عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن رسول صلى الله عليه وسلم قال : إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه . حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما .
الحاشية رقم: 1
هذا الحديث خرجه ابن ماجه من طريق الأوزاعي ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وخرجه ابن حبان في " صحيحه " والدارقطني ، وعندهما : عن الأوزاعي ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . وهذا إسناد صحيح في ظاهر الأمر ، ورواته كلهم محتج بهم في " الصحيحين " وقد خرجه الحاكم ، وقال : صحيح على شرطهما . كذا قال ، ولكن له علة ، وقد أنكره الإمام أحمد جدا ، وقال : ليس يروى فيه إلا عن الحسن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا . وقيل لأحمد : إن الوليد بن مسلم روى عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر مثله ، فأنكره أيضا . [ ص: 362 ] وذكر لأبي حاتم الرازي حديث الأوزاعي ، وحديث مالك ، وقيل له : إن الوليد روى أيضا عن ابن لهيعة عن موسى بن وردان ، عن عقبة بن عامر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، فقال أبو حاتم : هذه أحاديث منكرة كأنها موضوعة ، وقال : لم يسمع الأوزاعي هذا الحديث من عطاء ، وإنما سمعه من رجل لم يسمه ، أتوهم أنه عبد الله بن عامر ، أو إسماعيل بن مسلم ، قال : ولا يصح هذا الحديث ، ولا يثبت إسناده . قلت : وقد روي عن الأوزاعي ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير مرسلا من غير ذكر ابن عباس ، وروى يحيى بن سليم ، عن ابن جريج ، قال : قال عطاء : بلغني أن رسول الله صلى عليه وسلم قال : إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه خرجه الجوزجاني ، وهذا المرسل أشبه . وقد ورد من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا رواه مسلم بن خالد الزنجي عن سعيد العلاف ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تجوز لأمتي عن ثلاث : عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه خرجه الجوزجاني . وسعيد العلاف : هو سعيد بن أبي صالح ، قال أحمد : هو مكي ، قيل له : كيف حاله ؟ قال : لا أدري وما علمت أحدا روى عنه غير مسلم بن خالد ، قال أحمد : وليس هذا مرفوعا ، إنما هو عن ابن عباس قوله . نقل ذلك عنه مهنا ، ومسلم بن خالد ضعفوه . [ ص: 363 ] وروي من وجه ثالث من رواية بقية بن الوليد ، عن علي الهمداني ، عن أبي جمرة عن ابن عباس مرفوعا ، خرجه حرب ، ورواية بقية عن مشايخه المجاهيل لا تساوي شيئا . وروي من وجه رابع خرجه ابن عدي من طريق عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعبد الرحيم هذا ضعيف . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أخر ، وقد تقدم أن الوليد بن مسلم رواه عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعا ، وصححه الحاكم وغربه ، وهو عند حذاق الحفاظ باطل على مالك ، كما أنكره الإمام أحمد وأبو حاتم ، وكانا يقولان عن الوليد : إنه كثير الخطأ . ونقل أبو عبيد الآجري عن أبي داود ، قال روى الوليد بن مسلم عن مالك عشرة أحاديث ليس لها أصل ، منها عن نافع أربعة . قلت : والظاهر أن منها هذا الحديث ، والله أعلم . وخرجه الجوزجاني من رواية يزيد بن ربيعة سمعت أبا الأشعث يحدث عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : إن الله عز وجل تجاوز عن أمتي عن ثلاثة : عن الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه . ويزيد بن ربيعة ضعيف جدا . [ ص: 364 ] وخرج ابن أبي حاتم من رواية أبي بكر الهذلي ، عن شهر بن حوشب ، عن أم الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : إن الله تجاوز لأمتي عن ثلاث : عن الخطأ والنسيان والاستكراه قال أبو بكر : فذكرت ذلك للحسن ، فقال أجل ، أما تقرأ بذلك قرآنا : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [ البقرة : 286 ] . وأبو بكر الهذلي متروك الحديث . وخرجه ابن ماجه ، ولكن عنده عن شهر ، عن أبي ذر الغفاري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ولم يذكر كلام الحسن . وأما الحديث المرسل عن الحسن ، فرواه عنه هشام بن حسان ، ورواه منصور ، وعوف عن الحسن من قوله ، لم يرفعه ، ورواه جعفر بن جسر بن فرقد ، عن أبيه ، عن الحسن ، عن أبي بكرة مرفوعا ، وجعفر وأبوه ضعيفان . [ ص: 365 ] قال محمد بن نصر المروزي : ليس لهذا الحديث إسناد يحتج به حكاه البيهقي . وفي " صحيح مسلم " عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما نزل قوله تعالى : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [ البقرة : 286 ] قال الله : قد فعلت . وعن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أنها لما نزلت ، قال : نعم ، وليس واحد منهما مصرحا برفعه . وخرج الدارقطني من رواية ابن جريج ، عن عطاء ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ، وما أكرهوا عليه ، إلا أن يتكلموا به أو يعملوا ، وهو لفظ غريب . وقد خرجه النسائي ولم يذكر الإكراه . وكذا رواه ابن عيينة عن مسعر ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وزاد فيه : وما استكرهوا عليه خرجه ابن ماجه . وقد أنكرت هذه الزيادة على ابن عيينة ، ولم يتابعه عليها أحد . والحديث مخرج من رواية قتادة في " الصحيحين " والسنن والمسانيد بدونها . [ ص: 366 ] ولنرجع إلى شرح حديث ابن عباس المرفوع ، فقوله : إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان إلى آخره تقديره : إن الله رفع لي عن أمتي الخطأ ، أو ترك ذلك عنهم ، فإن " تجاوز " لا يتعدى بنفسه . وقوله : الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه . فأما الخطأ والنسيان ، فقد صرح القرآن بالتجاوز عنهما ، قال الله تعالى : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [ البقرة : 286 ] ، وقال : وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم [ الأحزاب : 5 ] . وفي " الصحيحين " عن عمرو بن العاص سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إذا حكم الحاكم ، فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ ، فله أجر . وقال الحسن : لولا ما ذكر الله من أمر هذين الرجلين - يعني داود وسليمان - لرأيت أن القضاة قد هلكوا ، فإنه أثنى على هذا بعمله ، وعذر هذا باجتهاده : يعني قوله : وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم [ الأنبياء : 78 ] الآية . وأما الإكراه فصرح القرآن أيضا بالتجاوز عنه ، قال تعالى : من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان [ النحل : 106 ] ، وقال تعالى : لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة [ آل