك يقول جل وعلا: وسع ربي كل شيء علماً أفلا تتذكرون (سورة الأنعام ـ 80)
ويقول سبحانه: وما تحمل من أنثى ولا تضع إلابعلمه} (سورة فاطر ـ 11)
ويقول عز وجل: ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض (سورةالمائدة ـ 97)
ويقول الحق تبارك وتعالى: قال ربي يعلم القول في السماء والأرض (سورة الأنبياء ـ 4)
ويقول عز من قائل: قل أنزله الذي يعلم السر فيالسماوات والأرض (سورة الفرقان ـ 6)
ومنآثار ملكه أيضا أن كل ما يستجد في الكون، وهو الغيب بالنسبة لنا يستجد بإرادتهوبعلمه .. وفي ذلك يقول سبحانه: قل اللهم فاطرالسماوات والأرض عالم الغيب والشهادة (سورة الزمر ـ 46)
ويقول سبحانهوتعالى: ثم تردون إلي عالم الغيب والشهادة فينبئكمبما كنتم تعملون (سورة الجمعة ـ 8)
ولم يقف علمه عند هذه الدرجة فحسب،بل أنه يعلم ما يجول بخواطر البشر، وما تنطوي عليه صدورهم، وفي ذلك يقول جل وعلا: ويعلم ما تخفون وما تعلنون} (سورة النمل ـ25)
ويقول سبحانه: وربك يعلم ما تكنصدورهم وما يعلنون "69" (سورة غافر ـ 16)
ومن هذه الآثار أيضا أن مآلكل شيء إليه .. فكما كانت البداية منه فإن النهاية تكون لديه .. كما قال عز وجل: له ملك السماوات والأرض وإلي الله ترجع الأمور "5" سورة الحديد)
وأنه مالك يوم الدين .. كما قال سبحانه وتعالى: الحمد لله رب العالمين "2" الرحمن الرحيم "3" مالكيوم الدين "4" (سورة الفاتحة)
وكما قال عز وجل: لمن الملك اليوم لله الواحد القهار (سورة غافر ـ 16)
وأنه سبحانه وتعالى منفرد بالملك، بلا شريك ينازعه في ملكه وربوبيته وألوهيتهفي الدنيا والآخرة .. كما قال جل وعلا: وقل الحمدلله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك (سورة الإسراء ـ 111)
وإذا كان الحق تبارك وتعالى هو الملك في الدنيا والآخرة، فهو ـ إذن ـ وحده وبلاشريك الذي يملك النفع والضر، وفي ذلك يقول عز وجل: قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً} (سورةالمائدة ـ 76)
ويقول سبحانه: قل منيرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار (سورة يونس ـ 31)
ويقول المولى تبارك وتعالى: ويعبدون من دونالله ما لا يملك لهم رزقاً (سورة النحل ـ 73)
ويقول الحق سبحانه: قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً (سورة الفتح ـ 11)
ويقول ربنا تبارك وتعالى: فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً (سورة الإسراء ـ 56)
ويقول وقوله الحق: ولا يملكون لأنفسهم ضراًولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً (سورة الفرقان ـ 3)
وإذا فهمنا ذلك فإنه ينبغي علينا أن ننصرف إليه وحده بالدعاء في كل صغيرةوكبيرة، لأن الدعاء لغيره دعاء لمن لا يملك شرا ولا نفعا .. بل إن جميع السبل التييلجأ إليها الإنسان لتحقيق أغراضه ومصالحه كالرشوة والوساطة وغيرها كلها أسباب بيدالله. وينبغي أن نفهم جيدا أن الأسباب لا تحقق ما لا يريد الله تحقيقه، وإذا صادفأن تحققت مصلحة بأحد هذه السبل، فإنها تكون قد تحققت لأن إرادة الله قد شاءت لها أنتتحقق فالإرادة الإلهية تحرك الأسباب، بينما لا تملك الأسباب أن تؤثر في الإرادة أوتحقق ما يخالفها. والحق تبارك وتعالى يحثنا على أن نتوجه إليه سبحانه بالدعاء ودونأن نشرك معه غيره مع الثقة أن كل شيء منه .. فيقول جل شأنه: قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعزمن تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير "26" (سورة آل عمران)
ولقد أدرك نبي الله سليمان عليه السلام هذه الحقيقة .. فدعا الله وحده أن يهبهملكا لا ينبغي لأحد من بعده .. فاستجاب الحق تبارك وتعالى لدعوته وسخر له كل عناصرالكون .. وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: قل رب اغفرلي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب "35" فسخرنا له الريح تجريبأمره رخاء حيث أصاب "36" والشياطين كل بناءٍ وغواصٍ "37" وآخرين مقرنين في الأصفاد "38" هذا عطاؤنا فأمنن أو أمسك بغير حسابٍ "39" وإن له عندنا لزلفى وحسن مآبٍ "40" (سورة ص)
إنه سبحانه وتعالى الملك .. الآمر الناهي في ملكه .. المعزالمذل .. الذي يقلب شئون عباده ويصرفها كيف يشاء .. والإقرار له جل وعلا بالملك فيالدنيا والآخرة والانفراد بهذا الملك فرض على المسلم. وقد التزم المصطفى صلى اللهعليه وسلم بهذا الفرض .. فكأن عليه افضل الصلاة وأتم التسليم يقول دوما صباحاومساء: "أمسينا وأمسى الملك لله. وفي الصباح يقول أصبحنا وأصبح الملك لله".
وكان يقول: "الحمد لله ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمدوهو على كل شيء قدير، اللهم إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما فيها، وأعوذ بك منشرها ومن شر ما فيها، اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهم وسوء الكبر وفتنة الدنياوعذاب القبر". والملك من الناس هو الذي يستغنى عن كل شيء سوى الله، وتلك رتبةالأنبياء عليهم السلام، وقد قال أحد المريدين لشيخه: أوصني .. فقال له: كن ملكا فيالدنيا وملكا في الآخرة.
فقال: وكيف؟
قال الشيخ: اقطع طمعك وشهوتك عنالدنيا تكن ملكا في الدنيا والآخرة، فإن الملك في الحريةوالاستغناء.

ام وليد2005
06-30-2014, 04:29 AM
القدوس
تقدس في اللغة يعنيتطهر .. ومنها (التقديس) أي التطهير .. والقدس بسكون الدال وضمها تعني الطهر ومنهاسميت الجنة حظيرة القدس .. وسمى جبريل روح القدس. والقداسة تعني الطهر والبركة .. وقدس الرجل لله أي طهر نفسه بعبادته وطاعته، وعظمه وكبره ومنها قوله تعالى: وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفةقالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلمما لا تعلمون "30" (سورة البقرة)
و(القدوس) بالضم والشد اسم من أسماءالله الحسنى وهو يعني المطهر. ولكن نبادر فنقول: إن مفهوم الطهارة الإلهية يختلف عنمفهوم الطهارة البشرية .. الطهارة البشرية لها أكثر من معنى .. منها الطهارة منالدنس .. ومن كل ما يكون سببا للإصابة بالآفات والأمراض كما في قوله تعالى: وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به (سورةالأنفال ـ 11)
وقوله سبحانه وتعالى: وثيابك فطهر "4" والرجز فاهجر "5" (سورة المدثر)
وقولهجل وعلا: فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهنحتى يطهرن (سورة البقرة ـ 222)
ومنها أيضا الطهارة من الآفات القلبيةوالنفسية كالحقد والحسد والبغض والبخل .. كما في قوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} (سورة التوبة ـ 102)
وكما في قوله: أولئك الذين لم يرد الله أنيطهر قلوبهم (سورة المائدة ـ 41)
ومنها أيضا التخلص من كل عبادة غيرعبادة الحق جل وعلا .. والتخلص من معصيته. كما في قوله تعالى على لسان قوم لوط: أخرجوا آل لوطٍ من قريتكم إنهم أناس يتطهرون(سورة النمل ـ 56)
أي يتطهرون من المعاصي. وقوله تعالى: إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا (سورة آلعمران ـ 55)
ومن الطهارة البشرية أيضا .. الطهارة من الجنابة .. كما فيقوله تعالى: وإن كنتم جنباً فاطهروا (سورةالمائدة ـ 6)
هذا عن الطهارة البشرية .. فماذا عن مفهوم القداسةالإلهية؟ هل يمكن أن تكون بمعنى الطهارة من الدنس أو الجنابة أو المعصية أو غير ذلكمن الوجوه المبطلة للطهارة البشرية؟ بالقطع لا يمكن أن تكون القداسة أو الطهارةالإلهية بهذا المعنى، بل أنها تختلف اختلافا مطلقا عن الطهارة البشرية. ولكي نفهمهذا الاختلاف ينبغي أن ندرك أن النجاسة ـ خاصة المادية ـ كالبول والبراز وخلافهمرتبطة بالبنية المادية للإنسان، فلولا الجسد لما كان هناك بول أو براز أو عرق أودم الحيض.
ونظرا لأن الإنسان يتكون من روح وجسد فإنه لم يخل من كافة وجوه الدنسالمرتبطة بتركيبه المادي. أما الحق جل وعلا فهو مبرأ من المادة .. أي أن المادة لاتدخل في تركيبه، وكيف تدخل المادة في تركيبه وهي مخلوق من مخلوقاته عز وجل .. ولقدكان الحق تبارك وتعالى ولم يكن معه شيء على الإطلاق .. كان الله ولم تكن هناك مادة. وكونه سبحانه وتعالى مبرأ من المادة يجعله مبرأ تبعا لذلك من جميع وجوه النجاسةوالدنس التي تصيب البشر بسبب بنيتهم المادية. وإذا انتقلنا إلي النجاسة أو الدنسالمعنوي كالكفر والشرك والمعصية نجد أنها منتفية في حق الله عز وجل لأنه غير خاضعلتكليف حتى يوصف بهذه الأوصاف.
وبالنسبة للآفات القلبية فهي أيضا منتفية في حقهتعالى، لأنه واحد أحد فرد صمد وليس له شبيه أو مثيل حتى ينظر إليه نظرة الحاسد أوالحاقد. فإذا كانت الطهارة الإلهية تختلف هذا الاختلاف الجذري عن مفهوم الطهارةالبشرية .. فماذا تعني القداسة أو الطهارة الإلهية إذن؟ نجيب على هذا السؤال فنقول: أن القداسة الإلهية تعني أن الحق جل وعلا مبرأ من كل عيب أو نقص يتعارض مع كمالهالمطلق. ولكن ما هي العيوب أو النقائص التي تتعارض مع الكمال الإلهي؟ قلنا من قبل:إن الكمال المطلق للحق تبارك وتعالى يقتضي كمال صفاته العلية، وهذا يعني أن جميعصفات الله عز وجل مطلقة وليست نسبية.
خذ على سبيل المثال صفة القدرة .. هذهالصفة نسبية لدى الإنسان بمعنى أنه يقدر على أشياء ولا يقدر على أخرى .. بينما نجدصفة القدرة لدى الحق جل وعلا مطلقة .. بمعنى أنه سبحانه قادر على كل شيء .. فلايعجزه شيء .. ولا يقف ضد إرادته حائل. والقدوس في هذا الصدد تعني أنه تبارك وتعالىمطهر عن النقص والعجز في الصفات .. فجميع صفاته مطلقة .. أي تبلغ منتهى الكمال فيالوصف، فرحمته مطلقة وعلمه مطلق، وحكمته مطلقة وسمعه مطلق، وعزته مطلقة وعدله مطلق،وهكذا شأن جميع صفاته تبارك وتعالى.
وقلنا أيضا: إن صفات الحق جل وعلا تنقسمإلي قسمين .. قسم مقابل .. وهو الأسماء الحسنى التي يكون عملها في مخلوقات الله عزوجل .. ومنها المعز المذل .. النافع الضار .. فالحق سبحانه وتعالى يعز من خلقه منيشاء ويذل من يشاء .. وينفع من يشاء ويضر من يشاء وقسم لا يقبل العكس أي أسماء ليسلها مقابل .. وهذه الأسماء هي أسماء للذات الإلهية العلية .. فمن أسمائه عز وجل (الحي) بينما ليس من أسمائه (الميت) .. لأن اسمه (الحي) من أسماء ذاته .. وأسماءالذات لا تقبل العكس. ومثل ذلك أيضا (العزيز) لا يصح أن نقول إن من أسماء الذليل. والقدوس في هذا الصدد تعني المطهر عما يناقض أسماء ذاته العلية .. فهو سبحانهوتعالى (الحي) المطهر عن الموت .. (العزيز) المطهر عن الذل .. (القادر) المطهر عنالعجز ..(الكريم) المطهر عن البخل .. (العليم) المطهر عن الجهل .. وهكذا شأن سائرأسماء ذاته الإلهية العلية.
وهو سبحانه وتعالى مطهر عن أن يكون له مثيل أوشبيه. ونؤكد على هذه الحقيقة نظرا لأن هناك عقائد عبر التاريخ يعتقد معتنقوها أنالحق جل وعلا خلق الإنسان على صورته ومثاله. فتقول لهم أن هذا الاعتقاد باطل منجميع الوجوه، لأنه إذا قيل إن المماثلة في القالب المادي .. قلنا لهم أن الحق عزوجل ليس بمادة .. أي لا تدخل المادة في تكوينه على الإطلاق .. فالمادة مخلوق منمخلوقاته عز وجل .. فكيف يدخل المخلوق في تكوين الخالق تبارك وتعالى عما يصفون علواكبيرا. إذن المماثلة الشكلية يرفضها العقل متفقا مع ما قرره القرآن الكريم. وإذاقيل أن المقصود المماثلة في الصفات .. قلنا لهم: إن هذه أيضا يرفضها العقل .. ولتوضيح ذلك ينبغي أن نعلم أن صفات الحق تبارك وتعالى قسمين:
قسم خاص به .. وهومجموعة الصفات الخاصة به والتي لا توجد في أي من مخلوقاته بأي درجة من الدرجات .. ومن هذه الصفات الوحدانية والخلق من العدم والإحياء والإماتة والبعث والأزليةوالأبدية والقيومية. وأنه سبحانه وتعالى لا تأخذه سنة ولا نوم، وأنه سبحانه فعاللما يريد، وكونه سبحانه الأول والآخر.
كل هذه الصفات خاصة بالحق جل وعلا ولا توجدلدى مخلوقاته مطلقا .. وهذه الصفات لا يمكن أن نتصور فيها المماثلة بين الله عز وجلوالإنسان لأنها غير موجودة لدى الإنسان.
أما القسم الثاني فهو الصفات الموجودةلدى الله والإنسان كالسمع والبصر والكلام والقدرة وغيرها من الصفات المشتركة. ونقوللأنصار المماثلة: أنه حتى بالنسبة لهذه الصفات أيضا لا يمكن تصور المماثلة بين اللهعز وجل والإنسان .. لأن الاشتراك هنا اشتراك لفظي أو مجازي فقط وليس اشتراكا أومماثلة حقيقية. خذ على سبيل المثال صفة القدرة لدى الإنسان .. تجد أن جميع ما توصلإليه الإنسان من مبتكرات قد توصل إليه بقدرته العقلية أو البدنية أو الاثنين معا .. فإذا تساءلنا من خلق الإنسان وخلق له قدرته العقلية والبدنية؟ فسنجد أن الله سبحانهتعالى هو الذي خلق الإنسان ومنحه القدرة العقلية والبدنية.
إذن انتفت لديناقدرة الإنسان وصارت مظهرا من مظاهر قدرة الله عز وجل .. وانتفت المماثلة تماما. وشتان بين أن نقول: إن الصفة لدى الإنسان تمثل مظهرا من مظاهر الصفة لدى الله عزوجل وبين أن تقول إن الصفة لدى الإنسان مماثلة للصفة لدى الله تبارك وتعالى. فالحقسبحانه وتعالى ولو كره الكافرون (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) .. وهو جل وعلامنزه ومطهر عن المثيل والشبيه والند والسمي والكفؤ والمضاد، فتباركت ربنا وتعاليت .. لا نتقول عليك شيئا فنتبوأ مقعدنا من النار، ولا نصفك إلا بما وصفت به نفسك فيكتابك أو على لسان نبيك .. وقد وصفت نفسك فقلت وقولك الحق: هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمنالعزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون "23"} (سورة الحشر).

ام ارجواااااان
06-30-2014, 06:37 AM
http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1404099459_420.jpg

ام ارجواااااان
06-30-2014, 06:52 AM
http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1404100339_821.jpg

قلب الاميري
06-30-2014, 09:02 AM
http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1404108138_527.gif

قلب الاميري
06-30-2014, 09:02 AM
http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1404108164_410.gif

قلب الاميري
06-30-2014, 09:03 AM
http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1404108183_663.gif

ام وليد2005
06-30-2014, 06:31 PM
الله يسعد قلبك يارب
بالتووووووووووووووووفيق



http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1404064772_853.jpg





http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1404042000_498.jpg

ام وليد2005
06-30-2014, 06:32 PM
جزاكي الله خيرررررررر

http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1404042000_498.jpg

ريحانة الجنة
07-01-2014, 11:17 AM
يارحمن يارحيييييييييييم



بوركتي

ريحانة الجنة
07-01-2014, 11:17 AM
يااااااقدوووس


بارك الله بجهدك ِ

ريحانة الجنة
07-01-2014, 11:18 AM
ياملك السماوات والارض ♥

بارك الله بطرحك وجهدك ونفع به

jojo 123456
07-01-2014, 12:31 PM
بارك الله فيك طرح مميز

jojo 123456
07-01-2014, 12:36 PM
بارك الله فيك طرح مميز

jojo 123456
07-01-2014, 12:44 PM
بارك الله فيك طرح مميز

ASMA layal
07-01-2014, 02:53 PM
بارك الله فيك

ام ارجواااااان
07-01-2014, 08:48 PM
http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1404236910_796.jpg

ام وليد2005
07-02-2014, 04:13 PM
http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1404306801_432.jpg

غفران شكران
07-02-2014, 04:15 PM
جزاكي الله عناخير الجزاء سلمتي وسلمت اناملكي تقبلي شكري
hwaml13hwaml13hwaml13hwaml13hwaml13

اختكم غفران

ام وليد2005
07-02-2014, 04:20 PM
السلام
(سلم) من الآفاتونحوها أي برئ .. و(أسلم) أي انقاد، وتطلق أيضا على من يعتنق الإسلام .. وأسلم أمرهلله أي فوضه فيه، وسالم زيد أي صالحه .. وسلم بالأمر أي رضي به .. وسلم على القومأي حياهم بتحية الإسلام.
و(الإسلام) هو الخضوع والرضا بالمسلم به.
وتطلقأيضا على الدين الذي نزله الله عز وجل على نبيه محمد عليه افضل الصلاة وأتمالتسليم. و(السم) أي الصلح وقد يراد بها الإسلام. و(السلام) اسم من أسماء اللهالحسنى، وهو يعني في اللغة البراءة من العيوب والنقائص .. ويشمل في ثناياه معانيمتعددة كالسكينة والأمان والاستقرار والهدوء. وابن القيم ـ رحمه الله ـ لله حول هذاالاسم من الأسماء الحسنى قول مأثور جاء فيه ما يأتي:
الله جل وعلا أحق بهذاالاسم من كل مسمى به، لسلامته سبحانه من كل عيب ونقص من كل وجه". "فهو السلام الحقبكل اعتبار، والمخلوق (أي المخلوق له) سلام بالإضافة، فهو سبحانه سلام في ذاته عنكل عيب ونقص يتخيله وهم، وسلام في صفاته من كل عيب ونقص، وسلام من أفعاله من كل عيبونقص وشر وظلم وفعل واقع على غير وجه الحكمة، بل هو السلام الحق من كل وجه وبكلاعتبار، فعلم أن استحقاقه تعالى لهذا الاسم اكمل من استحقاق كل ما يطلق عليه، وهذاهو حقيقة التنزيه الذي نزه به نفسه، ونزهه به رسوله.
فهو السلام من الصاحبةوالولد، والسلام من النظير والكفء والسمى والمماثلة، والسلام من الشريك". "ولذلكإذا نظرت إلي أفراد صفات كماله وجدت كل صفة سلاما مما يضاد كمالها، فحياته سلام منالموت ومن السنة والنوم، وكذلك قيوميته وقدرته سلام من التعب واللغوب، وعلمه سلاممن عزوب شيء عنه أو عروض نسيان أو حاجة إلي تذكر وتفكر، وإرادته سلام من خروجها عنالحكمة والمصلحة، وكلماته سلام من الكذب والظلم بل تمت كلماته صدقا وعدلا، وغناهسلام من الحاجة إلي غيره بوجه ما، بل كل ما سواه محتاج إليه وهو غني من كل ما سواه،وملكه سلام من مشارك له فيها، بل هو الله الذي لا إله إلا هو، وحلمه وعفوه وصفحهومغفرته وتجاوزه سلام من أن تكون عن حاجة منه أو ذل أو مصانعة كما يكون من غيره، بلهو محض جوده وإحسانه وكرمه. وكذلك عذابه وانتقامه وشدة بطشه وسرعة عقابه سلام من أنيكون ظلما، أو تشفيا، أو غلظة، أو قسوة، بل هو محض حكمته وعدله ووضعه الأشياءمواضعها، وهو ما يستحق عليه الحمد والثناء كما يستحق على إحسانه، وثوابه، ونعمه، بللو وضع الثواب موضع العقوبة لكان مناقضا لحكمته ولعزته، فوضعه العقوبة موضعها هو منعدله، وحكمته، وعزته، فهو سلام مما يتوهم أعداؤه الجاهلون به من خلاف حكمته.
وقضاؤه وقدره سلام من العبث والجور والظلم، ومن توهم وقوعه على خلاف الحكمةالبالغة". "وشرعه ودينه سلام من التناقص والاختلاف والاضطراب وخلاف مصلحة العبادورحمتهم والإحسان إليهم وخلاف حكمته ـ أي شرعه ودينه مطابق لحكمته عز وجل ـ بل شرعهكله حكمه، وحرمة، ومصلحة، وعدل، وكذلك عطاؤه سلام من كونه معارضة أو لحاجة إليالمعطي، ومنعه سلام من البخل وخوف الإملاق، بل عطاؤه إحسان محض لا لمعارضة ولالحاجة، ومنعه عدل محض وحكمة لا يشوبه بخل ولا عجز.
واستواؤه وعلوه على عرشسلام من أن يكون محتاجا إلي ما يحمله أو يستوي عليه، بل العرش محتاج إليه وحملتهمحتاجون إليه، فهو الغني عن العرش وعن حملته وعن كل ما سواه، فهو استواء وعلو لايشوبه حصر ولا حاجة إلي عرش ولا غيره ولا إحاطة شيء به سبحانه وتعالى، بل كانسبحانه ولا عرش ولم يكن به حاجة إليه وهو الغني الحميد، بل استواؤه على عرشهواستيلاؤه على خلقه من موجبات ملكه وقهره من غير حاجة إلي عرش ولا غيره بوجه ما.
ونزوله كل ليلة إلي سماء الدنيا سلام مما يضاد علوه، وسلام مما يضاد غناه.وكماله سلام من كل ما يتوهم معطل أو مشبه، وسلام من أن يصير تحت شيء أو محصورا فيشيء، تعالى الله ربنا عن كل ما يضاد كماله". "وغناه وسمعه وبصره سلام من كل مايتخيله مشبه أو يتقوله معطل وموالاته لأوليائه سلام من أن تكون عن ذل كما يواليالمخلوق المخلوق، بل هي موالاة رحمة، وخير، وإحسان، وبر كما قال عز وجل:
وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملكولم يكن له ولي من الذل (سورة الإسراء ـ 111)
فلم ينف أن يكون له وليمطلقا بل نفى أن يكون له ولي من الذل.
وكذلك محبته لمحبته وأوليائه سلام منعوارض محبة المخلوق للمخلوق من كونها محبة حاجة إليه أو تملق له أو انتفاع بقربه،وسلام مما يتقوله المعطلون فيها.
وكذلك ما أضافه إلي نفسه من اليد والوجه فإنهسلام عما يتخيله مشبه أو يتقوله معطل.
فتأمل كيف تضمن اسم السلام كل ما نزهعنه تبارك وتعالى. وكم ممن حفظ هذا الاسم لا يدري ما تضمنه من هذه الأسرار والمعانيوالله المستعان.
هذا ما جاء في حديث ابن القيم عن اسم الحق جل وعلا (السلام).ولقد ذكرنا مرارا أن المتأمل لكون الله عز وجل لابد أن يلمس لكل صفة من صفات الحقتبارك وتعالى أثارا لا تحصى. والسلام اسم من الأسماء الحسنى التي تمثل صفة من صفاتهعز وجل، فإذا تأملت الكون ستجد أن السلام كامن في كل بقعة من بقاعه، فالكون يسيروفقا لنظام محكم وثابت لا يعتريه خلل ولا عطب .. الأرض التي نعيش عليها تدور بسرعةكبيرة حول نفسها .. وتدور في نفس الوقت حول الشمس بما يترتب على ذلك من تعاقب الليلوالنهار وتعاقب فصول السنة.
ورغم هاتين الحركتين تجد أن الكون سلام من الأعطابوسلام من الاضطرابات .. الشمس تحافظ على بعد ثابت من الأرض لا تتجاوزه بالنقص أوبالزيادة .. فلو اقتربت الشمس من الأرض لاحترقت كل الكائنات الحية .. ولو بعدتلتجمدت كل الكائنات من البرودة. الكواكب التي تدور في فلكها حول الشمس منها ما يمثلأضعاف أضعاف الكرة الأرضية من حيث الحجم والوزن .. فماذا لو خرجت إحدى هذه الكواكبعن مدارها فصدم الكرة الأرضية؟. لا شك أنه سيصيب الأرض بدمار شامل .. وهب أن الأرضفقدت جاذبيتها للأجسام التي تعلوها؟
ألن تتطاير تلك الأجسام إلي الفضاء الخارجيبلا ضابط ولا رابط وماذا لو ضعفت القشرة الأرضية أو تفككت؟ ألن تسقط الكائنات الحيةضحايا للزلازل والبراكين؟. إن الموجودات الكونية جميعها تؤدي عملها بلا توقف وبلاأعطال أو خلل، فالكون كله في سلام وأمان وسكينة واستقرار، وان كان الحق جل وعلايصيبنا ببعض الكوارث الطبيعة بين الحين والآخر، فإنها إصابة مقصودة ولحكمة إلهية.فقد قلنا من قبل أن الحق تبارك وتعالى يريد بهذه الكوارث أن يجعلنا نذكره ونلجأإليه لنطلب منه العون والنجاة.
ويلاحظ أن هذه الكوارث تأتي في الغالب حين يكونهناك إعراض من الغالبية العظمى من الناس .. فتأتي الكارثة ليفيق الجميع من الغفوة،ويتذكر بعد النسيان. وقد تكون هذه الكوارث غضبا من الله عز وجل على من حلت بهملتجعلهم عبرة للمؤمنين. وقد تكون تذكرة لنا بنعمة السلام الدائم الذي نعيش فيه ليلنهار دون أن نلتفت إليها فنقدم من الحمد والشكر لله ما يكافئها. وقد غمرت صفةالسلام الكون بعد بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقبل الرسالة المحمدية كانالناس يعيشون في الجاهلية الأولى، وكانوا جميعا يفتقدون الأمن والسلام بسببأعمالهم. لقد كانوا يرتكبون كل المعاصي والجرائم بلا وزاع من دين أو ضمير: شربالخمر .. السرقة .. الزنا .. خيانة الأمانة .. الكذب .. النميمة .. الغيبة .. الرباوغيرها من المعاصي التي تجلب معها التناحر والحروب.
وحتى الأديانالسابقة لم تقض على حالة الفوضى التي عاشتها البشرية قبل الإسلام .. فالدولةالرومانية كانت تعتنق المسيحية ورغم ذلك لم تختلف طبيعة الحياة فيها عنها لدىالقبائل الوثنية. وقد قرأنا عن الحروب الطاحنة التي كانت تشنها هذه الإمبراطوريةلكي تغزو سائر الدول وتضمها تحت رايتها .. فلما جاء الإسلام بعقيدته القويمةوعباداته ومعاملاته حل السلام الحقيقي بين الناس وانحدرت نسبة الجرائم لتوشك علىالانعدام في بعض الدول الإسلامية. وقد انتقلت الحضارة الإسلامية إلي دول أوربالتنقلها من ظلمات الجهل إلي نور العلم .. وهذه حقائق يرصدها التاريخ الأوروبي نفسهوليست مجرد افتراء بدافع الإحساس بالنقص كما يدعي البعض.
بمجيء الإسلام اجتمعالسلام الكوني مع السلام بين الناس فصار الكون كله سلاما في سلام .. ولا ينقض هذهالحقيقة وجود بعض الخلافات والحروب بين بعض الدول، فالنزاعات والحرب سنن كونية ..وإنما الفيصل في الأمر هو حجم هذه الخلافات والحروب وما ينجم عنها من إخلال بالسلامالكوني. والإسلام سمي بهذا الاسم لما فيه من إسلام الوجه لله سبحانه وتعالى والخضوعله وطاعته .. ولما فيه من نشر السلام بين الناس. إن العبادات في الإسلام بما فيهامن تذكرة دائمة للإنسان بخالقه ولما فيها من تدريب على ضبط النفس وقمع الأهواء وبمايتخللها من إرشادات ونصائح كخطبة الجمعة وكالاستماع إلي تلاوة القرآن الكريم فيالصلاة وخارج الصلاة .. كل هذه المعاني الكامنة في العبادات الإسلامية تهذب النفسالبشرية وتجعل الإنسان في سلام داخلي مع نفسه ومع خالقه ومع الكون المحيط به وتجعلهفي سلام مع غيره من الناس.
والإسلام قد نظم أيضا القواعد التي تحكم المعاملاتبين الناس .. هذه القواعد تغطي جميع صور التعاملات .. وبها من القواعد العامة مايكفي لاستنباط قواعد تفصيلية لكل ما يستجد من وجوه التعامل. ونذكر من هذه التعاملاتالبيوع، السلم، الشفعة، الإجارة، الكفالة، الوكالة، الحرث والمزارعة، الاستقراضوأداء الديون، الرهن، العتق، الهبة، الوصية وغير ذلك كثير.
وتتسم هذه القواعدبتحقيق العدل بين الناس والتوازن بين مصالحهم المتعارضة، مما يؤدي إلي القضاء علىأسباب المشاكل بين الناس على مستوى الأفراد والدول .. فيقيهم شر الحروب الطاحنةوينشر بينهم السلام والود والأمان.
وفضلا عن ذلك. وضع الإسلام عقوبات معينة لكلمن يرتكب جريمة من الجرائم كالقتل والزنا والسرقة وشرب الخمر وغيرها من الجرائمالمخلة بالأمن والسلام بين الناس ..
فمن يرتكب أيا من هذه الجرائم يعاقب بالعقوبةالمحددة لها فتكون رادعة له ولكل من تسول له نفسه ارتكاب هذه الجريمة. إنه نظاممحكم شيده الإسلام والسلام إلا من سلم المسلمون من لسانه ويده، وكيف يوصف به من لميسلم هو من نفسه؟
ويقول سفيان بن عيينة رضي الله عنه: أوحش ما تكون الخلق،ثلاثة مواطن: يوم يولد فيرى نفسه خارجا مما كان فيه، أو يوم يموت فيرى قوما لم يكونعاينهم، ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم. قال: فأكرم الله فيها يحيى فخص بالسلامفقال: وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعثحياً "15" (سورة مريم ـ 15)
كأنه أشار إلي أن الله عز وجل سلم يحيىعليه السلام من شر هذه المواطن الثلاثة وآمنه من خوفها. فعلى هذا إذا سلم المسلمعلى المسلم فقال: "السلام عليكم" فكأنه يعلمه بالسلامة من ناحيته ويؤمنه من شرهوغائلته، كأنه يقول له: أنا مسلم لك غير حرب، وولي غير عدو. وقد أراد الحق سبحانهأن يكون الإسلام خاتما للأديان السابقة فقال:وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}
وقالسبحانه:فمن يريد الله أن يهديه يشرح صدرهللإسلام (سورة الأنعام ـ 125)
والسلام نعمة من الله يكافئ بها رسلهوعباده الصالحين .. كما قال جل وعلا:ولقد جاءترسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاماً قال سلام فما لبث أن جاء بعجلٍ حنيذٍ "69"(سورة هود)
وكما قال عز وجل:وسلامعليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً "15" (سورة مريم)وكما قالسبحانه:وتركنا عليه في الآخرين "78" سلام على نوحفي العالمين "79" (سورة الصافات)
وكما قال قوله الحق:وتركنا عليه في الآخرين "108" سلام على إبراهيم "109" (سورةالصافات)
وكما قال ربنا تبارك وتعالى:وتركنا عليهما في الآخرين "119" سلام على موسى وهارون "120" (سورةالصافات)
وكما قال سبحانه:وتركنا عليهفي الآخرين "129" سلام على آل ياسين "130" (سورة الصافات)
وكما قالسبحانه:وسلام على المرسلين "181" والحمد لله ربالعالمين "182" (سورة الصافات)
وكما قال عز وجل:قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم "69" (سورةالأنبياء)
ولقد شاءت إرادة الحق جل وعلا ألا تكون الدنيا في سلام كامل؛لأنه لم يرد للدنيا أن تكون دار قرار .. ولكن الأمر يختلف في الآخرة حين يكافئ اللهعز وجل عباده المؤمنين الطائعين بالجنة .. فقد شاء تبارك وتعالى أن تكون الجنة دارالقرار .. دار النعيم الأبدي الذي لا يقطعه مثقال ذرة من شقاء .. دار السلامالكامل. فإذا كنا قد عانينا في الدنيا من الأمراض المختلفة فإننا سننعم في دارالسلام ـ إن شاء لنا المولى بالنجاة من النار ـ بصحة دائمة لا يقطعها مرض حيث لاحكمة ولا مسوغ له حينئذ .. وإذا كنا قد تناحرنا وتحاربنا في الدنيا على متاع منمتاعها فإننا سننعم في دار السلام بود لا يقطعه حسد أو حقد أو غل أو ضغينة .. ومنأين تأتينا هذه الآفات القلبية وليس في الجنة إنسان ينقصه شيء .. إن أقل أهل الجنةدرجات سيكون لهم فيها ما تشتهي الأنفس وهم فيها خالدون.
حين يلقي المؤمنون ربهمسيحييهم بتحية السلام .. كما قال عز وجل:تحيتهميوم يلقونه سلام وأعد لهم أجراً كريماً "44" (سورة الأحزاب)
وسوفتحييهم الملائكة بتحية السلام .. كما قال سبحانه:جنات عدنٍ يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلكيجزي الله المتقين "31" الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلواالجنة بما كنتم تعملون"32" (سورة النحل)
وكما قال عز وجل:وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين (سورةالزمر ـ 73)
وكما قال ربنا:وأزلفتالجنة للمتقين غير بعيدٍ "31" هذا ما توعدون لكل أوابٍ حفيظٍ "32" من خشى الرحمنبالغيب وجاء بقلب منيب "33" ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود "34" لهم ما يشاءون فيهاولدينا مزيد "35" (سورة ق)
وبعد أن يدخلوا الجنة سيكون السلام تحيتهمالدائمة من الحق جل وعلا في ذلك يقول عز وجل: خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام (سورة إبراهيم ـ 23)
اللهم أخرجنا من الدنيا بسلام .. وابعثنا يوم القيامة آمنين في سلام واجعلنا منالخالدين في دارك .. دار السلام.

ام وليد2005
07-02-2014, 04:30 PM
المؤمن
آمن به أي وثق به وصدقه، والمضارع يؤمن، والمصدر إيمان. وآمن بشيء أي اعتقده حقيقة .. والإيمان التصديق .. وأمن بكسر الميم أي اطمأن ولم يخف.
والإيمان وصف يوصف به الإنسان .. يقال آمن فلان أو فلان مؤمن .. والإيمان بمعناه الشرعي يعني أن يؤمن الإنسان بكل ما دعانا الله عز وجل للإيمان به.
وآمن بالله أي اعتقده حقيقة .. فآمن بوجوده وبصفاته التي وصف بها نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه عليه افضل الصلاة وأتم التسليم. وقد دعانا الله إلي الإيمان بملائكته .. أي بوجودهم وبصفاتهم التي بينها لنا .. ودعانا إلي الإيمان بالكتب السماوية التي أنزلها .. والإيمان بالرسل الذين أرسلهم بكتبه عز وجل .. وفي ذلك يقول جل وعلا: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير "285" (سورة البقرة)
إن الآية السابقة أوضحت أن حصر ما ينبغي أن يؤمن به الإنسان ليس بالأمر اليسير .. ذلك لأن الإنسان مكلف أن يؤمن بكل ما أنزله الله عز وجل على رسوله محمد عليه افضلالصلاة وأتم التسليم .. أي مطالب أن يؤمن بالقرآن الكريم كلا وتفصيلا .. فيؤمن بأنهكتاب من عند الله عز وجل ويؤمن بصحة ما جاء فيه.
وأن يؤمن بما جاء في السنة النبوية الشريفة هذا عن معنى الإيمان حين يتعلق بالإنسان.
فما المقصود (بالمؤمن) حين يكون اسما ووصفا للحق تبارك وتعالى؟
المؤمن كوصف من أوصاف الله عز وجل له معان متعددة .. منها أنه تبارك وتعالى مؤمن بكل ما دعانا إلي الإيمان به .. فهو مؤمن أنه موجود .. ومؤمن بأنه موصوف بصفات الكمال المطلق، ومؤمن بأنه واحد أحد، ومؤمن أنه لا إله سواه، حيث قال جل وعلا: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم "18" (سورة آل عمران)
وسمى أيضا بهذا الاسم لأنه يؤمن عباده من كل خوف .. كما قال سبحانه:لإيلاف قريش "1" إلفهم رحلة الشتاء والصيف "2" فليعبدوا رب هذا البيت "3" الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف "4" (سورة قريش)
وقال سبحانه أيضا: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون "55" (سورة النور)
وقال عز وجل: وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام "35" (سورة إبراهيم)
فاستجاب الله عز وجل لدعوة أبي الأنبياء كما أخبرنا في كتابه العزيز فقال: إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدىً للعالمين "96" فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين "97" (سورة آل عمران)
وهو لا يؤمن عباده من مخاوف الدنيا فحسب، بل يؤمنهم من عذاب جهنم، ويبعثهم يومالقيامة من الفزع آمنين، وذلك بدعوته عز وجل لهم للإيمان به والالتزام بطاعته .. ولقد كرر سبحانه الدعوة إلي الإيمان في كتابه العزيز فقال جل وعلا:ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم "179" (سورة آل عمران)
وقال عز من قائل: يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيراً لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليماً حكيماً "170" (سورة النساء)
وقال سبحانه: قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون "158" (سورة الأعراف)
وإذا استجاب الإنسان لهذه الدعوة إلي الإيمان والدعوة إلي النجاة يكون جزاؤه الأمن يوم الفزع الأكبر .. كما قال عز وجل: من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزعٍ يؤمئذ آمنون "89" (سورة النمل)
وقال سبحانه: وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون "81" الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون "82" (سورة الأنعام)
وينعم عليهم بنعمة الأمن الدائم في جنات الخلد .. كما قال تعالى:
يدعون فيها بكل فاكهةٍ آمنين "55" لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم "56" (سورة الدخان)
ويقول الإمام الغزالي: إن حظ العبد من هذا الوصف أن يؤمن الخلق كلهم جانبه، بل يرجو كل خائف الاعتضاد به في رفع الهلاك عن نفسه في دينه ودنياه،
كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليأمن جاره بوائقه.
وأحق العباد باسم المؤمن من كان سببا لأمن الناس من عذاب الله بالهداية إلي طريق الله والإرشاد إلي سبيل النجاة. فندعوه سبحانه وتعالى أن يهبنا إيمانا صادقا كإيمانه عز وجل بوجوده وبوحدانيته وكمال صفاته .. وندعوه أن يهبنا الأمن في الدنيا، ويبعثنا يوم القيامة من الفزع آمنين فهو عز وجل كما وصف نفسه قائلا:هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون "23" (سورة الحشر)

ام وليد2005
07-02-2014, 04:32 PM
المهيمن
هيمن على شيء أيسيطر عليه .. و(المهيمن( أي المسيطر، وهو اسم من أسماء الله الحسنى. فالحق سبحانهوتعالى مهيمن على كونه منذ لحظة خلقه .. وهيمنته مستمرة إلي أن تقوم الساعة، فينالكل عامل جزاء عمله. وهذه الهيمنة الإلهية لها صور وآثار لا تحصى .. منها أن كل شيءيحدث في الكون يحدث بأمره عز وجل .. الخلق كان بأمره كما جاء في الحديث القدسي: "كنت كنزا مخفيا فأردت أن اعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني" وبعد الخلق .. كل شيء يحدثفي الكون يحدث بأمره عز وجل ومشيئته، وأمر الله عز وجل لا يقف دونه حائل، وهذا منمقتضيات الهيمنة كما قال عز وجل: إنما أمره إذاأراد شيئاً أن يقول له كن فيكون "82" (سورة يس(
وكما قال: والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون (سورة يوسفـ 21(
جميع المخلوقات الكونية تؤدي عملها بأمره عز وجل .. السفنالعملاقة التي تجري في البحر، تجري بأمره .. فإذا قيل أنها تسير وفقا لقانون الطفوكقول أدعياء العلم!! نقول لهم إن أمر الله هو الذي أوجد هذا القانون .. فهو الذيشاء للأجسام الأقل كثافة من الماء أن تطفو على السطح، والأكبر كثافة أن تغوص .. ولوشاء أن تغوص كل الأجسام في الماء لغاصت .. ولرصد العلماء هذه الظاهرة وصار القانونأن جميع الأجسام تغوص في الماء، لذلك يقول سبحانه وتعالى:وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون "41" وخلقنا لهم من مثلهما يركبون "42" وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون "43" إلا رحمةً مناومتاعاً إلي حينٍ "44" (سورة يس(
ويقول أيضا: وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره (سورة إبراهيم ـ 32)
الشمس والقمر وسائر الكواكب والنجوم كلها تدور في فلكها بأمره عز وجل .. وهذهالمسألة أعيت الشيوعيين الملحدين والذين يفسرون نشأة الكون تفسيرا ماديا حيث جاءواعندها وتساءلوا: إذا كنا قد فسرنا نشأة الكون على أنها حاصل وتراكمات للعديد منالتفاعلات الكيميائية عبر ملايين السنين .. فكيف نفسر هذا النظام المحكم الدقيقلحركة الأفلاك؟ ولكن القرآن الكريم يجيب على هذا التساؤل إجابة شافية فيقول: إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستةأيامٍ ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوممسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين "54" (سورةالأعراف(
فإليه ترجع عاقبة الأمور .. هو الذي يفصل فيها بإرادته .. وإرادته نافذة، ومشيئته متحققة .. وفي ذلك يقول جل وعلا: ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلي الله ترجع الأمور "109" (سورة البقرة(
ويقول سبحانه: ليقضيالله أمراً كان مفعولاً وإلي الله ترجع الأمور (سورة الأنفال ـ 44(
والله عز وجل لا يهيمن على الظواهر الكونية فحسب .. بل تمتد هيمنته لتشملالأحداث البشرية .. كلها تحدث بأمره، وفي ذلك يقول جل وعلا: ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أننبرأها إن ذلك على الله يسير "22" لكلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكموالله لا يحب كل مختالٍ فخورٍ "23" (سورة الحديد(
ومن مظاهر هذهالهيمنة الإلهية أيضا أنه سبحانه وتعالى يعلم كل صغيرة وكبيرة في كونه .. وهذا أمربديهي لأنه الخالق؛ ولأن كل ما يقع في الكون يقع بأمره .. وقد أكد عز وجل هذهالحقيقة فقال: وعنده مفاتح الغيب لا يعلهما إلا هوويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها ولا حبةٍ في ظلمات الأرض ولارطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبينٍ "59" (سورة الأنعام(
ويقول سبحانه: وما تكون في شأنٍ وما تتلوا منه من قرآن ولاتعلمون من عملٍ إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرةٍفي الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتابٍ مبين "61" (سورةيونس(
ومن هيمنته سبحانه وتعالى أنه يتولى كونه بالرعاية والحفظ .. حتىيظل هذا الكون على ما هو عليه من ثبات ومن نظام محكم دقيق .. ولو كان تبارك وتعالىممن تأخذهم سنة أو نوم لاختل النظام الكوني وانتهى إلي الفناء والعدم، ويخبرنا الحقجل وعلا عن هذا الثبات الكوني والذي هو حادث بهيمنته عز وجل فيقول:والشمس تجري لمستقرٍ لها ذلك تقدير العزيز العليم "38" والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم "39" لا الشمس ينبغي لها أن تدركالقمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلكٍ يسبحون "40" (سورة يس(
المخلوقات الكونية جميعها تلتزم مداراتها الخاصة، فلا يخرج كوكب عن مداره ليصدمكوكبا آخر .. كل مخلوق يعرف مكانه ويعرف عمله فلا يخرج عن هذا ولا ذاك. وقد ذكرنامن قبل أن من الصفات الخاصة للحق جل وعلا القيومية والتي تعني قيامه بنفسه قيامامطلقا .. أي لا يحتاج إلي غيره في شيء .. فهو جل وعلا موجود غير مخلوق .. فلا خالقله حتى يشعر بالافتقار إلي خالقه وهو سبحانه لا يجوع فيحتاج إلي طعام .. أو يعطشفيحتاج إلي شربة ماء .. ولا يتعب فيلتمس الراحة في استرخاء أو نوم أو حتى سنة منالنوم .. ولا يشعر بوحشة فيحتاج إلي مؤنس أو صاحبة أو ولد.
وكما أنه تباركوتعالى قائم بذاته فإنه مقيم لغيره .. فمخلوقاته قائمة به منذ أن خلقها ووفر لهامقومات حياتها .. وهو الذي تكفل برعايتها وحفظها حتى تؤدي غاية الله من خلقها. وحفظالمخلوقات من أظهر الآثار على هيمنة الحق جل وعلا على كونه، فلو أنه لم يتول هذهالمخلوقات بالرعاية والحفظ لما دامت على ما هي عليه، ويخبرنا عز وجل عن هذا الحفظفيقول: الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذهسنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلمما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيءٍ من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماواتوالأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم "255" (سورة البقرة(
وهذهالآية الكريمة تشير إلي حفظ الحق جل وعلا لملكه سواء أريد بهذا الحفظ .. الحفظ منالخلل والأعطاب والفناء، أو أريد به الحفظ من حيث العدد والصفات وما إلي ذلك،فالحفظ بمعنييه متحقق بالنسبة لله عز وجل. ويجب أن نأخذ قول الحق (وسع كرسيه( فيإطار ليس كمثله شيء، والكرسي في اللغة من الكرس، والكرسي هو التجميع، ومنه الكراسةوهي عدة أوراق مجمعة.
وكلمة "كرسي" استعملت في اللغة بمعنى الأساس الذي يبنيعليه الشيء، فمادة (الكرس( الكاف والراء والسين تدل على التجميع، وتدل على الأساسالذي تثبت عليه الأشياء، فنقول: اصنع لهذا الجدار كرسيا، أي ضع لهذا الجدار أساسايقول عليه. وتطلق على القوم العلماء الذين يقوم بهم الأمر فيما يشكل من الأحداث،والشاعر العربي قال: "كراسي في الأحداث حين تنوب" أي يعتمد عليهم في الأمورالجسيمة. وحين ينسب شيء من ذلك للحق سبحانه وتعالى، فإن للسلف هنا كلاما، وللخلفكذلك.
يقول السلف: كما قال الله نأخذها ولكن نضع كيفيتها وتصورها في إطار (ليسكمثله شيء( وبعضهم قال: نؤولها بما يثبت له صفة من الصفات، كما يثبتون قدرة الحقبقوله الحكيم: يد الله فوق أيديهم (من الآية 10سورة الفتح)
أي أن قدرة الله فوققدرتهم، وكما قال سبحانه عن قدرته في الخلق: والسماء بنيناها بأييدٍ وإنا لموسعون "47" (سورة الذاريات)
إن كمال قدرة الله أحكم خلق السماء، والحق سبحانه مقدس ومنزه عن أن يتصورالمخلوق كلمة (يد( بالنسبة له. ونحن نقول: الله قال ذلك فيجب أن نأخذها كما قال،لأنه سبحانه أعلم بذاته ونفسه، ونحيلها إلي كونه تعالى ليس له شبيه أو نظير.
والعلماء قالوا عن الكرسي: أنه ما يعتمد عليه، فهل المقصود علمه؟ نعم. وهل المقصودسلطانه وقدرته؟ نعم، لأن كلمة (كرسي( توحي بالجلوس فوقه، والإنسان لا يجلس إلا إذااستتب له الأمر ولذلك يسمونه (كرسي الملك( لأن الأمر الذي يحتاج إلي قيام وحركة لايجعلك تجلس على الكرسي، فعندما تقعد على الكرسي، فمعنى ذلك أن الأمر قد استتب، إذنفهو بالنسبة لله السلطان، والغلبة والقهر، والقدرة.
أو نقول: مادام قال: (وسعكرسيه السماوات والأرض( فالقصد دخول السماوات والأرض في وسعه واحتماله .. ونحن نعلمأن السماوات والأرض وما فيهن كائنات كبيرة بالنسبة لنا .. فعندما يقول الحق عز وجل: أن الكرسي قد وسعها .. نفهم من ذلك أن الكرسي أعظم من السماوات والأرض أي دخل فيوسعه السماوات والأرض.
ولذلك يقول أبو ذر الغفاري رضيالله عنه وأرضاه سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الكرسي فقال: يا أبا ذر: ماالسماوات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة. وان فضلالعرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة.
والبشرية بكل ما وصلت لهمن إنجازات علمية قد وصلت إلي القمر فقط وهو مجرد ضاحية من ضواحي الأرض، ومفصول عنابمسافة تقاس بالثواني الضوئية. ولقد تعودنا في حياتنا أن نستخدم وحدات الميلوالكيلومتر لقياس الأطوال والأبعاد الكبيرة، لكننا اكتشفنا أن هذه الوحدات ليست ذاتنفع في قياس أبعاد النجوم، فالشمس مثلا تبعد عن الأرض ثلاثة وتسعين مليون منالأميال، لذلك وضع علماء الفلك وحدة ملائمة لقياس أبعاد النجوم وهي ما نسميهبالنسبة الضوئية .. ونحن نذهل عندما نعرف أن بعض النجوم يصل ضوؤها إلينا في خمسينسنة ضوئية، كل ذلك ونحن لم نصل بعد إلي السماء الدنيا، فما بالنا ببقية السماوات؟
إذن فحدود ملك الله فوق تصورنا .. لذلك نتساءل أي عظمة هي عظمة كرسي ذي الجلالوالإكرام؟ الحق عز وجل يقول: (وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما( ومعنىأده الشيء .. أي أثقله. وحتى نفهم ذلك هب أن إنسانا يستطيع أن يحمل عشرة كيلوجرامات، فإن زدنا هذا الحمل إلي عشرين من الكيلو جرامات فإن الحمل يثقل عليه، ويجعلعموده الفقري معوجا حتى يستطيع أن يقاوم الثقل، فإن زدنا الحمل أكثر فقد يقع الرجلعلى الأرض من فرط زيادة الوزن!
إذن فمعنى (ولا يؤوده حفظهما( أي أنه لا يثقلعلى الله حفظ السماوات والأرض .. إن السماء والأرض وهما فوق اتساع رؤية البشر، قدوسعهما الكرسي الرباني. وقال بعض المفسرين: إذا كان الكرسي لا يثقل عليه حفظالسماوات والأرض فما بالنا بصاحب الكرسي؟ هاهو ذا الحق سبحانه وتعالى يطمئننافيقول:إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولاولئن زالتا إن أمسكهما من أحدٍ من بعده إنه كان حليماً غفوراً "41" (سورةفاطر(
إنه الحق وحده تبارك وتعالى الذي يحفظ السماوات والأرض في توازنعجيب ومذهل، ولئن قدر لهما أن تزولا .. فلن يحفظهما أحد بعد الله، أي لا يستطيع أحدإمساكهما، فهما قائمتان بقدرة الواحد القهار، وإذا أراد الله أن تزولا فلا يستطيعأحد أن يمسكهما ويمنعهما من الزوال. وقد بدأ الحق جل وعلا آية الكرسي بإثبات بعضالصفات له وهي الحي .. القيوم .. وكونه تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم .. ويستلزمقيوميته أو قيامه سبحانه وتعالى بذاته وإقامته لغيره .. ويستلزم أن يكون له الملكحتى يتصرف في ملكه كيف يشاء. ويحدثنا تبارك وتعالى عن هذا الحفظ وهذه الرعايةالدائمة فيقول: ولقد جعلنا في السماء بروجاًوزيناها للناظرين "16" كل شيطانٍ رجيمٍ "17" إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين"18"(سورة الحجر)
ويحدثنا عز وجل عن حفظه لبني آدم فيقول: وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظةً حتى إذا جاء أحدكمالموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون "61" ثم ردوا إلي الله مولاهم الحق ألا له الحكموهو أسرع الحاسبين "62" قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفيةًلئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين "63" قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتمتشركون "64" (سورة الأنعام(
ومن مظاهر هيمنة الحق عز وجل على ملكه أنهيملك أن يزيد فيه أو ينقص منه ما يشاء ويعطينا عز وجل مثال على ذلك في قوله تعالى: الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكةرسلاً أولى أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير "1" (سورة فاطر)
والكون ليس أزليا أبديا كما يعتقد بعض الملحدين .. فلاجدال في كونه مخلوق له بداية لم يكن موجودا قبلها، واستمراريته على هذا النحو منالثبات والانتظام ترجع إلي رعاية وحفظ الله له، وحين تشاء إرادته عز وجل لهذاالعالم أن ينتهي .. سينتهي وسيختل النظام، وهذا ما سيحدث يوم القيامة، كما صورهالحق في العديد من الآيات القرآنية فقال سبحانه: إذا زلزلت الأرض زلزالها "1" وأخرجت الأرض أثقالها "2" وقال الإنسانما لها "3" يومئذٍ تحدث أخبارها "4" بأن ربك أوحى لها "5" يومئذ يصدر الناس أشتاتاًليروا أعمالهم "6" فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره "7" ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره "8" (سورة الزلزلة)
وقال عز وجل: إذاالسماء انشقت "1" وأذنت لربها وحقت "2" وإذا الأرض مدت "3" وألقت ما فيها وتخلت "4" وأذنت لربها وحقت "5" يا أيها الإنسان إنك كادح إلي ربك كدحاً فملاقيه "6" (سورةالانشقاق(
وكما قال سبحانه: القارعة "1" ما القارعة "2" وما أدراك ما القارعة "3" يوم يكون الناس كالفراش المبثوث "4" وتكون الجبال كالعهن المنفوش "5" فأما من ثقلت موازينه "6" فهو في عيشة راضيةٍ "7" وأما من خفت موازينه "8" فأمه هاوية "9" وما أدراك ما هيه "10" نار حامية "11"(سورة القارعة(
جميع الآيات السابقة تصف لنا هول القيامة، ونفهم منها أنهذا الثبات وهذا النظام الدقيق المحكم الذي ظن الملحدون أنه أزلي أبدي سوف يتحطموينقلب رأسا على عقب، وساعتها سيدرك الجميع أن الكون كان يسير بأمر الله ورعايتهوحفظه، وأنه حين شاء له النهاية .. كانت النهاية. وينبغي ألا ننسى أن هيمنة الحق جلوعلا تمتد لتشمل قلوب عباده، ويوم القيامة خير دليل على ذلك .. فالناس في هذا اليومقسمان:
قسم تبلغ قلوبهم الحناجر من شدة الخوف والرعب .. وقسم من الفزع يومئذآمنون .. فالقلوب بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. وليس أدل على ذلك من أن الموقفيوم القيامة موحد على الجميع ولكن المشاعر شتى .. فندعوه سبحانه وتعالى أن يهيمنعلى قلوبنا يوم الفزع الأكبر ويهبنا الثبات والسكينة والطمأنينة .. فهو عز وجل كماوصف نفسه: هو الله الذي لا إله إلا هو الملكالقدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون "23"(سورة الحشر(.

ام وليد2005
07-04-2014, 07:46 PM
العزيز
عز أي قوي وسلم من الذل .. وعز فلان على فلان أي كرم عليه، وعز على كذا أي شق على .. وعز فلانا أي غلبه وقهره .. وأعزه أي جعله قويا عزيزا. والعزيز اسم من أسماء الله الحسنى ويعني الغالب الذي لا يهزم، وهو اسم يضم ثناياه العديد من الصفات: كالقوة والغلبة والقدرة على كل شيء والقيومية. وهذه العزة تتجلى في العديد من الآيات القرآنية الكريمة منها قوله تعالى: الذين أخرجوا من ديارهم بغير حقٍ إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع صلواتومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز "40"(سورة الحج)
فالحق تبارك وتعالى بعزه قوته يحول دون تهدم المساجد والصوامع والبيع .. وبعزة قوته ينصر من يشاء من عباده، ولا يعوقه عن هذا النصر عائق؛ لأنه سبحانه العزيز بقوته التي لا تدانيها قوة. ومن هذه الآيات أيضا قوله تعالى: يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب "73" ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز "74" (سورة الحج)
فبعد أن لفتنا الحق جل وعلا إلي عجز وضعف الآلهة الباطلة والتي لا تستطيع مجتمعة أن تخلق ذبابة .. بل أنهم لا يستطيعون استرداد ما سلبه الذباب منهم، ويلفتنا في نفس الوقت إلي قوته وعزته، فهو سبحانه وتعالى قادر على ما يعجز عنه غيره. ويلاحظ من التقابل في هذه الآية الكريمة أن الضعف قرين المذلة والقوة قرينة العز. فضعف هذه الآلهة الزائفة بما يترتب عليه من عجز وذل وانكسار يلفتنا إلي استحالة كونها آلهة.
في حين نجد العكس بالنسبة لله عز وجل، فقوته وقدرته على إنفاذ إرادته بما يترتب على ذلك من عزته تبارك وتعالى يلفتنا إلي حقيقة ألوهيته، والحق تبارك وتعالى ختم الآية السابقة بقوله تعالى: )وما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز) .. فإذا عجز من في الأرض جميعا على خلق ذبابة ولو اجتمعوا لذلك، فهذا يلفتنا إلي قوة الله عز وجل وقدرته اللامحدودة. إنه تبارك وتعالى قد خلق هذا الذباب الذي عجزنا عن خلقه رغم ضآلته، وخلقه بكلمة )كن) دون عناء أو إعياء، وإذا كنا لا نستطيع أن نستنقذ ما سلبه الذباب منا فهو جل وعلا قادر على ذلك. فالقوة الإلهية اللانهائية والقدرة اللانهائية تستوجب العزة للذات الإلهية، فالحق جل وعلا لا يضعف فينكسر ولا يذل لقوي يعينه أو يعجز فينكسر، أو يذل إلي قادر ينجز له ما عجز عنه. ولقد قرن الحق تبارك وتعالى صفة القوة بصفة العزة في آيات أخرى متعددة، منها قوله تعالى: لقد أرسلنا بالبيناتوأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديدومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز "25" (سورةالحديد)
وقوله تعالى: كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز "21"(سورة المجادلة)
إنه تبارك وتعالى عزيز بقوته فلا يهزم ولا يغلب، بل هو الغالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وهو عزيز بقدرته فلا يعجزه شيء، وكيف يعجز والعجز ذلة وانكسار وهو سبحانه العزيز؟ وإذا كانت العزة تعني القوة والغلبة .. فإن ذلك لا يعني أن عزة قوته تبارك وتعالى مبنية على الظلم، أو أن عزة غلبته مبنية على القهر؛ لأنه جل وعلا منزه عن الظلم ومنزه عن القهر .. ولذلك أشار عز وجل إلي أن عزته موصوفة بالعلم فقال: إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم "78" (سورة النحل)
وقال جل شأنه: والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العلم "38"(سورة يس)
ووصفها تبارك وتعالى بالحكمة حتى لا يظن أحد أنها عزة بطش أو ظلم أو قهر أو استكبار فقال تعالى: ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم "220" (سورة البقرة)
وقال جل وعلا: وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم (سورة آل عمران ـ 126)
وقال سبحانه: ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم "63"(سورة الأنفال)
وموصوفة بالرحمة كما في قوله تعالى: وتوكل على العزيز الرحيم "217" الذي يراك حين تقوم "218" (سورة الشعراء)
كما قال سبحانه: إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم "42"(سورة الدخان)
وموصوفة بالمغفرة كما في قوله تعالى: رب السماوات والأرض وما بينهما العزيزالغفار "66"( سورة ص)
وكما قال سبحانه: كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار (سورة الزمر ـ 5)
فتبارك ربنا الملك الحق العزيز بقوته، العزيز بقدرته، العزيز بقيوميته وغناه عمن سواه .. فندعوه جل وعلا أن يهبنا من عزته عزا في الدنيا والآخرة .. وندعوه كما علمنا في قوله تعالى: واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم (سورة الممتحنة ـ 5)

ام وليد2005
07-04-2014, 07:47 PM
الجبّار

جبر فلان فلانا أي أغناه من فقر أو أصلح عظمه من كسر، وجبر الله فلانا أي سد حاجته.. وأجبره على الأمر أي أكرهه عليه. وكلمة (جبار) بدون ألف ولام والتعريف تستخدم كصفة من صفات الأفراد، وفي هذه الحالة تكون بمعنى القهر والطغيان .. فهي في حق الإنسان صفة ذميمة، ويتجلى في العديد من الآيات القرآنية منها قوله تعالى: وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبارٍ عنيدٍ "59" (سورة هود)
وقوله تعالى: واستفتحوا وخاب كل جبارٍ عنيدٍ "15" (سورة إبراهيم)
وقوله تعالى: كذلك يطبع الله على كل قلب متكبرٍ جبارٍ (سورة غافر ـ 35)
ولذلك ينفي الحق جل وعلا عن نبيه يحيى عليه السلام هذه الصفة فيقول: يا يحيى خذ الكتاب بقوةٍ وآتيناه الحكم صبياً "12" وحناناً من لدنا وزكاة وكان تقياً "13" وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصياً "14" وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً "15" (سورة مريم)
كنا نفاها أيضا عن نبيه عيسى عليه السلام فقال على لسانه: قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً "30" وجعلني مباركاً أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حياً "31" وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً "32" (سورة مريم) ونفى الجبر هنا هو نفي للطغيان وللقهر والتحكم في مخلوقات الله عز وجل لمنافع وأهواء شخصية. أما (الجبار) بألف ولام التعريف فهو اسم من أسماء الله الحسنى .. وإن كانت صفة الجبر كوصف للمخلوق صفة ذميمة، فهي في حق الله عز وجل من الصفات الواجبة لكماله المطلق؛ لأنها تعني أن الحق جل وعلا يجب ركسر عباده، فهو تبارك وتعالى الذي جبر الفقير حين شرع الزكاة والصدقات وجعل الحسنة بعشر أمثالهاوبسبعمائة ضعف قابلة للزيادة. وعلمنا أن الصدقة توضع في يده قبل أن توضع في يدالفقير. وهو الذي جبر المريض حين جعل له أجرا إذا تقبل البلاء بالصبر والرضا بقضاءالله عز وجل، وجعل زيارته زيارة له عز وجل.
وهو الذي يجبر عباده الطائعين له بأن يتولاهم برعايته وحفظه فيشعرون أنه عز وجل معهم في كل وقت وحين كمثل الضرير الفقير الذي يعبد الله حق عبادته ويتوكل عليه حق التوكل .. كان إذا وضع يده في جيبه يبحث عن مبلغ من المال ليقضي به حاجة في نفسه .. إما أن يجد مبلغا من المال لا يذكر من أين أتاه، أو يأتيه من يرد عليه السلام فيعطيه من المال ما يغطي حاجته. ومن معاني الجبار أيضا أنه سبحانه وتعالى قاهر يدين له كل شيء ويخضع له من سواه. والجبر بهذا المعنى ليس وصفا ذميما في حق الله عز وجل؛ لأنه تبارك وتعالى منزه عن كل ما يناقض كماله المطلق .. فالجبروت البغيض المذموم هو أن تقهر إنسانا على ما لا يريد، والحق تبارك وتعالى لا يفعل ذلك .. وإذا قهر جل وعلا مخلوقا على شيء فثق أن في هذا القهر مصلحة حتى وإن عجزت عن إدراكها.
خذ على سبيل المثال: جسم الإنسان والذي يتكون من عدة أجهزة كالجهاز الهضمي والتنفسي والعصبي وخلافه .. تجد أن هذه الأجهزة مقهورة قهرا إلهيا على العمل بالنحو الذي تعمل به. فالقلب مثلا يعمل بلا أدنى تدخل من الإنسان، كما أن الإنسان لا يستطيع أن يوقف قلبه عن العمل، وهكذا شأن سائر الأجهزة .. كلها تعمل بنظام ثابت ومحكم بلا تدخل من الإنسان لأنها مقهورة على أن تقوم بهذا العمل أو ذاك، فالقهر هنا نعمة من نعم الله عز وجل على الإنسان .. وينبغي أن نحمده على جبروته الذي أخضع له هذه الأجهزة.
وإذا تأملت أيضا النظام الكوني، وعلى وجه الخصوص المجموعة الشمسية تجد أن الشمس تدور حول نفسها بسرعة معينة .. كذلك الأرض وسائر الكواكب الأخرى تدور حول نفسها بما يترتب على ذلك من تعاقب الليل والنهار وتدور أيضا حول الشمس بما يترتب على ذلك من تعاقب فصول السنة. وهذه الدورات تتم في تناسق معجز يكفل انتظام تعاقب الليل والنهار وانتظام تعاقب فصول السنة .. ما الذي يجعل هذه الكواكب ـ والتي هي أجسام جامدة ـ تسير كأنها كائنات عاقلة حكيمة .. إنه الجبروت الإلهي .. الذي أخضع هذه الأجسام للإرادة الإلهية .. وهذا أيضا يستلزم منا الحمد لله عز وجل؛ لأنه لو يقهر الكون على هذا العمل المحكم المنظم لما دامت لنا حياة على الأرض.
فالجبار كاسم ووصف من أوصاف الحق عز وجل يمثل صفة من الصفات الواجبة لكماله المطلق عز وجل. وإذا كان الجبر يرادف القهر في أحد معانيه .. فإنه قهر يحقق النفع والمصلحة للإنسان ويدفع عنه الضرر. ومن معاني الجبروت أيضا أن الحق جل وعلا يمهل الظالم ويمد له مدا لعله يتذكر أو يخشى، فإذا أصر على ظلمه وتمادي في عناده أخذه تبارك وتعالى أخذ عزيز مقتدر .. وقد رأينا ذلك في قصة قارون والتي أخبرنا الحق عز وجل عنها فقال: إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوأ بالعصبة أولى القوة إذا قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين "76" وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا واحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين "77" قال إنما أوتيته على علمٍ عندي أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه واكثر جمعاً ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون "78" فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظٍ عظيمٍ "79" وقال الذين أتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرين "80" فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين "81" واصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون "82" (سورة القصص)
وكذلك أخذ الله عز وجل بجبروته قوم لوط حين أصروا على الفاحشة، فكانوا يأتون الرجال ويقطعون السبيل ويفعلون المنكر، وأخبرنا المولى عنهم فقال:ولوطاً إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحدٍ من العالمين "28" أنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا آتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين "29" قال رب انصرني على القوم المفسدين "30" ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين "31" قال إن فيها لوطاً قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجيه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين "32" ولما أن جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين "33" إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون "34" ولقد تركنا منها آية بينةً لقومٍ يعقلون "35" (سورة العنكبوت)
ورأينا كيف أخذ الله عز وجل فرعون وقومه بجبروته حين أصروا على العناد والكفر وفي ذلك يقول جل وعلا: ولقد أوحينا إلي موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى "77" فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم "78" وأضل فرعون قومه وما هدى "79" (سورة طه)
إن الجبر الإلهي بكل معانيه صفة من صفات الكمال الإلهي المطلق ولا يستعمل الحق جل وعلا جبروته في موضع إلا تحقيقا لخير أو دفعا لشر .. وهو سبحانه مستحق للحمد على جبروته كما هو مستحق الحمد على رحمته ومغفرته وكرمه.فهو كما أخبر عن نفسه: هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون "23" (سورة الحشر).

ام وليد2005
07-04-2014, 07:48 PM
المتكبر
(كبر) بفتح الكاف وكسر الباء أي أسن أو تقدم في العمر. و(كبر) بفتح الكاف وضم الباء أي عظم وتعالى. والكبر أو الكبرياء تعني العظمة أو العلو والرفعة. والمتكبر كوصف للعبد صفة ذميمة، ولكنها صفة من صفات المدح الواجبة للكمال الإلهي المطلق. فالعبد الذي يتكبر أي يتعاظم إنما يتكبر ويتعاظم على غيره من العباد، وهذا تكبر بلا مقتضى وبلا سند، فالناس سواسية كأسنان المشط مهما اختلفت درجاتهم، فاختلاف الدرجات والرتب لا يخرج أحدا عن كونه إنسانا، وكلنا في هذا الوصف سواء، وهو اختلاف لا يجعل أحدنا أعظم من أخيه، لأنه اختلاف لا فضل لنا فيه، إذ مرجعه إلي إرادة الله عز وجل وحكمته التي ذكرها في قوله تعالى: أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجاتٍ ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمت ربك خير مما يجمعون "32" (سورة الزخرف)
إن الآية الكريمة صريحة في أن الله عز وجل رفع بعضنا فوق بعض درجات، فلا فضل لنا إذن في ذلك، وإن قال أحد: إنما أوتيته على علم عندي أو عمل قمت به فإننا نقول له إن علمك وعملك أيضا هبة من الله عز وجل، وقد أراد سبحانه بهذا التفاوت أن يجعل كلا منا مسخرا للآخر.
ولا يظن أحد أن هذا التفاوت يتنافى مع العدل الإلهي، ومن يظن ذلك فإننا نقول له: إنك فهمت الآية فهما خاطئا؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يقسم عباده قسمين .. قسم مسخر، وقسم مسخر، بل جعل كلا منا مسخر ومسخر في آن واحد، فالذي يعمل في تسليك المجاري ودورات المياه مسخر للطبيب والمهندس وغيرهما، وفي نفس الوقت فإن الطبيب والمهندس وغيرهما مسخرون لخدمة عامل المجاري .. بل إن ما يبذله عامل المجاري في عمله وما يلاقيه من عناء لا يمثل مثقال ذرة مما عاناه الطبيب أو المهندس من الكدوالعناء طوال سنوات الدراسة وتحصيل العلم الذي يمكنه من أداء الخدمة التي يؤديهالهذا العامل. فالكل إذن مسخر ومسخر وفقا لمعنى الآية السابق، ومن أسباب التفضيلأيضا قوله تعالى: هو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم "165" ( سورة الأنعام)
وهذه حكمة أخرى لتفاوت الدرجات ألا وهي الابتلاء، فالغني مثلا يبتلى فيما أوتي من سعة الرزق .. هل سيخرج زكاة ماله ويؤتي الصدقات أم يكنز الأموال؟ والفقير يبتلى هل سيصبر على ضيق ذات اليد .. أم يعترض ويسخط؟ وهكذا الشأن في سائر النعم والنقم!! فإذا كان التفاوت بين العباد حادثا بإرادة الله عز وجل ولحكمته، وليس لنا فيه فضل، فإنه لا يصح أن يتصور أحدنا أنه أعظم أو اكبر من أخيه، ومن يتصور ذلك فهو متكبر، والتكبر في حقه صفة ذميمة، لأنه أراد أن يصف نفسه بما ليس لها، فمهما أوتي الإنسان من زينة الدنيا فهو إنسان وهو عبد الله عز وجل، ولن تخرجه ممتلكاته عن هذا الوصف، وقد أوضح لنا الحق جل وعلا موقفه من المستكبرين من خلقه وأوضح لنا جزاءهم يوم القيامة فقال سبحانه: إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين "60" (سورة غافر)
وقال عز وجل: والذين كذبوا بآيتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "36" (سورة الأعراف)
وقال الحق سبحانه: إن الذين كذبوا بآيتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين "40"}(سورة الأعراف)
وقد مدح الله عز وجل عباده الذين لا يستكبرون عن عبادته في العديد من الآيات القرآنية منها قوله تعالى: إنما يؤمن بآيتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون "15" (سورة السجدة)
أما (المتكبر) كاسم من أسماء الله عز وجل وصفة من صفاته، فإنه من مقتضيات الكمال الإلهي المطلق، وهو لا يعني أن الحق تبارك وتعالى يتكبر على عباده كما يفهم السطحيون، وإنما يعني أنه جل وعلا عظيم بذاته ومتعالي فوق عباده بحكم كونه الخالق الموصوف بصفات الكمال المطلق وبحكم كونهم المخلوقين من العدم والقائمين به عز وجل ولا قيام لهم بدونه.
والحديث عن الصفات الإلهية دون فهم معناها يوقع في الخطأ الجسيم والضلال المبين، وقد سمعنا من قبل مقولة أحد المستشرقين: أنه في الوقت الذي تصف فيه عقيدتنا السمحاء الخالق بالتواضع المطلق فإن الإسلام يصفه بالكبرياء المطلق، وهذا القول إن دل على شيء فإنما يدل على جهله بمفهوم الصفات الإلهية في الإسلام، فمفهومهللتكبر والتواضع بالنسبة لله عز وجل كمفهومه للتواضع والتكبر بين الناس، وشتان بينهذا وذاك.
إن العلاقة بيننا وبين الله عز وجل فيما يتعلق بالتكبر والتواضع هي أن الحق تبارك وتعالى هو (المتكبر) أي العظيم بذاته والمتعالي بذاته ونحن (المتواضعون) له، فإذا أردنا أن نتكبر على بعضنا البعض أو عليه عز وجل فقد خرجنا على مقتضى التواضع الذي هو صفة لصيقة بنا وهذا محرم شرعا، وقد قال جل وعلا في الحديث القدسي: (العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما ألقيته في النار)
بينما التواضع في حق الله عز وجل خروج على مقتضى العظمة الذاتية والعلو الذاتي له جل وعلا، وهو تكلف غير جائز على الله تبارك وتعالى، وإذا قال زيد من الناس أنه يعامل الناس بتواضع فإنه في حقيقة الأمر متكبر؛ لأنه يشعر في دخيلة نفسه أنه افضل منهم وأعظم منهم ومع ذلك فهو يعاملهم بتواضع، وإن جاز أن يوصف إنسان بأنه متواضع فإنه لا يجوز أن يوصف الله عز وجل بهذا الوصف لأن التواضع في اللغة من الضعة وهي الدنو، والدنو يليق بالمخلوق ولكنه لا يليق بالخالق عز وجل المتصف بصفات الكمال المطلق.
والكبرياء الإلهي عصمة من الانقياد لأحد، إذا كيف ينقاد الحق عز وجل لغيره وهو المتكبر المتعالي عن صفات الخلق ولا يعلوه متكبر. فسبحان المتكبر بربويته، المتكبر على الطغاة من خلقه الذي تذل له المخلوقات ولا يذل سبحانه لأحد، والكبر لا يليق بأحد من المخلوقين، وإنما سمة العبيد الخشوع والتذلل. وسبحان الذي جعل التواضع سمة من سمات خلقه، بينما الكبرياء صفة من صفات كماله، لصيقة بذاته، قديمة قدمه، وسبحان الذي قال عن نفسه وقوله الحق: (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون)

أسيرة زوجي
07-04-2014, 09:19 PM
بارك الله فيك

طرح في قمة الروووعة

متابعة ...

ام ارجواااااان
07-05-2014, 06:34 AM
http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1404531292_179.jpg

ام وليد2005
07-05-2014, 08:52 PM
بارك الله فيك

طرح في قمة الروووعة

متابعة ...

http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1404582739_522.jpg

ام وليد2005
07-05-2014, 08:56 PM
http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1404531292_179.jpg

http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1404582992_870.jpg

ام وليد2005
07-06-2014, 03:22 AM
الخًـــالـــق



خلق الله العالم أيأوجده من العدم، والخالق بالألف واللام لا تطلق إلا على الحق عز وجل، فيجوز أن يطلقعلى الإنسان وصف (خالق) ولا حرج، بينما لا يجوز أن يوصف أن يسمى (الخالق) ويؤخذ ذلكمن قوله تعالى: ولقد خلقنا الإنسان من سلالة منطينٍ "12" ثم جعلناه نطفةً في قرار مكين "13" ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقةمضغة فخلقنا المضغة عظماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك اللهاحسن الخالقين "14" (سورة المؤمنون)
فدل قوله تعالى (فتبارك الله احسنالخالقين) على أنه عز وجل أطلق على الإنسان وصف خالق وذلك مع الأخذ في الاعتبار أنخلق الإنسان هو خلق معدوم من موجود، بينما خلق الله هو خلق موجود من معدوم. خذ علىسبيل المثال: السيارة تجد أن الإنسان يخلقها من مواد موجودة في الكون كالمعدنوخلافه، ولو لم تكن هذه المواد موجودة لما استطاع الإنسان أن يخلق أو يصنع سيارة.
أما بالنسبة للحق جل وعلا فإن الأمر مختلف .. إذ أنه يخلق الشيء من العدمالمطلق .. والعدم المطلق هو اللا شيئية .. فهو تبارك وتعالى يخلق الشيء دون أن يكونله سابقة وجود على الإطلاق، ولقد أكد عز وجل على مسألة الخلق من العدم المطلق فيالعديد من الآيات القرآنية منها قوله تعالى: قالكذلك قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً "9" (سورة مريم)
وقوله تعالى: هل أتى على الإنسان حين من الدهرلم يكن شيئاً مذكوراً "1" (سورة الإنسان)
أي أن الإنسان لم يكن له وجودقبل أن يخلقه الله عز وجل. وقوله تعالى: إنه يبدأالخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط (سورة يونس ـ 4)
وقوله تعالى: قل هل من شركائكم من يبدأ الخلقثم يعيده} (سورة يونس ـ 34)
وقوله تعالى: كما بدأنا أول خلقٍ نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين "104" (سورةالأنبياء)
والحق سبحانه وتعالى لم يؤكد حقيقة الخلق من العدم فحسب،وإنما أكد حقيقة أخرى ألا وهي أن كل شيء عدا الله عز وجل مخلوق له خاضع لأمره، ولا استثناء في هذه القاعدة، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: وخلق كل شيء فقدره تقديراً "2" (سورة الفرقان)
وقولهتعالى: قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار "16" (سورة الرعد)
وقوله تعالى: اللهخالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل "62" (سورة الزمر)
وقوله جل وعلا: ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيءفاعبدوه (سورة غافر ـ 62)
وقوله عز وجل: ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو (سورة الأنعام ـ 102))
فالمولى عز وجل نظرا لخطورة هذه المسألة أراد أن يغلق الباب في وجهالمبتدعين .. فلم يكتف بالإجمال الوارد في الآيات السابقة .. وإنما فصل هذه الآيةبآيات أخرى ليؤكد أن كل شيء مخلوق ويؤكد أنه خالق كل شيء من هذه الآيات قوله تعالى: هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً} (سورة البقرةـ 49)
وقوله تعالى: الحمد لله الذي خلقالسماوات والأرض وجعل الظلمات والنور(سورة الأنعام ـ 1)
وقوله سبحانه: وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر} (سورةالأنبياء ـ 33)
وقوله عز وجل: الذي خلقالسماوات والأرض وما بينهما في ستة أيامٍ (سورة الفرقان ـ 59)
وقولالحق: الرحمن "1" علم القرآن "2" خلق الإنسان "3" علمه البيان "4" (سورة الرحمن)
وقوله سبحانه: وخلق الجان من مارج من نارٍ "15" (سورة الرحمن)
وصفةالخلق من العدم لدى الله عز وجل ليست معجزة واحدة فحسب بل معجزات متعددة متداخلةولا يمكن لاجتهاد العقل أن يحصرها، فإحداث الشيء من اللا شيء إعجاز يعجز العقل عنتصوره، وخلق كائن حي يدرك ذاته ويدرك الكون المحيط به ويدرك خالقه إعجاز آخر، وقدلفتنا جل وعلا إلي إعجاز استحداث الكائنات الروحية ولفتنا أيضا إلي أنه وحده القادرعلى هذه الكائنات فقال جل وعلا: يا أيها الناس ضربمثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإنيسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب "73" (سورةالحج)
لقد خلق الإنسانالسيارة والقطار الطائرة والصاروخ والقمر الصناعي والتلفاز والمذياع وغير ذلك كثير،ولكن البشرية جمعاء لن تستطيع خلق ذبابة ولو اجتمعت في صعيد واحد، والسبب هو أنالذبابة كائن روحي تدب فيه الحياة بنفخة من الله عز وجل لا يملكها سواه .. إنها سرمن أسراره جل وعلا: ومن معجزات الخلق أيضا أنه بين الكاف والنون، فالحق سبحانهوتعالى إذا أراد أن يخلق شيئا فإنما يقول له كن فيكون دون أدنى جهد أو إعياء، وفيذلك يقول تبارك وتعالى:إن مثل عيسى عند الله كمثلآدم خلقه من ترابٍ ثم قال له كن فيكون "59" (سورة آل عمران)
حينما أدعىاليهود أن الله استراح بعد أن خلق الخليقة رد عليهم الحق عز وجل يقول:ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيامٍ ومامسنا من لغوبٍ "38" (سورة ق)
أي إعجاز هذا؟ كلمة واحدة من الله عز وجلكفيلة باستحداث المخلوق دون جهد ودون عناء. كيف للإنسان أن يتصور الحجم الحقيقيلهذه القدرة وهذا الإعجاز؟ ومن معجزات الخلق أيضا أن الحق تبارك وتعالى يخلق مايشاء، فإذا أراد أن يخلق شيئا لن يحول دون هذا الخلق حائل. وقد أكد جل وعلا هذهالحقيقة بقول تعالى: قال كذلك الله يخلق ما يشاء(سورة آل عمران ـ 47)
وقوله تعالى: يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير "17" (سورة المائدة)
والخلق الإلهي ليس خلقا عشوائيا .. بل هو خلق محكم مبني على علم إلهي مطلق،فإذا تأملت الكون وما به من تكامل وتناسق بين المخلوقات علمت مدى القدرة الإلهيةعلى الخلق والإبداع. انظر إلي أي مخلوق من مخلوقات الله عز وجل على حدة .. يهيأ لكأنه كائن مستقل بذاته منفصل عما حوله، ولكن دقق النظر تجد أن هذا المخلوق ليسمستقلا عن الكون بل هو جزء من كل. فالإنسان مثلا لا يمكن أن يتصور وجوده بدونالهواء الذين يحيط به في كل مكان على سطح الكرة الأرضية، أو الماء الذي وفره لهالله عز وجل، أو الطعام الذي تنبته له الأرض بإذنه.
وبهذه النظرة يبدو الإنسانوكأنه ترس في ساعة الكون لا انفصال ولا وجود لأحدهما بدون الآخر، فالحق سبحانهوتعالى خلق المخلوقات الحية وخلق لها مقومات الحياة في إبداع، وعلم لا يدانيه علم،وحسن لا يدانيه حسن، وفي ذلك يقول تبارك وتعالى:الذين احسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طينٍ "7" (سورةالسجدة)
فإذا كان الحق سبحانه وتعالى قد خلق الكون بهذا الإبداع وهذاالإحكام فهل يمكن أن نتصور أنه خلق بلا غاية وبلا هدف، وأن المسألة أرحام تدفعوقبور تبلع كما قال الدهريون: وقالوا ما هي إلاحياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر (سورة الجاثية ـ 24)
وكما قالوا: وقالوا إذا ضللنا في الأرض آنالفي خلقٍ جديد (سورة السجدة ـ 10)فيرد الحق تبارك وتعالى على هؤلاءالدهريين قائلا: وما خلقنا السماوات والأرض ومابينهما إلا بالحق} (سورة الحجر ـ 85)
وكما قال سبحانه: وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين "16" (سورةالأنبياء)
وكما قال عز وجل: أفحسبتمإنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون "115" (سورة المؤمنون)
فالخلق إذن ليس عبثا وليس زوالا وفناء، وإنما لحكمة أرادها سبحانه وتعالى، وفيذلك يقول جل وعلا في الحديث القدسي: كنت كنزا مخفيا فأردت أن اعرف فخلقت الخلقفبي عرفوني).
ويقول في محكم التنزيل: وما خلقتالجن والإنس إلا ليعبدون "56" (سورة الذاريات)
فقد شاءت حكمة المولى أنيخلق الكون ويخلق الإنسان، ويجعل الحياة الدنيا دارا للاختبار والآخرة دار للجزاءوالقرار .. هل سيشكر الإنسان على هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى أم سيكفر ويشركويجحد؟ فالخلق إذن لغاية والبعث حقيقة لا مراء فيها، وفي ذلك يقول جل شأنه: يا أيها الناس إن كنتم في ريبٍ من البعث فإناخلقناكم من ترابٍ ثم من نطفةٍ ثم من علقةٍ ثم من مضغةٍ مخلقةٍ لنبين لكم ونقر فيالأرحام ما نشاء إلي أجل مسمى ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفىومنكم من يرد إلي أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علمٍ شيئاً وترى الأرض هامدةً فإذاأنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج "5" (سورة الحج)
والمسألة لا تقف عند حد قدرته سبحانه وتعالى على البعث، بل هو قادر على تغييرالجنس البشري بأكمله بمخلوقات أخرى، وما ذلك عليه بعزيز وفي ذلك يقول جل وعلا:يا أيها الناس أنتم الفقراء إلي الله والله هوالغني الحميد "15" إن يشاء يذهبكم ويأت بخلقٍ جديدٍ "16" وما ذلك على الله بعزيزٍ "17"} (سورة فاطر)
فإذا كان الحق جل وعلا هو الخالق المحدث المبدع .. فإنه إذن وحده المستحق للعبادة والمستحق للشكر، وعبادة غيره ظلم للنفس وحياد عنالحق، وفي ذلك يقول جل شأنه:والذين يدعون من دونالله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون "20" (سورة النحل)
ويقول سبحانه: واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون(سورة الفرقان ـ 3)
والمولى تبارك وتعالى يحثنا على التأمل في مخلوقاته .. لما في ذلك من حث على الإيمان بوجوده والإيمان بكمال صفاته ورسله وكتبه واليومالآخر، وفي ذلك يقول جل شأنه: إن في خلق السماواتوالأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزلالله من السماء من ماءٍ فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابةٍ وتصريفالرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقومٍ يعقلون "164" (سورةالبقرة)
يقول سبحانه: إن في خلقالسماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب "190" الذين يذكرونالله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذابطلاً سبحانك فقنا عذاب النار "191" (سورة آل عمران)
والأسماء الحسنىبما تعطيه من أوصاف قديمة قدم الله عز وجل .. فهو جل شأنه (الخالق) قبل أن يخلقالخلق، ولو لم يكن المولى عز وجل موصوفا بهذا الوصف منذ الأزل لما استطاع أن يخلق،أنه تبارك وتعالى يخلق ما يشاء في الوقت الذي يشاء وفي ذلك يقول جل وعلا: الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولىأجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع يزيد الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير "1" (سورةفاطر)
مهما تحدث المتحدثون عن هذا الاسم وغيره من الأسماء الحسنى ومنخلال ما كشف الله لهم في كتابه وسنة نبيه فإنهم لن يستكشفوا جلال أسمائه عز وجلوأسرار صفاته، فإذا كنا نعجز عن الإلمام بما كشفه لنا الله تبارك وتعالى فماذا عنالمحجوب الذي لم نتهيأ بعد لاستقباله والذي احتفظ به جل وعلا في علمه؟ إن الخالق هوالمبدع للخلق، والمخترع له على غير مثال .. ندعوه عز وجل أن يعلمنا من علمه الفياض: ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين "54" (سورة الأعراف).

ام وليد2005
07-06-2014, 03:28 AM
البارئ
(برؤ) بضم الراء أي خلا من العيب أو التهمة، و(برأ) من العيب أو التهمة أي قضىببراءته منه، والاسم (برئ) كما في قوله تعالى: ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً "112" (سورة النساء)
و(البراء) مرادف لبرئ ومنه قوله تعالى: وإذا قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون "26" (سورة الزخرف)
و(أبرأ) فلانا من حق له عليه أي خلصه منه.
و(برئ) المريض أي شفى من مرضه.
و(برأ) الله الشيء أي خلقه صالحا ومناسبا للمهمة والغاية التي ابتغاها من خلقه، ومنه بريت القلم أي جعلته صالحا للكتابة، وبريت السهم أي جعلته مناسبا وصالحا للإصابة .. والاسم (بارئ).
و(البارئ) اسم من أسماء الله الحسنى، فإذا قلنا خلق الله عز وجل الإنسان فمعنى ذلك أنه استحدثه وأوجده من العدم المطلق، وإذا قلنا برئ الله الإنسان فمعنى ذلك أنه استحدثه وأوجده من العدم المطلق في خلقة تناسب المهمة والغاية التي خلق من أجلها. فالخالق قد يخلق الشيء مناسبا أو غير مناسب، أما البارئ فلا يخلق الشيء إلا مناسبا للغاية التي أرادها من خلقه ويؤخذ ذلك من قوله تعالى: لقد خلقنا الإنسان في احسن تقويمٍ "4" ثم رددناه أسفل سافلين "5" (سورة التين)
فلو كان فعل الخلق يشير إلي درجة الخلق من الحسن أو القبح لما أضاف المولى عز وجل عبارة في احسن تقويم، ولو كان اسم الله عز وجل (البارئ) مرادفا مرادفة تامة لاسمه (الخالق) لما قال تبارك وتعالى: هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم "24" (سورة الحشر)
وإذا تأملنا الكون المحيط بنا سنلاحظ أن الله عز وجل قد خلق كل شيء صالحا لمهمته مناسبا للغاية من خلقه ومتوائما مع المحيط الذي وضع فيه. فالإنسان خلق ليكونخليفة الله عز وجل على الأرض وليكون عارفا بالله عابدا له متأملا في ملكوته لذلك برأه في خلقه تناسب جلال الغاية فبرأه أي خلقه في احسن تقويم ..
أي احسن خلقه، فجعله احسن المخلوقات من حيث التركيب ومن حيث الشكل، مألوفا من سائر الكائنات الحية، معظم الكائنات في علاقة ود وتراحم مع الإنسان .. الحصان .. الجمل .. الحمار .. الكلب .. القط .. الطيور حتى الجن يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم كما قال المولى عز وجل: يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما سوءتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون "27" (سورة النساء)
فالشياطين يروننا لأننا مقبولون مألوفون لهم شكلا بينما لا نرى نحن الشياطين لأن أشكالهم غير مألوفة ولا مقبولة لدينا. ولقد صرح المولى عز وجل بخلافة الإنسان على الأرض فقال سبحانه: وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفةً قالوا تجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون "30" (سورة البقرة)
فالإنسان بصريح الآية السابقة خليفة الله عز وجل على الأرض .. خلق ليكون عارفاً بالله عابداً له، لذا برأه مناسبا لهذه الغاية بأن ميزه بالعقل، والعقل كما نعلم هو مستقر ومستودع وسائل الإدراك .. إليه ترجع قدرة الإنسان على السمع والبصر والشم واللمس، وهو الذي يحوي الذاكرة مخزن المعلومات، وهو المسئول عن عملية التفكير والتي تميز الإنسان عن غيره من المخلوقات.
وليس ذلك فحسب بل جعل الله للإنسان وسيلة للتعبير والبيان عما يجول بخاطره .. فخلق له لسانا مبينا ينطق الحروف بمخارجها، والحرف أساس الكلمة، والكلمة وسيلة التعبير عن المعنى الكامن في عقل الإنسان، والمولى عز وجل قد علم آدم كل الكلمات كما جاء في قوله تعالى: وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين "31" (سورة البقرة)
وقال سبحانه أيضا: الرحمن "1" علم القرآن "2" خلق الإنسان "3" علمه البيان "4" (سورة الرحمن)
وإذا تأملنا سائر الكائنات والتي خلقت مسخرة للإنسان، سنجد أن المولى عز وجل قد برأ كل كائن ـ أي خلقه مناسبا لمهمته ـ، فالناقة والحمار لديهما من القوة ما يمكنهما من حمل الإنسان وأثقاله إلي الأماكن المتباعدة. والحصان أوتى قدرا من السرعة ليتمكن به الإنسان من قطع المسافات البعيدة في أزمنة قصيرة. والبقر أوتى لحما كثيرا ليمد الإنسان بالغذاء الذي يحتاج إليه من البروتين وغيره من المواد الغذائية، وأجرى الله من بطونه لبنا نقيا سائغا للشاربين كما قال جل وعلا:وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرثٍ ودمٍ لبناً خالصاً سائغاً للشاربين "66" (سورة النحل)
حتى المخلوقات التي يظن البعض أن وجودها يمثل شرا محضا للإنسان .. تجد المناسبة بينها وبين مهمتها في الكون واضحة جلية، فهي من جهة تملك إيذاء الإنسان، إذ منها ما هو مفترس، ومنها ما قد يقتل الإنسان بسمه، وهذا الإيذاء ليس مقصودا بذاته وإنما قصد به إحاطة الإنسان بقدر من الأعداء لا يملك أن يتصدى لهم إلا بمعونة الله عز وجل .. فيلجأ إليه بالعبادة والدعاء إذا تمكن منه أحد هؤلاء الأعداء.
ذلك أن الإنسان يكون أقرب ما يكون من ربه عز وجل في حالات الحاجة كالمرض والشيخوخة والظلمة وغير ذلك من دواعي الحاجة والضيق والخوف وفي ذلك يقول جل وعلا: وإذا مس الإنسان الضر دعا لجنبه أو قاعداً أو قائماً فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلي ضرٍ مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون "12" (سورة يونس)
وقوله تعالى: فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم خولناه نعمةً منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون "49" (سورة الزمر)
ومن جهة أخرى فإن الإنسان ينتفع بهذه المخلوقات .. فمنها ما ينتفع بجلده ومنها ما يفرز سموما تستخدم في صناعة الأدوية والعقاقير، كما قال شوقي رحمه الله في مدح الرسول عليه افضل السلام وأتم التسليم:
الحرب في حق لديك شريعة
ومن السموم الناقعات دواء
وإذا تأملنا المخترعات التي توصل إليها الإنسان واستطاع أن يخرجها إلي حيز الوجود .. سنجد أن الإنسان لم يخلقها من العدم المطلق بل صنعها من مواد سابقة لها في الوجود، والإنسان لم يعط هذه المواد الخصائص الملازمة لها والتي كانت أساس هذا الاختراع أو ذاك. خذ على سبيل المثال التلفاز والمذياع تجد أن نظرية عملهما تقوم على تحويل الصوت أو الصورة إلي موجات كهربائية لها تردد أو ذبذبات الصوت .. هذه الموجات تنتقل عبر الهواء أو الأثير، ثم يتم استقبالها بواسطة أجهزة استقبال، ثم يتم تحويل هذه الموجات الكهربائية إلي صوت أو صورة مرة أخرى من خلال التلفاز أو المذياع.
وهنا نتساءل: هل الإنسان هو الذي جعل الهواء قادرا على نقل الموجات اللاسلكية؟. لاشك أن الله عز وجل هو الذي (برأ) الهواء أي خلقه بما له من خصائص ليناسب المهمة والغاية التي ابتغاها من خلقه .. فهو الذي جعل في الأوكسجين اللازم لتنفس الإنسان وثاني أكسيد الكربون اللازم لتنفس النبات، وجعل فيه من الخاصية ما يمكنه من نقل الموجات الكهربائية واللاسلكية، فهو جل وعلا يعلم بعلمه الأزلي وأراد بمشيته أن يمكنالإنسان في يوم من الأيام من اختراع أجهزة لنقل الصوت والصورة .. هذا اليوم الذيسيزداد فيه أهل الأرض وتتباعد بينهم المسافات فيستلزم الأمر وسائل للتعارف وتبادلالعلوم .. فهو جل وعلا القائل: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكمشعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير "13" (سورة الحجرات)
وهو سبحانه المتكفل بأن يظل هذا التعارف قائما لا يحول دونه بحار أو محيطات أو جبال أو تلال، وهذا ما حققته الأجهزة الحديثة للاتصالات والتي اخترعت من مواد لها خصائص معينة، هذه الخصائص ـ كما قلنا ـ لازمتها منذ أن خلقها الله عز وجل. تأمل أيضا وسائل النقل .. تجد أن الله عز وجل قد خلق المعدن الذي استخدمه الإنسان في تصنيع هذه الوسائل .. وهو سبحانه الذي خلق البترول بما له من خاصية الاشتعال وتوليد الطاقة، وأودعه في باطن الأرض حين يحين ميعاد استخراجه واستخدامه. كل شيء في الكون .. برأه الله عز وجل أي خلقه مناسبا وصالحا للمهمة والغاية التي خلق لها، فندعوه جل وعلا كما برأنا أن يبرئنا من العيوب والخطايا وأن يبعثنا يوم القيامة من الفزع آمنين.

ام وليد2005
07-06-2014, 03:29 AM
المصور
(صور) الشيء أي جعل له شكلا معلوما .. ويطلق هذا الفعل على من يقوم بعمل تمثال مجسم للشيء .. أو يرسمه على الورق .. أو يلتقط له صورة بآلة تصوير .. والاسم (مصور).
و(المصور) بأل التعريف اسم من أسماء الله الحسنى.
و(صور) الله عز وجل الأشياء أي جعل لكل منها شكلا معلوما، وإذا تأملت الكون المحيط بلك تجد أن المولى عز وجل قد جعل لكل نوع من المخلوقات شكلا يميزه عن غيره من الأنواع، فالإنسان يختلف عن الجمل ويختلف عن القرد وهكذا. كما أنه جل وعلا قد جعل لكل فرد داخل النوع الواحد صورة تميزه عن غيره من أفراد نوعه، فإذا نظرت إلي زيد من الناس فإنك تعرفه بمجرد النظر إلي وجهه، وهذه من معجزات التصوير الإلهي، فرغم أن تركيب الوجه لا يختلف من إنسان إلي آخر .. إذ يتكون من العينين والأنف والأذنين والفم، إلا أنه تبارك وتعالى يصور من هذه التركيبة عددا لا نهاية له من الوجوه.
ورغم أن يد الإنسان تتكون من خمسة أصابع لها نفس التركيب إلا أن كل إنسان له يد تختلف في الشكل عن أيدي غيره من البشر، فالحق سبحانه وتعالى يصور من التركيبة الواحدة عددا لا نهائيا من الأشكال. ومن نعم الله عز وجل على الإنسان أنه اختصه بحسن الصورة وجعله اجمل المخلوقات شكلا فجعله منتصب القامة سوى الأعضاء حسنها، وفي ذلك يقول جل وعلا: الإنسان على صورة الله ومثاله .. يكون المولى تبارك وتعالى له فم وهنا نتسائل: ما وظيفة هذا الفم بالنسبة لله عز شأنه؟
فإذا قلنا أنه يأكل فقد نسبنا له نقصا لا يتناسب مع كماله المطلق لأنه تبارك وتعالى غني عن الطعام والشراب، إذ كيف يأكل ويشرب وهو (القيوم) القائم بنفسه قياما مطلقا والمقيم لغيره من المخلوقات التي خلقها؟
بل كيف يأكل ويشرب وقد كان جل وعلا موجودا من قبل ولم يكن هناك كون ولم يكن هناك طعام ولا شراب .. إن الطعام والشراب من مخلوقاته جل وعلا فهل يليق بالخالق أن يحتاج إلي مخلوقاته لكي يظل ويبقى على قيد الحياة. وإذا قلنا إن الله عز وجل لا يأكل بهذا الفم .. فهل يتكون جل شأنه من أعضاء التبول والتبرز وغيرهما من الأعضاء البشرية. ومن جهة أخرى وكما قلنا من قبل لو كان الإنسان على صورة الله ومثاله إذن فهو جل شأنه مركب من أجزاء، والأجزاء مكونة من المادة .. وهنا نسأل: كيف يتكون الله عز وجل من المادة وقد كان تبارك وتعالى منذ الأزل ولم تكن هناك مادة قبل خلق الكون، بل كيف يتكون من المادة وهي مخلوق من مخلوقاته عز وجل، فهل يليق بالخالق جل شأنه أن يحل في مخلوق وكيف يكون مركبا، والمركب يحتاج إلي من يسبقه في الوجود ويركب له أجزاؤه في حين أن الحق تبارك وتعالى أزلي بلا بداية ولم يسبقه أحد في الوجود.
إذن الاعتقاد بأن الله عز وجل قد خلق الإنسان على صورته ومثاله هو اعتقاد فاسد باطل، والنصوص الواردة في هذا الشأن صريحة ولا يمكن تأويلها لتؤدي معاني أخرى، وهي نصوص باطلة بأي وجه من وجوه التأويل. وصوركم فاحسن صوركم وزقكم من الطيبات (سورة غافر ـ 64)
ويقول سبحانه أيضا: ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم (سورةالأعراف ـ 11)
والتصوير يبدأ من الرحم كما قال المولى عز وجل: هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم "6" (سورة آل عمران)
وقد ورد عن النبي عليه افضل الصلاة وأتم التسليم أنه قال: (إذا مر النطفة اثنتان وأربعين ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى فيقضي ربك ما يشاء ويكتب الملك)
وفي مجال الحديث عن التصوير الإلهي أود أن أشير ـ كما أشرت قبلا ـ إلي قضية بالغة الخطورة ألا وهي أن بعض العقائد تزعم أن الله عز وجل قد خلق الإنسان على صورته ومثاله .. أي أن الإنسان قد خلق على صورة الله عز وجل.
وهذا اعتقاد فاسد واضح البطلان لأن الإنسان وإن كان مخلوقا على احسن صورة إلا أنه مخلوق، وقد شاءت الإرادة الإلهية أن يكون به نقائص معينة سوف تزال عنه إن قدر له أن يحظى بالجنة، وهذه النقائص وإن اعتبرها البعض أنها ليست نقائص إذا نسبت إلي الإنسان، فإنها لا محالة نقائص إذا نسبت إلي الله عز وجل. المولى تبارك وتعالى خلق للإنسان فم لمضغ به الطعام، فإذا قلنا إن والتفسير؛ لأنه لا تشابه ألبته بين الله عز وجل والإنسان في وجه من الوجوه.
حتى الاشتراك بين الله عز وجل والإنسان في بعض الصفات كالسمع والبصر والقدرة هو اشتراك لفظي أو مجازي، لأن الصفة لدى الإنسان ما هي إلا مظهر من مظاهر الصفة لدى الحق تبارك وتعالى .. فعلى سبيل المثال قدرة الإنسان ليست إلا وهبة ومنحة من قدرة الله جل شأنه. هذا التشابه اللفظي أو المجازي لا يجعل الإنسان يرقى بأي حال من الأحوال إلي أن يكون على صورة الله ومثاله، وذلك أيا كان المعنى المستفاد من نصوص المماثلة بين الله والإنسان.
أما عن حديث خلق آدم الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ في صحيح مسلم ـ أنه قال: "خلق الله عز وجل آدم على صورته، طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك به، فإنها تحيتك وتحية ذريتك قال: السلام عليكم، فقال: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه (ورحمة الله) قال: فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعا، فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن"
وهنا نبادر فنقول: أن الضمير الوارد في كلمة (صورته) عائد على آدم، وعبارة طوله ستون ذراعا جاءت توضيحا لهذه الصورة .. أي صورة آدم .. يضاف إلي ذلك ما عرف عن الشريعة الإسلامية من أنها تميزت عن سائر الشرائع السماوية وغير السماوية بأنها تنزه الله عز وجل عن أن يكون له شبيه أو نظير أو ند أو مماثل، نذكر من ذلك قول الحق تبارك وتعالى: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير "11" سورة الشورى.
يضاف إلي ذلك أن حديث خلق آدم قد ورد برواية في صحيح البخاري بدون عبارة (على صورته) .. أي خلق الله آدم طوله ستون ذراعا إلي آخر الحديث. فتبارك ربنا الملك الحق الذي صورنا على غير مثال سبق وفي احسن تقويم دون أن نرقى إلي مماثلته أو مشابهته.

ام وليد2005
07-08-2014, 08:13 PM
الغفار
غفر في اللغة أي غطى وستر، وغفر الله لفلان أي ستره وعفا عنه، و(الغفار) اسم من أسماء الله الحسنى، وقد عبر الحق جل وعلا عن صفة المغفرة لديه بالعديد من المشتقات منها الفعل الماضي (غفر) كما في قوله تعالى: قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له (سورة القصص ـ 16)
ومنها المضارع (يغفر) كما في قوله تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم (سورة آل عمران ـ 31)
ومنها صيغة المبالغة (الغفور) كما في قوله تعالى: ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم "27" (سورة التوبة)
ومنها صيغة المبالغة (الغفار) وهو اسم من أسماء الله الحسنى كما في قوله تعالى:ربالسماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار "66" (سورة ص)
ومنها المضاف والمضاف إليه (غافر الذنب) كما في قوله تعالى: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول "3" (سورة غافر)
ومنها أيضا المضاف والمضاف إليه (خير الغافرين) كما في قوله تعالى: فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين (سورة الأعراف ـ 155)
ومنها المضاف والمضاف إليه (ذو المغفرة) كما في قوله تعالى: وإن ربك لذو مغفرةٍ للناس على ظلمهم (سورة الرعد ـ 6)
ومنها المضاف والمضاف إليه (أهل المغفرة) كما في قوله تعالى: وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة "56" (سورة المدثر)
والحق تبارك وتعالى قد أكد لنا هذه الصفة وطلاقتها بتكرار المشتقات سالفة الذكر، فلو رجعت إلي كتابه العزيز وأردت حصر هذه المشتقات لشق عليك ذلك.
ومن رحمة الحق عز وجل وحكمته أنه يغفر الذنوب، ولو أنه جل شأنه أغلق باب التوبة في وجه المذنب لتمادى في ذنوبه وترتب على ذلك هلاكه وهلاك المجتمع بأسره دنيا وآخرة. وغفران الذنب للمذنب لا يتعارض مع العدالة الإلهية والتي كما قلنا من قبل تقتضي محاسبة كل إنسان وفقا لعمله. والعلة في ذلك أنه ليس هناك إنسان معصوم من الخطأ وارتكاب المعاصي والذنوب، وهذا يجعل المغفرة رحمة بالبشرية جمعاء لا بطائفة دون أخرى.
والحق سبحانه وتعالى قد أوضح لنا أنه لا ذنب يعظم عن مغفرته، وتتجلى هذه القاعدة في قوله تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم "53" (سورة الزمر)
فكلمة (جميعا) أفادت العموم والشمول، فمهما عظم الذنب .. أي ذنب فإن مغفرة الله عز وجل أعلى وأعظم .. وهذه القاعدة لا تتعارض مع الآيات التالية: إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيداً "167" إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً "168" إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً وكان ذلك على الله يسيراً "169" (سورة النساء)
وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيداً "136" إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا "137" (سورة النساء)
ويتجلى عدم التعارض بين القاعدة العامة وبين الآيات التي ذكرناها في قوله تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيماً "66" (سورة النساء)
وقوله تعالى: الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصداقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم "79" استغفر لهم أولا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين "80" (سورة التوبة)
فالقاعدة إذن أن الله عز وجل يغفر الذنوب جميعا مادام الإنسان في إطار الإيمانالصحيح به جل وعلا، فإذا كفر بوجود الله عز وجل أو أشرك به فقد خرج عن إطارالإيمان. ومن الثابت أنه ليس بعد الكفر أو الشرك ذنب، فأعمال الكافر والمشرك ليستمحل نظر؛ لأن أعماله الصالحة ليست لوجه الله عز وجل فلا يستحق عنها ثوابا، وأعمالهالطالحة سينال عقابه عنها في إطار العقاب الأعظم على الذنب الأعظم وهو الكفر أوالشرك، وفي ذلك يقول جل وعلا: ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (سورة البقرة ـ 217)
ولكن ينبغي أن نلاحظ أن حرمان الكافر والمشرك من المغفرة مرتبط باستمرارية كفره وشركه، فإذا رجع عن كفره أو شركه، فالحق سبحانه وتعالى يغفر له، وفي ذلك يقول جل شأنه: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين "38" (سورة الأنفال)
فالحق سبحانه وتعالى يقابل الرجوع الصادق عن الكفر والشرك بغفران ما قد سلف، وهذه نعمة ورحمة ومغفرة ليس لها حدود. وفي مجال الحديث عن المغفرة الإلهية نذكر لأحد المستشرقين قوله: إن المغفرة الإلهية كما يبدو من القرآن الكريم تمنح على غير أساس معلوم، وليس أدل على ذلك من الآية رقم 284 من سورة البقرة والتي جاء فيها قوله تعالى: فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء (سورة البقرة ـ 284)
ونقول ردا عليه: إن المغفرة والعذاب بيد الله عز وجل ولمن يشاء من عباده، نعم .. ولكن ذلك لا يعني أن المسألة تسير وفقا للهوى .. تعالى ربنا الملك الحق عن الهوى والظلموالتفرقة بين العباد. فالحق تبارك وتعالى إن شاء أن يغفر لأحد فثق أنه جدير بالمغفرة وإن شاء أن يعذب أحدا فثق أنه جدير بالعذاب.
ونذكر مثالا لذلك قول النبي عليه افضل الصلاة وأتم التسليم والذي ورد بصحيح البخاري وصحيح مسلم: "كان رجل يسرف على نفسه، فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذروني في الريح، فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا، فلما مات فعل به ذلك، فأمر الله تعالى الأرض، فقال: اجمعي ما فيك منه ففعلت، فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب، خشيتك حملتني، فغفر له" فإن دل هذا الحديث على شيء فإنما يدل على أن الخوف من الله عز وجل والذي يرجع إلي الإيمان الصادق به قد يجلب المغفرة، ودل أيضا على أن مغفرة الله عز وجل لا تعطي لعبد دون مبرر أو استحقاق.
ونذكر أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم والذي ورد في صحيح مسلم: "أذنب عبد ذنبا، فقال: اللهم، اغفر لي ذنبي، فقال ـ تبارك وتعالى ـ أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ به، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال ـ تبارك وتعالى ـ عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ به، اعمل ما شئت فقد غفرت لك"
إن هذا الحديث يدل أيضا على أن مغفرة الحق عز وجل لا تمنح إلا لمستحق، وهذا العبد الذي غفر له الله عز وجل كان دائم الاستغفار، وهذا يرجع إلي إيمانه الصادق بالله عز وجل وخشيته منه.
وقول الحق: اعمل ما شئت فقد غفرت لك .. لا يعني أنه جل وعلا أطلق له العنان ليبغي في الأرض الفساد .. تعالى المولى عز وجل عن ذلك .. فقد بدا من الحديث أن هذا العبد لم يكن يكرر نفس الذنب الذي يذنبه، والدليل على ذلك قوله جل وعلا: (ثم عاد فأذنب) .. (ثم عاد فأذنب) .. فلو كان العبد يعود إلي نفس الذنب لقال جل وعلا (ثم عاد إلي ذنبه)، يضاف إلي ذلك أن هذا العبد قد كشف أنه من ذوي النفس اللوامة، وصاحب هذه النفس دائما يرتقي في المعراج الروحي إلي أعلى حتى يصل إلي النفس المطمئنة إن شاء له الله ذلك، ولا يعود إلي الخلف أو يهبط إلي أسفل .. فالمغفرة في هذا الحديث رغم كونها مستقبلية إلا أنها مغفرة مترتبة على استحقاق العبد والذي يعلمه الحق عز وجل من علمه بنفس عبده، وعلمه بالغيب .. إذن فهي ليست مغفرة عشوائية يعقبها طغيان من العبد وفساد في الأرض.
ونذكر أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم والذي ورد في صحيح البخاري: "تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، قالوا: أعملت من الخير شيئا؟ قال: كنت أنظر الموسر وأتجاوز عن المعسر، قال: فتجاوزوا عنه"
هذا مثال آخر لعبد استحق المغفرة الإلهية لرحمته بالعباد وتجاوزه عما له في ذمة المعسرين. ومن رحمة الحق عز وجل أنه علمنا كيف نستجلب مغفرته فقال: يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم "29" (سورة الأنفال)
فالإيمان والتقوى إذن شرطان لابد من توافرهما لكي يغفر الله عز وجل للمستغفر. فمن يستغفر وهو كافر أو مشرك فلا مغفرة له، ومن يستغفر رياء دون خشية فعلية في قلبه وندم على الذنب فلا مغفرة له .. ولذلك كان المصطفى عليه افضل الصلاة وأتم التسليم وكما أخبرنا القرآن الكريم دائم الدعوة لمن حوله قائلا: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونييحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم "31"} (سورة آل عمران)
واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم يكون بالإيمان بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر .. وليس الإيمان القلبي فحسب بل الإيمان القلبي الذي يصدقه العمل .. فمن آمن وعمل صالحا، صار في الإمكان أن يغفر له الله عز وجل ما اقترفه من ذنوب أن تاب وأناب. والحق سبحانه وتعالى يأمر عباده بدوام الاستغفار حيث يقول: فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك (سورة محمد ـ 19)
وقوله تعالى: فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر (سورة آل عمران ـ 159)
وقوله تعالى: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله (سورة البقرة ـ 199)
لذلك فإن ملائكة الله عز وجل وأنبياءه ورسله كانوا دائمين على الاستغفار.
فالملائكة يستغفرون للمؤمنين كما ورد في قوله تعالى: الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمةً وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم "7" (سورة غافر)
ورسول الله موسى عليه السلام بعد أن وكز الرجل الذي من عدوه فقضى عليه. شعر بالندم والأسى على ذلك رغم أنه لم يكن يقصد قتله، فاستغفر ربه كما جاء في قوله تعالى: قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم "16" ( سورة القصص)

ونوح عليه السلام يطلب المغفرة له ولوالده وللمؤمنين كما في قوله تعالى: رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا "28" (سورة نوح)
وسليمان عليه السلام وكما أخبرنا المولى عز وجل: قل رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب "35" ( سورة ص)
وإبراهيم عليه السلام قال كما حكى القرآن الكريم: فإنهم عدو لي إلا رب العالمين "77" الذي خلقني فهو يهدين "78" والذي هو يطعمني ويسقين "79" وإذا مرضت فهو يشفين "80" والذي يميتني ثم يحيين "81" والذي اطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين "82" (سورة الشعراء)
والمصطفى عليه افضل الصلاة وأتم التسليم والذي غفر له الله عز وجل ما تقدم من ذنبه وما تأخر كما أخبرنا الحق عز وجل: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً "2" (سورة الفتح)
رغم ذلك كان يداوم على الاستغفار، وقد ورد في صحيح البخاري أنه قال: (رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري كله، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وهزلي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير)
كما ورد في صحيح مسلم أنه قال: (إنه ليغان على قلبي فاستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة)
وحين غفر له المولى عز وجل ما تقدم من ذنبه وما تأخر لم يكن يقصد فتح باب المعصية على مصراعيه أمام النبي .. كلا .. إنها المغفرة المبنية على علم الحق تبارك وتعالى بما عليه النبي من إيمان صادق مصدق بالعمل، وكشفه للغيب المستور والذي علم به أن هذه المغفرة سوف تزيد النبي عليه افضل الصلاة وأتم التسليم طاعة فوق طاعته، وحمدا فوق حمده، والنبي كان يقوم الليل حتى تتورم قدماه، قيل له: غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال: "أفلا أكون عبدا شكورا"؟ والحق تبارك وتعالى رحمة بأمة المصطفى عليه افضل الصلاة وأتم التسليم قد منحنا سبلا للخلاص من الخطايا وللمغفرة الشاملة .. منها حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا ...
فقد ورد عن النبي أنه قال: "من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"
وأيضا الصلوات الخمس والجمعة إلي الجمعة ...
حيث ورد عن النبي أنه قال: (الصلوات الخمس والجمعة إلي الجمعة تكفر ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)
والصلاة بعد الذنب والاستغفار ...
كما أخبرنا النبي حين قال: (ما من عبد يذنب ذنبا فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ثم يستغفر الله إلا غفر الله له)
وليس ذلك فحسب بل إن المولى عز وجل قد جعل استغفار الأبناء للآباء بعد وفاة الآباء مسقطا للذنوب.
وقد ورد عن النبي أنه قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية وعلم ينتفع به، وابن صالح يدعو له)
كما قال أيضا: (إن الرجل لترفع درجته في الجنة باستغفار ولده)
وخير ما نختم به حديثنا دعاء لأحد العارفين قال فيه: (اللهم اغفر لي تقصيري في حق نفسي وفي حقك من حيث كونك الآمر الناهي الواجب له الطاعة لا من حيث افتقارك إلي عبادتي).
وقول الحق عز وجل: فقلت استغفروا ربك إنه كان غفاراً "10" يرسل السماء عليكم مدراراً "11" ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهاراً "12" (سورةنوح)

ام وليد2005
07-08-2014, 08:15 PM
القهار
القهر في اللغة هو السيطرة والغلبة .. والاسم (قاهر)، والقهار اسم على وزن صيغة المبالغة (فعال) وهو اسم من أسماء الله الحسنى وهو يعني أنه لا شيء في الكون يخرج عن سيطرته وغلبته .. كل شيء خاضع لأمره في حركته وفي سكونه، ولا يمكن لمخلوق أن يخرج عن هذه السيطرة الإلهية بحال من الأحوال.
وعن هذا القهر الإلهي يقول الحق عز وجل: إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحدٍ من بعده إنه كان حليماً غفوراً "41" (سورة فاطر)
ولا يتصور أحد أن الإمساك المشار إليه في هذه الآية الكريمة هو إمساك باليد وما إلي ذلك من التصورات المادية .. بل هو إمساك بالقهر والغلبة .. إمساك الكلمة (كن فيكون) ..وهذا الثبات الكوني لا ينحل إلا بالكلمة أيضا ولذلك يقول جل وعلا: حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وأزينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقومٍ يتفكرون (سورة يونس ـ 24)
والكون بكل ما يحتويه يدل على صفة القهر لدى الله عز وجل .. فإذا نظرت نظرة عابرة إلي الكون وجدت أن كل مخلوق يسير وفقا للغاية التي أرادها الله من خلقه .. انظر إلي الشمس والقمر .. الليل والنهار، تجد أنها كما أخبرنا الله عز وجل: والشمس تجري لمستقرٍ لها ذلك تقدير العزيز العليم "38" والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم "39" لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلكٍ يسبحون "40" (سورة يس)
فالشمس تجري لمستقر لها في فلك خاص بها .. والقمر في فلكه الخاص .. وليس للشمس أن تقترب من مداره ولا للقمر أن يقترب من مدارها .. كل منهما يسير في الخط المرسوم ولا يخرج عنه، مما يحول دون التصادم بينهما .. وهذا الأمر ينطبق على حركة الأفلاك جميعا وليس الشمس والقمر فحسب .. ولكن الله عز وجل حين يضرب الأمثال يضربها بما هو واضح للعيان، وكذلك الليل والنهار يتعاقبان بانتظام .. فلا يأتي النهار قبل ميعاده أو يحل الظلام قبل أوانه وفي ذلك يقول جل وعلا: إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيامٍ ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين "54" (سورة الأعراف)
كل شيء مسخر وخاضع للقهر الإلهي المطلق، حتى أعمال العباد، فمن كفر أو أشرك أو عصى فإنه لم يخرج عن إطار هذا القهر، وفي ذلك يقول جل وعلا:ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين "99" (سورة هود)
فالحق سبحانه وتعالى قادر على هدايتنا جميعا، ويستطيع أن يقهرنا على الإيمان، ولكنه لم يشأ ذلك وشاء أن يمنحنا الاختيار. ويخضعنا للاختبار. فالمسلم يختبر في افعل ولا تفعل، وغير المسلم يختبر هل سيقدر الله حق قدره فيبحث عن طريق الهداية والحق أم يعرض ويتناسى، وحتى يكون الاختبار حقيقيا فتح الله عز وجل المجال أمام المعاصي ليعصي والكافر ليكفر والمشرك ليشرك .. فالكل إذن في ظلال دائرة القهر .. والكل لم يخرج عن الإرادة الإلهية. ومن الآيات القرآنية التي أثارت جدلا في هذه القضية قول الحق عز وجل: والله خلقكم وما تعملون "96" (سورة الصافات)
إذ أراد البعض أن يجعلها دليلا على أن الإنسان يسير سيرا مطلقا في ظل القهر الإلهي .. ويكون بذلك مجبرا في كل أفعاله، بزعم أن أعمالنا مخلوقة كما أشارت الآية الكريمة .. والحقيقة أن هذا فهم خاطئ، ونوضح معنى هذه الآية بمثال .. هب أن إنسانا قفز إلي منزل وقتل صاحبه وسرق ما به من مال .. فهل هذا يعني أن الله عز وجل هو الذي خلق فعل القتل الذي قام به هذا الشخص وفعل السرقة الذي آتاه .. بالقطع كلا .. لأن الذي خلقه الله عز وجل هو إمكانية القيامة بفعل معين وليس فعلا محددا بذاته.
إن الله عز وجل الذي أعطاك يدا تبطش بها ورجلا تسير عليها قد جعل في إمكانك أن تقتل أو تسرق، كما جعل في إمكانك أن تصلي وتتصدق، فإذا قتلت إنسانا بيدك وقيل: إن الله هو الذي خلق هذا القتل فإن هذا يعني أنه جلا وعلا قد جعل في إمكانية يدك أن تقتل، وليس معنى ذلك أنه هو الذي دفعك وقهرك على قتل من قتلت. كذلك إذا صليت فإن الله عز وجل هو الذي خلق فعلك للصلاة بمعنى أنه جعل في إمكان بدنك أن يؤدي الصلاة، وليس معنى ذلك أنه قهرك على أدائها.
إن كل عمل يؤديه العباد مخلوق، بمعنى أن الله عز وجل هو الذي أعطى العباد إمكانية القيام به، وفي هذا المعنى يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتابه القيم (إحياء علوم الدين): (إن انفراد الله سبحانه وتعالى باختراع حركات العباد لا يخرجها عن كونها مقدورة للعباد على سبيل الاكتساب). وعلى هذا النحو يمكن فهم قوله تعالى: وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين "29" (سورة التكوير)
فلولا أن الله عز وجل قد جعل في إمكان الإنسان أن يكفر لما استطاع أن يكفر، ولو لم يجعل في إمكانه أن يعصي لما استطاع أن يعصي كشأن الملائكة. وبهذا المعنى فإن مشيئة الإنسان لم تخرج عن مشيئة الله عز وجل، وعمل الإنسان لم يخر عن القهر الإلهي. ومن الآيات التي أوحت للبعض بأن الإنسان مقهور على أعماله قوله تعالى: ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتابٍ من قبل أن نبرأها وإن ذلك على الله يسير "22" (سورة الحديد)
فقالوا: إن قوله جل وعلا: (في كتاب من قبل أن نبرأها) يعني من جهة أن هذه المصيبة من خلق الله، كما يعني أنها مكتوبة من قبل أن تقع. ونقول ردا عليهم: إنه فيما يتعلق بكون هذه المصيبة مخلوقة فقد أوضحنا هذا المعنى في شرح قوله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون)، وفيما يتعلق بكونها مكتوبة قبل أن تحدث فهذا صحيح .. ولكن نبادر فنقول: إن هذه الكتابة قد بنيت على علم الغيب الذي ينفرد به الله عز وجل. فالحق تبارك وتعالى عالم بالأحداث قبل أن تقع .. فإذا كتبها وحدثت بعد ذلك فإن هذا لا يعني أننا ننفذ ما كتبه الله علينا قهرا.
ولتوضيح ذلك، هب أن شخصا قام بتسجيل حلقة علمية أو دينية على شريط فيديو، فهل يمكن أن نقول إن هذا الشخص كان له تأثير على مجريات هذه الحلقة، هذا معالأخذ في الاعتبار الفرق الشاسع بين المثال السابق وحقيقة الكتابة الإلهية؛ لأن الله عز وجل ليس منقطع الصلة بأعمال العباد .. فهو الذي يزيد الذين اهتدوا هدى .. وهو الذي يمد الطغاة في طغيانهم يعمهون، هذا فضلا عن أن هناك أحداثا تقع بالإرادةالمطلقة له عز وجل، بمعنى أنه قدرها وكتبها لتحدث .. أي ليست الكتابة المبنية علىكشفه عز وجل للغيب المستور. ومن هذه الأحداث .. الميلاد والموت .. الصحة والمرض ..الكوارث الطبيعية من زلازل وبراكين وخلافه.
ومن الخطأ الجسيم أن يزعم إنسان أن الله عز وجل قد كتب عليه مقدما أنه من أهل النار أو من أهل الجنة، وأنه مهما فعل لن يغير المكتوب؛ لأنه وكما ذكرنا من قبل أن هذه الكتابة لم تفرض علينا أعمالنا .. بل إن الله عز وجل قد كشف الغيب المستور وشاهد الأعمال قبل أن تقع فسجلها بعلمه للغيب، وليس على الإنسان أن يشغل باله بهذه المسألة ويجب أن يضع في ذهنه قول الله عز وجل:يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب "39" (سورة الرعد)
وأؤكد على هذه الجزئية لأنني كثيرا ما أسمع شخصا يقول: ما فائدة الأعمال الصالحة إذا كان الله عز وجل قد كتب علي من البداية أنني من أهل النار؟ .. وهذا الكلام محض هراء، ونقول لقائله: ومن الذي أدراك ما الذي كتبه الله لك؟ .. ولماذا افترضت أنك من المدرجين مع أهل النار وليس مع أهل الجنة؟
إن فكرة المصير المحتوم مسبقا إلي الجنة أو إلي النار فكرة خاطئة، ومادمت أنك على قيد الحياة فتؤمن أن مصيرك لم يتحدد بعد، ولو كان العلم الإلهي المسبق بالأحداث بهذا المعنى الخاطئ الذي يفهمه هذا الشخص لما قال المولى عز وجل:وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي} (سورة البقرة ـ 186)
إذ ما معنى أن يستجيب الله عز وجل للدعاء والمصير محتوم ومعلوم؟ ولماذا قال أيضا في الحديث القدسي: (يا ابن آدم أنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة) فما ما معنى أن نستغفر على الذنوب والمصير محتوم ومعلوم؟
إنه لا تعارض مطلقا بين القهر الإلهي المطلق وبين الاختيار البشري .. وندعو الله عز وجل أن يفتح بصائرنا لنفهم هذه الأمور على وجهها الصحيح. ومن القضايا التي أود أن أتحدث عنها أيضا هي قول البعض بأن الأحداث التي تقع بالإرادة المطلقة لله عز وجل كالميلاد والموت .. الصحة والمرض، قد يكون لها تأثير على اختيار الإنسان، وضربوا مثلا لذلك بمن يولد على غير الإسلام ومن يموت شابا قبل أن يصل إلي مرحلة الشيخوخة والتي دائما ما يعود فيها الإنسان إلي خالقه.
ولهؤلاء نقول: إن العدل الإلهي المطلق لا تفوته أشياء قد استوقفت عدلكم المحدث،فعدلكم نفحة من العدل الإلهي ونقول لهم: إن هذه الأشياء مأخوذة في الاعتبار فيالدنيا والآخرة .. وليس أدل على ذلك من أن الكافر أو المشرك إذا رجع عن كفره أو شركه فإن الله عز وجل يغفر له ما تقدم من ذنبه، وهذه منحة ليست في يد المسلم .. كما أنها مأخوذة في الاعتبار يوم القيامة، والحق سبحانه وتعالى يقول: إن الله لا يظلم مثقال ذرةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً "40" (سورة النساء)
واسم الله (القهار) قد ورد مقترنا باسمه (الواحد) في العديد من الآيات القرآنية منها قوله تعالى: قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار (سورة الرعد ـ 16)
وقوله تعالى: قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار "65" (سورة ص) وهو جل شأنه القهار منذ الأزل إلي الأبد .. وسوف ينادي يوم القيامة ويرد على نفسه قائلا:لمن الملك اليوم لله الواحد القهار (سورة غافر ـ 16)

ام وليد2005
07-08-2014, 08:16 PM
الوهاب
وهب فلانا شيئا أي أعطاه إياه بلا عوض أو مقابل، والاسم (واهب) و(وهوب) و(هاب) .. والهبة أي المعطية بلا مقابل. و(الوهاب) اسم من أسماء الله الحسنى على وزن صيغة المبالغة (فعال) والله تبارك وتعالى هو الوهاب بحق إذ هو الذي يهب ما يملك، كما أنه هو الذي يعطي بلا مقابل ولا ينتظر الرد .. أما هبة المخلوق فهي هبة مجازية لأنه يهب ما هو موهوب له من الله عز وجل، كما أن هبة المخلوق قلما تكون بلا مقابل، فإن لم يكن الوهاب يبغي من هبته مقابلا دنيويا فإنه لا محالة يبغي جزاء الآخرة.
والحق سبحانه وتعالى لا ينال من عطائه للعباد أي مقابل على الإطلاق .. وإن قيل إنه جاء شأنه يبغي من هذا العطاء أن يعبد مصداقا لقوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فإننا نقول: إن هذه العبادة التي تعبدنا بها ليست مقابلا لعطاياه جل وعلا لأنه الغني عما سواه على الإطلاق، ولا حاجة به لغيره في وجوده ولا في بقائه وفي ذلك يقول عز وجل: يا أيها الناس أنتم الفقراء إلي الله والله هو الغني الحميد "15" إن يشأ يذهبكم ويأت بخلقٍ جديدٍ "16" وما ذلك على الله بعزيزٍ "17" ( سورة فاطر)
ويقول في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعها فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا شري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أنأولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك ما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه).
فالعبادة ما هي إلا مجموعة من الالتزامات تدخل في إطار (افعل ولا تفعل) الغرض منها الارتقاء الروحي والبدني بالإنسان الرقي الذي يتناسب مع كونه خليفة الله في أرضه. تأمل عبادة الصلاة في الإسلام سوف تدرك على الفور الحكمة في فرضها على العباد .. انظر إلي المصلى الذي يواظب على صلاته تجده دائما نظيف البدن والمظهر مضيء الوجه، دائم الصلة بالله، كثير الذكر قليل الذنب حسن الحديث مأمون الجانب، هادئ الطبع قلما يخرج عن هدوئه ووقاره .. لأن صلاته تفكه من أسر الشيطان، وهذه السمات مجرد أمثلة لا حصر لها.
كذلك عبادة الصوم .. شرعها الله عز وجل ليتذكر الإنسان نعم الله عليه والتي يفقد الإحساس بها حينما يألفها مع التكرار، وليشعر بما يعانيه الفقير الذي لا يملك قوت يومه، ولترتقي النفس البشرية فوق الغرائز الحيوانية .. فلا يصبح إشباع الغريزة لدى الإنسان غاية كما هو الشأن لدى سائر الحيوانات، وتأخذ الغريزة بذلك موضعها الصحيح .. الطعام ليمد الإنسان بالطاقة اللازمة لاستمراره وبقائه .. والغريزة الجنسية من أجل الإنجاب وإعمار الأرض، وبذلك لا نجد بيننا ذلك الذي يتصور أن الحياة قد جعلت للطعام والشراب ومعاشرة النساء كما هو الحال في الدول التي يزعم أنها متقدمة.
إن عبادة الحج قصد بها الله عز وجل أن يلتقي المسلمون من مختلف الشعوب والأجناس حول غاية واحدة، ويتبادلون الرأي حول أمور الدنيا والآخرة. الزكاة شرعت لإعادة توزيع الدخل بانتقال جزء منه من الأغنياء إلي الفقراء لإعانتهم على المعيشة بما يمنع التحاسد والبغضاء، ويمنع انتشار الجرائم في المجتمع. كذلك الأمر بالفضائل المختلفة كالصدق والحياء والكلمة الطيبة وإماطة الأذى عن الطريق والابتسامة في وجه أخيك وغيرها، والنهي عن الرذائل كالكذب والنفاق والرياء والحسد والحقد والغيبة والنميمة وغيرها .. الأوامر والنواهي على وجه العموم إنما شرعت لمصلحة الإنسان وليس إذلالا ومنا من الله عز وجل على العباد.
والحق سبحانه وتعالى هو الوهاب أزلا وأبدا .. فحين خلقنا عز وجل من العدم كان ذلك هبة منه جل وعلا .. فبدن الإنسان هبة .. وعقله هبة .. وسمعه هبة .. وبصره هبة .. وقلبه هبة. الكون بكل ما يحوي من مخلوقات هبة منه عز وجل للإنسان .. فالهواء الذي نتنفسه هبة .. الماء الذي نشربه هبة .. والطعام الذي تخرجه لنا الأرض هبة .. والدواب التي تحملنا إلي الأماكن المتباعدة هبة .. الشمس التي تمدنا بالدفء والضوء هبة .. القمر الذي نسير على أشعته ليلا هبة منه تبارك وتعالى.
الرسالات السماوية التي يرسلها ليهدينا بها إلي سواء السبيل هبة منه جل وعلا .. الهداية والانتقال من الكفر إلي الإيمان هبة منه، وفي ذلك يقول جل شأنه: يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاءوالمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحدٍ أبداً ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم "21" (سورة النور)
الزوج هبة من الله عز وجل لزوجته، والزوجة هبة لزوجها، والأطفال هبة للوالدين وفي ذلك يقول جل وعلا: لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور "49" أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير "50" (سورة الشورى)
فعطاء الله عز وجل هبة، ومنعه هبة، وقد قلنا من قبل إن النعمة قد تكمن في جوف النقمة، والنقمة قد تكمن في جوف النعمة، ولا يعلم أين الخير من الشر سوى الله عز وجل علام الغيوب. ويجب على الإنسان أن يعتقد اعتقاد جازما بأن كل شيء هبة من الله تبارك وتعالى حتى تلك الأشياء التي نظن أننا نكتسبها بالأسباب .. ولو ظن الإنسان أن ما به من نعمة من كسبه وعمله ونسى فضل الله عليه فإنه لا محالة سيفقد هذه النعمة .. وقد رأينا ماذا فعل الله عز وجل بقارون حينما أدعى أن ما به من نعمة قد جاءته بعلمه وعمله.
ومن الواضح من القصة أن قارون قد ارتكب عدة معاص اجتمعت معا. فحق عليه العذاب، فهو فضلا عن ادعائه بأن النعم قد آلت إليه بعلمه وعمله، لم يكن يبتغي فيما أوتي الدار الآخرة، وكان يبغي الفساد في الأرض، وكان يخرج على الناس في زينته المبالغ فيها والتي كانت تسبب للفقراء من الناس إيذاء نفسيا وتشعرهم بالإحباط والقنوط والسخط على ما هم فيه من ضيق ذات اليد. ورسل الله عليهم جميعا افضل الصلاة وأتم التسليم كانوا يدركون جيدا أن كل شيء موهوب من الله، لذلك كانوا في دعائهم يستخدمون الفعل (هب) دون غيره من أفعال الدعاء .. ومن هذه الأدعية التي وردت في القرآن الكريم قوله تعالى: الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق (سورة إبراهيم ـ 39)
وقوله سبحانه: هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذريةً طيبة (سورة آل عمران ـ 38)
وقوله الحق: رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين "83" (سورة الشعراء)
والإنسان يجب أن يلجأ في كل طلب إلي الله عز وجل لأنه وحده هو الوهاب الذي يعطي بلا مقابل، كما أنه هو وحده الذي يملك خزائن كل شيء، حتى تلك الأشياء التي نظن أنها بيد فلان من الناس .. وقد قلنا من قبل إن الإرادة الإلهية تسخر الأسباب، بينما الأسباب لا تملك أن تغير هذه الإرادة. والمولى عز وجل كما أخبر عن نفسه قال: أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب "9" (سورة ص)

أسيرة زوجي
07-08-2014, 09:13 PM
ما أروعهم من أسماء

جزاك الله خيرا

ام وليد2005
07-10-2014, 01:09 AM
شكرا لمرروك الذي عطر المكان
ونشر بشذاه أركان موضوعي
فبارك الله فيك

http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1404943769_563.gif (http://www.7lwthom.net/vb/t3797/)

ام وليد2005
07-10-2014, 01:11 AM
الرزاق
من أسماء الله الحسنى الرزاق، يقول الحق سبحانه وتعالى: إن الله هو الرزاق "58" (سورة الذاريات)
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق"
ورزق الله نعمة منه لا تحصى.
أولاً: رزق الخلائق جميعاً بكافرهم ومؤمنهم وكل ما في الكون حرصاً عليه وما فيه، منه وإليه، يقول الحق سبحانه وتعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها "6" (سورة هود)
وهذا عطاء الربوبية؛ لأن الله استدعى الكون إلي الوجود، وإلي ما يحتاج إليه فيالخلود.
أما الرزق الثاني: فهو عطاء الألوهية للمختارين من عباده، وليس الرزق هو المال، فحلاوة اللسان رزق، والقبول رزق، وخفة الظل رزق، والستر رزق، والرضا بقضاء الله رزق. ومثال القبول نجد نجارين متجاورين مكاناً وزماناً وبضاعة، وتجد قبولاً في أحدهما وإعراضاً عن الآخر، ولا تسأل عن الحكمة في ذلك فهذه أرزاق. ونجد فتاتين إحداهن سوداء، والأخرى بيضاء، ونجد قبولاً في السوداء لأن كلاً منهما له رزقه، ورزق السوداء مقدم، لأن أمره جاء وقته، أما الأخرى فرزقها بميلاد يولد في حينه، وهذا تقدير العزيز العليم.
يقول الله سبحانه وتعالى: إن الذين قالوا ربنا ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة .. "30" (سورة فصلت)
والأرزاق لها غذاء، وغذاء القلوب ذكر الله، وبالذكر يحصل غناها ويزول فقرها، يقول الحق سبحانه وتعالى: ألا بذكر الله تطمئن القلوب "28" (سورة الرعد)
ورزق النفس بالسكينة والطمأنينة، يقول الحق سبحانه وتعالى: يا أيتها النفس المطمئنة "27" ارجعي إلي ربك راضية مرضية "28" (سورة الفجر)
ورزق السمع البيان والتبيين والتثبت، يقول الحق سبحانه وتعالى: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا .. "6" (سورة الحجرات)
ورزق العقل التفكير، يقول الحق: ويتفكرون في خلق السماوات والأرض .. "191" (سورة آل عمران)
ورزق الأدب اتباع منهج الله، واتباع سنة رسوله. ورزق اليوم الحلال من الطيبات، بدليل قوله تعالى: ورزقناهم من الطيبات "70" ( سورة الإسراء)
ولكي تدوم الأرزاق، وتدوم النعم فاذكر الله كثيراً بقدر ما أعطيت من نعم. يقول الحق سبحانه: يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله كثيراً "41" وسبحوه بكرة وأصيلاً "42" هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلي النور وكان بالمؤمنين رحيماً "43" (سورة الأحزاب)
أي: اسألهم يا محمد هذا السؤال، ولا يسأل هذا السؤال إلا من يثق أن الجواب سيكون بما يحقق مراد السائل. لنفرض أن أنباً قال: إن أبي لم يعد يحضر لي ما أريد، وجاء الأب وعلم ما قاله الابن فسأله: م الذي جاءك بهذا الثوب الجديد؟ وهذا الحذاء الجديد؟ وهذا القلم الجديد؟ يسأل الأب هنا ليعرف من الذي جاء بهذه الأشياء؟ طبعاً لا.
لأن الأب هو الذي جاء بها، فكيف يسأل عمن أحضرها، مع أنه هو الذي جاء بها، وهل يريد فعلاً أن يعرف من أحضرها؟ طبعاً لا!! إنما هو يعرف أن ابنه لن يجد جواباً، إلا أن يقول: أنت الذي أحضرت هذا وهذا. وهذا ما يريده الأب بأن يشهد الابن على نفسه بأنه لم يهمه. كذلك هذه الأسئلة التي ساقها الله سبحانه وتعالى يريد بها اعترافاً، وليس جواباً من المسئول، فيقول تعالى: قل من يرزقكم من السماء والأرض "31" (سورة يونس)
والرزق ما ينتفع به، والانتفاع الأول هو ضروريات الحياة. والثاني هو كمالياتها. والرزق هو أصل استمرار الحياة، فإن توقف توقفت. الله سبحانه وتعالى طلب من محمد صلى الله عليه وسلم أن يسأل، ولم يطلب منه أن يجيب، بل طلب أن يجيب الكفار. الحق سبحانه وتعالى يقول: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون "172" (سورة البقرة)
فالرزق خلقه الله أولاً، وأعطاه لبعض خلقه ثانياً، وجعله ليخدم الذين أعطاهم الله هذاالرزق، ويعطوا منه لمن ضيق عليه فيه. فالله خلق الرزق، وأعطاه لبعض خلقه، وهذاالبعض ينتفع به، ويخرج منه المحتاجين، فالله تعالى خير الرازقين؛ لأنه خلق الرزقوأعطاه لك، فأنت تعطي من رزق الله الذي أعطاه لك. ولذلك كره العلماء أن يسمى إنسانرازقاً، وإن كان ربنا قال عن نفسه: خير الرازقين
"114" (سورة المائدة)
فلا رازق إلا الله. ولذلك تجد إنساناً يعمل بواباً أو فراشاً أو ساعياً عند أحد أصحاب العمارات أو الشركات، فإذا حدث خلاف بينهما وفصله صاحب العمل.
تجد العامل الضعيف المحتاج يصرخ في وجهه ويقول: ربنا هو الرازق، إياك أن تفتكر نفسك أنك ترزق أحداً، وينصرف وهو يعلم يقيناً أن رزقه على الله، مع أنه كان يأخذ أجره منه. ولكن هذا العامل نظر إلي الرازق الأول سبحانه وتعالى الذي يرزق من يشاء بغير حساب، ولأن الذين هاجروا في سبيل الله رزقهم حسن، فالله وعدهم أن يدخلهم مدخلاً يرضونه.
إن الأرزاق التي أوجدها الله في الكون تنقسم إلي قسمين: رزق يمكن الانتفاع مباشرة به، ورزق هو سبب لما انتفع به مباشرة. فالإنسان، يأكل رغيف الخبز، ويشرب كوب الماء، ويكتسي بالثوب، ويسكن البيت، وينير المصباح، كل ذلك رزق مباشر، ولكن المال يأتي بالرزق المباشر، ولا يغني عن الرزق المباشر، فإذا امتلك إنسان جبلاً من الذهب وهو جائع فماذا يصنع به؟ إن رغيف الخبز في هذه الحالة أنفع للإنسان من جبل الذهب، إن رغيف العيش رزق مباشر.
إن النقود والذهب يشتري بها الإنسان هذا الشيء وغيره، ولكن النقود لا تغني عن الخبز والماء. وبعد أن وضع الله للإنسان قدرة أن يستغل المال في شراء كل شيء، فإن هناك بعضاً من الأوقات يجعل فيها الله هذا المال لا يشتري أي شيء، ولا يساوي أي شيء، وذلك حتى يعرف البشر أن المال ليس غاية، ولا يصلح أن يكون غاية، بل هو وسيلة، وإن فقد المال وسيلته وأصبح غاية فلابد أن يفسد الكون. إن علة فساد الكون كله في القدر المشترك هو أن المال أصبح غاية ولم يعد وسيلة.
عطاء الربوبية
إن الحق رحيم بعباده، ولكنه لا يختص برزق المؤمنين، فهو سبحانه العادل الكامل لا يترك غير المؤمنين دون أن يقيموا أود الحياة، وأن يحافظوا على حياتهم بأن يأكلوا مما في الأرض حلالاً طيباً. إن الحق سبحانه هو رب كل الناس، وهو الذي خلق كل الناس؛ لذلك فبحب الخالق لصنعته من الخلق يدعوهم إلي أكل الحلال والطيب؛ ليصون الحق سبحانه صنعتهن وهم الخلق أجمعون. المؤمن منهم والكافر.
إن الحق سبحانه رب ومرب، ويجب لصنعته أن تكون في احسن حال، حتى ولو لم يؤمن بعض الناس، إن الدعوة لأكل الحلال والطيب هي صيانة للإنسان من الشيء الضار. وهنا نأتي لموقف يتخذه كثير من الذين أسرفوا على أنفسهم، ويحبون أن يكذبوا قضية الدين، وقضية التحريم، لعل ذلك التكذيب ينجيهم من اللوم الفطري الذي توجهه النفس لصاحبها أن يخرج عن منهج الله. ولعل ذلك التكذيب ينجيهم من عذاب تصور الجحيم الذي يعرفون أنه بانتظارهم يوم القيامة. إنهم لم يستطيعوا أن يحملوا أنفسهم على مطلوبات الله؛ لذلك يقولون الكذب ويسألون أسئلة تدل على عدم الفهم.
إن الواحد منهم يقول: مادام لحم الخنزير حراماً، فلماذا خلقه الله؟ ومادام هناك شيء تخرجه الأرض فلماذا يحرم الدين بعض المأكولات ولا يحرم البعض الآخر؟ إنهم يعتقدون أن كل مخلوق في الأرض له مهمته.
إن الزمن يلفتهم ـ وهم غير مؤمنين ـ إلي أن يمسكوا ـ على سبيل المثال ـ الثعابين والحيات ليستخلصوا منها السموم، ويأخذوا من هذه السموم دواءً ليقتلوا بهميكروبات تفتك بالإنسان. وقيل: إن الكافر منهم كان يتساءل بنبرة تعالٍ على الخالققائلاً: لماذا خلق هذا الثعبان في الكون وما فائدته؟ ما لزوم خلق الثعابين؟ إن الحقسبحانه وتعالى يجعل الإنسان محتاجاً إلي الثعابين ليأخذها، ويحتال عليها ليأخذ منها السموم لمصلحة من؟ لمصلحة الإنسان. إن الثعبان ليس مخلوقاً من أجل أن نأكله، ولكنه مخلوق لنستخلص منه العلاج، لكن موقف المؤمن بالله يختلف عن موقف المنكر للإيمان، إن المؤمن إذا رأى شيئاً محرماً فعليه الالتزام بتكليف الإيمان .. إن على المؤمن أن يأخذ بأسباب الله التي خلقها في الكون، ليستكشف مهمة كل مخلوق في الكون.
إن كل شيء أو كائن إنما هو مخلوق لمهمة يؤديها في الكون، إن الخالق قد حرم على العباد أن يقتلوا أنفسهم بالسموم، ولكن الحق سبحانه أباح استخدام هذه السموم في التخلص من الآفات والميكروبات التي قد تفتك بالإنسان. إن على المؤمن أن يعرف أنه يجهل الكثير من قضية الكون، بدليل أنه يكتشف فيها سراً جديداً كل يوم. ولأضرب لكم مثالاً مر بي، وقد يمر بأي واحد منكم، إنني لا أنسى هذا المشهد الذي رأيته في أحد مراكز الأحياء المائية.
لقد رأيتهم يحضرون نوعاً من السمك، لا يزيد طوله على عقلة الإصبع، ولا يكبر، ولا يأكله أحد. وله مهمة واحدة هي تنقية الماء من أي عوالق أو شوائب، ويعيش هذا السمك في الأماكن التي لا ينقي الإنسان فيها الماء، فإذا رمى أحد في هذا الماء أي مخلفات، فهذا النوع من السمك يتجمع على الفور ليأكل هذه المخلفات وينقي الماء منها؛ لأن الخالق القيوم قد خلقه لهذه المهمة؛ لذلك لا يكبر هذا النوع من السمك حتى لا يطمع فيه أحد ويأكله. إنه ترتيب دقيق من الحي القيوم.
ولننظر إلي الذباب ـ على سبيل المثال ـ إن الذباب لا ينشأ إلا في الأماكن القذرة والخطر من الذباب إنما يأتي من أنه ينقل الميكروبات من الأماكن القذرة إلي الإنسان؛ لهذا نجد الدين الحنيف يأمرنا بالنظافة لا في البدن فقط، ولكن لابد لنا أن نحتفظ بأماكن حياتنا نظيفة. فإذا أراد إنسان أو مجتمع أن تقل فيه خطورة الذباب فلابد من الامتثال لأمر الإيمان بالنظافة، ونظافة الجسد والملابس والمكان.
إذن: فكل خلق في الوجود مرتب ترتيباً دقيقاً، إن ترتيب الخالق الرزاق المربي. ومادام الخالق قد خلق الإنسان ورزقه، لذلك فعلى الإنسان طاعة نداء الحق، إن الحق سبحانه ينادي خلقه مطالباً إياهم أن يفتحوا أعينهم ليروا أن كل مخلوق مهما صغر له مهمة في الوجود. إن على الإنسان أن يتسامى في بحثه، ليدرك بعضاً من مهام غيره من المخلوقات، والذين يختصون الخالق الأكرم بالعبادة هم القدوة لغيرهم من الناس. لذلك يقول الحق سبحانه لهم: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون "172" (سورة البقرة)
عطاء الألوهية
قال تعالى: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار "37" ليجزيهم الله احسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب "38" (سورة النور)
ولنا أن نسأل: ما الرزق؟
الرزق عند القوم هو ما به ينتفعون، فكل شيء ينتفع به الإنسان يسمى رزقاً، لكن لنا أن نفرق بين الرزق الحرام والرزق الحلال؛ لأن الحرام منفعته عاجلة وضرورة حتمية، أما الحلال فقد يكون منفعة قليلة في نظر البعض، ولكنها كثيرة الخير ودائمة التجدد. والناس قد يقصرون كلمة الرزق على شيء واحد يشغل بالهم دائماً، وهو المال. لهؤلاء نقول: لا، إن الرزق هو ما به يتم الانتفاع، فالعلم رزق، والخلق رزق، والعبادة رزق، ولنا أن نتأمل قول الحق سبحانه: والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون "71" (سورة النحل)
إن التفاوت في الرزق أمر أراده الله حتى يستطرق الرزق بألوانه المختلفة بين العباد، فإذا تميز واحد برزق في أمر ما، فإنه يرد بعضاً منه على الناس؛ لذلك فالرزق هو كل ما يتم الانتفاع به.
وعندما يقول الحق سبحانه وتعالى: والله يرزق من يشاء بغير حساب "38" (سورة النور)
فلنا أن نتفهم معنى "بغير حساب" إن الحساب يقتضي محاسباً ومحاسباً عليه، ولأن الحق سبحانه هو الوهاب فقد يرزق الإنسان لا على قدر سعيه، ولكن أكثر مما يتخيل الإنسان. إن الحق سبحانه حين يرزق فلا توجد سلطة أعلى منه تقول له:
لماذا أعطيت؟ إن الحق سبحانه يعطي بطلاقة قدرته، وقد يعطي الله الكافر حتى يتعجب المؤمن. لكن لماذا لا يحسب المؤمن عطاء الله له من الحسنات المضاعفة، ومن الأمان النفسي، إن الإنسان حين يقرأ والله يرزق من يشاء بغير حساب "38" (سورة النور)
فعليه أن يعرف أن الحساب واقع من الله على الغير لماذا؟ لأن قول الحق سبحانه واضح ومحدد. ويقول الحق سبحانه وتعالى: ما عندكم ينفذ وما عند الله باقٍ ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون "96" من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فنحيينه حياة طيبةً ولنجزينهم أجرهم بأحسن مما كانوا يعملون "97" (سورة النحل)
إن ما يملكه الإنسان مهما بلغ من الثراء محدود ومعدود، أما ما يملكه الحق الرحمن فهو غير محدود أو معدود، وعندما يعرف الإنسان ذلك فإنه يلزم الآداب، ذلك أن الذين يعبدون لهم أجرهم بأفضل مما عملوا، وليس هذا الأمر في الآخرة فقط، ولكن في الدنيا أيضاً. إن الحياة تكون مباركة بالقناعة والرزق الحلال، ثم يذهب الإنسان في الآخرة إلي حسن المآب. إذن: فليلزم كل إنسان أدبه، إن رأي غيره قد رزقه الله أكثر منه؛ لأنه لايعلم حكمة الله في ذلك، إن علينا أن نعرف أن الرزق هو امتحان وليس وسيلة تكريم أوإهانة للإنسان، إن الإنسان قد يقف في الذي تحدث عنه القرآن الكريم: فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن "15" وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن "16" (سورة الفجر)
لا، إن الكرم ليس في زيادة الرزق، ولكن في اجتياز الإنسان لامتحان هام هو حسن استخدام الرزق، وقلة الرزق ليست إهانة للإنسان، ولكن هي أيضاً اختبار. فالإكرام الإلهي لا يكون إلا إذا وفق الإنسان في أداء حق النعمة، والتقدير في الرزق لا يكون إهانة إلا إذا لم يوفق الإنسان في أداء حق النعمة.

ام وليد2005
07-10-2014, 01:12 AM
الفتاح
قال تعالى: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو "59" ( سورة الأنعام)
هو الذي يفتح خزائن رحمته على عباده، وهو الذي فتح على النفوس خزائن رحمته على عباده، وهو الذي فتح على النفوس باب توفيقه، وهو الذي رفع الحجاب على قلوب أوليائه، ويفتح قلوبهم وعيون بصائرهم ليبصروا الحق حتى يصلوا إلي عين اليقين. وهو الذي يفتح لهم الأبواب إلي ملكوته سبحانه وتعالى، فيكون معنى الفتح الكشف والتبيين والإلهام مع التجلي. وهو الفتاح ويميز الحق من الباطل ويعلي الحق،ويخزي المبطل.
قال الله تعالى: قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم "26" (سورة سبأ)
الفاتح: الحاكم. والفتاح من أبنية المبالغة. فالفتاح هو الحكم المحسن الجواد، وفتحه تعالى قسمان:
أحدهما: فتحه بحكمه الديني وحكمه الجزائي.
والثاني: الفتاح بحكمه القدري، ففتحه بحكمه الديني، هو ما شرعه على ألسنة رسله جميع ما يحتاجه المكلفون، ويستقيمون به على الصراط المستقيم، وأما فتحه بجزائه فهو فتحة بين أنبيائه ومخالفيهم، وبين أوليائه وأعدائه بإكرام الأنبياء وأتباعهم ونجاتهم، وبإهانة أعدائهم وعقوباتهم. وكذلك فتحة يوم القيامة وحكمه بين الخلائق حين يوفي كل عامل ما عمله. أما فتحه القدري فهو ما يقدره على عباده من خير وشر، ونفع وضر، وعطاء ومنع.
قال تعالى: ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم "2" (سورة فاطر)
فالرب تعالى هو الفتاح العليم الذي يفتح لعباده الطائعين خزائن جوده وكرمه، ويفتح على أعدائه ضد ذلك، وذلك بفضله وعدله.

ام وليد2005
07-10-2014, 01:13 AM
العليم
قال تعالى: ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفي على الله من شيءٍ في الأرض ولا في السماء "38" (سورة إبراهيم)
وقال تعالى: آلم "1" ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين "2" الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون "3" (سورة البقرة)
ولابد لنا من تعريف معنى (الغيب) وقلنا: إن الغيب هو ما غاب عن حواس الإنسانالظاهرة، وحواس الإنسان التي لا يدرك الإنسان نفسه حدودها، وأوضحنا أن الحسالإنساني لا يقتصر على الحواس الخمس الظاهرة (التنفس ـ التذوق ـ اللمس ـ السمع ـالرؤية). ذلك أن هناك حواس أخرى لم تكن معروفة، وقدرات إنسانية لم يكن يعرفها البشر أيام بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذه الحواس وتلك القدرات تعرف الإنسان عليها بعد تقدم العلم. ومازال هناك حتى الآن بعض احساسات للإنسان لم تستطع البشرية أن تكشف الأدوات التي يدرك الإنسان بها هذه الأحاسيس.
بل لقد تقدم العلم ليعلن العجز مع استمرار المعادلة في كشف آفاق قدرات الإحساس عند الإنسان .. حاول العلم ويعجز في أحيان أخرى، بل إن الدراسات الخاصة بعمل (مخ) الإنسان، مازالت تقف عاجزة أمام بعض أسرار عمل المخ وعلاقته بحواس الإنسان الظاهرة والباطنة. وأوضحنا أن معنى كلمة (الغيب) ليس المقصود بها ما لا يعرفه الإنسان، ولا يدخل التنبؤ بالطقس تحت طائلة معنى (الغيب) على سبيل المثال.
إن (الغيب) هو الذي يغيب عن الإنسان وعن البشرية جمعاء. فإذا علم واحد شيئاً جديداً كان معلوماً عند غيره فلا يقال عن ذلك (علم الغيب)، وإذا علم الإنسان شيئاً كان مطموراً في الكون أو مستوراً كاكتشاف البترول أو الكهرباء. فذلك أيضاً ليس علماً بالغيب، إنما هو اكتشاف إنساني جاء بعد أن أضنى الإنسان فكره وعمله ليصل إلي هذا الاكتشاف أو ذاك، فكل علم من علوم الدنيا يبدأ دائما بافتراض مقدمات، هذه المقدمات تؤدي إلي نتائج، وذلك ليس غيباً، ومادام الشيء بذاته محسوساً أو بمقدماته التي تدل على محسوسة، فليس ذلك بغيب. إذن: ما الغيب الذي أراد الله أن نؤمن به؟ .
إنه الغيب الذي لا يكون مصدره إلا الله سبحانه وتعالى، ذلك أن الإيمان لا يكون مصدره إلا الله سبحانه وتعالى، ذلك أن الإيمان لا يمكن أن يتعلق بشيء محسوس أبداً. فلا يقال مثلاً (أنا أؤمن بأن الشمس ساطعة) ولا يقال أيضاً: أنا أؤمن بأن القمر يكون بدراً في منتصف الشهر العربي. مثل هذه الحقائق يقال عنها: إن الإنسان يؤمن بها لأنها أمور محسوسة، لكن يقال مثلاً: (أنا أعلم أن الشمس ساطعة، وأعرف أن القمر بدر في منتصف الشهر العربي)؛ لأن ذلك إدراك بالحواس، والحواس هي نوافذ العلم والمعرفة، وهي بذلك تختلف عن الغيب.
حيث إن الإيمان الحقيقي هو إيمان بالغيب المطلق، إيمان بالله وملائكته ورسله واليومالآخر.
وفي رواية عن سيدنا عمر رضي الله عنه قال ما معناه: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، ووضع ركبته على ركبتي رسول الله، ووضع يديه على فخذي رسول الله، وسأل السائل رسول الله: ما الإيمان؟ أجاب الله: أن تؤمن بالله (وهو غيب)، وملائكته (وهم غيب)، ورسله (وهم غيب)، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره (وهذا أيضاً غيب)، وأن تؤمن باليوم الآخر (وهو غيب).
وأضاف السائل سؤالاً أخيراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ومتى تقوم الساعة؟ أجاب الرسول: "ما المسئول بأعلم من السائل" وانصرف الرجل، فقال الرسول: أتعلمون من كان هذا الرجل؟ قلنا: لا نعلم يا رسول الله. أجاب الرسول: "أنه جبريل جاء يعلمكم أمر دينكم"
وقد يتساءل أحد: كيف تكون الكتب السماوية والرسل من علم الغيب؟ هنا نقول: إن الكتب السماوية غيب؛ لأن أحداً لم يرد كيف نزلت الكتب على الرسل. أيضاً الرسل غيب؛ لأن الرسول نفسه كان لا يعرف أمر اختياره إلا لحظة أن يوحي الله إليه بالرسالة.
وكلنا نعرف قصة إبلاغ موسى بأنه رسول، وكلنا نعرف قصة إبلاغ محمد رسول الله بأنه رسول الله إلي المسلمين، وكافة الخلق أجمعين أن الكتب والرسل من أمر الغيب علينا أن نصدق ذلك، وأن نسلم به؛ لأن الكتب رغم أنها محسوسة، والرسل رغم أن بلاغهم واضح لنا بياناً عن الخير والشر، والمنهج الذي يقود البشرية إلي اتباعه رغم هذا البلاغ الواضح فإنهم جميعاً من أمر الغيب وعلى الرغم من أن القرآن محسوس بالكلمات التي نقرأها ونكتبها، وهو أمر نعرفه جميعاً، ونعرف أنه نزل على الرسول الكريم الذي أخبرنا بذلك. وعلى الرغم من أن الرسول الكريم قد كانت حياته وكلماته ورحلة هدايته لنا أمراً محسوساً، على الرغم من كل ذلك فكل هذه الأحداث مسائل غيبية لم تكن في حساب البشر.
قال تعالى: وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة "73" (سورة الأنعام)
وهكذا يوم ينفخ في الصور تزاح الأسباب، ونرى الملك لله مباشرة بلا أسباب، والنفخة الأولى يموت فيها كل من له حياة إلا من شاء الله. والنفخة الثانية يبعث الموتى من القبور، وعندما يتم البعث نعرف أن الله يعلم الغيب، أي ما هو خفى عنا، ويعلم الشهادة أي ما هو مشهود. ونتساءل: مادام الله عالم الغيب، هل لا يعرف ما هو مشهود؟
نقول لك: إن هذا تعبير دقيق جداً؛ لأن أصل الحق غيب عنا فيمكن أن يقال: إن الله غيب ويعلم ما في الغيب، كأن يقول إنه يعيش معي في البيت فيعرف ما في الغيب. الحق غيب عنه، ولكنه يعلم الغيب ويعلم الشهادة وعلمه يترتب عليه الجزاء، والجزاء هنا يتم عن حكمة، وليس عن تحكم. وفرق بين الحكمة والتحكم. يقول الحق سبحانه وتعالى آمراً نبيه أن يبلغه للسائلين: ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء .. "188" (سورة الأعراف)
أي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول إنه لا يعلم الغيب إلا ما شاء الله سبحانه وتعالى أن يطلعه عليه، ولذلك انتصر المسلمون في بدر وانهزموا في أحد، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم هذه الهزيمة ما حارب في أحد. ولكن الله سبحانه وتعالى أراد للمسلمين أن يمروا بتجربة إيمانية كبرى، فجعلهم ينهزمون؛ لأنهم عصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغادر الرماة أماكنهم عند سفح الجبل مخالفين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي طلب منهم ألا يغادروا أماكنهم مهما حدث، ولكنهم طمعوا في الغنائم وعصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأراد الله أن يلفتهم أن النصر من عند الله وليس بقوتهم، وأنهم إذا خالفوا رسول الله سيصيبهم الذل والهوان في الدنيا حتى يعلموا أن العزة في تمسكهم بمهج الله، وليس في قوتهم وذاتيتهم. إذن: فلله أقدار عليا تجري بها الأمور، وحكمة يتم بها كل شيء، ولا يعلم قدر الله إلا هو، أو من شاء أن يطلعه عليه، وذلك حتى يعرف الجميع أن أقدارهم في يد الله وحده، وأن كل شيء من الله، فإن أصابهم الخير شكروا، وإن أصابهم السوء صبروا؛ لأن على هذا ثواباً. وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أقرب خلق الله إلي الله، يطلب منه الحق سبحانه وتعالى أن يعلن للناس أنه لا يعد الغيب، فلا يأتي أحد ويدعي أنه يعلم الغيب، وأنه يعرف ما سيحدث، أو أنه يستطيع أن يأتي لنفسه بالخير أو يدفع عنها الضر، فلا يغتر بقوته ولا يتكبر.
غيب الإطلاق
إن لله غيب السماوات والأرض، والغيب نسبي ومطلق، فقد يكون غيباً نسبياً، إذا سرق منك أي شيء، فأنت لا تعرف من الذي سرقك، ولكن السارق يعرف، والذين ساعدوه يعرفون فهذا غيب نسبي، قد يكون الوزير قد وقع قراراً بترقيتك، ولكنك لا تعرفه، فهو غيب عنك، وليس غيباً عن غيرك. الله سبحانه وتعالى فرق في كتابه بين الغيب المطلق والغيب النسبي، فالغيب النسبي له مقومات، إذا استخدمتها وصلت إلي النتائج، أدلة مثلاً توصلك للسارق، نظريات توصلك لاكتشاف قوانين في الكون؛ ولذلك فعندما يتعرض الله لهذه القضية.
يقول سبحانه وتعالى: يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء .. "255" (سورة البقرة)
أي: لا تصل أبداً إلي الغيب المطلق الذي هو في علم الله إلا إذا شاء الله سبحانه وتعالى، وكل اكتشاف في الكون له ميلاد. الكهرباء لها ميلاد، وتفتيت الذرة له ميلاد، فإذا صادف ميلاده عالماً يبحث عنه كشفه الله له، وإذا جاء الميلاد ولم يوجد الباحث كشفه الله بطريق الصدفة. فالبنسلين اكتشف صدفة، والجاذبية صدفة وقاعدة أرشميدس صدفة، فالله إذا أذن للشيء أن يولد ـ ولم يوجد فيه بحث ـ كشفه لخلقه، والغيب المطلق ليس له مقدمات.
والله سبحانه وتعالى يقول: ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله "123" (سورة هود)
من الذي يرجع الأمر؟ الله سبحانه وتعالى، فالله بسلطانه في ملكه ضبط كل مخلوق، وكل شيء له توقيت ساعة، يأتي توقيته من نفسه، فكل شيء مرتب. والحق سبحانه وتعالى يقول: وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون "82" (سورة يس)
والأمر هو ما يتعلق بكل أحداث الكون، والله خلق في الكون أشياء وترك ملكيتها له سبحانه وتعالى أنت تنتفع بها فقط، فالشمس تشرق وتعطيك الضوء والحرارة، ولكنها لا تدخل في ملكيتك؛ لأنها من أساسيات الحياة، فلا يعطيها الله لمخلوق مختار كي يعبث بالكون كله. وكذلك قوانينه العليا. والأرض بعناصرها، لا يأتمن الله سبحانه أحداً عليها، فالله سبحانه وتعالى في أساسيات الحياة، وهي: الهواء والشراب والطعام لا يملك الهواء لأحد أبداً لأنه ينهي حياة الإنسان في دقائق، والماء أقل فلا يمكن إلا بقدر.
الطعام نستطيع أن نصبر عليه شهراً، ويوجد مخزون منه في الجسم، فإذا جاء وقت الغداء مثلاً ولم نجد طعاماً أخذت الوجبة من المخزون في جسدك. فالله لا يملك لأحد أساسيات الكون والحياة، ولكنه يملكه أشياء أخرى يخلقها له، واقرأ قوله تعالى: أو لميروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون "71" وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون "72" (سورة يس)
إياك أن تعتقد أنك ملكتها بقوتك وذللتها بقدرتك، ولكن ملكتها بقدرة الله؛ لذلك تجد الطفل الصغير يقود الجمل فيطيعه، بينما الرجل الكبير يأتيه برغوث في الفراش فلا ينام؛ لأن الله ذلل لنا الجمل، ولكنه لم يذلل لنا البرغوث. وفي الكون أحوال تستمر لفترات موقوتة، هذا فقير ثم يغنيه الله، وهذا ملك ثم ينزع عنه عرشه، وهذا خادم ثم يصبح سيداً، حتى يفهم الجميع أنه لا يوجد إنسان يحصل على شيء بذاته بل بقدرة الله سبحانه وتعالى، فإذا جاءت الآخرة عاد كل شيء إلي الله.
والله سبحانه وتعالى جعل لك إرادة على جوارحك فاللسان إن قلت له: انطق كلمة الإيمان نطق وإن قلت قل كلمة الكفر قال: والقدم تمشي إلي المسجد وتوصلك إلي الخمارة، واليد تقتل أو تساعد عاجزاً على عبور الطريق. فإذا جاء يوم القيامة انتهى تسخير جوارحك لتطيعك، فتشهد عليك قدمك وجلدك ولسانك، واقرأ قوله تعالى: يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون "24" (سورة النور)
والغيب المطلق لله سبحانه وتعالى هو غيب السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، ولابد أن نتنبه إلي قوله تعالى: وما تحت الثرى "6" (سورة طه)
لنرى الثروات الهائلة الموجودة تحت الأرض التي يستخرجها الناس اليوم من الكنوزالموجودة في باطن الأرض. وقوله تعالى: وإليه يرجع الأمر كله "123" (سورة هود)
لأن الله سبحانه وتعالى أعطى لعبيده من فيوضات صفاته في الدنيا، ثم يعود كل شيء إلي الله سبحانه وتعالى يوم القيامة.
علم الأزل
علم الله الأزلي الغيب لا نرى نحن به الحجة، لذلك لا تقوم الحجة ظاهرة بيننا، ولكن حين يبرز علم الله الى الوجود أمامنا، فإنه علم تقوم به الحجة واضحة على من آمن وعلى من آمن وعلى من لم يحسن الإيمان، وذلك حتى لا يدعي أحد لنفسه أنه كان سوف يفعل لكن الفرص لم تواته، وهكذا تأتي المواقف الاختيارية ليعلم كل منا نفسه، ونبرز الحجة علينا جميعاً.
إذن: ففيه فرق بين علم الله الأزلي للأشياء كما سوف تحدث، ولكن لا تقوم به الحجة علينا، فقد يدعي البعض أنه لو قامت معركة شديدة فإنهم كانوا سوف يصمدون، ولكن عندما تقوم المعركة بالفعل، فنحن نرى من الصامد من هو غير ذلك. (ولله المثل الأعلى) نحن في حياتنا العادية أن عميد إحدى الكليات يأتي إلي المدرس ويقول له: إننا نريد أن نعقد امتحاناً لنتعرف على المتفوقين من الطلاب، ونمنح كلاً منهم جائزة فيرد المدرس: ولماذا الامتحان؟ إنني أستطيع أن أقول لك من هم المتفوقون، وأن أرتبهم لك من الأول ومن الثاني وهكذا، ولكن عميد الكلية لا يصدق المدرس، ويطلب عقد امتحان ويختار العميد مدرساً آخر ليضع هذا الامتحان وتظهر النتيجة، ويكون توقع المدرس هوالصائب.
إن تفوق هؤلاء التلاميذ صار تفوقاً بحجة أن ذلك في المستوى البشري، فما بالنا بعلم الله الأزلي المطلق؟ فالحق بعلمه الأزلي يعلم كل شيء ويحيط بكل شيء، ولكنه لا يقول لنا: أنا لو كنت أعلم أنني سأصنع معركة بينكم وبين أعدائكم، وأنكم كنتم ستتصرفون كذا وكذا، ولكنهم كان يمكن أن يحاولوا ويدعوا لأنفسهم أشياء ليست فيهم. إن الحق سبحانه يضع الاختبار ويدخل المسلمون المعركة، وتكون النتيجة مطابقة لما يعلمه الله، إن التغيير هنا لا يكون في المعلوم لله ليس في العالم، بل في المعلوم بحيث نراه حجة علينا.

غفران شكران
07-10-2014, 03:26 AM
. . جزاكي الله عنا خير الجزاء سلمتي وسلمت اناملكي الطيبة حبيبتي



اختكم غفران

ام وليد2005
07-11-2014, 11:54 AM
ڳّلُ أَلَشِڳَرٌ لٌڳَـ وَلٌهٌذّأَ أٌلَمَرِوَرِ أَلٌجَمَيَلَ

أِلُلَهُ يِ۶ـطًيِڳَـ أِلٌعِأِفًيٌهِ يُأِرِبً

خًأًلّصَ مًوّدُتِى لُڳًـ

وُتًقُبًلُ وُدّى وٌأًحَتُرِأِمُى

ام وليد2005
07-11-2014, 11:57 AM
القابض الباسط
أي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول إنه لا يعلم الغيب إلا ما شاء الله سبحانه وتعالى أن يطلعه عليه، ولذلك انتصر المسلمون في بدر وانهزموا في أحد، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم هذه الهزيمة ما حارب في أحد.
ولكن الله سبحانه وتعالى أراد للمسلمين أن يمروا بتجربة إيمانية كبرى، فجعلهم ينهزمون؛ لأنهم عصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغادر الرماة أماكنهم عند سفح الجبل مخالفين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي طلب منهم ألا يغادروا أماكنهم مهما حدث، ولكنهم طمعوا في الغنائم وعصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأراد الله أن يلفتهم أن النصر من عند الله وليس بقوتهم، وأنهم إذا خالفوا رسول الله سيصيبهم الذل والهوان في الدنيا حتى يعلموا أن العزة في تمسكهم بمهج الله، وليس في قوتهم وذاتيتهم. إذن: فلله أقدار عليا تجري بها الأمور، وحكمة يتم بها كل شيء، ولا يعلم قدر الله إلا هو، أو من شاء أن يطلعه عليه، وذلك حتى يعرف الجميع أن أقدارهم في يد الله وحده، وأن كل شيء من الله، فإن أصابهم الخير شكروا، وإن أصابهم السوء صبروا؛ لأن على هذا ثواباً. وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أقرب خلق الله إلي الله، يطلب منه الحق سبحانه وتعالى أن يعلن للناس أنه لا يعد الغيب، فلا يأتي أحد ويدعي أنه يعلم الغيب، وأنه يعرف ما سيحدث، أو أنه يستطيع أن يأتي لنفسه بالخير أو يدفع عنها الضر، فلا يغتر بقوته ولا يتكبر.
غيب الإطلاق
إن لله غيب السماوات والأرض، والغيب نسبي ومطلق، فقد يكون غيباً نسبياً، إذا سرق منك أي شيء، فأنت لا تعرف من الذي سرقك، ولكن السارق يعرف، والذين ساعدوه يعرفون فهذا غيب نسبي، قد يكون الوزير قد وقع قراراً بترقيتك، ولكنك لا تعرفه، فهو غيب عنك، وليس غيباً عن غيرك. الله سبحانه وتعالى فرق في كتابه بين الغيب المطلق والغيب النسبي، فالغيب النسبي له مقومات، إذا استخدمتها وصلت إلي النتائج، أدلة مثلاً توصلك للسارق، نظريات توصلك لاكتشاف قوانين في الكون؛ ولذلك فعندما يتعرض الله لهذه القضية.
يقول سبحانه وتعالى: يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء .. "255" (سورة البقرة)
أي: لا تصل أبداً إلي الغيب المطلق الذي هو في علم الله إلا إذا شاء الله سبحانه وتعالى، وكل اكتشاف في الكون له ميلاد. الكهرباء لها ميلاد، وتفتيت الذرة له ميلاد، فإذا صادف ميلاده عالماً يبحث عنه كشفه الله له، وإذا جاء الميلاد ولم يوجد الباحث كشفه الله بطريق الصدفة. فالبنسلين اكتشف صدفة، والجاذبية صدفة وقاعدة أرشميدس صدفة، فالله إذا أذن للشيء أن يولد ـ ولم يوجد فيه بحث ـ كشفه لخلقه، والغيب المطلق ليس له مقدمات.
والله سبحانه وتعالى يقول: ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله "123" (سورة هود)
من الذي يرجع الأمر؟ الله سبحانه وتعالى، فالله بسلطانه في ملكه ضبط كل مخلوق، وكل شيء له توقيت ساعة، يأتي توقيته من نفسه، فكل شيء مرتب. والحق سبحانه وتعالى يقول: وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون "82" (سورة يس)
والأمر هو ما يتعلق بكل أحداث الكون، والله خلق في الكون أشياء وترك ملكيتها له سبحانه وتعالى أنت تنتفع بها فقط، فالشمس تشرق وتعطيك الضوء والحرارة، ولكنها لا تدخل في ملكيتك؛ لأنها من أساسيات الحياة، فلا يعطيها الله لمخلوق مختار كي يعبث بالكون كله. وكذلك قوانينه العليا. والأرض بعناصرها، لا يأتمن الله سبحانه أحداً عليها، فالله سبحانه وتعالى في أساسيات الحياة، وهي: الهواء والشراب والطعام لا يملك الهواء لأحد أبداً لأنه ينهي حياة الإنسان في دقائق، والماء أقل فلا يمكن إلا بقدر.
الطعام نستطيع أن نصبر عليه شهراً، ويوجد مخزون منه في الجسم، فإذا جاء وقت الغداء مثلاً ولم نجد طعاماً أخذت الوجبة من المخزون في جسدك. فالله لا يملك لأحد أساسيات الكون والحياة، ولكنه يملكه أشياء أخرى يخلقها له، واقرأ قوله تعالى: أو لميروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون "71" وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون "72" (سورة يس)
إياك أن تعتقد أنك ملكتها بقوتك وذللتها بقدرتك، ولكن ملكتها بقدرة الله؛ لذلك تجد الطفل الصغير يقود الجمل فيطيعه، بينما الرجل الكبير يأتيه برغوث في الفراش فلا ينام؛ لأن الله ذلل لنا الجمل، ولكنه لم يذلل لنا البرغوث. وفي الكون أحوال تستمر لفترات موقوتة، هذا فقير ثم يغنيه الله، وهذا ملك ثم ينزع عنه عرشه، وهذا خادم ثم يصبح سيداً، حتى يفهم الجميع أنه لا يوجد إنسان يحصل على شيء بذاته بل بقدرة الله سبحانه وتعالى، فإذا جاءت الآخرة عاد كل شيء إلي الله.
والله سبحانه وتعالى جعل لك إرادة على جوارحك فاللسان إن قلت له: انطق كلمة الإيمان نطق وإن قلت قل كلمة الكفر قال: والقدم تمشي إلي المسجد وتوصلك إلي الخمارة، واليد تقتل أو تساعد عاجزاً على عبور الطريق. فإذا جاء يوم القيامة انتهى تسخير جوارحك لتطيعك، فتشهد عليك قدمك وجلدك ولسانك، واقرأ قوله تعالى: يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون "24" (سورة النور)
والغيب المطلق لله سبحانه وتعالى هو غيب السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، ولابد أن نتنبه إلي قوله تعالى: وما تحت الثرى "6" (سورة طه)
لنرى الثروات الهائلة الموجودة تحت الأرض التي يستخرجها الناس اليوم من الكنوزالموجودة في باطن الأرض. وقوله تعالى: وإليه يرجع الأمر كله .. "123" (سورة هود)
لأن الله سبحانه وتعالى أعطى لعبيده من فيوضات صفاته في الدنيا، ثم يعود كل شيء إلي الله سبحانه وتعالى يوم القيامة.

علم الأزل
علم الله الأزلي الغيب لا نرى نحن به الحجة، لذلك لا تقوم الحجة ظاهرة بيننا، ولكن حين يبرز علم الله الى الوجود أمامنا، فإنه علم تقوم به الحجة واضحة على من آمن وعلى من آمن وعلى من لم يحسن الإيمان، وذلك حتى لا يدعي أحد لنفسه أنه كان سوف يفعل لكن الفرص لم تواته، وهكذا تأتي المواقف الاختيارية ليعلم كل منا نفسه، ونبرز الحجة علينا جميعاً.
إذن: ففيه فرق بين علم الله الأزلي للأشياء كما سوف تحدث، ولكن لا تقوم به الحجة علينا، فقد يدعي البعض أنه لو قامت معركة شديدة فإنهم كانوا سوف يصمدون، ولكن عندما تقوم المعركة بالفعل، فنحن نرى من الصامد من هو غير ذلك. (ولله المثل الأعلى) نحن في حياتنا العادية أن عميد إحدى الكليات يأتي إلي المدرس ويقول له: إننا نريد أن نعقد امتحاناً لنتعرف على المتفوقين من الطلاب، ونمنح كلاً منهم جائزة فيرد المدرس: ولماذا الامتحان؟ إنني أستطيع أن أقول لك من هم المتفوقون، وأن أرتبهم لك من الأول ومن الثاني وهكذا، ولكن عميد الكلية لا يصدق المدرس، ويطلب عقد امتحان ويختار العميد مدرساً آخر ليضع هذا الامتحان وتظهر النتيجة، ويكون توقع المدرس هوالصائب.
إن تفوق هؤلاء التلاميذ صار تفوقاً بحجة أن ذلك في المستوى البشري، فما بالنا بعلم الله الأزلي المطلق؟ فالحق بعلمه الأزلي يعلم كل شيء ويحيط بكل شيء، ولكنه لا يقول لنا: أنا لو كنت أعلم أنني سأصنع معركة بينكم وبين أعدائكم، وأنكم كنتم ستتصرفون كذا وكذا، ولكنهم كان يمكن أن يحاولوا ويدعوا لأنفسهم أشياء ليست فيهم. إن الحق سبحانه يضع الاختبار ويدخل المسلمون المعركة، وتكون النتيجة مطابقة لما يعلمه الله، إن التغيير هنا لا يكون في المعلوم لله ليس في العالم، بل في المعلوم بحيث نراه حجة علينا.
أي: كيف يكون العالم العاقل فقيراً مضيقاً عليه في الرزق، ويكون الجاهل الأحمق غنياً مبسوطاً؟ فرد عليه واحد يملك الإيمان قلبه بقوله: كم عالم قد بات في عسر
وجاهل جاهل قد بات في يسر .
تحير الناس في هذا فقلت لهم: هذا الذي أوجب الإيمان بالقدر لكي نعرف أن العالم ميكانيكياً، لكن انظر إلي البسط فيمن بسط وهو الله، فلا تعزل البسط عمن قدره، وهو الله، ولا تعزل القبض والتقدير عن الله، فالفاعل واحد والناس بالنسبة له سواء. فلابد أن تعرف أن له حكمة في هذه وحكمة في تلك، فإذا نظرت إلي الغنى المترف الذي يلهو أولاده ويعبثون بالأموال، ويبعثرونها على ملذاتهم وشهواتهم، ويشربون بها المحرمات، ويتعاطون المخدرات بأنواعها. وهناك أيضا الرجل الفقير الذي يكد ويكدح لينفق على أولاده من حلال، ورغم دخله الضئيل الذي يعيش منه على الكفاف هو وأولاده تجد أولاد هذا الفقير ينجحون في المدارس ويتفوقون على أولاد الأغنياء المترفين رغم ما ينفقونه من أموال على الدروس الخصوصية طوال العام.
إذن: لله حكمة في ذلك، فهو يبسط لحكمه ويقدر لحكمه، حتى يعلم الناس أن المسألة ليست ميكانيكا، وأن الرزق ليس بالفهلوة أو الشطارة، ولكنه مقسم بقدر الله وإرادته. ولذلك نحن قلنا سابقاً: إن ألمانيا فيها مدرستان فلسفيتان، كل واحدة منها تمثل رأياً، وأولها رأيهم في العقيدة والإيمان. المدرسة الأولى يزعم صاحبها أن العالم ليس له إله لماذا؟ .
قال: لأنه لو كان للعالم إله يحكم لما خلق إنساناً أعور أو أعمى أو أعرج .. الخ وكان جعل كل الخلق متساوين، فهو أخذ الشذوذ في الكون دليلاً على الإلحاد.
والمدرسة الأخرى مقابلة لهذه المدرسة، وصاحبها يدعي أن الكون ميكانيكا، فالناس يخلقون بطريقة واحدة عن طريق الزواج والحمل والوضع .. الخ وكذلك الحيوانات والطيور، والأفلاك في الكون، تسير كلها بنظام رتيب لا يتغير، فلو كان هناك إله لغير هذا النظام، وخلق الناس بطرق مختلفة وأشكال مختلفة، ولكانت له إرادة مطلقة عن هذه الميكانيكا.
فهو أخذ ثبات النظام في الكون دليلاً على الإلحاد، والآخر أخذ شذوذ النظام دليلاً على الإلحاد، فكأن كل واحد منهما يريد أن يلحد، ويأتي بأدلة زائفة يؤيد بها رأيه، حتى لو تناقض مع غيره. ونحن نرد على كل واحد منهما، فالذي يتخذ الشذوذ في الكون دليلاً على عدم وجود إله حكيم نقول له: هذا الشذوذ يأتي في الأفراد الذين يعوض بعضهم عن بعض، فمثلاً واحد أعمى، وآخر أعور، وكثيرون مبصرون.
فإذا وجد واحد أعمى فلن تفسد الدنيا، والنظام الثابت إذا أردت أن تراه فانظر إلي الكون الأعلى من شمس وقمر ونجوم والهواء والكواكب والبحار والأنهار، ففي النظام العام ثبات، وفي الأفراد الذين يغني بعضهم عن الآخر يوجد بعض الشذوذ.
فهذا الشذوذ يثبت بطلاقة القدرة، وثبات النظام في الملأ الأعلى يعطينا حكمة القدرة، فيا من تريد ثبات نظام الكون دليلاً على الإيمان، فهو موجود في القوى العليا، ويا من تريد الشذوذ في الخلق دليلاً على الإيمان، فهذا موجود في الأفراد، ولكن إذا كان هذا الشذوذ في الملأ الأعلى تخرب الدنيا. فيا من تريد ثبات النظام دليلاً على الإيمان فهو موجود، ويا من تريد شذوذ النظام دليلاً على الإيمان فهو موجود أيضاً.
فقوله تعالى: أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر .. "37" (سورة الروم)
يعني: ألم ينظروا بأعينهم كيف يوسع الله الرزق لبعض الناس، ويضيق على البعض الآخر، ولأن الله تعالى هو الرزاق فمرة يرزق بالأسباب، ومرة أخرى يقول لك: إياك أن تغتر بالأسباب لأنك قد تفعل الأسباب، ولكن الله لم يقدر لك رزقاً فتأتي الأسباب، فقدتزرع الزرع وتتعهده بالرعاية والري والتسميد وقبل أن ينضج المحصول تصيبه جائرة،فيضيع المحصول دون أن تستفيد بشيء منه
إذن: ساعة تجدي الأسباب، فهذا يدل على غرور الإنسان، فلا يتواكل ويأخذ بالأسباب؛ لأن المطلوب منك أن تتحرى إلي الرزق أسبابه، ولا تشغلن بعدها بالك؛ فإنك تجهل عنوانه، ورزقك يعلم عنوانك.

ام وليد2005
07-11-2014, 11:58 AM
الخافض الرافع
قال تعالى: والسماء رفعها ووضع الميزان "7" (سورة الرحمن)
هو الذي يخفض الكفار بالإشقاء، ويرفع المؤمنين بالإسعاد. وهو الذي يرفع أولياءه بالتقرب، ويخفض أعداءه بالإبعاد. هو رب الواقعة. الخافضة الرافعة، أي:
خافضة لقوم إلي النار، ورافعة آخرين إلي الجنة. الخافض لمن تعالى، الرافع لمن تواضع، ومن بيده الميزان يخفض ويرفع.
إذا وقعت الواقعة "1" ليس لواقعتها كاذبة "2" خافضة رافعة "3" (سورة الرحمن)



//-->

ام وليد2005
07-11-2014, 12:00 PM
المعز المذل


قال تعالى: وتعز من تشاء وتذل من تشاء "26" (سورة آل عمران)
لأن ظواهر الكون لا تقتصر على من يملك، وإنما مع من يملك، أناس هم ملوك ظل، ومعنى (ملوك ظل) أي يتمتعون بنفوذ مؤقت، هؤلاء منهم كل الشر، يغترون
بالملك ويفعلون ما يشاءون، أو يفعل الآخرون لهم ما يأمرون به. وحين ينزع الملك لاشكأن المغلوب يعزه الله، أما الظالمون أنفسهم فيذلهم الله.
إذن: كان لابد أن يجئ بعد: تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء "26" (سورة آل عمران)
هذا القول الحق: وتعز من تشاء وتذل من تشاء .. "26" (سورة آل عمران)
لماذا؟
لأن كل ملك حوله من يتمتع بجاهه ونفوذه. فإذا ما قام سلطان وانتهى ظهروا على السطح، وهذا نشاهده كل يوم وكل عصر.
وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير "26" (سورة آل عمران)
ونلاحظ هنا أن إيتاء الملك في أعراف الناس خير، ونزع الملك في أعراف الناس شر،ولهذا نقول: إن نزع الملك شر على من خلع منه، ولكنه خير لمن؟ لمن أوتي الملك، وقد يكون خيراً لمن نزع منه الملك أيضاً. لأن الله حين ينزع منه الملك أو ينزعه من الملك يخفف عليه مئونة ظلمه، فلو كان ذلك الملك المخلوع عاقلاً لتقبل ذلك، وقال: إن الله يريد أن يخلصني لنفسه لعلي أتوب.
إذن: فلو نظرت إلي الجزئيات في الأشخاص، ونظرت إلي الكليات في العموم وجدت أن ما يجري في كون الله من إتيان الملك، وما يتبعه من إعزاز. ونزع الملك وما يتبعه من إذلال، كل ذلك ظاهرة خير في الوجود، ولذلك لم يكن الأمر كما قال بعض العلماء لابد أن نقدر أن (بيدك الخير) تتضمن أيضاً أن بيدك الشر، وأن الله لم يأتي بالشر هنا، حتى لا ينسبه إلي يده.
لهذا القول نقول: لا لو نظرت إلي مجريات الأمور بدقة، فمادام الله هو الذي يؤتي، ومادام الله هو الذي ينزع، ومادام الله هو الذي يعز، ومادام الله هو الذي يذل فلابد أن يكون كل ذلك صور الخير في الوجود. لذلك لابد أن نقول كما قال الله سبحانه وتعالى:بيدك الخير إنك على كل شيء قدير "26" (سورة آل عمران)
إن إيتاء الملك عملية تحتاج إلي تحضير بشري، وبأسباب بشرية، وأحياناً يكون الوصول إلي الحكم عن طريق الانقلابات العسكرية أو السياسية. وكذلك نزع الملك يحتاج إلي نفس الجهد، إن الحق سبحانه وتعالى يبين لنا أن هذا ليس بأمر صعب على قدرته اللانهائية، لأنه سبحانه لا يتناول الأفعال بعلاج أو بعمل، إنما يقول "كن" فتنفعل الأشياء لإرادته سبحانه. الحق سبحانه وتعالى طلب منا حين نبدأ في قراءةالقرآن، وفي كل عمل أن نبدأه بسم الله الرحمن الرحيم، باسم الله لأنه هو الذي سخر لنا كل الأشياء ولولا تسخيرها لنا لما استطعنا أن نسخرها لأنفسنا.
وإذا كان بعض الناس لا يفطن إلي تسخير الله لما في الكون، فالله سبحانه وتعالى يذكرنا بذلك دائماً، حتى لا ننسى، ولكن لماذا ننسى؟ لأن رتابة الأشياء تجعلنا نحس بأنها حق مكتسب لنا في الحياة، فالشمس تشرق كل صباح ولكن من منا يفكر ساعة شروق الشمس أن الله سبحانه وتعالى قد سخرها لنا سبيلاً من سبل الحياة في الكون. فنحن نرى الشمس كل يوم ولا نحس إلا أن ذلك هو من رتابة الكون ونظامه دون أي تفكير، ولو أن الإنسان فكر لحظة واحدة في أن هذه الشمس التي تشرق كل صباح نعمة من نعم الله التي سخرها لعباده وأنه لا أحد يستطيع أن يسخر الشمس للخلق، تشرق كل يوم بإذن ربها لتذكره بنعمة الله عليه وتسخيرها له.
وكذلك القمر. وكذلك النجوم، وكذلك الأرض، وكل ما تعطي من عطاء البشر، الأرض التي ذللها الله سبحانه وتعالى للإنسان، وكذلك الأنعام التي تدر لنا الألبان، ونستخدمها في أشياء كثيرة ولكن الإنسان ينسى هذا. فإذا ركب الطفل الصغير حصاناً أو جملاً فإننا نقول إن الطفل يقود الجمل. ذلك ما يقال في الدنيا مجازاً، ولكن الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى قد ذلل الحصان أو الجمل للإنسان فاستطاع هذا الطفل أن يقوده. ذلك أن هذا الحصان أو هذا الجمل هو أقوى من الطفل عشرات المرات، ويستطيع أن يتغلب عليه ويفتك به، ولكنك تجده مع ذلك طائعاً ذليلاً للإنسان.
هذه الطاعة ليست للبشر، وإنما لأمر الله في التسخير للبشر. فهذا الجمل أو الحصان لا يخضع للطفل الصغير خوفاً منه، ولا عن عدم قدرة، وإنما يخضع له لأن الله أمره أن يخضع ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى أراد أن يلفتنا إلي هذه النعمة في الكون، فجاء بعض الحيوانات التي خلقها الله ولم يجعلها مذللة للإنسان، بل تركها غير مسخرة له.
جاء الله في الكون بعدد هائل من الحيوانات، أخضعها للبشر وذللها لهم، وبعدد قليل منها لم يذلله مثل الثعبان والعقرب، والحيوانات المفترسة التي يخشاها الإنسان ويخافها، لأنها تلحق الضرر به. ورغم مرور مئات الألوف من السنين وربما ملايين السنين، فإن هذه الحيوانات ظلت لا تخضع للبشر، ولا يستطيع إنسان أن يستأنسهاويستخدمها. فلا تجد إنساناً مثلاً يستطيع أن يستخدم الأسد في جر المحراث أو حراسةالأرض، أو يستطيع أن يستخدم النمر في إدارة الساقية، رغم أهما اقوى من البقر، لماذا؟
حتى إذا جاء إنسان وجادل وقال: أنا سخرت هذا واستخدمته لنفسي، وذللته فإننا نقول له: إذا كنت قد فعلت ذلك، فذلل لنا العقرب وابعد عنا سمها وذلل لنا الثعبان أو الأسد أو النمر، إلي غير ذلك من الحيوانات غير المذللة للبشر، حينئذ سيعجز تماماً. إذن أنت لم تستطع أن تذلل العقرب على ضآلة شأنه والثعبان على صغر حجمه، فكيف تستطيع أن تذلل الجمل أو الحصان على قوتهما وكبر حجمهما، وقدرتهما على الفتك بك؟
إنك لم تذللهما، ولكن الله سبحانه وتعالى هو الذي سخرهما لك، والدليل قدمناه على أن بعض الناس يثيرون هنا نقطة هامة، فالحيوانات المفترسة يأتون بها إلي السيرك، ويقوم الإنسان بواسطة الكرباج أو التخويف بتدريبها بحيث تطيعه. أفلا يعتبر هذا تذليلاً؟ نقول لهؤلاء: لا؛ لا يعتبر هذا تذليلاً؛ لأن هذه حالة فردية تتوقف على مهارة المدرب وموهبته وإخضاعه للأسد الذي أمامه فقط، وفي كثير من الأحيان يقوم الأسد بافتراس مدربه. ولكن، هل يستطيع مدرب أن ينقل هذا إلي جنس السود عامة؟ وهلاستئناس هذا الأسد ـ إذا كان يصح أن يقال إنه استئناس ـ ينتقل إلي ذريته، بحيث تولد هذه الذرية خاضعة للبشر؟
الجواب: طبعاً لا. إذن: لا هو استئناس للجنس على إطلاقه، ولا هو استئناس ينطلق إلي ذرية نفس النوع. ولكنها حالة فردية لا يمكن القياس عليها. وكما قلت في أحيان كثيرة: قد يفترس الأسد مدربه، وبذلك ينهدم القول بالاستئناس. إذن: فكل ما يحدث بالنسبة لاستئناس حيوانات مفترسة هو حالات فردية، تتوقف على مهارة المدرب.
فإذا فقد المدرب مهارته أو غفل عنها لحظة أفترسه الأسد أو النمر، ولكن الله سبحانه قد أطلق لنا الحيوانات على إطلاقها. فكل بقرة تولد ذلولاً، وكل جمل يأتي إلي هذه الدنيا هو خاضع للبشر مذلل له، وكل حصان يستطيع الطفل الصغير إذا دربته أن يقوده. وهذه ليست حالات فردية، ولكنها عامة تخضع لعموم التكليف، وتنتقل وراثياً من الأب والأم إلي الجنس كله، وهذا هو التذليل الحقيقي، والتسخير الذي يحمل آية من آيات الله للبشر. ولنعلم أن للعزة مقومات يقول سبحانه: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين .. "8" (سورة المنافقون)
بشرط أن يكون الإنسان صادقاً مع الله ومع الناس ومع النفس. أميناً مع الله، ومع الناس، ومع النفس. محاولاً في تحقيق منهج الله. تقياً يحمل قلباً طاهراً. ونفساً زكية، وعقلاً مفكراً، وروحاً تحب الحق والخير والسلام.

ام وليد2005
07-11-2014, 12:01 PM
السميع
قال تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سمعياً بصيراً "58" (سورة النساء)
وحين نرى تذييل آية بصفتين من صفات الحق، أو باسمين من أسماء الله الحق سبحانه، فلابد أن تعلم أن بين الصفتين أو الاسمين وبين متعلق الآية علاقة، مثل هذا التذييل: إن الله كان سمعياً بصيراً "58" (سورة النساء)
لقد جاء هذا التذييل بعد أمر بأداء الأمانة، وأمر بالحكم بالعدل بين الناس. ولقد شرح الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك حين أمر من يقضي بين الناس أن يسوي بين الخصمين في لحظه ولفظه، فلا ينظر لواحد دون الآخر، وفي اللفظ أي: لا يكرم واحداً دون الآخر، وذلك حتى يشعر الطرفان بالمساواة أمام القاضي، فلا ينظر القاضي إلي طرف بحنان وعطف، وينظر إلي الآخر بجفاء؛ لأن النظرة يجب أن تكون متساوية، وكذلك الألفاظ.
ولذلك نجد سيدنا الإمام علياً كرم الله وجهه قد رد القاضي لأنه قال له: يا أبا الحسن، فقال علي كرم الله وجهه: أنت لا تقضي بيني وبين خصمي؛ لأنك كنيتني دون أن تكنيه، فالتكنية دليل المودة والتعظيم. إذن: حين يقول رسول الله للقاضي: "سو بينهم في لحظك ولفظك". فاللحظ عمل العين، وذلك بأن يعرف القاضي أن فوقه بصيراً بالعباد، واللفظ يطلب الإذن، وذلك بأن يعرف القاضي أن فوقه سمعياً للعباد، وقد يقول قائل: لماذا جاء الحق هنا بأنه سميع بصير؟ وقيل: بأن ما يسمح به التكريم واضح، لكن النظرة قد تكون عقوبة وغير ملحوظة إلا لمن انتبه بشدة.
والحق سبحانه وتعالى لم توجد له صفة السمع بعد أن وجد ما يسمعه، ولم توجد لهصفة البصر بعد أن وجد ما يبصره، إنه سبحانه وجدت له صفة السمع قبل أن يخلق خلقاً يسمع منه، ووجدت له صفة البصر قبل أن يخلق خلقاً ليبصر أفعالهم. إذن: فهناك فرق بين أن يقول (سميع بصير) و(سامع ومبصر) إن كلمة (سميع) معناها أن يكون المدرك على صفة يجب أن تدرك المسموع إن وجد المسموع.
ولكن إن لم يوجد المسموع بعد فهو سميع، وإن كان لا يوجد ما يسمعه.
فالشاعر قبل أن يقول القصيدة هو موهوب في الشعر، وقال القصيدة لوجود موهبة الشعر عنده. إذن: فالحق سبحانه وتعالى على سبيل المثال غفار حتى قبل أن يوجد الخلق، أي: أنه سبحانه على صفة يجري عليها الأمر إن وجد، وهو سبحانه غافر إن وجد الأمر عندما يوجد ما يغفره بالفعل، إنه سبحانه وتعالى سميع وبصير، إذ لا قبل أن يخلق الذين ينشأ من وجودهم ما يسمع وما يبصر. يعلمنا الحق سبحانه أن كل شيء إنما هو ممنوح من الله، لذلك فبعد أن أتم إبراهيم وإسماعيل رفع القواعد قالا: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم "127" (سورة البقرة)
إن الحق سبحانه يعلمنا بدعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام أن يدعو الإنسان بقبول عمله إذا قام به ونيته خالصة لوجه الله. إن دعوة إبراهيم وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم "127" (سورة البقرة)
و(القبول) و(المقابلة) و(الاستقبال) كلها مأخوذة من مادة (المواجهة) أي: يا ربنا لا تعرض عن عملنا، إنه دعاء يريد به إبراهيم وإسماعيل الثواب، إنهما يرفعان الرجاء إلي الله، ويا رب أنت كلفتنا ونحن قمنا بالتكليف، ونرجو أن تثيبنا على عملنا. إن إبراهيم عليه السلام وإسماعيل عليه السلام يعلمان أن الإنسان حين ينجز عملاً مطلوباً لله، فإن علىالإنسان أن يدعو الله وقت العمل أن يتقبله منه، لماذا؟
وذلك ليستحضر الإنسان استخلاص النية في العمل لله الذي أمره بهذه العمل، إن الحق سبحانه لا يكلف إنساناً بعمل ما إلا لينفع الإنسان، وإذا استحضر الإنسان كل نيته، وهو يقوم بالعمل الذي أمره به الله، فإنه يرجو الله أن يقبل العمل. وقال إبراهيم عليه السلام وإسماعيل عليه السلام: إنك أنت السميع العليم "127" (سورة البقرة)
هذا القول هو مخاطبة للحق بأنه السامع لكل دعاء، والعليم بكل نية، ذلك أن أي عمل له (قالب) ينفذه به الإنسان، وللعمل أيضا (نية)، وعندما تتفق (النية) مع (القالب) فإن ذلك هو العمل الذي يتلقى الإنسان عليه الثواب. أما الذي لا يستحضر النية في العمل، ويؤدي العمل لمجرد التظاهر، فهذا الأمر قد يعرض الإنسان لفقدان الثواب.
ولذلك نجد الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الشريف:
"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلي الله ورسوله، فهجرته إلي الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلي دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلي ما هاجر إليه" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذن: فكل عمل له (قالب) يحدث عليه، وهذا القالب قد ينهي شكلية التكليف، وكل عمل له (نية) يقوم بها العمل، ويقصد بها الإنسان القيام بالعمل، وعلى ذلك يكون مقدار الثواب على التكليف موقف من يقوم بالعمل الإيماني ليلقي عن كاهله عين التكليف وموقف من يقوم بالعمل الإيماني وهو مخلص النية في الفعل. ويخرج من العمل وهو يرجو أن يتقبل الله منه ما قام به، وينوي استقبال أي تكليف إيماني آخر. إن الموقف الثاني هو موقف العشق، والحب لتكاليف الرحمن.

ام وليد2005
07-11-2014, 12:02 PM
البصير
قال تعالى: والله بصير بالعباد "15" (سورة آل عمران)
أي: أن الله سيعطي لكل إنسان على قدر موقفه من منهج ربه، فمن أطاع ليأخذ جنة الله، فإن الله يعطيه الجنة، ومن أطاع الله لأن ذات الله أهل لأن تطاع فإن الله يعطيه من ذاته. وفي هذا المقام قالت رابعة العدوية: "اللهم، إن كنت تعلم أني أعبدك خوفاً من نارك فأدخلني فيها، وإن كنت تعلم أني أعبدك طمعاً في جنتك فاحرمني منها، وإنما أعبدك لأنك تستحق أن تعبد". إذن: فالله بصير بالعباد. أي: أنه سيعطي كل عبد على قدر حركته ونيته في الحركة، فالذي أحب ما عند الله من النعمة فليأخذ النعمة، ولن يضن الله عليه، حيث إن النعمة تذكره بالمنعم.
إذن: فهناك العبد الذي يحب الله لذاته؛ لأن ذاته سبحانه تستحق أن تعبد، لأن أسماءه الحسنى بها الغني الكامل لمدركات القيم الفاضلة الناشئة من ظلال عطائها، فهو يعلم مقدار ما يستحق كل عابد لربه، وعلى مقدار حركته ونيته في ربه يكون الجزاء. فمن كان قد عبد الله للنعمة أعطاه الله النعمة المرجوة في الجنة ليأخذها، ومن أطاع الله لأنه أهل لأن يطاع وإن أخذت النعمة فإن الله يعطيه مكاناً في عليين.
ولذلك، قيل: إن أشد الناس بلاءاً هم الأنبياء، ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل، لماذا؟ لأن ذلك دليل صدق المحبة، والإنسان عادة يحب من يحسن إليه، ولكن لا يحب الإنسان الذي تأتي منه الإساءة. إلا أن كانت له منزلة عالية جداً ولذلك فالحق سبحانه يقول في آخر سورة الكهف: هكذا يوجد فرق بين النعمة وبين المنعم، وإذا كان الحق قد طلب منا أن لا نشرك بعبادة ربنا أحداً فلنعلم أن الجنة أحد، إن من يعبد الله للجنة فلسوف يأخذ الجنة، أما الذين يعبدون الله لذاته فلسوف يلقاهم الله، وتلك نعمة النعم.
قال تعالى: والله بصير بالعباد "15" (سورة آل عمران)
لم يقل الله أنه عليم بالعباد؛ لأن (عليم) تكون للعملية العقدية، لقد قال الحق سبحانه فيوصف ذاته هنا أنه (بصير بالعباد)، والبصر لا يأتي ليدرك حركة، فماذا يرى الله منالعباد؟ إنه يرى العباد المتحركين في الحياة، وهل حركة العبد منهم تطابق في الأفعالالإسلام أم لا، ومتابعة الحركة تحتاج إلي البصر، ولا تحتاج إلي العلم، وكأن الحقسبحانه وتعالى يقول: إن كنتم تعتقدون أني لا أراكم، فالخلل في إيمانكم، وإن كنتمتعتقدون أني أراكم فلم جعلتموني أهون الناظرين إليكم.
إذن: فقول الحق سبحانه: والله بصير بالعباد "15" (سورة آل عمران)
نفهم منها أن الإسلام سلوك لا اعتقاد فقط؛ لأن الذي يرى هو الفعل لا المعتقداتالداخلية، ومادام الله بصيراً بالعباد، فبصر الحق للعباد له غاية، فكل إنسان عندما يعلم أن الله بصير بكل سكناته وحركاته، فإن الإنسان يستحي أن يراه ربه على غير ما يحب. وأضرب هذا المثل الأعلى، وليس كمثله شيء، نحن في حياتنا العادية نجد أن الشابالذي يدخن يستحي أن يظهر أمام كبار عائلته كمدخن فيمتنع عن التدخين، فما بالنابالعبد وهو يعتقد أن الله يراه؟.

ام وليد2005
07-11-2014, 12:03 PM
الحكم
قال تعالى: أفغير الله ابتغي حكماً .. "114" (سورة الأنعام)
هو الشاهد، وهو الحاكم، وهو المنفذ، ولذلك فهو سبحانه: خير الحاكمين "87" (سورة الأعراف)
لأنه جل جلاله لا يحتاج لشاهد قد يخطئ أو يقول زوراً، بل سبحانه وتعالى يعلم كلشيء، ولا يعلم جانباً من القضية، وتغيب عنه جوانب أخرى. لذلك فحكمه الحق والعدل،ولا يعطي جل جلاله الحكم لسلطة تنفيذية قد تنفذ أو لا تنفذ، بل هو سبحانه الذي ينفذولا يوجد شيء يعجزه، كأن يهرب المذنب، ويختلف في مكان لا يعرفه أحد، بل لا يوجد شيء في كونه، إلا وهو سبحانه وتعالى يعلم مكانه، الله سبحانه ليس له هوى، وهو يجير ولا يجار عليه.
إذن: فالله سبحانه وتعالى خير الحاكمين، وقوله سبحانه وتعالى: خير الحاكمين "87" (سورة الأعراف)
دليل على أن هناك من سيحكم في الدنيا من البشر، وهذا أمر نعرفه جميعاً، واللهسبحانه وتعالى خيرهم. ويقول تعالى: والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب "41" (سورة الرعد)
والحكم معناه الحاكم الذي لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، وقيل في معنى الحكم: هو الذي حكم على القلوب بالرضا، وعلى النفوس بالانقياد والطاعة، وقيل في معناه: هو الذي يفصل بين الحق والباطل، والبار والفاجر، ويبين لكل نفس ما عملت من خير وشر.
وسبحانه القائل في كتابه الكريم: فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين "87" (سورة الأعراف)
وقد ذكر الحكم مرة واحدة في الذكر الحكيم: أفغير الله ابتغي حكماً وهو الذي أنزلإليكم الكتاب مفصلاً .. "114" (سورة الأنعام)

ام وليد2005
07-16-2014, 07:01 PM
العدل
قال تعالى: وتمت كلمت ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلمته .. "115" (الأنعام)
سبحان الله الحكم العدل، والعدل هو في اللغة مصدر أقيم مقام الاسم للزيادة، أي: البالغ في العدل، أي: الذي لا يظلم أحداً، والعدل مأخوذ من الاعتدال وهو الاستواء، ويقع صفة للحكم والحاكم معاً، فيقال: حاكم عدل، وحكم عدل. وسبحان الكريم العفو ذي العدل. الذي قد ملأ كل شيء عدله. ثم لنتدبر هذه الآية الكريمة من سورة النحل: وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخيرٍ هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم "76" (سورة النحل).

ام وليد2005
07-16-2014, 07:02 PM
اللطيف الخبير
قال تعالى: ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير "14" (سورة الملك)
ولنعطي مثلاً من حياتنا، فهذه الأمثال ضربت لتقريب الأفهام، وإيضاح المراد للناس، فنحن نعرف أن الكرسي قد تم صنعه من خشب (زان) أو (أرو) أو (موجنة)، وأن المسمار الذي يربط الجزء بالجزء إما أنه مسمار صلب أو غير ذلك، وكذلك يعلم صانع الكرسي أي صنف من الغراء استعمل في لصق أجزاء الكرسي، وكذلك مواد الدهان التي تم دهن الكرسي بها.
إن قول الحق سبحانه: ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير "14" (سورة الملك)
هو قول لا يحتاج إلي جدال، ولذلك نجد الصانع النجار الذي يرغب أن تكون صنعته واضحة يقول للمشتري: سوف أصنع لك الكرسي من خشب، وعليك أن تمر يومياً لترى مراحل صنعه. ويبدأ صناعة الكرسي مرحلة مرحلة تحت إشراف الزبون، وكذلك يعرف البدوي كيف يتكون الرحل، وكذلك يعرف العربي كيف يتكون الفسطاط. والحق سبحانه جاء بما يدحض أي جدال، وبدون الدخول في أية مهاترات أو مناقشات لها مقدمات ونتائج. يقول الحق سبحانه: ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير "14" (سورة الملك)
إنه أمر سهل للخالق، ولذلك أتعجب كيف أدخل هؤلاء العلماء هذه المسألة في متاهة فلسفية، ولا يدخل فيها إلا صاحب القلب الكبير، ولذلك نجد أن هؤلاء الذين قالوا إن القرآن ذكر بشر جعلوا في عقولهم كالذي يملك قطعة من فضة يدسها ويدفنها في الرمال يم يدعو الآخرين للبحث معه عن قطعة الفضة. ولذلك نجد العلماء الذين ناقشوا هذه المسألة جزاهم الله، قالوا:
لنهـاية إقدام العقـول عقــالوأكثر سعـي العالمين ضلالولم نستفد من بحثنا طوال عمرناسوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

وأنا أريد أن اعرف: ماذا قدمت الفلسفة النظرية للدنيا من خير؟ لقد انفصلت عنها الفلسفة المادية ودخلت المعمل، وأخرجوا لنا الابتكارات التي انتفع بها الخلق، فماذا فعلت الفلسفة النظرية؟ لا شيء. إننا نقول: الإسلام جاء بالعقيدة الفطرية، ومعنى العقيدة الفطرية أن الناس فيها سواء، فالأدلة العقلية تقتضي الوضوح لمن تعلم ولمن لم يتعلم. إن الفلاسفة قالوا بأدلة الغاية، وأدلة العناية، وأدلة القصد.
ولكن البدوي الذي سار في الصحراء وجد أثراً، ووجد الرمل عليه أثر قدم، فقال: إن الأثر يدل على المسير. أفلا يدل كل ذلك على اللطيف الخبير؟ إنه لم يدخل في فلسفة أو متاهة، إن الفلاسفة يدخلون مع بعضهم في متاهات عقلية. وتأتي للبدوي البسيطفيحلها في جملة واحدة، وعندما يسأل واحد من الناس واحداً من أهل الأشراف: ألا تشتاق إلي الله؟ فيقول هذا الواحد من أهل الأشراف: أنت تشتاق لغائب، ومتى غاب الله حتى يشتاق إليه؟
ونحن مع حسن الظن بهم نجد أن كل واحد منهم يقول: الله خالق كل شيء. فنقول له: أنت صحيح قد تعصبت لصفة القدرة وطلاقتها في الحق، وجاء الثاني وقال ولكن الله عادل، ولا يمكن أن يخلق في الكافر كفره، ثم يعذبه عليه، إنه تعصب لصفة العدل. إن كلاً منهما ذاهب إلي صفة واحدة من صفات الحق، وهما الاثنان يتناسيان أن هذه الصفات إنما تذهب إلي ذات واحدة، لذلك فهو قادر وعادل معاً، فلا هذه تفلت منه ولا تلك. ونقول لمن يقول: إن الله خالق كل شيء، وخالق كل فعل، ما هو الفعل؟
إن الفعل هو توجيه جارحة لإحداث حدث، فالذي يمسح وجهه بيديه قد وجه يده لوجهه حتى يمسح وجهه، هذا الفعل من يفعله؟ لا يفعل ذلك صاحب الفعل. ودليلنا على ذلك عندما نرى الإنسان الآلي نضغط على كذا زر ليتحقق هذا الفعل، إن الإنسان الآلي حتى يتحرك حركة واحدة لابد من ضغط وتحريك عدد آخر من القوى. لكن الإنسان حتى يمسح وجهه بيديه اكتفى بأنه مجرد أن أراد مسح الوجه باليد، وبالنظر إلي جرافات التراب يلفتنا إلي أن سائق جرافة التراب يحرك عدداً من الأذرع الحديدية حتى يحرك الجرافة إلي أسفل، ثم حركة أخرى ليفتح أسنان كباشة التراب، وحركة تقبض أسنان كباشة التراب، وحركة أخرى ترفع التراب.
والواحد منا بمجرد رغبته في أن يمسح وجهه، فهو يمسح الوجه ولا يعرف أيالعضلات تحركت، فمن الذي فعل كل ذلك؟ إنه الله فيا من تتعصب لصفة القدرة أن الله هوالذي فعل، والذي يحدث من العبد هو توجيه الطاقة التي تنفعل بالله إلي غير مراد الله، فيصير العبد عاصياً، أو يوجهها إلي مراد الله فيكون طائعاً، ويكون للعبد الكسب فقط. فالذي يقتل واحداً هو لم يقتل لأنه لم يقل له: كن قتيلاً، فيكون قتيلاً، ولكن القاتل يأتي بسكين أو سيف أو مسدس، ويرتكب فعل القتل، إن أداة القتل هي التي قامت بالفعل، والقاتل إنما أخذ الآلة الصالحة لفعل ما. فيا من تريد العدل، إن الله إن عذب على معصية، فذلك لأن الإنسان إن استعمل أداة مخلوقة للفعل ولعدمه، فجعلها تؤدي فعلاً، والله هو الفاعل لكل شيء.
قال تعالى: إنه بما يعملون خبير "111" (سورة هود)
وهذا دليل على العلم الدقيق، فالإنسان حين تأتيه مشكلة يقول: اذهبوا إلي العالم الفلاني، فإنه خبير بها؛ ولذلك فسيعطيكم احسن الحلول، أو تقول: اعرضوها على الخبير، فالعالم قد يعلم إجمالاً، أما الخبير فهو المتخصص يعرفها بدقة وبكل تفاصيلها. ولذلك تجد دائماً في القرآن الكريم قوله تعالى: وهو اللطيف الخبير "14" (سورة الملك)
وقوله سبحانه: إن الله لطيف خبير "63" (سورة الحج)
لأنك قد تكون خبيراً بواقع الأشياء، فأنت تعرف مثلاً أن المجرم الفلاني مختبئ في الجبل، ولكنك لا تستطيع أن تدخل إلي الجبل؛ لأن فيه مسالك دقيقة لا تعرفها. إذن: فالخبرة ليست كافية وإنك تريد لطفاً ودقة لكي تنفذ إلي الأماكن التي تضمن لك أن تحقق ما نريد، فأنت تعرف أن هذا الشقي مختبئ في هذا المكان، ولكن كيف تصل إليه، فهذا شيء فيه لطف، وفيه خبرة.
إن الحق سبحانه وتعالى حين يشرع لا يشرع عن خلاء، ولكنه خبير بكل ما يصلح النفس الإنسانية، ولا يعتقد أحد أنه خلقنا ثم هدانا إلي الإيمان ليخذلنا في نظام الحياة. إنه خلقنا وأعطانا المنهج لنكون نموذجاً ليرى الناس جميعاً أن الذي يحيا في رحاب المنهج تدين له الدنيا: إن الله كان بما تعملون خبيراً "94| (سورة النساء)
إنه سبحانه وتعالى خبير بما فعل، وكأن الحق سبحانه يقول: إياك أن تستر بلباقتك شيئاً وتخلع عليه شيئاً غير حقيقي؛ لأن الذي تطلب جزاءه، وهو الرقيب عليك والحسيب، يعلم المسألة من أولها إلي آخرها.

ام وليد2005
07-16-2014, 07:03 PM
الحليم
قال تعالى: والله غني حليم "263" (سورة البقرة)
ويقول تعالى: والله غفور حليم "225" (سورة البقرة)
هو صاحب الصفح والأناة، الذي لا يحبس أنعامه وأفضاله عن عباده لأجل ذنوبهم، ولكنه يرزق العاصي كما يرزق المطيع، ذلك بأنه تعالى هو الصفوح مع القدرة، المتأني الذي لا يعجل بالعقوبة. ويقول الحق سبحانه: كلا نمد هؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً "20" (سورة الإسراء)
وقال تعالى: ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلي أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون "61" (سورة النحل)
فهناك عطاء الربوبية لكل مخلوق، أما عطاء الألوهية فهو لمن اتقى. وكيف يعجل من لا يخاف الموت، قال تعالى: يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فأنفذوا لا تنفذون إلا بسلطان "33" (سورة الرحمن)
هذا الدعاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به القرب من الله: "لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحانه، وتبارك الله رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين"
وسبحان الله الحليم الذي يمهل العاصي، فإن تاب قبل توبته، وإن أصر أخر العقاب عنه لعلمه تعالى، أنه لا يخرج من ملكه.
وهذا دعاء اللجوء: "يا من عصمت المعصومين، ويا من حفظت المحفوظين، ويا من أصلحت الصالحين، إن عصمتني تجدني معصوماً، وإن أهملتني تجدني مخذولاً، ناصيتي بيدك، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"
وقد ذكر الحليم سبحانه إحدى عشرة مرة في الكتاب العربي الكريم، فهو غفور حليم، وهو حليم غفور، وهو عليم حليم، وهو غني حليم، وهو تعالى شكور حليم.

ام وليد2005
07-16-2014, 07:05 PM
العظيم
الحق سبحانه وتعالى يقول: أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء .. "185" (سورة الأعراف)
يريد الله سبحانه وتعالى أن يلفت الكفار إلي أن في ملكوته أشياء كثيرة تدل على عظمته وقدرته، فإذا كان في السماء والأرض أشياء كبيرة الحجم تستطيع أن تراها بسهولة، فهناك من خلق الله أشياء دقيقة جداً لا تدرك بالعين، ومع ذلك فيها الحكمة العليا للخلق. وكلما دقت الصنعة كان ذلك محتاجاً إلي صانع ماهر وتكنولوجيا متقدمة، مثلاً ساعة (بج بن) ضخمة جداً عندما صنعت كانت شبه إعجاز، فلما تقدم الزمن وجدنا ساعة في حجم فص الخاتم تؤدي نفس مهمة ساعة بج بن.
إذن: فعظمة الخلق ليست في الحجم الكبير فقط، ولكنها في الأشياء التي تستطيع أن تدركها بعينك، مثلاً الميكروبات والجراثيم غاية في الدقة، ومع ذلك ففي هذا الحيز الصغير الذي يحتله كل مقومات حياتك. الناموسة الصغيرة تأتي وتمتص الدم جاهزاً منك، ولها خرطوم كالشعرة، أو أدق من الشعر، ومع ذلك يخترق الجسم بدقة وكفاءة أكثر من الإبرة الصلبة الكبيرة. والميكروبات الصغيرة تخترق جلدك، وتنفذ إلي الدم وتحدث بينها وبين كرات الدم البيضاء معركة يمرض لها الجسم كله، وترتفع درجة حرارته، ويحس الإنسان بالألم.
كيف استطاع هذا الميكروب الذي هو غاية في الدقة أن يفعل كل هذه الأشياء في هذا الجسم الضخم؟ (جسم الإنسان) فيجعله عاجزاً عن الحركة، وعن التفكير، وعن تناول الطعام وعن أشياء كثيرة؟ الله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلي أن هذا الملك الظاهر ليس هو الدليل الوحيد على قدرة الله وعظمته، ولكن كل شيء خلقه الله فيه عظمة الخلق، وربما فيه آلات استشعارية تعينه على الحياة لا يقوى صاحب العقل عليها.
وكم اكتشافات علمية في أشياء لا نراها كالأشعة تحت الحمراء التي تحدد بدقة مكان الشيء اكتشفت من أداة الاستشعار في الحيات والثعابين، تلك الأداة التي لا تعتمد على النظر في تحديد المسافات بينها وبين الفريسة أو بينها وبين العوائق، ولكنها تعتمد على أشعة كونية غير مرئية. وقد استخدمت هذه الأشعة في كثير من آلات القتال لتحديد مكان مواقع العدو بدقة، وكذلك أشعة الليزر التي اكتشفت في رحلات الفضاء أخيراً، لها دقة فائقة في تحديد أشياء دقيقة.
بل إن الحيوانات تحس بالزلازل قبل الإنسان، بل إن الحمير التي يصفها الإنسان بالغباء لها أداة استشعار تجعلها تحس بالزلازل قبل أن تقع وتهرب من منطقة الخطر. والبحث في عالم الفضاء وعالم الحيوان وعالم البحار يعطينا اكتشافات يذهل لها العقل، هذه عظمة الخلق فيما لا نرى ولا نحس ولا نعرف، إلا أن يكشف الله لنا بعض أسرار ملكوت هذا الكون، فنعرف أسراره.
إذن: فكل شيء خلقه الله فيه عظمة، وفيه قدرة، وكل ما خلق الله من بداية ما يقال له شيء فيه إعجاز الخلق. الشمس شيء، والقمر شيء، والنجوم شيء، وأنت شيء، والميكروبات شيء. إذن: فقوله تعالى: وما خلق الله من شيء "185" (سورة الأعراف)
تي: من بداية ما يقال له شيء. ولقد ضربنا مثلاً لذلك عندما تقول ما معي من مال، قد تكون معك قروش قليلة، ولكنها لا تسمى مالاً، ولكنك إذا قلت: ما معي من مال أي من بداية ما يقال له مال أي: ليس معك ولو قرشاً واحداً. والله سبحانه وتعالى يريد أن يلفت الكفار إلي الآيات الكونية مما يرونه وما لا يرونه. فلماذا خاطبهم الله بما لا يرونه؟
لأن القرآن أزلي يخاطب الناس إلي يوم القيامة، وسيكشف الله من عمله إلي خلقه جيلاً بعد جيل ما خفي من أسرار الكون، فكلما قرأوا هذه الآية جيلاً بعد جيل أحسوا بعظمة الله وقدرته لا في المشاهد من.

ام وليد2005
07-16-2014, 07:06 PM
الغفور
كل فعل من الحق سبحانه وتعالى إنما يتجرد من ملابسات الزمان ومن ملابسات المكان، فإن كنا نقرأ على سبيل المثال: وكان الله غفوراً رحيماً "96" (سورة النساء)
فليس معنى ذلك أن مغفرة الله ورحمته هي فعل ماض، ولكن لنقل كان الله غفوراً رحيماً، ولا يزال غفوراً رحيماً، إنه سبحانه وتعالى غفور رحيم قبل أن يوجد من يغفر له ويرحمه. ومن باب أولى أن يكون غفوراً رحيماً، بعد أن يوجد من يستحق المغفرة والرحمة. إن الحق سبحانه وتعالى منزه عن أن تعتريه الأحداث فيتغير، إن الزمن مخلوق من الله، فلا تقل متى أو أين لأنهما به وجدا. والحق سبحانه يأتي بالماضي لأنه متحقق الوقوع، وإذا قال الله عن شيء إنه سيحدث فلابد أن يحدث، لأنه كان إذا أسندت إلي الله أفادت الاستمرارية، فهو رب الزمان والمكان والحياة.
قال تعالى: ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا "193"(سورة آل عمران)
إن أول شيء هو درء المفسدة؛ لأن الصالحين من الناس يتهمون أنفسهم بالتقصير دائماً، لذلك قالوا: ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا .. "193"} (سورة آل عمران)
وهنا عندما ننظر إلي معطيات القرآن نجد أن (الذنب شيء) (والسيئة) شيء آخر، إن الذنب يحتاج إلي غفران، والسيئة تحتاج إلي تكفير. وعندما ننظر إلي التكفير فإننا نجد على سبيل المثال (كفارة اليمين) كفارة اليمين تكون واجبة إذا ما أقسم المؤمن يميناً، وحنث فيه، وهذا التكفير مقابل للحنث في اليمين.
إن الأشياء التي تتعلق بالمعصية بين العبد وربه هي الذنب، والسيئة هي الأمر الذي يخالف منهج الله مع عباد الله، لأنك حين تفعل المعصية في أمر بينك وبين الله لم نسئ إلي الله، فمن أنت أيها الإنسان من منزلة الله .. ؟ ولكنك بالمعصية تذنب، والذنب تأتي بعده العقوبة، لكن مخالفة منهج الله مع عباد الله تكون سيئة، لأنك بها تكون قد أسأت؛لذلك المؤمنون قالوا: ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا .. "193" (سورة آل عمران)
من الذي هداهم إلي هذا، وإلي معرفة أن هناك فرقاً بين الذنب والسيئة، لأن الذنب يحتاج إلي غفران، والسيئة تحتاج إلي تكفير، حيث يكون التكفير مقابلاً لأن فيه عطاء أنه الرسول حامل الرسالة من الله.
ولذلك جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، إذ رأوه يضحك، فقال له سيدنا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ما يضحكك يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة فقال أحدهما: يا رب خذ لي حقي من هذا. فقال: لم يعد عنده حسنة فقال العبد: فاطرح عليه من سيئاتي. فقال: أبشرك "أن ليست لك سيئات" نعم نظر فوجد قصوراً وأشياء ينبهر لها العقل فقال العبد: لمن هذه يا رب؟ فقال الحق: لمن يدفع الثمن.
فقال العبد: وما ثمنها؟ قال: يا رب ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه. قال: بماذا؟ قال:بعفوك عن أخيك. قال: يا رب فإني عفوت عنه. قال سبحانه وتعالى: فخذ بيد أخيك فأدخله إلي الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله تعالى يصلح بين المسلمين. هذا هو معنى التكفير أن تتحمل لذلك نقول في الدعاء: "اللهم ما كان لك منها فاغفره لي، وما كان لعبادك فتحمله عني."
أي: أن العبد يطلب أن يراضي الحق عباده من عنده، وما عنده لا ينفذ أبداً، إن العبادالمؤمنين يقولون: ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا .. "193" (سورة آل عمران)
أي: اختم لنا سبحانك هذا الختام مع الأبرار. قال تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم "53" (سورة الزمر)
وفي هذه الآية بلاغ من الله إلي رسوله الكريم أن يبلغ العباد الذين اكثروا على أنفسهم من المعاصي لا ييأسوا من رحمة خالقهم. والخالق العظيم وحده هو العظيم أيضاً في مغفرته ورحمته، وهكذا كان غفران الحق لكل معصية يعترف بها الإنسان، لأن الإقرار بالذنب إدراك ووعي بأنه ذنب ولله المغفرة. ويقول الحق سبحانه أيضاً في محكم كتابه:إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً "116" (سورة النساء)
إن الحق سبحانه يوضح لنا أن الذنوب يغفرها الله، ولكن لا يغفر أن يرد أحد الأمر على صاحب الأمر.

ام وليد2005
07-16-2014, 07:07 PM
الشكور
الإنسان حين يريد أن يثني على شخص لابد أن يقيمه لتكون قيمة الثناء مناسبة مع قدر المثنى عليه، فإذا انتقل هذا إلي الله سبحانه وتعالى فلابد أن نعرف كل صفات الكمال في الله حتى نستطيع أن نعطيه حق قدره. وصفات الكمال في الله لا تتناهى، ولا يمكن أن تحصى، وهذا أول عجز، أما العجز الثاني فهو أنني لو عرفت بعض الصفات فهل أستطيع أن أعطي على قدرها؟ لا أستطيع.
ولذلك فمن رحمة الله علينا أنه تحمل عنا صيغة الثناء عليه، حتى لا يوقعنا في حرج، فنحن لا نستطيع أن نحيط بصافات الكمال لله، وحتى لو أحطنا بصفة واحدة لا نستطيع أن نأتي بالعبارات التي تليق بها. وإذا حاولنا فستتفاوت القدرات بين أديب يستطيع أن ينمق العبارات وبين إنسان لم ينل قدراً من التعليم لا يستطيع أن يقول شيئاً. هنا ستتفاوت العبارات حسب تفاوت الناس في قدراتهم، ولكن عدل الله أبى إلا أن يساوي بين عباده جميعاً في الثناء عليه، فقال جل جلاله إذا أردت أن تثني علي فقل "الحمد لله". وهكذا ساوى الله برحمته بين الناس في معرفة صيغة الثناء عليه، وجعلها صيغة من كلمتين فقط "الحمد لله" صيغة سهلة يقدر عليها الجميع، صيغة ميسرة.
فالبشر يمدح بشراً في قصائد وصفحات كثيرة، ولكن الله يريد منا أن نقول "الحمد لله". فالحمد له شموله في كل ما يريده الله، فالحمد للإيجاد، والحمد للإمداد، والحمد على البقاء الأبدي، أما الشكر فغالباً ما يأتي عن النعم، وفي الاعتراف بالنعم وذكر المنعم. الله سبحانه وتعالى تحمل عن خلقه أن يعلمهم صيغة الحمد له، فلا قدرات هذا الخلق تؤهلهم للوصول إلي كمال صفات الله ولا وجود الصيغة المناسبة لحمد هذا الكمال.
ولقد أراحنا الله بذلك من إرهاق وتعب كبير، لأنه لو كان الإنسان سيحاول بأي أسلوب أن يحمد الله فلن يستطيع أن يحمده بالحمد المناسب له.
ولقد كان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: "سبحانك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك"
والرسول مشروع لأمته ولمن سيأتي بعده، ومن هنا فهو يعلمهم من طرق الحمد للهوالثناء على الله ما تستطيعه عقولهم البشرية، فيقول: لا أحصي ثناء عليك، أي: إننيعاجز عن أن أقدم لك الثناء والحمد اللذين تستحقهما ذات الكمال في صفاتك.
ومهما حاولت أن أحصي، أو أن أدرك فأنا كبشر عاجز، ولذلك أمام هذا العجز سيأخذ ما أثنيت به على نفسك، أي ما طلب الله سبحانه وتعالى منا أن نحمده به، وهي الحمد لله. فكأن الحق سبحانه قد أعطانا العذر في عدم الثناء عليه كما يجب؛ لأننا عاجزون، وفي نفس الوقت علمنا أن نحمده أو نثني عليه بكلمتين اثنتين هما "الحمد لله"، فساوى في ذلك بين كل عبيده القادر منهم في العلم وغير القادر، لأنه أعطانا المنهج في هذا الكون الذي نستطيع أن نعبده به، والذي يحقق لنا السيادة في الأرض، ويحقق لنا فوق هذا كله الحياة الطيبة الآمنة في الكون.
والله سبحانه وتعالى يقول في سورة الرحمن: الرحمن "1" علم القرآن "2" خلق الإنسان "3" (سورة الرحمن)
ولقد ثار جدل كثير حول هذه الآيات، إذ كيف يعلم الله سبحانه وتعالى القرآن قبل أن يخلق الإنسان، ولمن يعلمه؟ خلق الإنسان آية من آيات الله سبحانه وتعالى، فالإنسان من تراب، وهذه الحفنة من تراب مستها قدرة الله، فصارت بشراً، وهذا البشر صنع كل الحضارات والآيات التي نراها ونشهدها في الكون بقدرة من الله سبحانه وتعالى، ولكن الله وضع المنهج أولاً ثم خلق البشر.
وذلك أنه لكي يعيش الإنسان في الأرض فيجب أن يكون هناك منهج من الله يهديه، وليبين له الطريق السليم للحياة في "افعل" و"لا تفعل"، وإلا فكيف سيباشر الإنسان مهمته في الكون دون أن يكون له منهج. وهذه هي سنة الحياة وقوانينها، فأنت قبل أن تنشئ مدرسة مثلاً لابد أن تضع المنهج الذي سيدرسه التلاميذ، ثم بعد ذلك تنشئ المدرسة وتطلب من التلاميذ أن يلتحقوا بها، ولكن تصور معي كيف يمكن أن يكون الحال إذا أنشأ إنسان مدرسة بدون منهج؟ وماذا سيفعل التلاميذ؟ وماذا سيدرسون؟
وحين تنشئ مدينة جديدة لابد أن تضع المنهج الذي ستنشئ عليه المدينة أولاً، وهذا المنهج هو الرسومات والتخطيط الذي تضعه للمدينة، ثم بعد ذلك بعد أن يكتمل التخطيط، وتكتمل الصورة عندك تأتي بالمهندسين وتعطيهم هذه الرسومات ليبنوا لك المدينة. وأنت لو جمعت مجموعة من المهندسين، وطلبت منهم أن ينشئوا مدينة دون تخطيط سابق وانطلقوا، هذا يعمل يميناً، وهذا يعمل يساراً لكانت فوضى ما بعدها فوضى، ولنشأت المدينة غاية في السوء، وربما لم يستطع أحد أن يسكنها. وهكذا كل شيء نريد أن نعمله، لابد أولاً من الخطة للعمل، لابد من تحديد المنهج الذي سيتم على أساسه العمل، وبدون تحديد لهذا المنهج لا يتم العمل أبداً، ولا يصح، ومن هنا فهمنا أنه لا يتم خلق الإنسان بدون منهج أبداً، وإلا فسيعم الفساد في الأرض.

ام وليد2005
07-16-2014, 07:09 PM
العلي
قال تعالى: فالحكم لله العلي الكبير "12" (سورة غافر)
وهو العلي العظيم "4" (سورة الشورى)
وهو العلي الكبير "23" (سورة سبأ)
إنه علي حكيم "51" (سورة الشورى)
هو العالي علو الجلال والكمال، قال الحليمي من العارفين بالله في معنى العلى: إنهالذي ليس فوقه فيما يجب له من معالي الجلال أحد، ولا معه من يكون العلو مشتركاًبينه وبينه، ولكنه العلي بإطلاق. عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: ما سمعت رسول اللهصلى الله عليه وسلم يستفتح دعاء قط إلا استفتح "بسبحان الأعلى الوهاب". يتجلى اللهفي علاه في مرئيات الإدراك، وفي خواطر الوجدان، وفي إبداع الصفة، وفي أسرار الغيب، فالأرض تضم أجناساً متعددة، وهي كالآتي:
الجماد: هو الساكن ظاهراً كتربة الأرض، أو المعادن، هذا هو الجنس الأول.
والجنس الثاني: هو النبات الذي يختلف عن الجماد، بأن الله وضع فيه خاصية النمو والحس.
والجنس الثالث: هو الحيوان الذي يتميز عن النبات بالحس والحركة.
والجنس الرابع: هو الإنسان الذي يتميز عن الحيوان بخاصية جديدة مضافة للنمو والحس والحركة، وهي الاختيار.
وكل الأجناس التي نراها في الكون لا تخرج عن هذه الأجناس: جماد ـ نبات ـ حيوان ـ إنسان، وكل الأجناس منضبطة انضباطاً قسرياً قهرياً، لا رأي لأحد فيه إلا الإنسان، ففيه جزء من السلوك قسري قهري كسير الدورة الدموية والتنفس وحركة الهضم وغير ذلك من الأمور التي لا دخل لإرادة الإنسان بها، كل الأجناس لها نظام قسري مضبوط على مهمة كل جنس، والسيادة في كل الأجناس للإنسان. يأتي الإنسان بعناصر الجماد فتتفاعل ولا تعصي، ويضع الإنسان البذور في الأرض، فتتحرك البذرة بالخواص التي خلقها الله لتمتص الغذاء المناسب لها من الأرض سواء كان أملاحاً أو عناصر غذائية مع الماء وينمو النبات حسب نوعه، ويتغذى حسب نوعه واحتياجه، وينمو ليصبح ثماراً للإنسان.
ولنا أن نندهش من قدرة الخالق الأعظم الذي خلق في النبات خاصة امتصاص الغذاء الصالح له من الأرض بواسطة الجذور التي يسميها العلماء "خاصية الأنابيب الشعرية". إذا قارنا النبات وهو يمتص غذاءه بهذه الخاصية وبين التطبيق التجريبي في معامل العلماء عن "خاصية الأنابيب الشعرية" فلسوف نجد اختلافاً واضحاً بين تنفيذ النبات لخاصية امتصاص الغذاء بالأنابيب الشعرية وبين خاصية امتصاص الأنابيب الشعرية في المعامل العلمية.
إن الخالق الأكرم خص النبات بجذور تملك قدرة امتصاص الغذاء المناسب لكل نباتعلى حدة، بينما أنابيب المعامل العلمية تمتص ما يوضع لها من سوائل أي سوائل. إنالأنابيب الشعرية في المعامل لا تملك ما يسميه العلماء "خاصية الانتخاب الغذائي"التي يملكها النبات، وخاصية الانتخاب الغذائي موجودة في كل نبات، يختار منها المواد الغذائية المناسبة له من التربة. وهكذا نتعرف على أن خاصية الانتخاب الغذائي في النبات تقتضي وعياً أن كل نبات يعرف تمييز الغذاء المناسب له تماماً من عناصر تربة الأرض. ولنا أن نسأل: من الذي هدى النبات إلي أن يختار المواد الغذائية التيتناسبه؟ إنه الله الأعز الأكرم، هو الذي "قدر فهدى"، والحق سبحانه وتعالى يقول فيكتابه الكريم: سبح اسم ربك الأعلى "1" الذي خلق فسوى "2" والذي قدر فهدى "3" والذي أخرج المرعى "4" فجعله غثاء أحوى "5" (سورة الأعلى)
إن الإنسان عندما يتدبر أمر النبات تتجلى له آيات الله الباهرة التي جعلت لكل نبات غريزة غذائية يمتص بها الصالح له من مواد الأرض. فالقصب يختار ما يناسبه من مواد، والفلفل يختار له ما يناسبه من مواد الأرض، والمانجو تختار ما يناسبها، وكذلك التين والتمر. كل نبات يمتلك غريزة خاصة به يحقق بها خاصية "الانتخاب الغذائي" وكل نبات كما هو حال كل كائن قدر له الله السبب الذي يوجد من أجله، ومنحه هداية إمكانات النمو المناسبة له، وهذه أحد أسرار عظمة الخالق الأعز الأكرم.
هكذا نرى عظمة الخالق التي تهدي كل كائن إلي القدرة على التفاعل والاختيار المناسب، وكما يحدث ذلك في النبات نجده يحدث أيضاً بشكل آخر في الحيوان، نجد أن هناك هداية لبعض الحيوانات عندما نتأملها نرى العجب. فالتمساح على سبيل المثال يخاف الإنسان منه ويرهبه، هذا التمساح يفتح فمه في بعض الأوقات ليسمح لنوع معين من الطيور أن يتغذى على بقايا طعام التمساح، والتمساح يفتح له فمه ويترك للطير فرصة التقاط بقايا الطعام من فمه. وهذا النوع من الطيور هو الذي يقوم بدور الإنذار المبكر لأي خطر يهدد التمساح، فإذا رأى الطير عدواً للتمساح فهو الذي يحذر التمساح من الخطر القادم عليه.
أما الإنسان فهناك أمور في حياته قسرية، كالتنفس مثلاً كالهضم، كل هذه عمليات قسرية لازمة لحياة الإنسان، فالتنفس لازم لمزج الدم بالأكسجين اللازم له، وأن يطردالإنسان من خلاله الهواء المحمل بثاني أكسيد الكربون، كل ذلك ليصل الدم إلي المخمحملاً بالغذاء الصافي للمخ وهو الأكسجين والجولوكوز. وتحدث تلك العملية "عمليةتنقية الدم بالتنفس" دون وعي من الإنسان لا يلاحظها، ولكنها تتم على الرغم منه،فالإنسان يتنفس نائماً أو مستيقظاً دون تدخل إرادي منه. هكذا تتجلى حكمة الخالقالأكرم في قوله تعالى: سبح اسم ربك الأعلى "1" الذي خلق فسوى "2" والذي قدر فهدى "3" (سورة الأعلى)
قدر للجماد مهمة فهداه إليها، قدر للنبات مهمة فهداه إليها، وقدر للحيوان مهمة فهداه إليها، وقدر للطير مهمة فهداه إليها، وقدر للإنسان مهمة في غير مجال الاختيار بين البدائل فهداه إليها. إن كل شيء في الكون موجود بتقدير وهداية من الخالق العزيز الكريم، ولننظر إلي الإنسان أثناء تناول الطعام، إن القصبة الهوائية للإنسان تسدها "اللهاة" أثناء بلعه الطعام، و"اللهاة" تشد القصة الهوائية حتى لا يتسرب إليها جزء من الطعام فتفسد حياة الإنسان. وإذا تسربت قطعة صغيرة من الطعام ولو حبة واحدة من الأرز، فالإنسان يجد نفسه مصاباً بنوبة من السعال حتى تتم عملية طرد حبة الأرز من المكان غير المخصص للطعام،إنما مخصص للتنفس، وهكذا نرى أن الإنسان في غر مجاله الاختياري خاضع لمبدأ: والذي قدر فهدى "3" (سورة الأعلى)
أما في مجال الاختيار الإنساني فنجد من يقبل التكاليف الإيمانية بقبول واقتناع وإيمان، فيكون قد اهتدى بالطريق الذي رسمه الله للهداية، وإذا لم يقبل الإنسان التكاليف الإيمانية فهنا تبدأ رحلة الإفساد في الأرض. ومن فضل الله على الإنسان أن الإنسان لا يفسد شيئاً إلا في مجال الاختيار، وكل أمر لا اختيار لنا فيه لا يستطيع أحد أن يفسده. وهذه رحمة من الله إذ جعل كونه مقهوراً ليعمل مسخراً للإنسان. والحق سبحانه وتعالى يهدينا إلي أن نزن كل أمر من السلوك الإنساني، وليأخذ الإنسان ميزان ذاته من الوجود الذي حوله، الشمس لها نظام للشروق والغروب، والقمر والنجوم والريح والزرع، كل شيء له نظام محكم.
فإذا أراد الإنسان أن يعتدل ميزانه الخاص الاختياري فليحكم نفسه بمنهج الله، لتستقيم للإنسان أمور ذاته كما استقامت له السيادة في الكون المسخر بحكمة الله وبديع صنعه ولنقرأ آيات الرحمن فنعلم منها كيفية أن يرى الإنسان سلوكه:الرحمن "1" علم القرآن "2" خلق الإنسان "3" علمه البيان "4" الشمس والقمر بحسبان "5" والنجم والشجر يسجدان "6" والسماء رفعها ووضع الميزان "7" ألا تطغوا في الميزان "8" وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان "9"(سورة الرحمن)
ينبهنا الحق سبحانه وتعالى أنه علم القرآن وخلق الإنسان هادياً له حياة القيم بالقرآن، وأعطى الإنسان القدرة على التعبير عن نفسه مميزاً له بحق الاختيار عن كل مخلوقاته، وعلى الإنسان أن يتأمل الكون، ففي الكون نظام دقيق للشمس والقمر. وهذه السورة نزلت منذ أربعة عشر قرناً من الزمان، ولم يتوصل الإنسان إلي المعرفة الشاملة لحركة الشمس والقمر إلا منذ ثلاثمائة عام فقط، والنجوم في أفلاكها تتحرك بنظام وميزان دقيق، والنبات والشجر خاضعان لمشيئة الله. إن هذا الكون محكوم بميزان دقيق، على الإنسان أن يتأمله ويتعلم منه بأن تستقيم حركة الإنسان الاختيارية في الكون، فلا يطغى، إنما يقيم معاملاته على أساس من الحساب الدقيق للاستقامة في السلوك الإنساني كما استقام الكون من حول الإنسان.
إننا عندما نتأمل كلمة "الميزان" نجد أن تكرارها في سورة الرحمن إنما أراد الله به أن يؤكد أن الله علم القرآن للإنسان دستور القيم المعنوية فوق القيم المادية. كما نجد أن كلمة الميزان تأتي ليعلم الإنسان كيف يقيم الميزان في الحياة لكل عمل من أعماله مستهدياً ومهدياً، وله من آيات الله في الكون دلائل على أن ميزان السماء لا يخطئ. إن الخالق جل جلاله يكرر كلمة الميزان ليلفت الإنسان إلي أن الكون من حوله له نظام معتدل وموزون، وله دقة وإحكام، وهذا ما يشجع الإنسان على أن يقيم الوزن بالعدل في سلوكه، ليتفهم أن العبادات طريق إلي إقامة ميزان العدل في الحياة، قبل أن تكون العبادات طريقاً إلي الجنة. هذا النظام الكوني حلو الإنسان يشجعه على أن يتبع هدى الرحمن. والذي قدر فهدى "3" (سورة الأعلى)
وإذا كان الخالق الأكرم "الذي قدر فهدى" هو الذي أنزل القرآن على رسوله الكريم ليبشر به الإنسان، فعلى الإنسان المؤمن. أن يتبع هذا المنهج حتى تستقيم له أمور ذاته ونفسه، إن على الإنسان أن يأخذ منهج الله مأخذ الجد والتطبيق، لأنه منهج "الذي قدر فهدى".

ام وليد2005
07-16-2014, 07:22 PM
الكبير
هو الكبير الذي لا تهتدي العقول لوصف عظمته، وهو الكبير الذي فاق مدح المادحين، ذلك بأن الله اكبر من مشاهدة الحواس وإدراك العقول.
عن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يعلمهم من الحمى ومن والأوجاع كلها أن يقولوا: "بسم الله الكبير، نعوذ بالله العظيم من شر كل عرق نعار، ومن شر حر النار"
وذكر الكبير تعالى خمس مرات في القرآن العظيم: عالم الغيب والشهادة الكبير المتعالى "9" (سورة الرعد)
ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير "62" (سورة الحج)
ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير "30" (سورة لقمان)
قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير "23" (سورة سبأ)
فالحكم لله العلي الكبير "12" (سورة غافر)
هو الكبير فوق كل كبير، والنداء بأنه اكبر فما عداه أصغر، ولا كبير سواه. واسم الكبير له خاصية لا يدركها إلا أهل الارتباض من أصحاب المقاصد التوحيدية، فهو كبير في ذاته، كبير في أفعاله، كبير في صفاته. وبهذا المعنى: ينفرد هذا الاسم لذات الله بخصوصيات، فهو الكبير في ملكه، الكبير في رحمته، الكبير في عطائه، الكبير في غناه، الكبير في بسطه، الكبير في عزه، الكبير في عفوه.
بخلاف هذه الصفة إذا أطلقت على غيره فيقال: فلان كبير ويراد بها كبير السن مثلاً أو كبير المقام المحدود، ولله المثل الأعلى، فإذا كان الاتحاد الحرفي لهذا الاسم فيه ما يوحي بالاشتراك فنقول: لا اشتراك حيث إن كبير القوم كبير في مقدور طاقته، أما الخالق فهو الكبير فوق كل كبير.

ام وليد2005
07-16-2014, 07:24 PM
الحفيظ
قال تعالى: إن ربي على كل شيء حفيظ "57" (سورة هود)
هو الحفيظ، وهو الحافظ، والحفظ معناه صون الشيء من الزوال، فسبحان الله الذييحفظ السماوات والأرض وما فيهما لتبقى مدة بقائهما فلا تزولان، ولا تختلان.
قال الله عز وجل: ولا يئوده حفظهما .. "255" (سورة البقرة)
وقال جل وعلا: وحفظاً من كل شيطان ماردٍ "7" (سورة الصافات)
أي: حفظناها حفظاً. وهو الذي يحفظ عباده من المهالك، ويقيهم مصارع الشر.
قال الله عز وجل: له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله .. "11" (سورةالرعد)
أي: بأمره، هو الذي يحفظ على الخلق أعمالهم، ويحصي عليهم أقوالهم، ويعلم نياتهم وما تكن صدورهم، فلا تغيب عنه غائبة، ولا تختفي عليه خافية. وهو الذي يحفظ أولياءه فيعصمهم عن مواقعة الذنوب، ويحرسهم من مكائد الشيطان ليسلموا من شره وفتنته. فالحق سبحانه وتعالى أنزل الكتاب، وصرف فيه من الوعيد، وله الملك الحق، فلابد أن يضمن للخلق أن يصلهم الكتاب كما أنزله دون تحريف أو تغيير، ولذلك قال سبحانه: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "9" (سورة الحجر)
فالله الذي نزل القرآن هو الذي سيتولى حفظهه، لأن البشر جربوا في حفظ مناهج السماء، فلم يكونوا أمناء لأنهم غيروا في الكتب المقدسة، فكتموا بعضها ونسوا بعضها وحرفوا البعض الآخر. ليس ذلك فقط بل جاءوا بأشياء من عندهم وقالوا: هذا من عند الله، فهم ليسوا مأمونين، لآن الحفظ للمنهج كان موكولاً إلي البشر تكليفاً، والتكليف عرضة لأن يطاع أو يعصى.
وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: إنا أنزلنا التوراة فيها هدىً ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء .. "44" (سورة المائدة)
ومعنى استحفظوا ـ استحفظ أي طلبت منه أن يحفظ، وهذا أمر تكليف، والأمر التكليفي كما نعلم عرضة لأن يطاع أو يعصى، وقد عصى هنا نسياناً وكتماناً وتحريفاً وزيادة. ولذلك، فالحق سبحاه بعد أن جرب البشر في حفظ منهجه، ولم يحفظوه أخبرهم أنهم غير مأمونين على حفظ كتابه، وتولى حفظ القرآن بنفسه، لأن القرآن هو الكتاب الشامل والخاتم الذي ليس عليه استدراك، وهو الذي أخبرنا أن هناك تحريفاً يحدث للكتب السابقة، ولأنه لن يأتي بعده كتاب آخر فلابد أن يضمن الحق سبحانه وتعالى حفظه وسلامته حتى يظل قائماً على الناس إلي يوم القيامة.
والقرآن الكريم كما عرفنا هو الكتاب الوحيد الموثق، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ المصحف على جبريل في شهر رمضان مرة، وفي آخر عام من حياته قرأه مرتين على جبريل، وذلك حتى يأتي الترتيب المصحفي إلينا موثقاً من قبل الرحمن. إن ميزة القرآن الكريم أنه الكتاب السماوي الوحيد الموثق. تقرؤه الآن وأنت مطمئن تمام الاطمئنان، أي أنه كما نزل من عند الله ميزة لا تجدها في أي كتاب آخر: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "9" (سورة الحجر)
لقد اختبر الله البشر من قبل في الحفاظ على منهجه، لكنهم لم يفعلوا ذلك، لأن الدين الإسلامي قد جاء ديناً عاماً لكل البشرية. لذلك وثقة الله وحفظه، وكل يوم يعطي الله من العلامات ما يؤكد أن القرآن الكريم مكتمل ومحفوظ كما نزل من عند الله، وهاهو ذا أحد المستشرقين يؤكد في كتاب له أن كل آية من القرآن هي دقيقة في ضبطها، كما تلاها رسول الله محمد.
ومثال ذلك أحد الاكتشافات الحاسب الإلكتروني "الكمبيوتر" عندما حاول أحد الباحثين من الشباب المسلمين بالولايات المتحدة، أن يحصر عدد حروف القاف في سورة "ق" فوجد أن عدد القافات ينقسم على عدد حروف البسملة "حروف بسم الله الرحمن الرحيم" هي تسعة عشر حرفاً، وعدد حروف القاف في سورة "ق" ينقسم على عدد حروف البسملة. وهكذا نملك الدليل على أن من يحوم حول كتاب ربه يفيض الله عليه بعض أسراره، وإلا فلماذا ينتبه مثل هذا الشاب المؤمن إلي أن الله عندما تكلم عن "قوم لوط" تكلم عنهم في كل مواضع ذكرهم بالقرآن، فأتى بكلمة "قوم لوط".
وهكذا نرى أن أول حرف في هذه الجملة هو "ق" لكن في سورة "ق" والتي تمتلئ بحروف القاف، وعندما تأتي سيرة قوم لوط في هذه السورة فإن القرآن يقول عنهم:وإخوان لوط "13" (سورة ق)
كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود "12" وعاد وفرعون إخوان لوط "13" وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد "14" (سورة ق)
يأتي ذكر قوم لوط في كل القرآن بـ"قوم لوط" إلا في هذه السورة التي تتميز بعدد كثير من حرف القاف، فيأتي ذكر قوم لوط بـ"إخوان لوط"، ويتتبع الشاب المؤمن أنه لو جاءت سيرة لوط وقومه في هذه السورة بـ"قوم لوط" بدلاً من إخوان لوط لما قلبت حروف القاف بهذه السورة أن تنقسم على تسعة عشر، وهو عدد حروف "بسم الله الرحمن الرحيم".
وهكذا يتبين لنا أن القرآن بشكل مادي مضبوط ضبطاً محكماً، ولو تأملنا آيات الربا فسوف نجد أن كل آيات الربا في القرآن مكتوبة كلمة "ربا" كالآتي "ربوا". مكتوبة كلها بحرف الواو إلا في آية واحدة مكتوبة بالألف: وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون "39" (سورة الروم)
ولو تأملنا كلمة "تبارك" نجدها مرة مكتوبة بالألف، ومرات بدون ألف. إذن:
القرآن منزل بوضع يتأكد في كل عصر، بدليل مادي على أنه باق لنا كما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام من عند الله بنفس ما جاء به من كلمات وحروف وكتابة ورسم، إن المعايير التي توجد بالقرآن وصلت إلينا كما أرادها الله منطقاً وكتابة، ولا اختلاف في آياته.
وهكذا ننظر إلي حروف المباني التوقيفية التي بدأ بها القرآن بعض السور إلا أنهاجاءت من عند الله. هكذا ننطقها كما نطقها الرسول حتى تكون على ألسنتنا دليل إعجاز، كما جاءت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. والذي يدل الإنسان على أن أسماء الحروف شيء مختلف عن مسميات الحروف، وهو ما قاله أحد الشعراء:
لقد كنت أرجو أن تكون مواصلى فسقيتني بالبعد فاتحة الرعد

وعندما نرى فاتحة سورة الرعد سوف نجدها "ألف ـ لام ـ ميم ـ راء". هكذا ننطقها كأسماء الحروف، أما إذا نطقناها كمسميات للحروف فسوف نقرؤها "المر" من المرارة، وحين ننظر هذه النظرة في المتشابه من السور فإننا نعلم أن لله أسراراً في هذه الحروف، والمفسرون والعلماء دائماً عندما يتناولون هذه الحروف بالتحليل أو الشرح فيقولون فيها "الله أعلم بمراده". ذلك أنه يكفي القرآن أنه يبين لنا بالإعجاز أحكام الشريعة واضحة جلية، واستبقى الله لنفسه في القرآن ما يعجز به خلقه إلي يوم الدين، وذلك في المتشابه من القرآن، والقرآن الكريم يقول في ذلك: والراسخون في العلميقولون آمنا به كل من عند ربنا .. "7" (سورة آل عمران)
وللعلماء اجتهادات كثيرة أقربها إلي القبول هو ما أشرنا إليه أنها من تمام التحدي والإعجاز. وهذا الاسم له من الأسرار ما يوحي بالإحاطة والشمول.

ام وليد2005
07-16-2014, 07:25 PM
المقيت
قال تعالى: وكان الله على كل شيء مقيتاً "85" (سورة النساء)
هو الذي يعطي الأقوات، وقيل في معنى المقيت: أي خالق الأقوات البدنية والروحانية، وموصلها إلي الأرواح والأشباح. وصلى الله على سيدنا محمد الذي جعل من القوت ذكر الحي الذي لا يموت.
قال عليه الصلاة والسلام: "أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني"
وقال الأزهري أن "المقيت" هو المقتدر بلغة قريش. فيكون قوله تعالى: وكان الله على كل شيء مقيتاً "85" (سورة النساء)
وكان الله على كل شيء مقتدراً "45" (سورة الكهف)
أي: مطلقاً قادراً.
وفي ذلك تنبيه لكل العباد: إياكم أن يظن أحدكم أن هناك شيئاً مهما صغر سوف يفلت من حساب الله، فلا في الحسنة سيفلت شيء، ولا في السيئة سيضيع شيء.
إن كلمة "مقيتاً" أخذت من العلماء أبحاثاً مستفيضة فقال عالم في معناها: إن الحق شهيد. وقال الآخر: إن الحق حسيب. وقال ثالث: إن مقيت معناها مانح القوت.
ورابع قال: إنه حفيظ. وخامس قال: إنه رقيب. ونقول لهم جميعاً: لا داعي للخلاف في هذه المسألة. فهناك فرق بين تفسير اللفظ بلازم من لوازمه، وقد يكون متعدد اللوازم،ويصبح كل ذهاب إلي معنى من اللوازم، فهو صحيح، ولكن المعنى الجامع هو الذي يكون من مادة الكلمة ذاتها.
وكان الله على كل شيء مقيتاً "85" ( سورة النساء)
و "مقيت" من "قاته" أي: أعطاه القوت، و "مقوت" أي: أعطاه القوت. ولماذا يعطيهم القوت؟ ليحافظ على حياتهم، فهل مقيت بمعنى أنه يعطيهم ما يحفظ حياتهم، ومعناها أيضاً المحافظ عليهم. فهو الحفيظ. وبما أنه يعطي القوت ليظل الإنسان حياً فهو مشاهد له، لا يغيب المخلوق عن خالقه لحظة، وبما أنه يعطي القوت للإنسان على قدر حاجته، فهو حسيب. وبما أنه يرقب كل سلوك للإنسان فهو يجازيه. إذن: كلها تدخل في مادة واحدة، لذلك لا يجب أن نقول: اختلف العلماء في هذا المعنى، ولكن لنقل: إن كل عالم لاحظ لحظاً في الكلمة، فالذي لاحظ القوت الأصلي: لاحظ مراقبته لعباده دائماً فهو شهيد، ولا يعطي واحداً قوتاً إلا إذا كان قائماً وهو حسيب.
إنه سبحانه يقيت الإنسان فقط، ولكن يقيت كل خلقه، فهل يقيت الحيوان فيوصيالحيوان أن يأكل صنفاً معيناً من الطعام، ولا يأكل الصنف الآخر. إذن: فإذا رأينا العلماء ينظرون إلي "مقيت" من زاوية مختلفة، فهم جميعاً على صواب سواء من جعلها منالقوت أو الحفظ أو القدرة أو المشاهدة أو من الحساب، وكل واحد إنما نظر إلي لازم منلوازم كلمة "مقيت".
وكان الله على كل شيء مقيتاً "85" (سورة النساء)
فهو سبحانه يقيت كل شيء فهو يقيت الإنسان والحيوان والنبات والجماد، ونحن نجد علماء النبات يشرحون ذلك، فنحن على سبيل المثال نزرع النبات، فجذور النبات تمتص العناصر الغذائية من الأرض. وقبل أن يصبح للنبات جذور فهو يأخذ غذاءه من فلقتي الحب التي تضم غذاء النبات إلي أن ينبت له جذر، وبعد أن يكبر جذر النبات، فإن الفلقتين تصيران إلي ورقتين، فهو على كل شيء مقيت. ويقول العلماء من بعد ذلك: إن الغذاء قد امتصه النبات بخاصية الأنابيب الشعرية، ما معنى الأنابيب الشعرية؟ .
إن النبات يمتص الغذاء من التربة بواسطة الجذور الرفيعة التي تمتص الماء المذاب فيه عناصر الغذاء، وفتحة الأنبوبة في الأنابيب الشعرية لا تسع إلا مقدار الشعرة، وعندما توضع في الإناء فإن السائل يصعد فيها ويرتفع الماء عند مستوى الحوض. وعندما تتوازى ضغوط الهواء على مستويات الماء، فالماء لا يصعد، وعندما يأتي بماء ملون نضعه في الإناء والأنابيب الشعرية، فالسائل الملون يصعد إلي الأنابيب الشعرية، ولا توجد أنبوبة تأخذ مادة مختلفة من السائل، بل كل الأنابيب تأخذ المادة نفسها، لكن شعيرات النبات تأخذ من الأرض الشيء الصالح لها، وتترك الشيء غير الصالح.
ويقول عنه العلماء: إن ذلك هو الانتخاب الطبيعي، ومعنى الانتخاب هو الاختيار. والاختيار يقتضي عقلاً يفكر ويرجح. والنبات لا عقل له، لذلك كان يجب أن يقولوا إنه الانتخاب الإلهي. فالطبيعة لا عقل لها، ولكن يديرها حكيم له مطلق العلم والحكمة والقيومية، والحق سبحانه يقول عن ذلك: يسقي بماءٍ واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون "4" (سورة الرعد)
فالفلفل يأخذ المادة المناسبة الحريفية، والقصب يأخذ المادة التي تصنع حلاوته، والرمان يأخذ المادة الحمضية، فهذا هو الانتخاب الإلهي: وكان الله على كل شيء مقيتاً "85" (سورة النساء)
وساعة تسمع "كان الله" فإياك أن تسمع لـ"كان" ملحظاً في الزمن، فعندما نقول بالنسبة للبشر: "كان زيد غنياً" فزيد من الأغنياء، قد يكون ثراؤه قد ذهب. لكن عندما نقول "كان الله". فإننا نقول "كان الله ومازال" لأن الذي كان ويتغير هو من تدركه الأغيار، ولكن الحق سبحانه هو الذي يغير ولا يتغير، فهو موجود منذ الأزل وإلي الأزل، إنه سبحانه قال لنا عن الشفاعة، وأمرنا أن يعدد الواحد منا مواهبه على الغير حتى تتساند قدرات المجتمع، إنه سبحانه مربب الفائدة للعبد المؤمن ويرببها للجميع.

ام وليد2005
07-23-2014, 07:55 PM
الحسيب
قال تعالى: وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل "173"} (سورة آل عمران)
الحسب من الحسب الذي هو الاكتفاء، فيكون معناه الكافي سبحانه ولنتدبر الآيتين:وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله .. "62" (سورة الأنفال)
ومن يتوكل على الله فهو حسبه .. "3" (سورة الطلاق)
ويكون الحسيب من الحساب، فيكون معناه المحاسب، ولنتعلم هذه الآيات: وإن كانمثقال حبةٍ من خردل أتينا لها وكفى بنا حاسبين "47" (سورة الأنبياء)
ثم ردوا إلي الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين "62" (سورة الأنعام)
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا". ويطلق الحسبان على النظام والتدبير والحكمة في الكون وعوالمه، ويقول الحق سبحانه:الرحمن "1" علم القرآن "2" خلق الإنسان "3" علمه البيان "4" الشمس والقمر بحسبان "5" (سورة الرحمن)
ويطلق الحسب أيضاً على النسب. وقال تعالى: وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيباً "86" (سورة النساء)
إن المسألة هنا تخرج من دائرة حساب البشر بعضهم البعض، إن الواحد منهم من المسلمين عندما يحيا بتحية، فالحق سبحانه قد طلب من كل مسلم أن يرد التحية، ولا تنتهي المسألة عند ذلك، ولكن لابد أن يكون لها حساب عند الله. فالحق سبحانه وتعالى عندما يرى خلقه المؤمنين به يتكارمون، فهو يضعها في الحساب، فالحساب لا ينتهي عند أن يرد المؤمن التحية أن يؤدي خيراً منها، ولكن هناك جزاء آخر في الجزاء الأعلى عند مليك مقتدر.
إن المؤمن له أن يفتخر بعمله، وأن يخشع في ذات الوقت، ويشكر الله الذي وفقه إلي أداء هذا العمل، لذلك فلا يجب أن يكون الإنسان المؤمن عظامياً، أي: يستمد الفخر مما صنعه الأجداد من مجد غابر بينما الحاضر خرب.
والشاعر العربي يقول:
لا ينفع الحسب الموروث من قدم
إلا ذوي همه غاروا على الحسبالعود من مثمرٍ إن لم يلد ثمراعوده مهما سما أصلاً من الحطب

إن الحق سبحانه يريد أن ينبه المؤمن إلي ضرورة أداء العمل الذي يمكن أن يفخر به. وينسب الفضل لله، إن المؤمن عليه أن يعرف أن مجد آبائه انتهى به، ولذلك يجب على المؤمن أن يكون عمله فخراً للآباء بأنهم أنجبوه. والتاريخ يحفظ لنا في هذا المجال ما رواه الرواة عن أبي الصقر الشيباني، وقال في نفسه هذا الشعر:

قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم
كلا لعمري ولكن منه شيبان
وكم أبٍ قد علا بابـن ذي شـرف
كما علت برسول الله عدنان


إن المؤمن عليه أن يعمل العمل الذي يفخر به، وأن ينسبه إلي الخالق الأكرم الذي يعطي المدد ليكون الإنسان ذا أثر في الوجود، لقد أراد الإسلام أن يضع نهاية للفخر بالآباء أو بأداء الأعمال التي يثيب عليها الحق، كإطعام الطعام أو حمل البقايا من الأماكن المقدسة، أو أداء الدية عن الفقير الذي دفعته الظروف أن يكون قاتلاً، وحتى لا تستمر التارات وسفك الدماء. وهذا هو المعنى الذي يصل إلينا من قول الحق سبحانه: فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً .. "200" (سورة البقرة)
إن ذكر الله هو الذي يعطي المدد والمعونة ليكون المؤمنون أهلاً لقيادة حركة الحياة في الأرض، يوطنون فيها الأمن والسلام والرحمة والعدل.

ام وليد2005
07-23-2014, 07:56 PM
الجليل
قال تعالى: تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام "78" (سورة الرحمن)
والجليل اسم من الجلال والعظمة، ومعناه منصرف إلي جلال القدر وعظم الشأن، ومعناه المستحق للأمر والنهي، ومن حق البارئ جل ثناؤه على من أبدعه أن يكون أمره عليه نافذاً، وطاعته له لازمة، وهو الذي يصغر دونه كل جليل، ويتضع معه كل رفيع. وفي اللغة: ج ل ل، وجلال الله عظمته. ويقال فعلته من جلالك أي من أجلك. وجل "يجل" بالكسر "جلاله" أي عظم قدره، فهو جليل و"أجله" في المرتبة.
فسبحان الجامع لجميع صفات الجلال، ذو الجلال والإكرام، وسبحان الذي جل قدره في قلوب العارفين المخلصين. وأمام جلال الله تخشع القلوب، وتسجد الجباه، وتسكن النفوس، وتستقر الحياة، فهو صاحب الجلال المقرون بالكرم. ومن هذا المنطلق تسير الحياة وفق كرمه وجلاله. فيقول الحق سبحانه: ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلاً "70" (سورة الإسراء).

ام وليد2005
07-23-2014, 07:57 PM
الكريم
قال تعالى: فإن ربي غني كريم "40" (سورة النمل)
قال أهل اللغة في معنى الكريم: إنه النفاح، نسأله تعالى أن ينفحنا نفحة خير، إنه على كل شيء قدير. ويقال: أكرمه الله، وكرمه الله، وأكرم نفسه بالتقوى، وأكرمها عن المعاصي، وهو يتكرم عن الشوائن، وإن أجل المكارم اجتناب المحارم.
ويقال: هو كريمة قومه، وفي الحديث: "إن أتاكم كريم قوم فأكرموه". وقد يتحمل المسلم بهذه الصفة وبالسخاء.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقولوا لشجرة العنب الكرم، فإن الكرم هو الرجل المسلم"
وقال عليه الصلاة والسلام: "السخي قريب من الله، قريب من الناس، قريب من الجنة، بعيد عن النار، والبخيل بعيد عن الله، بعيد عن الناس، بعيد عن الجنة، قريب من النار"
قال الغني الكريم: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها .. "160" (سورة الأنعام)
وإليكم هذا الوعد الكريم من الله: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبةٍ أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبةٍ .. "261" (سورة البقرة)
تلك هي الحدود الدنيا من الأجور الكريمة، ولكن باب الله مفتوح، ومع الإخلاص لله سبحانه تضاعف الأجور أضعافاً كثيرة.
والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم "261" (سورة البقرة)
وقد تصل الزيادة، وهذا الأجر الكبير إلي أن يكون بغير حساب.
إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب "10" (سورة الزمر)
من عمل سيئة فلا يجزي إلا مثلها ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب "40" (سورة غافر)
فأي حساب هذا!! وأي أجر عظيم!! إلا أن يكون من لدن الكريم الحق. بل إنا لنطمع من "كريم العفو" ما هو أكثر من ذلك، والحمد لله كثيراً على هذا الوعد الكريم، وعد الله: إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسناتٍ وكان الله غفوراً رحيماً "70" (سورة الفرقان)
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأخبار عن كرم عفو الله تعالى ما هو أبلغ من ذلك .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولاً الجنة، وآخر أهل النار خروجاً منها، رجل يؤتي فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، وارفعوا عنه كبارها، فيعرض عليه صغار ذنوبه، فيقال: عملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا، أو عملت يوم كذا وكذا، فيقول: نعم، لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه. قال: فيقال: فإن لك مكان كل سيئة حسنة. قال فيقول: رب قد عملت أشياء ما أراها هاهنا. قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه".
رواه مسلم في صحيحه
وقد ذكر الكريم المطلق الذي لا يضيع من لاذ به والتجأ إليه .. مرتين في القرآن الكريم:ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم "40" (سورة النمل)
يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم "6" (سورة الانفطار)
وأي شيء خدعك وجرأك على عصيانه، سبحانه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غره جهله" وقيل "غره حمقه" وقيل "غره شيطانه"
ونقول: غرتنا ستورك المرخاة، وإنا نغتر في كرم الكريم، وعفو الرحيم، ونعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. وسبحان الله الكريم الأكرم، كريم العفو، وهو أكرمالأكرمين.

ام وليد2005
07-24-2014, 12:42 AM
الرقيب
قال تعالى: واتقوا الله الذي تسألون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً "1" (سورة النساء)
وهو الرقيب القريب، الذي لا يخفى عليه شيء، من أفعال العباد.
قال تعالى: فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم .. "117" (سورة المائدة)
وكان الله على كل شيء رقيباً "52" (سورة الأحزاب)
ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد "16" (سورة ق)
إننا نعرف معنى كلمة "اتقوا" تعني أن يجعل الإنسان بينه وبين غضب ربه وقاية، بإنفاذ أوامر الطاعة، أما قول الحق سبحانه: إن الله كان عليكم رقيباً "1" (سورة النساء)
فنحن نسمع كلمة "مرقب" أي مكان يحتاج إلي حراسة، فنجد أن به أكثر من مبنى عال في كشك، يعلو فوق سور، ويجلس فيه الحارس، أي: أن الحارس في مرقبه يكون أعلى من أي إنسان في المبنى الذي يحتاج للحراسة.
إذن: فقوله الحق: إن الله كان عليكم رقيباً "1" (سورة النساء)
أي: أنه يرقب كل شيء، فالإنسان العادي قد ينظر من غير قصد، لكن الرقيب أعلى من كل خلقه، وهو رقيب أي هو ناظر عن قصد أن ينظر وفي المستوى البشري. ولله المثل الأعلى نقول: فلان يراقب فلاناً، أي يراه ويتعقبه عن قصد، أي: أين يذهب والإنسان يراقبه أحد يراه الناس في جيئته، لكن المكلف بالمراقبة ينظر ويتتبع عن قصد، فكأن حركات العبد مرصودة من قبل الخالق جل وعلا. إن الله ليس بصيراً فقط ولكنه رقيب أيضاً. وتختلف دائرة العبد المحدودة عن قدرة الله اللامحدودة، فالإنسان قد يبصر ما لا غاية له في إبصاره، فهو يمر على كثير من الأشياء فيبصرها، ولكن الإنسان قد يرقب ما في باله أن يرقبه، والحق سبحانه بطلاقة قدرته رقيب علينا. وعن ذلك يقول الحق سبحانه في موقع آخر بالقرآن: إن ربك لبالمرصاد "14" (سورة الفجر)

ام وليد2005
07-24-2014, 12:43 AM
المجيب
قال تعالى: إن ربي قريب مجيب "61" (سورة هود)
هو القريب المجيب، الذي يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، ونسأله تعالى أن نستجيب له بطاعته، سبحانه، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم .. "24"(سورة الأنفال)
وقال تعالى: ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله .. "61" (سورة الشورى)
للذين استجابوا لربهم الحسنى "18"( سورة الرعد)
هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب "61" (سورة هود)
ثم لنقرأ خمس كلمات من النور: ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون "75" (سورة الصافات)
الله سبحانه وتعالى حين تتجه إليه فبمجرد أن ترفع يدك إلي السماء وتصيح يا رب يعلم ماذا تطلب، ويجيبك دون أن تسأل، لماذا؟ لأنه يعلم، وقد قيل: إن إبراهيم عليه السلام حين ألقى في النار. جاء جبريل وسأله: هل تريد شيئاً؟ فقال: منك أنت فلا، أما من الله .. فالله يعلم بحالي ولذلك هو غني عن السؤال. هذه هي عزة الاتجاه إلي الله، فنبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ حين جاءه جبريل، وهو من أقرب الملائكة إلي الله، إن لم يكن أقربهم جميعاً. جاء جبريل لإبراهيم .. وإبراهيم ملقى في النار، والنار تشتعل حوله، والناس واقفون ينتظرون إحراق إبراهيم.
وفي هذه اللحظة الحاسمة التي تدخل الخوف والهلع إلي أقوى القلوب .. لم يشعر إبراهيم عليه السلام أنه في حاجة إلا إلي الله سبحانه وتعالى، ولم يطلب من جبريل عليه السلام أن يبلغ الله شيئاً. لماذا؟ لأن الله سبحانه وتعالى ليس محتاجاً إلي سؤال، بل هو يعلم بما في داخل النفس، وما يخفيه الإنسان ولا يبوح به لأحد.
ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى: فإنه يعلم السر وأخفى "7" (سورة طه)
وتتعجب أنت من هذه الآية الكريمة، أيوجد ما هو أخفى من السر؟ نقول لك: نعم، لماذا؟ لأن السر يكون بين اثنين: أحدهما يسره للآخر أي: يلقيه إليه أو يحدثه عنه، أو يكلمه فيه، ولا ثالث بينهما. هذا هو السر، ولكن الذي هو أخفى من السر هو ما في داخل النفس لا تبوح به لأحد، فهناك أشياء تعرفها أنت ويعرفها أقرب الناس إليك، هذا هو السر، سرك بينك وبين زوجتك، أو بينك وبين أخلص أصدقائك.
إما ما هو أخفى من السر فهو ما تخفيه عن زوجتك أو بينك وبين أخلص أصدقائك ويبقى في صدرك حبيساً لا يعرفه أحد، فكأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لنا: إن علمه لا يصل إلي السر فقط الذي بين اثنين لا يعرفه ثالث، ولكن علم الله يصل إلي ما تخفيه الصدور ولا يبوح به. ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى غني عن السؤال، وإذا لم يقل العبد ولم يبح له، ولكنه نزع إلي السماء قائلاً: يا رب فالله يعلم، والله يجيب.
فسؤال الله يقيك الذلة، وهذا يستوجب الحمد، وسؤال الله يعطيك ما تطلب وزيادة، لأنك إذا سألت شخصاً ما مثلاً قد لا يعطيك المال كله، حتى ولو كان يملكه ويملك أضعافه، فإنه قد يشح عليك ويحس أنك تقتطع من ماله. أما الله سبحانه وتعالى فإنه يعطيك كل ما تطلب ويزيد، لأنه يملك خزائن الأرض، وأنه مهما أعطاك ووهبك فإنك لن تنقص من ملكه شيئاً، وهذه نعمة أخرى تستوجب الشكر، فالبشر يعطي بحساب، والله يعطي بلا حساب.
وأنت إذا سألت بشراً فقد يعطيك أو يمنعك، ولكنه إن أعطاك أو منعك هو في هذه الحالة متضرر متأفف قد تذهب مرة لتسأله فيعطيك، ثم تذهب مرة أخرى فيهرب منك، أو يطلب من خادمه أو أهل بيته أن يقولوا لك: إنه غير موجود. ولكن الله سبحانه وتعالى لا يضجر منك أبداً مهما سألت، فإنه يطلب منك أن تسأله ويقول لك "ادعوني" ويقول لك إنني قريب منك أسمع دعاءك، ويقول الله سبحانه وتعالى: ادعوني أستجب لكم .. "60" (سورة غافر)
فأنت حين تسأل الله، تسأل من لا ينهرك إذا سألته، ولا يهرب منك إذا دعوته، ولا يصيبه السأم أو الضجر مهما دعوت ومهما سألت، فهو دائماً المجيب، ومن كمال الله وصفاته سبحانه وتعالى أنه مجيب للدعاء، وهذا يستوجب الحمد وأن تقول: الحمد لله. والإجابة تحتاج إلي الاستجابة، يقول الحق سبحانه وتعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون "186" (سورة البقرة)
والإجابة تعطي للداعي جهراً وسراً وصمتاً وخاطراً فهو عالم السر وأخفى. ويقول الحق جل وعلاه: واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال .. "205" (سورة الأعراف)
وقال تعالى: أمن يجيب المضطر إذا دعاه .. "62" (سورة النمل)
ومعنى المضطر، أي الذي استنفذ كل أسباب الدنيا، فهو حينئذ يفزع إلي الله سبحانهوتعالى أن يمده بمدد من عنده بعد أن استنفد الأسباب، وهذه النقطة يجب أن نقف عندها، لأن بعض الناس يسألون: لماذا لا يجيب الله دعاءهم؟ ويقولون: إن الله سبحانه وتعالى قال:
{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون "186"} (سورة البقرة)
ثم يضيف القائل: لقد دعوت الله فلم يستجب لي. نقول له: إن الله سبحانه وتعالى يأمرك أولاً أن تأخذ بالأسباب، ولكنك حين تتخلى عن أسباب تحركك في الحياة، ثم تطلب من الله فإنه لا يجيبك، لأنك لم تأخذ بأسباب الحياة أولاً. لذلك فأنت لست مضطراً، أي: أنك لم تستنفذ الأسباب. فإذا كنت جالساً في حجرة مثلاً، وفي الحجرة القريبة منك مائدة طعام، ثم تقول: أبي إنني جائع فأمدني بالطعام، فإن الله سبحانه وتعالى لا يجيبك. لماذا؟ .
لأنك لو سرت قليلاً واستعملت قدميك اللتين أعطاهما الله لك لوصلت إلي الطعام، أي: أنك لو أخذت بأسباب الدنيا لوصلت إلي ما تريد. وأنت لو جلست في منزلك ولم تخرج إلي عملك وتقول: يا رب أعطني مالاً ما أعطاك، لماذا؟ لأنك لم تأخذ بالأسباب ولم تذهب إلي السوق لتتاجر مثلاً أو إلي عمل لتعمله، تجد فيه رزقك.
فأنت في هذه الحالة لست مضطراً حتى يمدك الله سبحانه وتعالى بالعون، ولكنك تتكاسل لا تريد أن تبذل جهداً لذلك، قال عمر بن الخطاب: "لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ثم يقول: اللهم ارزقني. فإن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة". وكأن قول عمر بن الخطاب معناه أنه لابد من الأخذ بالأسباب، وأنه لو كان سبحانه وتعالى قد ألزم نفسه بإجابة الدعاء لما قال: أمن يجيب المضطر إذا دعاه .. "62" (سورة النمل)
أي: أننا يجب أن نأخذ بالأسباب أولاً، فإذا عجزت الأسباب اتجه إلي السماء، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي العمل وإلي السعي في سبيل الرزق، وإلي أن يكسب الإنسان رزقه من عرقه وجعل السعي في سبيل الرزق جهاداً في سبيل الله، وأنت أمامك الأسباب، يد الله ممدودة لك بالأسباب، ثم تطلب من الذات أن تعينك.

ام وليد2005
07-24-2014, 12:44 AM
الواسع
قال تعالى: ربنا وسعت كل شيءٍ رحمة وعلماً .. "7" (سورة غافر)
هو الواسع الرحمة، قال تعالى: ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون "156" (سورة الأعراف)
وهو الواسع العلم، المحيط علمه بكل شيء. وقد ذكر الواسع العليم سبع مرات في الكتاب العظيم:
فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم "115" (سورة البقرة)
والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم "247" (سورة البقرة)
والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم "261" (سورة البقرة)
والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم "268" (سورة البقرة)
قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم "73" (سورة آل عمران)
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم "54" (سورة المائدة)
إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم "32" (سورة النور)
وسبحان الواسع المغفرة، قال تعالى: الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى "32" (سورة النجم)
وسبحان الواسع الحكيم، قال تعالى: وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعاً حكيماً "130" (سورة النساء)
وقد ذكر الواسع، سبحانه وتعالى، تسع مرات في الكتاب الحكيم. هذا الاسم: هو الفرج والإفراج، له ظلال على كل الحياة، لأن رحمته وسعت كل شيء، ومادامت الرحمة وسعت كل شيء فلا نجد مظلوماً ولا محروماً ولا مغبوناً، وإنما نجد أملاً وباباً مفتوحاً وتفريجاً وانشراحاً للصدر، واستقراراً للفؤاد وسكينة للنفس.
فالمذنب يجد عنده المغفرة. والكافر يجد في رحابه الرزق. والمؤمن يرى من العطاءات والإشراقات ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. والمريض يجد من رحمته الشفاء. والفقير يجد من كرمه الأرزاق. والكل على الباب والباب مفتوح لا يغلق، لأنه القائل: وسعت كل شيءٍ رحمة وعلماً .. "7" (سورة غافر).

ام وليد2005
07-24-2014, 12:45 AM
الحكيم
قال تعالى: يؤتي الحكمة من يشاء .. "269" (سورة البقرة)
هو ذو الحكمة البالغة، وكمال العلم، وإحسان العمل، وقيل: إن الحكمة هي العلم مع العمل والعدل، وقيل: إن الحكمة مجموعة معانٍ من العدل والتنظيم والتقويم والعلم. "والحكيم" صيغة تعظيم لذي الحكمة، فيكون معنى الحكيم العظيم في حكمته، وأن الحكمة تطلق في الأصل على قطعة الحديد التي توضع في فم الحصان لتلجمه حتى يتحكم فيه راكبه، ذلك أن الحصان حيوان مدلل شارد، يحتاج إلي ترويض وقطعة الحديد التي توضع في فمه تعلمه كيف يكون محكوماً من صاحبه.
وكان الحصان معروفاً من الجزيرة العربية، وكان رمزاً للسرعة والخفة، وكأن إطلاق صفة "الحكيم" على الخالق إنما ليحكم المخلوقات، ويلجمها من السفه، والسفه كما نعرف هو أن نضع الشيء دون دراية، وهكذا تكون الحكمة أن يوضح مجالاً لكل حركة لتنسجم مع غيرها، فيصير الكون محكوماً بالحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وهكذا يكون الحق تبارك وتعالى هو الحكيم العليم الذي يضع لكل كائن إطاره وحدوده، ومن ذلك ولدت الحكمة في عموم حركة الحياة، فالحكمة في النمو أن نضع الكلمة في مكانها وبإعرابها، والحكمة في الفقه أن نستنبط الحكم الصحيح، والحكمة في الشعر أن نزن الكلمات على التفاعيل، والحكمة في الطب أن نعرف تشخيص المرض والدواء المناسب له.
والحكمة في الهندسة أن نصمم المستشفى لاحتياج المريض والطبيب وأجهزة العلاج، وأماكن إجراء الجراحة، و توزيع الإضاءة، وضبط درجات الحرارة، ومعرفة وضع المصعد ومخازن الأدوية، وأماكن إعداد الطعام، ثم أماكن النقاهة، ثم أماكن العلاج الخارجي، وهذا التصميم للمستشفى يختلف بحكمة عن تصميم منزل للسكنى وتنظيم بناء عمارة للسكنى يستوجب حكمة في توزيع الشقق وراحة السكان جميعاً. وحكمة بناء منزل يختلف عن حكمة بناء قصر أو مكان عمل، والحكمة ضد التلفيق، فإعداد مكان لعمل ولوظيفة محددة يختلف عن أخذ مكان للسكن على سبيل المثال، وتلحق فيه ديواناً حكومياً، هنا يفتقد المبنى حكمته، ويصبح تلفيقاً ممسوخاً.
هكذا نعرف أن الكون كله مخلوق من قبل عليم حكيم، ووصف الخالق بأنه "حكيم" يدلنا أيضاً على أنه علم آدم الأسماء ولم يعلم الملائكة، أن الخالق أعطى لكل خلق من العلم على قدر حاجة الخالق، فليس من طبيعة الملائكة أن يعرفوا، فهم لم يستخلفهم الله في الأرض، ولكنهم موجودون من أجل مهمة أخرى، أما الإنسان فقد علمه الله الأسماء، ومنح الإنسان الطاقة ليعمل بالعقل والجهد ليستكشف في آيات الكون على قدر حاجته، ولكنا نسمع قول الرحمن في سورة الأعلى: سبح اسم ربك الأعلى "1" الذي خلق فسوى "2" والذي قدر فهدى "3" (سورة الأعلى)
وقال تعالى: والله عليم حكيم "15" (سورة التوبة)
وعليم أي: يعلم كل متطلبات الأحكام، وحكيم أي: لكل أمر عنده حكمة، فحكم القتال له حكمة، وحكم التوبة له حكمة، القتال حتى لا يتجبر الكفار على المؤمنين، والتوبة لمنع طغيان الكفار في الشر، لأن مشروعية التوبة هي رحمة من الحق سبحانه وتعالى بخلقه. ولو أن الله لم يشرع التوبة لكان الذي يرتكب المعصية يقول: إنه مادامت لا توجد توبة، ومادام مصيري إلي النار فلآخذ من الدنيا ما أستطيع، وبذلك ينطلق في الظلم والفساد والإفساد، لأن مصيره واحد، عمل صالحاً أو أفسد، مادامت لا توجد توبة.
ولكن تشريع التوبة يجعل الظالم لا يمضي في الظلم، بل يضع في نفسه الأمل في أن الله يتوب عليه، ويغفر له، فيتجه إلي العمل الصالح عله يكفر عما ارتكبه من المعاصي، وفي هذا حماية للمؤمنين من شره. وحماية للناس من انتشار الظلم والفساد. والحق سبحانه وتعالى حين يعاقب يعاقب عن حكمة، وحين يقبل التوبة يقبل عن حكمة.
قال تعالى: هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم "6" (سورة آل عمران)
والتصوير في الرحم هو إيجاد للمادة التي سيوجد منها الإنسان على هيئة خاصة، هذه الهيئة تختلف من إنسان لإنسان آخر، إنها تختلف في النوعية ذكورة أو أنوثة، وتختلف في كل من الذكورة والأنوثة، وتختلف في الألوان من الأبيض إلي الأسمر، من الطول إلي القصر، إن الأشكال التي يوجد عليها الخلق تختلف.
قال تعالى: ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعاملين "22" (سورة الروم)
إن الاختلاف في الألسنة والألوان وفي كل هذه الأشكال المتعددة تدل على أن المسألة ليست مصنعاً يصنع قالباً، ويقوم المصنع بصب القوالب، إلا أن لكل مخلوق قدرة ذاتية، إن المصمم من البشر قد يصنع نموذجاً لكوب، ويصنع له قالباً، وينتج المصنع نماذج متكررة من هذا الكوب، وهذا دليل عجز في إيجاد قالب لكل كوب. أما الحق سبحانه وتعالى فهو يخلق كل إنسان بقالبه، وكل إنسان بشكل ولون، وهذه هي آيات الله التي تدل على طلاقة قدرته. إن قدرة الله لا تحتاج إلي علاج، أي: أنها لا تحتاج إلي صناعة قالب أولى ليصب فيه مادته؛ لأنه الحق الذي يقول: بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون "117" (سورة البقرة)
إن الأب والأم قد يتحدان في اللون، ولكن الابن ينشأ بلون مختلف، ويخلق الله معظم الناس خلقاً سوياً، ويخلق قلة من الناس خلقاً غير سوي، فقد يولد طفل أعمى أو مصاب بعاهة ما، أو بإصبع زائدة أو إصبعين. وهذا الشذوذ أراده الله في الخلق ليلفتنا الحق إلي حسن وجمال خلقه، لأن من يرى ـ وهو الإنسان السليم ـ إنساناً آخر معوقاً عن الحركة فإنه يحمد الله على كمال خلقه، وحينما يرى إنسان له في كل يد خمس أصابع إنساناً آخر له إصبع زائد تعوق حركة يده، فهذا الإنسان يعرف حكمة وجود الأصابع الخمس، فعندما جاءت إصبع زائدة لم تنفع، بل إنها أضرب بحركة باقي أصابعه.
فلا يثبت الجمال إلا وجود القبح، فالإنسان الذي له سبع أصابع في يد واحدة يضع الطب أمام مهمة يجند لها نفسه، حتى يستطيع الطب أن يستأصل الزائدة عن حاجة الإنسان الطبيعي. ولو خلق الله الإنسان بثلاث أصابع لما استطاع ذلك الإنسان أن يتحكم في استعمال الأشياء الدقيقة. إن الإنسان العادي في حركته اليومية لا يدرك جمال استواء خلقه إلا إذا رأى فرداً من أفراد الشذوذ، وكما قلنا سابقاً: إن الحق سبحانه يلفت الناس الساهين عن نعم الله عليهم لرتابتها فيهم بفقدها في غيرهم، فساعة أن يرى مبصر مكفوفاً يسير بعكاز فيفطن إلي نعمة البصر، التي وهبها الله له، وقد يلمس الإنسان عيوبه تحدثاً بنعمة الله.
إن الشذوذ في الخلق هو نماذج إيضاحية تلفت الناس إلي نعم الله التي أنعم الله عليهم بها. والحق جل وعلا لا يغفل عن صاحب العاهة أو العجز فيعوضه سواء بالعبقرية أو غيرها، فإن كان أعمى جعل الله له من العبقرية ما يهزم الإنسان السليم، فتيمورلنكالأعرج صار قائداً يهزم البلاد الكثيرة، لقد أعطاه الله من الموهبة، ما يعوض به العرج، وحين نجد العبقريات فإننا نجد بعضها من الشواذ، لماذا؟ لأن الله يهب صاحب العاهة همه يحاول بها أن يعوض شيئاً فقده في مجال آخر.
إذن: فالحق سبحانه حين يبلغنا: هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء .. "6" (سورة آل عمران)
وكل تصوير له حكمة؛ لذلك فلا تأخذ كل خلق مفصولاً عن حكمته، ولكن خذ كل خلق الله مع حكمته؛ لأن الذي يجعلك تحكم بقبح أمر ما، هو أنك تفصل الخلق عن حكمته، فالتلميذ الذي يرسب لا يجب أن يظن أن هذا الرسوب مفصول عن حكمة الرسوب. إن الرسوب معناه لفت الانتباه إلي ضرورة احترام الدرس، لأن التلميذ إن نجح مع اللعب، فكل تلميذ سوف يلعب وسيقال فلان لعب ونجح، ولن يلتفت أحد إلي قيمة تحصيل العلم.
إذن: فنحن يجب أن نأخذ كل أمر ومعه حكمة الله فيه، وكذلك لا نأخذ أمر عقوبة ما وهي منفصلة عن الجريمة، إن كل عقوبة إنما ترتبط بجريمتها. فساعة أن نرى إنساناً محكوماً عليه بالإعدام فلا تأخذك الرأفة به؛ لأن العقوبة إنما جاءت على جريمة قتل سابقة. إن استحضار الجريمة في الذهن هو الذي يجعل العقوبة تساوي الجريمة.فالمقتول قد قتل ظلماً والمجرم يتم إعدامه قصاصاً وعدالة. ويقول الحق سبحانه بعدالحديث عن التصوير في الأرحام كيف يشاء: لا إله إلا هو .. "6" (سورة آل عمران)
ومعناها هنا أنه الحق الذي سيصور وهو ضامن أن ما يصوره يكون على الصورة التي يريدها، وهو الخالق الأكرم فلا إله قادر على أن يستدرك على ما خلق، ويعيد تصوير المخلوق في الرحم، إنه الحق سبحانه وتعالى: العزيز الحكيم "6" (سورة آل عمران)
أنه إله واحد لا يغلبه أحد على أمره، وما يريده يكون، وما يريده الله يكون دائما بحكمة أنه عزيز لا يغلب على أمره، وكل أمره إنما يكون لحكمة ما، إنه تنبيه للخلق، ألا يفصلوا الحدث عن حكمته، فإذا أخذ العبد الحدث بحكمته فهذا عين الجمال. إن الله الذي يصور في الأرحام كيف يشاء لا يترك المادة المخلوقة وحدها، إنما يخلق لها القيم، وذلك حتى تنسجم حركة الوجود مع بعضها.

ام وليد2005
07-24-2014, 12:46 AM
الودود
قال تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا "96" (سورة مريم)
الودود هو الود وهو الحب، وسبحان المحب للمؤمنين، وهو المحبوب لهم ومحبة الله لعباده، ورحمته إياهم، ومحبة المؤمنين لله تعالى: طاعته، وطاعة الله رحمة من الله، والله نور السماوات والأرض، فمن أصابه من ذلك النور فقد سبق له من الله الهدى، وما أحب المؤمن لله، وما أحبه لله!! وقيل في معنى "الودود": إن عباده الصالحين يودونه ويحبونه، لما عرفوا من كماله في ذاته وصفاته وغفرانه تعالى.

وكلتا الصفتين مدح، لأنه جل ذكره، إذا أحب عباده المطيعين فهو فضل منه، وإذا أحبه عباده العارفون فلما تقرر عندهم من كريم إحسانه. وهنا مكان هذا الدعاء الجميل :
يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا مبدئ يا معيد، يا فعال لما يريد، أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك، وبقدرتك التي قدرت بها على جميع خلقك، وبرحمتك التي وسعت كل شيء، لا إله إلا أنت، يا مغيث أغثني". وقد ذكر الودود سبحانه، مرتين في القرآن الكريم: واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود "90" (سورة هود) وهو الغفور الودود "14" (سورة البروج).

ام وليد2005
07-24-2014, 12:47 AM
المجيد
قال تعالى: إنه حميد مجيد "73" (سورة هود)
المجيد هو ذو الشرف التام الكامل، المفيض على العباد بالمجد والعطايا، والمجد هو الشرف العظيم الرفيع القدر، والمجيد في اللغة هو الذي عظم كرمه. وقيل في معنى"المجيد" سبحانه: هو الشريف ذاته، الجميل أفعاله، الجزيل عطاؤه. وقيل:
البالغ المنتهي في الكرم. وقد ذكر "المجيد" تعالى مرة واحدة في القرآن المجيد في قولهتعالى: رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد "73"(سورة هود)
فهو المجيد في إيجاده، والمجيد في امتداده، والمجيد على الصالحين من عباده، فمجد الإيجاد أنه أوجد الكون واستخلفك فيه، ومجد الإمداد، أنه أمد الكل لعطاء الكل، فأعطى للكافر من مدده كما أعطى المؤمن من فضله.

ام وليد2005
07-24-2014, 12:47 AM
الباعث
قال تعالى: لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم "164" (سورة آل عمران)
هو الله باعث النبيين مبشرين ومنذرين، والحمد لله الذي بعث في الأميين رسولاً منهم، يتلو عليهم آياته، محمد رسول الله خير مبعوث. وهو باعث الموتى، قال تعالى: وإن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور "7" (سورة الحج)
ومن معاني الباعث: مثير الساكن، باعث الهمم، وباعث ما في عالم الغيب.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلي فراشه، وضع يده اليمنى تحت خده الأيمن ثم قال: "اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك"
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند الاستيقاظ: "الحمد لله الذي أحيانا بعد أن أماتنا وإليه النشور"
وهذا الاسم العظيم "الباعث" غير وارد بصيغة الاسم في القرآن الكريم، ثم لنقرأ هذه الآية الكريمة: ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً "79" (سورة الإسراء)
وقال تعالى: كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون "28" (سورة البقرة)
تجئ تلك الآية الكريمة بعد أن أوضح الحق سبحانه لنا أن أي خروج عن المهمة التي أرادها الله للإنسان هو خسران للحياة، وعندما نتأمل قول الحق: كيف تكفرون بالله .. "28" (سورة البقرة)
فإننا نرى أن "كيف" تستعمل لمعرفة الحال، كأن يقول واحد "كيف حال محمد؟" فيقولآخر: إنه مسافر، وهكذا تعرف أن "كيف" تستخدم هنا للاستفهام عن حال الإنسان بعد أن يعرف أن الله هو خالق الكون، وأن العهد موثق بين العبد والرب على الإيمان، وأن اللهضرب لنا الأمثال ليزيد إيمان المؤمنين، ويضل من امتلأ قلبه بالضلال، وكأن الحقسبحانه حين يطرح على العباد هذا التساؤل فإنها تحمل التعجب واللوم لمن يكفر بالله.
لقد طرح لنا الحق سبحانه من قبل كيف أخذ العهد الموثق من ذرية آدم على الإيمان به، وأن الحياة صفقة يربحها المؤمن ويخسرها الكافر أو المنافق، هذه الآية تتضمن أدلة على وجود الله السابقة لذلك، فإن الخالق الأكرم يأتي بهذه الآية ليوضح الدليل القاطع الحاسم على وجوده، فيقول الحق سبحانه دليلاً على عظمته وبديع صنعه: كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون "28" (سورة البقرة)
وكأن الله بذلك يصعد الجدل في القرآن بين الآيات الحقة، والبراهين القاطعة، وبين بهت إدعاء الكافرين والمنافقين. إن أحداً لا يستطيع أن يجادل في أنه مخلوق من تراب، إن أحداً لا يستطيع أن يجادل في أن هناك خالقاً، ذلك أن أحداً لم يدع أنه الخالق. وعندما يخبرنا الله البراهين أنه "الخالق"، فلنا أن نتأمل تلك البراهين، فإننا نعرف أن الدليل المؤكد أن إخبار الرسول لنا بأن الله هو الخالق، وهو الذي خلق الإنسان من تراب، وكان قبل ذلك مجرد عدم، وأن الخالق الأكرم وهبنا الحياة.
لكن الكافرين قد يثيرون الجدل، لذلك جاء الأمر المشهدي وهو "الموت" الذي لا يعرف الإنسان ميعاداً له، ولا أين يحدث ذلك، فإن أي ملحد أو مدع أن لتفكيره قدرة مطلقة على إدارة حركة الحياة. أي إنسان من هذا النوع عليه أن يستمع لهذه الآية، ويرى تطبيقها في الوجود قضية الموت، وقبل أن يدخل أي إنسان في حركة الحياة والإفساد فيها، عليه أن يرقب قضية الموت. فإذا كان الميلاد قوساً تبدأ بعدها حركة الوجود في الحياة، فإن القوس الأخيرة في حياة الإنسان هو الموت.
فما بال بعضنا يريد أن يتدخل في حركة الحياة، فينسبها إلي ضلال الإنكار، ولذلك فإن للإنسان أن يتعجب من فعل الإنسان، عندما توصل الإنسان إلي التدخل لإسعاد بعض البشر الذين لا ينجبون، بأن وضعوا العلم في خدمة إنجاب الأطفال عن طريق الأنابيب. فلنا أن نعرف أن عملية التلقيح عن طريق الأنابيب لم تكن لتصلح، لولا أن خضع الإنسان لإرادة الله، فوضع البويضة المأخوذة من المرأة بواسطة الحيوان المنوي للرجل، فإن الخضوع للإنسان هو بإعادة البويضة خلال عدد محدود من الساعات في رحم المرأة المأخوذ منها البويضة. وذلك لأن الإنسان لا يستطيع أن يخلق رحماً أو "وسطاً" صالحاً لحماية الجنين أثناء مراحل نموه كالرحم، قد يكون في ذلك انتصار علمي في حدود إلغاء فشل المرأة في الإنجاب لانسداد قناة التوصيل للبويضة أو للحيوان المنوي.
لكن هذا الانتصار ظل معلقاً على ضرورة أن يكون الرحم واحداً؛ لأن الانسجام والوظيفة التي خلقها الله للرحم تظل فوق طاقة البشر. وعندما يجئ القرآن الكريم ليؤكد أن الإنسان مخلوق من تراب، فقد ثبت في العصر الحديث أن مكونات الجسم البشري هي نفس عناصر الأرض. ويقول الحق تبارك وتعالى ليذكر البشرية والعقل البشري الذي قد تنتابه الشكوك في البعث مرة أخرى بعد الموت:يا أيها الناس إن كنتم في ريبٍ من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلي أجل مسمى ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلي أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علمٍ شيئاً وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيجٍ "5" (سورة الحج)
إن الحق تبارك وتعالى بالآية الكريمة ما ينفي الشك عن العقل الإنساني، هذا الشك الذي قد يصيب بعض العقول من أن البعث آت لا ريب فيه، فيقول الحق إن الإنسان مخلوق من تراب وهذا أصله، ثم جعل الله للإنسان قدرة على التزاوج فيأتي من صلب الرجل حيوان منوي يتزاوج مع بويضة، ثم تصير البويضة والحيوان المنوي مضغة من دم متجمدة، ثم تتحول إلي قطعة من اللحم التي تحمل ملامح الإنسان. وقد تنزف المرأة الجنين قبل تمام نموه، وقد يتم الجنين ويخرج إلي الحياة، هذا أمر معلق بإرادة الله، وبعد ذلك يصل الإنسان إلي الحياة طفلاً، ويبلغ برعاية الأم ولبنها إلي درجة من النضج، وينتج له الترابط الأسري درجة من النمو في المجتمع ويبلغ الطفل الرشد.
وخلال رحلة العمر قد يموت الإنسان طفلاً أو شاباً أو يبلغ الكبر حتى ينسى كل ما فعله في الحياة، ولنا أن نعرف أن العلم قد أثبت أن الذاكرة لا تضمحل إلا في قليل نادر من حالات المرض العقلي، أو في الشيخوخة الشديدة، فإن الإنسان ينسى في هذه الشيخوخة الشديدة كل ما عرف. وهذه قدرة الحق تبارك وتعالى، تلك القدرة التي تتجلى في أن البعث أمر في مشيئة الله، تلك المشيئة التي تتجلى في نزول الماء على الأرض القاحلة فتدب فيها الحياة، وينتفع طينها بالماء، وتخرج أصناف النباتات، تلك النباتات التي تمتلك أيضاً قدرة التزاوج لتعطي الثمار التي يبتهج بها الإنسان. وعن مرحلة الإنسان كسلالة من طين نجد الآيات الواضحة التي تصف لنا هذا الغيب الذي لم نشهده، ولكنا نحس بصدقه في حياتنا، ويتأكد لنا عند رؤيتنا للموت.
ويقول الحق تبارك وتعالى: ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين "12" ثم جعلناه نطفة في قرارٍ مكين "13" ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين "14" ثم إنكم بعد ذلك لميتون "15" ثم إنكم يوم القيامة تبعثون "16" (سورة المؤمنون)
إن الدعوة موجهة من قبل الحق تبارك وتعالى لعباده ليتأملوا كيفية الخلق أن عناصرالإنسان هي نفس عناصر الطين الذي خلق منه آدم، ومن سلالته كان البشر، كل إنسان أصله نطفة من حيوان منوي، وبويضة يتحدان معاً في الرحم، هذا المكان الحصين الأمين الذي خلقه من عظام حوض المرأة، ليكون مكاناً صالحاً لحمل الإنسان تسعة أشهر. ويحدث هذا الخلق على مراحل، فمن نطفة إلي علقة أي بويضة مخصبة بالحيوان المنوي إلي مضغة من دم، ومن هذه المضغة يتم خلق العظام، ومن ذلك يتم خلق اللحم البشري بالنمو داخل الرحم، ثم ينفخ فيه الله الروح، ثم يخرج إلي الحياة إنساناً جميل الطلعة حسن الاستقبال، وبعد الحياة هناك الموت، ثم البعث للحساب في يوم القيامة.

ام وليد2005
07-24-2014, 12:48 AM
الشهيد
قال تعالى: قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم .. "43" (سورة الرعد)
هو الشهيد العليم بظواهر الأشياء، وهو الخبير العليم ببواطن الأشياء، وقيل:الشهيد مبالغة في الشاهد، والشهادة ترجع إلي العلم مع الحضور. وهو الذي كرم الإنسان بنعمة المشاهدة، فرأي من آيات الله ما أفعم القلوب بالشهادة، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحى إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني برئ مما تشركون "19" (سورة الأنعام)
وقد ذكر "الشهيد" سبحانه تسع عشرة مرة في القرآن العظيم. والله شهيد على ما تعملون، والله على كل شيء شهيد، ثم الله شهيد على ما يفعلون، وأن الله على كل شيء شهيد، وأنه على كل شيء شهيد، وكفى بالله شهيداً.
قال تعالى: لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً "166" (سورة النساء)
فإذا كان أهل الكتاب لا يشهدون بما أنزل الله إلي رسوله صلى الله عليه وسلم ويذكرون ما في كتبهم من البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم كرسول خاتم، فإن الله يشهد وكفى بالله شهيداً. إن الحق سبحانه وتعالى قد أنزل القرآن بعلمه، وهو الذي لا تخفي عليه خافية، وهو سبحانه الذي خلق كل الخلق، وهو الذي يعلم جيداً ما يصلح للبشر من قوانين. وقد قلنا: إننا في أعرافنا البشرية أن الذي يصنع الصنعة، هو الذي يضع قانون صيانتها لتؤدي مهمتها كما ينبغي، كذلك الله هو الذي خلق ذلك الإنسان، وهو الذي يضع قانون صيانة بـ"افعل" ولا "تفعل".
ولذلك يقول الحق سبحانه: ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير "14" (سورة الملك)
إن الواحد منا يذهب بساعته إلي عامل إصلاح الساعات فيكشف عليها، ويقرر ما فيها من فساد، فما بالنا بخالق الإنسان؟ إن العبث الذي يوجد في هذا العالم أن الناس قداستقبلوا خلق الله لهم، ولم يدع أحد أنه خلق نفسه أو خلق غيره، ومع ذلك يحاول البشر أن يقننوا قوانين صيانة للإنسان خارجة عن منهج الله. نقول لهؤلاء: دعوا خالقالإنسان يضع لكم قانون صيانة الإنسان بـ"افعل" و"لا تفعل"، وإن أردتم أن تشرعوافلتشرعوا في ضوء منهج الله، وإن حدث أي عطب في الإنسان فترده إلي قانون صيانةالصانع الأول، وهو القرآن.
إن الذي يسبب المتاعب للبشرية إنما ينبع من أن الإنسان يتناسى في بعض الأحيان أنه من صنعة الله، ويحاول أن يضع لنفسه قانون صيانة، بعيداً عن منهج الله، والذي يزيل متاعب الإنسانية هو أن تعود إلي قانون صيانتها، الذي وضعه لها الحق تبارك وتعالى، فذكر في كتابه الكريم: لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً "166" (سورة النساء)
إن الملائكة تشهد لأنها نالت شرف أن يكون المبلغ لرسول الله منهم وهو جبريل عليه السلام، وهم أيضاً الذين يحسبون حسابات العمل الصالح أو الفاسد للإنسان، وهم ثالثاً الذين حملوا اللوح المحفوظ، وهم يعرفون الكثير: وكفى بالله شهيداً "166"} (سورةالنساء)
لماذا لم يقل الله هنا: وكفى بالله وبالملائكة شهوداً؟ إن الحق سبحانه وتعالى لا يأخذ شهادة الملائكة تعزيزاً لشهادة الناس، صحيح أن الملائكة تشهد، ولكن الله لا يأخذ شهادة الملائكة تعزيزاً للشهادة. ونحن لا نأخذ شهادة الملائكة تعزيزاً لشهادة الله، وإلا لكانت الملائكة أوثق عندنا من الله، إن الحق يؤرخ شهادة الناس وشهادة الملائكة لكنك يا رسول الله نكفيك بشهادة الله.
ويقول الحق سبحانه وتعالى: شهد الله أنه لا إله إلا هو "18" ( سورة آل عمران)
هذه قضية أطلقها الحق سبحانه، وهي شهادة من الحق سبحانه وتعالى لنفسه شهد الله أنه لا إله إلا هو، وكفى بالله شهيداً. لماذا؟ لأنها شهادة الذات العلية للذات العلية.
شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم "18" (سورة آل عمران)
لقد شاهدت الملائكة المشهد، وشهد أولو العلم بأنه لا إله إلا هو، لأنهم يأخذون من الأدلة ما يثبت صدق الملائكة، ويؤكد صدق الله، فإذا ما نظرنا نظرة أخرى نجد أنها كلمة أطلقها الله على نفسه،وقال "لا إله إلا الله"، وجعلها كلمة التوحيد. والأمر غاية في اليسر والسهولة والبساطة، إن الله لم يشأ أن يجعل دليل الإيمان بالقوة العليا دليلاً فلسفياً لا يستطيع أن يصل إليه إلا أهل الثقافات العالية، لأن الإيمان مطلوب من الجميع، ويراعي في ذلك راعي الشاة. كالفيلسوف يتساوى فيه كناس الشارع مع الطبيب مع الأستاذ الكبير.
لذلك جعل الله قضية الإيمان في مستوى العقول البشرية جميعها. إن الأدلة في منتهى البساطة. قال الله: أنا شهدت أنه لا إله إلا أنا. وهو ما نقوله نحن المؤمنون. فإما والعياذ بالله غير صدق. فلو كان الأمر غير صادق، فإن هو الإله الذي سمع ذلك التحدي، وأخذ الله منه ذلك الكون، وقال: "أنا وحدي خالق الكون"؟ إننا لم نسمع رداً على الله ولا معارضاً له إن كان هناك من درى بذلك أو لم يجرؤ على الرد فهو لا يصلح أن يكون إلهاً.
إذن: فالقضية لله؛ لأن أحداً لا يجرؤ على أن يدعي على غير ذلك، فلم يظهر مدع ينشر دعوى أخرى، إذن: فلا إله إلا الله هو قضية حق. وعندما ينظر إلي هذه القضية بالعقل والمنطق فإننا لا نجد إلهاً إلا هو؛ لأنه لو كان هناك إله آخر لأبلغنا عن نفسه، فإن لم يكن فأين هو الذي يدعي ذلك؟ وقد قلنا من قبل: إن الدعوى حين تدعي، ولا يوجد معارض فإنها تثبت لصاحبها إلي أن يوجد المعارض، وأضرب هذا المثل، ولله المثل الأعلى وننزهه سبحانه وتعالى عن المثل.
أقول: لنفترض أننا عشرة من الناس قد اجتمعنا في غرفة ثم انصرفنا، ووجد صاحب البيت حافظة نقود، وجاء واحد من الذين كانوا حضوراً وبه لهفة التساؤل عن حافظة نقوده التي ضاعت منه، وجئ ببقية العشرة الذين كانوا حضوراً، ولم يدع أحد أن حافظة النقود التي عثر عليها صاحب البيت تخصه، وهنا يثبت للجميع أن حافظة النقود هي لصاحبها الذي قال فقدها.

ام وليد2005
07-24-2014, 12:49 AM
الحق
قال تعالى: ويعلمون أن الله هو الحق المبين "25" (سورة النور)
هو الموجود باليقين الثابت، والله سبحانه هو الحق .. ومنه الحق، وإليه يرجع كل حق. وصفات الله سبحانه حق، والعدل حق، والصدق حق. ويقول تعالى: ويحق الله الحق بكلماته .. "82" (سورة يونس)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصدق كلمة قالها شاعر لبيد "ألا كل شيء ما خلال الله باطل"
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا تهجد من الليل يدعو:
"اللهم لك الحمد، أنت رب السماوات والأرض وما فيهن، ولك الحمد، أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، وقولك الحق، ووعدك حق، ولقاؤك حق، والجنة حق،والنار حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبكخاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت"
وإن كلمة الحق قد ذكرت مئات المرات في القرآن المجيد (227 مرة) ثم نقرأ الآية: فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأني تصرفون "32" (سورة يونس)
هدانا الله إلي الحق، ونسأل الله أن نتبع الحق لوجه الحق وحده. وقال تعالى: إنا أرسلناك بالحق .. "119" (سورة البقرة)
حين يقول الرحمن جل وعلا: إنا أرسلناك بالحق .. "119" (سورة البقرة)
فقد يسأل سائل: ما معنى الحق؟ إن الحق هو الأمر الثابت الذي لا يتغير ولا يتناقض. فالله جل علاه حق ـ والقرآن بالحق أنزلناه، وبالحق نزل. وخلق الكون بالحق.
يقول جل علاه: خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون "3" (سورة النحل)
والحق هو الأمر الثابت الذي تعتدل به موازين حركة الحياة، ومعنى ثبوت الحق أنه ينافي الكذب والنفاق والبهتان والظلم. وكل ما يحدث به الخلل في المنظومة الكونية، لأن الحق يدخل في مقومات القيم الفاضلة. فالعدل من الحق، والصدق من الحق، والأمانة من الحق، والفطانة من الحق، والجدود هي حق، والاعتصام بالحق يعطي عقيدة الصدق، وعبادة الحب، وأخلاق التفاؤل الاجتماعي.
إن الحق سبحانه جبار، ونحن نتقي النار التي يودع فيها المضلين الكافرين، إن المؤمن هو من يتقي متعلقات صفات الجلال من الله، ونحن قد عرفنا أن للحق صفات جمال وصفات جلال، وعندما نجعل بيننا وبين صفات الجلال وقاية، فذلك لأن أحداً لا يتحمل غضب الله، ولا قهر الله، ولا بطش الله، ولا النار التي هي من آثار صفات الجلال. لا أحد يستطيع أن يغلب الله، فقوة الله قاهرة فوق كل العباد، والحق بجلاله غالب على أمره، ولا في قصة سيدنا يوسف عليه السلام مثال واضح على قدرة الحق سبحانه المطلقة، لقد أخذه أخوته وألقوه في الجب وأنقذه أناس من السيارة، واشتراه واحد من مصر، فماذا يقول في هذا الأمر الذي ينطبق على كل أمر يريده الله: وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون "21" (سورة يوسف)
إن الله غالب على أمره إنه الحق، إن أراد شيئاً فإنما يقول له: كن فيكون، ولذلك أوضحنا من قبل أنه لا توجد معركة أبداً بين حقين، ذلك أنه لا يوجد إلا حق واحد، ولأن مصدر الحق إله واحد، ولهذا لا توجد المعارك إلا بين حق وباطل أو بين باطلين. والمعركةبين الحق والباطل لا تطول؛ لأن الباطل بطبيعته زهوق، ولكن المعارك التي تطول زمناًطويلاً هي معركة بين باطلين، أو بين حق تكاسل أصحابه عن الأخذ بأسباب الله، فصاروا بتكاسلهم من أتباع الباطل، لأنهم يخذلون الحق الذي يدافعون عنه، ولذلك تطول معاركهم مع أهل الباطل الآخر.
وفي حياتنا المعاصرة، نرى معاركنا المعاصرة لا تنتهي، ونحن قد نتساءل: لماذا لا تنتهي هذه المعارك؟ ولابد لنا أن نعرف الإجابة، إنها معارك بين باطل وباطل، وليس لباطل أن يكون الله بجانبه. أما إذا استيقظنا إلي الله في شيء من أشياء حياتنا فإن الله يعطينا النصر على قدر الاستيقاظ إلي حق الله، هؤلاء هم الذين يعطيهم الله العمق في النصر. أما الذين يستيقظون استيقاظاً سطحياً، فهؤلاء يعطيهم الله نصراً سطحياً على قدر استيقاظهم. إذن: فهذه المعارك التي ترهق الدنيا هي المعارك بين الباطل والباطل، وبالنظرة البسيطة إلي الدنيا منذ الحرب العالمية الثانية سنجد أن العالم لم يهدأ أبداً منذ هذه الحرب، هي حرب ساخنة مرة، وباردة مرة أخرى، هي حرب تحرير لشعوب من الاستعمار، هي هزيمة داخلية لهذه الشعوب بعد أن تحررت من الاستعمار لأنها لم تأخذ بمنهج الله.
تكاد الدنيا كلها تكون في حروب، وهي حروب تدور بين أهواء، الهوى الشرقي يقاتل الهوى الغربي، لكن لم نجد بعد هؤلاء الذين يخلصون النية لمنهج الله الحق الذي يمكن أن يهدي البشرية إلي السلام. ولذلك ينبهنا الحق إلي دقة منهجه في الكون: الحق من ربك فلا تكونن من الممترين "147" (سورة البقرة)
هكذا نعرف أن الحق هو من الله؛ لذلك لا يجب أن يضل عنه أهل الإيمان، فيتبعوا بالهوى إلي فئة أخرى، إن الحق الإلهي لابد أن يتيقن منه المؤمنون، فلا يكونوا من أهل الشك والتردد، فإذا كان الحق هو منهج الله فهذا الحق لا يطلب لانتصاره إلا أناساً مؤمنين به.
وصدق قول الشاعر العربي:
السيف لا يزهو بجوهره وليس يعمل إلا في يد بطل

إن السيف ليس هو الذي يحقق النصر، لكن المقاتل بالسيف يصل إلي النصر إذا كان مؤمناً بالحق، إذن: فالذين يضيعون الحق ليس لهم أن يسألوا: لماذا ضاع الحق؟ إنما عليهم بتطبيق منهج الله في الوصول إلي الحق؛ عندئذ لا نكون ضائعين بأنفسنا عن الحق. فالحق سيظل من الله ولن ينطمس، أما الممتري، أي: الذي يشك في الحق، فهو الذي يظن أنه يحكم بين نسبتين متساويتين. إن ذلك الممتري الذي يشك في أمر الحق عليه أن يعلم أن الحق الإلهي لا تقابله نسبة أخرى، فهو لا يعرف شكاً ولا ريباً.

ام وليد2005
07-24-2014, 12:50 AM
الوكيل
قال تعالى: وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً "81" (سورة النساء)
هو الوكيل الكافي لمن توكل عليه، القائم بأمور العباد، وهو الذي من استغنى به أغناه عما سواه، وهو المتصرف في الأمور حسب إرادته، وهو سبحانه الموكول إليه تدبير أمر كل شيء. وقد ذكر "الوكيل" ثلاث عشرة مرة في الكتاب الحكيم:
وهو على كل شيء وكيل ـ والله على ما نقول وكيل ـ وكفى بالله وكيلاً ـ وكفى بربكوكيلاً ـ وتوكل على الله ـ وكفى بالله وكيلاً ـ رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً ـ وعلى الله فليتوكل المتوكلون ـ فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين. قال تعالى: وهو على كل شيء وكيل "102" (سورة الأنعام)
ما معنى وكيل؟ معناها أنه يقوم بأمور نيابة عنه، هذا معنى وكيل، ولكن الله لم يقل: وكيل لك، ولكنه قال: وكيل عليك. فالوكيل لك ينفذ أوامرك، والوكيل عليك هو الوصي عليك يقول: لك ما تفعل. ولذلك يدعو الإنسان أحياناً بالشر فلا يجيب الله، لماذا؟ لأنه وكيل عليك يبعد عنك الشر، ولذلك إذا دعوت دعوة فلم تستجب فاعلم أن الله قد وقاك بعد الاستجابة شراً، أما إذا كانت الدعوة فيها خير فيستجب لها الله.
وقوله تعالى: وهو على كل شيء"102" ( سورة الأنعام)
معناها أنه على كل شيء يحدث أي ما يدخل في اختيارك، وما لا يدخل الشيء المختار. قد يكون فيه شر، فماذا عن الشيء الذي لا اختيار فيه، يعطي هذا الشيء قانون صيانته الذي يجعله يؤدي عمله على الوجه الأكمل، بحيث إن كل شيء مقهور يؤدي عمله بكفاءة وكمال دون تدخل منك لأن الله وكيل عليه. ولذلك فهو يؤدي مهمته في الكون على الوجه الأكمل، فالشمس مثلاً لا تستطيع أن تقترب من الأرض فتحرقها أو تبتعد عنها فتحولها إلي جبال من الثلج، ولكن لها قانون يجعلها تؤدي مهمتها على الوجه الأكمل، دون أن يتدخل الإنسان، والله وكيل على ذلك كله. فإذا شاء أن يجعلها لا تؤدي مهمتها فعل، كما قال للنار: كوني برداً وسلاماً على إبراهيم "69" (سورة الأنبياء)
فلم تحرق، وذلك حتى لا يقال: إن الأشياء تعمل بالأسباب وحدها، بل الله وكيل عليها حين يريدها أن تفعل فعلت، وحين يريد ألا تفعل يقول لها: لا تفعل، فتتوقف عن الفعل. والوكيل هو الذي يتولى أمرك، وأنت إذا جعلت واحداً يتولى أمرك فأنت تشهد أنكعاجز عن هذا الأمر، وأن الذي توكله أحكم منك وأقوى، فإذا كانت الأغيار تستولى علىالناس، فالغني يصبح فقيراً، والفقير يصبح غنياً، والقوي يصير ضعيفاً، والصحيح يصير مريضاً. وهكذا فالإنسان ابن أغيار، فأنت حين توكل الإنسان فهو غير مضمون، لأنه ابن أغيار. فضلاً عن أنه قد يموت في أي لحظة، فإن كنت حصيفاً فوكل الذي لا تناله الأغيار، ولا يأتيه الموت أبداً.
ولذلك ربنا سبحانه حين يعلم خلقه أن يكونوا على وعي وإدراك يقول لهم: وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده .. "58" (سورة الفرقان)
ومادام الأمر كذلك، فإياك أن تتخذ من دون الله وكيلاً، ولو كان هذا الوكيل هو الواسطة بينك وبين ربك، كالأنبياء لأن الأنبياء لا يأتونك بشيء من عندهم، ولكن من عند الله، لأن الله لو أمسك عنهم الوحي لما وجدوا ما يبلغونه للناس.

ام وليد2005
07-24-2014, 12:52 AM
القوي
قال تعالى: إن ربك هو القوي العزيز "66" (سورة هود)
هو الخلاق العليم، ذو القوة المتين، والقوة لله جميعاً، ولا قوة إلا بالله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال تعالى: فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون "15" (سورة فصلت)
وقد ذكر "القوى" سبحانه تسع مرات في القرآن الكريم، فهو تعالى قوي شديد العقاب. ومادام الإنسان قد آمن بأن العبادة لله وحده والاستعانة بقوة الله جل شأنه، مادام هذاالإيمان قد استقر في القلب وظهر في السلوك، فلابد أن تقف قوة الخالق بجانب العبدالمؤمن لينتصر على خصوم الإيمان يقول الحق: إياك نعبد وإياك نستعين "5" (سورة الفاتحة)
وهنا يجب أن نضيف حقيقة، يجب ألا تغيب عن الأذهان. إن على المؤمن ألا يعتقد أن هناك مخلوقاً من مخلوقات الله قادراً على أن يقف معانداً بالفطرة لقوة الله، إنما يقف الخلق المعاندون بعضهم لبعض في صراع لا دخل للإيمان فيه، لذلك فإننا نجد قوياً يهزم ضعيفاً، لكن إذا التحم الضعيف المؤمن بالله وبمنهج الله مع خصم معاند فإن خصمه لن يكون على نفس درجة إيمانه، وحتى ولو كان الخصم قوياً، ولسوف يكون الانتصار للضعيف المؤمن الملتحم بالله وبقوة الله على الذي تخيلنا أنه قوي، لكن قوته مجردة من الإيمان.
ولنأخذ من هجرة الرسول الكريم درساً، لقد غادر الرسول الكريم مكة ومعه صديقه أبو بكر في رحلة إلي المدينة ليوفر على المؤمنين هذا العذاب الذي كانوا يتعرضون له من قبل الكفار في قريش، ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر إلي غار يحتميان فيه من الكفار الذين خرجوا للبحث عن محمد رسول الله، وكلنا نعرف قول أبي بكر الصديق لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في هذه اللحظة "لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا".
ولذلك كان رد الرسول الكريم على صديقه أبي بكر واضحاً مانعاً يبعث على الاطمئنان، لقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "فما بالك باثنين الله ثالثهما"
والقرآن الكريم يؤكد هذا القول الواضح بتلك الآية الكريمة: إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم "40" (سورة التوبة)
إن هذا القول الفصل يوضح لنا أن الإيمان المطلق بالله وبأنه مالك كل الأسباب قادر بقوته أن يبعث الطمأنينة والسكينة في قلب الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر، والله القوي القادر، وقد خطف من الكفار القدرة على إبصار محمد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والصديق أبي بكر الصديق لحظة تواجدهما في الغار، لوجدنا أن المتغير الأساسي هو أن كليهما في معية الحق سبحانه وتعالى. ومادامت معية الحق هي المسيطرة، فلابد أن يتحقق قوله تبارك وتعالى: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير "103" (سورة الأنعام)
لذلك لم يكن بإمكان أحد من كفار قريش أن يرى محمداً الرسول الكريم وصاحبه أبا بكر الصديق أثناء تواجدهما بالغار. ومن هذه الحكاية نستفيد ما يلي:
إن أي صراع يحدث بين إنسان وآخر قد يكون أحدهما قوياً أو يكونان متساويين في القوة، فإن الغلبة والانتصار سيكونان للأقوى. أما إذا قام صراع بين إنسان وآخر، أحدهما ملتحم بالإيمان بالله، فالغلبة للإنسان المؤمن مادام قد آمن بالله. ولن ينتصر عليه أحد إلا إذا شرد بعيداً عن جانب الله. ولقد ضربت مثلاً على ذلك لتقريب المسألة من الذهن العادي ولأوضح بشكل قاطع تلك المسألة العقدية، ولله من قبل ومن بعد المثل الأعلى. قلت: لنفترض أن رجلاً له غلام صغير، ووقف الرجل ليتحدث إلي صديق له فشرد الغلام الصغير بعيداً عن أبيه ليلعب في الشارع، وتصدى لهذا الغلام الصغير أطفال اكبر منه في القوة والعمر، فلمن يلجأ الغلام؟
لابد أنه سيلجأ إلي أبيه، وفي اللحظة التي يلجأ الغلام لأبيه، يصاب الأولاد الأكبر منه بالخوف؛ لأن للطفل أباً قوياً، وأن الوالد قادر على حماية ابنه، يحدث ذلك من أب وابن كليهما مخلوق من مخلوقات الله، فما بالنا بالخلق الكامل المطلق لكل الوجود؟ ماذا يحدث عندما يحتمي صاحب حق ضعيف بالخالق الأعلى؟ ما بالنا بإنسان بذل كل ما في طاقته لتحقيق هدف في حدود منهج الله. فتكاثر عليه أهل الكذب بالله، فاستنجد هذا الإنسان المؤمن بالحي القيوم الذي لا تغفل له عين، ولا تحد قدراته قدرة أو قوة. إن الحماية هنا لن تكون حماية أب لابنه، ولكنها حماية خالق أعظم لمخلوق مؤمن، لذلك فعندما يقف عبد مؤمن ملتحم بقوة وربوبية الله، فلابد أن يهزم العبد الفارغ من ربوبية الله، ولابد أن ينطبق قوله تعالى: أليس الله بكافٍ عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هادٍ "36" (سورة الزمر)
بهذا المنطلق الإيماني بأن الله حق وغيب، وأنه حاضر لا تدركه الأبصار، وأنه قوي بلا نهاية، بهذا المنطق الإيماني كان محمد الرسول الكريم يواجه قريشاً بكفارها وجهلها وجاهليتها، لقد اختاروا الضلال، واختار الرسول الكريم أن يهديهم إلي التقوى، ولذلك انتصر النبي الملتحم بقوة الحق الأعلى.

ام وليد2005
07-24-2014, 12:52 AM
المتين
قال تعالى: إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين "58" (سورة الذاريات)
هو الله الرزاق ذو القوة المتين، وهو الذي لا تتناقص قوته. عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله تعالى "المتين" يقول "الشديد". وفي اللغة يقال: هو متين القوي، ومن المجاز يقال: رأي متين. واسمه تعالى "المتين" يدل على القوة والقدرة والله سبحانه متم قدره، وبالغ أمره. وقد ذكر "المتين" سبحانه، مرة واحدة في الكتاب المبين في قوله تعالى: إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين "58" (سورة الذاريات)
وعندما تتجمع القوة مع القدرة ومع التقدير يكون التوازن العادل بإحسان، فكونه هو الخالق لكل شيء بقدر. وهو القادر على تنفيذ القدر مع تقدير للأمور فتكون القوة من شديد القوى المحكمة. التي لا تعرف التناقض، فقد تكون القوة وتنقصها حكمة التقدير، فيكون الإخلال في المسير، ولكن الله سبحانه وتعالى صاحب القوة ـ وهو شديد القوى حتى تعتدل الموازين في دنيا الأغيار، ويوم يقوم الأشهاد.

ام وليد2005
07-24-2014, 12:53 AM
الولي
قال تعالى: إلا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون "62" (سورة يونس)
كلمة ولي أي من يليك، أي: من هو قريب منك، ومادام قريباً منك فهو أول من تفزع إليه حين تصادفك عقبة أو مصيبة، ومادمت قريباً منه فهو ينصرني ويفيض علي. فإذا قربت من عالم يعطيني علماً، وإذا قربت من قوي يرفع عني ما لا أستطيع حمله، وإذا قربت من غني يعطني إذا احتجت، فالولي يعني القريب والناصر، والله سبحانه وتعالى هو الولي، تقترب منه فيقترب منك، وتبتعد عنه فيبتعد عنك. وهو الولي للناس كل الناس، لأنه قد يواليك أحد ولا يوالي الآخرين، وهو الولي الذي قربه من خلق لا يبعده عن خلق، لأن الولي قد يكون قريباً من إنسان بعيداً عن الآخر، ولكن الله جل جلاله لا يشغله شيء، فهو قريب منك، وقريب من كل خلقه.
والله هو الولي الحق لأنه قد يواليك من يطمع في مالك، ويواليك من يطمع في قوتك، ويواليك من يريد أن يستغل نفوذك، ولكن الله سبحانه وتعالى غني عنا جميعاً، وعما في أيدينا، ولذلك فهو ولي لا يأخذ منا ولكن يعطينا الحق جل جلاله يقول: إلا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون "62" (سورة يونس)
وهكذا بين لنا أن هؤلاء أولياء لمن؟ لله جل جلاله أي: المقربين من الله، فهذه ولاية من الخلق لله، وهناك ولاية من الله للخلق، وذلك في قوله تبارك وتعالى:والله ولي الذين آمنوا .. "257" (سورة البقرة)
أي: الله قريب من المؤمنين، فمرة يقترب الخلق من الله، ومرة الله سبحانه وتعالى هو الذي يقترب منهم. أي: مرة تكون الولاية من المؤمنين لله، ومرة تكون الولاية من الله للمؤمنين، أيهما تأتي أولاً؟ نقول: إن لله سبحانه وتعالى طلاقة القدرة في كونه، يرى خصلة من خير في عبد من عباده، فيكرمه أولاً، فيصبح طائعاً مخلصاً ثانياً. لذلك فإن كل عاص تاب، وكل إنسان كان بعيداً عن المنهج ودخل فيه لابد أن فيه خصلة خير أحبها الله فهداه بها، مثل الرجل الذي نزل إلي البئر في يوم شديد الحر ليسقي كلباً يعاني من شدة العطش. لماذا فعل هذا؟ طمعاً في ثواب الله؛ لأنه لا يمكن أن ينافق كلباً، ولكنه أراد أن يفعل خيراً لوجه الله فأحبه الله فغفر له.
الإنسان المؤمن إذا أقبل على عمل فإنه يبدؤه مستعيناً بالله سبحانه وتعالى، ثم يأخذ بالأسباب. هب أن إنساناً مؤمناً ذاهباً لشراء صفقة أو لبيع شيء، أول الأشياء أنه يعد الإعداد المادي الدنيوي أخذاً بالأسباب، فإذا كان مشترياً أعد المال، وإذا كان بائعاً أعد السلعة. المهم أنه يعد كل ما هو لازم للصفقة من سلعة وعقود وما شابه ذلك، ثم يبدأ متوكلاً على الله، إن أصاب فهو خير، وإن أخفق فهو خير، إن أصاب فإنه يعلم أن الله سبحانه وتعالى قد وفقه، وكيف لا وقد استعان بسم الله ورعاه في كل شيء، فإذا جاء التوفيق من الله وهو خير أمده الله به، وإن لم يأت التوفيق من الله ولم تتم الصفقة فلابد أن الله رأى فيها شراً فأبعدها عنه. وهناك أشياء كثيرة ظاهرها الخير وحقيقتها غير ذلك.
كذلك الله سبحانه وتعالى ـ ولله المثل الأعلى ـ مع عبده المؤمن، هناك إنسان الرزق الكبير يفسده، ويدفعه إلي طريق المعصية والهلاك، فإذا منع الله سبحانه وتعالى عنه فيض الرزق، كان ذلك رحمة به لا ضرر له. وهناك إنسان قلة الرزق تجعله يتجه إلي الجريمة والمعصية والهلاك، فإذا فتح الله عليه في الرزق كان ذلك منجاة له من النار، كلا الشخصين يريد الرزق، وكلا الشخصين مؤمن، لكن الله سبحانه وتعالى وهو يحب عباده المؤمنين يعطي أحدهما ويمنع عن الآخر، وفي العطاء رحمة، وفي المنع رحمة، والإنسان المؤمن يمضي في الحياة وفي قلبه هذا الشعور.
وهو يعلم يقيناً أن الله يحب عباده المؤمنين، وهو يعلم يقيناً أن الله ينصر الذين آمنوا، وهو يعلم يقينا أن الله ولي الذين آمنوا في الحياة الدنيا والآخرة، وهو يعلم مالا نعم، فإذا كان لم يوفقه في شيء فمعنى ذلك أنه دفع عنها شراً. ولذلك فإن الإنسان المؤمن يقول: الحمد لله دائماً إذا أعطى، وإذا منع، ويكون راضياً إذا أعطى، وإذا لم يعط، لأنه يحس أن الخير في الاثنين وينطبق عليه قول الله تعالى:لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم .. "23" (سورة الحديد)
فتنشأ النفس المؤمنة بعيدة عن القلق، عن الإحباط عن كل ما يمزق النفس البشرية ويهدمها، ويدفعها إلي الجنون والانتحار. أما الكافر فيمضي في الحياة، والله ليس في باله، فهو يعبد الأسباب وحدها، ويعتقد أن الأسباب تعطي بلا مسبب، وأنه هو بذاته يستطيع أن يحقق ما يريد أو كما يحلو لبعض الناس أن يقول يستطيع أن يصنع قدره، ومقاييس الخير والشر عنده هي مقاييسه هو تماماً.
كذلك الطفل أو الشاب الذي يعتقد أن المطواة أو المسدس هو خير له، لأنه يحميه من أذى الناس، ليمضي غير المؤمن وليس في قلبه الله، فيأخذ بالأسباب، ويضع نفسه حكماً أعلى على أمور الحياة. وعندما يصطدم بأن شيئاً مما أراده لم يتحقق أو بأنه فشل في تحقيق شيء يحس أنه ضاع، وأنه انتهى، وأنه سيواجه مصيراً أسود، وتضطرب نفسه وتتمزق، فإما أن يهرب من واقع أليم بالانتحار، وإما أن يعجز عقله عن التفكير فيصاب بالجنون. وهكذا رغم رغد الحياة المادية وما تقدمه له مما لا يحصل عليه إنسان آخر في دولة متخلفة، فإنه يحس بعدم الاستقرار، يحس بأن غيره غير آمن، وقد يبقى طوالالليل في فراشه لا ينام، لأن شيئاً قد حدث أراد الله له به خيراً، وهو لا يعلم.
وهكذا تختلف الحياة بين المؤمن والكافر، فالمؤمن مطمئن إلي قضاء الله، وأن فيه الخير أعطى أو منع، ولذلك فهو يعيش حياة طيبة لا انفعال فيها، ولا جنون، ولا انتحار، والكافر ينسب الفعل لذاته، ولذلك فهو يعيش حياة تعسة فقدرات الكون التي هي اكبر من قدراته تخيفه، إحساس رهيب بعدم الأمن والأمان. ولو أنه دخل على العمل باسم من سخر له الكون لا بذات قوته لكان ذلك طريقاً إلي سكينة النفس وطيب العيش والحياةالطيبة المطمئنة، ذلك أن الله سبحانه وتعالى يطلق أشياء في الكون حتى لا تؤمن أنت.إن امتلكته هو ملك لك ويستطيع الله سبحانه وتعالى أن يذهبه عنك، فالله سبحانهوتعالى يستطيع أن يعطي وأن يأخذ، وأن يجعل الكون ينفعل أو لا ينفعل، ولكنك أنت لاتستطيع، هذا هو الفرق بين الحق وبين الخلق.
قال تعالى: إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين "196" (سورة الأعراف)
فهو المتكفل بأمور العباد كلها، وهو الذي يتولى الصالحين من عباده، الناصر لمن أطاعه، وذلك بأن الله هو الذي نصر أولياءه، وقهر أعداءه، وقيل: الولي هو الذي أحب أولياءه، ونصرهم على أنفسهم باجتناب المعاصي، وقيل: هو المتولي لأمر عباده المختصين بإحسانه. وقد ذكر "الولي" تعالى ثلاث عشرة مرة في الكتاب المبين.

ام وليد2005
07-24-2014, 12:54 AM
الحميد
قال تعالى: وهدوا إلي صراط الحميد "24" (سورة الحج)
هو الحميد مستوجب الحمد، أهل الثناء بما أثنى على نفسه، وأحمد الله تعالى بجميعمحامده، والحمد لله صاحب الحمد ومستحقه، فمن ذا الذي يستحق الحمد سواه؟ بل له الحمد كله لا لغيره، وهو الذي يحمد على كل حال، وفي السراء والضراء. ذلك بأنه سبحانه حكيم حميد. وهو الذي اتصل حمد المؤمنين له تعالى، في أول أم الكتاب: "الحمد لله رب العالمين" في الدنيا وفي الآخرة، وفي قوله تعالى: وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين "10" (سورة يونس)
وإن أقوال أهل الجنة وأحوالها لا آخر لها. اللهم إنا نسألك أن نحمدك كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، حمداً لا ينتهي. وقيل في معنى الحميد سبحانه، هو الذييوفقك للخيرات، ويحمدك عليها، ويمحو عنك السيئات. وقد ذكر "الحميد" تعالى في سبع عشرة مرة في القرآن المجيد، وهو سبحانه الغني الحميد، وهو العزيز الحميد، وهو حميد مجيد، وهو حكيم حميد، وهو الولي الحميد. والحميد: له حق الحمد إيجاداً، فهو الذي أوجدنا من العدم. يقول الحق سبحانه: كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون "28" (سورة البقرة)
وله حق الحمد إمداداً: أمدكم بما تعلمون "132" أمدكم بأنعامٍ وبنين "133" (سورة الشعراء)
ويقول الحق سبحانه: استغفروا ربكم إنه كان غفاراً "10" يرسل السماء عليكم مدراراً "11" ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً "12" ما لكم لا ترجون لله وقاراً "13" وقد خلقكم أطواراً "14" (سورة نوح)
وهو المستحق الحمد بقاءً، فهو الباقي بعد فناء كل موجود بلا نهاية. وهو المستحقالحمد خلوداً: وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين "10" (سورة يونس)

ام وليد2005
07-24-2014, 12:55 AM
المحصي
قال تعالى: وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيءٍ عدداً "28" (سورة الجن)
هو الذي أحصى كل شيء بعلمه، وهو المحيط بكل شيء جملة وتفصيلاً، العالم بخفيات الأمور ومحصيها، وقيل: المحصي من الإحصاء وهو الإحاطة بحساب الأشياء، وما شأنه التعداد. وفي اللغة يقال: أرض محصاة، أي: كثيرة الحصى، ويقال: هم أكثر منالحصى، وحسناتك لا تحصى، وهذا أمر لا أحصيه أي: لا أطيقه ولا أضبطه. وهذا الاسمالكريم لم يرد في القرآن المبين بصيغة الاسم. ومن شاء فليقرأ: إن كل من في السماوات والأرض إلا آتى الرحمن عبداً "93" لقد أحصاهم وعدهم عداً "94" (سورة مريم)
وكل شيءٍ أحصيناه في إمامٍ مبينٍ "12" (سورة يس)
وكل شيءٍ أحصيناه كتاباً "29" (سورة النبأ)
ويدخل في هذا الاسم دقة الصانع وإبداع الخالق، فهو المحصي لحاجات الكون، ومرادات الخواطر، وخافيات النفوس، والظاهر من القول، والباطل من الغيب.
يقول الحق سبحانه: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتابٍ مبينٍ "59" (سورة الأنعام)
وهذا الاسم له من الخواص ما لا يعلمه إلا الله، حيث يعلم المستقر والمستودع. ويقول الحق سبحانه: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتابٍ مبين "6" (سورة هود)
كما يعلم بدقة الإحصاء مسارات الكون وأفلاك الآفاق، وآفاق الآفاق حيث يقول:الشمسوالقمر بحسبان "5" والنجم والشجر يسجدان "6" والسماء رفعها ووضع الميزان "7" ألاتطغوا في الميزان "8" وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان "9" والأرض وضعهاللأنام "10" فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام "11" والحب ذو العصف والريحان "12" فبأي آلاء ربكما تكذبان "13" (سورة الرحمن)
فلو أحصينا المطالب الخاصة والظاهرة، والمطلوبات ظاهرها وباطنها، والتي تنفذ في وقت واحد، وبإحصاء دقيق يدل على أن الله سبحانه وتعالى هو المحصي والمبدئ والمعيد. فكم من مولود يولد، وكم من أرواح قبضت، وكم من عزيز يذل، وكم من ذليل يعز، وكم من تغيير لما هو فيه لغير ما كان فيه. كل ذلك في كتاب مستقر، ولو علم الإنسان أن أفعاله بإحصاء قولاً وحركة وسكوناً، لعلم أنه مراقب وعليه حسيب، فيحاسب نفسه قبل الحساب، ويراقب سلوكه قبل أن تذل الرقاب.
يقول الحق سبحانه: ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد "16" إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد "17" ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد "18" وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد "19" ونفخ في الصور ذلك اليوم الوعيد "20" وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد "21" لقد كنت في غفلةٍ من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد "22" (سورة ق)

ام وليد2005
07-24-2014, 12:56 AM
المبدئ ـــ المعيد
قال تعالى: إنه يبدأ الخلق ثم يعيده .. "4" (سورة يونس)
هو الذي يعيد الخلق بعد الحياة إلي الممات، ثم يعيدهم بعد الموت إلي الحياة. يقول الحق سبحانه: كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون "28" (سورة البقرة)
ويقول جل علاه: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى "55" (سورة طه)
وفي اللغة يقال: فلان ما يبدئ وما يعيد، إذا لم تكن له حيلة. وقال تعالى: يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعداُ علينا إنا كنا فاعلين "104" (سورة الأنبياء)
فالله جلت قدرته منه البداية وإليه النهاية. يقول الحق سبحانه: كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون "28" ( سورة البقرة)
فكل شيء مخلوق له بداية وله نهاية، والذي يملك البدء والإعادة هو القادر على الإحياء والإماتة؛ لأن الدنيا أعمار، وفيها معمرون، ومادامت الدنيا تنتهي بالآخرة، فكل شيء له نهاية وله بداية. يقول الحق سبحانه: كل من عليها فانٍ "26" (سورة الرحمن)
وفي سياق الآيات سالفة الذكر نلمح ما يلي:
(وكنتم أمواتاً) أي: عدماً (فأحياكم) وهذه بداية.
(ثم يميتكم) وهذه نهاية ـ (ثم يحييكم) وهذه بداية (ثم إليه ترجعون) وهذه نهاية تتبعها إما إلي جنة الأبد، أو إلي نار الخلد.
وهذه الصفات يختص بها الواحد الأحد، فقد يبدأ الإنسان عملاً وقد ينهيه، ولكن أساسيات هذا الشيء موجودة قبل بدء الخلق فيه، أما نهايته على يد المخلوق فهي نهاية في شيء موجود قد يعود وقد لا يعود. ونضرب لذلك مثلاً ـ ولله المثل الأعلى ـ الزارع بدأ الزرع وجاء حصاده، وهذه بداية ونهاية مقرونة بزمن ومكان. فالزرع من مقدور الله بدليل قوله تعالى: أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون "64" (سورة الواقعة)
والحصاد بأمره: وآتوا حقه يوم حصاده .. "141" (سورة الأنعام)
والإنسان فاعل بأمره، ومريد بإرادة، مصحوب بحركة وبقدرة، وينطبق عليه البدء والإعادة بخلاف الخالق؛ لأن الخالق هو الأول قبل كل شيء بلا بداية، والباقي بعد فناء كل موجود بلا نهاية. وكل حركة في الكون بما فيه ومن فيه لها بدء ولها نهاية، والكل مملوك لله، فهو الفعال لما يريد، وهو على كل.

ام وليد2005
07-24-2014, 12:58 AM
المحيي ـــ المميت
قال تعالى: ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيى الموتى وأنه على كل شيء قدير "6" (سورة الحج)
هو خالق الحياة ومعطيها لمن يشاء، وهو الذي أحيا قلوب المؤمنين بنوره، وهو الذي أرسل رسوله بالهدى والحق، ونزل الكتاب، لينذر من كان حياً، ويحق القول على الكافرين، وهو الذي أنزل من السماء ماء، وجعل من الماء كل شيء حي.
يقول الحق سبحانه: وجعلنا من الماء كل شيءٍ حي "30" (سورة الأنبياء)
إنها القدرة المطلقة بدون أسباب، ووقفة هنا تجعلنا نرى كيف اهتدينا بما أفاض الله على بعض خلقه بابتكار أسراره في كونه، إلي أن لكل شيء حياة، إن ورقة النبات المقطوعة تحدث فيها تفاعلات، والذرة فيها تفاعلات، والتفاعل معناه الحركة، والحياة ـ كما نعرف ـ من مظهرها الحركة. وغاية ما هناك أنه يوجد فرق في رؤية الحياة عند العامة، ورؤية الحياة عند الخاصة، إن الإنسان العامي لا يعرف أن النطفة فيها حياة، والحبة فيها حياة ولا يعرف ذلك إلا الخاصة من أهل العلم، إن العامة من الناس يعرفون أن الحبة لا توجد لها حياة مرئية، ونمو ظاهر صحيح.
إن هناك فرقاً بين شيء حي وشيء قابل أن يحيا، إن نواة البلح التي نأخذها ونزرعها لتخرج منها نخلة. إنها كنواة تظل مجرد نواة إلي أن يأخذها الإنسان وضعها في بيئتها لتخرج منها النخلة. إن النواة قابلة للحياة، وعندما ننظر إلي ذرات التراب فإننا لا نستطيع أن نضعها في بيئة لنصنع منها شيئاً، ورغم ذلك فإن لذرة التراب حركة، ويقول العلماء: إن الحركة الموجودة في ذرات رأس عيدان علبة الكبريت واحدة تكفي لإدارة خط كهربائي حول الكرة الأرضية عدداً من السنوات، إن هذه أمور يعرفها الخاصة، ولا يعرفها العامة. فإن نظرنا إلي العامة عندما يسمعون قول الحق سبحانه:وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي .. "27" (سورة آل عمران)
كانوا يقولون: إن المثل على ذلك نواة البلح، وكانوا يعرفون النخلة تنمو من النواة، ولكن الخاصة عندما اكتشفوا أن في النواة حياة عرفوا كيفية النمو، إن كل شيء في الوجود له حياة مناسبة لمهمته، فليست الحياة هي الحركة الظاهرة، والنمو الواضح أمام العين، لا إن هناك حياة في كل شيء. إن العامة يمكنهم أن يجدوا المثال الواضح على أن الحق سبحانه يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، أما الخاصة فيعرفون قدرة الله عن طريق معرفتهم، إن كل شيء فيه حياة، فالتراب الذي نضع فيه الزرع لو أخذنا بعضاً منه في مكان معزول فلن يخرج منه شيء.
هذا التراب هو الميت في الدرجة الأولى، والنواة التي نأخذها ونضعها في التراب هي الميت في الدرجة الثانية، وعندما ننقل الميت في الدرجة الأولى ليكون وسطاً بيئياً للميت في الدرجة الثانية تكون له حياة، وكذلك تكون حياة التراب، وعندما ننقل الميت في الدرجة الثانية وهو النواة إلي الوسط البيئي المناسب لها وهو التراب تكون لها حياة. وقد مس القرآن ذلك مساً رقيقاً؛ لأن القرآن حين يخاطب بأشياء قد تقف فيها العقول، فإنه يتناولها التناول الذي تقبله كل العقول، فعقل الصفوة يتقبلها، وعقل العامة يتقبلها أيضاً، لأن القرآن عندما يلمس أي أمر يلمسه بلفظ راقٍ يتقبله كل بحسب فتوحاته.
ثم يكشف العقل البشري تفاصيل جديدة في هذا الأمر، فإن ذلك يتيح للعقل البشري الفرصة ليزيد إيمانه بالخالق الأكرم الذي لم يقل لنا إن الذرة فيها حركة، وفيها شحنات من نوع من الطاقة، ولكن القرآن تناول الذرة وغيرها من الأشياء بالبيان الإلهي القادر، وخصوصاً أن هذه الأشياء لن يترتب عليها خلاف في الحكم. فلو عرف الإنسان وقت نزول القرآن أن الذرة بها حياة، فما الذي يزيد في الأحكام، ولو أن أحداً أثبت أن الذرة ليس بها حياة، فما الذي ينقص من أحكام المنهج الإيماني؟
إن الإنسان ينتفع بالظاهرة أو القضية سواء عرفها أم يعرفها، وعندما نأخذ القرآن مأخذ الواعين به، ونفهم معطيات الألفاظ فإننا نجد أن كلمة (الحياة) لها ضد هو (الموت)، وقد ترك الحق سبحانه كلمة الموت وأورد لنا كلمة أخرى هي (الهلاك).
قال الحق سبحانه: ليهلك من هلك عن بينةٍ ويحيى من حي عن بينةٍ وإن الله لسميع عليم "42" (سورة الأنفال)
إن الهلاك هنا هو مقابل الحياة، لماذا لم يورد الحق كلمة (الموت) هنا؟ لأنه الخالق الأعلم بعباده، يعلم أن عباده يختلفون في مسألة الموت، فبعض منهم يقول تعريفاً للميت: إنه الذي لا توجد به حركة أو حس، ولكن هذا الميت له حياة مناسبة له كحياة الذرة، أو حياة حبة الرمل، أو حياة أي شيء ميت. وهكذا عرفنا من الآية السابقة أن الحياة يقابلهاالهلاك. ويقول الحق سبحانه عن الآخرة ليوضح لنا ما الذي يحدث يوم القيامة، فيقولسبحانه: كل شيء هالك إلا وجهه .. "88" (سورة القصص)
استثنى الحق سبحانه الوجه أو الذات الإلهية وكل ما عداها هالك، ومادام كل شيء هالكاً فمعنى ذلك أن كل ما عداه هالك، ومادام كل شيء هالكاً فمعنى ذلك أن كل شيء كان حياً، وإن لم ندرك له حياة. إذن: فالحياة الحقيقية توجد في كل شيء بما يناسبه، مرة تدركها أنت، ومرة لا تدركها، إذن: فقوله الكريم: وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي .. "27" (سورة آل عمران)
يجوز أن تأخذه مرة بالعرف العام، أو تأخذه بالعرف الخاص. أي: عرف العلماء. ومادام ذلك أمراً ظاهراً في الوجود كولوج الليل في النهار، وولوج النهار في الليل. أي: أن الحق سبحانه يدخل النهار في الليل ويدخل الليل في النهار، وفي اللغة: يسمون بطانة الرجل الوليجة .. لماذا؟ لأنك إن أردت أن تعرف سر واحد من البشر فاجلس مع صديقه أو أحد أصدقائه لأنه متداخل معه. لذلك جاء أمر إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل بالوضوح الكامل. ثم مسألة الحياة والموت، ومن يفعل كل ذلك فلا يمكن لأحد أن يستبعد عليه أنه يؤتي الملك من يشاء. وقد جاء الدليل على الآيات الكونية، ولنسمع قول الحق سبحانه: قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير "26" (سورة آل عمران)
إنك أنت الله الذي أجريت في كونك كل المسائل، فهذا أمر من الخير، إن الإنسان ـ ولله المثل الأعلى ـ والمثل للتقريب لا للتشبيه، فالله منزه عن كل شبه أو مثال، إن الإنسان عندما يرى في ابنه شيئاً يحتاج إلي علاج فإنه يسرع به إلي الطبيب، ويرجوه أن يقوم بإجراء الجراحة التي تشفي الطفل الآن. إن الأب هنا يفعل الخير للابن، فإذا كان هذا أمر المخلوق في علاقته بالمخلوق، فما بالنا بالخالق الأكرم، الذي يجري في ملكه ما يشاء، إيتاء ملك أو نزعة إعزاز أو إذلال، فكل ذلك يكون من الخير.
قال تعالى: وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون "23" (سورة الحجر)
أي: أنه سبحانه وتعالى يملكنا، فلم يعطينا الرزق لكي نخلد في الدنيا، لا بل إنه سيميتنا بعد ذلك، وظاهر الأمر في كلمتي "نحي ونميت" يقتضي أن يقول "نميت ونحي" لأن يخاطبنا ونحن أحياء. ولكن الواقع أن الحق سبحانه ينظر إلي الموت الأول الذي هو العدم المحض قبل أن يوجد الإنسان في الحياة، كما جاء في قوله تعالى: ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا .. "11" (سورة غافر)
وقوله أيضاً: كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون "28" (سورة البقرة)
إذن: فالكلام في تفسير الموت: هل هو العدم المحض، أو العدم بعد وجود؟ فإن كان العدم المحض فنكون قبل أن نخلق أمواتاً، ثم أوجدنا ربنا فأصبحنا أحياء، ثم يميتنا، ثم يبعثنا يوم القيامة، والآية تعطي لنا المعنيين.
ثم قال تعالى: ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي .. "31" (سورة يونس)
الحي هو ما فيه الحياة، ولكننا نفهم الحياة على أنها حس وحركة، ولكن كما قلنا: كل كائن في الوجود له حياة تناسبه، بدليل أن الحق سبحانه وتعالى قال: كل شيء هالك إلا وجهه .. "88" (سورة القصص)
ومادام كل شيء هالكاً يكون كل شيء حي نأتي به له فترة فيهلك، إلا أن الحياة ليست الحس والحركة، أنت تأكل الطعام، والطعام لا حياة فيه بمفهومنا، ولكنه تتكون فيه خلايا جسدك الذي فيه حياة، ويتكون منه الحيوان الذي يتم به التلقيح، لتبدأ حياة جديدة في ابنك. إذن: فكل ما أكلته فيه حياة، والله سبحانه وتعالى في قوله: ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي .. "31" (سورة يونس)
هذه قدرة الله سبحانه وتعالى وحده، فلا أحد يستطيع أن يصل إلي أسرارها، لأنها فوق المقدور، ولقد قالوا: إنه يخرج الحي من الميت، إنه يخرج الكتكوت من البيضة، هم اعتبروا البيضة ميتة، والكتكوت في حياة، مع أن في البيضة حياة لا تصل بذاتها إلي شيء، فليست كل بيضة تخرج كائناً حياً. ولكن لابد أن تكون البيضة ملقحة من الديك، فإذا كان عندنا فرخة، ولا يوجد عندنا ديك لا يخرج كتكوت من البيضة، هذا فرق بين قابلية الحياة وبين الحياة، والبيضة غير المخصبة فيه قابلية الحياة، فإذا خصبت ففيها حياة. البذرة إن ألقيتها في الصحراء لا تنبت شيئاً، وإن زرعتها في أرض خصبة ورويتها تنبت لك الشجر والثمر، إذن: فهناك قابلية الحياة في البذرة، فإن وجدت المناخ المناسب أعطت الحياة.
ويقول الحق جل جلاله: والذي يميتني ثم يحيين "81" (سورة الشعراء)
ولم يستخدم الحق تبارك وتعالى الضمير (هو)؛ لأنه لا يستطيع أن يدعي أحد أنه يميت إنساناً أو يبعث ميتاً. قد يقول أحد الناس: أنا أستطيع أن أميته بأن أقتله، نقول له: إن الموت غير القتل، الموت يأتي بدون نقض للبنية، ولكن القتل لابد من نقصه الجسد. إذن: فكل ما لا يمكن أن تكون فيه شبهة الشرك لا يأتي بالضمير (هو)، ولكن الذي يتوهم فيه شبهة الشرك تأتي (هو) لتنفي أي شبهة لأن يكون هناك شريك لله سبحانه وتعالى فيالعقل.

ام وليد2005
07-24-2014, 12:59 AM
الحي
قال تعالى: الله لا إله إلا هو الحي القيوم .. "255" (سورة البقرة)
وصفة "الحي" هي أول صفة يجب أن تكون لله جل علاه؛ لأن القدرة والعلم بعد الحياة، فكل صفة تأتي بعد الصفة الأولى للحق وهي (الحي)، فلو كان عدماً ـ والعياذ بالله ـ لما جاءت أي صفة بعد ذلك. فكلمة "حي" عندما نسمعها توضح لنا أنه يستحيل معها ألا يكون قادراً ولا مدركاً. ولقد احتار الفلاسفة في معنى "حي" حتى توصلوا إلي ذلك التعريف، فهناك من قال عن "الحي": هو الذي يكون على صفة تجعله مدركاً إن وجد ما يدرك، كأنه يعني بذلك الحياة فيما يعلمه من حياتنا نحن وحياة ما دوننا.
أما إن أردت تعريف "الحي" بالمعنى الواسع الدقيق، فإن الحياة هي أن يكون الشيء على الصفة التي تبقى صلاحيته لمهمته، هذا هو التعريف الدقيق. ويجب أن يكونالتعريف كذلك، وأكرره مرة أخرى حتى يستقر في الأذهان "الحي" هو الذي يكون على صفة تبقى له صلاحيته لمهمته، ولله المثل الأعلى فإذا نظرنا إلي النبات، فإنه عندما ينموفإن معنى ذلك أن فيه حياة؛ لأن النمو يحدث للنبات فتكون له صلاحية في مهمته، فإذاقطع النبات فإنه يفقد صلاحيته لمهمته، تماماً كما يموت الإنسان، ولله المثل الأعلى.
فلو نظرنا إلي العناصر الجامدة عندما تختلط ببعضها فتتفاعل، إن هذا التفاعل مظهر وجود حياة مناسبة لهذه العناصر الجامدة، وليست كحياتنا نحن، فإذا نظرنا إليالأحجار المسماة "بالزلط" الناعمة الملساء، فهل نجدها على مقدار واحد؟ لا .. لأن حجم كل واحدة من تلك الأحجار يختلف عن الأخرى، وهذا دليل على أنها تختلف في مراحلالنمو، وهو نمو خاص بها، فلو أن هذه الأحجار قد ظلت في بيئتها الطبيعية لكبرت أوتفتتت إلي أحجار أصغر لتنمو مرة أخرى بشكل مناسب لأسلوب حياتها، ويكون نموها على الهيئة التي أرادها الله لها. ولكن الإنسان حين يستخدم هذه الأحجار ليضعها على سبيل المثال بين قضبان السكك الحديدية فإنه يخرج بها من بيئتها، وإن كانت لها صلاحية جديدة تولد في موقعها الجديد.
فمن حكمة الخالق الأعظم أنه لا يوجد شيء تنتهي جدواه أبداً، إنما ينتقل الشيء من مهمة إلي أخرى، فنأخذ من أحجار الزلط ما نطحنه ونصنع منه الرمل أو نقيم منه أحجاراً اكبر، وهذه مهام أخرى. إذن: فكل شيء يكون على صفة تبقى له صلاحيته للمهمة فإن له حياة، ونحن لا نأتي بهذا الكلام من عندنا، ولكننا والحمد لله نقرأ القرآن الكريم بإمعان وتدبر. ونسأل: ما الذي قابل الهلاك، إن الحياة بالمعنى البشري، وفي الذهن العادي يقابلها الموت، لكن الحياة بالمعنى الدقيق يقابلها الهلاك، بدليل أن الحق سبحانه وتعالى يقول: ليهلك من هلك عن بينةٍ ويحيى من حي عن بينةٍ .. "42" (سورةالأنفال)
إذن: فالحياة مقابلة للهلاك، ويقول سبحانه وتعالى عن الآخرة: كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون "88" ( سورة القصص)
إن كل شيء في الكون هالك وفانٍ، إلا الله، فهو سبحانه الخالد الذي له القضاء النافذ في الدنيا والآخرة، وإليه مصير الخلق أجمعين. ومادام الحق ـ سبحانه وتعالى ـ قد قرر أن كل شيء هالك، فلنا أن نسأل: أليست الحجارة شيئاً؟ وهل ستدخل إلي الهلاك يوم القيامة؟ إذن: فالحجارة لها حياة مناسبة لها قبل يوم القيامة، ولكن نحن البشر لا نفطن إلي ذلك لأننا نظن أن الحياة هي الحس والحركة الظاهرة. وقد أثبت العلماء الآن أن الذرة فيها عملية جولان وعملية دوران، لكننا نحن لا نفهم ذلك، أما العلماء فقد جعلهم الله جسراً ليشرحوا لنا قدر الحياة في أدق الكائنات.
إن الإنسان حين يضع ورقة من النبات تحت المجهر فإنه يرى الخلايا وما يتم بداخلها من عمليات، ولسوف يدهش لقدرة الخالق سبحانه وتعالى؛ لأن في هذه الأوراق الدقيقة حياة، قد تكون أرقى من حياتنا، وأدق من حياتنا. إذن: فكل شيء له حياة مناسبة له. وإياك أن تظن أيها الإنسان أنك أنت الذي تهلك هذه الحياة في تلك الكائنات .. لا .. إنك عندما تحضر قطعة من الحجر وتطحنها، وتضعها في الفرن لتصنع منها الجير، فإياك أن تظن أنك أذهبت منها الحياة .. لا. كل الذي حدث أن الله أقدرك على أن تحول هذه الأحجار من وضع الحجر الصلد إلي وضع حياة أخرى هي حياة الجير الذي تؤدي مهمة أخرى.
وهكذا تتسلسل المسائل ليكون لكل شيء في الوجود حياة مناسبة، وهي الصفة التي تجعل له الصلاحية لمهمة معينة، ولننظر إلي مهمة الحق، وما مداها؟ وما إمكاناتها؟ إنها فوق التخيل والتصور، إنها المهمة العليا، إنها الحياة العليا، إنه الحي الأعلى، ولا أحد قادر على أن يسلب منه الحياة؛ لأن أحداً لم يعط له الحياة.
إن حياة الحق سبحانه ذاتية، إنه الحي على إطلاقه، أما الحي الذي ليس على إطلاقه فهو الحي الذي يمكن أن تسلب منه الحياة. لذلك قال الحق جل علاه: الله لا إله إلا هو الحي القيوم .. "255" (سورة البقرة)
فجاء بضمير (هو) لانفراد صفة الله عن صفة الخلق، فهو حي بإطلاق، أما حياة المخلوق فهو حي بقيد.

ام وليد2005
07-24-2014, 01:00 AM
القيوم
قال تعالى: الله لا إله إلا هو الحي القيوم .. "255" (سورة البقرة)
لم يوجد إله آخر حتى يرينا نفسه ودلائل قدرته، ومادام قد أخبرنا الله بالقضية الواضحة أنه لا إله إلا هو، فلابد أنه القيوم لإدارة الكون؛ لأن هذا الكون يحتاج إلي قيومية لإدارته. إن القيومية اللازمة لإدارة الكون تتطلب أن يكون القيوم سبحانه وتعالى له أزلية الحياة أنه حي، وحياته باقية بقاء الأبد الذي لا يعرف الحد من أجل المدد لكل الأجناس، للإنسان والحيوان والجماد وما سوى ذلك.
وهو سبحانه قيوم، ويقال عنها في اللغة: صيغة المبالغة، وصيغة المبالغة في اللغةبمعنى أنه إذا ما وقع حدث فإنه يقع مرة على صورة عادية، ومرة أخرى قد يقع على صورة قوية. ونحن نقول عن واحد إنه "أخير"، و"أخير" هذه تختلف عن قولنا "آخر"، وإذا كان الله قيوماً على كل عوامل الكون، فهل نقول "قائم" أم نقول "قيوم"؟ إننا نقول"قيوم"؛ لأنها تعني أنه قائم بذاته ولم يقمه غيره. إن قيام الحق المتعال هو قيام أزلي.
إذن: فكلمة "قيوم" هي صيغة مبالغة من القيام على الأمر، إنه قائم بنفسه، قائم بذاته لم يقمه أحد، وهو الخالق الذي يقيم غيره، والغي متعد متكرر وقوله الحق:الله لا إله إلا هو الحي القيوم .. "255" (سورة البقرة)
هو سند المؤمن في كل حركات حياته. وأضرب هذا المثل لا للتشبيه ولكن للتقريب إلي الذهن، فالله جل علاه منزه عن التشبيه، وله المثل الأعلى: إننا في حياتنا البشرية نجد الأب ونجد الولد، فهل يحمل الولد هماً لأي مسألة من مسائل الحياة؟ طبعاً لا .. لأن الأب متكفل بها، فإذا كنا نقول: من له أب لا يحمل هماً، فما بالنا بالذي له رب، والمثل الريفي يقول: "من له أب لا يحمل هماً، ومن له رب فعليه أن يستحي فلا يحمل هماً للرزق". إن الله سبحانه قد طمأننا جميعاً بأن أبلغنا أنه حي قيوم، ويؤكد لنا الحق سبحانه هذه القيومية في سورة البقرة حين تكلمنا عن آية الكرسي، فقال الحق سبحانه لنا عن ذاته:الله لا إله إلا هو الحي القيوم .. "255" (سورة البقرة)
إن الحق سبحانه يطمئننا ويقول لنا: "إن نمتم فأنا لا أنام، لأن الحي القيوم لا ينام"، هكذا يعطي الإيمان بالله الأمن والأمان، لأن المؤمن محروس في حركة حياته بإيمانه، بأن الله لا إله إلا هو الحي القيوم القائم بأمر الخلق جميعاً. هناك من يقول: إن الله سبحانه وتعالى خلق الكون ووضع له قوانينه، ثم تركه بعد ذلك يعمل بهذه القوانين، ولكنني لا أوافق على هذا القول، الله خلق الكون، وخلق له قوانينه نعم، ولكنه قائم عليه، فلا يترك كونه لحظة واحدة. ولو كانت المسألة هي قوانين الكون وحدها، تعمل بلا تدخل من المشيئة، لعبد الناس القوانين، ولنقرأ الآية الكريمة التي يفزع إليها كل مؤمن إذا أحس بضرر أو واجهة سوء، يقول الله سبحانه وتعالى في هذه الآية: الله لا إله إلا هو الحي القيوم .. "255" (سورة البقرة)
ومعنى "الحي" أنه دائم الحياة والوجود، لا يدركه الموت؛ لأنه خلق الحياة والموت، ومعنى "القيوم" أي: القائم على ملكه، وهذه تحتاج إلي تفسير، لأن كثيراً من الناس يردد أن الكون يمشي بالقوانين التي خلقها الله سبحانه وتعالى، وهي قوانين دقيقة لا تختل بالزمن، ولا تتأثر بأي شيء. ولكن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يريد أن يخبرنا أنه خلق الكون، ووضع له قوانينه ولكنه قائم عليه، أي: أن الله سبحانه وتعالى قائم على ملكه لا يتركه لحظة واحدة، والله طلب منا أن نأخذ بالأسباب.
فهناك دائماً "القيوم" القائم على ملكه الذي يمكن أن يفتح الأبواب، ويحقق ما تحسبهمستحيلاً وغير ممكن، وحينما لا تستجيب الأسباب فإن المؤمن يفزع إلي ربه ويرفع يديهإلي السماء ويقول "يا رب". وكلمة يا رب إيمان بأن الله سبحانه وتعالى قائم على ملكه، فحين يفزع المؤمن إلي الله إنما يعلم أن الله قادر متى عجزت الأسباب، وهو قائم على كونه في كل لحظة وثانية، يبدل العسر يسراً، واليأس أملاً وفرجاً. "فهاجر" ـ رضي الله عنها ـ تركت وليدها عند بئر زمزم، وانطلقت تسعى من أجل الماء، ولكن الأسباب لم تستجب لها، وبعد سبعة أشواط تعبت وتسرب اليأس إلي قلبها، فضرب وليدها الأرض بقدمه، وهو الطفل الضعيف الذي لا يملك من أسباب الدنيا شيئاً فانفجرت الماء.
الأم القادرة التي تستطيع أن تسير هنا وهناك، وتبحث عن الماء والتي تملك قوةالأسباب لم تستجب لها هذه الأسباب، والطفل الرضيع العاجز الذي لا يملك من الأسبابمن يجعله قادراً على أن يسقي نفسه شربة ماء، هذا الطفل العاجز الصغير الرضيع ضرب الأرض بقدمه فانفجر الماء. لو نظر كل منا إلي حياته لوجد أنه قد مر فيها أوقاتتوقفت خلالها كل الأسباب وأحس باليأس، وجلس يقلب المشكلة فلم يجد حلاً، ثم فجأة جاء الحل من حيث لا يعلم ولا يدري. إذن: فالله سبحانه وتعالى قائم على ملكه تفزع إليه النفس المؤمنة، عندما تتعطل الأسباب، وهي واثقة أن الله سبحانه وتعالى يستطيع أن يعطيها عندما تعجز الأسباب، وتقف الدنيا عن العطاء، ثم تمضي الآية الكريمة: الله لا إله إلا هو الحي القيوم .. "255" (سورة البقرة)
أي: أن الله سبحانه وتعالى لا ينام أبداً، ولا يغفل أبداً، وهنا يريد الله أن يزيد اطمئنان النفس التي يصيبها الفزع من هموم الدنيا، يريد أن يعيد إليها الطمأنينة والأمان، فيذكرها بأنه: لا تأخذه سنة ولا نوم .. "255" (سورة البقرة)
أي: لا يغفل عن شيء أبداً، ولا يخرج عن علمه شيء في الكون، فإذا لم ير الناس جميعاً فالله يرى، وإذا لم يسمع الناس جميعاً فالله يسمع، وإذا لم تصل عدالة الأرض لتقتص من الظالم فإن هناك عدالة السماء موجودة. يقول الحق سبحانه:ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار "42" (سورة إبراهيم)
ومن هنا تكون هذه النفس المؤمنة مطمئنة إلي أن الله سبحانه وتعالى ليس غافلاً عما يعمل الظالمون.
لا تأخذه سنة .. "255" (سورة البقرة)
أي: لحظة يغفل فيها، وتكون هذه النفس المؤمنة مطمئنة إلي أن الله يحرسها ويدافع عنها، فتنام ليلها ملء جفونها، لماذا؟ لأن الله سبحانه وتعالى لا ينام. والله سبحانه وتعالى هنا يريد أن يقول لكل مؤمن: نم أنت ولا تخش شيئاً، فإني أحرسك وأرعاك وأنت نائم وأنت مستيقظ، فلا تدع القلق يدخل نفسك، وتحس أنك نمت نال منك عدوك أو أصابك أذى. تذكر دائماً وأنت تذهب لفراشك لتنام والقلق يملأ قلبك أن الله سبحانه وتعالى لا ينام، وأنه يحميك، فكن مطمئناً وأنت في حماية الله. وإذا كان الإنسان ينام مطمئناً إذا وضع على منزله حارساً أو غفيراً أو رجلاً ساهراً لا ينام الليل، فكيف بمن يحرسه الله.
وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا .. "55" (سورة النور)
ومن هنا فإن المؤمن يحس دائماً أنه في أمن وأمان؛ لأن الله هو الذي يرعاه في أحلك الأوقات وفي أشد اللحظات. يقول الحق سبحانه: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن "82" (سورة الأنعام).

ام وليد2005
07-24-2014, 01:01 AM
الواجد
قال تعالى: وإن من شيءٍ إلا عندنا خزائنه .. "21" (سورة الحجر)
قيل: الواجد الذي لا يضل عنده شيء، ولا يفوته شيء. وقيل: الواجد مأخوذ من الوجدان بمعنى العلم الناشئ عن الوجدان. ويقال: وجدت فلاناً فقيهاً. أي: علمت كونه كذلك. وقيل: الواجد هو الله، يجد كل ما يطلبه ويريده، ولا يعوزه شيء من ذلك، ولا يعجزه شيء، ولا يفوته شيء. فهو الواجد للحركة مع نفاذ أمره؛ لأن أمره في كينونته، إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، ومادام عنده مفاتح الغيب فهو صاحب الإيجاد والإمداد.
ويقول الحق سبحانه وتعالى: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو .. "59" (سورة الأنعام)
هو رب الإيجاد فقد خلقنا من العدم، وأوجدنا ولم نكن شيئاً مذكوراً. يقول الحقسبحانه: هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً "1" (سورة الإنسان)
ويقول: كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون "28" (سورة البقرة)
وهو رب الإمداد، يقول الحق: أمدكم بما تعلمون "132" أمدكم بأنعامٍ وبنين "133" (سورة الشعراء)
وهو رب الخلود، يقول الحق سبحانه: فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه "19" إني ظننت أني ملاقٍ حسابيه "20" فهو في عيشةٍ راضيةٍ "21" في جنةٍ عاليةٍ "22" (سورة الحاقة)
كما يقول: وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه "25" ولم أدر ما حسابيه "26" يا ليتها كانت القاضية "27" ما أغنى عني ماليه "28" هلك عني سلطانيه "29" (سورة الحاقة)
إذن: إن حياة الخلود إما إلي جنة أبداً، أو إلي نار أبداً. وهو الواجد لكل ما في الكون، وما وراء الكون، وفوق الكون، فهو المحيط بمدد، وهو على كل شيء قدير.

ام وليد2005
07-24-2014, 01:02 AM
الماجد
"اللهم أنت الماجد المجيد، الفعال لما يريد، نسألك الإمداد يوم الوعيد"
هو الذي تعطف بالمجد وتكرم به ـ فهو العظيم القدر، العظيم الشرف، الواسع الكرم. ويجوز أن يكون الماجد بمعنى المجيد، كالعلم بمعنى العليم. عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن ربه عز وجل قال: يقول:
"يا عبادي، كلكم مذنب إلا من عافيت، فاستغفروني أغفر لكم بقدرتي، من علم منكم أني ذو مقدرة على المغفرة فاستغفرني غفرت له ولا أبالي، وكلكم هالك إلا من هديت فسلوني الهدى أهديكم، وكلكم فقير إلا من أغنيت فسلوني أرزقكم، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم ورطبكم ويابسكم وحيكم وميتكم اجتمعوا على اتقى قلب عبد من عبادي لم يزد ذلك في ملكي جناح بعوضة، ولو اجتمعوا على أشقى قلب عبد من عبادي، لم ينقص ذلك من ملكي جناح بعوضة، ولو أن أولكم وآخركم ورطبكم ويابسكم وحيكم وميتكم اجتمعوا فسأل كل سائل منكم ما سأل لم ينقص ذلك مما عندي شيئاً. كما لو أن أحدكم مر على شفة البحر فخمس فيه إبره ثم انتزعها، ذلك بأني جواد "ماجد" أفعل ما أشاء، عطائي كلام، وإذا أردت شيئاً فإنما أقول له كن فيكون".
وهذا الاسم الكريم غير مذكور في القرآن، بل المذكور "المجيد".

ام وليد2005
07-24-2014, 01:02 AM
الواحد
قال تعالى: وليعلموا أنما هو إله واحد .. "52" (سورة إبراهيم)
هو الواحد في ذاته لا شريك له، وهو الواحد في صفاته الأزلية لا نظير له، وهو الواحد في أفعاله لا منازع له. أي: أن الواحد هو الفرد المنفرد في ذاته وصفاته وأفعاله. فهو واحد في ذاته، لا يتجزأ لا يتناهى. واحد في صفاته، لا يشبه شيئاً، ولا يشبهه شيء. واحد في أفعاله لا شريك له. وقد فسر قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله وتر يحب الوتر". يعني: يحب القلب المنفرد له تعالى.
وقد قال الشاعر في هذا المعنى:
إذا كان من تهواه في الحسن واحداًفكن واحداً في الحب إن كنت تهواه

وفي الحديث أنه عليه السلام سمع رجلاً يقول في دعائه : "اللهم إني أسألك بأنك أنت الله "الواحد" الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد" فقال: "لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعى به أجاب، وإذا سئل به أعطى". وكلمة "واحد" تعني أول العدد، وهو أيضاً في تعريفه أصل العدد؛ لأن عدد أي شيء يبدأ من واحد مضموم إليه أعداد أخرى، وعندما يقول العلماء بتعريف أي "عدد" آخر غير الواحد فإنهم يقولون: إنه نصف مجموع حاشيتيه المتساويتين، فماذا يعني ذلك؟ لنفترض أن رجلاً يجلس على يمين رجلين، هنا نعتبر الرجل الذي يجلس على اليمين الحاشية الأولى، ونعتبر الرجل الذي يجلس على اليسار الحاشية الثانية، وهكذا يكون الرجل الجالس بين الرجلين مساوياً لنصف مجموع الحاشيتين المتساويتين.
وعندما نأخذ أي عدد بين حاشيتين فعلينا أن نأخذ حاشيتين يكون نصفهما مساوياً للعدد. ومثال ذلك العدد "خمسة" حاشية الأولى "أربعة" وحاشيته الثانية "ستة" ومجموعهما يساوي "عشرة" ونصف مجموعهما هو العدد رقم "خمسة". وعندما نتأمل كلمة "واحد" فإننا نجد أنها تدل على وحدة الفرد، وقد يكون مجزأ؛ ولذلك نحن لا نكتفي بالقول بأن الله واحد، ولكننا نقول "الله واحد أحد" أي: واحد لا أجزاء له.
ولكننا نقول عن أي إنسان: إنه "واحد" ولا نقول على الإنسان "واحد أحد" لماذا؟ لأن الإنسان واحد متشابه مع غيره وله أجزاء، ونقول أيضاً عن "الشمس" إنها كوكب واحد لأنها مكونة من أشياء هي الغازات الملتهبة. لذلك لا نقول عنها إنها "أحد" إذن: لا شيء ولا كائن نطلق عليه "واحد أحد" سوى الله جل وعلا؛ لأنه الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي ليس كمثله شيء.

ام وليد2005
07-25-2014, 06:16 PM
الصمد
قال تعالى: قل هو الله أحد "1" الله الصمد "2" (سورة الإخلاص)
ما معنى الصمد؟
الصمد هو المعنى الجامع، الذي يدخل فيه مطالب كل موجود، فهو الصمد الذي تصمد إليه جميع المخلوقات بالافتقار والحاجة، ويفزع إليه العالم بأسره، وهو الذي كمل في علمه، وحكمته وحلمه وقدرته، وعظمته ورحمته، فهو كامل الصفات، المقصود من المخلوقات في كل المطالب والحاجات. والذي يعيش في رياض القرآن يجد أن الله هو المقصود لكل قاصد، وهو الذي يعطي لكل شيء حقه، نطق به أم لم ينطق به.
ويقول الحق سبحانه: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبةٍ من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين "47" (سورة الأنبياء)
من هذه الآية نعلم أن صمدية الله هي عطاؤه، وعطاؤه محوط بعدله، وقد يكون العطاء ربوبياً أو إلهياً، فيقول الحق سبحانه: كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً "20" (سورة الإسراء)
أما عطاء الألوهية فهو للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فالقرآن الكريم يقول:ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياءً وذكر للمتقين "48" الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون "49" وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون "50" ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين "51" (سورة الأنبياء)
ويحكي لنا الحق سبحانه أمر إبراهيم عليه السلام مع قومه وكيف نجاه من كيدهم، فيقول تعالى: إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون "52" قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين "53" قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبينٍ "54" قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين "55" قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين "56" وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين "57" فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون "58" قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين "59" قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم "60" قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون "61" قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم "62" قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون "63" فرجعوا إلي أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون "64" ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون "65" قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم "66" أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون "67" قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين "68" قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم "96" وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين "70" (سورة الأنبياء)
وتتوالى عطاءات الله لمن قصدوه وحده بالعبادة والتوجه، فيقول تعالى: ونجيناه ولوطاً إلي الأرض التي باركنا فيها للعالمين "71" ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين "72" وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين "73" ولوطاً آتيناه حكماً وعلماً ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوءٍ فاسقين "74" وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين "75"} (سورة الأنبياء)
{ونوحاً إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم "76" ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوءٍ فأغرقناهم أجمعين "77" (سورة الأنبياء)
وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين "78" ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكماً وعلماً وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين "79" وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون"80" ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلي الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيءعالمين "81" ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملاً دون ذلك وكنا لهم حافظين "82" (سورة الأنبياء)
وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين "83" فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضرٍ وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمةً من عندنا وذكرى للعابدين "84" وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين "85" وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين "86" وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن تقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين "87" فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين "88" وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين "89" فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين "90" والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين "91" إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون "92" (سورة الأنبياء)
ثم يقول الحق سبحانه: ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون "105" إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين "106" وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين "107" قل إنما يوحي إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون "108" فإن تولوا فقل آذنتكم على سواءٍ وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون "109" إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون "110" وإن أدرى لعله فتنة لكم ومتاع إلي حين "111" قال رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون :112" (سورة الأنبياء).
والمعايش لكتاب الله يلمس أن العطاءات الربانية وعطاءات الألوهية لا حصر لها ولا عدد، فكم من نفس ولدت في لحظة وماتت في لحظة، ورزقت في لحظة، وافتقرت في لحظة، وكم من نفس شفيت من مرض، وكم من نفس مرضت من شفاء، وكم من إنسان أعزه الله، وكم من إنسان أذله الله. وكم من ممالك تطاولت، وكم من ملوكٍ تلاشوا، وكم من سائل يسأل. كل هذه القضايا تنطلق من عطاء الربوبية لكل الناس، فعطاء الألوهية الذي اختصه الله لمن آمن به توحيداً وتعبداً وسلوكاً، فإذا نظرنا إلي عدد مطلوب الخلائق في كل لحظة من لحظات الحياة لنجد أنه يعطي الكل في لحظة، كما يحاسب الكل في ساعة، وساعة الله يعلمها هو.

ام وليد2005
07-25-2014, 06:19 PM
القادر
قال تعالى: فقدرنا فنعم القادرون "23" (سورة المرسلات)
قدرة الحق سبحانه لا تقارن بقدرة الخلق، فالله حي وأنت حي، لكن هل حياة المخلوق المنتهية يمكن أن تقارن بحياة الخالق الأزلي الدائم؟ إن الله سميع والإنسان يسمع، فهل سمع الله ـ وهو الخالق البارئ المصور ـ كسمع البشر المحدود، إن أي شيء يأت عن الله إنما يجب أن نأخذه بعيداً عن التصور البشري، إنما نأخذه في إطار: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير "11" (سورة الشورى)
إن البشر المتشابهين هم من خلق الله، وكل فرد فيهم، له علامات تميزه قد ندركها، وقد لا يدركها إلا المتخصصون، وآخر الاختلافات الجوهرية في البصمة وفي الشكل وفي السلوك، فما بالنا باختلاف البشر جميعاً عن الخالق القادر؟ لذلك يقول المحققون: إن على الإنسان المؤمن بالله أن يعلم أنه هو بعض من خلق الله، والله سبحانه وتعالى يعطينا الحقائق التي تفوق كل ما في رؤوس البشر جميعاً لماذا؟ لأنه القادر المطلق، والقادر لا ينقلب إلي مقدور أبداً، ومن عظمة الحق سبحانه أن العقل لا يمكن أن يتصوره، ومن رحمة الله بالخلق أن وصف لنا نفسه بأنه: ليس كمثله شيء .. "11" (سورة الشورى)
وضرب الحق سبحانه لنا المثل بالروح التي تدب في الإنسان فيتحرك ويسعى إلي الرزق، ولكن إذا خرجت الروح صار الجسد رمة، وتتحول العناصر إلي التراب. فهل ينتظر الناس أن يأتي الله والملائكة في ظلل من الغمام، أي: بما يحجب البصر، وتعلن الساعة، إذا كانوا ينتظرون ذلك، فلسوف تقوم الساعة بأشراطها، وفي ميعادها الذي لا يعرفه إلا الله. ولسوف يرى المؤمن والكافر أن الله قادر فوق كل العباد. إن المؤمن يرجع إلي الله؛ لأنه يؤمن بالله ويعمل العمل الصالح ليقوده إلي الجنة، والكافر يعود إلي اللهمجبراً مسوقاً مقهوراً.
إن الله سبحانه وتعالى حين يخلق قانوناً من القوانين يطلقه ويقيده (هو مطلق بإرادة الله) مقيد بإرادة الله، قد تبدو هذه العبارة متناقضة ولكنها حقيقة، فالله سبحانه وتعالى مثلاً أطلق قانوناً بأن الذرية تأتي من اجتماع الذكر والأنثى، فمتى تزوج رجل وامرأة فالوضع الطبيعي على إطلاقه أن ينجبا أطفالاً. وفي بعض الأحيان يمضي القانون بغير رغبة الطرفين، فقد يكون الزوج أو الزوجة غير راغبين في الإنجاب السريع، ومع ذلك يتم الإنجاب، إذن: فالقانون على طلاقته يمضي في الكون لا يفرق بين غني وفقير، ولا بين جنس وجنس، ولا بين أي شيء آخر، فالقاعدة هي القاعدة لكي يتم الإنجاب، لكي يولد الأطفال، فلابد من ذكر وأنثى.
ثم يأتي بعد ذلك أن هذا القانون رغم إطلاقه مقيد بإرادة الله، مصداقاً لقوله تعالى:ويجعل من يشاء عقيماً .. "50" (سورة الشورى)
القاعدة في انطلاق القانون وطلاقته أنه كي يولد طفل لابد من ذكر وأنثى، ولكن التقيد بالمشيئة الذي يسيطر على هذا القانون هو في أن تسبق إرادة الله إتمام الخلق، فكل رجل وامرأة يستطيعان أن ينجبا طفلاً إذا شاء الله، وإن لم يشأ اجتمع الرجل والمرأة ولا يأتي الطفل. ويذهب الاثنان إلي الأطباء ويعالجان، ويتدخل العلم بكل قدراته، ولا يحدث إنجاب، فلو أن الأصل في القانون هو طلاقته، لتم الإنجاب بين كل رجل وامرأة، ولكن الأصل في القانون هو طلاقته مقيد بالمشيئة، فلا يتم الإنجاب إلا إذا شاء الله.
والله سبحانه وتعالى يقول: ويجعل من يشاء عقيماً .. "50" (سورة الشورى)
وهكذا فإن الله سبحانه وتعالى يطلق القانون ويقيده، ولكنك أنت تتبع القانون ولا تستطيع أن تقيده، ولذلك فإن الحق سبحانه وتعالى وضع قوانين للكون، هذه القوانين تمضي كل يوم تؤدي ما أمرها الله به، ولكن الله سبحانه وتعالى يأتي في بعض الأحيان ويعطل هذه القوانين، ويحدث ذلك في حالتين:
الحالة الأولى: إذا أرسل سبحانه وتعالى نبياً أو رسولاً إلي الناس ليهديهم إلي الحق. في هذه الحالة يعطي هذا الرسول أو النبي آية ليصدق الناس أنه مرسل من الله سبحانه وتعالى. لماذا؟ لأنه حين يأتي إنسان ويقول: أنا رسول من عند الله، جئت لأبين منهجه، أتصدقه، وهنا يطالبه السامع بإثبات ما يقول. إذن: كان لابد أن تجئ مع كل رسول معجزة تثبت صدقه في رسالته وفي بلاغه عن الله. ومعجزات الله تتميز أولاً بأنها تتحدى البشر، وثانياً: بأنها خرق لقوانين الكون، فالتحدي يأتي من نفس نوع العمل الذي نبغ فيه الناس في ذلك العصر.
فأنت حين تتحدى لا تأتي لإنسان ضعيف وتتحداه في مباراة لرفع الأثقال، ولكن تأتي لبطل العالم وتواجهه بهذا التحدي، وإذا أتيت قوماً كانوا نابغين في الطب، فلابد من أنتأتيهم بمعجزة من نفس ما نبغوا فيه؛ ولذلك فإن القرآن الكريم قد تحدى العرببالبلاغة، وهي ما نبغوا فيها. والله سبحانه وتعالى حينما أيد رسله وجه لهم قوانينالحياة حسب مطلوبه، فمثلاً معجزة إبراهيم ـ عليه السلام ـ وجه الله فيها خاصيةالإحراق للنار لتكون برداً وسلاماً، لقد جاء الكفار ممن عاشوا في عهد إبراهيم ـ عليه السلام ـ ليحرقوا إبراهيم أمام أصنامهم وآلهتهم، وفي ظنهم أن هذه الآلهة ستعاونهم على الفتك بإبراهيم. فماذا حدث؟
جاءوا بإبراهيم وأمام آلهتهم وفي حمايتهم، وأوقدوا ناراً هائلة ليحرقوه، والحرق هنا أمام الآلهة وعلى مشهد منها، وليكون الانتقام من إبراهيم انتقاماً تباركه الآلهة وتجعله رهيباً. وشاء الله سبحانه وتعالى أن يتم ذلك كله، فكان من الممكن أن يختفي إبراهيم في أي مكان، كان ذلك ممكناً ليقي إبراهيم الحرق، والله قادر على جعلهم لا يقدرون عليه، قادر على أن يخفيه عنهم، ولكنه لو حدث هذا لقالوا: إننا قبضنا على إبراهيم وأحرقناه، ولذلك كان لابد أن يقع إبراهيم في أيديهم ليعرف القوم جميعاً سفاهة معتقداتهم. وكان من الممكن أن تنطفئ النار لأي سبب من الأسباب، كأن ينزل المطر من السماء مثلاً، والنار لم تنطفئ بل ازدادت اشتعالاً، وألقوا بإبراهيم في النار ليحرقوه.
والله سبحانه وتعالى يبطل خاصية الإحراق في النار، فيوظف النار في غر اختصاصها بخاصية أخرى لتكون برداً وسلاماً. إذن: فمعجزة إبراهيم ليست أن ينجو من النار، ولو أراد الله أن ينجيه ما استطاعوا أن يقبضوا عليه، ولكن الله شاء أن تظل النار متأججة محرقة قوية، ويلقي فيها إبراهيم أمام الناس، ثم يعطل الله ناموس إحراقها. وموسى عليه السلام ضرب البحر بعصاه فانشق، وخاصية الماء الاستطراق، ولكن الله سبحانه وتعالى أمر البحر أن ينشق لموسى، وعطل له قانوناً من قوانين الكون.
وعيسى ـ عليه السلام ـ كانت له أكثر من معجزة في إبراء الأكمة والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله. هذه هي بعض الأشياء التي تلفتنا إلي قدرة الله سبحانه وتعالى فيما خرق من نواميس الكون، ليؤيد رسالته، ويدل الناس على صدق رسالات السماء. تأتي بعد ذلك الحالات التي يغير الله فيها ناموساً من نواميس الكون ليلفت الناس إلي طلاقة قدرته؛ لأن طلاقة القدرة لها حق المحو والإثبات، ولها أن تجعل سبباً للشيء، ولها أن تلغي الأسباب. مثلاً آدم بغير أم ولا أب، وحواء بغير أم، وعيسى بغير أب، ومحمد بأب وأم، وهذه طلاقة القدرة وهناك رزق بحساب، ورزق بغير حساب.
الأول: من عمل صالحاً فلنفسه .. "46" (سورة فصلت)
والثاني: يرزق من يشاء بغير حسابٍ "212" (سورة البقرة)

ام وليد2005
07-25-2014, 06:20 PM
المقتدر
قال تعالى: إن المتقين في جناتٍ ونهرٍ "54" في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدرٍ "55" (سورة القمر)
هو ربي المقتدر، ذو القدرة العظيمة، المسيطر بقدرته البالغة على خلقه وعلى كل من أعطاه حظاً من قدرة. وهو المقتدر على جميع الممكنات، والمقتدر يفيد معنى القادر مبالغة وأكثر تعظيماً. والأمور تجري بقدرة الله ومقداره وتقديره وإقداره ومقاديره، والقدر (بالفتحة) هي ما يقدره الله من القضاء، وقد ذكر المقتدر في القرآن الكريم مرتين في سورة القمر. وجميع المخلوقات والكائنات كلها مقهورة لله، خاضعة لعظمته، منقادة لإرادته، فجميع نواصي المخلوقات بيده، لا يتحرك منها متحرك، ولا ينصرف متصرف إلا بحوله وقوته وإذنه، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فمن قدرته واقتداره أنه خلق الخلق، ثم يميتهم ثم يحييهم ثم إليه يرجعون.
قال تعالى: وما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفسٍ واحدةٍ .. "28" (سورة لقمان)
وقوله تعالى: وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه .. "27" (سورة الروم)
ويقول جل علاه: كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليهترجعون "28" (سورة البقرة)
ومن آثار قدرته سبحانه أنك ترى الأرض هامدة، فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج، ومن آثار قدرته ما أوقعه بالأمم المكذبة والكفار الظالمين من أنواع العقوبات وحلول المثلات، وأنه لم يغن عنهم كيدهم ومكرهم ولا أموالهم ولا جنودهم ولا حصونهم من عذاب الله من شيء لما جاء أمر ربك، وما زادهم غير تتبيب. وخصوصاً في هذه الأوقات، فإن هذه القوة الهائلة والمخترعات الباهرة التي وصلت إليها مقدرة هذه الأمم هي من إقدار الله لهم وتعليمه لهم ما لم يكونوا يعلمونه.
فمن آيات الله أن قواهم وقدرهم ومخترعاتهم لم تغن عنهم شيئاً في صد ما أصابهم من النكبات والعقوبات المهلكة، مع بذل جدهم واجتهادهم في توقي ذلك، ولكن أمر الله غالب، وقدرته تنقاد لها عناصر العالم العلوي والسفلي. ومن تمام عزته وقدرته وشمولها أنه كما أنه هو الخالق للعباد، فهو خالق أعمالهم وطاعاتهم ومعاصيهم، وهو أيضاً خالق أفعالهم، فهي تضاف إلي الله خلقا وتقديراً، وتضاف إليهم فعلاً ومباشرة على الحقيقة، ولا منافاة بين الأمرين، فإن الله خالق قدرتهم وإرادتهم، وخالق السبب التام وخالق للمسبب، قال تعالى: والله خلقكم وما تعملون "96" (سورة الصافات)
ومن آثار قدرته ما ذكره في كتابه من نصره أولياءه، على قلة عددهم وعددهم على أعدائهم الذين فاقوهم بكثرة العدد والعدة.
قال تعالى: كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن الله .. "249" (سورة البقرة)
ومن آثار قدرته ورحمته ما يحدثه لأهل النار وأهل الجنة من أنواع العقاب وأصناف النعيم المستمر الكثير المتتابع الذي لا ينقطع ولا يتناهى، فبقدرته أوجدت الموجودات،وبقدرته دبرها، وبقدرته سواها وأحكمها. وبقدرته سبحانه يحيى ويميت، ويبعث العباد للجزاء ويجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، وبقدرته يقلب القلوب ويصرف على ما يشاء، الذي إذا أراد شيئاً قال له: (كن فيكون) .
قال الله تعالى: إن الله على كل شيءٍ قدير "148" (سورة البقرة).

ام وليد2005
07-25-2014, 06:22 PM
المقدم ــ المؤخر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعائه: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير"
هو المقدم والمؤخر لما شاء، كما شاء بحكمته، وهو المقدم من شاء بالتقوى والإنابة، والصدق والاستجابة، المؤخر لمن شاء بعدله وحكمته. هو الذي قدم الأبرار وأخزى الفجار، وهو الذي يقرب ويبعد، فمن قربه فقد قدمه، ومن أبعده فقد أخره. وهو الذي يقدم بعض الأشياء على بعض بأمره، إما بالوجود كتقديم الأسباب على مسبباتها، أو بالشرف كتقديم الأنبياء والصالحين من عباده. وصلى الله على سيدنا محمد الذي قدمه ربه على جميع خلقه.
قال تعالى: قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم .. "14" (سورة الأنعام)
لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين "163" (سورة الأنعام)
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في الصلاة.
وكان آخر ما يقول صلى الله عليه وسلم بين التشهد والتسليم: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت"
والمقدم والمؤخر هما ـ كما تقدم ـ من الأسماء المزدوجة المتقابلة، التي لا يطلق واحد بمفرده على الله إلا مقروناً بالآخر، فإن الكمال من اجتماعهما، فهو تعالى المقدم لمن شاء،والمؤخر لمن شاء بحكمته. وهذا التقديم يكون كونياً، كتقدم بعض المخلوقات على بعض،وتأخير بعضها على بعض، وكتقديم الأسباب على مسبباتها، والشروط على مشروطاتها.
وأنواع التقديم والتأخير بحر لا ساحل له، ويكون شرعياً كما فضل الأنبياء على الخلق، وفضل بعضهم على بعض .. وفضل بعض عباده إلي بعض، وقدمتهم في العلم، والإيمان، والعمل، والأخلاق، وسائر الأوصاف، وأخر من أخر منهم بشيء من ذلك، وكل هذا تابع لحكمته. وهذان الوصفان وما أشبههما من الصفات الذاتية لكونهما قائمين بالله، والله متصف بهما، ومن صفات الأفعال، لأن التقديم والتأخير متعلق بالمخلوقات ذواتها، وأفعالها، ومعانيها، وأوصافها. وهي من إرادة الله وقدرته. فهذا هو التقسيم الصحيح لصفات الباري، وأن صفات الذات متعلقة بالذات، وصفات أفعاله متصفة بها الذات، ومتعلقة بما ينشأ عنها من الأقوال والأفعال.
قال الله عز وجل: وإن يمسسك الله بضرٍ فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيءٍ قدير "17" (سورة الأنعام)
وقال الله تعالى: قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً أو أراد بكم نفعاً بل كان الله بما تفعلون خبيراً "11" (سورة الفتح)
وصفة الضر والنفع هما ـ كما تقدم ـ من الأسماء المزدوجة المتقابلة، فالله تعالى النافع لمنشاء من عباده بالمنافع الدينية والدنيوية، الضار لمن فعل الأسباب التي توجب ذلك. وكل هذا تبع لحكمته وسننه الكونية وللأسباب التي جعلها موصلة إلي مسبباتها، فإن الله جعل مقاصد للخلق وأموراً محبوبة في الدين والدنيا، وجعل لها أسباباً وطرقاً، أمر بسلوكها ويسرها لعباده غاية التيسير.
فمن سلكها أوصلته إلي المقصود النافع، ومن تركها، أو ترك بعضها، أو فوت كمالها، أو أتاها على وجه ناقص ففاته الكمال المطلوب فلا يلومن إلا نفسه، وليس له حجة أمام الله، فإن الله أعطاه السمع والبصر والفؤاد والقوة والقدرة وهداه النجدين وبين له الأسباب والمسببات، ولم يمنعه طريقاً يوصل إلي خير ديني أو دنيوي، فتخلفه عن هذه الأمور يوجب أن يكون هو الملوم عليها، المذموم على تركها. وأعلم أن صفات الأفعال كلها متعلقة وصادرة عن هذه الصفات الثلاثة:
1. القدرة الكاملة.
2. المشيئة النافذة.
3. الحكمة الشاملة التامة.
وهي كلها قائمة بالله، والله متصف بها، وآثارها ومقتضياتها جميع ما يصدر منها في الكون كله من التقديم والتأخير، والنفع والضر، والعطاء والحرمان، والخفض والرفع، ولا فرق بين محسوسها ومعقولها، ولا بين أن تكون دينية أو دنيوية، فهذا معنى كونها أوصاف أفعال.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء:
" اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير"
ولنتدبر معاً هذه الآيات البينات: ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وآخر "13" (سورةالقيامة)
قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد "28" (سورة ق)
ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار "42" (سورة إبراهيم)

ام وليد2005
07-25-2014, 06:24 PM
الأول
قال تعالى: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم "3" ( سورة الحديد)
هو الأول قبل كل شيء، بلا بداية، والآخر بعد كل شيء بلا نهاية، وهو الموجود الواجب الوجود، الأول لكل ما سواه، المتقدم على كل ما عداه، وهذه الأولية، وهذا التقدم ليس بالزمان ولا بالمكان، ولا بأي شيء في حدود العقل أو محاط بالعلم. والله سبحانه وتعالى "ظاهر باطن" في كونه أولاً: هو الأول أظهر من كل ظاهر؛ لأن العقول تشهد بأن المتحدثات لها موجد متقدم عليها فهو تعالى ظاهر، تشهد به الحواس الظاهرية والغيبية، يقول الحق سبحانه: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق .. "53" (سورة فصلت)
ويقول جل علاه: إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب "190" الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً وسبحانك فقنا عذاب النار "191" (سورة آل عمران)
فهو الأول "أبطن من كل باطن"؛ لأنك إذا أردت أن تعرف حقيقة تلك الأولية عجزت، لأن كل ما أحاط به عقلك وعلمك فهو محدود، فيكون متناهياً، فتكون الأولية خارجة عنده، وليس في حدود العقل إلا أن يتدبر القرآن: نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين "60" (سورة الواقعة)
قيل: ويجوز أن يكون معنى: وما نحن بمسبوقين "60" (سورة الواقعة)
أنه هو الأول، لم يكن قبله شيء، فهو الأول قبل كل شيء فإن لم يكن أول قبل كل شيء لم يكن للشيء وجود، والأشياء بفعله وأمره وإرادته لا انتهاء لها. إذن: فهو الأول لأنه الواحد الذي لا شريك له، والواحد منه الانطلاق العددي والخلقي والكوني والحركي، وأوليته بلا بداية، فإذا نظرنا إلي وجود شيء نجد سبق الأولية فيه لله، وعندما ينتهي الشيء نجد انتهاءه بأمره، فهو الآخر، وعندما يبدأ الشيء نمواً وصعوداً يكون الأول، فأوليته أبدية وآخرته لا نهائية. وهو الأحد الذي لا يقبل التجزئة، وهو الواحد الذي منه انطلاق الخلق، وهو الأول قبل كل أول، والآخر بعد كل آخر، وهو الصمد الذي تفتقر إليه الخلائق، وهو المجيب لكل مطلوب لطالب.

ام وليد2005
07-25-2014, 06:26 PM
الأخر
قال تعالى: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم "3" (سورة الحديد)
هو الأول قبل كل شيء، بلا بداية، والآخر بعد كل شيء بلا نهاية، وهو الموجود الواجب الوجود، الأول لكل ما سواه، المتقدم على كل ما عداه، وهذه الأولية، وهذا التقدم ليس بالزمان ولا بالمكان، ولا بأي شيء في حدود العقل أو محاط بالعلم.
والله سبحانه وتعالى "ظاهر باطن" في كونه أولاً: هو الأول أظهر من كل ظاهر، لأن العقول تشهد بأن المتحدثات لها موجد متقدم عليها فهو تعالى ظاهر، تشهد به الحواس الظاهرية والغيبية، يقول الحق سبحانه: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق .. "53" (سورة فصلت)
ويقول جل علاه: إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب "190" الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً وسبحانك فقنا عذاب النار "191" (سورة آل عمران)
فهو الأول "أبطن من كل باطن"؛ لأنك إذا أردت أن تعرف حقيقة تلك الأولية عجزت، لأن كل ما أحاط به عقلك وعلمك فهو محدود، فيكون متناهياً، فتكون الأولية خارجة عنده، وليس في حدود العقل إلا أن يتدبر القرآن: نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين "60" (سورة الواقعة)
قيل: ويجوز أن يكون معنى: وما نحن بمسبوقين "60" (سورة الواقعة)
أنه هو الأول، لم يكن قبله شيء، فهو الأول قبل كل شيء فإن لم يكن أول قبل كل شيء لم يكن للشيء وجود، والأشياء بفعله وأمره وإرادته لا انتهاء لها. إذن: فهو الأول لأنه الواحد الذي لا شريك له، والواحد منه الانطلاق العددي والخلقي والكوني والحركي، وأوليته بلا بداية، فإذا نظرنا إلي وجود شيء نجد سبق الأولية فيه لله، وعندما ينتهي الشيء نجد انتهاءه بأمره، فهو الآخر، وعندما يبدأ الشيء نمواً وصعوداً يكون الأول، فأوليته أبدية وآخرته لا نهائية. وهو الأحد الذي لا يقبل التجزئة، وهو الواحد الذي منه انطلاق الخلق، وهو الأول قبل كل أول، والآخر بعد كل آخر، وهو الصمد الذي تفتقر إليه الخلائق، وهو المجيب لكل مطلوب لطالب.

ام وليد2005
07-25-2014, 06:27 PM
الظاهر
"وأنت الظاهر فليس فوقك شيء"
هو الظاهر وجوده لكثرة دلائله، وهو البادي بالأدلة عليه، وفي أفعاله، فلا يمكن أن يجحد وجوده، وهو الظاهر بحججه الباهرة، وبراهينه النيرة، وشواهد أعلامه الدالة على ثبوت ربوبيته، وصحة وحدانيته، والظاهر هو الغالب العالي.
وفي قوله تعالى: فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين "14" (سورة الصف)
أي: أصبحوا غالبين عالين. وقيل: إن عثمان رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن تفسير: له مقاليد السماوات والأرض .. "63" (سورة الزمر)
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما سألني أحد تفسيرها. لا إله إلا الله، والله اكبر وسبحان الله وبحمده، استغفر الله لا حول ولا قوة إلا بالله، الأول والآخر، والظاهر والباطن، بيده الخير يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير"
والظاهر يدل على عظمة صفاته، وتلاشي كل شيء عند عظمته، فهو العظيم فوق كل عظيم، والكبير فوق كل كبير.

ام وليد2005
07-25-2014, 06:28 PM
الباطن

"وأنت الباطن فليس دونك شيء"

هو الباطن في حقيقة ذاته، فلا تصل إليها العقول، وهو من احتجب عن إدراك الحواس مع شدة ظهوره، وكمال نوره، وهو من ليس له شبيه ولا ضد. وهو الباطن على كل شيء رحمة وعلماً، وهو الذي أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وما لنا من دون الله من ولي ولا نصير.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء:
"اللهم رب السماوات، ورب الأرض، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل دابة، أنت آخذ بناصيتها. اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر"
وقد ذكر "الأول والآخر والظاهر والباطن" سبحانه وتعالى مرة واحدة في القرآن العظيم في الآية الثالثة من سورة الحديد: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم "3" (سورة الحديد)
وكتب الفخر الرازي: سمعت والدي رحمه الله يقول: إنه كان يروي أنه لما نزلت الآية: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم "3" (سورة الحديد)
أقبل المشركون نحو البيت وسجدوا. والباطن يدل على إطلاعه على السرائر والضمائر، والخبايا والخفايا، ودقائق الأشياء، كما يدل على كمال قربه ودنوه، ولا يتنافى الظاهر والباطن، لأن الله ليس كمثله شيء في كل النعوت.

ام وليد2005
07-25-2014, 06:29 PM
الولي
قال تعالى: وما لهم من دونه من والٍ "11" (سورة الرعد)
هو المالك للأشياء والمتولي لها، والمتصرف فيها كيف يشاء، وهو المنفرد بالتدبير، القائم على كل شيء، ولا دوام ولا بقاء إلا بإذنه، وكل شيء يجري بحكمه وبأمره، ويحتمل أن يكون الوالي بمعنى المنعم بالعطاء والدافع للبلاء.
ولنتدبر الآية الكريمة من سورة الرعد: له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقومٍ سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من والٍ "11" (سورة الرعد)
قال الراغب الأصفهاني: الولاء والتوالي يطلق على القرب من حيث المكان ومن حيث النسب، ومن حيث الدين، ومن حيث الصداقة، ومن حيث النصرة، ومن حيث الاعتقاد، والولاية: النصرة. والولاية: تولي الأمر. والولي والمولى يستعملان في ذلك، كل واحد منهما يقال في معنى الفاعل أي: الموالي. وفي معنى المفعول أي: الموالي. يقال للمؤمن: هو ولي الله. ويقال: الله ولي المؤمنين. فالله عز وجل هو نصير المؤمنين، وظهيرهم يتولاهم بعونه وتوفيقه، ويخرجهم من ظلمات الكفر إلي نور الإيمان .. وإنما جعل الظلمات للكفر مثلاً، لأن الظلمات حاجبة للأبصار عن إدراك الأشياء وإثباتها.
وكذلك الكفر حاجب لأبصار القلوب عن إدراك حقائق الإيمان، والعلم بصحته وصحة أسبابه، فأخبر عز وجل عباده أنه ولي المؤمنين ومبصرهم حقيقة الإيمان، وسبله، وشرائعه وحججه، وهاديهم لأدلته المزيلة عنهم الشكوك بكشفه عنهم دواعي الكفر، والظلم وسواتر أبصار القلوب. إذن: فالله تعالى أخبر أن الذين آمنوا بالله ورسله، وصدقوا إيمانهم بالقيام بواجبات الإيمان، وترك كل ما ينافيه، أنه وليهم، يتولاهم بولايته الخاصة ويتولى تربيتهم، فيخرجهم من ظلمات الكفر والجهل والمعاصي، والغفلة والإعراض إلي نور العلم واليقين، والإيمان والطاعة، والإقبال الكامل على ربهم، وينور قلوبهم بما يقذف فيها من نور الوحي والإيمان، وييسرهم ويجنبهم العسرى، ويجلب لهم النافع، ويدفع عنهم المضار فهو يتولى الصالحين. وبهذا يكونون أولياء الله.
يقول الحق سبحانه: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون "62" الذين آمنوا وكانوا يتقون "63" لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة .. "64" (سورة يونس)
فالله يتولى العابدين السالكين بعطاء الألوهية، والأولياء يتولون منهج الله بالاعتقاد الموحد، وبالتعبد الموصول، والأخلاق الفاضلة، والدعوة بالحسنى. يقول الحق سبحانه:إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون "30" نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكن فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون "31" نزلاً من غفورٍ رحيمٍ "32" ومن أحسن قولاً ممن دعا إلي الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين "33" ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم "34" وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظٍ عظيمٍ "35" (سورة فصلت)

ام وليد2005
07-25-2014, 06:31 PM
المتعال
قال تعالى: عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال "9" (سورة الرعد)
هو البالغ في العلو، المتعالي بوجوب وجوده، رفيع الدرجات ذو العرش، وقيل المتعال: معناه المرتفع في كبريائه وعظمته، وعلا مجده عن كل ما يدرك، أو يفهم من أوصاف خلقه. فكل من أسمائه المجيد والعلي والعظيم والكبير والمتعالي، يدخل في الذي يليه بمعناه طردا أو عكساً، فهو العظيم في مجده، والمجيد في عظمته، والعظيم المجيد العلي في كبريائه، وهو تعالى المتعالي في ذلك كله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس العبد عبد تخيل واختال، ونسى الكبير المتعالي"
وقد ذكر "المتعال" سبحانه مرة واحدة في الكتاب العظيم في الآية التاسعة من سورة الرعد: عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال "9" (سورة الرعد)
والمتعالي هو فوق كل فوق، وفوق كل إبداع، وفوق كل خلق، والمتعالي في أمره، فأمره فيه مصلحة العباد، والمتعالي في أمره، فأمره فيه مصلحة العباد، والمتعالي في نهيه لمنع الفساد، والمتعالي في خلقه تبارك الله احسن الخالقين. المتعالي في رزقه، يقول الحق سبحانه وتعالى: وقدر فيها أقواتها .. "10" (سورة فصلت)
وقال تعالى: ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلاً "70" (سورة الإسراء)
والمتعالي هو الرفيع في ذاته، الرفيع في صفاته، الرفيع في عطائه، الرفيع في كبريائه وعظمته. والمتعالي يسقط أمامه كل كبير، ويتلاشى أمامه كل عظيم، ويتناهى عنده كل ملك؛ لأنه ملك الملوك ومالك الملكوت، وهي الحي الذي لا يموت، فهو الكبير لا كبير سواه، وهو العظيم لا عظيم معه، والمتعالي هو المقام الذي لا يليق إلا بذاته، فليس هناك متعال يوصف بهذا الاسم؛ لأنه لا وجود له على الحقيقة سواه.
إذن: المرجع إليه في حركات الكون السارية في الوجود، وحياة الحياة المتحركة في الكون المكنون. ولم نسمع في تراثنا القديم أن إنساناً سمى المتعالي، فهو اسم محفوظ باسم الله؛ لأنه يعلم المنظور والمخفي من عالم الشهادة وعالم الغيب، ولا يظهر الغيب إلا بتوقيت.
ذلك تقدير العزيز العليم "96" (سورة الأتعام).

ام وليد2005
07-25-2014, 06:32 PM
البر

قال تعالى: إنه هو البر الرحيم "28" (سورة الطور)
هو العطوف على عباده بلطفه. الذي من على السائلين بحسن عطائه، وعلى العابدينبجميل جزائه، وهو الذي منه كل مبرة وإحسان. والبر بفتح الباء معناه: فاعل البر، أي:الإحسان، وهي كلمة جامعة لكل صفات الخير، وهو من أسماء الله تعالى. وفي اللغة"البر" هو الاتساع كما يرى المفسرون واللغويون أن البر هو الصلة والخير والاتساع فيالإحسان والصدقة، ويجوز أن يكون معنى البر الكثير الطاعة، وجمعه أبرار، ومن المجاز (فلان يبر ربه) أي: يطيعه.
وفي هذا يكون البر اسماً جامعاً للطاعات وأعمالالخير المقربة إلي الله، أو اسماً جامعاً لرضي الخصال، ولكل فعل مرضي. وطاعة اللهسبحانه هي عبادته تعالى، وبر الوالدين، والتوسع في الإحسان إليهما، فالجنة تحتأقدام الأمهات. والبار من يصدر عنه البر والطاعة، وجمعه بررة، قال تعالى: بأيدي سفرةٍ "15" كرامٍ بررةٍ "16" (سورة عبس)
وأولى بالإنسان أن يكون مشتغلاً بأعمال البر، واستباق الخيرات، وأن لا يضمرالشر، ولا يؤذي أحداً، فإن البر، هو الذي لا يؤذي. ولذا قيل: "البر شيء هين، وجهطلق، وكلام لين".
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "البر لا يبلي، والذنب لا ينسى،والديان لا ينام ـ كما تزرع تحصد ـ وكما تدين تدان"
ورضاء الرب في رضاءالوالدين، فلا أقل من البر بهما، وشدة الإحسان إليهما، وبالقول الكريم، والدعاءلهما.
وسبحان ربي الحنان المنان الذي من على المؤمنين: إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهمالكتاب والحكمة .. "164" (سورة آل عمران)
وهو الذي من على المؤمنين، بأنجعلهم من أهل اليمين. وهو الذي ألهمهم القيام بصالح الأعمال، وهو الذي رزقهمالقبول؛ وقبول احسن ما عملوا، وهو الذي يتجاوز عن سيئاتهم: ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوايعملون "35" (سورة الزمر)
فيا له من بر من ذي المن والكرم .. البرالرحيم. وقد ذكر "البر الرحيم" مرة واحدة في سورة الطور من القرآن الكريم في الآية "28":
إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم(سورة الطور)

قال تعالى: ووصيناالإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرها ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراًحتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلىوالدي وأن اعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين "15" (سورة الأحقاف)
وقال تعالى: أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحابالجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون "16" (سورة الأحقاف)
وقال تعالى: قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين "26" فمن اللهعلينا ووقانا عذاب السموم "27" إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم "28"(سورة الطور)

ام وليد2005
07-25-2014, 06:35 PM
التواب
قال تعالى: ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم "118"(سورة التوبة)
هو الذي يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات، وهو التواب الحكيم، وهو الذي يقابل الدعاء بالعطاء، والاعتذار بالاغتفار، والإنابة بالإجابة. والحق سبحانه حين قدر أمر التوبة على خلقه رحم الخلق جميعاً بتقنين هذه التوبة، وهي إنقاذ للعالم من شرور لا نهاية لها. فلو أن أول واحد انحرف مرة واحدة فيغرق في الانحرافات كلها، ولم يجد باباً للتوبة لعاشت الإنسانية في الفساد، وفي الآخرة لهم عذاب أليم.
لذلك يقول الحديث الشريف: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل"
ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل:
" ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك، ابن آدم أن تلقني بقراب الأرض خطايا لقيتك بقرابها مغفرة بعد أن لا تشرك بي شيئاً، ابن آدم إنك إن تذنب حتى يبلغ عنان السماء ثم تستغفرني أغفر لك ولا أبالي"

والمهم في التائب أن يكون قد عمل السوء بجهالة ثم تاب من قريب، والرسول صلى الله عليه وسلم حين حدد "من قريب" قال ما معناه: مادام العبد لم يغرغر أي: لم يصل إلي حشرجة الموت. إذن: فهو قد تاب من قريب "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر". ويقول الحق جل علاه: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله "135" (سورة آل عمران)
إنه باب مفتوح لا يغلق أبداً إلا لرجل واحد، يقول الحق سبحانه: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .. "48" (سورة النساء)
ولذلك فلنا أن نسترجع الحوار الذي دار بين الحق وبين إبليس: قال رب بما أغويتنيلأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين "39" إلا عبادك منهم المخلصين "40" (سورةالحجر)
إن إبليس قال ذلك، لكن الله قال وأنا سأقبل توبة العبد ما لم يغرغر. فمادام العبد لم يصل إلي مرحلة خروج الروح من الجسد، فالتوبة قد يقبلها الله، لماذا؟ لأن التوبة مادام قد شرعها الله فهو قد فعل ذلك ليحمي المجتمع من شر الغارقين في المعصية والموغلين فيها. فإذا ما قدم العبد التوبة لحظة الغرغرة، فماذا يستفيد المجتمع؟ إن المجتمع لم يستفد شيئاً؛ لأن مثل هذا العاصي تاب وقت لا شر له، لذلك فعلى العبد أن يتوب قبل ذلك حتى يرحم المجتمع من شرور المعاصي.

قال تعالى: إنما التوبة على الله يعملون السوء بجهالةٍ .. "17" (سورة النساء)
والعلماء عندما تناولوا أمر التوبة قالوا: هل يتوب العبد أولاً، ثم يتوب الله عليه؟ إنه سبحانه يقول: ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم "118" (سورة التوبة)
لنفهم النص جيداً: هل يتوب العبد أولاً وبعد ذلك يقبل الله التوبة؟ أم أن الله يتوب على العبد أولاً ثم يتوب العبد؟ إن الآية صريحة واضحة تقول: ثم تاب عليهم ليتوبوا .. "118" (سورة التوبة)
وهنا نقول: وهل يتوب واحد ارتجالاً منه؟ أم أن الله شرع التوبة للعباد؟ إن الله قد شرع التوبة فتاب العبد، فقبل الله التوبة. نحن إذن أمام ثلاثة أمور، الله سبحانه وتعالى شرع للعباد التوبة، ولم يرتجل أحد توبته على الله، إنما الذي خلقنا جميعاً وقدر أن الواحد قد يضعف أمام بعض الشهوات لذلك وضع تشريع التوبة، وهو المقصود بقوله: ثم تاب عليهم .. "118" (سورة التوبة)
أي: شرع لهم التوبة، وبعد ذلك يتوب العبد إلي الله "ليتوبوا"، وبعد ذلك يكون القبول من الله: غافر الذنب وقابل التوب .. "3" (سورة غافر)
إنها ثلاث مراحل. إن الحق سبحانه شرع التوبة، والإنسان لم يبتكر التوبة إلي الله، وبعد ذلك يتوب الإنسان بالفعل، وبعد ذلك يقبل الله التوبة.
ويقول الحق سبحانه: إنما التوبة على الله .. "17" (سورة النساء)
ولو تأملنا كلمة "على الله" تجدها في منتهى العطاء. إن العبد عندما يحال إلي غني فهو يفرح، فإذا كان الواحد فقيراً ومديناً ويحال إلي غني من العباد فهو يفرح؛ لأن العبد الغني قد يسدد دين العبد الفقير، فما بالنا بالتوبة التي أحالها الله على ذاته بكل كماله وجماله. إنه سبحانه أحال التوبة على نفسه لا على خلقه، إن التوبة على الله، فلا يملك واحد أن يرجع فيها: إنما التوبة على الله يعملون السوء بجهالةٍ ثم يتوبون من قريبٍ فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً .. "17" (سورة النساء)
إن هذه الآية تتضمن عناصر التوبة، فالله تواب شرع التوبة، والعبد يتوب إلي الله، والحق سبحانه قابل التوبة، فحين قال الله: إنما التوبة على الله .. "17" (سورة النساء)
أي: أنه سبحانه أوجب على نفسه التوبة، وحين قال: ثم يتوبون من قريبٍ .. "17" (سورة النساء)
أي: أن العبد يرجو التوبة من الله، وحين قال: فأولئك يتوب الله عليهم.. "17" (سورةالنساء)

ام وليد2005
07-25-2014, 06:36 PM
المنتقم
قال تعالى: والله عزيز ذو انتقام "4" (سورة آل عمران)
هو الذي ينتقم من الظالمين بعدله، وهو الذي ترجى رحمته، وإنا ندعوه تعالى خوفاًوطمعاً، وبهذا الاسم تعتدل موازين العدل، وتستقيم الحياة، ويأمن كل إنسان على مسيره ومصيره. يقول الحق: ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار "42" (سورة إبراهيم)
ويقول تعالى: يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون "16" (سورة الدخان)
ويقول الحق: أولئك الذين يدعون يبتغون إلي ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمتهويخافون عذابه ربك كان محذورا "57" (سورة الإسراء)
ويقول تعالى: إنا نخاف من ربنا يوما عبوساً قمطريراً "10" (سورة الإنسان)
ويقول تعالى: فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً "11" (سورة الإنسان)
هذه الآيات الكريمة تعطي للحياة أن هناك ثواباً وعقاباً للمجرمين، هذا الاسم مسبوق بحلمه وعفوه وغفرانه وإحسانه، فإذا لم يكن هناك تجاوب مع فضل الله فيكون انتقامه.

ام وليد2005
07-25-2014, 06:39 PM
العفو
قال تعالى: إن الله لعفو غفور "60" (سورة الحج)
هو الذي لم يزل ولا يزال بالعفو معروفاً، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفاً، كل أحد مضطر إلي عفوه ومغفرته، كما هو مضطر إلي رحمته وكرمه، وقد وعد بالمغفرةوالعفو لمن أتى أسبابها.
قال تعالى: وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى "82" (سورة طه)
والعفو هو الذي له العفو الشامل الذي وسع ما يصدر من عباده من الذنوب، ولاسيما إذا أتوا بما يسبب العفو عنهم من الاستغفار والتوبة والإيمان والأعمال الصالحة، فهو سبحانه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات. وهو سبحانه عفو يحب العفو، ويحب من عباده أن يسعوا في تحصيل الأسباب التي ينالون بها عفوه، من السعي في مرضاته، والإحسان إلي خلقه، ومن كمال عفوه أنه مهما أسرف العبد على نفسه ثم تاب إليه ورجع غفر له جميع جرمه، صغيره أو كبيره، وأنه جعل الإسلام يجب ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها.
قال تعالى: قال يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله .. "53" (سورة الزمر)
وفي الحديث "إن الله يقول: يا بن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة".
وقال تعالى: إن ربك واسع المغفرة .. "32" (سورة النجم)
وقد ذكر "العفو" سبحانه في القرآن خمس مرات أربع مرات مع الاسم "الغفور"، والخامس مع الاسم "القدير".
1. إن الله لعفو غفور "60" (سورة الحج)
2. إن الله لعفو غفور "2" (سورة المجادلة)
3. إن الله كان عفواً غفوراً "43" (سورة النساء)
4. فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً "99"} (سورة النساء)
5. إن تبدوا خيراً أو تخفوه أو تعفوا عن سوءٍ فإن الله كان عفواً قديراً "149"
(سورة النساء)

ام وليد2005
07-25-2014, 06:40 PM
الرؤوف
قال تعالى: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد "207" (سورة البقرة)
هو ربي الرءوف الرحيم، الشديد الرحمة الذي كلف الثري بما لم يكلف به المسكين، وأخذ المقيم بما لم يأخذ به المسافر، وخفف الفرائض في حال الضعف.
والحمد لله الذي يحب أن تؤتي رخصه، كما يجب أن تؤتي عزائمه. وفي اللغة وفي معجم ألفاظ القرآن الكريم، لمجمع اللغة العربية يقال: رأف به، أي: أشفق عليه من مكروه يحل به، والرأفة: أشد الرحمة، والرأفة من الله، دفع السوء.
وإليكم هذا الدعاء الذي فيه سبعة أسماء: اللهم افعل بي وبهم، عاجلاً وآجلاً، في الدين والدنيا والآخرة، ما أنت له أهل، ولا تفعل بنا يا مولانا ما نحن له أهل، إنك أنت غفور حليم، جواد كريم، رءوف رحيم".
وقد ذكر "الرءوف" سبحانه عشر مرات في الكتاب الكريم (وهو الرءوف الرحيم).
في الآيات: 143ـ البقرة، 117ـ التوبة، 7ـ النحل، 47ـ النحل، 65ـ الحج، 20ـ النور، 9ـ الحديد، 10ـ الحشر. (وهو رءوف بالعباد) في الآيات 207ـ البقرة، 30ـ آل عمران.
ثم لنتدبر هذه الآية الكريمة: يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوءً تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد "30" (سورة آل عمران).

ام وليد2005
07-27-2014, 01:50 AM
مالك الملك
قال تعالى: قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير "26"(سورة آل عمران)
هو الذي له التصرف المطلق، مالك الملك، الذي تنفذ مشيئته في ملكه كيف يشاء وكما يشاء، لا مرد لقضائه ولا معقب لحكمه، الملك هنا (بضم الميم) مصدر بمعنى السلطان والقدرة، وقيل: الملك بمعنى المملكة، والمالك بمعنى القادر التام القدرة.
وتبارك الذي بيده الملك، مالك الملك، الذي يملك كل شيء، مالك السمع والأبصار والأفئدة، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، يوم هم بارزون لا يخفي على الله منهم شيء، لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار. فعندما تجلى الحق سبحانه وتعالى على سيدنا إبراهيم خليل الرحمن: وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين "75 "(سورة الأنعام)
أي: أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يجعل سيدنا إبراهيم يشاهد الملكوت في السماوات والأرض إلي الأشياء الخافية المخفية عن عيون العباد. إذن: فمراحل الحيازة هي كالآتي: ملك أي أن يمتلك الإنسان شيئاً ما وهذا نسميه مالكاً للأشياء.
فهو مالك لأشيائه ومالك لمتاعه، أما الذي يملك الإنسان الذي يملك الأشياء، ومالك لمتاعه نسميه (ملك) بضم الميم أي: أنه يملك الأشياء.
ولا يظن أحد أن هناك إنساناً قد ملك شيئاً أو جاهاً في هذه الدنيا بغير مراد الله فيه، فكل إنسان يملك بما يريده الله له من رسالة. فإذا انحرف العباد فلابد أن يولي الله عليهم ملكاً ظالماً. لماذا؟ لأن الأخيار قد لا يعرفون تربية الناس: وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون "129" (سورة الأنعام)
ولذلك نجد أن قوله الحق: وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون "129" (سورة الأنعام)
شائع عندنا أن الله يسلط الظالمين على الظالمين، ولو أن الذين ظلموا مكن منهم من ظلموهم ما صنعوا فيهم ما صنعه إخوانهم الظالمون في بعضهم، إن الحق يسلط الظالمين على الظالمين، وينجي أهل الخير من موقف الانتقام ممن ظلموهم.
إذن: فنحن في الحياة نجد (مالك)، و(ملك) وهناك فوق كل ذلك (مالك الملك) لم يقل إنه(ملك الملك) لأننا إذا دققنا جيداً في أمر الملكية، فإننا لا نجد مالكاً إلا الله:قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك .. "26" (سورة آل عمران)
إنه المتصرف في ملكه، وإياكم أن تظنوا أن أحداً قد حكم في خلق الله بدون مراد الله.
يقول الحق سبحانه: مالك الملك .. "26" (سورة آل عمران)
توضح لنا أن ملكية الله الدائمة القادرة واضحة وجلية، ومؤكدة. ولو قال الله في وصف ذاته (ملك الملك) لكان معنى ذلك أن هناك بشراً يملكون بجانب الله، لا أنه الحق مالك الملك. ومادام الله هو مالك الملك فإنه يهبه لمن يشاء، وينزع الملك ممن يشاء تأتي بعد عملية المحاجة، وبعد عملية أن بعضاً من أهل الكتاب قد دعوا إلي حكم الله، فتولى فريق منهم وأعرض عن حكم الله، وعللوا ذلك بإدعاء أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأن النار لن تمسهم إلا أياماً معدودة، كل هذه خيارات من لطف الله، وضعها أمام هؤلاء العباد، لكنهم لا يختارون إلا الاختيار السيئ، ولذلك يأتي الله بخبر اليوم الذي سوف يأتي، ولن يكون لأحد أي قدرة أو اختيار. أن كلمة الحق: تنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء "26" (سورة آل عمران)
تجعلنا نتساءل: ما هو النزع؟ إنه القلع بشدة، لأن الملك عادة ما يكون ماسكاً بكرسي الملك، متشبثاً به، إنه متشبث ومتمسك بالملك، لماذا؟ لأنها مغنم لا تبعات، وعرق وسهر ومشقة، وحرص على حقوق الناس، وليس سؤلاً للنفس. ماذا فعلت للناس؟ إن الذي يسهر على الناس ويتعب ويكد ويشقى ويحرص على حقوق الناس، يجد أن الملك مغرم لا مغنم، لقد لا رفاهية، لذلك يحاول أن يهرب من التمسك بالحكم والملك. إننا ساعة نرى حاكماً متكالباً على الحكم، فلنعلم أنه عنده مغنم لا مغرم، ولذلك فسيدنا عمر بن الخطاب قالوا له: إن فقدناك ـ ولا نفقدك ـ تولى عبد الله بن عمر، وهو رجل فرفره الورع، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: بحسب آل الخطاب أن يسأل منهم عن أمة محمد رجل واحد.
لماذا؟ لأن الحكم في الإسلام مشقة وتعب. إذن: جاء الحق سبحانه بالقول الحكيم تنزعالملك ممن تشاء .. "26" (سورة آل عمران)
وذلك لينبهنا إلي هؤلاء المتشبثين بكراسي الحكم، وينزعهم الله منها، إن المؤمن عندما ينظر إلي الدول في عنفوانها وحضاراتها وقوتها، أو نجد أن الملك فيها يسلب من الملك فيها على أهون سبب. إنه الخلق الأعلى، عندما يريد فلا راد لقضائه، إن الحق إما أن يأخذه هو من الحكم وتنتهي المسألة: قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء .. "26" (سورة آل عمران).

ام وليد2005
07-27-2014, 01:52 AM
ذو الجلال والإكرام
قال تعالى: ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام "27" (سورة الرحمن)
هو الذي لا جلال ولا كمال ولا شرف إلا هو له، ولا كرامة ولا إكرام إلا هو صادر منه. فالجلال له في ذاته، والكرامة فائضة منه على خلقه. وقيل: ذو الجلال .. "27" (سورة الرحمن)
إشارة إلي صفات الكمال. والإكرام "27" (سورة الرحمن)
إشارة إلي صفات التنزيه.
وقيل "الجلال" هو الوصف الحقيقي "والإكرام" هو الوصف الإضافي. وقيل "الجلال" صفة ذاته سبحانه، و"الإكرام" صفة فعله تعالى. جاء في بعض الروايات أنه اسم الله الأعظم، فقد قيل في ذلك: إنه كان صلى الله عليه وسلم ماراً في الطريق إذ رأى أعرابياًيقول: "اللهم إني أسألك باسمك الأعظم العظيم الحنان المنان، مالك الملك، ذو الجلالوالإكرام" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه دعاء باسم الله الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى"
وقد ذكر "ذو الجلال والإكرام" مرتين في القرآن الكريم، والمرتان في سورة الرحمن:ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام "27" (سورة الرحمن)
تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام "78" (سورة الرحمن).

ام وليد2005
07-27-2014, 01:53 AM
المقسط
قال تعالى: وقضى ربك بينهم بالقسط وهم لا يظلمون "54" (سورة يونس)
هو المقسط، القائم بالقسط، المقيم للعدل، العادل في الحكم، وهو الذي ينتصف للمظلوم من الظالم وكماله في أن يضيف إلي إرضاء المظلوم إرضاء الظالم، وذلك غاية العدل والإنصاف، ولا يقدر عليه إلا الله تعالى.

ومثاله ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ ضحك حتى بدت ثناياه، فقال عمر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما أضحكك؟ قال: رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة، فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من هذا، فقال الله عز وجل: رد على أخيك مظلمته، فقال: يا رب لم يبق منحسناتي شيء، فقال عز وجل للطالب: كيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء؟ فقال: يا رب فليحمل عني أوزاري.. ثم فاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء، وقال: إن ذلك ليوم عظيم، يوم يحتاج الناس أن يحمل عنهم من أوزارهم .. فقال: فيقول الله عز وجل ـ أي للمتظلم ـ: أرفع بصرك فانظر في الجنان. فقال: يا رب أرى مدائن من فضة وقصوراً من ذهب مكللة باللؤلؤ، لأي نبي هذا؟ أو لأي صديق هذا؟ أو لأي شهيد هذا؟ قال الله عز وجل: لمن أعطى الثمن. فقال: يا رب، ومن يملك ذلك؟ قال "أنت تملكه" قال:
بماذا يا رب؟ فقال "بعفوك عن أخيك" قال: يا رب قد عفوت عنه، قال الله عز وجل: خذ بيد أخيك فأدخله الجنة"
ثم قال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله، اتقوا الله، وأصلحوا ذات بينكم، فإن الله يعدل بين المؤمنين يوم القيامة"

ام وليد2005
07-27-2014, 01:54 AM
الجامع
قال تعالى: يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن "9" (سورة التغابن)
هو الذي جمع الكمالات كلها ذاتاً، ووصفاً، وفعلاً. فليس كذاته ذات، ولا كصفاته صفات، ولا كفعله فعل، وسبحان جامع الناس ليوم لا ريب فيه. و"يوم الجمع" هو يوم القيامة، وسمي بذلك لأن الله تعالى يجمع فيه بين الأولين والآخرين، ومن الإنس والجن، وجميع أهل السماء والأرض، وبين كل عبد وعمله، وبين الظالم والمظلوم، وبين كل نبي وأمته، وبين ثواب أهل الطاعة وعقاب أهل المعصية.
قال تعالى: الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلي يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثاً "87" (سورة النساء)
فليس هناك إله آخر سيأتي ليتدخل وينهي المسائل من خلف الخالق الأعلى سبحانه ( الله لا إله إلا هو) أي: ليس هناك إلا سواه سبحانه، وعلى ذلك فتشريع الحق هو التشريع الوحيد، وسوف ترجعون جميعاً إلي الله، فليس هناك إلهان، واحد يقول (افعل) و( لا تفعل) والآخر يقول العكس، لا .. إنه إله واحد والأمر منه بـ(افعل)، هو الأمر الوحيدلصالح الإنسان والأمر منه بـ(لا تفعل) هو الأمر الوحيد الذي يجب على المؤمن أنيتجنبه.
يقول الحق: لا إله إلا هو ليجمعكم إلي يوم القيامة .. "87" (سورة النساء)
وكلمة (يجمع) تعني أن يخرجنا جماعة من قبورنا جميعاً، ويحشرنا جميعاً أمامه، وقد تعني (يجمع) أن يخرجنا إلي جزاء يوم القيامة، أو إلي تلقي جزاء يوم القيامة، لماذا جاء هذا القول؟ ونقول: حتى يتفحصه العاقل فلا يأخذ انفلات نفسه من منهج الله إلا بملاحظة الجزاء على الانفلات من المنهج، فلو أخذ نفسه منفلتاً عن منهج الله بدون أن يقدر الجزاء لكان أحمق. ولذلك قلنا: إن الذين يسرفون على أنفسهم في المعصية لا يستحضرون أمام عيونهم الجزاء على المعصية، ولذلك كل الجرائم إنما تتم في غفلة صاحبها عن الجزاء.
إن المجرم إنما يرتكب جريمته وهو مقدر السلامة لنفسه، فالسارق يذهب إلي السرقة وهو مقدر السلامة، لكن لو وضع في ذهنه أنه من الممكن أن يتم القبض عليه لما فعلها أبداً. إن الحق سبحانه وتعالى يقول: إليك يا من تريد أن تنصرف بمنهج الاختيار الذي أعطيته لك أن تنحرف على منهجي بألا تقدر الجزاء على هذه المخالفة، وخذها قضية واضحة واسأل: كم ستعطيك المعصية من نفع؟ كم ستعطيك من شقاء؟ وضع الاثنين معاً في كفتي ميزان، وستعرف أن الذي سيعطيك الخير الأبقى هو: الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلي يوم القيامة .. "87" (سورة النساء)
ويوم القيامة هو اليوم الذي قال فيه الحق: يوم يقوم الناس لرب العالمين "6" (سورة المطففين)
ولماذا يوم القيامة؟ لأن آخر مظهر من مظاهر دنيا الناس أنهم يحن يموتون ينامون، فالميت ينام، ومن بعد ذلك تدخله إلي القبر: الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلي يوم القيامة لا ريب فيه .. "87" (سورة النساء)
إنك أيها العبد تعلم أن العالم الذي خلقه الله مختاراً إن شاء فعل الخير، وإن شاء فعل الشر. لقد زود الله العباد بالمنهج، وجعل لهم الاختيار، إنه الحق الذي صنع كل شيء. يقول الحق سبحانه وتعالى: الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلي يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثاً "87" (سورة النساء)
إن المؤمن يعتقد أن يوم القيامة لا شك فيه، وذلك الإيمان بيوم القيامة. لا يجب منطقياً أن يوجد فيه شك، فلو أن يوم القيامة فيه ريب، فالذين انحرفوا فيه الحياة الدنيا، وولغوا في أعراض الناس، وأخذوا أموالهم، وعاثوا في الأرض فساداً يكونون هم الذين كسبوا، ويكون الطيبون والأخيار قد عاشوا في سذاجة.
إن المنطق يقتضي أنه مادام قد وجد أناس قد ظلموا واعتدوا، وأناس اعتدى عليهم، فلابد أن يكون هناك حساب، ولا يكون هناك حساب إلا إذا انتهت حكاية الموت، ونخرج إلي لقاء الله، ودليل هذا من الجاحدين أنفسهم. كيف؟ نريد أن نرى مجتمعاً غير متدين، ونرى هل وضع القادة فيه قوانين تحمي حركة المجتمع أم لا؟ إنهم يصنعون مثل هذه القوانين، ومن يخالفهم يتم حسابه وعقابه، فإذا كان العقاب يمنع المجاهرة بالجريمة، فماذا يكون موقعه؟ إن الماهر إذن من يفلح في المداراة عن عيون قادة هذا المجتمع.
ونقول: إن المجتمعات الملحدة تضع التقنيات لحماية نفسها، فماذا تفعل هذه المجتمعات؟ كان يجب أن يعاقب، وكان يجب أن تقولوا أنتم أن هناك مكاناً آخر وداراً أخرى حتى يتم عقاب من أفلت منا، إنك أيها الملحد مادمت قد قننت لمن خالف تقنينك عقوبة، هذا إن وقعت عليه عينك، فكيف الحال لمن لا تقع عليه عينك؟ ولم يقبض عليه يدك. إن الملحد عندما يسمع ذلك يقف محتاراً. إذن: فنحن أهل الإيمان عندما نقول للملحد: إننا نكمل لك تفكيرك الناقص.
ونقول لكل الخلق: إنكم إن عميتم على قضاء الأرض فلن تعموا على قضاء السماء، وذلك لحراسة المجتمع. إذن: فغير المؤمن بمنهج نأخذ منه الدليل على ضرورة المنهج، وعلى غير المؤمن بالمنهج أن يشكر أهل الإيمان، لأننا نحن أهل الإيمان قد أكملنا له نقصاً في تقنين البشر، وهذا لحماية المجتمع من الكيد بالجريمة، والستر بالمخالفة. يقول الحق:ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد "9" (سورة آل عمران)
لأن الذي يخلف الميعاد إنما تمنعه قوة قاهرة تأتيه، أما الله فلا تأتي قوة قاهرة لتغير ما يريد أن يفعل، ولا يمكن أن يتغير لأن التغير ليس من صفات القديم الأزلي. وحين يؤكد الحق سبحانه أننا سيتم جمعنا بمشيئته في يوم لا ريب فيه، وأن الله لا يخلف الميعاد فمن المؤكد أننا سنلتقي.

ام وليد2005
07-27-2014, 01:55 AM
الغني
قال الله تعالى: وأنه هو أغنى وأقنى "48" (سورة النجم)
وقال تعالى: يا أيها الناس أنتم الفقراء إلي الله والله هو الغني الحميد "15" (سورة فاطر)
فهو تعالى (الغني) الذي له الغنى التام المطلق من كل الوجوه لكماله وكمال صفاته، ولا يتطرق إليها نقص بوجه من الوجوه، ولا يمكن أن يكون إلا غنياً، فإن غناه من لوازم ذاته، كما لا يكون إلا محسناً جواداً براً رحيماً كريماً، والمخلوقات بأسرها لا تستغني عنه في حال من أحوالها، فهي مفتقرة إليه في إيجادها، وفي بقائها، وفي كل ما تحتاجه أو تضطر إليه. ومن سعة غناه أن خزائن السماوات والأرض، والرحمة بيده، وأن جوده على خلقه متواصل في جميع اللحظات والأوقات، وأن بيده سحاء الليل والنهار وخيره على الخلق مدرار.
ومن كمال غناه وكرمه أنه يأمر عباده بدعائه، ويعدهم بإجابة دعواتهم وإسعافهمبجميع مراداتهم ويؤتيهم من فضله ما سألوه، وما لم يسألوه. ومن كمال غناه أنه لواجتمع أول الخلق وأخرهم في صعيد واحد فسألوه، فأعطى كلاً منهم ما سأله. وما بلغت أمانيه، ما نقص من ملكه ذرة. ومن كمال غناه وسعة عطاياه ما يبسطه على أهل دار كرامته من النعيم، واللذات المتتابعات والخيرات المتواصلات، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ومن كمال غناه أنه لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ولاشريكاً في الملك، ولا ولياً من الذل، فهو الغني في ذاته وأوصافه وأفعاله، المغني لجميع مخلوقاته.
والخلاصة أن الله الغني الذي له الغنى التام المطلق من كل الوجوه، وهو المغني جميع خلقه غني عاماً، والمغني لخواص خلقه، بما أفاض على قلوبهم من المعارف الربانية، والحقائق الإيمانية، والإشراقات النورانية. والحق سبحانه حين يقول: والله غني حليم "263" (سورة البقرة)
ففي ذلك بيان للقادر بأن الباب الذي حرم به الفقير إنما حرمت أنت نفسك أيها القادر من أجر الله. إنك أيها القادر حين تحرم فقيراً، فأنت المحروم لأن الله غني عنك. إن الحق سبحانه يقول: هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم "38" (سورة محمد)
إن الله غني بقدرته المطلقة، غني وقادر أن يستبدل بالقوم البخلاء، قوماً يسخون بما أفاء الله عليهم من رزق في سبيل الله، إن الذي يمسك عن العطاء، إنما منع عن نفسه باب رحمة، وهناك أناس مهيئون لأن يفتح الله لهم باب هذه الرحمة.
يقول الحق سبحانه: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار "37" ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب "38"قال الله تعالى:
وأنه هو أغنى وأقنى "48" (سورة النجم)
وقال تعالى: يا أيها الناس أنتم الفقراء إلي الله والله هو الغني الحميد "15" (سورة فاطر)
فهو تعالى (الغني) الذي له الغنى التام المطلق من كل الوجوه لكماله وكمال صفاته، ولا يتطرق إليها نقص بوجه من الوجوه، ولا يمكن أن يكون إلا غنياً، فإن غناه من لوازم ذاته، كما لا يكون إلا محسناً جواداً براً رحيماً كريماً، والمخلوقات بأسرها لا تستغني عنه في حال من أحوالها، فهي مفتقرة إليه في إيجادها، وفي بقائها، وفي كل ما تحتاجه أو تضطر إليه. ومن سعة غناه أن خزائن السماوات والأرض، والرحمة بيده، وأن جوده على خلقه متواصل في جميع اللحظات والأوقات، وأن بيده سحاء الليل والنهار وخيره على الخلق مدرار.
ومن كمال غناه وكرمه أنه يأمر عباده بدعائه، ويعدهم بإجابة دعواتهم وإسعافهمبجميع مراداتهم ويؤتيهم من فضله ما سألوه، وما لم يسألوه. ومن كمال غناه أنه لواجتمع أول الخلق وأخرهم في صعيد واحد فسألوه، فأعطى كلاً منهم ما سأله. وما بلغت أمانيه، ما نقص من ملكه ذرة. ومن كمال غناه وسعة عطاياه ما يبسطه على أهل دار كرامته من النعيم، واللذات المتتابعات والخيرات المتواصلات، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ومن كمال غناه أنه لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ولاشريكاً في الملك، ولا ولياً من الذل، فهو الغني في ذاته وأوصافه وأفعاله، المغني لجميع مخلوقاته.
والخلاصة أن الله الغني الذي له الغنى التام المطلق من كل الوجوه، وهو المغني جميع خلقه غني عاماً، والمغني لخواص خلقه، بما أفاض على قلوبهم من المعارف الربانية، والحقائق الإيمانية، والإشراقات النورانية. والحق سبحانه حين يقول: والله غني حليم "263" (سورة البقرة)
ففي ذلك بيان للقادر بأن الباب الذي حرم به الفقير إنما حرمت أنت نفسك أيها القادر من أجر الله. إنك أيها القادر حين تحرم فقيراً، فأنت المحروم لأن الله غني عنك. إن الحق سبحانه يقول: هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم "38" (سورة محمد)
إن الله غني بقدرته المطلقة، غني وقادر أن يستبدل بالقوم البخلاء، قوماً يسخون بما أفاء الله عليهم من رزق في سبيل الله، إن الذي يمسك عن العطاء، إنما منع عن نفسه باب رحمة، وهناك أناس مهيئون لأن يفتح الله لهم باب هذه الرحمة.
يقول الحق سبحانه: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار "37" ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب "38" (سورة النور)

ريم العامري
02-29-2016, 10:49 PM
جزاك الله خيراً

تاج راسي انت
04-27-2016, 08:25 PM
جزاك الله خير